رحلتان إلى الحجاز ونجد

محمد بهجة البيطار ومحمد سعود العوري

رحلتان إلى الحجاز ونجد

المؤلف:

محمد بهجة البيطار ومحمد سعود العوري


المحقق: تيسير خلف
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: التكوين للتأليف والترجمة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٧٨

بيني وبين قطعها للتشرف بلقاء الإمام ، والاستفادة من مجالسه العالية ، وممن لديه من العلماء الأعلام ، وسائر الإخوان الكرام ، فوا أسفاه وواحر قلباه :

أرى ماء وبي ظمأ شديد

ولكن لا سبيل إلى الورود

فعلى أولئك القاطعين المانعين ما يستحقون ، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ولقد ذاكرني السيد مذكرات ، لأشافهكم بها ، فكتبتها في ورقة خاصة مشارا إليها بالأرقام ، وأرجو كل الرجاء أن تجيبوني عنها كتابة باختصار ، حتى أسرد تلك الأجوبة للسيد ، قياما مني بتمام الخدمة ، ووفاء بواجب الذمة ، وعسى أن يسبغ الله بكما على المسلمين النعمة ، ويدفع عنهم البلاء والنقمة.

وأكرر رجائي في أن تأمروا بكتابة جواب مختصر على المذكرات ، ويفصله لي مؤتمن من طرفكم تفصيلا إذا شئتم واقتضى الأمر ذلك. والإمام أعزه الله وأناله من خدمة الإسلام ما يتمناه أرأف بي من أن يردّني مخذولا ، أو يعيدني إلى السيد مخجولا ، ويأبى عطفه وفضله أن تجتمع علي مصيبتان ، مصيبة عدم التشرف بلقائه ، وعدم القيام بغرض السيد الشريف ، مع تعبي وتعبه وعنائه. أدامك الله تعالى لنصرة المسلمين والإسلام.

يصلكم إن شاء الله مع الأخ شلاش كتاب «مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين» لشيخ الإسلام

٦١

الثاني ابن قيم الجوزية ، شرح كتاب أبي إسماعيل الهروي ، وكله علم وتحقيق في فن التصوف ، وتزكية النفس بالفضائل ، وعدم تدنيسها بالرذائل ، وقد طبع في مطبعة المنار ، فأقدمه لجنابكم العالي هدية مني ، فتفضل أيها الإمام الجليل ، بقبولها من هذا الضعيف ، أدام المولى فضلكم.

وإني في الختام ، أقدم وافر الشوق وعاطر السلام ، إلى من بطرف مولاي من العلماء الأجلاء والإخوان الكرام ، عليهم جميعا أزكى التحية والسلام.

حرره في ٥ رجب عام ١٣٣٨ ه‍ / ٢٦ آذار ١٩٢٠ م

محبكم المخلص

محمد بهجة البيطار

الرسالة الثانية

كتاب مني إلى السيد الإمام محمد رشيد رضا

بعد عودتي بالقطار

من المدينة المنورة إلى دمشق الشام ، آخر شهر

رجب الحرام ، عام ١٣٣٨ هجرية

يا شيخ الإسلام ، جعلني الله تعالى فداك ، ورزقني برك ورضاك ، لي عظيم الشرف بلثم يدك ، وتقديم وافر الشوق إلى سيادتك ، وبعد فإني قد وصلت أمس دمشق الشام ، بعد أن لبثت في المدينة المنورة ثلاثة أيام ، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، وخلاصة الأمر أني قد قطعت مع رفيقي خمسا

٦٢

وعشرين مرحلة ، وما بعدها أول حدود متدينة نجد فلم أستطع أن أخطو خطوة واحدة في أرضهم ، خيفة من أن أقتل شر قتلة ، على يد جهلة عشائر البدو ذوي الأهواء والضلة ، فأرسلت مع رفيقي الرسالة ، وبلغت كتابة جميع الأمانة ، وعززت ذلك بكتاب مني أوضحت فيه عذري وألححت على الأمير برد الجواب ، وهذه أول خدمة للإسلام ، أقوم بها على يد سيدنا الإمام. أقمت في الحائط منتظرا رفيقنا ثمانية أيام ، ثم اضطر شيوخ القرية أن يردوا المدينة المنورة فصحبتهم ، وأقمت هنالك ثلاثة أيام عند رجل دمشقي بأمر من سمو الأمير علي ، وخيرني سموه بين المقام ، أو العود إلى دمشق الشام ، فاخترت الثاني ورجعت بحمد الله سالما.

ليس بي الآن قوة ـ وأنا عليل المزاج ، منحط الجسم ، مشتت الفكر ـ لأكتب لسيادتك أكثر مما كتبت ، أو أوضح أكثر مما أوضحت ، وذاك بأنه ليس ركوبي على ظهر الجمل ، بأشد خطرا ، ولا أكثر ضررا ، من ركوبي في بطن القطار ، الذي بقيت فيه تسع ليال ، ما أذوق المنام إلا غرارا ، من شدة الازدحام ، وحذار جهال البدو اللئام ، وحسبي أن أنقل من مذكرات رحلتي نبذة يسيرة من أحوال جهال المتدينة ، وقصيدة في وصفهم ، وكتابي ، وكلها أرسلتها إلى الأمير مع كتاب سيادتك ، وفي أول فرصة أتمكن بها من المثول بين يديك أبسط أمامك ما يجب بسطه إن شاء الله ، وعليك أيها السيد الكريم في الختام كريم التحية والسلام.

محمد بهجة البيطار

٦٣

الرسالة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم

صاحب الجلالة الملك الإمام عبد العزيز آل سعود المعظم ، أطال الله عمره ، وأدام نصره ، آمين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد ، فقد عدت ولله الحمد وأنا مطمئن القلب ، مرتاح الضمير ، فرح مستبشر برضا الله تعالى ثم برضا الإمام عني ، وثقته الغالية بي ولله الحمد ، وما عندي شيء يعدل شكر هذه النعمة إلا الدعاء لله عزوجل بأن يطيل عمر الإمام ، ويديمه ذخرا للمسلمين.

بلغت شكر صاحب الجلالة لأستاذنا السيد محمد رشيد رضا وعطفه وثناءه الساميين عليه ، وبشرته بما يسره ، وبما يسر علماء نجد الأكارم ، فشكر فضل الإمام ، ودعا له بدوام النصر والتوفيق ، وقال : إن ثنائي على جلالته أكثر ، وشكري له أوفر وإني على دوام رضاه أحرص ، ولو لا ثقتي به وبدينه ، وخوفي عليه وعلى ملكه ، ورجائي في انتصاره للمسلمين ودفاعه بقدر المستطاع ، ومعرفتي بفوائد هذا الانتصار والدعاء ، لو لا ذلك ولو لا اعتقادي أن هذا النصح والتذكير مما يجب علي القيام به وعدم التقصير فيه ، لما كتبت إلى جلالته في ذلك حرفا ، فإني جد حريص على دوام مودته ، وأن مسرته

٦٤

مسرتي ، ومساءته مساءتي ، ولكن التعاون على الخير ودفع الأذى والعدوان مفروضان علينا (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ)(١) فشكرت لفضيلة السيد محبته ومودته وغيرته ، ثم قلت : إن ما تعدونه في إمامنا المحبوب من غيرته على الدين والأمة ، وحبه للإصلاح والدفاع هو الذي يدعوكم إلى تذكير جلالته بما ترونه واجبا ، «قلت» ولكن مدار الأعمال على المال ، وهو الآن غير ميسور ، وأنا أعلم من جلالة الملك أن كل ما يراه المفكرون ـ على اختلاف مشاربهم وأذواقهم ـ ضروريا ، وكل ما سمعه أو علمه من مقترحاتهم ، فهو إما أن يرى رأيهم فيه فيؤخره عنه عدم وجود المال ، وإما لأنه لا يرى المصلحة فيه.

قال فضيلته : أما الأعمال ، فمدارها على الرجال والمال ، والمال وحده لا ينشئ الأعمال ، وأما الرجال العاملون العارفون فهم يوجدون طرقا لتكثير الثروة وحفظها ، ويقومون بالأعمال والمشاريع النافعة التي تظهر ثمرة المال وفوائده ، قال : وأنا أعلم أن بلاد الحجاز تحتاج إليهما جميعا ، لتقوى وتعمر وليدوم لها ولإمامنا فيها الهناء والرخاء ، ويكسب ثقة العالم الإسلامي كله ، وأنا على يقين من أنه لا يقوم عمل في الدنيا بدونهما «الرجال والمال» وأخاف من عواقب فقدانهما ، ولا تزال بحمد الله ـ الفرصة سانحة بوجود هذا الإمام المحبوب ،

__________________

(١٣) سورة المائدة ، الآية ٢.

٦٥

بهجة الأرواح والقلوب ، وقد جئت الآن «الخطاب إلى محمد بهجة البيطار» بتبشيري عنه بكل ما يسرني ، فيا لها من بشرى ، وزدت على ذلك أن جلالته أرسل الأوامر مؤكدة مشددة إلى جماعات الآمرين بالمعروف ، في كل مكان ، ليقوموا بأعمالهم بلا هوادة ، وأوصى الدوائر الحكومية الرسمية من أقصاها إلى أدناها بتقوى الله في أنفسهم وفي أعمالهم ، وقرن القول بالفعل ، فظهر لذلك أثر محسوس ملموس ، فهذه بشرى أخرى.

ثم قال الأستاذ : أنا ـ تحدثا بنعم الله ـ أعلم سنن الله تعالى التي هدانا إليها القرآن في أفراد والأمم ، والممالك والشعوب ، وأعلم أسباب الصعود والهبوط ، والدوام والزوال ، ومن يطالع المنار والتفسير يعلم ذلك ، ثم بين كيف تنطبق هذه السنن الإلهية على الدول والأمم قديمها وحديثها ، وهي لا تتخلف أبدا ، وللممالك والشعوب آجال كما للأفراد ، ولطول حياة الشعوب وسائل وأسباب. وإني لأكتب ما أكتب إلى جلالة الملك بباعث الخوف والرجاء ، وأسأل الله تعالى له طول البقاء ، ولحكومته دوام الارتقاء ، ولو كنت أعتقد أن السكوت يسعني أو أن غيري يكفيني مؤونة هذا النصح لآثرت الصمت.

والذي يزيدني رغبة في القول والعمل ، وغيرة على هذه الحكومة ، هو كونها حكومة دينية سلفية ، تعنى بتطبيق أعمالها على أساس الكتاب والسنة ، وما كان عليه سلف هذه الأمة ، فهي تتفق في غايتها مع ما أنشده وأنشره في المنار

٦٦

والتفسير ، منذ خمسة وثلاثين عاما ، وما زلت أقيم الأدلة على أن الحكومة الإسلامية التي تقام على أساس الشرع ، تفضل جميع حكومات الأرض. «ويكفي كتاب الخلافة العظمى شاهد عدل».

فأنا أرى أن هذه الحكومة الدينية التي تتمثل سلفيتها في شخص الملك تحتاج من أجل تثبيت أركانها ، ورفع بنيانها ، وتحقيق غايتها إلى أمور لا بد منها ، ولا غنى لها عنها ، وهي ما أكتب إلى جلالة الملك بها ، وأسأل الله تعالى له مزيد التوفيق.

قلت : «القول من محمد بهجة البيطار» أنا أعرف قيمة هذه النصائح الثمينة التي تفضلتم بها ، والفوائد العظمى التي تنبني عليها ، ولكن لا يخفى على أستاذنا أن تحقيق هذه المطالب التي أشرتم إليها ، يحتاج إلى مال كثير ، وأنّى للحكومة به الآن؟ ثم إن نشرها في المجلة أو المطالبة بها ، ـ مع عدم إمكان تحقيقها ، لا يأتي بالثمرة الطيبة التي تتوخونها ، عدا ما في ذلك من تنبيه الأفكار ، وتوجيه الأنظار ، وعدّ ذوي الأغراض ذلك إعلان عداء ، وذلك ما لا يرضاه فضيلة السيد ، ولا يتفق مع سعيه المشكور بوجه من الوجوه ، ولا يود أحد من المخلصين للأمة العربية ، والمملكة الإسلامية ، أن يكون أبدا.

ثم إن جلالة الملك الإمام الآن في نجد كما علمتم ، والإصلاح في الحجاز لا يتم إلا بوجوده فيه ، وبعد العود بالسلامة إن شاء الله تكون المكاتبة أقرب وأولى. على أني أعتقد أن جلالة الملك لا يقبل أي إصلاح يأتي من غير طريق

٦٧

الدين ، ويثقل عليه دعوته إلى محاكاة أوروبا أو أمريكا ، وإنما يحب الأخذ عن كتاب الله ، وسنة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعمل السلف الصالح ، وهذا شيء انفرد به فضيلة أستاذنا صاحب المنار ، فلا يعدّ أحد في طبقته فيه ، سواء أكان من العلماء أو مشاهير الكتاب ، فهو في تذكيره الملك الإمام في هذا الشأن ، في غنى عن مشاركة أي إنسان. وإني أرى أن جلالة الملك يقبل منه ما لا يقبل من غيره ، وأرى أن الاجتماع للمذاكرة أفضل من المكاتبة. وبناء على ذلك أرجح بل أقترح على فضيلة السيد أن يستأذن مولانا الإمام ، في أن يلقاه في بلد الله الحرام ، ليذكر له كل ما يجول في نفسه ، ويتعاون معه على كل ما يحقق المطلوب للإسلام وللمسلمين ، والله هو الموفق والمعين.

قال فضيلته : أنا أعلم أن المال الآن ، غير موجود ، والحالة تدعو إلى الاقتصاد التام في النفقات ، وليس من رأيي نشر أفكاري ومطالبي الآن في المنار ، إذ ربما يحمل ذلك كما قلت على محمل سيئ. أما أمر السفر إلى هناك ، والاجتماع بجلالة الملك فلا أستكثره على هذه المهمة الإسلامية ، وإذا دعيت إليه أجبت مع الشكر ، ونسأله تعالى أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه.

ثم تذاكرنا في مطبوعات الملك الإمام ، والتعليقات عليها ، وبسطت له رأي المشايخ فيها. وأخيرا عدل عن التعليق على ما

٦٨

يطبع عنده ، وقال لي فضيلته : أنا محتاج إلى الوقت الذي أصرفه في هذه السبيل ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

هذا ما علق بالذهن من حديثي مع الأستاذ صاحب المنار ، أعرضه على نظر الإمام المعظم أيده الله.

محمد بهجة البيطار

وقد جرى التفاهم التام بين جلالة الملك المعظم عبد العزيز آل سعود والسيد الإمام محمد رشيد رضا على مسائل الإصلاح المنشود في البلدان العربية والإسلامية ، بسماعي هذا الضعيف «البيطار» كما هو واضح في هذا الكتاب الأخير الذي ختمنا به هذه الرحلة الأولى ، فالحمد لله على التمام ، ونسأله تعالى حسن الختام.

ترجمة الضعيف

محمد بهجة بن محمد بهاء الدين بن عبد الغني

بن حسن بن إبراهيم

ابن حسن بن محمد بن حسن البيطار الدمشقي

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى سائر الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم بإحسان.

وبعد فالمشهور أن أصلنا القديم من بليدة وهي بلدة من أعمال الجزائر ، هاجر منها جدّ جدي الأدنى ، سميه الشيخ

٦٩

حسن ، واستوطن دمشق الشام ، منذ أكثر من مائتي عام ، ولم أقف على تاريخ الأسرة ، ولا على سبب الهجرة ، ولم يشر إلى مثل ذلك سيدي الجد الشيخ عبد الرزاق البيطار المؤرخ للقرن الثالث عشر في كتابه «حلية البشر» (١). وفي منتخبات التواريخ للسيد التقي الحصني شذرات من تاريخ الأسر الدمشقية ، ومنها أسرتنا البيطارية ، قال رحمه‌الله تعالى : «ج ٢ / ٨٨٥».

ومن الأسر الشهيرة في العلم والفضل في حي الميدان ودمشق «بنو البيطار» خرج من رجال هذا البيت جماعة من أجلّة العلماء والشعراء ، تقدم ذكرهم في كتابنا في العصر الأخير ، وهم الشيخ محمد أمين الفتوى ، وله ذرية كبيرة نجيبة ، والمؤرخ الشهير الشيخ عبد الرزاق وله أحفاد نجباء ، والشيخ عبد الغني ، وله ذرية أدباء ، والشيخ سليم أحد أركان رجال هذا البيت ، مات سنة ١٣٤١ ه‍ وقد أعقب ذرية نجيبة ، عرفنا منهم الشيخ جميل إمام جامع الدقاق وحسني بك المحاسب المركزي لمالية دمشق. واشتهر منهم بالفضيلة والعلم الشاعر الشهير بهاء الدين ، وهو والد صديقنا الشيخ محمد بهجة من علماء دمشق ، ومن مدرسي الحرم المكي اليوم «سنة ١٣٤٤ إلى سنة ١٣٤٩ ه‍» ا. ه بتصحيح قليل.

__________________

(١٤) سيأتي ذكره في هذه الترجمة بين المؤلفات المطبوعة.

٧٠

وذكر الشيخ محمد «وهو كبير الأخوة الأشقاء الأربعة وهم محمد وعبد الغني وعبد الرزاق وسليم» الأستاذ الشطي في وفيات سنة ١٣١٢ ه‍ ، وقال : إن المترجم من كبار علماء دمشق وفقهائها ، وهو أمين الفتوى بها أكثر من ثلاثين سنة ، ثم نقل ترجمته عن التقي الحصني ، وزاد عليها زيادات جعلها بين هلالين ، وترجم الصديق المؤرخ الشطي لفضلاء من أسرتنا في تاريخيه روض البشر ، وأعيان دمشق. أما الأستاذ الجد الشيخ عبد الرزاق فقد ترجم في «الحلية» لجده إبراهيم «ج ١ ، ص ٦» ولابن شقيقه عبد الغني وهو والدي بهاء الدين «ج ١ / ٣٨٠» ولوالد المؤلف حسن بن إبراهيم «١ / ٤٦٣» ولشقيقه عبد الغني بن حسن «ج ٢ / ٨٧٣» ولشقيقه الأكبر محمد «ج ٣ / ١٤٢١» ولأصغر الأشقاء الأربعة سليم «٣ / ١٤٢١» ولابن أخيه محمود بن محمد البيطار «٣ / ١٤٨٣».

هذه شذرات من تاريخ هذه الأسرة ، تراجع في صفحاتها من أجزاء «الحلية» وإني أكتب ترجمتي بالكلم الوجيز ، وأضيفها إلى هذه التراجم استكمالا لهذه السلسلة.

١ ـ الدراسة الابتدائية والثانوية :

كانت ولادتي بدمشق الشام ثاني يوم من شهر رمضان المبارك سنة ١٣١١ ه‍ و ١٨٩٤ م.

وكانت الدراسة الابتدائية في المدرسة الريحانية ، والدراسة الثانوية في المدرسة الكاملية من المدارس الأهلية ، ودرست اللغة الفرنسية في المدرسة العازارية الميدانية ، ودراسة

٧١

خاصة على المسيو موريس ، «وهو الأستاذ عبد الله الريحاني الذي أسلم عن يدي رحمه‌الله».

٢ ـ الدراسة العالية :

وفي سنة ١٣٢٦ ه‍ تركت المدارس وعنيت بتلقي العلوم العربية والدينية والعقلية على والدي الشيخ بهاء الدين ، وعلى عالمي الشام جدي الشيخ عبد الرزاق البيطار والشيخ جمال الدين القاسمي ، وعلى محدث الشام الشيخ بدر الدين الحسني ، ثم على العلامة الجليل الشيخ محمد الخضر حسين التونسي شيخ الجامع الأزهر ، وقد قلت أيام قراءتنا عليه بدمشق «وهو خاتمة شيوخي» :

ياسائليعن درس رب الفضل مولانا الإمام

ابن الحسين التونسي محمد الخضر الهمام

سل عنه مستصفىالأصوللليثمعترك الزحام

أعني الغزاليّ الحكيم رئيس أعلام الكلام

وكذاك في فن الخلاف بداية العالي المقام

أعنيابن رشدمن غدا بطل الفلاسفة العظام

وكذاصحيح أبي حسين مسلم حبر الأنام

وكذلك المغني إلى شيخ النحاة ابن الهشام

وكذا كتاب أبي يزيد بن المبرّد في الختام

٧٢

تلك الدروسكما الشموس تنير أفلاك الظلام

فتكون منك حقائق المعنى على طرف الثمام

فالحق عوضنا به من شيخنا شيخ الشآم (١٥)

فعليه ماذر الغزالة رحمة الملك السلام

ولي إجازات علمية خطية من بعض هؤلاء الأجلاء ، أحسن الله إليهم ، وجمعنا بهم في دار كرمته.

٣ ـ المجمع العلمي العربي بدمشق ، ومجمع القاهرة والعراق :

انتخبت عضوا في المجمع العلمي العربي بدمشق عام ١٣٤٠ ه‍ ـ ١٩٢٢ م.

وبعد توحيد مجمعي دمشق والقاهرة في ٢٦ حزيران سنة ١٩٦٠ م ، اعتبر القرار الأعضاء في القاهرة ودمشق أعضاء في المجمع الجديد.

وانتخبت عضوا في المجمع العراقي في بغداد في ٢ حزيران سنة ١٩٥٤ م.

٤ ـ التعليم بدمشق ، والتدريس في الحجاز :

علّمت في الثانوية الكاملية وغيرها ، ثم دعتني وزارة المعارف السورية سنة ١٩٢١ م لتعليم الدروس الدينية والعربية واللغة الفرنسية «في عهد وزارة الأستاذ محمد كرد علي رحمه

__________________

(١٥) هو علّامة الشام الشيخ جمال الدين القاسمي.

٧٣

الله» بمدرسة خالد بن الوليد ، واستمررت في العمل ، إلى أن دعيت إلى الاشتراك في المؤتمر الإسلامي العام ، الذي انعقد بمكة المكرمة سنة ١٣٤٤ ه‍ ـ ١٩٢٦ م ، فلبيت الدعوة وأديت فريضة الحج ، واشتركت في أعمال المؤتمر ، وهنالك استبقاني جلالة الملك عبد العزيز آل سعود رحمه‌الله ، وأدرت المعهد العلمي السعودي خمس سنين. «وحج العيال معي سنتين ، أما هذا الضعيف فقد منّ الله علي بالحج سبع مرات ، وبالزيارة مرات». ولم أنقطع عن قراءة الدروس في الحرم المكي الشريف مدة إقامتي بمكة ، وأقمت نحو شهر في المدينة المنورة ، وكنت أقرأ الدروس في الحرم النبوي.

٥ ـ الوظائف والأعمال :

تقلدت أثناء ذلك أعمالا أخرى ، صدرت فيها مراسيم ملكية وها هي ذي بترتيب تواريخها :

أ ـ عينت عضوا بمحكمة مكة الشرعية الكبرى ، ونائبا لرئيس هيئة المراقبة القضائية سنة ١٣٤٦ ه‍.

ب ـ وعينت مفتشا للعلوم الدينية في مدارس الحجاز ، ومدرسا للتوحيد والتربية العلمية سنة ١٣٤٧ ه‍. [١٩٢٨ م]

ج وعينت عضوا في مجلس المعارف العمومية ، ومدرسا في المسجد الحرام سنة ١٣٤٧ ه‍.

د ـ وعينت عضوا في هيئة مراقبة الدروس والتدريس في الحرم الشريف سنة ١٣٤٧ ه‍.

٧٤

خدمت في القضاء ورئاسته تطوعا ، ولم أقض فيه بشيء ، ولم أتقاض منه أجرا ، وآثرت مرتب التعليم عليه ، وهو نصف مرتب القضاء ، وهذا من فضل الله علي ، وله سبحانه الحمد والشكر.

وقد عدت من الحجاز إلى دمشق عام ١٣٥٠ ه‍ ، [١٩٣١ م] فوجدت أعمالي موزعة ، وفقدت من أعوام التقاعد أكثر من عشر سنين.

٦ ـ التدريس بعد عودتي من الحجاز :

أ ـ في سنة ١٣٥٣ ه‍ ـ ١٩٣٤ م دعتني جمعية المقاصد في بيروت لتدريس العلوم الدينية في كليتي البنين والبنات ، ولتاريخ الأدب العربي ، والإنشاء والخطابة في كلبة البنات ، وفي نفس العام ، انتدبتني وزارة معارف الشام ، مدرسا لعلوم الدين في تجهيز البنات بدمشق ، فتم لي الشرف بخدمة العاصمتين معا ، وكنت أسافر إلى بيروت أصيل الجمعة ، وأعود منها مساء الثلاثاء من كل أسبوع.

ب ـ عينت مدرسا عامّا بدمشق ، وصرت مدرسا أصيلا ، أدرس في تجهيزي البنين والبنات اللغة العربية والتوحيد والفقه في صفوف البكالوريا وما يليها ، وعلمت في معهد جمعية العلماء سنة ١٩٥٥ م.

ج ـ عينت مدرسا للتفسير والأخلاق في الكلية الشرعية بدمشق سنة ١٣٦١ ه‍.

٧٥

د ـ عهدت إليّ وزارة المعارف بتفسير القرآن الحكيم من الوجهة الأدبية في دار المعلمين العليا سنة ١٩٤٢ م.

ه ـ وفي عام ١٩٤٣ م انتخبتني وزارة المعارف مدرسا لمادتي التفسير والحديث في داري المعلمين والمعلمات.

و ـ ثم عينت بدمشق مدرسا للتفسير والحديث في كلية الآداب من فروع الجامعة السورية من عام ١٩٤٧ ـ إلى عام ١٩٥٣ م. وفي أول رجب من سنة ١٣٧٨ ه‍ وكانون الثاني ١٩٥٩ م عينت مدرسا للتفسير في كلية الشريعة.

٧ ـ العودة إلى الحجاز :

في عام ١٣٦٣ ه‍ [١٩٤٣ م] استدعاني جلالة الملك عبد العزيز آل سعود رحمه‌الله لإنشاء دار التوحيد بمدينة الطائف ، فلبيت الدعوة وبذلت أقصى الجهد حتى تم انشاؤها وبقيت فيها ثلاث سنوات ، إلى أن أصبحت ثانوية كبرى ، وقد كتبت عنها الصحف العربية وغيرها بأنها معهد أنشئ لتخريج قضاة ومفتين ، ودعاة إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، وكان صحبني في هذه المرة ولداي يسار وعاصم ، وكانا عونا لي في الإدارة والتعليم ، وقد عاد الأول بعد انتهاء السنة الدراسية الثانية ، وعاد الثاني بعد انتهاء السنة الثالثة.

٨ ـ الإمامة والخطابة والتدريس :

توفي والدي الشيخ بهاء الدين سنة ١٣٢٨ ه‍ [١٩١٠ م] رحمه‌الله فحللت محله في جامع محلة القاعة من حي الميدان بضع سنين إمامة وخطابة وتدريسا ، وبعد وفاة خالي الشيخ

٧٦

أحمد رحمه‌الله أمرني والده سيدي الجد الشيخ عبد الرزاق البيطار سنة ١٣٣٥ ه‍ [١٩١٦] بتولي إمامة جامع كريم الدين الشهير بالدقاق «في حين الميدان» مع الخطابة والتدريس ، ثم تولى الإمامة ابن عمي الشيخ جميل ، وبقيت خطيب الجامع ومدرّسه ، ولا أزال مواظبا عليها بحمد الله إلى هذا التاريخ ١٣٨٧ ه‍ [١٩٦٧ م].

وممن سمع خطب هذا الضعيف في جامع الدقاق ، الأساتذة الأجلاء : سميي الأثري البغدادي ، وحبيب العبيدي الموصلي ، وعبد القادر المغربي الطرابلسي ، رئيس مجمعنا العلمي بدمشق ، وأبو عبد الله الزنجاني الإيراني ، وابن عمه عبد الكريم ، ومحمد سعيد العرفي الديري ، ومحمد تقي الدين الهلالي المغربي ، والأمير شكيب أرسلان وغيرهم. وبعد أداء الخطبة وصلاة الجمعة أكون في صحبتهم إلى دارنا لنقوم بواجبنا ، ولنستفيد من حكمتهم ، ونبقى إلى ما بعد صلاة العصر.

وأما الإمام للصلوات الخمس ، فهو ابن عمي الشيخ محمد نعيم البيطار. ولنا مجلس بعد العشاء في إحدى حجر هذا الجامع ، قرأنا فيه طائفة من الكتب الدينية والعقلية والعربية ، بحضور إمام الجامع الشيخ نعيم ، وإمام جامع الساحة وخطيبه الشيخ مسلم الغنيمي الميداني حفيد الشيخ عبد الغني الشهير ، والشيخ إبراهيم حسّون إمام جامع السفارة السعودية ، والقاضي الأستاذ سعدي أبو حبيب ، وكنا نقرأ مع

٧٧

هؤلاء الإخوان كتاب الموافقات للشاطبي ، ومن مراجعنا كتاب الآمدي والمستصفى للغزالي في أصول الفقه ، ونقرأ أيضا كتاب ابن قيم الجوزية ، في الرد على المعطلة والجهمية ، ويحضر معنا الأستاذ أرسلان نجل صديقنا الأستاذ الشيخ حامد التقي ، ومن قبل كنت أقرأ دلائل الإعجاز لإمام البلاغة الجرجاني ، وكان يحضره سيادة صبري العسلي الرئيس السابق لمجلس الوزراء فتأثر ببلاغة هذا الكتاب خطابة وكتابة.

أما تدريسي في المدارس للعلوم على اختلافها ـ لا سيما علم التفسير ـ فكنت أبذل فيه أقصى الجهد ، وحسبي ما وصفه به بعض طلابنا الأدباء بقوله :

وما أستاذنا البيطار إلا

وحيد الشام في علم الكتاب

فيشرح حين يشرح كل صدر

بمعنى من معانيه العذاب

ويبعث همّة الآساد فينا

كأن الشيخ في شرخ الشباب

٩ ـ أهم ما ألهمنيه الله تعالى من أبواب الخير :

أهديت إلي في عهد جلالة الملك الراحل عبد العزيز آل سعود «تغمده الله برحمته ورضوانه» سيارة بعد سيارة ، فوهبتهما إلى دار التوحيد السعودية التي كنت رئيسها في مدينة الطائف ، وقدّم إلي المجمع العلمي الروسي الذي لبينا دعوته «سنة ١٩٥٤ م» مبلغا يقرب من ألف ليرة سورية لأشتري به هدايا فرددته شاكرا فضلهم ، وقدّم إلي ألف ليرة سورية

٧٨

تبرعا من بعض أمراء آل سعود الكرام ، إذ شرفوا وحلّوا ضيوفا في الشام ، فتبرعت بالمبلغ كله لدار الأيتام السعودية بدمشق ، والحمد لله على فضله وكرمه.

أما تبرعاتي من مالي الخاص للمعاهد الدينية والخيرية ولإسعاف طلبتها ، أو العجزة المقيمين فيها ، فأسال بها خبيرا ، وأما المعاشات المرتبة لأولي الأرحام فيعرفها أهلها.

وما دعوت إلى التعاون في أمر خيري على المنبر أو في الدروس ، إلا وكنت البادئ بنفسي ولله الحمد ، على أني لا أجمع بيدي ولا أوزع بمعرفتي ، وقد اعتزلت الولائم والمآدب الرسمية وغيرها ، عملا بقول من قال :

فلزمنا البيوت نستخرج العلم ونملأ به بطون الطروس

وأنا سعيد بالمحافظة على الوقت ، والمواظبة على العمل ، وقراءة الدروس في المساجد العامة ، والدروس العربية والدينية لطلاب العلم ، فلله الحمد على ما أنعم ، والشكر له على ما ألهم ، ونسأله تعالى القبول والمثوبة.

١٠ ـ رحلاتنا إلى الديار العربية والإسلامية وإلى العالمين الشرقي والغربي :

(١) الرحلة إلى الحجاز وإلى نجد

رحلت «في ج ٢ سنة ١٣٣٨ ه‍» إلى الحجاز ونجد للدعوة إلى عقد اتفاق عام ، بين أمراء الجزيرة وأئمتها الكرام ، دفعا للعدوان الأجنبي على بلاد العروبة والإسلام ، وتكليفي بهذه

٧٩

المهمة كان من جلالة الملك فيصل الأول الهاشمي والسيد الإمام محمد رشيد رضا منشئ المنار والتفسير بمصر أيام الحكومة العربية السورية الأولى. وهي الرحلة التي وصفت في هذا الكتاب.

(٢) الرحلة إلى الأقطار العربية

كانت رحلتي الثانية من دمشق إلى العراق ونجد والحجاز في ذي القعدة سنة ١٣٦٣ ه‍ وتشرين الأول سنة ١٩٤٤ م وكان ترتيبها هكذا : دمشق ، بغداد ، البصرة ، الكويت ، الرياض ، المدينة المنورة ، مكة المكرمة ، بدعوة من جلالة الملك عبد العزيز آل سعود لإنشاء معهد ديني في الطائف ، من أرض الحجاز. وكانت وقفتنا في عرفات يوم الجمعة في ٩ / ١٢ / ١٣٦٣ ه‍ ولله الحمد. والمعهد هو «دار التوحيد السعودية» وهو كالمعهد السعودي الذي أسّس بمكة.

(٣) الرحلة إلى القاهرة والإسكندرية

سافرت في ٩ / ٢ / ١٩٥٥ م من دمشق إلى القاهرة فالإسكندرية لانعقاد مؤتمر مواصلة العمل الإسلامي المسيحي ، لإحلال السلام ، محل الحروب والخصام ، بين الشعوب والأقوام ، كما انعقد قبل سنة في لبنان ، وقد ألقيت الخطاب الرئيسي في نصرة فلسطين ونشرته جريدة الأيام الدمشقية ، كما نشرت نص قرار المؤتمر بشأن فلسطين «في ٣٠ ج ٢ سنة ١٣٧٤ ه‍ و ٢٣ شباط ١٩٥٥ م».

٨٠