علوم البلاغة البيان والمعاني والبديع

أحمد مصطفى المراغي

علوم البلاغة البيان والمعاني والبديع

المؤلف:

أحمد مصطفى المراغي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٤
ISBN: 2-7451-1097-7
الصفحات: ٣٩٩

أسرار البلاغة في الاستعارة

الاستعارة بجميع ضروبها وتعدد مذاهبها وشعوبها ، أعلى مرتبة من التشبيه ، وأقوى في المبالغة منه ، لما فيها من تناسي التشبيه ، وادعاء الاتحاد بين المشبه والمشبه به ، كأنهما شيء واحد ، يطلق عليهما لفظ واحد ، انظر الى قول المتنبي :

ترنو إليّ بعين الظبي مجهشة

وتمسح الطل فوق الورد بالعنم (١)

تره وقد تمثلت له محبوبته ظبية تنظر اليه وهي حيرى تمسح طلا فوق خدها بأصابعها وهي كالعنم لينا وحمرة ، واختبأ عن عينيه مظهر التشبيه ، وظهر له ذلك بمظهر الحقيقة ، ورأيته وقد سما به الخيال فرأى الطلّ يسقط على الورد ، فهل يؤدي التشبيه مثل هذا؟ وهل تصل فيه المبالغة الى ما تصل اليه الاستعارة؟ فهبه قال : تمسح الدموع التي تشبه الطلّ والخدود التي هي كالورد والأصابع التي تشبه العنم ، أتراه يصل الى مثل ما قال؟ إنك لتحس بأن هذا أدنى من المعنى المجازي وأقل منه مبالغة ، فإن في التشبيه جمعا بين المشبه والمشبه به ، وهذا إقرار بأنهما متقاربان ، وتأمل قول أبي الحسن التهامي :

يا كوكبا ما كان أقصر عمره

وكذاك عمر كواكب الأسحار

يتبين لك فيه صورة النجوم وقد أفلت بعد طلوعها ، وكواكب الأسحار وقد غادرت بعد ظهورها.

وقد استعمل العرب الاستعارة في كلامهم تقريبا للمعنى الى ذهن السامع ، واستثارة لخياله واختلابا للبه ، ليقنع بما يقال له ويلقى في روعه.

تدريب أول

اجعل التشبيهات الآتية استعارة مصرحة أو مكنية مع بيان القرينة :

١ ـ استذكرت كتابا كالصديق في المؤانسة.

٢ ـ اللسان كالسيف في الإيذاء.

٣ ـ انتثرت في السماء نجوم كالدرر.

٤ ـ في البحر سفن كالجبال في العلو.

__________________

(١) العنم : شجر لين الأغصان ، تشبه به الأصابع.

٢٨١

٥ ـ على الأشجار بلابل كالقيان في حسن الصوت.

٦ ـ في الغرفة ثريات كهربائية كالشمس في الإضاءة.

٧ ـ الكتاب صديق.

٨ ـ لفلانة أسنان كالبرد في البريق واللمعان.

٩ ـ علي كالغيث في العطاء.

١٠ ـ هند كالبدر في الحسن والبهاء.

الاجابة

استعارة تصريحية

 القرينة

١ ـ استذكرت صديقا مطبوعا

 استذكرت

٢ ـ احذر سيفا بين فكيك

 بين فكيك

٣ ـ انتثرت درر في السماء

 في السماء

٤ ـ رأيت جبالا تمخر في البحار

 تمخر في البحار

٥ ـ صدحت قيان على الأشجار

 على الأشجار

٦ ـ في الغرفة شموس مغلقة بالزجاج

 في الغرفة

٧ ـ عندي صديق في القمطر

 في القمطر

٨ ـ في فم فلانة برد منضد

 في فم

٩ ـ رأيت غيثا يعطي الدراهم والدنانير

 يعطي الدراهم

١٠ ـ طلع علينا بدر بين أترابه

 بين أترابه

استعارة مكنية

القرينة

١ ـ استذكرت كتابا مؤنسا

 مؤنسا

٢ ـ احذر اللسان الغضب

 الغضب

٣ ـ نثرت نجوم مثقوبات في السماء

 مثقوبات

٤ ـ رأيت سفنا تتوجها الثلوج

 تتوجها الثلوج

٥ ـ صدحت بلابل تعزف بألحان مطربة

 تعزف بألحان

٦ ـ في الغرفة ثريات تشرق وتغرب

 تشرق وتغرب

٢٨٢

٧ ـ عندي كتاب حميم

 حميم

٨ ـ لفلان أسنان يقدر قيمتها الجوهري

 يقدر قيمتها الجوهري

٩ ـ رأيت هندا تتلألأ بين أترابها

 تتلألأ

تدريب ثان

اجر الاستعارة فيما يلي وبيّن نوعها وقرينتها :

١ ـ فتى كلما فاضت عيون قبيلة

دما ضحكت عنه الأحاديث والذكر

٢ ـ (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(١)

٣ ـ اذا انتضل القوم الأحاديث لم يكن

عيبا ولا ربا على من يقاعد

٤ ـ فسمونا والفجر يضحك

في الشرق الينا مبشرا بالصباح

٥ ـ لسنا وإن أحسابنا كرمت

يوما على الاحساب نكل

٦ ـ سأبكيك للدنيا وللدين إنني

رأيت يد المعروف بعدك شلت

الاجابة

١ ـ في فاضت العيون وضحكت الأحاديث استعارتان ، إما تصريحيتان أو مكنيتان ، فعلى الأول يقال : شبه نزول الماء متدفقا بفيضان النهر بجامع الكثرة في كل ، واستعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ، واشتق من الفيضان بمعنى صب الماء الكثير فاض بمعنى صب على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية ، ودما تجريد لأنها تناسب العيون ، وشبهت المسرة والابتهاج بالضحك بجامع أريحية النفس في كل ، واستعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ، واشتق من الضحك بمعنى السرور ضحك بمعنى سر على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية والقرينة حالية ، وعلى الثاني يقال : شبهت العيون بالأنهار بجامع جريان الماء الكثير من كل واستعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه وحذف ورمز اليه بشيء من لوازمه ، وهو فاض على طريق الاستعارة المكنية الأصلية ، والقرينة نسبة الفيضان الى العيون وهي الاستعارة التخييلية ودما تجريد أيضا ، وشبهت الأحاديث بناس فرحين بجامع الأريحية والسرور لكل عند حصول ما يسر ، واستعير اللفظ

__________________

(١) سورة الأعراف الآية ٦٠.

٢٨٣

الدال على المشبه به للمشبه ، وحذف ورمز اليه بشيء من لوازمه وهو ضحك على طريق الاستعارة المكنية الأصلية المطلقة.

٢ ـ شبه مطلق ارتباط بين متلبس بالضلالة ومتلبس به بمطلق ارتباط بين ظرف ومظروف بجامع التمكن في كل ، فسرى التشبيه من الكليين (مطلق الارتباط) الى الجزئيات (معاني الحروف) فاستعيرت (في) من الظرفية الحقيقية للظرفية المعنوية على طريق الاستعارة التصريحية التبعية ، والقرينة على ذلك كلمة الضلال.

٣ ـ شبهت الأحاديث بالسهام بجامع التأثير ومباراة المتحادثين كما يتبارى الرماة في كل منهما ، ثم استعير لفظ السهام للأحاديث وحذف ورمز اليه بشيء من لوازمه وهو انتضل على سبيل الاستعارة المكنية ، وكلمة عيبا تجريد ، لأنها تناسب الأحاديث.

٤ ـ شبه الفجر بإنسان يبتسم ، فتظهر أسنانه مضيئة لامعة بجامع البريق واللمعان ، واستعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ، ثم حذفه وأشار اليه بشيء من لوازمه ، وهو يضحك على طريق الاستعارة بالكناية ، وإثبات الضحك للفجر استعارة تخييلية.

٥ ـ في كلمة على استعارة تصريحية تبعية ، فقد شبه مطلق ارتباط بين متلبس ومتلبس به بمطلق ارتباط بين مستعل ومستعل عليه بجامع التمكن والاستقرار في كل ، ثم استعيرت على من جزئي من جزئيات الأول الجزئي من جزئيات الثاني على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.

٦ ـ شبه المعروف بإنسان له يد تعطي ، والجامع البذل والعطاء في كل منهما استعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ، ثم حذفه ورمز اليه بشيء من لوازمه وهو اليد على سبيل المكنية الأصلية المرشحة بكلمة شلت وإثبات اليد للمعروف استعارة تخييلية.

تمرين أول

اجر الاستعارة وبيّن نوعها وقرينتها فيما يلي :

١ ـ سقاه الردى سيف اذا سل أو مضت

اليه ثنايا الموت من كل مرقب

٢ ـ عوى الشعراء بعضهم لبعض

على فقد أصابهم انتقام

٢٨٤

٣ ـ هم صلبوا العبدي في جذع نخلة

فلا عطست شيبان إلا بأجدعا (١)

٤ ـ (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً)(٢)

٥ ـ (فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً)(٣)

٦ ـ (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ)(٤)

٧ ـ والشمس لا تشرب خمر الندى

في الروض إلا بكؤوس الشقيق

تمرين ثان

١ ـ (إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ)(٥)

٢ ـ (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ)(٦)

٣ ـ من يزرع الشر يحصد في عواقبه

ندامة ولحصد الزرع إبّان

٤ ـ لا يمتطي المجد من لم يركب الخطرا

ولا ينال العلا من قدم للحذرا

٥ ـ وما هي إلا خطرة ثم أقلعت

بنا عن شطوط الحي أجنحة السفن

٦ ـ قوم اذا الشر أبدى ناجذيه لهم

طاروا اليه زرافات ووحدانا

٧ ـ قال علي بن أبي طالب : «الدنيا من أمسى فيها على جناح أمن ، أصبح فيها على قوادم خوف».

تمرين ثالث

١ ـ شمس وبدر ولدا كوكبا

أقسمت بالله لقد أنجبنا

٢ ـ جاء النسيم الى الغصون رسولا

ومشى يجر على الرياض ذيولا

٣ ـ وذي رحم قلمت أظفار ضغنه

بحلمي عنه وهو ليس له حلم

٤ ـ اذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت

له عن عدو في ثياب صديق

__________________

(١) الأجدع : المقطوع الأنف ، دعا عليهم بالذل والصغار لصلبهم العبدي.

(٢) الاضافة في آية الليل والنهار للتبيين ، أي آية هي الليل وآية هي النهار (سورة الإسراء).

(٣) أنشرنا : أحيينا (سورة الزخرف).

(٤) سورة فصلت الآية ٥٤.

(٥) سورة الذاريات الآية ٤١.

(٦) سورة السجدة الآية ٢١.

٢٨٥

٥ ـ أتته الخلافة منقادة

اليه تجرر أذيالها

٦ ـ اذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه

فكل رداء يرتديه جميل

٧ ـ وليلة بت أسقي في غيابها

راحا تسل شبابي مريد الهرم

ما زلت أشربها حتى نظرت الى

غزالة الصبح ترعى نرجس الظلم

المبحث الثامن عشر في المجاز المركب

المجاز المركب هو اللفظ المركب المستعمل قصدا وبالذات في غير المعنى الذي وضع له لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي ، فخرج بقولنا قصدا ، وبالذات ما اذا تجوز بجزء من أجزاء المركب ، فإنه قد استعمل مجموعة في غير ما وضع له ، وليس ذلك مجازا مركبا.

وهذا المجاز قسمان :

(أ) ما كانت علاقته غير المشابهة وهو المجاز المرسل المركب ، وهو أنواع :

١ ـ المركبات الخبرية المستعملة في المعاني الإنشائية ، إما للتحسر وإظهار الحزن ، نحو :

ذهب الشباب فما له من عودة

وأتى المشيب فأين منه المهرب

وإما للدعاء ، نحو : وفقك الله ـ نجح الله مقاصدنا .. الى غير ذلك من المقاصد التي يستعمل فيها الخبر ويكون غير مراد به الفائدة ولا لازمها ، والعلاقة في مثل هذا اللازمية إذ يلزم من الأخبار بذهاب الشيء المحبوب كالشباب مثلا التحسر عليه ، وهكذا يقال في نظائره والقرينة حالية.

٢ ـ المركبات الإنشائية المستعملة في المعاني الخبرية ، نحو قوله عليه‌السلام : «من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» بمعنى يتبوأ ، والعلاقة في نحو هذا السببية لأن إنشاء المتكلم هذه الجملة سبب لأخباره بما تتضمنه ، قال العيني في شرح البخاري : فليتبوأ أمر من النبوء وهو اتخاذ المباءة والمنزل ، وظاهره أمر ومعناه خبر.

٣ ـ الجمل الإنشائية ، فعلية كانت أو اسمية المأتى بها ، لما يتولد منها من إنكار ونحوه ، والعلاقة في نحو هذا المجاورة ، نحو : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً)(١).

__________________

(١) سورة الشعراء الآية ١٨.

٢٨٦

(ب) ما كانت علاقته المشابهة بين الهيئة المستعار منها والهيئة المستعار لها بأن تشبه إحدى صورتين منتزعتين من أمرين وأمور بالأخرى ، ثم يدعى أن الصورة المشبهة من جنس الصورة المشبهة بها فيطلق على الصورة المشبهة اللفظ الدال بالمطابقة على الصورة المشبه بها مبالغة في التشبيه ، كما كتب الوليد بن يزيد لما بويع بالخلافة الى مروان بن محمد حينما بلغه توقفه في البيعة له .. أما بعد : فإني أراك تقدم رجلا وتؤخر (١) أخرى ، فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيهما شئت والسّلام ، فقد شبهت صورة تردده في المبايعة بصورة تردد من قام ليذهب في أمر ، فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلا وتارة لا يريد فيؤخرها مرة أخرى ، وكما يقال لمن يعمل فيما لا يجدي : أراك تنفخ في غير فحم ، وأراك تخط على الماء ، يراد أنه في عمله كمن يفعل ذلك.

وهذا القسم يسمى استعارة تمثيلية (٢) واستعارة على سبيل التمثيل وتمثيلا على سبيل الاستعارة أو تمثيلا فقط ، ويمتاز عنها التشبيه المركب بأن يقال له : تشبيه تمثيل أو تشبيه تمثيلي.

واذا اشتهرت الاستعارة التمثيلية وكثر استعمالها سميت مثلا ولا يغير مطلقا محافظة على الاستعارة فيخاطب به المفرد والمذكر وفروعهما بطريقة واحدة (٣) كقولهم : أحشفاء وسوء كيلة (٤) ، يضرب مثلا لمن يظلم من جهتين ، وبيان الاستعارة في مثل هذا أن يقال : شبهت هيئة من يظلم من جهتين بهيئة رجل اشترى من آخر تمرا رديئا وطفف له المكيال بجامع الظلم من جهتين ، واستعير التركيب الموضوع للمشبه به للمشبه استعارة تمثيلية ، وهكذا يقال في سائر الأمثال

__________________

(١) مفعول تؤخر محذوف أي وتؤخرها أي تلك الرجل المتقدمة ، وقوله أخرى نعت لمرة أي مرة أخرى ، وإنما لم نجعل أخرى نعتا للرجل لئلا يفيد الكلام أن الرجل المؤخرة غير المقدمة وليس ذلك صورة التردد كذا في ابن يعقوب.

(٢) وكل استعارة وإن كانت تمثيلا أي تشبيها فقد خص اسم التمثيل بهذه الاستعارة لأنها مثار فرسان البلاغة.

(٣) وذلك معنى قولهم الأمثال لا تغير.

(٤) الحشف : الرديء ، والكيلة : هيئة الكيل.

٢٨٧

النثرية والنظمية نحو : إن البغاث بأرضنا يستنسر (١) ، ما يوم حليمة بسر (٢).

وقولهم :

إذا قالت حذام فصدقوها

فإن القول ما قالت حذام

(تنبيه) هذه الاستعارة أبلغ أنواع المجاز مفردا ومركبا ، إذ مبناها تشبيه التمثيل ، وقد عرفت دقة مسلكه من قبل أن وجه الشبه فيه يكون هيئة منتزعة من أشياء متعددة ، فالاستعارة المبنية عليه تكون أدق أنواع الاستعارات إذ من الصعوبة بمكان أن تعمد الى صورتين مركبتين من أجزاء عدة فتحاول الربط بينهما وتحصر جهات اتحادهما وتشبه إحداهما بالأخرى فلا يخفى ما أنت محتاج اليه في المهارة حينئذ ، كما لا ينكر الأثر الذي تراه في مخاطبك اذا أدليت اليه في معرض كلامك بمثل ، فكم تجد لديه من الأريحية ، وكيف يغني إيجاز المثل عن الشرح والإسهاب؟ ..

تدريب

بيّن أنواع المجاز المركب فيما يلي :

١ ـ افعل ما بدا لك ، تقوله تهديدا لمخاطبك.

٢ ـ أنت تصرخ في واد ، تقول ذلك لمن يعمل ما لا فائدة فيه.

٣ ـ لك الحمد والشكر ، تقول ذلك بعد الأكل مثلا.

٤ ـ أهذا الذي أطنبت في مدحه ، تقول ذلك متهكما.

٥ ـ سلام على الدنيا اذا لم يكن بها صديق صدوق يصدق الوعد منصفا.

٦ ـ أخذت من شبابي الأيام وتولى الصبا عليه‌السلام.

الاجابة

١ ـ في هذا المركب مجاز مرسل مركب علاقته المجاورة ، فقد استعمل الأمر في التهديد لا في الطلب.

٢ ـ في هذا المركب استعارة تمثيلية ، فقد شبهت صورة من يعمل ما لا فائدة

__________________

(١) يضرب للضعيف يصير قويا.

(٢) يضرب لكل أمر متعارف مشهور.

٢٨٨

فيه بصورة من يصرخ في واد بجامع عدم الفائدة في كل ، واستعير المركب الدال على هيئة المشبه به لهيئة المشبه على طريق الاستعارة التمثيلية.

٣ ـ في هذا المركب مجاز مرسل ، علاقته السببية ، لأنه استعمل الخبر في الإنشاء لإرادة الدعاء.

٤ ـ في هذا المركب مجاز ، علاقته المجاورة ، لأنه استعمل الاستفهام في التهكم.

٥ ـ استعمل هذا المركب في إنشاء التحسر والأسف على فقدان الصديق ، مجازا مرسلا ، علاقته السببية.

٦ ـ هذا المركب كسابقه.

تمرين

بيّن نوع المجاز المركب ، واذكر علاقته فيما يلي :

١ ـ ومن قصد البحر استقل السواقيا ، يقال لمن يطمح الى العظيم ولا يرضى.

٢ ـ تلدغ العقرب وتصيء (١) ، يقال للظالم يشكو كأنه مظلوم.

٣ ـ قد كنت عدّتي التي أسطو بها

ويدي اذا اشتد الزمان وساعدي

٤ ـ ليس التكحل في العينين كالكحل ، يقال لمن يتكلف ما ليس من طبعه.

٥ ـ وليس يصح في الأذهان شيء

اذا احتاج النهار الى دليل

٦ ـ أين الذي الهرمان من بنيانه

ما قومه ما يومه ما المصرع؟

المبحث التاسع عشر في المجاز بالحذف (٢) أو الزيادة

كما توصف الكلمة بالمجاز لنقلها عن معناها الأصلي ، كما تقدم ، كذلك توصف بالمجاز بطريق الاشتراك اللفظي اذا تغير حكم إعرابها الأصلي بواسطة حذف لفظ أو زيادته.

__________________

(١) صأي الفرخ والعقرب صاح وصاء مقلوب منه.

(٢) اطلاق المجاز على هذا النوع من طريق الاشتراك اللفظي فلفظ مجاز وضع وضعين أحدهما الكلمة المستعملة في غير ما وضعت لعلاقة وقرينة ، وثانيهما للكلمة التي تغير حكم إعرابها الأصلي بحذف لفظ أو زيادته ، وهذا النوع من المجاز يمكن رده الى المجاز العقلي أو المجاز المرسل.

٢٨٩

فالحذف كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(١) ، إذ الأصل أهل القرية ، فالحكم الذي يجب للقرية في الأصل هو الجر فحذف المضاف وأعطى المضاف اليه إعرابه ، ونظيره (وَجاءَ رَبُّكَ) أي أمر ربك.

والحكم بالحذف يكون لأحد أمرين :

١ ـ لأمر يرجع الى غرض (٢) المتكلم ، نحو : سل القرية ، ألا ترى أنك لو قرأته أو سمعته في غير التنزيل لم تقطع بأن ها هنا محذوفا ، إذ من المحتمل أن يكون كلام رجل مرّ على قرية خربت وباد أهلها ، فأراد أن يقول مذكرا نفسه أو صاحبه على سبيل العظة والاعتبار : سل القرية عن أهلها وقل لها ما ذا صنعوا ، كما قال الرقاشي : سل الأرض من شق أنهارك وغرس أشجارك فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا.

٢ ـ لأن الكلام لا يصح بدون المحذوف ، كما اذا حذف أحد جزأي الجملة ، نحو : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) *).

والزيادة كقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٣) ، أي ليس مثله شيء ، فإعراب مثله في الأصل النصب ، فلما زيدت الكاف سار جرا.

ونحوه : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ)(٤). وقول لبيد :

الى الحول ثم اسم السّلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

يريد : ثم السّلام عليكما.

ومما تقدم تعلم أن الحذف والزيادة إذا لم يوجبا تغير الإعراب لا توصف الكلمة من أجلهما بالمجاز ، نحو : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ)(٥) ، إذ الأصل : أو كمثل ذوي صيب ، فحذف ذوي لدلالة يجعلون أصابعهم على هذا المحذوف ،

__________________

(١) سورة يوسف الآية ٨٢.

(٢) للجزم بأن المقصود من الآية سؤال أهل القرية للاستشهاد بهم فيجيبون بما يصدق أو يكذب لا سؤالها هي لأن الشاهد لا يكون جمادا ، ويحتمل أن تكون القرية مجازا عن أهلها من اطلاق اسم المحل على الحال فلا يكون مما نحن فيه.

(٣) سورة الشورى الآية ١١.

(٤) سورة الأنفال الآية ١٢.

(٥) سورة البقرة الآية ١٩.

٢٩٠

وحذف لفظ مثل لدلالة قوله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً)(١) عليه ، ونحوه : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ)(٢).

المبحث العشرون في المجاز العقلي أو المجاز الحكمي (٣)

هذا ضرب آخر من الاتساع والنجوز ، غير ما قدمنا لك الكلام عليه ، فإن ما مضى كانت تذكر فيه الكلمة ولا يراد معناها ولكن ما هو ردف للمعنى أو شبيه به ، فالتجوز كان يكون في اللفظ نفسه.

أما ما هنا فإن الكلمة متروكة على ظاهرها ومعناها مقصود في نفسه ، وإنما النجوز في حكم يجري عليها ، كقولهم : نام ليلي ، وقوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ ،) ففي هذا مجاز لكنه ليس في ذوات الألفاظ ، فإن الليل والتجارة مستعملان في حقيقتهما ، بل في أن جعلتهما فاعلين لنام وربح.

ومن هذا تفهم ما قالوه في تعريف هذا المجاز بأنه إسناد الفعل أو ما في معناه الى غير ما هو له في الظاهر من حال المتكلم لملابسة مع قرينة صارفة عن أن يكون الإسناد الى ما هو له ، وما في معنى الفعل هو المصدر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة ، ومعنى كونه غير ما هو له أنه ليس من حقه أن يسند اليه لأنه ليس يوصف له ، ومعنى الملابسة العلاقة.

وهذا التعريف يشمل إسناد الفعل المبني للفاعل وما في حكمه كاسم الفاعل الى غير فاعله كالمفعول والمصدر والزمان والمكان والسبب مما له علاقة بالفاعل ، وإسناد الفعل المبني للمفعول وما في حكمه كاسم المفعول الى غير نائب الفاعل مما له علاقة به ، كالفاعل والمصدر ونحوهما ، وإيضاح هذه العلاقات مما يلي :

١ ـ إسناد ما بني للفاعل الى المفعول نحو : عيشة راضية (٤) وماء دافق.

__________________

(١) سورة البقرة الاية ١٧.

(٢) سورة آل عمران الاية ١٥٩.

(٣) البحث عن هذا المجاز من حيث كيفية الدلالة من البيان ومن حيث تحصل به المطابقة لمقتضى الحال من المعاني ، والحق أن ذكره في المعاني كما فعل القزويني في الايضاح كان استطرادا.

(٤) أصل الكلام رضي المرء عيشته فأسند الفعل للمفعول من غير أن يبني له فصار : رضيت العيشة ، ثم أخذ من الفعل المبني للفاعل اسم فاعل وأسند الى ضمير العيشة فآل الأمر إلى أن صار المفعول فاعلا وهكذا يقال في نظائره.

٢٩١

وقول الحطيئة :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

فقد أسند راضية ودافق وطاعم وكاس وهي مبنية للفاعل إلى صمير لعيشة مع أن الراضي صاحبها وكذلك الماء مدفوق والشخص مطعوم مكسو.

٢ ـ إسناد ما بني للمفعول الى الفاعل نحو : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا)(١) ، وسيل مفعم (٢) ، لأن الوعد آت والسيل مفعم أي ماليء.

٣ ـ إسناد الفعل الى المصدر ، نحو قول أبي فراس :

سيذكرني قومي اذا جد جدهم

وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

فقد أسند الجد الى الجد ، أي الاجتهاد ، وهو ليس بفاعل له بل فاعله الجاد وفاصله جد الجاد جدا ، أي اجتهد اجتهادا ، فحذف الفاعل الأصلي وهو الجاد وأسند الفعل الى الجد.

٤ ـ الإسناد الى الزمان ، نحو : نهاره صائم ، وليله قائم ، وقوله :

هي الأمور كما شاهدتها دول

من سره زمن ساءته أزمان

فقد أسند الصوم الى النهار والقيام الى الليل والإساءة والسرور الى الزمان ، وكل هذه أزمنة للأفعال لا واقعة منها.

٥ ـ الإسناد الى المكان ، نحو : (وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ)(٣) ، فقد أسند الجري الى الأنهار ، وهي أمكنة للمياه وليست هي الجارية بل الجاري ماؤها ، ونحوه بيت ساكن.

٦ ـ الإسناد الى السبب ، نحو :

إني لمن معشر أفنى أوائلهم

قيل الكماة ألا أين المحامونا؟

فقد نسب الإفناء الى قول الشجعان : هل من مدافع ، وليس ذلك القول بفاعل ولا بمؤثر وإنما هو سبب فقط.

__________________

(١) سورة مريم الآية ٦١.

(٢) أفعم الأناء : ملأه.

(٣) سورة الأنعام الآية ٦.

٢٩٢

وقد يجيء (١) هذا المجاز في النسبة الإضافية بأن يضاف الى ملابس ما هو له نحو : جري الأنهار ، ومكر الليل ، وغراب البين ، فنسبة الجري الى الأنهار مجاز علاقته المكانية ، والمكر الى الليل مجاز علاقته الزمانية ، والبين الى الغراب مجاز علاقته السببية على النحو الذي يزعمون.

قال الشاعر :

مشائين ليسوا مصلحين عشيرة

ولا ناعب إلا ببين غرابها

كما قد يجيء في النسبة الإيقاعية بأن يوقع الفعل على ملابس ما هو له كقوله تعالى : (وَأَطِيعُوا أَمْرِي)(٢) ، وكما جاء في جميع ما مضى في الإثبات ، فقد جاء أيضا في النفي ، كقوله عز وعلا : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ)(٣) ، أي خسرت (٤) ، ونحو : ما نام ليلي ، أي سهر ، ونحو : تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، أي بما تكره.

أقسامه ، باعتبار الطرفين طرفا هذا المجاز ، وهما المسند اليه والمسند ، إما :

١ ـ حقيقتان ، نحو : وشيب أيام الفراق مفارقي.

٢ ـ وإما مجازان نحو : أحيا الأرض شباب الزمان ، إذ المراد بإحياء الأرض إحداث النضارة والخضرة فيها مما ينتج عن تهيج القوى المنمية فيها ، كما أن المراد من شباب (٥) الزمان ابتداء حرارته وازدياد قواه.

٣ ـ وإما مختلفان ، نحو : أهلك الناس الدينار والدرهم ، فقد جعلت الفتنة إهلاكا ، ثم أثبت الإهلاك فعلا للدينار والدرهم.

ونحو قول أبي الطيب :

وتحيي له المال الصوارم والقنا

ويقتل ما تحيي التبسم والجدا

__________________

(١) أي فالتعريف المتقدم غير جامع لكل أنواع المجاز إلا أن تراد بالاسناد مطلق النسبة ، سواء كانت كالاسنادية أو غير تامة كالاضافية والايقاعية.

(٢) سورة طه الاية ٩٠.

(٣) سورة البقرة الاية ١٦.

(٤) أي اذا قصد إثبات النفي لا نفي الاثبات.

(٥) أصل الشباب كون الحيوان في زمن قوته.

٢٩٣

فقد جعل الزيادة والوفور حياة للمال وتفريقه في العطاء قتلا له ، ثم أثبت الإحياء فعلا للصوارم والقتل فعلا للتبسم ، مع أن كلا منهما لا يصح منه الفعل.

وقد وقع هذا المجاز في التنزيل نحو : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً)(١) ، فقد نسبت الزيادة الى الآيات لكونها سببا ، ونحو : (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ) نسب الذبح الى فرعون لأنه الآمر به والسبب فيه ، ونحو : (يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً)(٢) ، فقد أسند الفعل الى الظرف لوقوعه فيه.

(قرينته) قرينة هذا المجاز إما لفظية ، كقول أبي النجم العجلي :

ميز عنه قنزعا عن قنزع

جذب الليالي أبطىء أو أسرعي (٣)

فقد استدللنا على أن إسناد ميز الى جذب الليالي مجاز بقوله بعده :

أفناه قيل الله للشمس اطلعي

حتى اذا واراك أفق فارجعي

فإنه يدل على أن ذلك فعل الله ، وأنه هو المفتى ، فيكون إسناده الى جذب الليالي من الاسناد الى الزمان.

وإما غير لفظية ، كاستحالة صدور المسند من المسند اليه ، أو قيامه به عقلا ، نحو : محبتك جاءت بي اليك ، أو عادة نحو : بنى الوزير القصر ، وكصدور الكلام من الموحد ، كما في إسناد الاشادة والافناء الى كر الغداة في قوله الصلتان للعبدي :

أشاب الصغير وأفنى الكبير

كر الغداة ومر العشي

اذا ليلة هرمت يومها

أتى بعد ذلك يوم فتى

(تنبيهات) الأول قال عبد القاهر : هذا الضرب من المجاز ، على حدته ، كنز من كنوز البلاغة ومادة الشاعر المفلق والكاتب البليغ في الإبداع والإحسان والاتساع في طرق البيان ، ولا يغرنك من أمره أنك ترى الرجل يقول : أتى بي الشوق الى لقائك ، وسار بي الحنين الى رؤيتك ، وأقدمني بلدك حق لي على إنسان ،

__________________

(١) سورة الأنفال الاية ٢.

(٢) سورة المزمل الاية ١٧.

(٣) ميز : فصل ، وعنه أي عن رأسه ، والقنزح : الشعر المجتمع في نواحي الرأس ، وجذب الليالي : مضيها وتعاقبها ، وابطىء أو أسرعي حال من الليالي على تقدير القول.

٢٩٤

وأشباه ذلك ، مما تجده لشهرته يجري مجرى الحقيقة ، فليس هو كذلك ، بل يدق ويلطف حتى يأتيك بالبدعة لم تعرفها والنادرة تأنق لها.

(الثاني) قال الإمام أيضا : واعلم أنه ليس بواجب في هذا المجاز أن يكون للعمل فاعل في التقدير اذا أنت نقلت الفعل اليه عدت به الى الحقيقة ، مثل أن تقول في ربحت تجارتهم : ربحوا في تجارتهم ، فإن ذلك لا يأتي في كل شيء ، ألا ترى أنه لا يمكنك أن تثبت للفعل في قولك : أقدمني بلدك حق لي على إنسان ، فاعلا سوى الحق ، وكذلك لا تستطيع في قول أبي نواس :

يزيدك وجهه حسنا

إذا ما زدته نظرا

وقول ابن البواب :

وصيرني هواك وبي

لحيني يضرب المثل

أن تزعم أن ليزيد قائلا قد نقل عنه الفعل فجعل للوجه ، ولا لصيرني فاعلا غير الهوى ، فالاعتبار إذا بأن يكون المعنى الذي يرجع اليه الفعل موجودا في الكلام على حقيقته ، معنى ذلك أن القدوم في المثال المتقدم موجود على الحقيقة ، وكذلك الزيادة والصيرورة موجودتان على الحقيقة ، وإذا كان معنى اللفظ موجودا على الحقيقة لم يكن المجاز فيه نفسه بل لا محالة في الحكم.

(الثالث) هذا المجاز كما يجري في الخبر كما سلف يجري في الإنشاء ، كقوله تعالى : (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً)(١) ، وقوله تعالى : (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً)(٢) ، وقوله عزوجل : (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى)(٣) ، وقوله عز وعلا : (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ)(٤) ، فإن البناء والابقاء فعل العملة وهامان سبب آمر ، وهكذا يقال فيما بعده.

(الرابع) أنكر السكاكي هذا المجاز وقال : الذي عندي نظمه في سلك الاستعارة بالكناية يجعل الربيع مثلا في قولك : أنبت الربيع البقل ، استعارة بالكناية عن الفاعل الحقيقي بواسطة المبالغة في التشبيه ، وجعل نسبة الإثبات اليه

__________________

(١) سورة غافر الآية ٣٦.

(٢) سورة القصص الآية ٣٨.

(٣) سورة طه الآية ١١٧.

(٤) سورة هود الآية ٨٧.

٢٩٥

قرينة الاستعارة على ما سبق لك في بيان مذهبه في الاستعارة بالكناية ، وقد رد هذا بأنه يستلزم ألا تصح الإضافة نحو : فما ربحت تجارتهم ، لبطلان إضافة الشيء الى نفسه ، وألا يكون الأمر بالبناء لهامان في قوله : يا هامان ابن لي صرحا ، لأن المراد به حينئذ العملة أنفسهم ، وأن يتوقف جواز التركيب في نحو : أنبت الربيع البقل ، على السمع ، لأن أسماء الله تعالى توقيفية ، وكل هذه اللوازم منتفية فتنتفى ملزوماتها.

تتمة وفيها مهمان

١ ـ المجازات (١) اللغوية المفردة يجب إقرارها حيث وردت ولا يجوز تعديها إلا بإذن وتوقيف من اللغة ، فإذا استعير لفظ الأسد للشجاع لما يربطهما من معنى الشجاعة يجب إقراره ، ولا يجوز تعديته واستعارته للرجل الأبخر لعلاقة المشابهة بينهما ، ولفظ نخلة اذا استعير للرجل الطويل بجامع الطول في كل ، لا يصح أن نعديه ، ونطلقه على الحبل من أجل طوله.

أما المجازات العقلية فيجوز تعديها الى غير محالها التي وردت فيها ، فكما ورد قوله تعالى : (أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها)(٢) ، قيل : تكاثرت أشواقي وأسقمني فقدك وأحيتني مشاهدتك ، الى غير ذلك مما لا يكاد يضبط في الرسائل والمواعظ والخطب كما قال ابن نباتة الخطيب : إنه الموت حسام أزهق النفوس ذبابه (٣) ، كذا في الطراز.

٢ ـ المجاز خلاف الأصل ، فلا يصار اليه إلا لباعث يرجع إما الى اللفظ ، وإما الى المعنى ، وإما اليهما جميعا :

(أ) فمما يرجع الى اللفظ أن يكون المجاز أخف على اللسان من الحقيقة كما نشعر بذلك في مثل لفظ الخنفقيق (الداهية) ، أو يكون صالحا للقافية أو السجع وهي لا تصلح لذلك ، أو يكون مألوف الاستعمال والحقيقة غريبة وحشية.

(ب) ومما يرجع الى المعنى ، قصد التعظيم ، كما تقول : سلام على المجلس ،

__________________

(١) وهي كون مثل هذا استعارة بالكناية.

(٢) سورة يونس الآية ٢٤.

(٣) الذباب : طرف السيف الذي يضرب به.

٢٩٦

الكريم عادلا ، الى المجاز ، تعظيما للمخاطب وتشريفا له عن أن يخاطب بلقبه ، أو المبالغة مع الايجاز ، كما تبين لك ذلك فيما سلف.

(ج) ومما يرجع اليهما تحسين اللفظ ودقة المعنى من أجل أن الشيء اذا عرف من بعض الوجوه دون بعض تاقت النفس الى تحصيل ما ليس بمعلوم لها ، وذلك لا يتسنى إلا عند التعبير بالمجاز ، أما عند التعبير بالحقيقة فيحصل العلم به من جميع الوجوه ، لا جرم كان التعبير بالمجاز أقرب الى تحسين الكلام وتجميله.

أسرار البلاغة في المجاز العقلي

المجاز العقلي ضرب من التوسع في أساليب اللغة وفن من فنون الايجاز في القول ألا ترى أن إسناد الفعل الى سبيله وجعله الفاعل المؤثر دليل على ما كان لهذا الأثر من شديد الصلة في صدور الفعل ، وكأنه هو الذي صدر منه.

انظر الى قول ابن الرومي :

أرى الشعر يحيي الناس والمجد بالذي

تبقيه أرواح له عطرات

فما المجد لو لا الشعر إلا معاهد

وما الناس إلا أعظم نخرات

تره قد جعل حياة الناس ومآثرهم رهينة الشعر بما ينشر من فضائلهم ويذكره من جليل إحسانهم وعظيم إنعامهم فيبقى على كر الغداة ومر العشي.

وكذلك تجد ما في نسبة الحادث ، إلى زمانه أو مكانه ، من دلالة على التعميم والشمول ، فإن الفعل اذا أريد بيان شموله وأنه يعمّ كل من يكنه المكان أو يحيط به الزمان نسب الى المكان أو الزمان ، تأمل قوله تعالى على لسان زكريا عليه‌السلام : (إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(١) ، تره أراد أن يجعل الشيب قد عمّ رأسه حتى صار كأنه نار ، أضاف الاشتعال الى الرأس لا الى الشعر مع أن المقصود هو بيان ابيضاض الشعر.

وانظر الى طرفة بن العبد تره قد نسب إبداء المجهول الى الأيام وهي لا تظهره بل يظهر فيها ، ويستبين من أمره ما كان خفيا ، في قوله :

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار من لم تزود

__________________

(١) سورة مريم الآية ٤.

٢٩٧

وقد جعل ذلك شيمة الزمان وطبيعة الحدثان ، في كل عصر وأوان ، ولا تجد ذلك المعنى مستبينا اذا أنت قد قلت : سيبدو على صفحات الزمان ما كان أمره خفيا ، وما لم تجده من الشؤون جليا.

تدريب أول

بيّن المجاز العقلي واذكر علاقته فيما يلي :

١ ـ أهلكنا الليل ، والنهار معا

والدهر يغدو مصمما جذعا (١)

٢ ـ ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار من لم تزود

٣ ـ ولما رأيت الخيل تترى أثائجا

علمت بأن اليوم أحمس فاجر (٢)

٤ ـ وكل امرىء يولي الجميل محبب

وكل مكان ينبت العز طيب

٥ ـ محا البين ما أبقيت عيون المها مني

فشبت ولم أفض اللباثة من سني

٦ ـ سل الجيزة الفيحاء عن هرمي مصر

لعلك تدري بعض ما لم تكن تدري

الاجابة

١ ـ إسناد الإهلاك الى الليل والنهار مجاز عقلي علاقته الزمانية ، لأن الفاعل هو الله ، وهذان زمنان له.

٢ ـ الأيام لا تظهر مجهولا ، بل يظهر ذلك فيها ، فهو مجاز عقلي ، علاقته الزمانية.

٣ ـ وصف اليوم بالفجور مجاز ، علاقته الزمانية ، لأن الفجور صفة لما يقع فيه.

٤ ـ العز ينبت في المكان ، ولا ينبته المكان ، فهو مجاز عقلي ، علاقته المكانية.

٥ ـ إسناد المحو الى البين مجاز عقلي ، علاقته السببية ، لأن البين لا يمحو شيئا بل هو سبب فيه.

__________________

(١) المصمم من الإبل الصابر على السير أو الماضي فيه ، والجذع الشاب الحدث.

(٢) تترى : تتتابع ، والأثائج : الصائحات ، والأحمس : الصلب الشديد ، والفاجر : المنبعث في المعاصي.

٢٩٨

٦ ـ الجيزة لا تسأل ، بل يسأل أهلها ، فوقوع السؤال على الجيرة مجاز عقلي في النسبة الايقاعية والعلاقة المكانية ، ويصح أن يكون في هذا مجاز بالحذف ، أو مجاز مرسل.

تدريب ثان

بيّن المجاز العقلي واذكر علاقته فيما يلي :

١ ـ الدهر يفترس الرجال فلا تكن

ممن تطيشهم المناصب والرتب

٢ ـ إن البلية من تمل كلامه

فانقع فؤادك من حديث الوامق (١)

٣ ـ نعم المعين على المروءة للفتى

مال يصون عن التبذل نفسه

٤ ـ ملكنا فكان العفو منا سجية

فلما ملكتم سال بالدم أبطح

٥ ـ (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ)(٢)

٦ ـ (جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً)(٣)

الاجابة

١ ـ في اسناد يفترس الى ضمير الدهر مجاز عقلي علاقته الزمانية ، وفي اسناد تطيش الى المناصب والرتب مجاز عقلي علاقته السببية.

٢ ـ في اسناد الوامق الى المفعول مجاز علاقته للمفعولية إذ المراد سر نفسك بمحادثة الموموق أي المحبوب.

٣ ـ في اسناد الاعانة والصيانة الى المال مجاز عقلي علاقته السببية.

٤ ـ في اسناد سال الى الأبطح مجاز عقلي علاقته المكانية إذ الدم سال فيه لا منه.

٥ ـ في اسناد الفاعل وهو آمن الى المفعول وهو الحرم مجاز عقلي علاقته المفعولية.

٦ ـ في اسناد المفعول وهو مستور الى الفاعل وهو الحجاب مجاز عقلي علاقته الفاعلة.

__________________

(١) نقع بالشراب استشفى منه وكذا بالخبر.

(٢) سورة القصص الآية ٥٧.

(٣) سورة الإسراء الآية ٤٥.

٢٩٩

تمرين أول

بيّن المجاز العقلي واذكر علاقته فيما يلي :

١ ـ لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى

ونمت وما ليل المطي بنائم

٢ ـ الدهر لازم بين فرقتنا

وكذاك فرق بيننا الدهر

٣ ـ وكذاك سر المرء ان لم يطوه

نشرته ألسنة تزيد وتكذب

٤ ـ ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى

عدوا له ما من صداقته بد

٥ ـ والهم يخترم الجسيم نحافة

ويشيب ناصية الصبي ويهرم

٦ ـ يومان يوم مقامات وأندية

ويوم سير الى الأعداء تأويب

تمرين ثان

بيّن المجاز العقلي واذكر علاقته فيما يلي :

١ ـ (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ).

٢ ـ هذا يوم عصيب.

٣ ـ منزل عامر بنعم الله.

٤ ـ ذاك مشرب عذب.

٥ ـ هذا مركب فاره.

٦ ـ (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا).

٧ ـ سار بي الحنين الى لقائك.

٨ ـ هذا منزل ساكن.

٩ ـ قال تعالى : (مِنْ ماءٍ دافِقٍ).)

١٠ ـ تنام وما ليل المضيم بنائم.

٣٠٠