رحلتان إلى الحجاز ونجد

محمد بهجة البيطار ومحمد سعود العوري

رحلتان إلى الحجاز ونجد

المؤلف:

محمد بهجة البيطار ومحمد سعود العوري


المحقق: تيسير خلف
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: التكوين للتأليف والترجمة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٧٨

(٤) الرحلة إلى البلاد الفارسية

لبّى المجمع العلمي العربي بدمشق ، دعوة مجمع العلوم الروسي ، واختار أربعة من أعضائه وهم : الأمير جعفر الحسني ، والدكتور حسني سبح ، والدكتور في الآداب سامي الدهان ، وكاتب هذه السطور محمد بهجة البيطار. «وكان ذلك في ربيع الأول ١٣٧٤ ه‍ وتشرين الثاني ١٩٥٤ م».

وقد زرنا : موسكو ، وطاشقند ، وسمرقند ، ولينين غراد ، وستالين غراد ، وغيرها من المدن ، وكنت أصلي فريضة الجمعة مع إخواني المسلمين في مساجدهم. وقد زرنا المجامع العلمية ، والمكتبات الكبرى ، والمصانع ، والمزارع ، والمعارض ، في مدة خمسة عشر يوما ، وكان تكلمي مع الترجمان الروسي باللغة الفرنسية لأنه لا يعرف العربية ولا أعرف لغته الروسية.

(٥) السفر إلى خطوط النار في فلسطين

حضرنا مؤتمر العالم الإسلامي الذي انعقد بدمشق مدة خمسة أيام «في رجب سنة ١٣٧٥ ه‍ ونيسان سنة ١٩٥٦» وكان يمثل أعضاؤه ـ وهم ٥٧ عضوا ـ ست عشرة دولة.

ثم ذهبت هذه الوفود وذهبنا معها إلى خطوط النار بفلسطين ، ومررنا بعمان ، والقدس ، والخليل ، ونابلس ، وجنين ، وطولكرم ، والخطوط الأمامية من القرى والمخيمات. ولما زرنا مدرسة البر بأبناء الشهداء في عقبة جبر ، خطبت مستفزا الحمية والأريحية ، فبلغ مجموع التبرع من هذه الوفود الكريمة خمسة آلاف ليرة سورية ، ولله الحمد والشكر.

٨١

(٦) الرحلة إلى الولايات المتحدة

كانت الدعوة موجهة إلي من أصدقاء الشرق الأوسط لزيارة بلادهم ، ولتقريب وجهات النظر بين الأمتين الإسلامية والمسيحية. «وكان ذلك في شباط ١٩٥٦ م ورجب سنة ١٣٧٥ م». والذي كلمني في ذلك ودعاني هو الدكتور هو بكنز نائب رئيس الجمعية المنفذ ، ذاكرا ما يتوقع من فوائد للبلدين ، فلبيت الدعوة ، وكان في صحبتي الأخ الكريم الأستاذ فوزي القبلاوي من شبان فلسطين. وقد زرنا في رحلتنا هذه عشر مدن في شمالي الولايات المتحدة ، وهي : نيويورك. تورنتو من كندا. دوتريت. شيكاغو. سان لويس. هدستون. ناشفيل. اتلانتا. اتنس «من ولاية جورجيا» ريشموند. وكانت خاتمة المطاف واشنطون. قصدناها راكبين من نيويورك بالسيارة ، وكنت خطيب الجمعة في جامع واشنطون ، بتكليف من الأستاذ بيصار الأزهري ، وهو رئيس المركز الإسلامي وخطيب المسجد ، وقد سمع خطابي بدمشق بواسطة المكبر ، وذكر لي بعض الإخوان في حينا الميدان خلاصته ، وكان موضوعه دعوة المسلمين في أميركا أن يمثّلوا الإسلام وأهله أفضل تمثيل بأخلاقهم الفاصلة ، ومعاملاتهم العادلة ، وكنت في هذه المدن ألقي عدة محاضرات مرتجلة ، في كل يوم وليلة ، وقد نشرت جريدة النصر «في ١٣ / ٢ / ١٩٥٦ م و ٢١ / ٨ / ١٣٧٥ ه‍» نص الخطاب الرئيسي الذي ألقيته في هدستون في ٧ نيسان ١٩٥٦ تحت عنوان : مصدر الكتب السماوية هو الله تعالى ، والرسل لا تختلف في أسس دعوتها.

٨٢

(٧) الرحلة إلى باكستان والهند

لبّى الوفد السوري دعوة رئيس جامعة بنجاب في مدينة لاهور ، واشتركنا في مؤتمر الندوة العالمية للإسلاميات «ج ١ / ١٣٧٧ ـ ك ١ / ١٩٥٧». وشرفني الوفد السوري برئاسته. وقد زرنا العاصمة كراتشي ، وكنت خطيب الجمعة في مسجد لاهور ، باقتراح الوفود الإسلامية. ثم بعد انقضاء المؤتمر زرت دلهي «دهلي» من بلاد الهند «على حسابي» وزرنا المعالم والأعلام. وهذه جمعيات ثلاث تشتغل باللغة العربية وعلومها :

(١) نظام جمعية لسان القرآن باكستان.

(٢) الأخذ بالأساليب الصحيحة لتعليم العربية.

(٣) النهوض بالمدارس العربية حتى تتبوأ مكانها اللائق بها في محيطنا التربوي وإنشاء مدارس ليلية لتعليم العربية.

(٨) الرحلة إلى الرياض

تفضل جلالة الملك سعود بن عبد العزيز بدعوتي إلى الرياض للمذاكرة بشأن إنشاء جامعة إسلامية في المدينة المنورة ، فلبيت الدعوة «في رجب سنة ١٣٨٠ ه‍ ـ ك ٢ سنة ١٩٦١ م» ، وكتبت المنهاج وسلّمت نسخة منه إلى جلالته ، وثانية إلى سماحة قاضي القضاة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، فنال الاستحسان ولله الحمد.

(٩) الرحلة إلى مصر

وتوجهت من الرياض إلى القاهرة «في ٢٧ رجب سنة ١٣٨٠ ه‍ و ١٤ / ١ / ١٩٦١ م» لحضور مؤتمر اللغة العربية المؤلف

٨٣

من أعضاء المجمعين القاهري والدمشقي. وكان انعقاده مدة خمسة عشر يوما.

(١٠) الرحلة إلى المدينة المنورة

عدنا في العام القابل «في أواخر رجب سنة ١٣٨١ ه‍» فزرنا الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ، واطلعنا على سيرها ، وألقينا محاضرات فيها ، وصلينا في المسجد النبوي ، وزرنا إمام الأنبياء والأتقياء ، صلاة الله وسلامه عليه ، وزرت صاحبيه ، وسكان البقيع ، وشهداء أحد ، واعتمرنا بمكة المكرمة ، وزرنا صديقنا الأكبر في جدّة الأستاذ الشيخ محمد نصيف ، وعدنا إلى دمشق الشام.

نحمد الله تعالى على نعمته ، ونسأله المزيد من فضله وكرمه ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ما ألفته أو أكملته أو شرحته :

لي من التآليف المطبوعة :

١ ـ «نقد عين الميزان» ألفته انتصارا لأستاذنا القاسمي وأئمة الرواية في الأخذ عن كل ثقة ثبت صدوق ـ ألفته أيام الطلب والتحصيل على الأستاذ ، وطبع في حياته سنة ١٣٣٢ ه‍ [١٩١٤ م].

٢ ـ «نظرة في النفحة الزكية» هي دعوة إلى مذهب السلف الصالح ، ونبذ المعتقدات الزائفة ، والآراء الفاسدة. طبع دمشق.

٣ ـ «الثقافتان الصفراء والبيضاء» ألقيتها محاضرة في المجمع العلمي ، وطبعت رسالة مستقلة ، وهي جامعة للأصول السديدة ، للثقافتين القديمة والحديثة.

٨٤

٤ ـ إكمالي تفسير السيد الإمام ، محمد رشيد رضا لسورة يوسف عليه‌السلام ، مع مقدمة للسورة. طبع مصر.

٥ ـ تخريج أحاديث «قواعد التحديث ، من فنون مصطلح الحديث» لشيخنا القاسمي رحمه‌الله وشرحه. طبع دمشق.

٦ ـ نشر «مسائل الإمام أحمد ، لتلميذه الإمام أبي داود السجستاني» وهو أقدم كتب المكتبة الظاهرية ، وقد طبع في مطبعة المنار ، مع تعليقات لي ، وتحقيقات للسيد صاحب المنار ، رحمه‌الله تعالى.

٧ ـ تخريج أحاديث «كتاب البخلاء للجاحظ» وهو الذي حققه وصححه بعض رجال المجمع العلمي الكرام بدمشق.

٨ ـ كتاب المعاملات في الإسلام ، وتحقيق ما ورد في الربا للسيد صاحب المنار ، وقد أكملته بعد وفاته رحمه‌الله ، ووضعت له مقدمة وخاتمة طبع المنار.

٩ ـ تحقيق كتاب «الموفي في النحو الكوفي» ، ووضع تعليقات عليه تشرح غوامضه ، وقد طبعه المجمع العلمي بدمشق سنة ١٣٧٠ ه‍ سنة ١٩٥٠ م.

١٠ ـ شرح كتاب «أسرار العربية» ، لأبي البركات الأنباري المتوفى سنة ٥٧٧ ه‍ وقد طبعه المجمع العلمي سنة ١٣٧٧ ه‍ ـ ١٩٥٧ م.

١١ ـ كتاب حياة شيخ الإسلام ابن تيمية من منشورات المكتب الإسلامي بدمشق. طبع دمشق سنة ١٣٨٠ ه‍ ـ ١٩٦١ م.

٨٥

١٢ ـ كتاب حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر ، والثلث الأول من القرن الرابع عشر ، تأليف الشيخ عبد الرزاق البيطار حققه ونسّقه وعلّق عليه حفيده محمد بهجة البيطار من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق وهو من «مطبوعات المجمع» وقد تم طبعه في ثلاثة أجزاء : الأول سنة ١٣٨٠ ه‍ ـ ١٩٦١ م والثاني سنة ١٣٨٢ ه‍ ـ ١٩٦٣ م والثالث سنة ١٣٨٣ ه‍ ـ ١٩٦٣ م ، ١٣ ـ الإسلام والصحابة الكرام ، بين السنة والشيعة ، طبعها المكتب الإسلامي في بيروت ، على حساب السلفي الكبير ، الأستاذ الشيخ محمد نصيف الشهير.

١٤ ـ الكوثري وتعليقاته ومعه رسالتان للأستاذين المعلّمي اليماني ، ومحمد عبد الرزاق حمزة طبع مصر.

١٥ ـ مقال في حياة حجة الإسلام الغزالي ، وآخر في الاشتقاق والتعريب ، ألقيتهما في مجمعي اللغة العربية بمصر ودمشق ، فنشرا في مجلتيهما ، وتفضل مجمع القاهرة فطبعهما مستقلين أيضا.

ملاحظة :

وفي مجلتي مجمعنا العلمي العربي والتمدن الإسلامي ، وغيرهما من الصحف والمجلات ـ في ديار الشام والسعودية ومصر والعراق ـ عشرات المقالات المتنوعة ، تحتاج إلى جمع وطبع ، رسائل مستقلة ، وبالله التوفيق.

٨٦

الرحلة السعودية

الحجازية النجدية

١٣٤٧ ه‍ ، ١٩٢٩ م

تأليف محمد سعود العوري

قاضي مدينة بيت المقدس سابقا

ومدرس علمي التفسير والحديث في المسجد الأقصى

٨٧
٨٨

الفهرس

مقدّمة الناشر.................................................................. ٩١

المقدمة........................................................................ ٩٤

الفصل الأول في إجابة الدعوة والذهاب إلى يافا لوداع الأحباب بارك الله فيهم.......... ٩٥

الفصل الثاني في سبب تأليف هذه الرحلة.......................................... ٩٦

الفصل الثالث في سبب العزم على الذهاب إلى الحجاز.............................. ٩٨

الفصل الرابع في وداع الأقارب والأحباب......................................... ١٠٠

الفصل الخامس في وصف القطار................................................ ١٠١

الفصل السادس في بيان الثناء الجميل على أهالي وادي النيل........................ ١٠٢

الفصل السابع في لزوم إعداد القوة لمحافظة الوطن من الأغيار........................ ١٠٥

الفصل الثامن في سبب صنع السفينة............................................ ١٠٧

الفصل التاسع في بيان عجز المحتاج إلى الصاحبة والولد واستحالة ألوهيته............. ١٠٩

الفصل العاشر في جعل السفينة مدرسة تدرس فيها العلوم الشرعية................... ١١٠

الفصل الحادي عشر في بيان أحوال العراق....................................... ١١٢

الفصل الثاني عشر في بيان وجوب الإحرام عند الميقات............................. ١١٥

الفصل الثالث عشر في بيان حال المقبل على الديار المباركة الحجازية................. ١١٧

الفصل الرابع عشر في التوجه إلى مكة المكرمة والاعتماد في بلوغ المراد على الله وحده... ١١٩

الفصل الخامس عشر في دخول مكة المكرمة...................................... ١٢٠

الفصل السادس عشر في بيان المنام الذي رأيته وأنا في السفينة...................... ١٢٢

الفصل السابع عشر في زيارة سعادة فؤاد بك حمزة ناظر خارجية الحكومة العربية....... ١٢٣

الفصل الثامن عشر في بيان نجاح الأمة الإسلامية................................. ١٢٥

الفصل التاسع عشر في بيان أنه لا بد لكل حاكم من بطانتين بطانة خير وبطانة سوء.. ١٢٧

٨٩

الفصل العشرون في بيان التشرف بدعوة رئيس السدنة الشيخ عبد القادر الشيبي....... ١٢٨

الفصل الحادي والعشرون في بيان الشرف بدعوة ماجد مكة المكرمة.................. ١٣١

الفصل الثاني والعشرون في تحرير الخطبة التي خوطب بها صاحب الجلالة الملك......... ١٣٣

الفصل الثالث والعشرون في بيان إدارة الصحة العامة.............................. ١٣٥

الفصل الرابع والعشرون في بيان الاحتفالات بقدوم جلالة الملك..................... ١٣٨

الفصل الخامس والعشرون في تبليغ السيد يوسف يس سلام مفتي القدس الشريف...... ١٤٣

الفصل السادس والعشرون في زيارة أحد رجال الوفد اليماني......................... ١٤٤

الفصل السابع والعشرون في بشارة السيد فائق الأنصاري برجوعنا للوطن سالمين....... ١٤٧

الفصل الثامن والعشرون في الإحرام بالحج والذهاب إلى عرفات راكبا................. ١٤٩

الفصل التاسع والعشرون في حكمة مشروعية الحج................................. ١٥١

الفصل الثلاثون في السفر من مكة المكرمة إلى جدة................................ ١٥٤

الفصل الواحد والثلاثون في ركوب سفينة الطائف والتوجه إلى الطور.................. ١٥٧

الفصل الثاني والثلاثون في بيان ما حصل لنا فيها.................................. ١٥٩

الفصل الثالث والثلاثون في التوجه إلى محطة القنطرة التي يذهب منها إلى فلسطين...... ١٦٤

الفصل الرابع والثلاثون في بيان أسماء بعض المستقبلين لنا في محطة القدس الشريف..... ١٦٦

الفصل الخامس والثلاثون في بيان بعض أسماء الذين شرفوا منزلنا..................... ١٦٧

٩٠

مقدّمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيد المرسلين.

وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد فقد كان لكثير من الكتب القديمة التي ألّفت في الرحلة مزية قلّما تجدها في المؤلفات الحديثة ، وهي أن المؤلّف كان يترك القلم يرسم ما في نفس صاحبه بعيدا عن التصنّع. فإذا قرأ الناس كتاب رحلة شعروا بأنهم معه يرون ما رآه ، ويقفون على وقع ذلك في نفسه.

وهذه المزية وجدناها واضحة في هذا الكتاب الذي عني بتسطيره وتحبيره العلامة الجليل صاحب السماحة الأستاذ الشيخ محمد سعود أفندي العوري قاضي مدينة بيت المقدس سابقا ، فإنه آلى على نفسه ـ منذ أمسك القلم ليكتب رحلته إلى الديار الحجازية المباركة ـ أن يجعل القارئ كأنما يشاهد معه ويسمع كل ما تحدّث به إلى الناس وتحدّثوا به إليه.

ولم يكتف سماحته بذلك ، بل أراد أن يكفي الحاجّ مئونة البحث في كتب المناسك عن أركان الحج ونوافله وآدابه ، فأتى من ذلك بما يحتاج إلى معرفته كبار العلماء فضلا عن الجمهور.

ومزية أخرى لهذه الرحلة السعودية السعيدة أنها مرآة لنفس مؤلّفها تنمّ على ما فطر عليه من الاعتراف للناس

٩١

بأقدارهم ، والثناء على أهل الفضل بما هم أهل له. والرحلة مستفيضة بهذا السخاء العجيب الذي يدلّ على كرم النفس وعظيم الوفاء ولطف المعاشرة والثناء على الناس بمحاسنهم.

ومن أعظم ما يلمسه القارئ في هذا الكتاب ابتهاج المؤلف بمآثر الإصلاح التي شاهدها في الديار المباركة الحجازية على عهد حضرة صاحب الجلالة الإمام المصلح الداعي إلى الله الملك عبد العزيز آل سعود ، مدّ الله في أيامه وأتمّ الخير على يديه حتى نرى للعربية والإسلام الدولة اللائقة بهما سامية نامية في ظله الظليل.

وانتهز الأستاذ المؤلف فرصة سانحة للتنويه بالإخاء الإسلامي وتأييد الوحدة التي جاء الإسلام ليوثق عروتها. فأدّى الأستاذ بذلك إلى جامعة الإسلام ما ينتظر من أمثاله العلماء.

لذلك نرجو الله عزوجل أن يجعل هذا الكتاب مقبولا عنده وعند خلقه إنه قريب سميع مجيب.

محب الدين الخطيب (١)

__________________

(١٦) محب الدين بن أبي الفتح الخطيب ، ولد بدمشق في تموز ١٨٨٦ ، وبها تلقى علومه الأولية والثانوية. في عام ١٩٢٠ ولدى دخول الفرنسيين دمشق غادر محب الدين دمشق واستقر في القاهرة ، حيث عمل في التحرير في جريدة الأهرام نحوا من خمس سنوات ، كما أسس المكتبة السلفية ومطبعتها حيث أشرف بنفسه على نشر عدد كبير من كتب التراث.

٩٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الرحلة السعودية الحجازية النجدية

المقدمة

الرحلة السعودية الحجازية النجدية ، نسبة لصاحب الجلالة الملك العادل الرشيد ملجأ الإسلام وخادم المسجد الحرام ، ومسجد النبيّ الأمين محمد عليه الصلاة والسلام ، والمسجد الأقصى في مستقبل الأيام إن شاء الله تعالى ، حامي حمى الشريعة الغرّاء ، المجدّد لهذه الأمة أمر دينها في القرن الرابع عشر ، إمام الموحدين مولانا السيد عبد العزيز آل سعود الكرام مليك الحجاز ونجد وملحقاتها ، حصن العرب المنيع ، غرة هذا العصر بين الأنام ، أعز الله به الدين وجعله مظهرا من مظاهر الرحمة الإلهية للعالمين ، بمنه وكرمه.

٩٣

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أسرى بعبده الفاني الفقير إلى عفو مولاه ، القدير الغني به عمن سواه ، الملتجئ إلى حرم حماه. الراجي غفران الذنوب ، وستر العيوب ، من أكرم الأكرمين ، وأرحم الراحمين. قصير اليراعة ، في مضمار البلاغة والبراعة. كثير الخطيئات ، قليل الحسنات ، العاصي البعيد عن الطاعات ، المقصر في أداء الفرائض والواجبات «محمد سعود بن عبد الله بن عمر بن الناصر لدين الله الشهير بالعوري» أسرى به من المسجد الأقصى المبارك حوله بنص الكتاب العزيز المعجز للبلغاء والفصحاء والنبلاء الذين لم يقدروا أن يأتوا بأقصر سورة من مثله ، مع كونهم أرباب البلاغة وألدّ الخصام لسيد الأنام ، الذي أرسله الله رحمة لعباده بشيرا للمؤمنين ، ونذيرا للكافرين ، إلى المسجد الحرام. الذي خصّه الله تعالى بأن يكون أول بيت وضع للناس (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)(١) وقد أمر خليله عليه‌السلام بتجديده (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا

__________________

(١٧) سورة الحج ، الآية ٢٥.

٩٤

وَتُبْ عَلَيْنا)(١) الخ (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)(٢) هذا هو البيت الذي من دخله كان آمنا ، وقد كان كثيرا ما يخطر بالبال أن أعول على الترحال لتلك الديار المباركة لأكون من جملة من أجاب دعوة الخليل الجليل عليه‌السلام ، وأنتظم في سلك الداخلين البيت الحرام. ولما غلبتني الأشواق شرعت في إعداد عدّة السفر فبلغ ذلك أسماع أصدقاء الفضيلة المتحلين بالأخلاق الفائقة النبيلة ، القاطنين «بيافا» المشهور سكانها بالمكارم وحبّ العلماء الأكارم ، فدعاني نخبة منهم كل واحد لرحابه.

الفصل الأول

في إجابة الدعوة والذهاب إلى يافا لوداع

الأحباب بارك الله فيهم

فلبيت دعوتهم ولكنني اخترت أن أكون ضيفا في الساحة الفيحاء ، والمنزل الرحيب المنسوب لكبير آل الخالدي المحترمين ، سلالة سيف الله على أعدائه. مولانا الشيخ الجليل ، صاحب الفضيلة ، والمزايا الجميلة الجليلة" الحاج

__________________

(١٨) سورة البقرة ، الآيتان ١٢٧ ـ ١٢٨.

(١٩) سورة إبراهيم ، الآية ٢٧.

٩٥

راغب أفندي" عضو المحكمة المركزية بيافا. أدام الله علاه ، وأيده بروح منه ، وجعل أنجاله الغرّ الميامين من أسعد خلق الله. هذا وقد تشرفت برحاب صاحب الفضيلة الشيخ عيسى أفندي أبو الجيبين. حيث تناولت هناك الغداء ، وكذلك تشرّفت برحاب صاحب «الصراط المستقيم» (١) ، الشهير بالدفاع عن المسلمين الذي لا يخشى في الله لومة لائم ، وهو من علماء السادة الحنابلة بفلسطين حفظه الله تعالى. هذا ثم إنه دعاني إلى وادي حنين حضرة صاحب السعادة ومعدن السيادة ، حاتم الجود ، ومصباح هذا الوجود مولانا السيد توفيق بك الغصين فرع الشجرة الطاهرة الزكية ، في الديار القدسية ، فكان قدومنا على سعادته عيدا سعيدا لنا ولأنجاله الذين هم نجوم المكارم حول ذلك البدر المنير. حفظهم الله من الحدثان.

الفصل الثاني

في سبب تأليف هذه الرحلة

وبما أنني حينما كنت في وادي حنين مع صاحبي الفضيلة الشيخ عيسى أفندي أبي الجيبين والشيخ عبد الله أفندي القلقيلي المشار إليهما ضيوفا عند صاحب السعادة المشار إليه ؛ سألني بعض الأحباب الفضلاء عن نوع الهدية التي

__________________

(٢٠) صحيفة الصراط المستقيم صدرت في يافا عام ١٩٢٤ م أسبوعية ثم يومية مؤسسها الشيخ عبد الله القلقيلي.

٩٦

مقصودي تقديمها لحارس الأماكن المقدسة من تعديات الأشرار مولانا صاحب الجلالة ، قرّة عيون الأخيار «السيد عبد العزيز آل سعود الكرام» أعزّ الله به الإسلام ، ملك الحجاز ، ملاذ الأمة العربية ، وملجأ الأمة الإسلامية ، حقيقة لا مجاز ، فشعرت أن مراده بهذا السؤال أن يلفت نظري لتأليف كتاب لحسن ظنه أن هذا العاجز ممّن تهون عليه الصعاب لا سيما وهو يعلم علم اليقين أن هذا الفقير ليس من أرباب الأموال ، وكأن الشاعر عناني بهذا المقال :

لا خيل عندك تهديها ولا مال

ليسعد النطق إن لم يسعد الحال

فأجبته لمطلوبه امتثالا لقوله تعالى : (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)(١) وعملا بحديث الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وسلم القائل : «تهادوا تحابوا» وعزمت على تأليف ذلك الكتاب وسمّيته «الرحلة السعودية الحجازية النجدية» وأهديته لمولانا صاحب الجلالة المشار إليه ، والمعوّل في إعلاء كلمة الله عليه ولا بدع في ذلك فإن إهداء الكتب النفيسة لأمثاله خير من إهداء الأموال التي تفنى. وقد عزمت على تقديمها بعد طبعها لخزانة حكومته العربية سائلا منه تعالى أن تحظى بالقبول والإقبال ، وأن ينفع بها ذو الجلال ، وأن يبقى العرش السعودي إلى الأبد فتكون مدارا لفخر الأحفاد ، بما تحلى به الأجداد ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(٢١) سورة الضحى ، الآية ١٠.

٩٧

هذا كما وأنني دعيت إلى قرية بيت دجن فشاهدت من أهلها ما يشرح الصدور ويزيد الحبور ، وقد نزلنا في بيت أبي الحسن السيد كامل أفندي الدجني فلا تسل عمّا لقيت من الحفاوة حيث قلدت عقود المنن حفظهم تعالى من الآفات ، ثم رجعت إلى القدس الشريف لتوديع الأقارب والأحباب وقانا الله وإياهم من عذاب الدنيا والآخرة ، وجعلنا الله جميعا من أهل الجنة مع النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ، إنه خير مسؤول وحري بالقبول.

الفصل الثالث

في سبب العزم على الذهاب إلى الحجاز

وقد كنت في يوم من الأيام أتلو كتاب الله المنزل ، على حبيبه المرسل ، حتى وصلت إلى قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(١) فارتعدت فرائصي من هذا التهديد ، حيث عبر الباري تعالى وتقدس بكفر من استطاع الحج ولم يحج ، وإن قال المفسرون : المقصود ومن كفر بفرضيته أو مشروعيته لا من تركه معتقدا لذلك فيكون فاسقا لا كافرا ، كما ورد كفر دون كفر ، فبادرت حيث قدرت على الزاد والراحلة بالامتثال خوفا من غضب ذي الجلال المنعم المنتقم (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا

__________________

(٢٢) سورة آل عمران ، الآية ٩٧.

٩٨

الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ)(١) نعوذ بالله من التعرض لغضب ذلك الحليم الذي لا يعادله حليم ، فإن الحليم إذا غضب حلّت النقمة بالمغضوب عليه «اتقوا غضب الحليم».

ولا خير في حلم إذا لم تكن له

بوادر تحمي صفوه أن يكدرا

ولا يخفى أن الله تعالى لما اشتد غضبه على قوم نوح عليه‌السلام أرسل عليهم الطوفان حتى غرق مع من غرق ولده كنعان ولم تنفعه نسبته لأبيه العبد الشكور (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)(٢) فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. وإذا نفخ في الصور وبعثر ما في القبور ذهبت الأنساب هباء منثورا.

(لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)(٣) فلا ينفعه إلا العمل الصالح.

كل شيء مصيره للزوال

غير ربي وصالح الأعمال

اللهم اجعلنا من صالحي الأعمال الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وأظللنا تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلّا ظلك ، واجعلنا من الآمنين يوم الفزع الأكبر تحت لواء صاحب المقام المحمود والحوض المورود محمد المصطفى عليه‌السلام ،

__________________

(٢٣) سورة الحجر ، الآيتان ٤٩ ـ ٥٠.

(٢٤) سورة الحجرات ، الآية ١٣.

(٢٥) سورة عبس ، الآية ٣٧.

٩٩

إنك سميع الدعاء. فعزمت على الذهاب إلى الحجاز قاصدا أداء الفريضة ، راجيا منه تعالى أن يحفظني وحاشيتي بعين عنايته إنه قريب مجيب.

الفصل الرابع

في وداع الأقارب والأحباب

فوصلت القدس الشريف ، ثم بعد الاستراحة قليلا شرعت في وداع الأقارب والأحباب والأفاضل الأنجاب ، وقد استغرق ذلك ستة أيام ، وطلبت منهم العفو عن الإساءات وغفر الزلات والهفوات ، وان يمنحوني صالح الدعوات ، عسى الله أن يعفو عني وعنهم ، ويغفرلي ولهم كما عفوا عني وغفروا (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ)(١) ولا ريب في أن الله يغفر له الخطيئات. فالجزاء من جنس العمل «الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر» كما جاء في الخبر عن سيد البشر عليه الصلاة والتسليم من الله الكريم. ثم ودعت الحرم القدسي الذي تعشقه نفسي ، وأزمعت السرى إلى أم القرى في يوم الاثنين الموافق الثالث عشر من شهر ذي القعدة الحرام سنة سبع وأربعين وثلاثمائة وألف من هجرة صاحب المجد والشرف صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (٢٢ نيسان ١٩٢٩ م)

__________________

(٢٦) سورة الشورى ، الآية ٤٠.

١٠٠