علوم البلاغة البيان والمعاني والبديع

أحمد مصطفى المراغي

علوم البلاغة البيان والمعاني والبديع

المؤلف:

أحمد مصطفى المراغي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٤
ISBN: 2-7451-1097-7
الصفحات: ٣٩٩

تمرين ثان

١ ـ رد بطريق القصر على من زعم تأخر فن الطب بمصر.

٢ ـ ضع الجملة الآتية بإحدى طرق القصر المتقدمة : يحب الناس المخلص لوطنه.

٣ ـ من تخاطب بهذه الجملة على طريق قصر القلب : لا ينال العلا إلا مجدّ.

٤ ـ حوّل القصر في هذه الجملة الى قصر بإنما : وما قصبات السبق إلا لمعبد.

٥ ـ حوّل طريق القصر الآتي الى نفي واستثناء : وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.

٦ ـ رد بطريق القصر على من زعم قلة الحر في الصعيد.

٧ ـ غيّر الجملة التالية بحيث تفيد القصر بالعطف : بك وثقت.

٨ ـ ضع الجملة الآتية بحيث تفيد القصر بإنما (يجلّ الناس الجواد).

١٦١

الباب الحادي عشر في الفصل والوصل

وفيه تمهيد وخمسة مباحث

تمهيد في دقة مسلكه وعظيم خطره

الفصل والوصل هو العلم بمواضع العطف أو الإستئناف والتهدي الى كيفية إيقاع حروف العطف في مواقعها ، أو تركها عند الحاجة اليها ، وذلك صعب المسلك لطيف المغزى كثير الفائدة غامض السر لا يوفق للصواب فيه إلا من أوتي حظا من حسن الذوق وطبع على البلاغة ورزق بصيرة نقادة في إدراك محاسنها ، ولصعوبة ذلك جعل حدا للبلاغة ، ألا ترى الى بعض البلغاء وقد سئل عن البلاغة فقال : «هي معرفة الفصل والوصل» ، فجعل ما سواه تبعا ومفتقرا إليه وليس بالخفي أنه لم يرد بذلك إلا التنبيه على غموضه وجليل خطره وأن أحدا لا يكمل في معرفته إلا كمل في سائر فنونها ، فإن سبك الكلام وقوة أسره وشدة تلاحم أجزائه تحتاج الى صانع صنع وحاذق ماهر يبين بين أقسام الجمل التي تفصل والتي توصل فيرى الفرق واضحا بين جملتين تمتزجان حد الامتزاج حتى كأن إحداهما الأخرى وجملتين لا تناسب بينهما (١) فإحداهما مشئمة (٢) والأخرى معرقة ، وجملتين هما وسط بين الأمرين فيحكم بوجوب الفصل في النوعين الأولين والوصل في النوع الثالث ، واعتبر ذلك بما تراهم قد أجمعوا عليه من النعي على أبي تمام وهو ما هو ، في قرض الشعر ، ورفيع المنزلة ، في صياغة الكلام ، في قوله يمدح أبا الحسين محمد الهيثم :

__________________

(١) المراد بذلك شدة التباين بينهما.

(٢) أي ناحية في الشام.

١٦٢

زعمت هواك عفا الغداة كما

عفت منها طلول باللوى ورسوم

لا والذي هو عالم أن النوى

صبر وأن أبا الحسين كريم (١)

إذ قد وصل (وأن أبا الحسين كريم) بما قبله ولا مناسبة بين كرم أبي الحسين ومرارة النوى ، ولا تعليق لأحدهما بالآخر ، إذ لا يقتضي الحديث ، بهذا الحديث ، بذلك.

المبحث الأول في وصل المفردات وفصلها

البحث في وصل الجمل وفصلها لا يتضح إلا اذا سبقه الكلام على وصل المفردات وفصلها ، وبيان هذا أن عطف مفرد على آخر يستفاد منه مشاركة الثاني للأول في اعرابه من رفع ، ونصب ، وجر ، ولكن الأكثر في الصفات ألا يعطف بعضها على بعض ، نحو : جاء محمد العاقل الفاضل الكريم ، وسر هذا أن الصفة جارية مجرى موصوفها ، فهي تدل على ذات لها تلك الصفة ، ومن ثم يمتنع عطفها على موصوفها ، فلا يجوز : جاءني محمد والكريم ، على أن الكريم هو محمد ، لأنه لا يصح عطف الشيء على نفسه ، وجاء قليلا عطف بعضها على بعض باعتبار المعاني الدالة عليها ، فنقول : نظرت الى علي الفاضل ، والمؤدب والكريم ، كأنك قلت : نظرت الى من اتصف بالفضل والأدب والكرم ، وعلى ذلك جاء قوله :

إلى الملك القرم وابن الهمام

وليث الكتيبة في المزدحم

المبحث الثاني في وصل الجمل

وصل الجمل عطف بعضها على بعض بالواو ، أو إحدى أخواتها ، وفائدته تشريك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم ، ومن حروف العطف ما يفيد العطف فحسب ، وهو الواو ، ولذا قد تخفى الحاجة اليها فلا يدركها إلا من أوتي حظا من حسن الذوق ، ومنها ما يفيد مع التشريك معاني أخرى كالترتيب من غير تراخ

__________________

(١) زعمت : أي محبوبته ، عفا : درس وزالت معالمه ، والطلول جمع طلل آثار الديار التي هجرها أهلها ، والصبر ثمر شجر مر ، والخطاب في هواك للنفس ، وجواب القسم ما ذكره في البيت بعده :

ما زلت عن سنن الوداد ولا غدت

نفسي على إلف سواك تحوم

١٦٣

في الفاء ، وهو مع التراخي في ثم ، وهكذا ، ومن أجل ذلك لا يقع اشتباه في استعمال ما عدا الواو ، ولذا لا يبحث هنا إلا عنها.

والجمل المعطوف بعضها على بعض ضربان :

١ ـ أن يكون للجملة المعطوف عليها موضع من الاعراب ، وحكم هذه حكم المفرد لأنها لا تكون كذلك حتى تكون واقعة موقعه ، وحينئذ يكون وجه الحاجة فيها الى الواو ظاهرا ، والإشراك بها في الحكم موجودا ، فإذا قلت : نظرت إلى رجل خلقه حسن ، وخلقه قبيح ، كنت قد أشركت الثانية في حكم الأولى ، وهو كونها في موضع جر صفة للنكرة ، ونظائر ذلك كثيرة ، وخطبها يسير.

٢ ـ ألا يكون لها موضع من الاعراب ، وتحت هذه نوعان :

(أ) أن تتفق (١) الجملتان خبرا وإنشاء ، وتكون بينهما مناسبة وجامع يصحح العطف مع عدم المانع ، نحو : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)(٢) ، ونحو : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) ، ويسمى ذلك توسطا بين الكمالين.

(ب) أن تختلف الجملتان خبرا وإنشاء ، لكن لو ترك العطف لأوهم خلاف المقصود ، كما تقول : لا وشفاه الله ، جوابا لمن سألك : هل أبلّ محمد من مرضه؟

فترك الواو حينئذ يوهم الدعاء عليه مع أن المقصود الدعاء له ، وقد روي أن هارون الرشيد سأل وزيره عن شيء فقال : لا وأيد الله الخليفة. فلما بلغ ذلك الصاحب ابن عباد قال : هذه الواو أحسن من الواوات في خدود الملاح.

وقد ذكر صاحب المغرب أن أبا بكر الصديق رضي‌الله‌عنه مر برجل في يده ثوب ، فقال له الصديق : أتبيع هذا؟ فقال : لا يرحمك الله ، فقال له : لا تقل هكذا وقل لا ويرحمك الله.

ويسمى ذلك كمال الانقطاع مع إيهام خلاف المراد.

__________________

(١) المدار في ذلك على اتفاقهما خبرا وإنشاء في المعنى ، سواء كانتا خبريتين لفظا ومعنى ، أو خبريتين معنى لا لفظا أو الأولى خبرية معنى لا لفظا أو بالعكس أو إنشائيتين لفظا ومعنى أو معنى لا لفظا أو الأولى خبرية لفظا والثانية إنشائية أو بالعكس.

(٢) سورة الانفطار الآية ١٤.

١٦٤

المبحث الثالث في الجامع

لا بد في الضرب الأول والنوع الأول من الضرب الثاني من صور الوصل من وجود جامع بين الجملتين به تتجاذبان وعليه تعتمدان.

بيان هذا أنه لا يقع العطف موقعه ولا يحل المحل اللائق به إلا إذا وجد بين الجملة الأولى والثانية جهة جامعة نحو : محمد يعطي ويمنع ، ويكتب ويشعر ، ويقبح أن تقول : خرجت من داري ، وأحسن ما قيل من الشعر ، كذا إذ لا صلة بين الثانية والأولى ولا تعلق لها بها.

والجامع (١) أما عقلي أو وهمي أو خيالي ، فالعقلي أن يكون بين الجملتين اما :

(١) اتحاد في المسند اليه أو في المسند ، أو في قيد من قيودهما نحو : محمد يكتب ويشعر ، وقوله :

يشقى الناس ويشقى آخرون بهم

ويسعد الله أقواما بأقوام

وخالد الكاتب أديب ومحمد الكاتب فقيه.

(٢) وإما تماثل واشتراك فيهما أو في قيد من قيودهما ، ولا يكفي مطلق تماثل بل التماثل والمراد أن يكون في وصف له نوع اختصاص بالمسند اليه أو المسند أو القيد ، فنحو : محمد شاعر وعمر كاتب ، إنما يحسن اذا كان محمد وعمر أخوين أو نظيرين أو مشتبكي الأحوال على الجملة.

(٣) وإما تضايف بينهما بحيث لا يتعقل أحدهما إلا بالقياس الى الآخر كالأبوة مع النبوة والعلو مع السفل والأقل مع الأكثر ، ونحو ذلك.

والوهمي أن يكون بين الجملتين اما :

١ ـ شبه تماثل كلوني بياض وصفرة ، فإن الوهم لبرزهما في معرض المثلين ، لكن العقل يعرف أنهما نوعان متباينان داخلان تحت جنس واحد وهو اللون ، ومن أجل هذا حسن الجمع بين الثلاثة في قوله :

__________________

(١) لا بد من وجود الجامع بين المسند اليه في الجملتين ، وكذا بين المسند فيهما ، فلو وجدت مناسبة بين المسند اليه فهما فقط أو بين المسند فيهما ، كذلك لم يكن ذلك كافيا ولم يصح العطف ، فقد صرح السكاكي بامتناع عطف قول القائل : خفي ضيق ، على قوله : خاتمي ضيق ، مع اتخاذ المسند فيهما.

١٦٥

ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها

شمس الضحى وأبو اسحاق والقمر (١)

٢ ـ أو تضاد وهو التقابل بين أمرين وجوديين بينهما غاية الخلاف ويتعاقبان على محل واحد كالسواد والبياض والايمان والكفر والقيام والقعود.

٣ ـ أو شبه تضاد كالسماء والأرض فإنهما وإن كان بينهما غاية الخلاف من جهة الارتفاع والانحطاط لا يتعاقبان على محل واحد كما في التضاد.

والخيالي أمر بسببه يقتضي الخيال اجتماع الأمرين في الفكر لأسباب مختلفة باختلاف المتكلمين كصناعة خاصة أو عرف عام كالسيف والرمح في خيال الفارس والقلم والقرطاس في خيال الكاتب والدرس والسبورة في خيال الطالب ، وهكذا.

وللقرآن الكريم في هذا الباب القدح المعلّى نحو : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً)(٢) ، فبين المسندين فيهما تضاد وبين المسند اليه فيهما اتحاد وبين القيدين تضايف ، وقوله عز شأنه : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)(٣) ، فإنه وإن لم تكن مناسبة بين الإبل والسماء وبينهما وبين الجبال والأرض بحسب الظاهر لكن لما كان الخطاب مع العرب والإبل شاغلة لأخيلتهم ، لكونها أعز أموالهم ، وكانت الأرض لرعيها والسماء لسقيها والجبال لالتجائهم اليها عند إلمام الملمات ، ناسب إيراد الكلام طبق تخيلاتهم.

وهناك أمثلة تشرح لك ما مضى ، فإذا قلت : العدل نور ، الظلم ظلام ، كان هناك تقابل وتضاد بين كل من المسند اليه والمسند في الجملتين ، وإذا قلت : الأمير يصل ويقطع ، فيهما اتحاد في المسند اليه فيهما وتقابل بين المسند ، وإذا قلت :

أقبل علي وأدبر أخوه ، كان فيهما تماثل بين المسند اليه فيهما وتقابل بين المسند ، وهلم جرا.

__________________

(١) فالوهم يتبادر اليه أن هذه الثلاثة من نوع واحد كأن كلا منها شمس ، لكنها اختلفت بالعوارض المشخصة.

(٢) سورة التوبة الآية ٨٢.

(٣) سورة الغاشية الآيتان ١٧ و ١٨.

١٦٦

المبحث الرابع في محسنات الوصل

مما يزيد الوصل حسنا بعد وجود المصحح المجوز للعطف ، اتحاد الجملتين في الكيفية كأن تكونا اسميتين أو فعليتين أو شرطيتين أو ظرفيتين ، ثم في الاسميتين اتفاقهما في كون الخبر اسما أو فعلا ماضيا أو مضارعا ، وفي الفعليتين اتفاقهما في كونهما ماضويتين أو مضارعتين إلا لداع يدعو الى التخالف وذلك :

١ ـ بأن يقصد التجدد في إحداهما والثبات في الأخرى كقوله تعالى حكاية عن قوم إبراهيم : (أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ)(١) ، فهم كانوا يزعمون أن اللعب حال إبراهيم المستمرة فاستفهموا عن تجدد مجيئه لهم بالحق.

٢ ـ بأن يقصد المضي في إحداهما والاستقبال في الأخرى كقوله تعالى : (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ)(٢) ، فقد عبّر بالمضارع في الثانية ، وإن كان القتل في الماضي لاستحضاره في النفوس وتصويره في القلوب بيانا لفظاعته.

٣ ـ بأن يقصد الاطلاق في إحداهما والتقييد في الأخرى ، كقوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ)(٣) ، فقد أطلقت الجملة الأولى وقيدت الثانية بالإنزال ، إذ الشرط قيد في الجواب.

المبحث الخامس في الفصل

من حق الجمل اذا ترادفت ووقع بعضها في إثر بعض أن تربط بالواو لتكون متسقة منتظمة ، وقد يعرض لها ما يوجب ترك الواو ، ويسمى ذلك فصلا ، ويكون في خمس أحوال :

١ ـ كمال الاتصال ، وهو أن يكون بين الجملتين اتحاد تام وامتزاج معنوي ، حتى كأنهما أفرغا في قالب واحد ، وهذا يكون في :

(أ) باب التوكيد ، لزيادة التقرير أو لدفع توهم تجوز أو غلط ، سواء أكان

__________________

(١) سورة الأنبياء الآية ٥٥.

(٢) سورة البقرة الآية ٨٧.

(٣) أي : هلا أنزل عليه ملك فتؤمن به ، ولكنه لو حصل ذلك لقضي الأمر بهلاكهم لعدم إيمانهم به (سورة الأنعام).

١٦٧

تأكيدا لفظيا ، نحو : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً)(١) أم تأكيدا معنويا نحو : (ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)(٢) ، فإنه إذا كان ملكا لم يكن بشرا ، فإثبات كونه ملكا تأكيد وتحقيق لنفي كونه بشرا. وعليه قول الشاعر :

إنما الدنيا فناء

ليس للدنيا ثبوت

(ب) باب البدل والمقتضى له كون الثانية أوفى بالمطلوب من الأولى والمقام يستدعي عناية بشأن المراد سواء أكان بدل كل نحو : (بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ قالُوا أَإِذا مِتْنا)(٣) أم بدل بعض نحو : (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)(٤) أبدلت الثانية من الأولى تنبيها الى نعم الله على عباده وهي أوفى مما قبلها لدلالتها على المراد مع التفصيل من غير إحالة على علم المخاطبين لعنادهم واستكبارهم ، أم بدل اشتمال نحو : (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ)(٥) أبدلت الثانية من الأولى بدل اشتمال ، لأنها أبين في المراد وهو حمل المخاطبين على اتباع الرسل (٦) ، وعليه قول الشاعر :

أقول له إرحل لا تقيمن عندنا

وإلا فكن في السر والجهر مسلما (٧)

فسياق الحديث في إظهار كراهته إقامته ، لأنه يسرّ غير ما يعلن ، وجملة لا تقيمن أدل على هذا الغرض ولا سيما مع التأكيد بالنون.

(ج) باب عطف البيان ، والداعي اليه خفاء الأولى ، والمقام يستدعي إزالة

__________________

(١) سورة الطارق الآية ١٧.

(٢) سورة يوسف الآية ٣١.

(٣) سورة المؤمنون الآية ٨٢.

(٤) سورة الشعراء الآيتان ١٣٢ و ١٣٣.

(٥) سورة يس الآيتان ٢٠ و ٢١.

(٦) إذ مفادها انكم لا تخسرون معهم شيئا من دنياكم وتربحون صحة دينكم وينتظم لكم خير الدنيا والآخرة.

(٧) يطلب منه الرحلة ، لأن باطنه ليس كظاهره لأنه يتناول أعراضهم.

١٦٨

هذا الخفاء ، نحو : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى)(١) ، وقوله تعالى : (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ)(٢). وعليه قول الشاعر :

كفى زاجرا للمرء أيام دهره

تروح له بالواعظات وتغتذى

٢ ـ كمال الانقطاع ، وهو أن يكون بين الجملتين تباين تام دون إيهام خلاف المراد ، وتحت هذا نوعان :

(أ) أن تختلفا خبرا وإنشاء لفظا ومعنى نحو قوله تعالى : (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(٣) ، وقوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(٤) ، وقول الشاعر :

لا تسأل المرء عن خلائقه

في وجهه شاهد من الخبر

أو تختلفا معنى فقط ، نحو قولك : نجح فلان وفقه الله ، وقول الشاعر :

جزى الله الشدائد كل خير

عرفت بها عدوي من صديقي

(ب) ألا تكون بينهما مناسبة في المعنى ، ولا ارتباط بين المسند اليه فيهما ، ولا بين المسند ، نحو قوله :

إنما المرء بأصغريه

كل امريء رهن بما لديه

٣ ـ شبه كمال الاتصال ، وهو أن تكون الجملة السابقة كالمورد للسؤال أو المنشأ له ، فتفصل الثانية عنها كما يفصل الجواب عن السؤال ، ويسمى الفصل لذلك استئنافا ، وهو على ثلاثة (٥) أضرب ، لأن السؤال الذي تضمنته الجملة ، إما :

__________________

(١) سورة طه الآية ١٢٠.

(٢) سورة البقرة الآية ٤٩.

(٣) سورة الحجرات الآية ٩.

(٤) سورة الفاتحة الآية ٣.

(٥) لأن السامع إما أن يجهل السبب من أصله ، فيسأل عنه ، وإما أن يتصور نفي جميع الأسباب إلا سببا خاصا يتردد في حصوله أو نفيه ، فيسأل عنه ، واما عن غير السبب بأن ينبهم عليه شيء مما يتعلق بالجملة الأولى.

١٦٩

(أ) عن سبب عام للحكم ، نحو :

قال لي كيف أنت قلت عليل

سهر دائم وحزن طويل

كأن المخاطب لما سمع قوله عليل ، قال ما سبب علتك ، فقال : سهر دائم وحزن طويل.

(ب) واما عن سبب خاص كقوله تعالى : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)(١) ، كأنه قيل : هل النفس أمارة بالسوء؟ فقيل : نعم إن النفس لأمارة بالسوء ، وهذا يقتضي تأكيد الحكم الذي في جملة الجواب ، كما سبق لك في أضرب الخبر ، وعليه قول الشاعر :

يرى البخيل سبيل المال واحدة

إن الكريم يرى في ماله سبلا

كأنه قيل : فماذا يرى الكريم من ماله ، فقيل : إن الكريم .. الخ.

(ج) وأما عن غيرهما كقوله تعالى : (فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ)(٢) كأنه قيل : فماذا قال إبراهيم عليه‌السلام ، فقيل : (قالَ سَلامٌ) ، وعليه قوله :

زعم العواذل أنني في غمرة

صدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي (٣)

إذ مساق الكلام في إظهار الشكوى من العذال ، وذلك مما يدعو السامع لأن يسأل : أصدقوا أم كذبوا ، فقيل : صدقوا.

وقد يحذف صدر الجواب ، اسما كان أو فعلا ، نحو : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ)(٤) فيمن قرأه بالبناء للمفعول ، كما قد يحذف الجواب كله ويقام ما يدل عليه مقامه كقول مساور بن هند يهجو بني أسد :

زعمتم أن إخوتكم قريش

لهم إلف وليس لكم إلاف (٥)

__________________

(١) سورة يوسف الآية ٥٣.

(٢) سورة الذاريات الآية ٢٥.

(٣) العواذل جمع عاذلة ، يراد هنا جماعة عاذلة بدليل قوله صدقوا ، والغمرة الشدة.

(٤) سورة النور الآية ٣٦.

(٥) إيلاف في الرحلتين المعروفتين لهم في التجارة رحلة في الشتاء الى اليمن ورحلة في الصيف الى الشام ، وبعده :

أولئك أومنوا جوعا وخوفا

وقد جاعت بنو أسد وخافوا

١٧٠

فحذف الجواب وهو كذبتم في زعمكم وأقام مقامه قوله لهم : إلف .. الخ ، لدلالته عليه.

قال عبد القاهر : واعلم أن الذي تراه في التنزيل من لفظ قال مفصولا غير معطوف هذا هو التقدير فيه والله أعلم ، أعني مثل قوله : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ)(١) فقد جاء على ما يقع في أنفس المخاطبين اذا قيل : دخل قوم على فلان فقالوا كذا أن يقولوا فما قال هو ويقول المجيب قال كذا أخرج الكلام ذلك المخرج ، لأن الناس خوطبوا بما يتعارفون.

وقال السكاكي : وتنزيل السؤال المفهوم من الكلام السابق منزلة الواقع لا يصار اليه إلا لاعتبارات لطيفة كإغناء السامع عن أن يسأل ، أو ألا يسمع منه شيء تحقيرا له ، أو لئلا ينقطع كلامك بكلامه ، أو للقصد إلى تكثير المعنى بتقليل اللفظ ، بترك السؤال ، وترك العاطف ، الى غير ذلك ، مما ينخرط في هذا السلك. اه.

٤ ـ شبه (٢) كمال الانقطاع ، وهو أن تسبق جملة بجملتين يصح عطفهما على إحداهما ، ولا يصح عطفها على الأخرى لفساد المعنى ، فيترك العطف دفعا لهذا الوهم ، ويسمى الفصل حينئذ قطعا ، كقوله :

وتظن سلمى أنني أبغي بها

بدلا أراها في الضلال تهيم

فبين الجملتين مناسبة ظاهرة لاتحاد المسندين ، لأن المعنى أراها أظنها ، وكون المسند اليه في الأولى محبوبا والثانية محبا ، ولكن ترك العطف لئلا يتوهم أنه عطف على أبغي ، فيكون من مظنونات سلمى ، كالمعطوف عليه ، وهو خلاف المراد (٣).

__________________

(١) سورة الذاريات الآيات ٢٥ و ٢٦ و ٢٧.

(٢) الفرق بينه وبين الانقطاع إن المانع هنا خارجي يمكن إزالته ، وهناك مانع ذاتي.

(٣) لأنه إنما يريد الحكم على سلمى بخطئها في الظن حين ظنت أنه يبغي بها بدلا ، يدل على ذلك قوله قبله :

زعمت هواك عفا الغداة كما عفا

عنها طلال باللوى ورسوم

١٧١

٥ ـ التوسط بين الكمالين ، وهو أن تكون الجملتان متناسبتين ، ولكن يمنع من العطف مانع وهو عدم قصد التشريك في الحكم كقوله تعالى : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(١) فجملة الله يستهزيء بهم لا يصح عطفها على إنا معكم لاقتضائه أنها من مقول المنافقين ، وليس ذلك كذلك ، ولا على جملة قالوا لأنه يكون المعنى ، فإذا قالوا ذلك استهزأ الله بهم ، وهذا لا يستقيم ، لأن استهزاء الله بهم بأن خذلهم وخلاهم وما سولت لهم أنفسهم مستدرجا إياهم من حيث لا يشعرون إنما هو على نفس الاستهزاء وفعلهم له وإرادتهم إياه في قولهم آمنا ، لا على أنهم حدثوا عن أنفسهم بأنهم مستهزئون ، إذ المؤاخذة على اعتقاد الاستهزاء والخديعة في إظهار الإيمان لا في قولهم : إنا استهزأنا ، من غير أن يقترن بذلك القول اعتقاد ونية.

(تتمة) لما كانت الجملة الحالية تارة تجيء بالواو ، وأخرى بغيرها ، ناسب أن تذكر عقب الوصل والفصل ، وذلك أن الحال نوعان : لازمة (٢) ومنتقلة (٣) ، ويفترقان في أن الأولى لا تقترن بواو البتة ، وتكون وصفا غير ثابت كاسم الفاعل والمفعول ، نحو : جاء علي ضاحكا ، ويمتنع جاء علي طويلا أو أبيض ، ويشتركان في شيئين :

١ ـ أنهما يأتيان عاريين من حرف النفي ، تقول : هو الحق بينا ، وجاء علي مستبشرا ، ولا يجوز أن تقول : لا خفيا في الأول ، ولا عبوسا في الثاني.

٢ ـ أنهما يكونان بغير واو لأسباب ذكرها في الايضاح ، وهي :

(أ) أن إعراب الحال أصلي ، ليس تبعا لغيره ، ولا مجال للواو في المعرب أصالة ، إذ الاعراب دال على التعلق المعنوي ، المغني عن الاحتياج ، إلى تعلق آخر.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٤.

(٢) سواء وردت بعد جملة فعلية نحو : خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها ، أم اسمية نحو : هذا أبوك عطوفا.

(٣) أي غير لازمة لصاحبها بل تفيد معنى حال نسبة العامل الى صاحب الحال.

١٧٢

(ب) أن حكم الحال مع صاحبها كحكم الخبر مع المخبر عنه (١) ، إلا أن الفرق بينه وبينها أن الحكم يحصل به أصالة في ضمن شيء آخر ، والحكم بها إنما يحصل ضمن غيرها ، فإن الركوب في قولك : جاء خالد راكبا ، محكوم به على خالد ، لكن بالتبعية للمجيء ، وجعله قيدا له.

(ج) أن الحال وصف لذي الحال ، فلا تدخل عليها الواو كالنعت (٢). لكن خولف هذا الأصل وجاءت الحال مقترنة بالواو إذا كانت جملة لأنها من حيث هي جملة (٣) مستقلة بالإفادة لا بد لها من ربطها بما جعلت حالا عنه.

والصالح للربط شيئان : الواو ، والضمير ، والثاني هو الأصل بدليل أنه يقتصر عليه في الحال المفردة والنعت والخبر.

والجمل التي تقع حالا ضربان :

١ ـ خالية عن ضمير ما تقع حالا عنه ، وهذه يجب أن تقترن بالواو حتى لا تنقطع عما قبلها ، ويستثنى منها المضارع المثبت على ما سيجيء.

٢ ـ غير خالية عن ضمير ما تقع حالا عنه ، وهذه تارة تجب فيها الواو ، وطورا تمتنع فيها ، وحينا يجوز الأمران.

(أ) فإن كانت فعلية والفعل مضارع مثبت امتنع فيها الواو كقوله تعالى : (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ)(٤). وقول الشاعر :

ولقد أغتدي يدافع ركني

أحوذي ذو ميعة إضريج (٥)

وسر هذا أن الحال المتنقلة تدل على حصول صفة غير ثابتة مع مقارنة حصولها لما جعلت قيدا له وهو عاملها.

__________________

(١) ما جاء من الأخبار بالواو كخبر باب كان في قول الحماسي :

فلما صرح الشر

ر فأمسى وهو عريان

وقولهم : ما أحد إلا وله نفس أمارة بالسوء ، فمحمول على الحال لشبهها به.

(٢) ما جاء من الجملة الوصفية مصدرا بالواو ونحو : أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ، فمحمول ومشبه بالحال.

(٣) أما من حيث هي حال فهي متوقفة على التعليق بكلام سابق قصد تقييده بها.

(٤) سورة يوسف الآية ١٦.

(٥) أغتدي أذهب غدوة مبكرا ، والأحوذي السريع ، والأضريج الفرس السريع.

١٧٣

والمضارع المثبت يفيد الأمرين فيدل على الحصول غير الثابت من قبل كونه فعلا يدل على التجدد ، ويدل على المقارنة من جهة كونه مضارعا وهو حقيقة في الحال ، وقد ورد قليلا قرنها بالواو ، كقولهم : قمت وأصك وجهه ، وقول عبد الله بن همام السلولي :

فلما خشيت أظافيرهم

نجوت وأرهنهم مالكا (١)

فاختلفت الأئمة في تأويله ، فقيل : إنه على حذف المبدأ ، أي : وأنا أصك وأنا أرهنهم ، فهي جملة اسمية.

وقال عبد القاهر : ليست الواو فيهما للحال ، بل هي للعطف ، لأن أصك وأرهن بمعنى صككت ورهنت ، عبر فيهما بلفظ المضارع حكاية للحال الماضية (٢) كما في قوله :

ولقد أمر على اللئيم يسبّني

فمضيت ثمت قلت لا يعنيني

يدل لذلك أن الفاء قد تجيء مكان الواو في مثل هذا.

(ب) وإن كانت فعلية ذات مضارع منفي بلا أو ما استوى فيها الأمران ، فمن مجيئها بالواو قراءة بن ذكوان فاستقيما ولا تتبعان (٣) بالتخفيف ، وقول بعض العرب : كنت ولا أخشّى الذئب (٤) ، وقول مسكين الدرامي :

أكسبته الورق البيض أبا

ولقد كان ولا يدعى لأب (٥)

ومن ترك الواو قوله تعالى : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ)(٦) ، وقول خالد بن يزيد ابن معاوية :

لو أن قوما لارتفاع قبيلة

دخلوا السماء دخلتها لا أحجب

__________________

(١) الأظافير هنا الشوكة والقوة ، والمعنى : لما خفت منهم هربت وجعلت مالكا رهنا لديهم.

(٢) هي أن يفرض ما كان في الماضي واقعا الآن لغرابته أو الاعجاب به.

(٣) وإنما لم تكن للعطف لامتناع عطف الخبر على الانشاء وعلى قراءة تشديد النون ، فالواو للعطف ، ولا ناهية.

(٤) أخشى : أخوف.

(٥) الورق : الفضة.

(٦) سورة المائدة الآية ٦٤.

١٧٤

وسبب ذلك دلالته على المقارنة لكونه مضارعا ، ويناسب ذلك ترك الواو وعدم الحصول ، ويناسبه ذكرها.

(ج) وإن كانت فعلية ذات ماض لفظا ومعنى ، فكذلك يجوز فيها الأمران فمن مجيئها بالواو قوله تعالى : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ)(١) ، وقول امريء القيس :

فجئت وقد نضت لنوم ثيابها

لدى الستر إلا لبسة المتفضل (٢)

ومن ترك الواو قوله عزوجل : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ)(٣) ، وقول عمرو ابن كلثوم :

فآبوا بالرماح مكسرات

وأبنا بالسيوف قد انحنينا

وشرط ذلك ألا تقع بعد إلا أو (أو العاطفة) وإلا امتنع الاقتران بها ، نحو : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(٤) ، وقوله :

كن للخليل نصيرا جار أو عدلا

ولا تشح عليه جاد أو بخلا

(د) وكذا الماضوية معنى فقط (هي المضارع المنفي بلم أو لما) فمن مجيئها بالواو قول كعب بن زهير :

لا تأخذنّي بأقوال الوشاة ولم

أذنب وإن كثرت في الأقاويل

وقوله عز اسمه : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ)(٥) ، ومن تركها قوله تعالى : (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً)(٦) ، وقوله :

فقالت له العينان سمعا وطاعة

وحدّرتا كالدر لما يثقب

وسبب جواز الأمرين أنه اذا كان الماضي مثبتا دل على حصول صفة غير ثابتة

__________________

(١) سورة آل عمران الآية ٤٠.

(٢) نضى الثوب ونضاه : خلعه ، ولبسة المتفضل : كساء رقيق ، يلبس عند النوم.

(٣) سورة النساء الآية ٩٠.

(٤) سورة الحجر الآية ١١.

(٥) سورة البقرة الآية ٢١٤.

(٦) سورة الأحزاب الآية ٢٥.

١٧٥

لكونه فعلا ، وهذا مما يناسبه ترك الواو لمشابهته المفرد ، ودل على عدم المقارنة لكونه ماضيا ، ولأجل هذا اشترط فيه أن يكون بقد إما ظاهرة أو مقدرة ، حتى يقرب من الحال ، وهذا مما يناسبه ذكر الواو لبعده عن تلك المشابهة.

وإن كان الماضي منفيا دل على المقارنة دون الحصول ، ذاك أن لما لاستغراق النفي من حين الانتفاء الى زمن التكلم ، وغيرها لانتفاء متقدم والأصل فيه أن يستمر فيحصل بهذا الاستمرار الدلالة على المقارنة عند الانطلاق وترك التقييد بما يدل على انقطاع ذلك الانتفاء.

(ه) وإذا كانت جملة اسمية فالمشهور جواز الأمرين ، لكن مجيء الواو أولى فمن وجودها قوله تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(١) ، وقول امريء القيس :

أيقتلني والمشرّفي مضاجعي

ومسنونة زرق كأنياب أغوال

ومن تركها ما رواه سيبويه : كلمته فوه إلى فيّ ، وما أنشده الجوهري من قول بلال :

ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة

بمكة حولي إذخر وجليل (٢)

وإنما جاز الأمران ، لأن الجملة الاسمية تدل على المقارنة لكونها مستمرة ، وهذه يناسبها سقوط الواو ، لا على حصول صفة غير ثابتة لدلالتها على الدوام والثبات ، فهي بعكس الماضي المثبت ، وهذا مما يستدعي وصلها بها. وإنما كان المجيء أولى ، لأنها ليس فيها دلالة على عدم ثبوت الصفة بل هي تدل على الثبوت مع ظهور الاستئناف فيها ، إذ هي مستقلة بالفائدة فيحسن زيادة رابط يؤكد الربط ويقويه.

وقال عبد القاهر : إن (٣) كان المبتدأ ضمير ذي الحال وجبت الواو ، نحو : جاء زيد ، وهو يسرع ، أو وهو مسرع.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٢.

(٢) الاذخر نبات طيب الرائحة ، الواحد إذخرة ، والجليل النخلة العظيمة الكثيرة الحمل.

(٣) فهو يخالف المشهور في أنه حكم على غير المبدوءة بالظرف ، وغير ما دخل عليها حرف على المبتدإ وغير المعطوفة على مفرد بوجوب الواو فيها اذا بدئت بضمير ذي الحال وبجواز الأمرين فيما عدا ذلك مع أرجحية الذكر.

١٧٦

وعلة ذلك أن الفائدة كانت حاصلة بقوله : يسرع ، من غير ذكر الضمير ، فالاتيان به يشعر بقصد الاستئناف المنافي للاتصال ، فلا يكفي الضمير حينئذ في الربط ، بل لا بد من الواو.

وقال أيضا : إن كان الخبر في الجملة الاسمية ظرفا قد قدم على المبتدإ كقولنا جاء زيد على كتفه سيف ، وفي يده سوط ، كثر فيها أن تجيء بغير واو ، كقول بشار :

إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها

خرجت من البازي عليّ سواد (١)

وقول أبي وائلة في عبد الملك بن المهلب :

لقد صبرت للذل أعواد منبر

تقوم عليها في يديك قضيب

والوجه أن يقدر الاسم في هذه الأمثلة مرتفعا على الفاعلية بالظرف ، فإنه جائز باتفاق صاحب «الكتاب» والأخفش لاعتماده على ما قبله.

ويقدر متعلقه على ما اختاره عبد القاهر : اسم فاعل لا فعلا ، إلا إذا قدر ماضيا مع قد.

وقال أيضا : ومما ينبغي أن يراعى في هذا الباب أنك ترى الجملة جاءت حالا بغير واو ، ويحسن ذلك من أجل حرف دخل عليها ، كقول الفرزدق :

فقلت عسى أن تبصريني كأنما

بنى حواليّ الأسود الحوارد (٢)

لأنه لو لا دخول كأن عليها لم تحسن إلا بالواو ، كأن يقال : وبني حوالي ... وشبيه بهذا أنك ترى الجملة قد جاءت حالا ، بعقب مفرد ، فلطف مكانها ، كقول ابن الرومي :

والله يبقيك لنا سالما

برداك تبجيل وتعظيم (٣)

فبرداك تبجيل في موضع حال ثانية لو لم يتقدمها قوله : سالما ، لم يحسن فيها ترك الواو.

__________________

(١) علي سواد أي بقية من الليل.

(٢) الحوارد : الغضاب ، قاله يخاطب زوجته ، وقد عيرته لأنه لا يولد له.

(٣) البرداك تثنية برد ، وهو الثوب.

١٧٧

تدريب أول

بيّن سبب الفصل والوصل فيما يأتي :

١ ـ اخط مع الدهر إذا ما خطا

واجر مع الدهر كما يجري

٢ ـ حكم المنية في البرية جاري

ما هذه الدنيا بدار قرار

٣ ـ لا تدعه إن كنت تنصف نائبا

هو في الحقيقة نائم لا نائب

٤ ـ من للمحافل والجحافل والسرى

فقدت بفقدك نيرا لا يطلع (١)

٥ ـ قالت بليت فما نراك كعهدنا

ليت العهود تجددت بعد البلى

٦ ـ (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً)(٢)

٧ ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً)(٣)

٨ ـ (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ ، قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ)(٤)

الاجابة

(١) وصل بين الجملتين المتوسط بين الكمالين مع عدم المانع من العطف لاتفاقهما إنشاء مع وجود المناسبة.

(٢) فصل الشطر الثاني عن الأول لأنه توكيد معنوي له إذ يفهم من جريان حكم الموت على الخلق أن الدنيا ليست دار بقاء ، فأكد ذلك بالشطر الثاني ، فبينهما كمال الاتصال.

(٣) فصل الشطر الثاني عن الأول لاختلافهما خبرا وإنشاء ، فبينهما كمال الانقطاع.

(٤) فصل بين الشطرين لاختلافهما خبرا وإنشاء فبينهما كمال الانقطاع.

__________________

(١) الجحافل الجيوش ، والسرى سير عامة الليل.

(٢) سورة النمل الآية ٨٨.

(٣) سورة لقمان الآية ٧.

(٤) سورة الشعراء الآية ٢٣.

١٧٨

(٥) بين الشطرين كمال الانقطاع لاختلافهما خبرا وإنشاء ، ولذا فصل بينهما.

(٦) بين جملتي : ترى وتحسب ، كمال الاتصال ، لأن الثانية بدل اشتمال من الأولى.

(٧) فصل الجملة الثانية والجملة الثالثة عن الأولى ، لأن كلا منهما توكيد معنوي للأولى.

(٨) فصل جملة قال الثانية ، لوقوعها جوابا عن سؤال مقدر نشأ من الأولى ، فبينهما شبه كمال الاتصال.

تدريب ثان

بيّن سبب الفصل والوصل ، واذكر الجمل الحالية فيما يلي :

١ ـ نفسي له نفسي الفداء لنفسه

لكن بعض المالكين عفيف

٢ ـ (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى)(١)

٣ ـ (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ)(٢)

٤ ـ فما الحداثة عن حلم بمانعة

قد يوجد الحلم في الشبان والشيب

٥ ـ يهوى الثناء مبرّز ومقصر

حب الثناء طبيعة الإنسان

٦ ـ إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة

ولا تك بالترداد للرأي مفسدا

٧ ـ فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا

في رأس غمدان دار منك محلالا (٣)

٨ ـ مضوا لا يريدون الرواح وغالهم

من الدهر أسباب جرين على قدو

الاجابة

(١) بين نفسي له ونفسي الفداء لنفسه كمال الاتصال ، لأن الثانية توكيد لفظي للأولى.

(٢) بين الجملتين كمال الاتصال ، لأن الثانية توكيد معنوي للأولى ، لأن تقرير كونه وحيا نفي لأن يكون عن هوى.

__________________

(١) سورة النجم الآية ٣.

(٢) سورة الرعد الآية ٢.

(٣) المرتفق المتكىء ، وغمدان حصن بصنعاء ، وروضة محلال يكثر حلول الناس فيها

١٧٩

(٣) بين يدبر ويفصل كمال الاتصال لأن الثانية بدل بعض من كل.

(٤) بين الشطرين شبه كمال الاتصال ، إذ الجملة الثانية جواب عن سؤال مقدر.

(٥) بين الشطرين كمال الاتصال ، إذ الجملة الثانية مؤكدة للأولى تأكيدا معنويا.

(٦) وصل الجملتين لتوسطهما بين الكمالين لاتحادهما إنشاء مع وجود المناسبة وعدم المانع مع من العطف.

(٧) جملة (عليك التاج) في موضع الحال ، ويكثر فيها ترك الواو لتقدم الظرف.

(٨) جملة (لا يريدون الرواح) حال ، وهي مضارع منفي ، فيجوز فيها ذكر الواو وتركها وإن كان الأكثر في النفي بلا ترك الواو.

تمرين أول

بيّن أسباب الفصل والوصل واستخرج الجمل الحالية فيما يلي :

١ ـ (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ)(١)

٢ ـ يقولون إني أحمل الضيم عندهم

أعوذ بربي أن يضام نظيري

٣ ـ لست مستسقيا لقبرك غيثا

كيف يظما وقد تضمن مجرا

٤ ـ (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(٢)

٥ ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)(٣)

٦ ـ الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف

٧ ـ ولست بهياب لمن لا يهابني

ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا

٨ ـ متى أرى الصبح قد لاحت مخايله

والليل قد مزقت عنه السرابيل

٩ ـ لا تأمنن عدوا لأن جانبه

خشونة الصل عقبي ذلك اللين

__________________

(١) سورة النحل الآية ١٢٧.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٣.

(٣) سورة البقرة الآية ٨.

١٨٠