علوم البلاغة البيان والمعاني والبديع

أحمد مصطفى المراغي

علوم البلاغة البيان والمعاني والبديع

المؤلف:

أحمد مصطفى المراغي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٤
ISBN: 2-7451-1097-7
الصفحات: ٣٩٩

قالوا اشتكت عينه فقلت لهم

من كثرة القتل نالها الوصب

حمرتها من دماء من قتلت

والدم في النصل شاهد عجب

٣ ـ والثالث ، كقول مسلم بن الوليد :

يا واشيا حسنت فينا إساءته

نجّى حذارك إنساني من الغرق

فإن استحسان إساءة الواشي ممكن لكنه لما كان مخالفا عليه الناس احتاج الى تعقيبه بذكر سببه وهو حذره من الواشي ، ولأجل ذلك امتنع من البكاء ، فسلم إنسان عينه من الغرق في الدموع.

٤ ـ والرابع ، كمعنى بيت فارسي ، ترجمته :

لو لم تكن نية الجوزاء خدمته

لما رأيت عليها عقد منتطق

فنية الجوزاء خدمة الممدوح صفة غير ممكنة قصد إثباتها وجعل الدليل على ذلك شدها النطاق.

ومما يلحق بحسن التعليل وليس (١) منه ما بني على الشك كقول أبي تمام :

ربا شفعت ريح الصبا لرياضها

الى المزن حتى جادها وهو هامع

كأن السحاب الغر غيبن تحتها

حبيبا فما ترقا لهن مدامع

فقد علل على سبيل الشك نزول المطر من السحاب بأنها غيبت حبيبا تحت تلك الربى فهي تبكي عليه.

التفريع

هو أن يثبت حكم لشيء بينه (٢) وبين أمر آخر نسبة وتعلق بعد أن يثبت ذلك الحكم لمنسوب آخر لذلك الأمر ، فلا بد إذا من متعلقين أي شيئين منسوبين لأمر واحد كغلام محمد وأبيه بالنسبة الى محمد ، فمحمد أمر واحد له متعلقان ، أي منسوبان له ، أحدهما غلامه والآخر أبوه ، ولا بد من حكم واحد يثبت لأحد المتعلقين ، وهما الغلام والأب ، بعد إثباته للآخر ، كأن يقال : غلام محمد فرح ففرح أبوه ، فالفرح حكم أثبت لمتعلقي محمد ، وهما غلامه وأبوه ، وإثباته للثاني

__________________

(١) لأن في حسن التعليل ادعاء تحقق العلة والشك ينافيه.

(٢) فخرج نحو قولنا : غلام محمد فرح أيضا لعدم التفريع.

٣٤١

على وجه يشعر بتفريعه عن الأول ، وعليه قول الكميت يمدح آل البيت :

أحلامكم لسقام الجهل شافية

كما دماؤكم تشفي من الكلب

فقد فرع من وصفهم بشفاء أحلامكم لسقام الجهل ووصفهم بشفاء دمائهم من داء الكلب.

تأكيد المدح بما يشبه الذم

وهو على ضروب ثلاثة :

١ ـ وهو أبلغها أن يستثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح بتقدير دخولها فيها ، وذلك هو الغاية القصوى في المدح كقول النابغة الذبياني :

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب (١)

فقد أثبت لهم شيئا من العيوب بتقدير عد فلول السيف من المعايب ، وهذا محال ، لأن ذلك دليل كمال الشجاعة وفرط الحمية ، فكأنه في المعنى تعليق على المحال ، كما قالوا في الأمثال : حتى يبيض الفار ، وحتى يلج الجمل في سم الخياط ، وفي هذا الأسلوب تأكيد من وجهين :

(أ) أنه كدعوى أقيم عليها البرهان ، إذ كأنه استدل على نفي العيب عنهم بتعليق وجوده على وجود ما لا يكون وما لا يتحقق بحال.

(ب) أن الأصل في الاستثناء الاتصال ، فإذا تلفظ المتكلم بغير أو إلا أو نحوهما دار في خلد السامع قبل النطق بما يذكر بعدها أن الآتي مستثنى من المدح السابق ، وأنه يراد به إثبات شيء من الذم وهذا ذم ، فإذا أتت بعدها صفة مدح تأكد المدح لكونه (٢) مدحا على مدح في أبهى قالب وآنق منظر.

ونظيره قول ابن الرومي :

وما تعتريها آفة بشرية

من النوم إلا أنها تتخير

كذلك أنفاس الرياض بسحره

تطيب وأنفاس الرياض تغير

__________________

(١) الفلول جمع فل بفتح الفاء الكسر يصيب السيف في حده ، والقراع المقارعة والمضاربة ، والكتائب جمع كتيبة.

(٢) وللاشعار بأنه لم يجد صفة ذم يستثنيها فاضطر الى استثناء صفة المدح وتحويل الاستثناء من متصل الى منقطع.

٣٤٢

وقوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً)(١).

٢ ـ أن يثبت لشيء صفة مدح وتعقب بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى كقوله عليه‌السلام : «أنا أفصح العرب بيد أني من قريش».

وقال النابغة الجعدي :

فتى كملت أخلاقه غير أنه

جواد فما يبقي من المال باقيا

وهذا الضرب يفيد التأكيد من الوجه الثاني فقط ، ومن ثم كان الضرب الأول أبلغ وأجمل.

٢ ـ أن يؤتى بالاستثناء المفرغ كقوله تعالى : (وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا)(٢) ، إذ المعنى : وما تعيب منا إلا أسس المناقم ودعائم المفاخر كلها وهو الإيمان بآيات الله.

ويجري الاستدراك في هذا الباب مجرى الاستثناء ، كقول البديع الهمذاني :

هو البدر إلا أنه البحر زاخرا

سوى أنه الضرغام لكنه الوبل

فإن قوله : إلا وسوى استثناء مثل : بيد أني من قريش ، وقوله : لكنه استدرك يفيد فائدة الاستثناء إذ إلا في باب الاستثناء المنقطع بمعنى لكن.

تأكيد الذم بما يشبه المدح

وهو ضربان :

١ ـ أن يستثنى من صفة مدح منفية عن الشيء صفة ذم بتقدير دخولها فيها كما تقول : فلان لا خير فيه إلا أنه يتصدق بما يسرقه (٣).

٢ ـ أن يثبت للشيء صفة ذم وتعقب بأداة استثناء تليها صفة ذم أخرى له كما تقول : فلان حسود إلا أنه نمام ، وبيان إفادة الضربين للتوكيد على تفاوت فيهما تفهم قياسا على ما عرفت في النوع السالف ، كما أن الاستدراك كالاستثناء.

__________________

(١) سورة الواقعة الآية ٢٤.

(٢) سورة الأعراف الآية ١٢٦.

(٣) أي انتفت عنه صفات الخير إلا هذه الصفة إن كانت خيرا لكنها ليست خيرا ، فلا خير فيه أصلا.

٣٤٣

الاستتباع

هو المدح بشيء على وجه يستتبع المدح بشيء آخر ، كقول المتنبي :

نهبت من الأعمار ما لو حويته

لهنئت الدنيا بأنك خالد

فقد مدحه ببلوغه الغاية في الشجاعة إذ كثر قتلاه ، بحيث لو ورث أعمارهم لخلد في الدنيا ، على أسلوب استتبع مدحه بكونه سببا لصلاح الدنيا ونظامها من قبل أنه جعل الدنيا مهنأة بخلوده ولا تهنأ إلا بما فيه صلاحها.

وفي البيت وجهان آخران من المدح ، أحدهما أنه نهب الأعمار دون الأموال ، وثانيهما أنه لم يكن ظالما في قتل أي أحد من مقتوليه لأنه لم يقصد بذا إلا صلاح الدنيا وأهلها فهم مسرورون ببقائه.

الادماج

هو لغة الادخال ، فيقال : أدمج الشيء في ثوب ، اذا لفه فيه ، واصطلاحا : أن يجعل المتكلم الكلام الذي سيق لمعنى من مدح أو غيره (١) متضمنا معنى آخر كقول أبي الطيب :

أقلب فيه أجفاني كأني

أعدّ به على الدهر الذنوبا (٢)

فقد ساق الكلام أصالة لبيان طول الليل وأدمج في ذلك على جهة الاستتباع الشكاية من الدهر.

ونحوه قول ابن المعتز في وصف نبات يسمى الخيري :

فقد نقض العاشقون ما صنع الهج

 ـ ر بألوانهم على ورقة

فإن الغرض وصف الخيري بصفة لكنه أدمج الغزل في الوصف.

وفيه وجه ثان من الحسن وهو إيهام الجمع بين متنافين وهما الايجاز والاطناب ، أما الأول فمن جهة الادماج ، وأما الثاني فلأن الغرض الوصف بالصفرة ، واللفظ زائد عليه لفائدة.

__________________

(١) فهو أعم من الاستتباع لاختصاصه بالمدح.

(٢) ضمير فيه لليل أي لتقليب أجفاني في الليل كأني أعد بها على الدهر ذنوبه.

٣٤٤

التوجيه ـ الايهام

هو إيراد الكلام محتملا معنيين على السواء (١) ، كهجاء ومديح ، ليبلغ القائل غرضه الذي يريده بما لا يمسك عليه.

كما روى أن محمد بن حزم هنأ الحسن بن سهل بتزويج ابنته بوران للخليفة المأمون مع من هنأه فأثابهم وحرمه ، فكتب اليه : إن أنت تماديت في حرماني قلت فيك شعرا لا يعرف أمدح هو أم ذم.

فاستحضره وسأله ، فأقر ، فقال الحسن : لا أعطيك أو تفعل ، فقال :

بارك الله للحسن

ولبوران في الختن (٢)

يا إمام الهدى ظفر

ت ولكن ببنت من

فلا يدري ببنت من في العظمة وعلو الشأن أم في الدناءة والخسة.

فاستحسن الحسن منه ذلك وقال له : أمن مبتكراتك هذا؟ فقال : لا ، بل نقلته من شعر بشار بن برد ، وكان كثير العبث بهذا النوع.

ومن أحاديثه في ذلك أنه خاط قباء عند خياط يسمى زيدا (٣) ، فقال له الخياط مازحا : لأخيطنه فلا تدري أهو جبة أم قباء.

فقال بشار : إذا أنظم فيك شعرا لا يعلم من سمعه أدعوت لك أم دعوت عليك ، فلما خاطه له كما أخبره قبل ، قال فيه بشار :

خاط لي زيد قباء

ليت عينيه سواء

قل لمن يعرف هذا

أمديح أم هجاء (٤)

قال السكاكي : ومن هذا النوع متشابهات القرآن باعتبار : أي وهو احتمالها وجهين وإن كانت تفارقه باعتبار آخر وهو عدم تساوي الاحتمالين ، لأن أحد المعنيين في المتشابهات قريب والآخر بعيد كما تقدم من عد المتشابه من التورية.

__________________

(١) فان كان أحدهما ظاهرا والثاني خفيا والمراد هو الخفي كان تورية.

(٢) الختن كل من كان قبل المرأة مثل الأب والأخ.

(٣) قال في «خزانة الأدب» : أغلب الناس يسمون الخياط عمرا ، لكن صاحب «التحبير» روى أنه زيد.

(٤) هذان البيتان من مجزوء الرمل.

٣٤٥

الهزل الذي يراد به الجد (١)

هو أن يقصد المتكلم مدح إنسان أو ذمه فيخرج ذلك المقصد مخرج الهزل والمجون ، كقول أبي نواس :

اذا ما تميمي أتاك مفاخرا

فقل عدّ عن ذا كيف أكلك للضب

أي تباعد عن هذا التفاخر وخبرني كيف تأكل الضب ، ولا مفاخرة مع من يأكله لأن أشرف الناس تعافه ، ونظيره قول ابن نباتة :

سلبت محاسنك الغزال صفاته

حتى تحير كل ظبي فيكا

لك جيده ولحاظه ونفاره

وكذا نظير قرونه لأبيكا

تجاهل العارف

هو سوق المعلوم مساق غيره (٢) لنكتة :

١ ـ كالتوبيخ في قول ليلى بنت طريف ترثي أخاها الوليد حين قتله يزيد ابن مزيد الشيباني في عهد هارون الرشيد :

أيا شجر الخابور مالك مورقا

كأنك لم تجزع على ابن طريف

٢ ـ وكالمبالغة في المدح في قول البحتري :

ألمع برق سرى أم ضوء مصباح

أم ابتسامتها بالمنظر الضاحي (٣)

٣ ـ وكالمبالغة في الذم كقول زهير :

وما أدرى وسوف إخال أدري

أقوم آل حصن أو نساء

٤ ـ وكالتدله في الحب كقول الحسين بن عبد الله الغريبي :

بالله يا ظبيات القاع قلنا لنا

ليلاي منكن أم ليلى من البشر

٥ ـ وكالتحقير في قوله تعالى حكاية عن الكفار :

__________________

(١) الفرق بينه وبين التهكم أن التهكم ظاهره جد وباطنه هزل ، وهذا بعكسه ، وهزليته باعتبار أصل استعماله وجديته باعتبار ما هو عليه الآن.

(٢) والغرض من ذلك المبالغة في إفادة المعنى المراد من ذم أو مدح أو نحو ذلك.

(٣) المنظر الوجه ، والضاحي الظاهر.

٣٤٦

(هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)(١).

٦ ـ وكالتعريض (٢) في قوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٣).

٧ ـ وكالإيناس لأن المقام مقام هيبة ورهبة كقوله تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى)(٤).

القول بالموجب

هو نوعان :

١ ـ أحدهما أن تقع صفة في كلام غيرك كناية عن شيء أثبت له حكم فتثبت أنت في كلامك تلك الصفة لغير ذلك الشيء من غير تعرض لثبوت ذلك الحكم لذلك الغير أو نفيه عنه ، نحو : (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)(٥) ، فالأعز صفة وقعت في كلا المنافقين كناية عن فريقهم والأذل كناية عن المؤمنين ، وقد أثبتوا لفريقهم حكما هو إخراج المؤمنين من المدينة عند رجوعهم اليها ، فردّ الله تعالى عليهم بإثبات صفة العزة لغيرهم من غير تعرض لثبوت حكم الاخراج أو انتفائه.

٢ ـ الأسلوب الحكيم ، وقد تقدم ، وهو حمل لفظ وقع في كلام غيرك على خلاف مراده مما يحتمله ذلك اللفظ بذكر متعلقه كالبيت الثالث (٦) من قوله :

وإخوان حسبتهمو دروعا

فكانوها ولكن للأعادي

وخلتهمو سهاما صائبات

فكانوها ولكن في فؤادي

وقالوا قد صفت منا قلوب

لقد صدقوا ولكن من ودادي

__________________

(١) كأنهم لم يعرفوا منه إلا أنه رجل ما (سورة سبأ).

(٢) وفي مجيء هذا اللفظ على الابهام فائدة أخرى ، وهي أنه يبعث المشركين على التأمل في حال أنفسهم وحال النبي والمؤمنين ، حتى اذا أنعموا النظر علموا أنهم على ضلالة ، فبعثهم ذلك على الاسلام.

(٣) سورة سبأ الآية ٢٤.

(٤) سورة طه الآية ١٧.

(٥) سورة المنافقون الآية ٨.

(٦) أما البيتان قبله فليسا منه لكنهما قريبان منه.

٣٤٧

الاطراد

هو أن يذكر اسم الممدوح واسم من يمكن أن آبائه على ترتيب الولادة ليزداد إبانة وتوضيحا على ترتيب صحيح ونسق مستقيم من غير تكلف ولا تعسف فيكون كالماء الجاري رقة وانسجاما ، كقوله :

إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم

بعتيبة بن الحارث بن شهاب (١)

وقول دريد بن الصمة :

قتلناك بعبد الله خير لدانة

ذؤاب بن أسماء بن زيد بن قارب

وقد روي أن عبد الملك بن مروان لما سمعه قال : لو لا القافية لبلغ به آدم.

ومن ذلك قول النبي عليه‌السلام : «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم».

أما ذكر الأمهات والجدات فليس محمودا عند البلغاء لما فيه من إنزال قدر الممدوح ، ولهذا عيب علي أبي نواس قوله بمدح محمدا الأمين :

أصبحت يابن زبيدة ابنة جعفر

أملا لعقد حباله استحكام

تدريب أول

بيّن نوع المحسنات المعنوية فيما يلي :

١ ـ ومولع بفخاخ يمدها وشباك

قالت لي العين ما ذا يصيد؟ قلت : كراكي

٢ ـ لئن ساءني أن نلتني بمساءة

لقد سرني أني قد خطرت ببالكا

٣ ـ وللغزالة شيء من تلفته

ونورها من ضيا خديه مكتسب

٤ ـ الدهر يصمت وهو أبلغ ناطق

من موجز ندس ومن ثرثار

٥ ـ ليس به عيب سوى أنه

لا تقع العين على شبهه

٦ ـ (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ)(٢).

٧ ـ رأى جسدي والدمع والقلب والحشا

فأضنى وأفنى واستمال وتيّما

__________________

(١) ثل العروش كناية عن ذهاب العز وتضعضع الحال.

(٢) سورة الأنعام الآية ٦٠.

٣٤٨

٨ ـ آراؤه وعطاياه ونعمته

وعفوه رحمة للناس كلهم

٩ ـ يا قوم كم من عاتق عانس

ممدوحة الأوصاف في الأندية

قتلتها لا أتقي وارثا

يطلب مني قودا أو دية

الاجابة

١ ـ في هذا البيت تورية في لفظ كراكي ، إذ المعنى القريب له (جمع كركي) وهو الطائر المعروف ، وهو ليس بمراد ، والمعنى البعيد ، والمراد من الكركي ، هو النوم.

٢ ـ في هذا البيت طباق بين ساء وسر.

٣ ـ فيه استخدام ذكر لفظ الغزالة بمعنى الحيوان المعروف ، وأعاد اليه الضمير بمعنى الشمس.

٤ ـ فيه طباق بين يصمت وناطق وبين موجز وثرثار.

٥ ـ فيه تأكيد المدح بما يشبه الذم من الضرب الأول.

٦ ـ في الآية تورية لذكر جرحتم إذ لها معنيان قريب من جرحه جرحا شق بعض بدنه وليس ذا بمراد ، وبعيد هو المراد وهو اكتسبتم الذنوب من جرح الرجل اكتسب فهو جارح وهي مجردة لعدم ذكر لازم المعنى القريب.

٧ ـ فيه لف ونشر مرتب إذ ذكر أربعة أشياء ثم أتى بما يقابلها على الترتيب.

٨ ـ فيه جمع إذ جمع بين أشياء وأعطاها حكما واحدا.

٩ ـ في البيتين تورية إذ من يسمع العاتق والعانس والقتل يفهم منها المعنى القريب وهو البكر والموت لكنه أراد منها المعنى البعيد وهو الخمر والمزج بالماء.

تدريب ثان

بيّن نوع المحسن المعنوي فيما يلي :

١ ـ وقد أطفئوا شمس النهار وأوقدوا

نجوم العوالي في سماء عجاج

٢ ـ فوا عجبا كيف اتفقنا فناصح

وفي ومطوي على الغل غادر

٣ ـ كأن الثريا علقت في جبينه

وفي خده الشعري وفي وجهه البدر

٣٤٩

٤ ـ أبكيكما دمعا ولو أني على

قدر الجوى أبكي بكيتكما دما

٥ ـ من مبلغ أفناء يعرب كلها

أني بنيت الجار قبل المنزل

٦ ـ إن الليالي للأنام مناهل

تطوي وتنشر دونها الأعمار

٧ ـ فأف لهذا الدهر لا بل لأهله

٨ ـ فهبها كشيء لم يكن أو كنازح

به الدار أو من غيبته المقابر

الاجابة

١ ـ فيه طباق بين أطفئوا وأوقدوا.

٢ ـ فيه مقابلة بين ناصح وفي وبين مطوي على الغل غادر إذ الغل ضد النصح والغدر ضد الوفاء.

٣ ـ فيه مراعاة النظير لجمعه أشياء متناسبة لا على جهة التضاد ، وهي الثريا والشعر والبدر.

٤ ـ فيه أرصاد لأنه جعل قبل العجز من البيت ما يدل عليه إذ عرف الروي.

٥ ـ فيه مشاكلة فقد عبر عن اختيار الجار بالبناء مشاكلة لبناء الدار.

٦ ـ فيه العكس فقد قدم في الكلام جزءا ثم أخر ما قدم في البيت الثاني.

٧ ـ فيه الرجوع فقد نقض ما قاله أولا.

٨ ـ فيه تقسيم باستيفاء أقسام الشيء لأن الغائب لا يخلو من هذه الثلاثة.

تدريب ثالث

١ ـ أن تلقني لا ترى غيري بناظره

تنس السلاح وتعرف جبهة الأسد

٢ ـ لا خيل عندك تهديها ولا مال

فليسعد النطق إن لم يسعد الحال

٣ ـ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه.

٤ ـ قال الشيرازي في «شرح المفتاح» العثير الغبار ولا تفتح فيه العين.

٥ ـ أيا ظبية الوعساء بين جلاجل

وبين النقا آ أنت أم أم سالم

٦ ـ أودع رجل بعض القضاة أموالا فادعى ضياعها ، فقال ابن دويدة المغربي يخاطبه :

٣٥٠

إن قال قد ضاعت فيصدق إنها

ضاعت ولكن منك يعني لو تعي

أو قال قد وقعت فيصدق إنها

وقعت ولكن منه أحسن موقع

٧ ـ إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها

تذكرت القربى ففاضت دموعها

٨ ـ فتى قسم الأيام بين سيوفه

وبين طريفات المكارم والبلد

فسوّد يوما بالعجاج وبالردى

وبيّض يوما بالفضائل والمجد

الاجابة

١ ـ فيه تجريد جاء على طريق الكناية فقد كنى بالأسد عن نفسه.

٢ ـ فيه تجريد فقد جرد من نفسه شخصا ثم خاطبه.

٣ ـ فيه المذهب الكلامي ، إذ التقدير : والإعادة أهون من البدء ، والأهون أدخل في الإمكان من البدء ، فالإعادة أدخل في الإمكان من البدء وهو المطلوب.

٤ ـ في قوله : ولا تفتح فيه العين تورية ، فالمعنى القريب النهي عن فتح العين وهي الجارحة ، وليس بمراد ، والبعيد النهي عن فتح العين في اللفظ ، لئلا يلزم التحريف.

٥ ـ فيه تجاهل العارف بسوق المعلوم مساق المجهول.

٦ ـ فيه القول بالموجب ، إذ هو قد حمل لفظي ضاعت ، ووقعت الواقعين في كلام القاضي الى معنى آخر مراد يحتمله اللفظ.

٧ ـ فيه المزاوجة فقد زاوج بين احتربت وتذكرت الواقعتين في الشرط والجزاء ورتب على كل منهما أمرا وهو فيضان الدماء وفيضان الدموع.

٨ ـ فيه جمع وتقسيم ، لأنه جمع أيام الممدوح في الحرب والعطاء ، ثم قسم ذلك.

تمرين أول

بيّن نوع المحسن المعنوي فيما يلي :

١ ـ ما مضى فات والمؤمل غيب

ولك الساعة التي أنت فيها

٢ ـ يكاد يمسكه عرفان راحته

ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم

٣ ـ أسكر سكرى من المدام إذا

مرّ بفكري خيال مبسمة

٣٥١

٤ ـ بدائع الحسن فيه مفترقة

وأعين الناس فيه متفقة

سهام ألحاظه مفوقه

فكل من رام لحظة رشقة

٥ ـ أقيس بن مسعود بن قيس بن خالد

وأنت امرؤ يرجو شبابك وائل

٦ ـ فارقني من أحب واحزني

واحزني من حب من فارقني

٧ ـ قالوا : حبيبك محموم فقلت لهم

أنا الذي كنت في حمائه السبب

عانقته ولهيب النار في كبدي

يوما فأثر فيه ذلك اللهب

٨ ـ أنت بدر حسنا وشمس علوا

وحسام غزا وبحر نوالا

تمرين ثان

١ ـ فثوبي مثل شعري مثل نحري

بياض في بياض في بياض

٢ ـ ولا عيب فيكم غير أن ضيوفكم

تعاب بنسيان الأحبة والوطن

٣ ـ (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ)(١)

٤ ـ أبادهم فلبيت المال ما جمعوا

والروح للسيف والأجساد للرخم

٥ ـ إن ترد خبر حالهم عن يقين

فالفهم في منازل أو نزال

تلق بيض الوجوه سود مثار الن

قع خضر الأكناف حمر النصال

٦ ـ فيا له من عمل صالح

يرفعه الله الى أسفل

٧ ـ أهدى لمجلسه الكريم وإنما

أهدى له ما حزت من نعمائه

كالبحر يمطره السحاب وما له

فضل عليه لأنه من مائه

٨ ـ فلان لا خير فيه إلا أنه ذو وجهين

تمرين ثالث

١ ـ يا سادة لبعدهم

أصبحت صبا وصبا

لجين دمعي كم جرى

لطيب عيش ذهبا

٢ ـ زيادة المرء في دنيا نقصان

وربحه غير فعل الخير خسران

٣ ـ اذا صدق الجد أفترى العم للفتى

مكارم لا تخفي وإن كذب الخال

__________________

(١) سورة المائدة الآية ١١٦.

٣٥٢

٤ ـ وما طيب الرياض لها ولكن

كساها دفنهم في الترب طيبا

٥ ـ ولا عيب فيهم غير أن ذوي الندى

خساس اذا قيسوا بهم ولئام

٦ ـ بكت فقدك الدنيا قديما بدمعها

فكان بها في سالف الدهر طوفان

٧ ـ الأرض طرس والرياض سطوره

والزهر شكل بينها وحروف

٨ ـ والطل في سلك الغصون كلؤلؤ

رطب يصافحه النسيم فيسقط

والطير يقرأ والغدير صحيفة

والريح تكتب والغمام ينقط

٩ ـ قال الحطيئة :

ندمت على لسان كاد مني

فليت بأنه في جوف علم

٣٥٣

المحسنات اللفظية

الجناس ـ التجنيس ـ أقسامه ـ فائدته

هو لغة مصدر جانس الشيء الشيء شاكله واتحد معه في الجنس ، واصطلاحا تشابه الكلمتين في اللفظ (١) مع اختلاف في المعنى ، وينقسم قسمين :

١ ـ تام ، وهو ما اتفق فيه اللفظان في أربعة أشياء :

(أ) هيئة الحروف ، أي حركاتها وسكناتها.

(ب) عددها.

(ج) نوعها.

(د) ترتيبها.

وهو إما مماثل أو مستوف :

(أ) فالمماثل هو ما كان اللفظان فيه من نوع واحد اسمين أو فعلين أو حرفين كقوله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ)(٢) ، فالساعة الأولى يوم القيامة والثانية واحدة الساعات.

وقول محمود سامي البارودي :

تحملت خرف المن كل رزيئة

وحمل رزايا الدهر أحلى من المن

فالمن الأول تعداد الصنائع والنعم نحو : أعطيتك كذا وأحسنت اليك بكذا ، والمن الثاني العسل.

(ب) والمستوفى ما كان اللفظان فيه من نوعين كاسم وفعل ، كقول أبي تمام :

ما مات من كرم الزمان فإنه

يحيا لدى يحيى بن عبد الله

__________________

(١) فيخرج التشابه في المعنى نحو : أسد وسبع ، أو في مجرد العدد نحو : ضرب وعلم ، أو في مجرد الوزن : ضرب وقتل.

(٢) سورة الروم الآية ٥٥.

٣٥٤

٢ ـ مركب ، وغير مركب :

(أ) فغير المركب كالأمثلة التي فرطت.

(ب) والمركب ما كان أحد ركنيه لفظا مركبا ، ويسمى جناس التركيب ، وينقسم الى قسمين : مركب من كلمتين تامتين ، ويسمى بالملفوف.

كقول القاضي الفاضل :

عضنا الدهر بنابه

ليت ، راحل بنابه

لا يوالي الدهر إلا

خاملا ليس بنابه

ومركب من كلمة وبعض كلمة ، ويسمى مرفوضا ، كقول الحريري :

والمكر مهما استطعت لا تأته

لتقتني السودد والمكرمة

وقوله أيضا :

فلا تله عن تذكار ذنبك وابكه

بدمع يحاكي المزن حال مصابه

ومثل لعينيك الحمام ووقعه

وروعة ملقاة ومطعم صابه

٣ ـ متشابه ومفروق ، لأنه إن توافقت المركبة من كلمتين مع غير المركبة في الخط لقب بالمشابه كقول بعض البلغاء : يا مغرور أمسك ، وقس يومك بأمسك ، وإن لم تنفقا فيه لقب بالمفروق نحو :

لا تعرضن على الرواة قصيدة

ما لم تبالغ قبل في تهذيبها

فمتى عرضت الشعر غير مهذب

عدوه منك وساوسا تهذي بها

وغير التام ما اختلف فيه اللفظان في واحد من الأربعة المتقدمة :

١ ـ فإن اختلفا في هيئة الحروف سمي جناسا محرفا ، والاختلاف قد يكون في الحركة فقط ، كقولهم : لا تنال الغرر (١) إلا بركوب الغرر ، وقد يكون في الحركة والسكون ، كقولهم : البدعة شرك لشرك.

وقول الحريري :

فقلت للائمي أقصر فإني

سأختار المقام على المقام

__________________

(١) الغرر (بالضم) جمع أغر ، وهو الحسن من كل شيء ، (وبالفتح) التعرض للتهلكة.

٣٥٥

٢ ـ وإن اختلفا في العدد سمي ناقصا ، ويكون ذلك على وجهين :

(أ) ما كان بزيادة حرف إما في الأول كقوله تعالى : (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ)(١) ويسمى مردوفا ، وإما في الوسط كقولهم : جدي جهدي (٢) ، ويسمى مكتنفا ، وإما في الآخر ، ويسمى مطرفا ، كقول أبي تمام :

يمدحون من أيد عواص عواصم

تصول بأسياف قواض قواضب (٣)

(ب) ما كان بزيادة أكثر من حروف ، ويسمى مذيلا.

٣ ـ وإن اختلفا في نوع الحروف اشترط ألا يكون الاختلاف بأكثر من حرف ، وذلك على وجهين :

(أ) أن يكون هو وما يقابله في الطرف الآخر متقاربي المخرج ويسمى مضارعا ، والاختلاف إما في الأول كقول الحريري : بيني وبين كنى ليلى دامس وطريق طامس (٤) ، أو في الوسط كقولهم : البرايا أهداف البلايا ، أو في الآخر ، كقول الحريري لهم في السير : جرى السيل والى الخير جرى الخيل.

(ب) أن يكونا غير متقاربي المخرج ويسمى لاحقا ، والاختلاف إما في الأول نحو : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)(٥) ، أو في الوسط نحو : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)(٦).

أو في الآخر ، كقول البحتري :

ألما فات من تلاق تلاف

أم لشاك من الصبابة شاف

٤ ـ وإن اختلفا في ترتيب الحروف سمي جناس القلب ، وهو ضربان :

__________________

(١) سورة القيامة الآية ٢٩.

(٢) الجد الغنى والحظ ، والجهد التعب.

(٣) العواصي جمع عاصية من عصاه ، وعواصم من عصمه حفظه ، وقواض حاكمات بالقتل ، وقواضب قاطعات.

(٤) الكن البيت ، ودامس مظلم ، وطامس بعيد.

(٥) سورة الهمزة الآية ١.

(٦) سورة الضحى الآيتان ١٠ و ١١.

٣٥٦

(أ) قلب الكل ، كقولهم : حسامه فتح لأوليائه ، حتف لأعدائه.

(ب) قلب البعض ، كقوله عليه‌السلام : «اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا» ، وقول بعضهم : رحم الله امرأ أمسك ما بين فكيه ، وأطلق ما بين كفيه.

تنبيهات

الأول ـ اذا وقع أحد المتجانسين جناس القلب في أول البيت والآخر في آخره سمي مقلوبا مجنحا (١) ، كقول ابن نباته المصري :

ساق يريني قلبه قسوة

وكل ساق قلبه قاسي

الثاني ـ اذا ولى أحد المتجانسين سمي مزدوجا ومكررا ومرددا كما في الحديث : «المؤمنون هينون لينون» ، وكقولهم : من طلب شيئا وجدّ وجد.

وقول البستي :

أبا العباس لا تحسب لشيني

بأني من حلا الأشعار عار

الثالث ـ من التجنيس نوع يسمى تجنيس الإشارة ، وهو ألا يذكر أحد المتجانسين في الكلام ، ولكن يشار اليه بما يدل عليه ، نحو :

حلقت لحية موسى باسمه

وبهرون إذا ما قلبا

فلا شك أنك اذا ما قلبت هرون من آخره الى أوله يصير (نوره) ، لكنه لم يذكرها بلفظها ، بل أشار اليها بقوله : وبهرون اذا ما قلبا.

الرابع ـ يلحق بالتجنيس شيئان :

(أ) أن يجمع اللفظين الاشتقاق ، كقوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ)(٢) ، وقول أبي تمام : فيا دمع أنجدني على ساكني نجد.

(ب) أن تجمع اللفظين المشابهة وهي ما يشبه (٣) الاشتقاق وليس باشتقاق ، كقوله تعالى : (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ)(٤).

__________________

(١) لأن اللفظين بمنزلة جناحين من البيت.

(٢) سورة الروم الآية ٤٣.

(٣) لتوافق اللفظين في جميع الحروف أو جلها ، فيتبادر الى الفكر أنهما يرجعان الى أصل واحد وليساهما كذلك في الحقيقة.

(٤) سورة الرحمن الآية ٥٤.

٣٥٧

وقول البحتري :

إذا ما رياح جودك هبّت

صار قول العذول فيها هباء

قال في «أسرار البلاغة» : لا يحسن تجانس اللفظين إلا اذا كان موقع معنيهما من العقل موقعا حميدا ولم يكن مرمى الجامع بينهما مرمى بعيدا ، أتراك استضعفت تجنيس أبي تمام في قوله :

ذهبت بمذهبه السماحة فالتوت

فيه الظنون أمذهب أم مذهب

واستحسنت تجنيس القائل : حتى نجا من خوفه وما نجا (١). وقول المحدث :

ناظراه فيما جنى ناظراه

أودعاني أمت بما أودعاني

لأمر يرجع الى اللفظ أم لأنك رأيت الفائدة ضعفت في الأول وقويت في الثاني ورأيتك لم يزدك بمذهب ومذهب على أن أسمعك حروفا مكررة تروم لها فائدة فلا تجدها إلا مجهولة منكرة ، ورأيت الآخر قد أعاد عليك اللفظة كأنه يخدعك عن الفائدة وقد أعطاها ويوهمك كأنه لم يزدك وقد أحسن الزيادة ووفاها ، فبهذه السريرة صار التجنيس ، وخصوصا المستوفى منه ، المتفق في الصورة من حلى الشعر ومذكورا في أقسام البديع ، اه.

وقال ابن رشيق في «العمدة» : التجنيس من أنواع الفراغ وقلة الفائدة ومما لا يشك في تكلفه ، وقد أكثر منه الساقة المتعقبون في نظمهم ونثرهم ، حتى برد ورك ، اه.

وقال ابن حجة الحموي في «خزانة الأدب» : أما الجناس فإنه غير مذهبي ومذهب من نسجت على منواله من أهل الأدب.

رد العجز على الصدر ـ التصدير

هو في النثر جعل أحد اللفظين المكررين (٢) أو المتجانسين (٣) أو ملحقين (٤) بهما اشتقاقا أو شبه اشتقاق في أول الفقرة ، والآخر في آخرها ، فالمكرران نحو :

__________________

(١) نجا الأولى أحدث ، والثانية خلص.

(٢) أي المتفقين في اللفظ والمعنى.

(٣) أي المتفقين في اللفظ دون المعنى.

(٤) أي اللذين يجمعهما الاشتقاق أو شبهه.

٣٥٨

(وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ)(١) ، والمتجانسان نحو : سائل اللثم يرجع ودمه سائل ، والملحقان بهما اشتقاقا (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً)(٢) وشبه اشتقاق نحو : قال إني لعملكم من القالبي.

وفي النظم أن يكون أحدهما في آخر البيت والآخر في صدر المصراع الأول أو في حشوه أو في آخره أو في صدر المصراع الثاني (٣) ، فالأول نحو :

تمنت سليمى أن أموت صبابة

وأهون شيء عندنا ما تمنت

والثاني كقول الصمة بن عبد الله القشيري :

أقول لصاحبي والعيس تهوى

بنا بين المنيفة فالضمار

تمتع من شميم عرار نجد

فما بعد العشية من عرار (٤)

والثالث كقول أبي تمام :

ومن كان بالبيض الكواكب مغرما

فما زلت بالبيض القواضب مغرما (٥)

والرابع كقول ذي الرمة :

وإن لم يكن إلا معرج ساعة

قليلا فإني نافع لي قليلها

والخامس كقول القاضي الأرجاني :

دعاني من ملامكما سفاها

فداعي الشوق قبلكما دعاني

والسادس كقول الثعالبي :

وإذا البلابل أفصحت بلغاتها

فانف البلابل باحتساء بلابل (٦)

والسابع كقول الحريري :

__________________

(١) سورة الأحزاب الآية ٣٧.

(٢) سورة نوح الآية ١٠.

(٣) فالأقسام ستة عشر حاصلة من ضرب أربعة في أربعة.

(٤) العيس : الابل يخالط بياضها شقرة ، والمنيفة والضمار موضعان ، والعرار : وردة صفراء طيبة الرائحة ، ومن زائدة وما بعدها مبتدأ والظرف قبله خبر ، وما مهملة.

(٥) الكواعب الجارية حين يبدو ثديها للنهود ، والقواضب السيوف القواطع.

(٦) البلابل الاولى جمع بلبل ، والثانية جمع بلبال وهو الحزن ، والبلابل الثالثة جملة بلبلة (بالضم) ابريق الخمر.

٣٥٩

فمشغوف بآيات المثاني

ومفتون برنات المثاني (١)

والثامن كقول القاضي الأرجاني :

أملتهم ثم تأملتهم

فلاح لي أن ليس فيهم فلاح

والتاسع كقول البحتري :

ضرائب أبدعتها في السماح

فلسنا نرى لك فيها ضريبا

والعاشر كقول أبي العلاء :

لو اختصرتم من الإحسان زرتكم

والعذاب يهجر للأفراط في الخصر (٢)

والحادي عشر كقول ابن عيينة المهلبي :

فدع الوعيد فما وعيدك ضائري

أطنين أجنحة الذباب يضير

والثاني عشر كقول أبي تمام في مرثية محمد بن نهشل حين استشهد :

وقد كانت البيض القواضب في الوغى

بواتر وهي الآن من بعده بتر (٣)

(تنبيه) تركنا المثل الأربعة الباقية الملحقة بالتجانس التي يجمعها الاشتقاق الأكبر لقلة استعمالها.

السجع ـ شروط حسنة ـ حكمه ـ أقسامه

هو في المنثور بإزاء التصريع الآتي بيانه في المنظوم ، وهو لغة من قولهم :

سجعت الناقة إذا مدت حنينها على جهة واحدة ، واصطلاحا أن تتواطأ الفاصلتان في النثر على حرف واحد.

شروط حسنة

لا يحسن السجع كل الحسن إلا اذا استوفى أربعة أشياء :

١ ـ أن تكون المفردات رشيقة أنيقة خفيفة على السمع.

٢ ـ أن تكون الألفاظ خدم المعاني ، إذ هي تابعة لها ، فإذا رأيت السجع

__________________

(١) المثاني القرآن ، ورنات المثاني أي نغمات أوتار المزامير التي ضم طاق منها الى طاق.

(٢) الخصر : البرودة.

(٣) بواتر جمع باتر ، والبتر جمع أبتر أي مقطوع ، وقبل البيت :

ثوى في الثرى من كان يحيا به الورى

ويغمر صرف الدهر نائله الغمر

٣٦٠