كشف النّقاب عن مخدرات مليحة الإعراب

عبد الله بن محمّد أحمد الفاكهي

كشف النّقاب عن مخدرات مليحة الإعراب

المؤلف:

عبد الله بن محمّد أحمد الفاكهي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٦

التعليل نحو : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ)(١).

(وإني لتعروني) لذكراك هزة

(فجئت) وقد نضت لنوم ثيابها

______________________________________________________

(قوله : وإني لتعروني) تمامه :

كما انتفض العصفور بله القطر

(قوله : فجئت إلخ) تمامه :

لدى الستر إلا لبسة المتفضل

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٩.

٨١

(باب المفعول معه)

(وإن أتت الواو في الكلام

مقام مع فانصب بلا ملام

تقول جاء البرد والجبابا

واستوت المياه والأخشابا

وما صنعت يا فتى وسعدى

فقس على هذا تصادف رشدا)

المفعول معه هو الاسم الفضلة الواقع بعد واو أريد بها الدلالة على المصاحبة من غير تشريك في الحكم.

وشرطه : أن يكون مسبوقا بفعل ظاهر أو مقدر أو اسم فيه معنى الفعل وحروفه.

فمثال الفعل الظاهر نحو : جاء البرد والجبابا ، أي مع جباب النخل ، أي تلقيحه ، من الجب وهو القطع. ومثله استوت المياه والأخشابا ، أي مع الأخشاب ، لأنها لم تكن معوجة حتى تستوي بل المقصود أن المياه بلغت في ارتفاعها إلى الأخشاب فاستوت معها أي ارتفعت. وكذا ما صنعت يا فتى وسعدى ، أي مع سعدى ، لأن المراد السؤال عن صنعه مع سعدى لا عن صنع كل منهما.

ومثال الفعل المقدر : كيف أنت وقصعة من ثريد ، وما أنت زيدا ، أي كيف تكون وقصعة من ثريد ، وما تكون وزيد.

ومثال الاسم المذكور نحو : أنا سائر والنيل ، وأعجبني استواء الماء والخشبة.

وإنما عدد المثال ليفيد أن ما بعد الواو قد يكون صالحا للعطف كالمثال الأول والثالث.

وقد لا يكون كالثاني وإنما لم يصلح لما مر ، ومثله : لا تنه عن القبيح وإتيانه ، وإنما لم يصح العطف لاقتضائه خلاف المعنى المراد بل فيه الأمر بتقرير القبيح وإتيانه.

وقد تبين لك مما قلنا أنه ليس من المفعول معه قول أبي الأسود الدؤلي :

٨٢

(لا تنه عن خلق) وتأتي مثله

ونحو : جاء زيد والشمس طالعة ، لانتفاء الاسم ، إذ الأول فعل والثاني جملة اسمية. ولا نحو : مزجت عسلا وماء ، إذ الواو فيه للعطف والمعية استفيدت من العامل. ولا كل رجل وضيعته ، لانتفاء الشرط وليس من المفعول معه أيضا قوله :

(علفتها تبنا) وماء بادرا

لانتفاء المعية إذ الماء لا يصاحب التبن في العلف ، ولا يجوز فيه أيضا العطف لانتفاء المشاركة إذ الماء لا يشارك التبن في العطف بل ما بعد الواو منصوب على المفعول به بإضمار فعل ، والتقدير أي : وسقيتها ماء ، ومثله :

______________________________________________________

(وزججن) الحواجب والعيونا

(قوله : لا تنه عن خلق) تمامه :

عار عليك إذا فعلت عظيم

(قوله : علفتها تبنا) تمامه :

حتى غدت همالة عيناها

(قوله : وزججن إلخ) صدره :

إذا ما الغانيات برزن يوما ا ه

٨٣

(باب الحال والتمييز)

(والحال والتمييز منصوبان

على اختلاف الوضع والمباني

ثم كلا النوعين جاء فضله

منكرا بعد تمام الجملة)

الحال (يذكر ويؤنث) وهو الأفصح ، يقال : حال حسنة وحال حسن ، وقد يؤنث لفظها فيقال : حالة. وهو قسمان : مؤكدة ولم يتعرض لذكرها ، ومؤسسة وهي الاسم الفضلة المفسرة لما انبهم من الهيئات. ولما كان بين الحال والتمييز مشاركة في عدة أمور جمع بينهما في ذلك اختصارا فيشتركان في أن كلا منهما يكون منصوبا فضلة نكرة رافعا للإبهام ، لكن الحال لا يكون إلا منصوبا بخلاف التمييز وإن ورد الحال والتمييز بلفظ المعرفة أوّل كل منهما بنكرة محافظة على ما استقر لهما من لزوم التنكير نحو : اجتهد وحدك ، أي منفردا. وقوله :

(وطبت النفس) يا قيس عن عمرو

أي نفسا. والمراد بالفضلة هنا ما يقع بعد تمام الجملة وإن توقفت فائدة الكلام عليه. ألا ترى أن مرحا في قوله تعالى : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً)(١) منصوب على الحال ولو أسقط لفسد المعنى. ومثله : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٨))(٢).

واعلم أن الحال قد تكون رافعة إما لإبهام هيئة الفاعل نحو : جاء زيد راكبا ، أو هيئة المفعول نحو : ركبت الفرس مسرجا. أو لهيئة صالحة لهما نحو :

______________________________________________________

(قوله : يذكر ويؤنث) أي باعتبار الصفة الراجعة إليها. يقال : حال حسن وحسنة وحالة حسنة وحسن ا ه.

(قوله : وطبت النفس) صدره :

رأيتك لما إن عرفت وجوهنا

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية ٣٧.

(٢) سورة الدخان ، الآية ٣٨.

٨٤

لقيت عبد الله راكبا. وقد يكون رافعا لهيئتهما معا نحو : لقيت عبد الله راكبين.

وسيأتي أن التمييز يكون رافعا لإبهام ذات أو نسبة وهذا هو معنى قوله :

على اختلاف الوضع والمباني

أي وضع الكلمات المفردة وتركيبها

وقوله : جاء بالإفراد ، مراعاة للفظ كلا ، فإنه مفرد اللفظ مثنى المعنى. ثم أشار إلى ما افترقا فيه بقوله :

(لكن إذا فكرت في اسم الحال

وجدته اشتق من الأفعال

ثم يرى عند اعتبار من عقل

جواب كيف في السؤال من سأل

مثاله جاء الأمير راكبا

وقام قسّ في عكاظ خاطبا)

لما قدم أنهما يشتركان في النصب والفضلة والتنكير دعت الحاجة إلى الفرق بينهما وهو من أربع أوجه اقتصر منها على وجهين ، أحدهما : أن الغالب على الحال أن يكون وصفا مشتقا من الفعل أي من مصدره للدلالة على متصف به بخلاف التمييز لا يكون غالبا إلا جامدا كما سيأتي.

والثاني : أن الحال يصح أن يقع جوابا لسؤال مقدر بكيف لأنها يسأل بها عن الأحوال بخلاف التمييز ألا ترى أن راكبا في جاء الأمير وصف مشتق من الركوب ويصلح للوقوع في جواب كيف ومثله خاطبا في قام قس في عكاظ خاطبا. وقس بن ساعدة من فصحاء العرب ، كان خطيبا من خطباء الجاهلية ، مات قبل بعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان مؤمنا بظهوره صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وعكاظ سوق بوادي نخلة كانت لهم مشهورة ، وهو غير منصرف للعلمية والتأنيث.

ومما افترقا فيه أن الحال لبيان الهيئة وهو تارة لبيان الذات ، وأرى لبيان جهة النسبة. وأيضا النصب في الحال على معنى في ، وفي التمييز على معنى من البيانية. والحال يقع مفردا وجملة وشبهها والتمييز لا يكون إلا مفردا والغالب على الحال أن تكون منتقلة كما أن الغالب عليها أن تكون مشتقة. ومعنى انتقالها أن لا تكون لازمة لصاحب الحال كما مثلنا وربما كانت لازمة نحو : خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها.

ولم يتعرض الناظم لصاحب الحال وهو من يكون الحال وصفا له في

٨٥

المعنى. وشرطه أن يكون معرفة أو نكرة يصح الابتداء بها نحو : (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ)(١) ، (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ)(٢) ، (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ (٢٠٨))(٣).

واعلم أن العامل في الحال هو العامل في صاحبها. والغالب عليه أن يكون فعلا منصرفا أو ما فيه معنى الفعل وحروفه ، وقد يكون فيه معنى الفعل دون حروفه ، وقد يحذف ، وإلى هذين أشار بقوله :

(ومنه من ذا بالفناء قاعدا

وبعته بدرهم فصاعدا)

أي ومن الحال التي عاملها تضمن معنى الفعل دون حروفه : من ذا بالفناء قاعدا ، فمن مبتدأ وذا خبره ، وقاعدا حال والعامل فيه اسم الإشارة لما فيه من معنى الفعل وهو أشير ، ومثله زيد عندك قاعدا وبكر في الدار جالسا ، فقاعدا وجالسا حالان من الضمير المستتر فيهما والعامل فيهما الظرف والمجرور لتضمنهما معنى الاستقرار ، ومن الحال الذي حذف عاملها وجوبا ما بين بها ازدياد في مقدار أو نقص فيه بتدريج نحو : بعته بدرهم فصاعدا أو فسافلا ، أي فزاد الثمن أو فذهب صاعدا أو فانحط سافلا. ويشترط لنصب هذه الحال أن تكون مصحوبة بالفاء أو بثم لا بالواو لفوت معنى التدريج معها ، وقد يحذف عامل الحال جوازا لقرينة لفظية نحو : راكبا ، لمن قال : كيف جئت. ومنه : (بَلى قادِرِينَ)(٤) أي نجمعها ، أو حالية كقولك للمسافر : راشدا مهديا ، أي تذهب.

وللقادم : مسرورا ، أي رجعت. وأما التمييز فقد أشار إلى حاله بقوله :

(وإن ترد معرفة التمييز

لكن تعدّ من ذوي التمييز

فهو الذي يذكر بعد العدد

وللوزن والكيل ومذروع اليد

ومن إذا فكرت فيه مضمرة

من قبل أن تذكره وتظهره)

التمييز مصدر بمعنى المميز بكسر الياء ويرادفه التبيين والتفسير ، وهو اسم نكرة فضلة متضمن معنى من يرفع إبهام اسم أو إجمال نسبة. وأراد الناظم

__________________

(١) سورة القمر ، الآية ٧.

(٢) سورة فصلت ، الآية ١٠.

(٣) سورة الشعراء ، الآية ٢٠٨.

(٤) سورة القيامة ، الآية ٤.

٨٦

بالمعرفة العلم بمحله كما يرشد إليه قوله : فهو الذي يذكر. وقد فهم من حده أنه على ضربين : تمييز المفرد ، وتمييز النسبة. فالأول هو الواقع غالبا بعد ما يفيد التقدير من العدد والوزن والكيل والمساحة لبيان جنسها ، أيّ شيء هو ، فالواقع بعد العدد مجرور بالإضافة كثلاثة رجال ومائة عبد وألف غلام نعم الواقع بعد أحد عشر فما فوقه إلى تسع وتسعين فإنه منصوب نحو : (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً)(١) ، (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً)(٢) ، (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً)(٣). وأما الواقع بعد غير ذي العدد من الوزن والكيل والمساحة فمنصوب وناصبه مميزه كعشرين مثلا في عشرين درهما وإن كان جامدا لطلبه ما بعده كاسم الفاعل.

(تقول عندي منوان زبدا

وخمسة وأربعون عبدا

وقد تصدّقت بصاع خلا

وما له غير جيب نخلا)

أتى بأربعة أمثلة ، الأول : للموزون. والثاني للمعدود. والثالث للمكيل ، والرابع للمذروع. والمنوان تثنية منا كعصا وقد مر أنه لغة في المن. والجريب قطعة معلومة من الأرض. ولك في تمييز غير العدد ثلاثة أوجه نصبه كما تقدم وجره بمن ظاهرة كرطل من زيت ومنوان من زبد وجريب من نخل وصاع من تمر ، وإضافته إلى جنسه كرطل زيت ومنوا زبد وجريب نخل وصاع تمر. نعم إن أريد بالمقادير الآلات التي يقع بها التقدير لم يجز إلا إضافتها كعندي منوان سمن وقفيز بر ، تريد الرطلين اللذين يوزن بهما السمن والمكيال الذي يكال به البر والإضافة حينئذ بمعنى اللام. وأما تمييز العدد فلا يجوز جره بمن كتمييز النسبة المحلول ، وأشار إلى تمييز النسبة بقوله :

(ومنه أيضا نعم زيد رجلا

وبئس عبد الدار منه بدلا

وحبذا أرض البقيع أرضا

وصالح أطهر منك عرضا

وقد قررت بالإياب عينا

وطبت نفسا إذ قضيت الدينا)

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ١٢.

(٢) سورة الأعراف ، الآية ١٤٢.

(٣) سورة ص ، الآية ٢٣.

٨٧

أي ومن التمييز ما يرفع الإبهام عن مضمون الجملة ؛ وهو قسمان : محول وغير محول. فالأول ثلاثة أنواع : محول عن المبتدأ نحو صالح أطهر منك عرضا ، أصله عرض صالح أطهر منك فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فارتفع عينا ، وطاب محمد نفسا أصله قرت عين زيد وطابت نفس محمد فحول الإسناد عن المضاف إلى المضاف إليه ثم جيء بالمضاف تمييزا ومحول عن المفعول ولم يتعرض له الناظم نحو : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً)(١) أصله : وفجرنا عيون الأرض من ، فحوّل المفعول وجعل تمييزا وأوقع الفعل على الأرض. والثاني : نحو امتلأ الإناء ماء ، ونعم رجلا زيد وبئس بدلا عبد الدار وحبذا أرض البقيع أرضا لأن مثل هذا التركيب وضع ابتداء هكذا غير محول ، والناصب لتمييز النسبة ما تقدمه من فعل أو شبهه.

واعلم أن نعم وبئس موضوعان لإنشاء المدح والذم ففاعلهما إما بأل الجنسية على الأصح نحو : نعم العبد ، وبئس الشراب. أو مضافا لما هي فيه نحو : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠))(٢) ، (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢))(٣) ، أو مضمرا مفردا مستترا مفسرا بنكرة بعده منصوبة على التمييز مطابقة للمخصوص نحو نعم رجلا زيد ونعم رجلين الزيدان ونعم رجالا الزيدون ، وإذا استوفت نعم وبئس فاعلهما الظاهر أو المضمر وتمييزه جيء بالمخصوص بالمدح أو الذم على أنه مبتدأ والجملة قبله خبره والرابط بينهما العموم المستفاد من أل فيما إذا كان الفاعل ظاهرا والضمير فيما عداه أو خبر لمبتدأ محذوف ويجوز تقديم المخصوص على الفعل والفاعل فيتعين حينئذ ابتدائيته ولا يجوز توسطه بين الفعل والفاعل ولا بينه وبين التمييز عند البصريين. وما وقع في النظم إما مذهب كوفي أو ضرورة.

وأما حبذا فهي كنعم في العمل ، والمعنى مع زيادة أن الممدوح محبوب للقلب والأصح أن ذا فاعله فلا يتبع ويلزم الإفراد والتذكير وإن كان المخصوص

__________________

(١) سورة القمر ، الآية ١٢.

(٢) سورة النحل ، الآية ٣٠.

(٣) سورة الزمر ، الآية ٧٢.

٨٨

بخلاف ذلك لشبهه بالمثل ، ويجب ذكر المخصوص بعده على أنه مبتدأ والجملة قبله خبره والرابط بينهما اسم الإشارة أو خبر لمبتدأ محذوف. ويجوز تقديم التمييز على المخصوص نحو حبذا رجلا زيد ، وتأخيره كما مثل الناظم. وإذا أريد بحبذا الذم أدخل عليها لا فتساوي بئس في العمل. والمعنى فيقال : لا حبذا زيد.

٨٩

(باب كم الاستفهامية)

(وكم إذا جئت بها مستفهما

فانصب وقل كم كوكبا تحوي السما)

تقدم أن كم استفهامية وخبرية وأن الاستفهامية بمعنى أي عدد فإذا استفهمت غيرك بكم وجب نصب ما بعدها على التمييز ولا يكون إلا مفردا كتمييز أحد عشر فتقول : كم كوكبا تحوي السماء ، أي تجمع ، كما تقول : رأيت أحد عشر كوكبا.

فكم مفعول مقدم لتضمنه ما له صدر الكلام.

وكوكبا تمييز وما بعده فعل وفاعل.

نعم إن جرت كم بالحرف جاز لك في تمييزها إذا كان متصلا بها الجر أيضا بمن مضمرة على الأصح.

ويجوز إظهارها فتقول : بكم من درهم اشتريت أو بكم درهم اشتريت.

٩٠

(باب المفعول فيه وهو المسمى ظرفا)

(والظرف نوعان فظرف أزمنة

يجري مع الدهر وظرف أمكنة

والكل منصوب على إضمار في

فاعتبر الظرف بهذا واكتف)

من المنصوبات المفعول فيه ويسمى الظرف وهو كل اسم زمان أو مكان سلط عليه عامل على معنى في ، وقسمه الناظم إلى زماني ومكاني ، وذكر أن الكل منصوب على إضمار في. والمراد من إضمارها ملاحظة معناها كما أشرنا إليه لا ملاحظة لفظها ولم يعتبر في هذه الملاحظة الاطراد كما فعل ابن مالك لأن هذا الشرط قد اضطرب أي اختلف فيه ، وناصب المفعول فيه ما جيء من فعل أو شبهه ، وسمي ظرفا لوقوع الفعل فيه إذ كل فعل لا بد له من زمان أو مكان يقع فيه. وظروف الزمان السائرة بسير الدهر جميعها تقبل النصب على الظرفية لا فرق بين مبهمها وهو ما دل على وقت غير معين كوقت وحين ، ومختصها كأسماء الشهور والأيام. وأما ظروف المكان فلا يقبل النصب منها إلا نوعان أحدهما ما كان مبهما وهو ما لا يختص بمكان بعينه وهو ضربان ، أحدهما : الجهات الست السابقة كأمام وفوق ويمين وعكسهن وما أدى معناها كتلقاء ، ودون وثم وغربي وشرقي وناحية ومكان. ثانيهما : المقادير ، أي الدالة على مسافة معلومة كالفرسخ والبريد (والميل).

النوع الثاني : ما صيغ من مصدر عامله وهو ما اتحدت مادته ومادة عامله كذهبت مذهب زيد ، وأنا قائم مقامك ، وسرني جلوسي مجلسك. ومن النحاة من جعل هذا من قسم المبهم أيضا ، فإن صيغ من غير مصدر عامله تعين جره بفي كجلست في مرمى زيد ، كما يتعين ذلك مع غيره من أسماء المكان المختصة كصليت في المسجد ، وأقمت في الدار.

______________________________________________________

(قوله : والميل) هو أربعة آلاف خطوة. والفرسخ ثلاثة أميال. والبريد أربعة فراسخ ا ه.

٩١

وأما قولهم : دخلت الدار وسكنت الشام ، فمفعول به حقيقة أو مفعول فيه إجراء له مجرى المبهم. هذا عند من لا يعتبر الاطراد وأما عند من اعتبره فهو منصوب على نزع الخافض توسعا أو إجراء للازم مجرى المتعدي وإنما استأثر ظرف الزمان مطلقا بصلاحيته للنصب على الظرفية على ظرف المكان لأن أصل العوامل لفعل ودلالته على الزمان أقوى من دلالته على المكان لأنه يدل على الزمان بصيغته وبالالتزام وعلى المكان بالالتزام فقط.

(تقول صام خالد أياما

وغاب شهرا وأقام عاما

وبات زيد فوق سطح المسجد

والفرس الأبلق تحت معبد

والريح هبت يمنة المصلى

والزرع تلقاء الحيا المنهل

وقيمة الفضة دون الذهب

وثم عمرو فادن منه واقرب

وداره غربي فيض البصرة

ونخله شرقي نهر مرة)

أتى الناظم بثلاثة أمثلة لظرف الزمان المختص ولم يمثل للمبهم منه كصمت حينا أو وقتا ، وبقية الأمثلة المذكورة لظرف المكان المبهم فقط ولم يتعرض لما صيغ من مصدر عامله ولا لما دل على مقدار من أسماء المكان. والأبلق هو الأبيض ، والحيا بالقصر المطر والمنهل المنصب بشدة ، وثم بفتح الثاء المثلثة وتشديد الميم ظرف مبني يشار به للمكان البعيد نحو وأزلفنا ثم الآخرين ، وغربي منسوب إلى الغرب وشرقي منسوب إلى المشرق. والمعنى المكان الذي يلي الغرب أو الشرق ، وفيض البصرة زيادة دجلتها ، ومرة اسم رجل كمعبد.

(وقد أكلت قبله وبعده

وإثره وخلفه وعنده)

هذه الأسماء المذكورة من الظروف أيضا لكنها لما لم تتعين لأحد الظرفين بل صلحت لكل منهما باعتبار ما تضاف إليه أفردها بالذكر تبعا للناظم في شرحه ، فإن أضفتها إلى ظرف الزمان التحقت به وانتصبت انتصابه نحو : صمت قبل السبت وبعد الخميس وإثر رمضان وخلف شعبان وقدمت عند طلوع الشمس ، وإن أضفتها إلى ظرف المكان انتصبت انتصابه أيضا نحو : داري قبل المسجد وبعد الحمام وخلفه وعنده ، ولما كانت عند لا تتصرف نبه على ذلك

٩٢

بقوله :

(وعند فيها النصب يستمر

لكنها بمن فقط تجرّ

وأينما صادفت في لا تضمر

فارفع وقل يوم الخميس نير)

يشير إلى أن ما استعمل من ظرف الزمان أو المكان ظرفا تارة وغير ظرف أخرى ، كأن استعمل مبتدأ أو خبرا أو فاعلا أو مفعولا به فإنه يسمى في اصطلاح النحاة ظرفا متصرفا كيوم.

فإنه استعمل ظرفا في نحو : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)(١) لكون نصبه على إضمار في.

وغير ظرف نحو : (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً)(٢) إذ ليس منصوبا على إضمار في بل ، على أنه مفعول به إذ المراد أنهم يخافون نفس ذلك اليوم ومثله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)(٣) فحيث مفعول به وقع عليه الفعل لا فيه ، وناصبه مقدر دل عليه أعلم.

وما لزم النصب على الظرفية ولم يخرج عنها أصلا كقط وعوض وهما مبنيان على الضم أو خرج عنها لكن إلى حالة تشبهها وهي الجر بمن خاصة ، فإنه يسمى في اصطلاحهم ظرفا غير متصرف كعند فإنه لا يستعمل إلا ظرفا نحو : جلست عندك ، أو مجرورا بمن نحو : خرجت من عندك ومثله قبل وبعد ولدن. وإذا تقرر أن اسم الزمان أو المكان يكون على حسب العوامل إذا لم يكن على معنى في. فقول الناظم : فارفع ، محمول على حالة الابتداء كما مثل.

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية ٩٢.

(٢) سورة الإنسان ، الآية ١٠.

(٣) سورة الأنعام ، الآية ١٢٤.

٩٣

(باب الاستثناء)

(وكل ما استثنيته من موجب

تمّ الكلام عنده فلينصب

تقول : قام القوم إلا سعدى

وقامت النسوة إلا دعدا)

من المنصوبات المستثنى في بعض أحواله وهو المذكور بعد إلا أو إحدى وأخواتها مخالفا لما قبلها نفيا وإثباتا.

وأما الاستثناء فهو إخراج ما لو لاه لدخل فيما قبله. وأدواته ثمانية ألفاظ ذكر منها هنا ستة ، وهو أربعة أقسام : ما هو حرف وهو إلا ، وما هو فعل وهو ليس ولا يكون ، وما هو مشترك بينهما وهو خلا وعدا وحاشا كما تقدم ، وما هو اسم وهو غير وسوى بلغاتها.

وبدأ الناظم بالكلام على المستثنى بإلا لأنها أصل أدوات الاستثناء وإن كان الأولى البداءة بما هو متعين النصب على كل حال كالمستثنى بليس ثم المستثنى بإلا ، له حالات ، إحداها : أن يكون ما قبلها كلاما تاما موجبا فيجب نصب المستثنى بإلا سواء كان الاستثناء متصلا كما مثل الناظم أم منقطعا نحو : قام القوم إلا حمارا. والمعنيّ بالتام أن يكون الكلام مشتملا على المستثنى منه ، وبالموجب ما لم يسبق بنفي أو استفهام أو نهي. الثانية : أن يكون ما قبلها غير تام وغير موجب ، فيعرب بالمستثنى بحسب ما يقتضيه العامل ولا عمل لإلا فيه. ومن ثم يسمى هذا الاستثناء مفرّغا لأن ما قبل إلا تفرغ أي تسلط للعمل فيما بعدها ، تقول : ما جاء إلا زيد فترفع زيدا بجاء وما رأيت إلا زيدا فتنصبه برأيت ، وما مررت إلا بزيد فتجره بالباء ، فصار الحكم معها كالحكم بدونها. وعن هذه الحالة احترز بقوله : تمّ الكلام عنده.

الثالثة : أن يكون ما قبله تاما غير موجب ، وإليه أشار بقوله :

(وإن يكن فيما سوى الإيجاب

فأوله الإبدال في الإعراب)

يعني وإن يكن المستثنى مسبوقا بكلام تام في غير الإيجاب وهو النفي وشبهه من نهي أو استفهام إنكاري فأوله الإبدال أي فأعطه إياه بأن تجعل

٩٤

المستثنى تابعا للمستثنى منه في إعرابه بدلا أي بدل بعض من كل عند البصريين نحو : ما قام القوم إلا زيد ، بالرفع على الإبدال. وما مررت بأحد إلا زيد بالجر وهو غير متعين بل يجوز النصب أيضا على الاستثناء. وقد قرىء بهما في : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ)(١). نعم الإبدال راجح فيما إذا كان الاستثناء متصلا كما مثلناه مرجوح فيما إذا كان منقطعا ، وأمكن تسلط العامل على المستثنى كما في قوله :

وبلدة ليس بها أنيس

إلا اليعافير (وإلا العيس)

فإن لم يمكن ذلك نحو : (ما زاد هذا المال إلا ما نقص) تعين النصب إجماعا. والمتصل ما كان فيه المستثنى من جنس المستثنى منه بخلاف المنقطع. ومحل قوله فأوله الإبدال إذا لم يتقدم المستثنى على المستثنى منه ، فإن تقدم امتنع الإبدال وتعين النصب كما سيأتي.

(تقول ما الفخر إلا الكرم

وهل محل الأمن إلا الحرم)

ظاهره : أنه مثال للمستثنى المسبوق بكلام تام غير موجب فيكون ما بعد إلا بدلا وليس كذلك لأن الاستثناء فيه من كلام غير تام فهو مثال للاستثناء المفرغ ولم يتعرض الناظم لحكمه فالفخر مبتدأ وما بعده إلا خبره ، ومثله ما بعده.

______________________________________________________

(قوله : وإلا العيس) فأبدل اليعافير والعيس من أنس ، وإلا الثانية مؤكدة للأولى. واليعافير : جمع يعفور بفتح الياء وهو ولد البقرة الوحشية. والعيس بكسر العين : الإبل البيض المخلوط بياضها بشقرة واحدة أعيس والأنثى عيساء بينة العيس بفتحتين. ويقال : هي كرائم الإبل. ا ه.

(قوله : ما زاد هذا المال إلا ما نقص) :

وما نفع زيد إلا ما ضر

إذ لا يقال : زاد النقص ونفع الضر ، وحيث وجد شرط جواز الإبدال فالأرجح النصب عندهم. ا ه أشموني.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٦٦.

٩٥

(وإن تقل لا رب إلا الله

فارفعه وارفع ما جرى مجراه)

أشار بهذا البيت إلى أن ما تعذر فيه الإبدال على اللفظ لوجود مانع يبدل على المحل نحو : لا رب إلا الله ، بالرفع على البدلية من محل اسم لا ، فإنه في موضع رفع بالابتداء قبل دخولها وبالنصب على الاستثناء وخبر لا محذوف تقديره : لا رب في الوجود إلا الله. وإنما لم ينصب على البدلية باعتبار اللفظ لأن لا لا تعمل في معرفة ولا موجب ومثله : لا إله إلا الله. وقد استشكل الإبدال من المحل بأن الرافع للمحل قد زال بدخول الناسخ ولو اعتبر لا مع اسمها إذ هما في محل الابتداء عند سيبويه لم يتوجه عليه دخول لا على المعرفة. واختار أبو حيان أن الاسم الكريم بدل من الضمير المستتر في الخبر المحذوف. ومما يتعين فيه الإبدال على المحل تابع المجرور بمن الزائدة نحو : ما في الدار من أحد إلا زيدا ، بنصب زيد على الاستثناء وبرفعه على البدلية حملا على المحل. ولا يجوز جره حملا على اللفظ لأن من الزائدة لا تجر المعرفة.

(وانصب إذا ما قدم المستثنى

تقول هل إلا العراق مغني)

يشير إلى أن محل جواز الإبدال في التام غير الموجب إذا لم يتقدم المستثنى على المستثنى منه ، فإن تقدم امتنع الإبدال ووجب النصب على الاستثناء كقوله :

وما لي إلا آل أحمد شيعة

وما لي إلا مذهب الحق مذهب

ومنه ما مثل به في قوله : «تقول هل إلا العراق مغني» أصله : هل مغني لنا إلا العراق. يقال : غنى بالمكان كرضى إذا أقام به ، والمعنى : هل لنا منزل إلا العراق. وإنما امتنع الإبدال لأن التابع لا يتقدم على متبوعه وأما إذا تقدم المستثنى على صفة منه نحو : ما جاءني أحد إلا زيد خير منك ، فمذهب سيبويه جواز الإتباع بدلا والنصب على الاستثناء ، والاتباع عنده أرجح للمشاكلة وعند المازني (وجوب النصب) ، وعند المبرد اختياره ، وعند ابن مالك استواؤهما.

______________________________________________________

(قوله : وجوب النصب) لأن تقدمه على الصفة كتقدمه على الموصوف. ا ه.

٩٦

(وإن تكن مستغنيا بما عدا

وما خلا أو ليس فانصب أبدا

تقول جاءوا ما عدا محمدا

وما خلا عمرا وليس أحمدا)

إذا استثنيت بما خلا وما عدا وجب نصب المستثنى بهما على أنه مفعول به لتعين فعليتهما بعد ما لأن ما المصدرية لا يليها حرف جر وفاعلهما ضمير عائد إلى البعض المفهوم من الكل السابق ، وجوّز بعضهم جر المستثنى بهما على تقدير ما زائدة وهو شاذ لأنه لم يعهد زيادة ما قبل حرف الجر وإنما عهدت بعده وموضع ما وصلتها نصب بلا خلاف وإنما الخلاف هل هو على الحال أو الظرفية على حذف مضاف فتقدير جاءوا ما عدا محمدا مثلا أي مجاوزين محمدا أو وقت مجاوزتهم محمدا.

وأما المستثنى بليس نحو جاءوا ليس أحمد فهو واجب النصب لأنه خبرها واسمها ضمير مستتر فيها عائد على البعض المفهوم من الكل السابق أي ليس هو أي بعض الجائين أحمد.

واختلف في جملة الاستثناء هل لها محل فقيل محلها نصب على الحالية ، وقيل لا لأنها مستأنفة وصححه ابن عصفور.

ومثل ليس لا يكون نحو : قام القوم لا يكون زيدا ، وقد تقدم أنه يستثنى بخلا وعدا وحاشا نواصب للمستثنى أو خوافض له. قال أبو حيان : والأفعال التي يستثنى بها لا تقع في المنقطع. لا يقال : ما في الدار أحد خلا حمارا.

(وغير إن جئت بها مستثنية

جرت على الإضافة المستولية

وراؤها يحكم في إعرابها

مثل اسم إلا حين يستثنى بها)

الأصل في غير أن تستعمل صفة إذ هي بمعنى مغاير كمررت برجل غير زيد ، وقد تخرج عن الصفة وتتضمن معنى إلا في الاستثناء فيستثنى بها حملا عليها. والمستثنى بها مجرور بإضافتها إليه ولا يخرج عن الجر أصلا لملازمتها الإضافة المستولية عليها ويجب في لفظ غير أن يعرب بما كان يعرب به المستثنى بإلا ، وقد عرفت تفصيله فيجب نصب غير على الحالية بعد الكلام التام الموجب نحو : قام القوم غير زيد ، ويكون على حسب العوامل بعد الكلام المنفي غير التام نحو : ما قام زيد ، وما رأيت غير زيد ، وما مررت بغير زيد ، ويترجح

٩٧

الإبدال على النصب في الكلام التام الغير الموجب إذا كان الاستثناء متصلا ولم يتقدم المستثنى نحو ما قام القوم غير زيد ، وما رأيت القوم غير زيد ، وما مررت بالقوم غير زيد. فإن تقدم وجب النصب نحو : ما قام غير زيد أحد ، ولم يتعرض الناظم لسوى لأنها عند سيبويه والجمهور لا تكون إلا ظرفا ولا تخرج عنه إلا في الضرورة ومذهب الزجاج واختاره ابن مالك أنها كغير معنى وإعرابا وجزم به ابن هشام في القطر ، وصححه في الشذوذ.

قال ابن مالك : وإنما اخترت غير ما ذهبوا إليه لأمرين ، أحدهما : إجماع أهل اللغة على أن معنى قولك : قاموا سواك وقاموا غيرك واحد فإن أحدا لا يقول : إن سوى هنا عبارة عن مكان أو زمان وما لا يدل على ذلك فهو بمعزل عن الظرفية. ثانيهما : أن من يحكم بظرفيتها يحكم بلزومها إياها وأنها لا تنصرف. والواقع في كلام العرب نظما ونثرا (خلاف ذلك) فإنها (قد أضيف إليها) وابتدىء بها وعملت فيها (نواسخ الابتداء) ونحوها من (العوامل اللفظية) انتهى. وقد نظر فيه من أوجه ليس هذا موضع ذكرها.

______________________________________________________

(قوله : خلاف ذلك) فوقعت فاعلا في قوله :

ولم يبق سوى العدوا

ن دناهم كما دانوا

(قوله : قد أضيف إليها) كقوله :

فإنني والذي يحج له الن

اس بجدوى سواك لم أثق

(قوله : نواسخ الابتداء) كقوله :

أأترك ليلى ليس بيني وبينها

سوى ليلة إني إذا لصبور ا ه

(قوله : العوامل اللفظية) كما في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «دعوت ربي أن لا يسلط على أمتي عدوا من سوى أنفسهم» ا ه.

٩٨

(باب لا النافية للجنس)

(وانصب بلا في النفي كل نكرة

كقولهم لا شك فيما ذكره

وإن بدا بينهما معترض

فارفع وقل لا لأبيك مبغض)

تعمل لا عمل إن من نصب الاسم ورفع الخبر إذا قصد بها نفي الجنس على سبيل الاستغراق ولم يدخل عليها جار وكان اسمها نكرة متصلة بها وخبرها أيضا نكرة ، فلو قصد بها نفي الوحدة أو كان نفيها إياه على سبيل الاحتمال لم تعمل هذا العمل وكذا لا عمل لها إن دخل عليها جارّ نحو : جئت بلا زاد.

ولو كان مدخولها معرفة أو نكرة منفصلة عنها (وجب إهمالها) وتكرارها فيرتفع ما بعدها على الابتداء نحو : لا زيد في الدار ولا بكر ولا فيها غول ولا هم عنها ينزفون. وأما نحو قضية ولا أبا حسن لها ، فمؤول وعملها على خلاف القياس لكن ورد السماع به فإن أفردت عملت وجوبا وإلا جوازا ، لكن إنما يظهر نصب الاسم إذا كان مضافا نحو : لا صاحب علم ممقوت أو شبيها به بأن يكون عاملا فيما بعده عمل الفعل نحو : لا حسنا وجهه مذموم ، ولا طالعا جبلا حاضر ، ولا راغبا في الشر محمود. فإن كان اسمها مفردا بني معها على ما ينصب به لو كان معربا. ونعني بالمفرد هنا ما ليس مضافا ولا شبيها به فدخل المفرد وجمعالتكسير والمثنى والمجموع على حدة وجمع المؤنث السالم.

فالمفرد وجمع التكسير يبنيان على الفتح نحو : لا رجل ولا رجال ، لأن نصبهما به.

والمثنى والمجموع على حده يبنيان على الياء نحو : لا رجلين ولا قائمين ، لأن نصبهما بها.

______________________________________________________

(قوله : وجب إهمالها) أي لضعفها بالفصل ووجب حينئذ تكرارها تنبيها على نفي الجنس الذي هو تكرار للنفي كما يجب مع المعرفة جبرا لما فاتها من نفي الجنس ، وأجاز المبرد وابن كيسان عدم تكرار لا فيهما. ا ه.

٩٩

وأما جمع المؤنث السالم فيبنى على الكسر أو الفتح نحو : لا مسلمات ، وعلة بناء اسم لا تضمنه معنى من. وقيل : تركبه معها تركيب خمسة عشر وإنما بني معها على ما ينصب به ليكون البناء على ما استحقه ذلك الاسم النكرة في الأصل قبل البناء ، وإنما لم يبن المضاف ولا الشبيه به لأن الإضافة ترجح جانب الاسمية فيرد الاسم بسببها إلى ما يستحقه في الأصل من الإعراب. وما اقتضاه كلام الناظم من أن اسم لا منصوب بها نصب إن المشددة مفردا كان أو غيره هو مذهب كوفي ، والراجح ما ذكرناه من التفصيل.

(وارفع إذا كررت نفيا وانصب

أو غاير الإعراب فيه تصب

تقول : لا بيع ولا خلال

فيه ولا بيع ولا خلال)

إذا تكررت (لا) مع النكرة نحو : لا بيع ولا خلال ، ومثله : لا حول ولا قوة. جاز لك في جملة التركيب خمسة أوجه وذلك لأنه يجوز في النكرة الأولى وجهان : الفتح والرفع ، فإن فتحتها جاز لك في الثانية ثلاثة أوجه : الفتح والرفع والنصب ، وإن رفعتها فلك في الثانية وجهان : الرفع والفتح. ويمتنع النصب فتحصل أنه يجوز رفع الاسمين على إلغاء (لا) وإعمالها عمل ليس ، وفتحهما على إعمالها عمل (إن) وفتح الأول ورفع الثاني وبالعكس ، وفتح الأول ونصب الثاني على جعل (لا) الثانية زائدة ، وعطف الاسم بعدها على محل اسم (لا) قبلها. وهذه الأوجه الخمسة مستفادة من كلامه أما رفعهما وفتحهما فمستفادان من النصف الأول ، وأما البقية فمن الثاني إذ المغايرة تصدق بها غاية ما فيه إطلاق النصب بمعنى الفتح تارة ، وعلى ما يصحبه تنوين تارة أخرى. ويوجد في بعض النسخ :

(وإن تشأ فافتحهما جميعا

ولا تخف ردّا ولا تقريعا)

وهذا لا يحتاج إليه للاستغناء عنه بما قبله إذ يلزم عليه التكرار أو أن يكون رفع الاسمين مسكوتا عنه ، وأما إذا لم تتكرر (لا) مع النكرة مثل : لا رجل وامرأة ، وجب فتح الأولى ، وجاز في الثانية الرفع والنصب.

١٠٠