علوم البلاغة البيان والمعاني والبديع

أحمد مصطفى المراغي

علوم البلاغة البيان والمعاني والبديع

المؤلف:

أحمد مصطفى المراغي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٤
ISBN: 2-7451-1097-7
الصفحات: ٣٩٩

الالتفات : وهو فن من البلاغة ، ملاكه الذوق السليم ، والوجدان الصادق ، ويلقب (بشجاعة العربية) لأن فيه ورود الموارد الصعبة واقتحام مضايق الأساليب.

وحقيقته التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة : التكلم ، والخطاب ، والغيبة ، بعد التعبير عنه بطريق آخر منها ، وذلك ست صور :

١ ـ فمن التكلم الى الخطاب نحو : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(١) دون (أرجع).

٢ ـ ومن التكلم الى الغيبة نحو : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)(٢) دون (لنا).

٣ ـ ومن الخطاب الى التكلم نحو قول علقمة بن عبدة العجلي :

طحا بك قلب في الحسان طروب

بعيد الشباب عصر حان مشيب (٣)

تكلفني ليلى وقد شط وليها

وعادت عواد بيننا وخطوب

وكان مقتضى الظاهر يكلفك أي القلب.

٤ ـ ومن الخطاب الى الغيبة نحو : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ)(٤) دون (بكم).

٥ ـ ومن الغيبة الى التكلم نحو : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ)(٥) دون (فساقه).

٦ ـ ومن الغيبة الى الخطاب نحو : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ)(٦) دون (إياه).

__________________

(١) سورة يس الاية ٢٢.

(٢) سورة الكوثر الايتان ١ و ٢.

(٣) طحا ذهب ، وبعيد تصغير بعد ، وحان قرب ، والولي القرب ، وفاعل يكلف القلب ، أي يطالبني القلب بوصل ليلى.

(٤) سورة يونس الاية ٢٢.

(٥) سورة فاطر الاية ٩.

(٦) سورة الفاتحة الاية ٣.

١٤١

ووجه حسنه ما ذكره الزمخشري ، وهو أن الكلام إذا نقل من أسلوب الى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية وتجديدا لنشاط السامع وأكثر إيقاظا للإصغاء اليه من اجرائه على أسلوب واحد ، ومن ثم قيل : لكل جديد لذة ، وقد تختص مواقعه بلطائف كما في سورة الفاتحة ، فإن العبد اذا افتتح حمد مولاه الحقيق بالحمد عن قلب حاضر ونفس ذاكره لما هو فيه بقوله : الحمد لله ، الدال على اختصاصه بالحمد ، وأنه حقيق به وجد من نفسه محركا للإقبال عليه ، فإذا انتقل إلى قوله : رب العالمين ، الدال على أنه : مالك للعالمين ، لا يخرج منهم شيء عن ملكوته ، قوى ذلك المحرك ، وهكذا كلما أجرى عليه صفة من تلك الصفات العظام قوى ذلك المحرك ، الى أن يؤول الأمر الى خاتمتها المفيدة أنه مالك الأمر كله في يوم الجزاء ، حينئذ يجد من نفسه إقبالا عليه وتخصيصا له بالخطاب بغاية الخضوع والاستعانة به في المهمات.

الأسلوب الحكيم : وسماه الإمام عبد القاهر : المغالطة ، وهو نوعان :

١ ـ تلقي المخاطب (١) بغير ما يترقب بحمل كلامه على غير ما يريد تنبيها على أنه الأولى بالقصد كقول ابن حجاج البغدادي :

فقلت ثقلت إذ أتيت مرارا

قال ثقلت كاهلي بالأيادي

قلت طولت قال لا بل تطول

ت وأبرمت قال حبل ودادي

فلفظ ثقلت وقع في كلام المتكلم بمعنى حملتك المئونة فحمله المخاطب على تثقيل عاتقه بالمنن والأيادي.

٢ ـ تلقي السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيها على أنه الأهم كقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)(٢) ، فقد سألوا عن بيان ما ينفقون فأجيبوا ببيان المصارف تنبيها على أن المهم هو السؤال عنها لأن النفقة لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها.

__________________

(١) التلقي المواجهة ، والمخاطب (بفتح الطاء) أي تلقي المتكلم بالكلام الثاني المخاطب به ، وهو المتكلم بالكلام الاول.

(٢) سورة البقرة الآية ٢١٥.

١٤٢

الإضمار في مقام الإظهار ، وذلك في موضعين :

١ ـ باب ضمير الشأن والقصة ، ويكون مرفوعا نحو : هي الدولة استعدت ، وهو الحق حصحص ، ومنصوبا نحو : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ)(١) وسر هذا الأسلوب المبالغة وتعظيم تلك القصة وتفخيمها ، من قبل أن الشيء اذا كان مبهما كانت النفوس متشوقة الى فهمه ، متطلعة الى علمه ، فإذا وضح وفسر حل محلا رفيع القدر لديها ، ومن ثمة لا يكون إلا في المواضع التي يقصد فيها التهويل.

٢ ـ باب نعم وبئس ، نحو : نعم رجلا محمد ، وبئس غلاما سعيد ، وانتصاب ما بعدهما من النكرات يجيء على جهة التفسير ، والداعي اليه المبالغة في المدح أو الذم ، من حيث انه عند الابهام يكون للأفئدة تطلع الى ايضاح المبهم وشغف إلى بيانه.

الاظهار في مقام الاضمار ، فإن كان المظهر اسم اشارة كان :

١ ـ اما لكمال العناية به لأجل اختصاصه بحكم غريب ، كقول ابن الراوندي (٢) :

كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه

وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا

هذا الذي ترك الأوهام حائرة

وصير العالم النحرير زنديقا (٣)

فأتى باسم الاشارة لأجل الحكم البديع الذي اختص به المشار اليه وهو تركه الأوهام حائرة وتصييره العالم النحرير زنديقا.

٢ ـ وإما للتهكم بالسامع ، كما اذا كان فاقد الصبر ، فتقول له : هذا الهلال بين السحاب.

٣ ـ وإما لإظهار بلاهته ، كأن غير المحسوس عنده محسوس ، نحو : فجئني بمثلهم.

__________________

(١) سورة الحج الآية ٤٦.

(٢) هو احمد بن يحيى الراوندي المتوفى سنة ٢٩١ ه‍ ، اتهم بالزندقة ونسب اليه أنه عارض القرآن ، وأتى بما تضحك منه الثكلى.

(٣) أعيت أعجزت ، ومذاهبه وسائل عيشه ، والزنديق من يبطن الكفر ويظهر الاسلام ، واسم الاشارة يعود الى الحكم السابق وهو حرمان العاقل ورزق الجاهل.

١٤٣

٤ ـ وإما لكمال فطنته حتى كأن غير المحسوس عنده محسوس ، نحو :

تعاللت كي أشجى وما بك علة

تريدين قتلي قد ظفرت بذلك (١)

أي بقتلي ، وكان من حقه أن يقول به لكنه ادعى أن قتله قد ظهر ظهور المحسوس ، وإن كان المظهر غير اسم اشارة ، فإما :

(١) لزيادة تمكينه في ذهن السامع نحو : (اللهُ الصَّمَدُ)(٢) ، ونحو : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ)(٣) ، وقول الحماسي :

شددنا شدة الليث

غدا والليث غضبان

(٢) وإما للاستعطاف والخضوع الموجبين للشفقة ، كقوله :

إلهي عبدك العاصي أتاكا

مقرا بالذنوب وقد دعاكا

(٣) وإما لادخال الروعة والمهابة في نفس السامع نحو : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)(٤) ، لاندراج كل كمال تحت لفظ الجلالة فأجدر به أن يكون موضع النّكلان.

(٤) وإما للتهكم والتعجب ، نحو : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٥) ، ثم قال بعد : (وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ)(٦) ، فالغرض شد النكير عليهم والتعريض بأنهم حقا أهل التمرد والعناد.

التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي للدلالة على تحقيق وقعه ، نحو : ونادى أصحاب النار ، فقد جعل المتوقع الذي لا بد من وقوعه بمنزلة الواقع ، ومثله التعبير عنه باسم الفاعل نحو : (وَإِنَّ الدِّينَ)(٧) لَواقِعٌ بدل يقع ، أو باسم المفعول ، نحو : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ)(٨) بدل يجمع.

__________________

(١) تعاللت : ادعيت العلة ، أشجى : أحزن.

(٢) سورة الإخلاص الآية ٢.

(٣) سورة الحاقة الآية ١.

(٤) سورة آل عمران الآية ١٥٩.

(٥ و ٦) سورة ص الآيات ١ و ٢ و ٤.

(٧) أي الجزاء حاصل ، فوقوع الجزاء استقبالي (سورة الذاريات).

(٨) سورة هود الآية ١٠٣.

١٤٤

(القلب) ، وهو جعل جزء من أجزاء الكلام مكان الآخر ، والآخر مكانه ، على وجه (١) يثبت حكم كل منهما للآخر ، وهو قسمان :

١ ـ ما يكون موجبه تصحيح حكم لفظي فقط والمعنى صحيح بدونه ، كقول القطامي :

قفي قبل التفرق يا ضباعا

ولا يك موقف منك الوداعا (٢)

لما نكر موقفا وهو في وضع المبتدأ وعرف الوداع وهو في موضع الخبر جعل من (باب القلب).

٢ ـ ما يكون موجبه تصحيح المعنى ، كقولهم : عرضت الناقة على الحوض ، وأدخلت القلنسوة في الرأس ، مكان : عرضت الحوض على الناقة ، وأدخلت الرأس في القلنسوة ، إذ الأصل أن يجاء بالمعروض الى المعروض اليه ، وأن ينقل المظروف الى الظرف لا بالعكس كما هنا.

والصحيح جوازه اذا اشتمل على مغزى شريف ومعنى حسن ، كقول رؤبة :

ومهمة مغبرة أرجاؤه

كأن لون أرضه سماؤه (٣)

يريد كأن لون سمائه لغبرتها لون أرضه ، فعكس التشبيه لقصد المبالغة ، ونحوه قول أبي تمام يصف قلم الممدوح :

لعاب الأفاعي القاتلات لعابه

وأرى الجنى اشتارته أيد عواسل (٤)

وإن لم يشتمل على اعتبار لطيف رد ، كقول عروة بن الورد :

(فديت بنفسه نفسي ومالي)

(التغلب) ، وهو إعطاء أحد المصطحبين أو المتشاكلين حكم الآخر ، وهو باب ذو شعب كثيرة ، فمن ذلك :

١ ـ تغليب المذكر على المؤنث ، نحو : وكانت من القانتين ، أدرجت مريم

__________________

(١) فان لم يثبت ذلك الحكم نحو : في الدار علي ، وكلم محمدا علي ، فان كلا منهما وإن جعل في مكان الآخر باق على حكمه ، لا يسمى ذلك قلبا.

(٢) قفي يا ضباعة ساعة حتى أودعك قبل التفرق فلا جعل الله لنا موقف الوداع موقفا.

(٣) المهمة المفازة ، والمغبرة المملوة بالغبار ، والأرجاء النواحي.

(٤) الأرى العسل ، واشتارته جنته ، والعواسل جمع عاسلة وهي جانية العسل.

١٤٥

في القانتين من الرجال ، تغليبا لهم على القانتات ، وقد جروا على خلاف الغالب في ألفاظ معدودات فغلبوا المؤنث على المذكر.

٢ ـ تغليب الكثير على القليل نحو : فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس ، غلب الملائكة على إبليس وهو ليس منهم ، وسمي الجميع ملائكة.

٣ ـ تغليب المعنى على اللفظ نحو : بل أنتم قوم تجهلون ، بدل يجهلون ، الذي ضميره للقوم ولفظه غائب مراعاة للخطاب بأنتم.

٤ ـ تغليب المخاطب على الغائب نحو : أنت وعلي صنعتما كذا.

٥ ـ تغليب أحد المتناسين على الآخر كالأبوين والقمرين للأب والأم والشمس والقمر ، وعليه قول المتنبي :

واستقبلت قمر السماء بوجهها

فأرتني القمرين في وقت معا

٦ ـ تغليب العقلاء على غيرهم نحو : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.*)

يوضع الخبر موضع الإنشاء لأغراض ، منها :

(١) التفاؤل في الجمل الدعائية ، نحو : وفقك الله الى ما فيه الخير ، وقول النابغة :

أتاني (أبيت اللعن) أنك لمتني

وتلك التي أهتمّ منها وأنصب (١)

(٢) التباعد عن صيغة الأمر تأدبا واحتراما للسامع كما تقول لعظيم : ينظر مولاي في شأني ويقضي طلبتي ، مكان : انظر واقض.

(٣) التنبيه على تيسر المطلوب لوفرة الأسباب واستكمال العدة ، كما يقول القائد حاثا جنده : تفتكون بالأعداء وتنزلونهم من حصونهم وتذيقونهم الردى ، مكان : افتكوا وأنزلوهم وأذيقوهم.

(٤) إظهار الرغبة في حصول المطلوب كما تقول في الكتاب لغائب : جمع الله الشمل وقرّب أيام اللقاء.

__________________

(١) أبيت اللعن أي أبيت أن تفعل شيئا تلعن به وكانت هذه تحية الملوك ، وأهتم أصير لأجلها ذا هم ، والنصب التعب.

١٤٦

(٥) التنبيه على سرعة الامتثال ، ولو ادعاء ، نحو : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ)(١) مكان : لا تسفكوا ، مبالغة في النهي بادعاء أنهم نهوا فامتثلوا ، ثم أخبروا.

(٦) حمل المخاطب على الفعل بألطف أسلوب ، كقولك لرجل لا تحب أن يكذبك : تجيء غدا ، مكان قولك : جيء ، لتحمله على المجيء لأنه إن لم يأت غدا صرت كاذبا من حيث الظاهر (٢) لكون كلامك في صورة الخبر.

يوضع الإنشاء موضع الخبر لاعتبارات ، منها :

١ ـ إظهار العناية بالشيء والاهتمام به ، نحو : (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)(٣) لم يقل : وإقامة وجوهكم ، إشعار بالعناية بالصلاة لعظيم خطرها وجليل قدرها في الدين.

٢ ـ التباعد عن مساواة اللاحق بالسابق ، نحو : (قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ)(٤) لم يقل : وأشهدكم ، تحاشيا عن مساواة شهادتهم بشهادة الله تعالى.

٣ ـ الرضا بما هو حاصل كأنه مطلوب في قوله عليه‌السلام : «من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» مكان يتبوأ.

الانتقال من الماضي الى المضارع ، أو بالعكس :

(١) فالأول نحو : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ)(٥) جاء تثير ، بدل أثارت ، لتستحضر تلك الصورة الماضية ، حتى كأن الإنسان يشاهد اثارة الريح للسحاب ، فيستدل من ذلك على عجيب قدرته ، وباهر حكمته.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٨٤.

(٢) أما في الحقيقة فلا كذب ، لأنه كلام في معنى الإنشاء.

(٣) سورة الأعراف الآية ٢٩.

(٤) سورة هود الآية ٥٤.

(٥) سورة الروم الآية ٤٨.

١٤٧

(٢) والثاني كقوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ)(١) عطف ففزع على ينفخ تأكيدا للثبوت ومبالغة في الحصول ودلالة على أن ذلك كائن لا محالة.

تدريب

بيّن السر في خروج التراكيب الآتية عن مقتضى الظاهر :

١ ـ كل خليل كنت خاللته

(لا ترك الله له واضحة) (٢)

كلهم أروغ من ثعلب

(ما أشبه الليلة بالبارحة) (٣)

٢ ـ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا (٤) من رحمة الله.

٣ ـ (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)(٥).

٤ ـ أأذكر حاجتي أم قد كفاني

حياؤك إن شيعتك الحياء

كريم لا يغيره صباح

عن الخلق الجميل ولا مساء

٥ ـ ألمع برق سرى أم ضوء مصباح

أم ابتسامتها بالمنظر الضاحي (٦)

٦ ـ وقالوا قد صفت منا قلوب

نعم صدقوا ولكن عن ودادي

٧ ـ يقول العبد للمولى إذا حول وجهه عنه : ينظر مولاي إليّ هنيهة.

٨ ـ يكون مزاحها عسل وماء.

الاجابة

(١) وضع الخبر موضع الانشاء للدعاية عليه في قوله : لا ترك الله له واضحة.

(٢) فيه التفات بالانتقال من الخطاب الى الغيبة في رحمة الله.

(٣) فيه التفات بالانتقال من الخطاب الى التكلم.

__________________

(١) سورة يس الآية ٥١.

(٢) الخليل الصديق ، والواضحة الأسنان تبدو عند الضحك.

(٣) مثل يضرب لتشابه الأمور.

(٤) القنوط : اليأس.

(٥) سورة هود الآية ٩٠.

(٦) الضاحي : البارز.

١٤٨

(٤) فيه التفات من الخطاب الى الغيبة.

(٥) فيه تجاهل العارف.

(٦) فيه الأسلوب الحكيم ، فقد حمل صفاء القلوب على خلوها من الود.

(٧) وضع الخبر موضع الانشاء تأدبا في قوله : ينظر ، بدل : انظر.

(٨) فيه قلب ، والأصل يكون : مزاجها عسلا وماء.

تمرين

١ ـ تطاول ليلك بالأئمد

ونام الخلى ولم ترقد (١)

وبات وباتت له ليلة

كليلة ذي العاثر الأرمد

وذلك من نبأ جاءني

وخبرته عن أبي الأسود

٢ ـ (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ)(٢)

٣ ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ)(٣)

٤ ـ (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)(٤)

٥ ـ فلما أن جرى سمن عليها

كما طينت بالفدن السياعا (٥)

٦ ـ (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً)(٦)

(ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى)(٧)

٧ ـ بكرا صاحبي قبل الهجير

إن ذاك النجاح في التبكير

__________________

(١) قاله امرؤ القيس ، والأئمد موضع ، والعاثر مرض العين.

(٢) سورة النساء الآية ٦٤.

(٣) سورة البقرة الآية ١٨٩.

(٤) سورة الكهف الآية ٤٧.

(٥) الفدن القصر ، وسباع الطين المخلوط بالتبن وجواب لما في البيت بعده.

(٦) سورة الأعراف الآية ٤.

(٧) سورة النجم الآية ٨.

١٤٩

الباب العاشر في القصر

وفيه ستة مباحث

المبحث الأول في تعريفه لغة واصطلاحا

القصر في اللغة : الحبس ، وفي التنزيل : (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ ، وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ)(١) ، قال الفراء : قد قصرن أنفسهن على أزواجهن فلم يطمحن الى غيرهم.

وفي الاصطلاح إثبات الحكم للمذكور في الكلام ونفيه عما عداه ، أو هو تخصيص أمر بأمر بإحدى الطرق الآتية ، والتعريف الثاني أصح لشمول الأول لقولك : محمد مقصور على القيام ، وذلك لا يسمى قصرا اصطلاحا.

فإذا قلنا : ما سافر إلا علي ، استفيد من ذلك تخصيص السفر بعلي ونفيه عن غيره ممن يظن فيه ذلك ، فما قبل إلا مقصور وما بعدها مقصور عليه (ما وإلا) طريق القصر.

المبحث الثاني في طرقه

طرق القصر والاختصاص كثيرة أوصلها السيوطي في كتابه «الاتقان» الى أربعة عشر طريقا (٢) أشهرها ستة تقدم الكلام على اثنين منها وهما توسط ضمير الفصل نحو : كليم الله هو موسى ، تعريف المسند بأل نحو : خير الزاد التقوى ، وسنتكلم هنا على الأربعة الباقية وهي :

__________________

(١) سورة الرحمن الآية ٧٢.

(٢) منها التصريح بلفظ وحده أو لا غير أو فقط ، أو بمادة الاختصاص ، أو بمادة القصر ، وكل هذه ليست من الطرق الاصطلاحية.

١٥٠

١ ـ ووجه إفادة النفي والاستثناء القصر أنه اذا قيل : ما محمد ، توجه النفي الى صفته لا الى ذاته ، لأن الذوات لا تنفى ، ومن حيث إنه لا نزاع في طوله وقصره وما شاكل ذلك ، وإنما النزاع في كونه شاعرا أو كاتبا تناولهما النفي ، فإذا قيل : إلا شاعر جاء القصر ، هذا في قصر الموصوف على الصفة ، أما في قصر الصفة على الموصوف فإنه متى قيل : ما شاعر ، فأدخل النفي على الوصف المسلم ثبوته وهو الشعر لغير الشخصين اللذين الكلام فيهما كمحمد وعلي مثلا ، توجه النفي اليهما فإذا قيل : إلا محمد ، حصل القصر.

٢ ـ ووجه إفادة إنما القصر تضمنها معنى : ما وإلا ، دليل ذلك البراهين الآتية :

(أ) ما قاله النحاة من كون إنما لإثبات ما يذكر بعدها ونفي ما سواه.

(ب) ما قاله المفسرون في قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ)(١) بنصب الميتة من أن المعنى : ما حرم عليكم إلا الميتة ، وهذا المعنى هو المطابق لقراءة رفع الميتة لانحصار التحريم فيها ، إذ ما في قراءة الرفع اسم موصول ، فتقدير الكلام حينئذ إن المحرم الميتة والخبر معرف بلام الجنس فيفيد الحصر كما تقدم.

(ج) صحة انفصال الضمير معها فتقول : إنما يسافر أنا ، كما تقول : ما يسافر إلا أنا ، كما قال الفرزدق :

أنا الزائد الحامي الذمار وإنما

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي (٢)

__________________

(١) سورة النحل الآية ١٥٥.

(٢) الذود الطرد ، والذمار العهد ، وفي الأساس هو الحامي الذمار اذا حمى ما لو لم يحمه ليم وعنف ، والحسب ما يعده المرء من مفاخر نفسه وآبائه.

١٥١

إذ لو كان المراد الايجاب لم يستقم ، لأنك لا تقول : يدافع أنا ، وإنما تقول : أدافع ، ولكن لما كان المعنى : ما يدافع إلا أنا ، فصل الضمير كما يفصل مع النفي والاستثناء ليتأتي له ما قصد وهو تخصيص المدافع لا المدافع عنه ، إذ لو قال : وإنما أدافع عن أحسابهم لصار المعنى أنه يدافع عن أحسابهم لا عن غيرهم ، وليس ذلك بمقصود بما فيه من قصور المدح والمقام مقام مبالغة إذ هو في معرض التفاخر وعدا المآثر.

قال السكاكي ويذكر لذلك وجه لطيف يسند الى علي بن عيسى الربعي ، وهو أنه لما كانت كلمة إن لتأكيد إثبات المسند للمسند إليه ثم اتصلت بها ما المؤكدة لا النافية كما يظنه من لا وقوف له على علم النحو ، ناسب أن يضمن معنى القصر لأن القصر ليس إلا تأكيدا على تأكيد.

٣ ـ يراد بالتقديم تقديم ما كان حقه أن يؤخر ، كتقديم الخبر على المبتدأ ، وتقديم بعض معمولات الفعل عليه ، نحو : أنا أنجزت مسألتك ، أي وحدي ، لمن اعتقد أنك وغيرك أنجزتماها ، أو بمعنى : لا غيري ، لمن اعتقد أن غيرك أنجزها دونك.

وهذه الطرق تفترق من وجوه :

(١) أن التقديم يدل على القصر بمفهوم الكلام ، فإن ذا الذوق السليم اذا تأمل في كلام فيه التقديم ، فهم منه القصر ، وإن لم يعرف اصطلاح البلغاء في ذلك ، والثلاثة الباقية بالوضع اللغوي ، لأن الواضع وضعها لتفيد ذلك.

(٢) أن الأصل أن ينص في العطف على المثبت والمنفي معا ، فلا يترك ذلك إلا خوف التطويل ، كما اذا قيل : محمد يعلم الكيمياء والطب والهندسة والجبر والفلك ، أو محمد يعلم الكيمياء ، وإبراهيم وخالد إلى آخره .. فتقول فيهما : محمد يعرف الكيمياء لا غير ، أي لا الطب ولا الهندسة الى آخره في الأول ، ولا إبراهيم ولا خالد في الثاني ، وينص في الثلاثة الباقية على المثبت فقط.

(٣) أن النفي بلا العاطفة لا يجتمع مع النفي والاستثناء ، فلا تقول : ما محمد إلا مجتهد لا كسل ، لأن شرط جواز النفي بلا ، أن يكون ما قبلها منفيا بغيرها ، ولذا عيب على صاحب «الكشاف» حيث قال في تفسير قوله تعالى :

١٥٢

فإذا عزمت فتوكل على الله ، أي لأن الأصلح لك لا يعلمه إلا الله ، لا أنت ، وعلى الحريري في قوله :

لعمرك ما الإنسان إلا ابن يومه

على ما تجلى يومه لا ابن أمسه

ويجتمع مع إنما والتقديم فتقول : إنما محمد مجتهد لا كسلان ، وهو يجتهد لا علي ، لأن النفي فيهما غير مصرح به ، بل المصرح به هو الاثبات ، فلا يقبح تأكيد ما تضمناه والنفي بلا ، بخلاف ما وإلا فإنه قد صرح فيهما بالنفي ، والنفي الصريح ليس كالضمني.

(تنبيه) لا يحسن العطف بعد إنما اذا كان الوصف مختصا بالموصوف كالتذكر الذي يعلم أنه لا يكون إلا من أولي الألباب في قوله تعالى : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ)(١) ، فلا يحسن أن تقول : إنما يتذكر أولو الألباب لا الجهال ، كما يحسن أن تقول : إنما يجيء محمد لا علي.

(٤) أن الأصل في (النفي والاستثناء) أن يكون لأمر ينكره المخاطب أو يشك فيه أو لما هو منزل هذه المنزلة ـ بيان ذلك أنك لا تقول ما هو إلا مخطى إلا لمن ينكر أن يكون الأمر على ما قلت ، وإذا رأيت شبحا من بعد فقلت : ما هو إلا علي ، لم تقله إلا والمخاطب يتوهم أنه ليس بعلي.

وأما ما هو منزل هذه المنزلة فكقوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)(٢) أي مقصور على الرسالة لا يتعداها الى التبري والتباعد عن الهلاك ، نزل استفظاعهم هلاكه وشدة حرصهم على بقائه منزلة إنكارهم ذلك.

ونظير ذلك قوله تعالى : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا)(٣) ، لأن الكفار جعلوا الرسل كأنهم بادعائهم النبوة قد أخرجوا أنفسهم عن أن يكونوا بشرا مثلهم.

وأما قوله تعالى : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ)(٤) ، فمن باب مجاراة الخصم وتسليم بعض مقدماته لتنقطع حجته

__________________

(١) سورة الرعد الآية ١٩.

(٢) سورة آل عمران الآية ١٤٤.

(٣) سورة النحل الآية ٥٨.

(٤) سورة إبراهيم الآية ١١.

١٥٣

كما هي العادة فيمن ادعى على خصمه الخلاف في أمر هو لا يخالف فيه أن يعيد كلامه على وجهه ، كما اذا قال لك من يحاجك في مسألة : أنت من دأبك كيت وكيت ، فتقول : نعم أنا من دأبي كيت وكيت لكن لا ضير عليّ ولا يلزمني من أجل ذلك ما ظننت ، فالرسل صلوات الله عليهم كأنهم قالوا : إن ما قلتم هو كما قلتم ، لكن ذلك لا يمنع الرسل وفضل الله علينا.

(٥) ان الأصل في إنما أن تجيء لأمر من شأنه ألا يجهله المخاطب ولا ينكره وإنما يراد تنبيهه فقط ، أو لما هو منزل هذه المنزلة.

تفسير هذا أنك تقول للرجل : إنما هو صاحبك القديم ، وإنما هو أخوك ، لمن يعلم ذلك ويعترف به ، لكنك تريد أن تنبهه لما يجب عليه من حرمة الصاحب وحق الأخوة لترققه وتستعطف قلبه ، ألا ترى الى أبي الطيب حين يقول :

إنما أنت والد والأب القا

طع أحني من واصل الأولاد

لم يرد أن يعلم كافورا أنه لابن الأخشيد مولاه بمنزلة الوالد ، ولا كافور في حاجة إلى أن يعلم بذلك ، لكنه أراد أن يذكره بالأمر المعلوم ليجعله ذريعة إلى استدعاء ما يستوجبه من العطف والحنان ، ونظير ذلك قولهم : إنما يعجل من يخشى الفوت ، وقوله تعالى : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ)(١). وأما ما هو منزل هذه المنزلة فكقوله تعالى حكاية عن اليهود : (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ)(٢) ، فهم قد ادعوا أن اصلاحهم أمر جلي ظاهر ، ولذا جاء الرد عليهم مؤكدا بأن واسمية الجملة وتعريف الخبر باللام وضمير الفصل وتصدير حرف التنبيه حيث قال : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ)(٣). ونحو ذلك قول ابن قيس الرقيات في مصعب بن الزبير :

إنما مصعب شهاب من الله

تجلت عن وجهه الظلماء

حيث ادعى أن ثبوت هذه الصفة لممدوحه أمر ظاهر ، لا يخفى على أحد ، كما هو دأب الشعراء اذا مدحوا أن يدعوا الشهرة فيما يصفون به ممدوحهم ، ألا ترى الى البحتري حين يقول :

لا أدعي لأبي العلاء فضيلة

حتى يسلمها اليه عداه

__________________

(١) سورة الأنعام الآية ٣٦.

(٢ و ٣) سورة البقرة الآيتان ١١ و ١٢.

١٥٤

هذا وقد علم بالاستقراء أن أحسن موقع تستعمل فيه إنما اذا كان الغرض منها التعريض بأمر هو مقتضى معنى الكلام بعدها نحو : إنما يتذكر أولوا الألباب ، فإنه تعريض بذم الكافرين من حيث أنهم من فرط العناد وغلبة الهوى عليهم في حكم من ليس بذي عقل فأنتم في طمعكم منهم أن ينظروا ويتذكروا كمن طمع في ذلك من غير أولي الألباب ، ونظيره : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها)(١) إذ المراد أن من لم تكن له من هذه الخشية ، فكأنه ليس له أذن تسمع ، ولا قلب يعقل ، فالإنذار وعدمه سيان. وعلى ذلك جاء قوله :

أنا لم أرزق محبتها

إنما للعبد ما رزقا

فهذا تعريض بأنه لا مطمع له في وصلها فهو يائس منه.

(٦) لأنما مزية على العطف ، وهي أن يعقل منها إثبات الفعل للشيء ونفيه عن غيره دفعة واحدة بخلاف العطف ، فإنه يفهم منه أولا الاثبات ثم النفي ، نحو : محمد قائم لا قاعد ، أو بالعكس نحو : ما محمد قائما بل قاعد.

المبحث الثالث في تقسيمه باعتبار الواقع والحقيقة (٢)

ينقسم القصر باعتبار الواقع والحقيقة الى قسمين : حقيقي وإضافي :

__________________

(١) سورة النازعات الآية ٤٥.

(٢) لم يذكر هذا التقسيم صاحب «المفتاح» لقلة جدواه.

١٥٥

المبحث الرابع في تقسيمه باعتبار حال المقصور

ينقسم كل من الحقيقي والإضافي باعتبار حال المقصور الى قسمين :

١ ـ قصر موصوف على صفة بألا يتجاوز الموصوف تلك الصفة الى صفة أخرى أصلا (في القصر الحقيقي) نحو : ما الله إلا كامل ، وهذا التقسيم متعذر لا يكاد يوجد أو هو محال لتعذر (١) الاحاطة بصفات الشيء فلا يمكن إثبات شيء منها ونفي ما عداه ولذا لم يقع في التنزيل ، أو بألا يتجاوز الموصوف تلك الصفة الى صفة أخرى مخصوصة وإن أمكن أن يتجاوزها الى صفات أخرى غير تلك الصفة الأخرى المخصوصة (في القصر الإضافي) نحو : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)(٢) فالمقصود قصره على الرسالة بألا يتعداها الى التباعد عن الموت الذي استعظموه ، وهذا لا ينافي أنه متصف بالصحة واليقظة ونحوهما.

٢ ـ قصر صفة على موصوف بألا تتجاوز الصفة ذلك الموصوف الى موصوف آخر أصلا (في القصر الحقيقي) نحو : لا يعلم الغيب إلا الله ، أو بألا تتجاوز الصفة ذلك الموصوف الى موصوف آخر مخصوص ، وإن أمكن أن تتجاوزه الى موصوف غير ذلك الموصوف الآخر (في القصر الإضافي) نحو : لا محترم إلا الصادق فالمقصود قصر الاحترام على الصادق دون الكاذب فلا يمنع هذا من احترام الأمين والمخلص لوطنه ونحو ذلك.

المبحث الخامس في تقسيمه باعتبار حال المخاطب

ينقسم القصر الإضافي (٣) باعتبار حال المخاطب الى ثلاثة أقسام :

__________________

(١) لأنك اذا قلت : ما محمد إلا كاتب وأردت القصر الحقيقي لزم إلا يتصف بالقيام والقعود مع أنه لا بد أن يتصف بواحد منها ضرورة أن النقيضين لا يجتمعان ، وأيضا يبعد أن يكون للذات صفة واحدة ليس له غيرها.

(٢) سورة آل عمران الآية ١٤٤.

(٣) دون الحقيقي بنوعيه لأن العاقل لا يعتقد اتصاف أمر بجميع الصفات ، ولا اتصافه بجميعها إلا واحدة ، أو يتردد في هذا ، وكيف يكون ذلك وفيها صفات متقابلة ، فلا يصح أن يقصر الحكم على بعضها وينفى عن الباقي افرادا أو قلبا أو تعيينا ، وعلى هذا المنوال قصر الصفة على الموصوف.

١٥٦

١ ـ قصر أفراد اذا اعتقد المخاطب (١) الشركة بين شيئين فأكثر ، نحو : إنما الله إله واحد ، خوطب به من يعتقد أن الله ثالث ثلاثة ، بدليل قوله قبلها : ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم.

٢ ـ قصر قلب اذا كان المخاطب يعتقد عكس الحكم فتقلب عليه اعتقاده ، نحو : ما شاعر إلا شوقي ، ردا على من زعم أن غيره أشعر منه.

٣ ـ قصر تعيين اذا كان المخاطب مترددا في الحكم نحو : ما شاعر إلا شوقي ردا على من تردد في إثبات الشعر له ولبعض الشعراء الآخرين.

المبحث السادس في مواقع القصر

كما يكون القصر بين المبتدأ والخبر ، كما رأيت ، يكون أيضا بين الفعل والفاعل ، وبين الفاعل والمفاعيل بأنواعها إلا المفعول معه ، وكذا بين جميع المعمولات ، نحو : ما جاء إلا علي ، وما نال عليا إلا التعب ، وما أعطيت محمدا إلا دينارا ، وما جاء علي إلا راكبا.

فإذا كان القصر : بما وإلا ، وجب تقديم المقصور وتأخير المقصور عليه ، مع إلا ونحوها من أدوات الاستثناء نحو : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ)(٢) ، وهو قصر قلب لا افراد إذ المعنى أني لم أترك ما أمرتني أن أقوله لهم الى خلافه ، بدليل : أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ، وليس المراد أني لم أزد على ما أمرتني به شيئا إذ ليس الكلام في زيادة أو نقصان في التبليغ.

ويجوز قليلا تقديم المقصور عليه وأداة الاستثناء وهما بحالهما (٣) على المقصور نحو : ما كلم إلا محمد خالدا ، وما كلم إلا محمدا خالد ، وعليه قوله :

فيا رب هل إلا بك النصر يرتجى

عليهم وهل إلا عليك المعوّل

ووجه إفادة النفي والاستثناء القصر في كل ما تقدم أن النفي في الاستثناء المفرغ يتوجه الى مقدر هو مستثنى منه ، إذ إلا للاخراج ، وهو يتطلب مخرجا منه ،

__________________

(١) شرطا في قصر الموصوف على عدم تنافي الوصفين ليصح اعتقاد المخاطب اجتماعهما.

(٢) سورة المائدة الآية ١١٧.

(٣) فالاختصاص في الذي يلي إلا ، فالمقصود عليه هو الفاعل في الأول والمفعول في الثاني.

١٥٧

وذلك المقدر عام مناسب للمستثنى منه في جنسه وصفته ليتحقق الاخراج ففي نحو : ما فهم إلا محمد ، يقدر ما فهم أحد ، وفي نحو : ما كسوته إلا عباءة ، ما كسوته لباسا ، فإذا أخرج منه شيء جاء القصر ضرورة بقاء ما عدا ذلك الشيء على جهة الانتفاء. وإذا كان القصر بإنما أخّر المقصور عليه ، فيكون القيد الأخير بمنزلة الواقع بعد إلا ، فيكون هو المقصور عليه نحو : إنما محمد قائم وإنما أنّبته زجرا له. ولا يجوز تقديم المقصور عليه على غيره ، لئلا يؤدي الى الإلباس ، إذ قولك : إنما كلم محمد عليا يفهم عنه عكس قولك : إنما كلم محمدا علي. ولا إلباس في النفي والاستثناء.

قال السكاكي : ومما ذكر تعثر على الفرق بين قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(١) ، وقوله إنما يخشى العلماء من عباد الله فإن الأول يقتضي قصر خشية الله على العلماء ، والثاني يقتضي قصر خشية العلماء على الله.

تدريب أول

بيّن نوع القصر وطريقه فيما يأتي :

١ ـ لا يألف العلم إلا ذكي ، ولا يجفوه إلا غبي.

٢ ـ قد علمت سلمى وجاراتها

ما قطّر الفارس إلا أنا (٢)

٣ ـ إنما الدنيا هبات

وعوار مسترده

شدة بعد رخاء

ورخاء بعد شده

٤ ـ إن الجديدين في طول اختلافهما

لا يفسدان ولكن يفسد الناس

٥ ـ بك اجتمع الملك المبدد شمله

وضمت قواص منه بعد قواصي (٣)

٦ ـ ليس اليتيم الذي قد مات والده

بل اليتيم يتيم العلم والأدب

٧ ـ محاسن أوصاف المغنين جمة

وما قصبات السبق إلا لمعبد (٤)

٨ ـ عند الامتحان يكرم المرء أو يهان.

__________________

(١) سورة فاطر الاية ٢٨.

(٢) قطر الفارس ألقاه على قطريه أي جانبيه.

(٣) المبدد المفرق ، والقواصي جمع قاصية : الناحية البعيدة.

(٤) مغن مشهور أيام بني أمية وبني العباس.

١٥٨

الاجابة

تدريب ثان

١ ـ هات جملة تفيد نجاح محمد وعدم نجاح خالد بواسطة إنما.

٢ ـ رد بطريق القصر بإنما على من ظن أن المطر يكثر شتاء في السودان.

٣ ـ اجعل الجملة الآتية دالة على قصر الصفة على الموصوف بطرق القصر الأربع ، وهي (أكرم المؤدب).

٤ ـ (أ) من تخاطب بالجملة الآتية فيكون القصر قصر قلب.

(ب) من تخاطب بالجملة الآتية فيكون القصر قصر افراد.

(ج) من تخاطب بالجملة الآتية فيكون القصر قصر تعيين ، وهي : ما كتبت إلا ما طلبته مني.

٥ ـ غيّر الجملة الآتية ، بحيث تفيد للقصر بالعطف (بك اجتمع الملك المبدد شمله).

٦ ـ اجعل الجملة الآتية مفيدة للقصر بواسطة النفي والاستثناء (إن الطيور على أشكالها تقع).

٧ ـ اجعل الجملة الآتية مفيدة للقصر بواسطة إنما (يحمد الناس الصادق).

٨ ـ اجعل الجملة الآتية مفيدة للقصر بواسطة العطف (ينال المجد المجتهد).

١٥٩

الاجابة

١ ـ إنما نجح محمد لا خالد.

٢ ـ إنما يكثر المطر في السودان ربيعا لا شتاء.

٣ ـ (أ) لا أكرم إلا المؤدب.

(ب) إنما أكرم المؤدب.

(ج) أكرم المؤدب لا سيء الخلق.

(د) المؤدب أكرم.

٤ ـ (أ) اذا كان المخاطب يعتقد أنك كتبت غير ما طلب.

(ب) اذا كان المخاطب يعتقد أنك كتبت ما طلب وغيره.

(ج) اذا كان المخاطب مترددا في كتابتك ما طلب وغيره.

٥ ـ اجتمع الملك المبدد شمله بك لا بغيرك.

٦ ـ لا تقع الطيور إلا على أشكالها.

٧ ـ إنما يحمد الناس الصادق.

٨ ـ ينال المجد المجتهد لا الكسلان.

تمرين أول

بيّن طريق القصر ونوعه باعتبار المقصود عليه وباعتبار الواقع وباعتبار المخاطب :

١ ـ وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى

ولا الأمن إلا ما رآه الفتى أمنا

٢ ـ وإنما المرء حديث بعده

فكن حديثا حسنا لمن وعى

٣ ـ وللفتى من ماله ما قدمت

يداه قبل موته لا ما اقتنى

٤ ـ ما افترينا في مدحه بل وصفنا

بعض أخلاقه وذلك يكفي

٥ ـ ليس عار بأن يقال فقير

إنما العار أن يقال بخيل

٦ ـ وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

٧ ـ سيذكرني قومي اذا جد جدهم

وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

٨ ـ وما بلد الإنسأن غير الموافق

ولا أهله الأدنون غير الأصادق

٩ ـ عمر الفتى ذكره لا طول مدته

وموته خزيه لا يومه الداني

١٠ ـ بالعلم والمال يبني الناس ملكهم

لا يبن ملك على جهل واقلال

١٦٠