علوم البلاغة البيان والمعاني والبديع

أحمد مصطفى المراغي

علوم البلاغة البيان والمعاني والبديع

المؤلف:

أحمد مصطفى المراغي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٤
ISBN: 2-7451-1097-7
الصفحات: ٣٩٩

وكلما كان عمل الخيال أكثر ، كانت صورته أعجب ، والنفس به أطرب ، ولن نجد تلك الروعة وذاك الجمال في تشبيه المحسوسات بعضها ببعض ، فتشبيه ابن المعتز للشمس بالدرهم المضروب في قوله :

وكأن الشمس المنيرة دينا

ر جلته حدائد الضرّاب

وللهلال بالزورق من الفضة التي حمولته من عنبر في قوله :

فانظر اليه كزورق من فضة

قد أثقلته حمولة من عنبر

أقل جمالا من ذاك الذي تقدم ، وليس له في النفس أريحية ، ولا تأخذها منه هزة ، والتشبيهات المستعملة ، في العلوم والفنون ، ما هي إلا وسيلة من وسائل الإيضاح لكشف ما يخفى من الحقائق.

قال صاحب «الصناعتين» : والطريق المسلوكة والمنهج القاصد في التمثيل عند القدماء والمحدثين ـ تشبيه الجواد بالبحر والمطر ، والشجاع بالأسد ، والحسن بالشمس والقمر ، والسهم الماضي بالسيف ، والعالي الرتبة بالنجم ، والحليم الرزين بالجبل ، والقاسي بالحديد والصخر ، والبليد بالجماد ، واللئيم بالكلب.

وشهر قوة بخصال محمودة ، فصاروا فيها أعلاما ، فجروا مجرى ما قدمناه كالسموءل (١) في الوفاء ، وحاتم في السخاء ، والأحنف (٢) في الحلم ، وسحبان في البلاغة ، وقس (٣) في الخطابة ، ولقمان (٤) في الحكمة.

وآخرون بأضدادها فشبه بهم في حال الذم ، كباقل (٥) في العي ، وهنّقة (٦) في الحق ، والكسعي (٧) في الندم ، ومادر (٨) في البخل.

__________________

(١) هو ابن حبان اليهودي.

(٢) من سادات التابعين.

(٣) هو قس بن ساعدة الإيادي خطيب العرب.

(٤) هو حكيم اشتهر بأصالة الرأي في القول والعمل.

(٥) اشتهر بالعي وعدم الإبانة عن مراده.

(٦) هو يزيد بن ثروان من قيس.

(٧) هو غامد ابن الحرث.

(٨) مخارق الهلالي سقى إبله فبقي في الحوض قليل فسلح فيه ومدر الحوض به.

٢٤١

تدريب أول

بيّن أركان التشبيه وأقسامه باعتبار كل منها فيما يلي :

١ ـ تحطمنا الأيام حتى كأننا

زجاج ولكن لا يعاد لنا سبك

٢ ـ ولم أر مثل هالة في معد

يشابه حسنها إلا الهلالا

٣ ـ كأن بني نبهان يوم وفاته

نجوم سماء خرّ من بينها البدر

٤ ـ كأن سهيلا والنجوم وراءه

صفوف صلاة قام فيها إمامها

٥ ـ العلم في الصدرمثل الشمس في الفلك

والعقل للمرء مثل التاج للملك

٦ ـ والنفس كالطفل إن تهمله شب على

حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

٧ ـ وتراكضوا خيل الشباب وبادروا

أن تسترد فإنهن عوار

تدريب ثان

١ ـ وقصائد مثل الرياض أضعتها

في باخل ضاعت به الأحساب

٢ ـ انظر الى حسن هلال بدا

يهتك من أنواره الحندسا (١)

كمنجل قد صيغ من فضة

يحصد من زهر الدجا نرجسا

٣ ـ والدهر كالبحر لا ينفك ذا كدر

وإنما صفوة بين الورى لمع

٤ ـ فإذا ركبت فإنني زيدالفوارس في الجلاد

وإذا نطقت فإنني قسّ بن ساعدة الإيادي (٢)

__________________

(١) الحندس : الليل الشديد الظلمة ،

(٢) زيد الفوارس : زيد الخيل ، أحد الصحابة ، كان له خمس أفراس ، سماه رسول الله :

زيد الخير ، وقس أحد خطباء العرب.

٢٤٢

٥ ـ والبدر في أفق السماء كغادة

بيضاء لاحت في ثياب حداد (١)

٦ ـ والليل في لون الغراب كأنه

هو في حلوكته وإن لم ينعب (٢)

٧ ـ قال عليّ كرم الله وجهه : مثل الذي يعلم الخير ، ولا يعمل به ، مثل السراج الذي يضيء للناس ويحرق نفسه.

٨ ـ قال صاحب «كليلة ودمنة» : الدنيا كالماء المالح ، كلما ازددت منه شربا ، ازددت عطشا.

الاجابة

(١) المشبه القصائد ، مفرد محسوس ، المشبه به الرياض مفرد محسوس الأداة مثل ، وهو تشبيه مرسل ، الوجه الحسن والجمال ، مجمل غير تمثل الغرض تزيين المشبه.

(٢) المشبه الهلال مفرد محسوس مقيد ، المشبه به المنجل مفرد محسوس مقيد ، الأداة الكاف ، تشبيه مرسل ، الوجه إزالة شيء مظلم ، مجمل غير تمثيل تزيين المشبه.

(٣) المشبه الدهر مفرد معقول ، المشبه به البحر مفرد محسوس ، الأداة الكاف تشبيه مرسل ، الوجه الكدر غالبا مجمل غير تمثيل ، الغرض بيان حاله.

(٤) المشبه ضمير المتكلم مفرد محسوس ، المشبه به زيد الفوارس مفرد محسوس والأداة محذوفة مؤكد ، الوجه الجلاد مفصل غير تمثيل ، الغرض بيان حال المشبه ومثله البيت الثاني.

(٥) المشبه البدر مفرد مقيد محسوس ، المشبه به حسناء في ثياب حداد مفرد محسوس مقيد ، الأداة الكاف مرسل ، الوجه بياض يعلوه سواد مجمل غير تمثيل والغرض بيان مقدار حال المشبه به ، وهو تشبيه مقلوب.

(٦) المشبه ضمير الليل مفرد محسوس ، المشبه به الغراب مفرد محسوس ، الأداة كأن ، مرسل ، الوجه الحلوكة والسواد مفصل غير تمثيل ، الغرض بيان مقدار حاله.

__________________

(١) الحداد : الحزن.

(٢) النعيب : صوت الغراب ، والحلوكة : السوداء.

٢٤٣

٧ ـ المشبه الذي يعلم الخير ولا يعمل به مفرد مقيد محسوس ، المشبه به السراج الذي يضيء للناس ويحرق نفسه مفرد مقيد محسوس ، الأداة مثل تشبيه مرسل ، الوجه نفع غيره وحرمان نفسه ، مجمل غير تمثيل الغرض تقبيح حال المشبه.

٨ ـ المشبه الدنيا مفرد محسوس ، المشبه به الماء المالح مفرد مقيد محسوس ، والأداة الكاف وهو تشبيه مرسل ، الوجه عدم الفائدة مجمل غير تمثيل ، الغرض تقبيح حال المشبه.

تمرين أول

بيّن أركان التشبيه وأقسامه باعتبار كل فيما يلي :

١ ـ ومكلف الأيام ضد طباعها

متطلب في الماء جذوة نار

٢ ـ الشمس من مشرقها قد بدت

مشرقة ليس لها حاجب

كأنها بوتقة أحميت

يجول فيها ذهب ذائب

٣ ـ كأن سماءها لما تجلت

خلال نجومها عند الصباح

رياض بنفسج خضل نداه

تفتح فيه أنوار الأقاحي (١)

٤ ـ قال علي كرم الله وجهه : إنه لم يبق من الدنيا إلا كإناخة راكب أو صر حالب.

٥ ـ قال صاحب «كليلة ودمنة» : من صنع المعروف لعاجل الجزاء فهو كملقي الحب للطير لا لينفعها بل ليصيدها.

٦ ـ فأنهض بنار الى فحم كأنهما

في العين ظلم وإنصاف قد اتفقا

٧ ـ فإن أغش قوما بعده أو أزورهم

فكالوحوش يدنيها من الانس المحل (٢)

٨ ـ إذا أقبلت قيس كأن عيونها

حدق الكلاب وأظهرت سيماها (٣)

٩ ـ بفرع ووجه وقد وردف

كليل وبدر وغصن وحقف

__________________

(١) هما لابن المعتز في وصف سحابة ، وقبلهما :

وموقرة بثقل الماء جاءت

تهادي فوق أعناق الرياح

(٢) الانس محركا من تأنس به جمعه آناس ولغة في الانس ، والمحل : الجدب.

(٣) السيما والسيمياء : العلامة والهيئة.

٢٤٤

تمرين ثان

١ ـ قال عليه‌السلام : «أمتي كالمطر لا يدري أوله أم آخره».

٢ ـ ولقد ذكرنك والزمان كأنه

يوم النوى وفؤاد من لم يعشق

٣ ـ فالخمر ياقوتة والكأس لؤلؤة

من كف جارية ممشوقة القد

٤ ـ كأن أثيرا في عرانين وبله

كبير أناس في بجاد مزمّل (١)

٥ ـ إني وتزييني بمدحي معشرا

كمعلق درا على خنزير

٦ ـ قال صاحب «كليلة ودمنة» : صحبة الأشرار تورث النثر كالريح اذا مرت على المنثر حملت نتنا ، وإذا مرت على الطيب حملت طيبا.

٧ ـ وما منع الضغائن مثل ضرب

ترى منه السواعد كالقلينا (٢)

٨ ـ إذا قامت لحاجتها تثنت

كأن عظامها من خيزران

٩ ـ ثغر وخد ونهد واحمرار يد

كالطلع والورد والرمان والبلح

__________________

(١) أثير : جبل ، وعرانين السحاب أوائل مطره ، والبجاد : كساء مخطط.

(٢) القلة : مضرب الكرة.

٢٤٥

الباب الثاني في الحقيقة والمجاز

وفيه عشرون مبحثا وتتمة

المبحث الأول في أقسام الحقيقة

الحقيقة التي نبحث عنها هنا (١) ضربان : حقيقة من طريق اللغة ، وحقيقة من ناحية المعنى والمعقول ـ بيان هذا أنا إذا وصفنا كلمة مفردة بكونها حقيقة ، كما إذا أطلقنا السبع على الحيوان المعروف ، واليد على الجارحة المخصوصة ، كان ذلك الاطلاق حكما آتيا من ناحية اللغة ، ألا ترى أنا نقول : إن المتكلم استعمل الكلمة فيما وضعت له ابتداء في اللغة ، وإذا وصفنا بالحقيقة الجملة من الكلام كان ذلك الوصف آتيا من جانب المعقول دون اللغة ، لأن الأوصاف اللاحقة للجمل من حيث إنها جمل لا يصح ردها الى اللغة ، ولا وجه لنسبتها الى واضعها ، لأن التأليف هو إسناد فعل الى اسم ، أو اسم الى اسم ، وذاك شيء يحصل بقصد المتكلم ، فمثلا كتب لا يصير خبرا عن محمد في قولك محمد كتب بوضع اللغة ، بل بمن قصد إثبات الكتابة فعلا له ، كذا في «أسرار البلاغة» بتصرف.

المبحث الثاني في تعريف الحقيقة

الحقيقة في اللغة فعيل بمعنى فاعل من حق الشيء اذا ثبت ، أو بمعنى مفعول من حققت الشيء إذا أثبته ، ثم نقل الى الكلمة الثابتة أو المثبتة في مكانها الأصلي والتاء فيها للنقل من الوصفية الى الاسمية.

وقد علمت مما سبق أن الحقيقة التي نبحث عنها ضربان : حقيقة لغوية ، وحقيقة عقلية.

__________________

(١) أما بقية أنواع الحقائق فلا يهم علماء الفصاحة البحث عنها.

٢٤٦

١ ـ فاللغوية هي الكلمة المستعملة فيما وضعت (١) له في إصلاح التخاطب ، فخرج بقولنا المستعملة الكلمة قبل الاستعمال ، فلا تسمى حقيقة ولا مجازا ، وبقولنا فيما وضعت له الغلط ، نحو : خذ هذا الكتاب ، مشيرا الى مسطرة ، والمجاز الذي لم يستعمل فيما وضع له ، لا في اصطلاح التخاطب ، ولا في غيره ، كالأسد المستعمل في الرجل الشجاع ، لأن الاستعارة وإن كانت موضوعة فوضعها تأويلي ، أي يحتاج الى قرينة لا تحقيقي ، والمفهوم من إطلاق الوضع التحقيقي وهو ما كانت الدلالة فيه بنفسه لا بقرينة ، وبقولنا في اصطلاح التخاطب المجاز المستعمل فيما وضع له في اصطلاح آخر غير الاصطلاح الذي وقع به التخاطب كالزكاة اذا استعملها الشرعي في النماء ، فإنها تكون مجازا لأنها لفظ استعمل في غير ما وضع له في اصطلاح الشرع ، وهو الجزء المخصوص الذي يؤخذ من المال ، ويعطى للسائل والمحروم ، وإن كان مستعملا فيما وضع له في اصطلاح اللغة ، فلو لا هذا القيد لتناول تعريف الحقيقة والمجاز.

٢ ـ والعقلية هي إسناد الفعل ، أو ما في معناه الى ما هو له عند المتكلم في الظاهر ، أي إسناد الفعل ، أو ما في معناه ، وهو المصدر واسم الفاعل ، واسم المفعول والصفة المشبهة ، واسم التفضيل والظرف ، إلى ما هو له عند المتكلم فيما يفهم من ظاهر (٢) حاله بألا ينصب قرينة على أنه غير ما هو له في اعتقاده ، ومعنى كونه له أن حقه أن يسند اليه لأنه وصف له وذلك كإسناد الفعل المبنى للفاعل الى الفاعل ، وإسناد الفعل المبني للمفعول ، وستأتي الأمثلة عند ذكر أقسامها ، وهي أربعة :

١ ـ ما يطابق الواقع والاعتقاد معا كقول الموحد : خلق الله العالم.

٢ ـ ما يطابق الواقع دون الاعتقاد ولا يكاد يوجد له مثال ومثلوا له بقول المعتزلي لمن لا يعرف حقيقة حاله وهو يخفيها عنه (خلق الله الأفعال كلها)

__________________

(١) الوضع تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه ، فخرج بقولنا بنفسه المجاز ، لأن دلالته بالقرينة ، ودخل المشترك ، لأنه قد عين للدلالة على كل من المعنيين بنفسه وعدم فهم أحدهما بالتعيين لعارض لا ينافي ذلك ، فالقر ، مثلا عين مرة للدلالة على الطهر بنفسه وأخرى للدلالة على الحيض بنفسه ، فهو موضوع لكل منهما على وجه الاستقلال.

(٢) سيأتي إيضاح ذلك في المجاز.

٢٤٧

إذ هو لا يعتقد ذلك ، وإنما يعتقد أن الأفعال الاختيارية مخلوقة بكسب العبد واختياره.

٣ ـ ما يطابق الاعتقاد دون الواقع كقول الطبعي ، المنكر لوجود الإله : شفى الطبيب المريض ، وعليه قوله تعالى ، حكاية عن بعض الكفار : (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ)(١).

٤ ـ ما لا يطابق شيئا منهما كالأقوال الكاذبة التي يكون المتكلم عالما بحالها دون المخاطب ، كما تقول : سافر محمد ، وأنت تعلم أنه لم يسافر ، فلو علمه المخاطب كما علمه المتكلم لما تعين كونه حقيقة لجواز (٢) أن يجعل المتكلم علم السامع بأنه لم يسافر قرينة على عدم إرادة ظاهرة ، فلا يكون إسنادا الى ما هو له عند المتكلم في الظاهر.

المبحث الثالث في تعريف المجاز وأقسامه

المجاز مفعل واشتقاقه من الجواز وهو التعدي من قولهم : جزت موضع كذا ، اذا تعديته ، سمي به المجاز الآتي بيانه لأنهم جازوا به موضعه الأصلي ، أو جاز هو مكانه الذي وضع فيه أولا.

وفي الاصطلاح قسمان : مجاز عقلي ، ولغوي ، والأول سنتكلم عنه بعد ، والثاني ضربان : مفرد ومركب ، فالمركب سيأتي بيانه.

والمفرد هو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له في اصطلاح التخاطب لملاحظة علاقة (٣) بين الثاني والأول مع قرينة (٤) تمنع إرادة المعنى الأصلي ، كالأسد المستعمل في الشجاع ، والغيث المستعمل في النبات ، فخرج بقولنا : الكلمة المستعملة الكلمة قبل الاستعمال ، فلا هي حقيقة ولا مجاز ، وبقولنا :

__________________

(١) سورة الجاثية الآية ٢٤.

(٢) فيكون مجازا عقليا إن كان الاسناد الى محمد لملابسة كأن كان محمد سببا في سفر المسافر حقيقة ، أو يكون حقيقة كاذبة إذا كان المتكلم لم يجعل علم السامع قرينة على أنه لم يرد ظاهره.

(٣) هي بفتح العين على الأفصح ، وسميت كذلك لأن بها يتعلق ويرتبط المعنى الثاني بالمعنى الأول.

(٤) هي ما يفصح عن المراد من اللفظ وسيأتي أنها تارة تكون لفظا وتارة تكون غيره.

٢٤٨

في غير ما وضعت له الحقيقة ، وبقولنا : في اصطلاح التخاطب الحقيقة التي لها معنى آخر في اصطلاح التخاطب كالزكاة إذا استعملها المتكلم باصطلاح اللغة في النماء ، فإنها يصدق عليها أنها كلمة مستعملة في غير ما وضعت له لكن باصطلاح آخر ، وهو اصطلاح الشرع لا اصطلاح المتكلم ، وهو اللغة ، فلو لا هذا القيد لأمكن دخول هذه الحقيقة في تعريف المجاز ، وبقولنا الملاحظة : علاقة ، وهي المناسبة الخاصة بين المعنى المنقول عنه والمنقول اليه ، الغلط كالكتاب اذا استعمل في المسطرة غلطا في نحو قولك : خذ الكتاب ، مشيرا الى مسطرة ، فإنه ليس فيه علاقة ملحوظة ، وبقولنا : مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي الكناية فإن قرينتها لا تمنع من إرادة الموضوع له.

وينقسم الى : مجاز مرسل واستعارة ، لأن العلاقة المصححة للتجوز إن كانت غير المشابهة فمجاز مرسل ، وإلا فاستعارة.

المبحث الرابع في المجاز المرسل (١)

هو ما كانت العلاقة بين ما استعمل فيه وما وضع له ملابسة ومناسبة غير المشابهة كاليد اذا استعملت في النعمة ، لما جرت به العادة من صدورها عن الجارحة ، وبواسطتها تصل الى المقصود بها.

ويجب أن يكون في الكلام دلالة على رب تلك النعمة ومصدرها بنسبتها اليه ومن ثم لا تقول : اقتنيت يدا ، ولا اتسعت اليد في المد ، كما تقول : اقتنيت نعمة ، وكثرت النعمة في البلد ، وإنما تقول : جلّت يده عندي ، وكثرت أياديه لدي ، أو ما شابه ذلك.

ومن هذا قوله عليه‌السلام لأزواجه : «أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا» ، إذ المراد بسط اليد بالعطاء والبذل.

ونظير ذلك اليد اذا استعملت في القدرة ، لأن أجلى مظاهرها وأحكمها في اليد ، ألا ترى أن بها البطش والتنكيل والأخذ والقطع والرفع والوضع ، الى غير ذلك من أفاعيلها التي ترشدك الى وجوه القدرة ومكانها.

__________________

(١) سمي بذلك لإرساله وإطلاقه عن التقييد بعلاقة خاصة.

٢٤٩

ومن هذا النمط الأصبع في قولهم لراعي الإبل إن له عليها إصبعا ، أي أثرا حسنا ، كما قال الراعي يصف راعيا :

ضعيف العصا بادي العروق ترى له

عليها إذا ما أجدب الناس إصبعا

دلوا على أثر المهارة والحذق بالأصبع من قبل أنهما لا يظهران في عمل اليد إلا في حسن التصريف الأصابع وخفة رفعها ووضعها كما يظهر ذلك في الخط والنقش وغيرهما من دقائق الصناعات.

وعلاقات هذا المجاز كثيرة ، أشهرها :

١ ـ السببية ، وهي كون الشيء المنقول عنه سببا ومؤثرا في شيء آخر ، نحو : رعى جوادي المطر ، أي الكلأ ، الحادث بالغيث.

٢ ـ المسببية ، وهي كون المنقول عنه مسببا ومتأثرا من شيء آخر ، نحو : أمطرت السماء نباتا ، أي ماء ، به يوجد النبات ، وتناولت كأس الشفاء ، أي الدواء ، وعليه قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً)(١) ، أي مطرا يسبب الرزق ، وقوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)(٢) ، أي سلاح يحدث القوة والمنعة.

٣ ـ الكلية ، وهي كون الشيء متضمنا لشيء آخر ولغيره ، كالأصابع المستعملة في الأنامل في قوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ)(٣) ، أي رؤوس أناملهم ، ونحو : شربت ماء النيل ، أي بعضه ، والقرينة : شربت ، وسكنت مصر ، أي منزلا من منازلها ، والقرينة : سكنت.

٤ ـ الجزئية ، بمعنى أن الشيء يتضمنه وغيره شيء آخر كإطلاق العين على الربيئة (٤) لكونها هي المقصودة في كون الرجل ربيئة ، لأن ما عداها لا يعني شيئا مع فقدها ، فصارت كأنها الشخص كله ، ومن هذا قوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً)(٥) أي صلّ ، وقوله تعالى : (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً) أي لا تصلّ.

__________________

(١) سورة غافر الآية ١٣.

(٢) سورة الأنفال الآية ٦٠.

(٣) سورة البقرة الآية ١٩.

(٤) هو الشخص يطلع على عورات العدو في مكان عال ، وهو أيضا الجاسوس.

(٥) سورة المزمل الآية ٢.

٢٥٠

وقولهم : قال فلان اليوم كلمة نالت استحسان الجميع ، أي كلاما مفيدا.

وشروط هذه العلاقة أمران :

(أ) أن يكون الكل مركبا تركيبا حقيقيا.

(ب) أن يستلزم انتفاء الجزء انتفاء الكل عرفا كما في إطلاق الرقبة ، أو الرأس ، على الإنسان دون إطلاق الظفر أو الأذن مثلا ، أو أن يكون زائد الاختصاص بالمعنى المطلوب من الكل كما في إطلاق اليد على المعطى والعين على الربيئة ، أو أن يكون أشرف أجزائه ، كما في إطلاق القافية على القصيدة في قول معن بن أوس :

أعلمه الرماية كل يوم

فلما اشتد ساعده رماني

وكم علمته نظم القوافي

فلما قال قافية هجاني (١)

٥ ـ الملزومية ، وهي كون الشيء يجب عند وجوده وجود شيء آخر ، كما في إطلاق الشمس على الضوء في قولك : دخلت الشمس من الكوة ، والقرينة على ذلك : دخلت.

٦ ـ اللازمية (٢) ، وهي كون الشيء يلزم وجوده عند وجود شيء آخر ، كما في إطلاق الحرارة على النار ، وإطلاق الضوء على الشمس في قولك : انظر الحرارة ، أي النار ، وطلع الضوء ، أي الشمس ، والقرينة على ذلك : نظر وطلع.

٧ ـ اعتبار ما كان ، وهو النظر الى الشيء بما كان عليه في الزمن الماضي ، نحو : شربت بنا جيدا ، تريد قهوة بن ، ونحو : مشيت اليوم في شارع بلاق ، تريد شارع ٢٦ يوليو قبل تغيير الاسم ، وعليه قوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ)(٣) ، سمي الذين أمرنا بايتائهم أموالهم حال البلوغ : يتامى ، لما كانوا عليه من اليتم ، ونحوه : (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً)(٤) ، سماه مجرما باعتبار الدنيا ، والقرينة على ذلك : شربت ، واليوم ، وآتوا ، ويأت.

__________________

(١) استد من السداد في الرأي أي استقام.

(٢) المعتبر هنا اللزوم الخاص وهو عدم الانفكاك.

(٣) سورة النساء الآية ٢.

(٤) سورة طه الآية ٧٤.

٢٥١

٨ ـ اعتبار ما سيكون ، وهو النظر الى الشيء بما سيكون عليه في الزمن المستقبل ، نحو : غرست اليوم شجرا ، وأنت تعني بذورا ، وطحنت خبزا ، أي قمحا ، وعليه قوله تعالى : (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً)(١) أي صائرا الى الكفر والفجور ، وقوله تعالى : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً)(٢) أي عنبا يؤول عصيره الى الخمرية ، والقرينة على ذلك حالية في الأول ومقالية في الباقي ، وهي طحن ويلد وأعصر.

٩ ـ الحالية ، وهي كون الشيء حالا في غيره نحو : نزلت بالقوم فأكرموني أي بدارهم ، وعلى ذلك قوله تعالى : (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(٣) ، أي في الجنة التي هي محل الرحمة ، والقرينة : نزل و (هُمْ فِيها خالِدُونَ).

١٠ ـ المحلية ، وهي كون الشيء يحل فيه غيره ، نحو : انصرف الديوان ، أي عماله ، وحكمت المحكمة أي قضاتها ، وأقرت المدرسة توزيع الجوائز على النابغين أي ناظريها ، والقرينة على ذلك : انصرف ، وحكمت ، وأقرت.

وقوله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ)(٤) ، أي أهل النادي ، وقوله تعالى : (بِيَدِهِ الْمُلْكُ)(٥) أي القدرة ، وقوله تعالى : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها)(٦) أي عقول ، وقوله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ)(٧) أي ألسنتهم ، والقرينة : انصرف وحكمت ويدعو وبيده ويفقهون ويقولون.

١١ ـ الآلية ، وهي كون الشيء آلة لإيصال أثر شيء الى آخر ، نحو : يتكلم فلان خمس ألسن ، أي خمس لغات ، ونحو : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ)(٨) ، أي بلغة قومه.

__________________

(١) سورة نوح الآية ٢٧.

(٢) سورة يوسف الآية ٣٦.

(٣) سورة آل عمران الآية ١٠٧.

(٤) سورة العلق الآية ١٧.

(٥) سورة الملك الآية ١.

(٦) سورة الأعراف الآية ١٧٩.

(٧) سورة آل عمران الآية ١٦٧.

(٨) سورة إبراهيم الآية ٤.

٢٥٢

وقوله تعالى : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)(١) أي ذكرا جميلا ، والقرينة : يتكلم ، وأرسلنا ، واجعل.

١٢ ـ العموم ، وهو كون الشيء شاملا لكثيرين ، كقوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ)(٢) أي محمدا عليه‌السلام ، وقوله عز من قائل : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ)(٣) يعني نعيم بن مسعود الأشجعي ، والقرينة على ذلك أن الحسد ما كان إلا له ، وأن القائل ما كان إلا نعيما.

١٣ ـ الخصوص ، كاطلاق اسم الشخص على القبيلة ، نحو : ربيعة ، ومضر ، وقريش ، وتميم.

١٤ ـ البدلية ، وهي كون الشيء بدلا وعوضا من شيء آخر ، نحو : قضيت الدين في موعده ، أي أديته ، وفي ملك فلان ألف دينار ، أي متاع يساوي ألفا ونحو : (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ)(٤) أي أديتم ، والقرينة : في موعده في الأول وحالية في الثاني والثالث.

١٥ ـ المبدلية ، أي كون الشيء مبدلا من شيء آخر نحو : أكلت دم القتيل أي ديته ، كما قال عروة الرحال ، يخاطب امرأته متوعدا :

أكلت دما إن لم أرعك بضرة

بعيدة مهوى القرط طيبة النشر (٥)

١٦ ـ المجاورة ، وهي كون الشيء يجاور غيره ، فيطلق عليه اسمه كاطلاق الراوية على القربة ، والثياب على النفس في قول عنترة :

فشككت بالرمح الأصم ثيابه

ليس الكريم على القنا بمحرّم

وقد تكون المجاورة في الذكر فقط ، وتسمى المشاكلة ، نحو : اطبخوا لي جبة وقميصا.

__________________

(١) سورة الشعراء الآية ٨٤.

(٢) سورة النساء الآية ٥٤.

(٣) سورة آل عمران الآية ١٧٣.

(٤) سورة النساء الآية ١٠٣.

(٥) مهوى القرط : طول العنق ، قاله يتوعد زوجه بالزواج بأخرى حسنة جميلة ، وقبله :

أما لك عمر إنما أنت حية

إذا هي لم تقتل تعش آخر العمر

ثلاثين حولا لا أرى منك راحة

لهنك في الدنيا لباقية العمر

٢٥٣

١٧ ـ الدالية ، وهي كون الشيء يدل على شيء آخر ، نحو : فهمت الكتاب أي معناه ، كما قال المتنبي :

فهمت الكتاب أبر الكتب

فسمعت لأمر أمير العرب

١٨ ـ المدلولية ، وهي كون الشيء مدلولا لغيره ، نحو : قرأت معناه مشغوفا بتقبيل ، تريد لفظه.

١٩ ـ إقامة صيغة مقام أخرى ، وتسمى هذه العلاقة بالتعلق الاشتقاقي ، ويندرج تحت هذا أنواع :

(أ) إطلاق المصدر على اسم المفعول نحو : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ)(١) أي معلومه.

(ب) إطلاق اسم المفعول على المصدر ، نحو : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ)(٢) ، أي الفتنة.

(ج) إطلاق اسم الفاعل على المصدر ، نحو : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ)(٣) ، أي تكذيب ، أو على اسم المفعول نحو : (مِنْ ماءٍ دافِقٍ)(٤) ، أي مدفوق ، (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ)(٥) ، أي لا معصوم.

(د) إطلاق اسم المفعول على اسم الفاعل نحو : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا)(٦) أي آتيا ، (حِجاباً مَسْتُوراً)(٧) أي ساترا.

تنبيهات

(١) ليس المقصود من العلاقة إلا بيان الارتباط ، فالفطن اللبيب يعرف ما يناسب كل مقام فيصح أن يعتبر في إطلاق الدال على المدلول علاقة المجاورة بأن يتخيل أن الدال مجاور للمدلول ، أو علاقة الحالية نظرا الى أن الدال محل

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٥٤.

(٢) سورة القلم الآية ٦.

(٣) سورة الواقعة الآية ٢.

(٤) سورة الطارق الآية ٦.

(٥) سورة هود الآية ٤٣.

(٦) سورة مريم الآية ٦١.

(٧) سورة الإسراء الآية ٤٥.

٢٥٤

للمدلول ، كما يقولون : الألفاظ قوالب المعاني ، أو علاقة السببية والمسببية ، أو نحو ذلك ، بحسب ما يهدي اليه الذوق ، ويرشد اليه الوجدان الصادق.

(٢) قد يكون اللفظ الواحد صالحا لأن يكون بالنظر الى معنى واحد مجازا مرسلا واستعارة باعتبارين ، فإذا جاز مراعاة علاقتين أو أكثر فالمعول عليه هو ما لاحظه المتكلم ، فإن لم يعرف مقصده ، صح للمخاطب أن يعتبر ما يشاء ، ولكن بعد أن ينعم النظر ويرجح أكثرها قوة وأشدها ملاءمة للغرض ، ومن ثمة يرجح علاقة المشابهة على غيرها ، والمشابهة الحقيقية على الصورية ، فمثلا المشفر اذا أطلق على شفة الإنسان ، فإن لوحظ في إطلاقه عليها المشابهة في الغلظ ، فهي استعارة ، وإن لوحظ أنه من إطلاق اسم المقيد على المطلق كان مجازا مرسلا.

(٣) قسم الإمام عبد القاهر هذا المجاز الى قسمين : خال من الفائدة ومفيد ، فالخالي منها ما استعمل في شيء بقيد مع كونه موضوعا في أصل اللغة لذلك الشيء بقيد آخر من غير قصد التشبيه كالمرسن الذي أصله للحيوان والشفة التي أصلها للإنسان ، والجحفلة التي أصل وضعها للفرس ، اذا استعمل شيء منها في غير الجنس الذي وضعت له ، كقول العجاج : وفاحما ومرسنا مسرجا ، يريد أنفا كالسراج ، وقول الآخر :

فبتنا جلوسا لدى مهرنا

ننزّع من شفتيه الصفارا (١)

أما المفيد فما عدا هذا الضرب والاستعارة كما اذا قصد التشبيه في الأمثلة الماضية ، كقولهم في الذم إنه لغليظ الجحافل وغليظ المشافر ، فإنه بمنزلة أن يقال كأن شفتيه في الغلظ مشفر البعير ، وعليه قول الفرزدق :

فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي

ولكن زنجي غليظ المشافر

يريد : ولكنك زنجي ، كأنه لا يسمو فكره الى معرفة شرفي.

(٤) يلاحظ مما سبق أن اسم العلاقة يستفاد من وصف الكلمة التي تذكر في الجملة ، فإن كانت الجزء جعلت العلاقة الجزئية ، وإن كانت الكل جعلت الكلية ، وهكذا.

__________________

(١) شفتيه : اسم لإحدى شفتي البعير ، الصفار : يطلق على ما يبقى في أصول أسنان الدابة من تبن ونحوه.

٢٥٥

أسرار البلاغة في المجاز المرسل

المجاز المرسل ضرب من التوسع أساليب اللغة وفن من فنون الإيجاز في القول انظر قوله :

كفى بالمرء عيبا أن تراه

له وجه وليس له لسان

تراه قد سلك طريقا أرشد بها السامعين الى أن من فقد الفصاحة والبيان ، فكأنه فقد اللسان جملة ، وفي هذا من كمال المبالغة ما أنت تشعر به وتتذوقه.

وهكذا تشاهد مثل هذا الخيال الرائع اذا أنت تأملت قوله :

إذا نزل السماء بأرض قوم

رعيناه وإن كانوا غضابا

فإنك لتستبين منه أنه رعى الغيث ، وكأن النبات كله ماء.

وفي هذا كبير دلالة على أن النبات لا يحيا بدون الماء ، وعلى أن عليه حياة الحيوان على وجه الأرض ، وأنه بدونه لا يعيش.

تدريب أول

بيّن المجاز المرسل ، وعلاقته فيما يلي :

١ ـ إن العدو وإن تقادم عهده

فالحقد باق في الصدور مغيب

٢ ـ (فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(١)

٣ ـ وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها

فليس لمخضوب البنان يمين

٤ ـ ولم يبق سوى العدوا

ن دناهم كما دانوا

٥ ـ مكثنا في (النعيم المقيم)

٦ ـ (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)(٢)

٧ ـ (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى)(٣)

٨ ـ (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً)(٤)

__________________

(١) سورة الأنعام الآية ٥.

(٢) سورة الزمر الآية ٦٧.

(٣) سورة البقرة الآية ١٧٨.

(٤) سورة النساء الآية ١٠.

٢٥٦

الاجابة

(١) في الصدور مجاز مرسل مفرد ، علاقته المحلية : لأن الصدور محل القلوب التي تتأثر بالحقد وغيره.

(٢) في الأنباء مجاز مرسل ، علاقته : التعلق الاشتياقي ، إذ الوعيد ليس بالنبأ بل بالمنبأ به ، أي المخبر به.

(٣) في كلمة البنان مجاز علاقته الجزئية ، إذ المراد الكف ، وكذا في يمين مجاز علاقته السببية ، إذ المراد : ليس لها وفاء بالمحلوف عليه.

(٤) في دناهم مجاز مرسل علاقته المسببية ، إذ المراد : جاز بناهم كما في المثل كما تدين تدان ، أي كما تفعل تجازى.

(٥) في كلمة يمينه ، مجاز مرسل علاقته المحلية ، إذ المعنى : بقوته وقدرته.

(٦) في كلمة القتلى ، مجاز مرسل علاقته ما سيكون ، إذ المراد : فيمن سيقتلون.

(٧) في كلمة نارا ، مجاز مرسل علاقته المسببية ، لأن أكل هذه الأموال يوصل الى النار.

تدريب ثان

١ ـ «ذلك بما قدمت أيديهم»

٢ ـ (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)

٣ ـ ناولني الطبيب جرعة الشفاء

٤ ـ (وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ)

٥ ـ بلادي وإن جارت عليّ عزيزة

وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام

٦ ـ لك القلم الأعلى الذي بشباته

يصاب من الأمر الكلي والمفاصل (١)

٧ ـ (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها)

٨ ـ (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)

__________________

(١) الشباة : حد السيف ونحوه ، والمراد هنا : حد القلم ، وإصابة الكلى كنية عن إصابة الصواب.

٢٥٧

تمرين أول

بيّن المجاز المرسل ، وعلاقته ، فيما يلي :

(١) تنبت أرض مصر ذهبا.

(٢) هذا خلق الله.

(٣) (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ)

(٤) حفرنا الماء (البئر)

(٥) قرأت شعر أبي العلاء

(٦) ركبت القطار

(٧) (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ)

(٨) يتخرج في المدرسة رجال نافعون

تمرين ثان

١ ـ أصدق كلمة قالها لبيد : «ألا كل شيء ما خلا الله باطل».

٢ ـ اذا الكماة تنحوا أن يصيبهم

حدّ الظبات وصلناها بأيدينا (١)

٣ ـ كفى بالمرء عيبا أن تراه

له وجه وليس له لسان

٤ ـ أحسن الى الناس تستعبد قلوبهم

فطالما استعبد الانسان إحسان

٥ ـ ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

٦ ـ وليست أيادي الناس عندي غنيمة

ورب يد عندي أشد من الأسر

٧ ـ تسيل على حد الظبات نفوسنا

وليست على غير الظبات تسيل

__________________

(١) الظبات : جمع ظبة ، حد السيف ، والمراد هنا : السيف جميعه.

٢٥٨

٨ ـ ألما على معن وقولا لقبره

سقتك الغوادي مربعا بعد مربع (١)

٩ ـ قال الحطيئة :

ندمت على لسان كان مني

فليت بأنه في جوف عكم

المبحث الخامس في الاستعارة ومنزلها في البلاغة

قال الإمام في «أسرار البلاغة» : اعلم أن الاستعارة أمد ميدانا وأشد افتنانا وأوسع سعة وأبعد غورا وأذهب نجدا في الصناعة وغورا (٢) من أن تجمع شعبها وشعوبها وتحصر فنونها وضروبها ، ومن خصائصها أنها تعطيك الكثير من المعاني حتى تخرج من الصدفة الواحدة عدة من الدرر وتجني من الغصن الواحد أنواعا من الثمر ، وتجد التشبيهات على الجملة غير معجبة ما لم تكنها ، إن شئت أرتك المعاني التي هي من خبايا العقل كأنها قد جسمت حتى رأتها العيون ، وإن شئت لطفت الأوصاف الجسمانية حتى تعود روحانية لا تنالها الظنون ، انتهى.

وللاستعارة إطلاقان :

١ ـ المعنى المصدري ، وهو فعل المتكلم ، أعني استعمال لفظ المشبه به في المشبه بقرينة صارفة عن الحقيقة.

وأركانها بهذا المعنى ثلاثة : مستعار وهو اللفظ ، ومستعار منه وهو المشبه به ومستعار له وهو المشبه.

٢ ـ المعنى الاسمى ، وهو اللفظ المستعمل في غير المعنى الموضوع له لمناسبة بين المعنى المنقول عنه والمعنى المستعمل فيه مع قرينة تصرف عن إرادة المعنى الأصلي ، كقولك : رأيت أسدا ، تعني رجلا شجاعا ، وبحرا تريد جوادا ، وشمسا تريد إنسانا مضيء الوجه متهللا ، وسللت سيفا على العدو تقصد رجلا ماضيا في نصرتك.

فأنت بهذا قد استعرت اسم الأسد للرجل الشجاع ، فأفدت بهذه الاستعارة المبالغة في وصفه بالشجاعة وإيقاعك منه في نفس السامع صورة الأسد في بطشه وإقدامه وشدته ، الى غير ذلك من المعاني المركوزة في طبيعته الدالة على الجرأة ،

__________________

(١) الغوادي جمع غادية ، السحابة تنشأ غدوة ، والمربع : المطر في الربيع.

(٢) الغور الأول : القعر ، والثاني : الوادي.

٢٥٩

وأفدت باستعارة البحر له سعته في الجود وفيض الكف ، وباستعارة السيف له إعطائه ما لها من البهاء الحسن الذي يبهر العيون ويملأ النواظر ، وباستعارة السيف له إعطائه ما له من الحدة والمضاء.

وهي تشبيه حذف أحد طرفيه وأداته ووجه الشبه ، لكنها أبلغ منه لأننا مهما بالغنا في التشبيه فلا بد من ذكر الطرفين وهذا اعتراف بتباينهما وأن العلاقة بينهما ليست إلا التشابه والتداني فلا تصل حد الاتحاد ، إذ جعلك لكل منهما اسما يمتاز به دليل على عدم امتزاجهما واتحادهما ، بخلاف الاستعارة فإن فيها دعوى الاتحاد والامتزاج ، وأن المشبه والمشبه به صار شيئا واحدا يصدق عليهما لفظ واحد ، فإن قلت : رأيت بحرا يعطي البائس والمحتاج ، كنت قد جعلت الجواد والبحر شيئا واحدا حتى صح أن تسمي أحدهما باسم الآخر ، ولو لا ما أقمت من الدليل (القرينة) على ما تريد ، لما خطر ببال المخاطب غير البحر الذي تعورف بهذا الاسم.

ومن قبل هذا اشترط فيها تناسي التشبيه وادعاء أن المشبه فرد من أفراد المشبه به ، فلا يذكر وجه الشبه ، ولا أداته ، لا لفظا ولا تقديرا ، كما لا يجمع فيها بين الطرفين على وجه ينبىء عن التشبيه بأن يكون المشبه به خبرا (١) عن المشبه أو في حكم الخبر (٢) كما في بابي كان ، وإن المفعول الثاني (٣) في باب ظن ، أو حالا (٤) ، أو صفة (٥) ، أو مضافا كلجين (٦) الماء ، أو مصدرا مبينا لنوعه (٧)

__________________

(١) كقوله عليه‌السلام للانصار : «أنتم الشعار والناس الدثار».

(٢) نحو : ان محمدا قذى في عين إبراهيم ، وقول البحتري :

بنت بالفضل والعلو فأصبحت

سماء وأصبح الناس أرضا

(٣) كقوله عليه‌السلام : «لا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق».

(٤) كقوله :

بدت قمرا ومالت حوط بان

وفاحت عنبرا ورنت غزالا

(٥) كقولك : هذه امرأة قمر.

(٦) في قوله :

والريح تعبث بالغصون وقد جرى

ذهب الأصيل على لجين الماء

(٧) نحو : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ).

٢٦٠