كشف النّقاب عن مخدرات مليحة الإعراب

عبد الله بن محمّد أحمد الفاكهي

كشف النّقاب عن مخدرات مليحة الإعراب

المؤلف:

عبد الله بن محمّد أحمد الفاكهي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٦

قانِتُونَ)(١) ، وما رجل في الدار ، (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ)(٢) ، وخمس صلوات كتبهن الله. والأصل في المبتدأ أن يكون متقدما عن الخبر ، وقد يتأخر نحو : في الدار زيد ، وأين زيد. لكن عبارة النظم قد توهم أن من شرط المبتدأ أن يكون مقدما والأصل أن يخبر عن المبتدأ الواحد بخبر واحد كما مر. وقد يخبر عنه باثنين فأكثر وإن اختلف الجنس نحو : (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى)(٣) ، ونحو : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦))(٤). وترفع كلها على الخبرية. ولهذا أتى الناظم بصيغة الجمع في قوله : فارفعه ، والأخبار عنه. ويجوز كسر الهمزة من الإخبار عنه ، ومتى أخبر عن المبتدأ وجب مطابقة الخبر له إفرادا أو تثنية أو جمعا ، تذكيرا أو تأنيثا نحو : أنا قائم ، وأنت قائمة ، وأنتما قائمان ، أو قائمتان ، ونحن قائمون ، وأنتن قائمات ، وهو قائم ، وهي قائمة ، وهما قائمان ، أو قائمتان ، وهم قائمون ، وهن قائمات.

(ولا يحول حكمه متى دخل

(لكن على جملته وهل وبل)

يعني أن المبتدأ لا يتغير حكمه من الرفع بدخول شيء من الأدوات التي لا تعمل على جملته ، أي جملة المبتدأ مع خبره وإن غير المعنى كلكن الخفيفة وبل وهل نحو : هل زيد قائم ، وبل عمرو قاعد ، ولكن خالد جالس ، بخلاف ما إذا كانت تلك الأدوات عاملة كإنّ وأخواتها فإنها تنسخ حكمه كما سيأتي.

(وقدم الأخبار إذا تستفهم

كقولهم أين الكريم المنعم

ومثله كيف لمريض (الدنف)

وأيها الغادي متى المنصرف)

الأصل في الخبر أن يتأخر عن المبتدأ لأنه وصف له في المعنى ، وحق

______________________________________________________

(قوله : الدنف) بكسر النون وفتحها يقال : أدنفه المرض وأدنف المريض إذا لازمه المرض فهو يتعدى ولا يتعدى. ا ه.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١١٦.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٢٢١.

(٣) سورة طه ، الآية ٢٠.

(٤) سورة البروج ، الآيات ١٤ ـ ١٦.

٦١

الوصف أن يكون متأخرا عن الموصوف ، وقد يتقدم عليه إما جوازا وذلك حيث لم يعرض ما يمنع من تقديمه نحو : في الدار زيد. ومنه قولهم : تميمي أنا ، ومشنأ من يشنؤك. وإما وجوبا وذلك إذا عرض له ما يوجب ذلك ، فمن ذلك أن يكون متضمنا لما له صدر الكلام كالاستفهام نحو أين الكريم فأين خبر مقدم وجوبا لتضمنه الاستفهام لأنه سؤال عن المكان ومثله كيف المريض المدنف ، ومتى المنصرف فكيف خبر مقدم ، وكذلك متى وما بعدهما مبتدأ مؤخر ووجب تقديمهما لتضمنهما الاستفهام إذ الأول سؤال عن الحال والثاني عن الزمان. ومن ذلك أن يكون تقديمه مصححا للابتداء بالنكرة نحو : في الدار رجل ، وعندك مال ، وقصدك غلامه رجل ، إذ لو أخر الخبر في هذه الأمثلة لما صح الابتداء بالنكرة ومن ذلك أن يعود ضمير متصل بالمبتدأ على بعض متعلق الخبر أو على مضاف إليه الخبر نحو على التمرة مثلها زيدا. وقوله :

(عليّ ولكن) ملء عين حبيبها

إذ لو أخر الخبر للزم عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة وهو لا يجوز ولم يتعرض الناظم لوجوب تأخير الخبر كما إذا كان المبتدأ اسم استفهام أو شرط نحو : من في الدار ، ومن يقم أقم معه ، أو مقرونا بلام الابتداء نحو : لزيد قائم ، أو أخبر عنه بفعل مسند إلى ضميره نحو : زيد قام ، أو كان المبتدأ والخبر متساويين تعريفا وتنكيرا. ولا قرينة نحو : أفضل منك أفضل مني ، إذ لو قدم الخبر لما علم المخبر عنه.

(وإن يكن بعد الظروف الخبرا

فأوله النصب ودع عنك المرا

تقول زيد خلف عمرو قعدا

والصوم يوم السبت والسير غدا)

الأصل في الخبر أن يكون مفردا وقد يقع جملة مشتملة على رابط يربطها بالمبتدأ الذي سيقت له كزيد أبوه قائم ، وعمرو قام أخوه. إلا إذا كانت نفس المبتدأ في المعنى فلا تحتاج إلى رابط لفظي اكتفاء بها عنه نحو : (قُلْ هُوَ اللهُ

______________________________________________________

(قوله : عليّ ولكن إلخ) صدره :

أهابك إجلالا وما بك قدرة

عليّ ولكن ملء عين حبيبها ا ه

٦٢

أَحَدٌ (١))(١) وقد يقع ظرفا نحو : والركب أسفل منكم. وجارا ومجرورا نحو : (الْحَمْدُ لِلَّهِ)(٢) ، وإذا وقعا خبرين فلا بد لهما من محذوف يتعلقان به وذلك المحذوف هو الخبر في الحقيقة وأطلق عليهما اسم الخبر لنيابتهما عنه ولهذا لا يجمع بينهما إلا (شذوذا) وهو عامل النصب في لفظ الظرف كما يرشد إليه قوله. فأوله النصب وفي محل الجار والمجرور.

واختلف فيه هل هو اسم أو فعل ، فمن قدر الاسم كان الإخبار بهما من قبيل الإخبار بالمفرد ، ومن قدر الفعل كان من قبيل الإخبار بالجملة. ثم الظرف على قسمين مكاني وزماني ، فظرف المكان يخبر به عن اسم الذات نحو : زيد أمامك ، وعن اسم المعنى نحو : الخير عندك. وظرف الزمان يخبر به عن اسم المعنى إذا كان الحدث غير مستمر نحو : الصوم يوم السبت والسير غدا. ولا يخبر به عن اسم الذات فلا يقال : زيد اليوم ، لعدم الفائدة فإن حصلت جاز نحو : نحن في شهر كذا أو في زمان طيب.

وأما تمثيل الناظم بقوله : زيد خلف عمرو قعدا ، فليس من باب الإخبار بالظرف بل بالجملة الفعلية والظرف لغو ، وها هنا فوائد ذكرتها في شرحي على القطر فمن أحبها فليراجعه.

(وإن تقل أين الأمير جالس

وفي فناء الدار بشر مائس

فجالس ومائس قد رفعا

وقد أجيز الرفع والنصب معا)

إذا وجد مع المبتدأ اسم وظرف أو جار ومجرور وكل من الاسم والظرف والجار والمجرور صالح للخبرية بأن حسن السكوت عليه جاز جعل كل منهما حالا والآخر خبرا لكن إن تقدم الظرف أو الجار والمجرور على الاسم كما مثل اختير عند سيبويه والكوفيين حالية الاسم ، وإن لم يتقدم اختير عندهم خبرية

______________________________________________________

(قوله : شذوذا) كقوله :

لك العز إن مولاك عز وإن يهن

فأنت لدى بحبوحة الهون كائن ا ه

__________________

(١) سورة الإخلاص ، الآية ١.

(٢) سورة الفاتحة ، الآية ٢.

٦٣

الاسم نحو : بشر مائس في فناء الدار ، فإن كرر الظرف أو الجار والمجرور فالأرجح حالية الاسم تقدم الظرف أو تأخر لورود القرآن به نحو : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها)(١) ، فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها. وأوجب الكوفيون النصب فإن كان الظرف أو الجار والمجرور غير مستغنى عنه تعين خبرية الاسم وحالية الظرف تكرر أم لا نحو : فيك زيد راغب فيك ، وزيد راغب فيك ، وإن اجتمع ظرفان تام وناقص جاز الرفع والنصب في الاسم سواء بدأت بالتام نحو : إن عبد الله في الدار بك واثقا ، أو واثق. أو بالناقص نحو :إن فيك عبد الله في الدار راغبا أو راغب.

__________________

(١) سورة هود ، الآية ١٠٨.

٦٤

(باب اشتغال العامل عن المعمول بضميره)

(وهكذا إن قلت زيد لمته

وخالد ضربته وضممته

فالرفع فيه جائز والنصب

كلاهما دلت عليه الكتب)

إذا تقدم اسم معرفة وتأخر عنه فعل أو شبهه عامل في ضمير الاسم المتقدم أو في اسم مضاف إلى ضميره كما في : زيد ضربت أخاه ، جاز لك في ذلك الاسم المتقدم رفعه ونصبه كما جاز رفع جالس مثلا ونصبه فيما تقدم وإن اختلفت جهة الرفع والنصب.

فإذا قلت : زيدا لمته مثلا ، جاز لك رفع زيد على الابتداء. فالجملة بعده في محل رفع على أنهما خبره ونصبه على المفعولية بإضمار عامل وجوبا موافق للمذكور فلا موضع للجملة حينئذ بعده لأنها مفسرة والرفع أرجح لعدم احتياجه إلى تقدير ، نعم لو كان الفعل المتأخر دالا على الطلب فالنصب أرجح نحو : زيدا اضربه ، لأن الرفع يستلزم الإخبار بالطلب عن المبتدأ وهو خلاف القياس بل منعه بعضهم وأوّل البعض ما ورد من ذلك ، ولو كان الاسم المتقدم نكرة تعين النصب نحو : رجلا أكرمته.

٦٥

(باب الفاعل)

(وكل ما جاء من الأسماء

عقيب فعل سالم البناء

فارفعه إذ تعرب فهو الفاعل

نحو جرى الماء وجار العامل)

الفاعل اسم أو ما في تأويله أسند إليه فعل تام أو ما في تأويله مقدم أصلي المحل والصيغة. فالاسم نحو : جرى الماء ، وجار العامل. والمؤوّل به نحو قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ)(١). والفعل كما مثلنا والمؤول به نحو قوله : مختلف ألوانه ، وقوله : مقدم مخرج لنحو زيد قام ، فإن زيدا ليس بفاعل كما يفهمه قوله عقيب فعل ، بل مبتدأ وما بعده خبره لكن تعبيره بعقيب يوهم أنه لا يجوز الفصل بين الفعل وفاعله وليس كذلك كما سيأتي.

وقولنا : أصلي المحل ، مخرج لنحو : قائم زيد ، فإن المسند وهو قائم أصله التأخير لأنه خبر وذكر الصيغة مخرج لنحو : ضرب زيد ، بضم أوله وكسر ثانيه لأنها صيغة مفرعة عن ضرب بفتحهما وهو معنى قول الناظم : عقيب فعل سالم البناء ، أي لم يتغير بناؤه للإسناد إلى المفعول.

وقوله : فارفعه ، أشار به إلى أن حكمه الرفع ورافعه هو ما أسند إليه من فعل أو شبهه ، وقد يجر الفاعل لفظا بحرف زائد نحو : (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ)(٢). أو بإضافة مصدر نحو : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ)(٣) ، وشذ نصبه ورفع المفعول نحو : خرق الثوب المسمار.

وقوله : إذ تعرب للتنبيه ، على أن الرفع إنما يظهر فيه أو يقدر إذا كان معربا وإلا فيقال : في محل رفع. وأشار بتعداد المثال إلى أنه لا فرق بين الإسناد الحقيقي والمجازي ولا فرق بين الفعل المعتل والصحيح ، ولا بين أن يكون الفعل واقعا منه أو قائما به.

__________________

(١) سورة العنكبوت ، الآية ٥١.

(٢) سورة المائدة ، الآية ١٩.

(٣) سورة البقرة ، الآية ٢٥١.

٦٦

(ووحد الفعل مع الجماعة

كقولهم سار الرجال الساعة)

أي جرّد الفعل على الأفصح من علامة الجمع إذا أسندته إلى فاعل ظاهر مجموع كما تجرده إذا أسندته للواحد نحو : سار الرجال. ومنه : قال الظالمون ، وقال نسوة.

بخلاف ما إذا أسندته إلى ضمير مجموع نحو : الزيدون قاموا أو النسوة قمن.

وكالجمع المثنى فيقال : قام رجلان ولا يقال على الأفصح : قاما رجلان ، ومن العرب من يلحق الفعل الألف والواو والنون على أنها ليست ضمائر وإنما هي علامات للفاعل كالتاء في نحو : قامت هند. وإنما وجب تجريده على اللغة الفصحى لأن تثنية الاسم وجمعه يعلمان من لفظه دائما بخلاف تأنيثه فإنه قد لا يعلم من لفظه مع أن في الإلحاق هنا زيادة ثقل بخلافه. ثم :

(وإن تشأ فزد عليه التاء

نحو اشتكت عراتنا الشتاء)

يعني : أنك إذا وجدت الفعل عند إسناده إلى الفاعل الظاهر المجموع فأنت بالخيار في إلحاقه علامة التأنيث ، فإن شئت قلت : جاء الرجال ، بالتذكير على التأويل بالجمع ، أو جاءت الرجال بالتأنيث على التأويل بالجماعة. ومنه اشتكت عراتنا الشتاء.

وشمل كلامه جمع التكسير لمذكر أو مؤنث واسم الجمع كقامت النساء ، واسم الجنس الجمعي كأورقت الشجر وكذا جمع المؤنث السالم كقامت الهندات ، وجمع المذكر السالم كقام الزيدون. وفي هذين خلاف ، والصحيح أنهما كمفرديهما فيجب التأنيث في نحو : قامت الهندات كما يجب في نحو : قامت هند. ويجب التذكير في نحو : قام الزيدون ، كما يجب في نحو : قام زيد.

ولما ذكر أن الفعل إذا أسند إلى جمع تلحقه تاء التأنيث أراد أن يبين مواضع لزومها فقال :

(وتلحق التاء على التحقيق

بكل ما تأنيثه حقيقي)

إذا أسند الفعل إلى مفرد ظاهر حقيقي التأنيث ، وهو ما له فرج غير

٦٧

مفصول ولا مراد به الجنس ، لحقته وجوبا تاء ساكنة تدل على تأنيث فاعله.

(كقولهم جاءت سعاد ضاحكة

وانطلقت ناقة هند (راتكة))

ومنه قوله تعالى : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ)(١) ، (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ)(٢) بخلاف ما لو كان مجازي التأنيث كطلعت الشمس ، أو مفصولا من عامله نحو : قامت اليوم هند وحضرت القاضي امرأة. أو مراد به الجنس نحو : نعمت المرأة هند ، جاز إلحاق التاء وعدمها والإلحاق أرجح ويجب إلحاقها أيضا إذا أسند الفعل إلى ضمير متصل عائد إلى مؤنث حقيقي كهند قامت ، أو مجازي كالشمس طلعت. وأما قوله :

(فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل إبقالها)

فضرورة. وقوله : راتكة بالتاء المثناة من فوق هو من قولهم : رتك البعير إذا انطلق راكضا محركا أعجازه.

(وتكسر التاء بلا محالة

في مثل قد أقبلت الغزالة)

يعني أن تاء التأنيث اللاحقة للفعل أصل وضعها أن تكون ساكنة وقد يعرض لها ما يخرجها عن الأصل كما إذا وليها ساكن فحينئذ تحرك بالكسر لالتقاء الساكنين كما مثل أو بالضم نحو : (وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَ)(٣).

______________________________________________________

(قوله : راتكة) منصوب على الحال من الفاعل يقال : رتك البعير من باب نصر إذا انطلق راكضا محركا أعجازه. والرتكان ضرب من السير فيه اهتزاز لا يكاد يوجد إلا في الإبل. قاله الخليل ، ا ه.

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٣٥.

(٢) سورة يوسف ، الآية ٥١.

(٣) سورة يوسف ، الآية ٣١.

٦٨

(باب ما لم يسم فاعله)

(واقض قضاء لا يرد قائله

بالرفع فيما لم يسم فاعله

من بعد ضم أول الأفعال

كقولهم يكتب عهد الوالي)

أي احكم للمفعول الذي لم يذكر فاعله بالرفع إقامة له مقامه ، أو احكم بعمل الرفع في المفعول لفعل ما لم يذكر فاعله. ولما كان ذلك متوقفا على تغيير صيغة الفعل قال : من بعد ضم أول الأفعال. فإذا أريد إسناد الفعل المتصرف إلى نائب الفاعل ضم أوله لفظا أو تقديرا ماضيا كان أو مضارعا ، وهذا ما اقتصر عليه. ولا بد مع ذلك من كسر ما قبل آخره في الماضي لفظا أو تقديرا وفتحه كذلك في المضارع ، فإن كان مفتوحا في الأصل بقي عليه وكذا إن كان أوله مضموما في الأصل بقي عليه. ثم ترفع النائب كما ترفع الفاعل وتعطيه سائر أحكامه من وجوب التأخر عن العامل واستحقاقه للاتصال به وتأنيث العامل لتأنيثه فقولك : ضرب زيد مثلا أصله : ضرب عمرو زيدا ، حذف الفاعل وأقيم المفعول به مقامه فارتفع فحصل اللبس لأنه لا يعلم هل الفعل مبني للفاعل أو المفعول ، فغيرت الصيغة عما كانت عليه لأمن اللبس فإن لم يوجد في اللفظ مفعول به ناب عن الفاعل ما اختص وتصرف من ظرف نحو : صيم رمضان ، أو جار ومجرور نحو : (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ)(١) ، أو مصدر نحو : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣))(٢).

(وإن يكن ثاني الثلاثي ألف

فاكسره حين تبتدي ولا تقف

تقول : بيع الثوب والغلام

وكيل زيت الشام والطعام)

إذا أريد بناء الماضي الثلاثي المعتل العين لما لم يسم فاعله كسر أوله فقلبت ألفه ياء سواء كانت منقلبة عن واو أو ياء فتقول في باع ، وقال بيع ،

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ١٤٩.

(٢) سورة الحاقة ، الآية ١٣.

٦٩

وقيل : أصلهما بيع. وقول : نقلت حركة الياء والواو لاستثقالهما إلى ما قبلهما بعد سلب حركته فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فصار بيع. وقيل : وما ذكره الناظم هو اللغة الفصحى ، ومن العرب من يكسر أوله مشما ضما تنبيها على أن الضم هو الأصل والإشمام تهيئة الشفتين للتلفظ بالضم من غير تلفظ به. ومن العرب من يقول : بوع ، وقول بالواو الساكنة وضم الأول وهو قليل ، ومنه قوله :

ليت شبابا بوع فاشتريت

وأما المضارع منه فإن عينه نقلت ألفا ، واوا كانت أو ياء ، فتقول في يقول : ويبيع ، يقال : ويباع. إذ أصلهما يقول ويبيع ، فنقلت حركة العين إلى ما قبلها ثم قلبت العين ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها الآن فصار يقال : ويباع.

٧٠

(باب المفعول به)

(والنصب للمفعول حكم أوجبا

كقولهم صاد الأمير أرنبا)

المفعول به ما وقع عليه فعل الفاعل كما مثل به ، فأرنب مفعول به لوقوع فعل الفاعل عليه وهو الصيد. والمراد بوقوع الفعل تعلقه بشيء من غير واسطة بحيث لا يعقل إلا بعد تعقل ذلك الشيء فدخل نحو : ما ضربت زيدا ولا تضرب عمرا. وعلامة المفعول به أن يخبر عنه باسم مفعول تام من لفظ مصدر ما عمل فيه كضربت زيدا ، وركبت الفرس ، إذ يصح أن يقال : زيد مضروب ، والفرس مركوب. وحكمه النصب كما أن حكم الفاعل الرفع. وسبب ذلك أن الفاعل لا يكون إلا واحدا بخلاف المفعول والرفع أثقل والفتح أخف ، فأعطوا الأقل الأثقل والأخف الأكثر ليكون ثقل الرفع موازنا لقلة الفاعل وخفة الفتحة موازنة لكثرة المفعول.

(وربما أخر عنه الفاعل

نحو قد استوفى الخراج العامل)

الأصل تأخير المفعول عن الفعل والفاعل ، وقد يتوسط بينهما إما جوازا كما مثل به ، ومنه : (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١))(١). وإما وجوبا كما إذا اتصل بالفاعل ضمير المفعول نحو : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ)(٢) أو كان المفعول ضميرا متصلا بالعامل نحو : ضربني زيد. وقد يتقدم عليهما إما جوازا نحو : (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ)(٣) ، وإما وجوبا كما إذا كان له صدر الكلام نحو : (أَيًّا ما تَدْعُوا)(٤). وقد يجب ذلك الأصل وهو تأخيره عنهما كما أشار إليه بقوله :

(وإن تقل كلم موسى يعلى

فقدم الفاعل فهو الأولى)

إذا خيف التباس الفاعل بالمفعول لعدم ظهور الإعراب فيهما ، ولا قرينة تميز أحدهما عن الآخر وجب كون الأول فاعلا والثاني مفعولا وإن أوهم كلام

__________________

(١) سورة القمر ، الآية ٤١.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٢٤.

(٣) سورة البقرة ، الآية ٧٨.

(٤) سورة الإسراء ، الآية ١١٠.

٧١

الناظم خلافه لتعبيره بالأولى سواء كانا مقصورين نحو : كلم موسى يعلى ، أم اسمي إشارة نحو : ضرب هذا ذاك ، أم موصولين نحو : ضرب من في الدار من على الباب ، أم مضافين إلى ياء المتكلم نحو : ضرب غلامي صديقي. ولا يجوز في مثل هذه تقديم المفعول أيضا على العامل خوف الالتباس بالمبتدأ فإن وجدت قرينة لفظية نحو : ضربت عيسى سعدى ، أو معنوية نحو : أكل الكمثري موسى ، لم يجب التأخير.

واعلم أن الناصب للمفعول به إما فعل متعد كما مر أو صفة نحو : (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ)(١) ، أو مصدر نحو : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ)(٢) ، أو اسم فعل نحو : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ)(٣) ولما كان المفعول به ينصبه المتعدي أشار إليه مع التعريض إلى أن مطلق الفعل ينقسم إلى متعدّ ولازم بقوله :

(وكل فعل متعد ينصب

مفعوله مثل سقى ويشرب)

الفعل المتعدي هو ما يتجاوز الفاعل بنفسه إلى المفعول به فينصبه.

واللازم بخلافه. ومراد الناظم رحمه‌الله تعالى أن كل فعل ينصب المفعول به فهو متعد ، ففي عبارته قلب وإذ قصد تعدي اللازم إليه عدّي بحرف الجر أو الهمزة أو التضعيف. ومن النحاة من يثبت الواسطة فيجعل كان وكاد وأخواتهما لا توصف بلزوم ولا تعدّ ومنهم من يثبت قسما رابعا يوصف باللزوم والتعدي معا لاستعماله بالوجهين كشكر ونصح. فإنه يقول : شكرته وشكرت له ، ونصحته ونصحت له ، زاعما أنه لما تساوى فيه الاستعمالان صار قسما برأسه.

واعلم أن المتعدي على ثلاثة أقسام : متعد إلى واحد نحو : شرب زيد لبنا. ومتعد إلى اثنين نحو : سقى بكر خالدا سمنا. ومتعد إلى ثلاثة نحو : أعلمت زيدا عمرا فاضلا. والمتعدي إلى اثنين قد يكون الثاني منهما غير الأول كما مثلنا وقد يكون هو الأول في المعنى وهذا معقود له باب «ظننت وأخواتها» وإليه أشار بقوله :

__________________

(١) سورة الطلاق ، الآية ٣.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٢٥١.

(٣) سورة المائدة ، الآية ١٠٥.

٧٢

(باب ظننت وأخواتها)

(لكنّ فعل الشك واليقين

ينصب مفعولين في التلقين

تقول : قد خلت الهلال لائحا

وقد وجدت المستشار ناصحا

وما أظن عامرا رفيقا

ولا أرى لي خالدا صديقا

وهكذا تفعل في علمت

وفي حسبت ثم في زعمت)

ذكر الناظم سبعة أفعال من أفعال القلوب المتعدية إلى اثنين الثاني منهما هو عين الأول في المعنى إذ أصلهما المبتدأ والخبر ، فهذه السبعة وكذا كل ما تصرف من الماضي منها كما يومىء إليه قوله : وما أظن إلى آخره ، تدخل على المبتدأ والخبر بعد استيفاء فاعلها فتنصبهما مفعولين على التشبيه بأعطيت كالأمثلة التي ذكرها ، وإن كان الأصل أن لا تؤثر فيهما لأن العوامل الداخلة على الجملة لا تؤثر فيها وتسد مسدهما أنّ المفتوحة المشددة ومعمولاها ك : ظننت أن زيدا قائم ، وإن كان بتقدير اسم مفرد. وكذا تسد عنهما إن وصلتها نحو : (الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)(١).

وسميت أفعال القلوب لأن معانيها قائمة بالقلب.

وأفعال الشك واليقين لأن منها ما يفيد في الخبر شكا نحو : ظن وحسب وخال وزعم ، ومنها ما يفيد فيه يقينا نحو : وجد وعلم رأى. ويجوز فيها الإلغاء ، وهو إبطال عملها لفظا ومحلا لغير موجب إن تأخرت عن المفعولين نحو : زيد قائم ظننت ، أو توسطت نحو : زيد ظننت قائم. والأرجح الإلغاء مع التأخير والإعمال مع التوسط ، ويجب فيها أيضا التعليق وهو إبطال العمل لفظا لا محلا لموجب ككون أحد المفعولين اسم استفهام نحو : لنعلم أي الحزمين أحصى ، أو مضافا إليه نحو : علمت أبو من زيد ، أو مدخولة نحو : علمت أزيد قائم أم عمرو. أو ما النافية نحو : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ)(٢) أو لام

__________________

(١) سورة العنكبوت ، الآيتان ١ و ٢.

(٢) سورة الأنبياء ، الآية ٦٥.

٧٣

الابتداء نحو : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ)(١) ويجوز العطف بالنصب على الجملة المعلقة لأن محلها نصب كقوله :

وما كنت أدري قبل عزة ما البكا

ولا موجعات القلب حتى تولت

فعطف موجعات بالنصب على محل قوله : ما البكا ، ولا يجوز في هذه الأفعال حذف مفعوليها ولا أحدهما اقتصارا أي لغير دليل لأن أصلهما المبتدأ والخبر ويجوز الحذف اختصارا أي لدليل. فمن حذفهما معا قوله :

بأيّ كتاب أم بأية سنة

ترى حبهم عارا عليّ وتحسب

أي : تحسب حبهم عارا عليّ. ومن حذف الأول : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ)(٢) أي بخلهم ، ومن حذف الثاني قوله :

ولقد نزلت فلا تظني غيره

مني بمنزلة المحب المكرم

أي فلا تظني غيره واقعا مني.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٠٢.

(٢) سورة آل عمران ، الآية ١٨٠.

٧٤

(باب إعمال اسم الفاعل)

(وإن ذكرت فاعلا منوّنا

فهو كما لو كان فعلا بيّنا

فارفع به في لازم الأفعال

وانصب إذا عدى بكل حال)

اسم الفاعل هو ما اشتق من مصدر فعل لمن قام به على معنى الحدوث ، ويعمل عمل فعله المبني للفاعل فيرفع الفاعل فقط إن كان فعله لازما ، تقول : زيد مستو أبوه ، بالرفع ، من الاستواء ، مثل ما تقول في فعله اللازم : زيد يستوي أخوه.

وينصب المفعول أيضا إن كان فعله متعديا للواحد نحو : زيد ضارب أبوه عمرا. ومنه قوله : «وقل سعيد مكرم عثمانا* بالنصب مثل» ما تقول في فعله المتعدي : سعيد «يكرم الضيفانا». وينصب مفعولين إن كان فعله متعديا إلى اثنين نحو : سعيد معط خالدا درهما ؛ لكن صحة عمله عمل الفعل مشروطة بأمرين ، أحدهما : كونه بمعنى الحال أو الاستقبال لأنه حينئذ يشبه المضارع في الحركات والسكنات. وعدد الحروف والاحتمال لأحد الزمانين ودخول لام الابتداء. والثاني : اعتماده على استفهام نحو : أضارب زيد عمرا ، أو نفي نحو : ما مكرم خالد بشرا ، أو مخبر عنه نحو : زيد ضارب بكرا ، أو موصوف نحو : مررت برجل ضارب زيدا ، أو ذي حال نحو : جاء سعيد راكبا فرسا. فإن كان بمعنى الماضي أو لم يعتمد لم يعمل خلافا لبعضهم وهم الكوفيون. وأما قوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ)(١) فمحمول على إرادة حكاية الحال الماضية. ومعناه : يبسط ذراعيه بدليل و (نُقَلِّبُهُمْ)(٢). وأما :

خبير بنو لهب فلا تك ملغيا

مقالة لهيّ إذ الطير مرت

فعلى التقديم والتأخير. وإنما صح الإخبار بالمفرد عن الجمع لأن فعيلا

__________________

(١) سورة الكهف ، الآية ١٨.

(٢) سورة الكهف ، الآية ١٨.

٧٥

قد يستعمل للجماعة نحو : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (٤))(١). فإن وقع اسم الفاعل صلة لأل عمل عمل فعله مطلقا حالا كان أو مستقبلا أو ماضيا ، معتمدا أولا لوقوعه حينئذ موقع الفعل إذ حق الصلة أن تكون فعلا ك : جاء زيد أمس أو الآن أو غدا. وإذا استوفى اسم الفاعل المجرد أي عن اللام ما اشترط لصحة عمله جاز أن ينصب المفعول به وجاز إضافته إليه. وقد قرىء بالوجهين : (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ)(٢) ، (هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ)(٣). وإذا أضيف إلى ما بعده وأتبع جاز لك في التابع جره على اللفظ ونصبه على المحل نحو : هذا ضارب زيد وعمرو وعمرا.

__________________

(١) سورة التحريم ، الآية ٦.

(٢) سورة الطلاق ، الآية ٣.

(٣) سورة الزمر ، الآية ٣٨.

٧٦

(باب المصدر)

(والمصدر الأصل وأيّ أصل

منه يا صاح اشتقاق الفعل)

المصدر : اسم الحدث الجاري على الفعل وليس علما ، وهو أصل للفعل والوصف في الاشتقاق عند البصريين لوجوه مذكورة في كتبهم ، ولهذا سمي مصدرا لأن فعله صدر عنه أي أخذ منه. وقيل بعكس ذلك وهو مذهب الكوفيين وهو ضعيف لأن الفرع لا بد له من الأصل وزيادة ، ولا شك أن الفعل يدل على الحدث والزمان بل والذات التي قام بها الفعل ، ففيه زيادة على المصدر وهي فائدة الاشتقاق فيكون فرعا للمصدر.

(وأوجبت له النحاة النصبا

كقولهم ضربت زيدا ضربا)

المصدر إذا كان فضلة وسلط عليه عامل من لفظه وجب نصبه كما أشار إلى ذلك بالمثال وإلا فما كل مصدر يجب نصبه ومثله : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً)(١) ، (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١))(٢) ، (فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً)(٣) ، ويسمى حينئذ مفعولا مطلقا. ومنه عند بعضهم نحو : قعدت جلوسا ، ويعجبني قيامك وقوفا. وجزم به ابن هشام.

فإن سلط عليه عامل من غير لفظه لم يجز نصبه على أنه مفعول مطلق ، ثم إن المصدر المنصوب على المفعولية المطلقة يؤتى به في الكلام إما لقصد التوكيد كما مثلنا أو لبيان نوع عامله بأن دل على هيئة صدور الفعل ، إما باسم خاص نحو : رجع القهقرى ، أو بإضافة كضربت ضرب الأمير ، أو بوصف كضربت ضربا شديدا ، أو بلام العهد كضربت الضرب ، أو لبيان عدد عامله بأن دل على مرات صدور الفعل كضربت ضربتين أو ضربات. والأول لا يثنى ولا يجمع اتفاقا لكونه يشبه فعله من حيث إنه لم يزد عليه من حيث المعنى. والثالث

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١٦٤.

(٢) سورة الصافات ، الآية ١.

(٣) سورة الإسراء ، الآية ٦٣.

٧٧

يثنى ويجمع اتفاقا. وفي كون الثاني كالأول أو الثالث قولان أصحهما عند ابن مالك الثاني.

(وقد أقيم الوصف والآلات

مقامه والعدد الإثبات

نحو : ضربت العبد سوطا فهرب

واضرب أشد الضرب من يغشى الريب

واجلده في الخمر أربعين جلدة

واحبسه مثل حبس مولى عبده)

أي قد ينوب مناب المصدر في الانتصاب على أنه مفعول مطلق غيره لما فيه من الدلالة على المصدر ، فمن ذلك اسم الآلة كضربت العبد سوطا ، أي ضربا بسوط ، فحذف الجار توسعا وأضيف المصدر إلى الآلة ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانتصب. ومن ذلك صفة المصدر خلافا لسيبويه نحو : (وَكُلا مِنْها رَغَداً)(١) أي أكلا رغدا ، ومثله نحو : اضرب أشد الضرب ، أي ضربا أشد الضرب ، واحبسه مثل حبس مولى عبده ، أي حبسا مثل ، فحذف الموصوف اعتمادا على ظهور المراد. ومن ذلك اسم العدد نحو : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً)(٢) أي جلدا ثمانين. ومثله : اجلده في الخمر أربعين جلدة ، أي جلدا أربعين فحذف المصدر وأقيم العدد مقامه ، وتقييده نيابة العدد بالإثبات في النظم لم يظهر لي وجهه.

(وربما أضمر فعل المصدر

كقولهم سمعا وطوعا فاخبر

ومثله سقيا له ورعيا

وإن تشأ جدعا له وكيا)

المصدر ينتصب بمثله وبما اشتق منه من فعل أو وصف كما تقدم ، وأشار هنا إلى أن عامله قد يضمر أي يحذف وإضماره إما جوازا وذلك لقرينة لفظية نحو : حثيثا ، لمن قال : أيّ سير سرت. أو معنوية نحو : حجا مبرورا لمن قدم من الحج ، وسعيا مشكورا لمن سعى في مثوبة.

وإما وجوبا وهو على ضربين : سماعي وقياسي. فالأول كقولهم عند الأمر بفعل : سمعا لك وطاعة وحبا لك وكرامة ، أي أسمع لك سمعا وأطيع لك طاعة

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٣٥.

(٢) سورة النور ، الآية ٤.

٧٨

وأحبك حبا وأكرمك كرامة. ومثله في الدعاء لشخص : سقيا لك ورعيا ، أي سقاك الله سقيا ورعاك الله رعيا. وفي الدعاء عليه : جدعا له وكيا ، أي جدع الله أنفه وكواه. والجدع : قطع طرف الأنف. فهذه المصادر ونحوها منصوبة بأفعال مقدرة من جنسها تحفظ ولا يقاس عليها لعدم وجود ضابط كلي للحذف يعرف به لكن محل وجوب حذف عاملها عند استعمالها باللام كما مثلنا.

والثاني : في مواضع منها : أن يقع المصدر تفصيلا لعاقبة ما تقدمه نحو : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً)(١) ، فمنا وفداء منصوبات بفعل محذوف وجوبا ، أي فإما تمنون منا وإما تفدون فداء. ومنها : أن يقع نائبا عن فعل أخبر به عن اسم عين وكان مع ذلك مكررا نحو : زيد سيرا سيرا ، أي يسير سيرا. أو محصورا نحو : إنما أنت سيرا.

(ومنه قد جاء الأمير ركضا

واشتمل الصماء إذ توضأ)

أي ومن المصدر الذي أضمر عامله نحو : قد جاء الأمير ركضا ، أي يركض ركضا وأقبل زيد سعيا وإنما فصله عما قبله للخلاف فيه. فذهب بعضهم إلى أنه مفعول مطلق لفعل مقدر من لفظه وإليه جنح الناظم. وذهب بعضهم إلى أنه حال على حذف مضاف ، أي ذا ركض وذا سعي. والذي عليه سيبويه وجمهور البصريين أن مثل ذلك منصوب على الحال على تأويله بالمشتق ، أي راكضا وساعيا وهو الأوجه. ومنه : (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً)(٢) ، (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً)(٣) ، (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً)(٤).

ووقوع المصدر المنكر موقع الحال كثير في كلامهم ومع كثرته لا يقاس عليه.

وأما قوله : اشتمل الصماء ، فهو من أمثلة ما ناب فيه صفة المصدر منابه ، والأصل : الشملة الصماء. ومثله : قعد القرفصاء ، وليس هو مما أضمر عامله كما هو ظاهر النظم ، واشتمال الصماء أن يدير الثوب على جسده من غير أن يخرج منه يده ويرفع طرفه على عاتقه الأيسر.

__________________

(١) سورة محمد ، الآية ٤.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٢٦٠.

(٣) سورة البقرة ، الآية ٢٧٤.

(٤) سورة الأعراف ، الآية ٦٥.

٧٩

(باب المفعول له)

ويسمى المفعول لأجله ومن أجله.

(وإن جرى نطقك بالمفعول له

فانصبه بالفعل الذي قد فعله

وهو لعمري مصدر في نفسه

لكنّ جنس الفعل غير جنسه

وغالب الأحوال أن تراه

جواب لم فعلت ما تهواه

تقول : قد زرتك خوف الشر

وغصت في البحر ابتغاء الدرّ)

المفعول له هو ما اجتمع فيه أربعة شروط ، ومنها يستفاد.

تعريفه : أن يكون مصدرا ، وأن يكون فضالة ، وأن يكون مذكورا للتعليل ، وأن يكون المعلل به حدثا مشاركا له في الزمان والفاعل.

وعلامته : أن يقع جواب لم ، فإذا اشتمل كلامك على اسم مستجمع لهذه الأمور فانصبه على أنه مفعول له بالفعل الذي قد فعله الفاعل لأجله كقمت إجلالا لك ، فإجلالا مصدر فضلة ذكر علة للقيام وزمنه وزمن القيام واحد ، وفاعلهما واحد أيضا وهو المتكلم. ولو سئلت : لم قمت ، لقال : إجلالا لك. وهذه الأمور الأربعة مستفادة من تمثيله مع أنه قد صرح بالأول وأومأ إلى الثالث بقوله : أن تراه ، جواب لم فعلت ، لكن التقييد بقوله : وغالب الأحوال ، لا معنى له.

وأفاد بقوله : لكن جنس الفعل غير جنسه ، أنه لا بد أن يكون لفظه مغايرا للفظ فعله وهو كذلك وإلا لكان مفعولا مطلقا ولا يلزم من استجماع هذه الأمور الأربعة وجوب نصبه لأنها معتبرة متعينة لجواز نصبه لا لوجوبه ، فأنت بالخيار إن شئت نصبت وإن شئت جررت بحرف التعليل سواء كان مجردا من أل ، والإضافة كما مثلنا ، أو مقرونا بأل كضربته للتأديب ، أم مضافا كما في النظم. لكن النصب أرجح من الجر فيما إذا تجرد ، والجر أرجح فيما إذا كان بأل ، ومستويان فيما إذا كان مضافا كما مثل به الناظم. ومتى دلت كلمة على التعليل وفقد منها شرط من الشروط الباقية فليست مفعولا له ، ووجب أن يجر بحرف

٨٠