كشف النّقاب عن مخدرات مليحة الإعراب

عبد الله بن محمّد أحمد الفاكهي

كشف النّقاب عن مخدرات مليحة الإعراب

المؤلف:

عبد الله بن محمّد أحمد الفاكهي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٦

(باب في الاسم المثنى)

(ورفع (ما ثنيته) بالألف

كقولك الزيدان كانا مألفي

ونصبه وجره بالياء

بغير إشكال ولا مراء)

قد تقدم أن الأسماء الستة من الأبواب السبعة التي خرجت عن الأصل ، وهذا هو الباب الثاني منها ، وهو ما ناب فيه حرف عن حركة أيضا.

والمثنى ما دل على اثنين بزيادة في آخره صالحا للتجريد وعطف مثله عليه كالزيدان والهندان.

وأما التثنية فهي جعل الاسم الواحد دليلا على اثنين بزيادة في آخره. وحكم المثنى أنه يرفع بالألف نيابة عن الضمة نحو الزيدان كانا مألفي ، أي محل إلفي. ومنه نحو قوله تعالى : (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ)(١) ويجر وينصب بالياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها نيابة عن الكسرة والفتحة ، مثاله :

(تقول زيد لابس (بردين)

وخالد منطلق اليدين)

______________________________________________________

(قوله : ما ثنيته إلخ) واختص المثنى في الرفع بالألف والمجموع فيه بالواو ولأن المثنى أكثر دورانا في الكلمة من الجمع والألف خفيفة والواو ثقيلة بالنسبة إليها فجعل الخفيف في الكثير والثقيل في القليل ليكثر في كلامهم ما يستخفونه ويقل ما يستثقلونه.

قاله في «شرح الفصول» وحرك ما بعد علامة التثنية المزيدة لدفع توهم إضافة أو إفراد فرارا من التقاء الساكنين بالحركة الأصلية. ا ه.

(قوله : بردين) وإنما فتح ما قبل ياء المثنى وكسر ما قبل ياء الجمع لوجهين ، أحدهما : أن المثنى أكثر من الجمع فخص بالفتحة لأنها أخف من الكسرة بخلاف الجمع. الثاني : أن نون المثنى كسرت على الأصل لالتقاء الساكنين فلم يجمع بين كسرتها وكسرة ما قبل الياء فرارا من ثقل كسرتين وبينهما ياء كسروا ذلك في الجمع

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٢٣.

٤١

ومنه : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ)(١) ، (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ)(٢) وجعلت الياء علامة للنصب والجر فيه وفي الجمع الذي على حده حملا للنصب على الجر لاشتراكهما في كون كل منهما فضلة مستغنى عنه.

وما ذهب إليه من أن الألف والباء علامة الإعراب في المثنى هو المشهور ، ومن العرب من يستعمل المثنى بالألف دائما ويعربه بحركات مقدرة على الألف كقوله :

(تزود منا بين أذناه طعنة)

وقوله :

إن أباها وأبا أباها

قد بلغا في المجد غايتاها

وقد خرج على هذه اللغة قراءة : إن هذان لساحران.

واعلم أنه يشترط في كل ما يثنى ثمانية شروط ، (وهي : الإفراد) ، والإعراب ، (والتنكير) ، (وعدم التركيب) ، واتفاق اللفظ ، واتفاق المعنى ، ووجود ثان له في الخارج ، وأن لا يستغنى بتثنية غيره عن تثنيته.

______________________________________________________

ليحصل الفرق بين المثنى والجمع ليعتدل اللفظ فيصير في واحد منهما ياء بين فتحة وكسرة. قاله أبو البقاء. ا ه تصريح.

(قوله : وهي الإفراد) فلا يجوز تثنية المثنى والمجموع على حدة كزيدان وزيدون ، ولا الجمع على مفاعل ومفاعيل لاجتماع إعرابين في الأولين وإفراط الثقل في الثالث. واختلف في الجمع على غير مفاعل ومفاعيل ، فذهب ابن مالك إلى جواز تثنيته واستدل بقول الشاعر :

تبقلت في أول التبقل

بين رماحي مالك ونهشل

ا ه كردي.

(قوله : والتنكير) فلا يثنى العلم باقيا على علميته بل ينكر ثم يثنى. ا ه كردي.

(قوله : وعدم التركيب) أما المركب الإسنادي فلا يثنى إجماعا وفي المزجي خلاف ، وأما الإضافي فيستغني بتثنية المضاف عن المضاف إليه. ا ه كردي.

__________________

(١) سورة فصلت الآية ٢٩.

(٢) سورة فصلت ، الآية ١٢.

٤٢

(وتلحق النون بما قد ثنى

من المقادير لجبر الوهن)

يعني أنك إذا ثنيت الاسم ألحقته نونا مكسورة بعد علامة التثنية والإعراب عوضا عن التنوين الذي كان في الاسم المفرد لجبر الوهن أي الضعف الذي لحقه بفوات التنوين. وقد تفتح النون مع الياء كقوله :

على أحوذيين استقلت عشية

(فما هي إلا لمحة) وتغيب

وهي لغة بني أسد. وسيأتي أنها تحذف للإضافة.

(تتمة) : ألحق بالمثنى في إعرابه اثنان واثنتان من غير شرط ، وكلا وكلتا بشرط (الإضافة) إلى ضمير وما سمي به منه كزيدان علما ، وكل من هذه الأسماء ترفع بالألف وتجر وتنصب بالياء حملا على المثنى لفقد ما اعتبر فيه منها.

______________________________________________________

(قوله : فما هي لمحة) أي ما مسافة رؤيتها إلا قدر لمحة. وإلا بمعنى غير ، وتغيب معطوف على قوله : هي لمحة ، فهي جملة معطوفة على الجملة الاسمية والمعنى : تغيب بعدها.

٤٣

(باب في الجمع المذكر السالم)

(وكل جمع صح فيه) واحده

ثم أتى بعد التناهي زائده

(فرفعه بالواو) والنون تبع

مثل شجاني الخاطبون في الجمع

ونصبه وجره بالياء

عند جميع العرب العرباء)

هذا هو الباب الثالث من أبواب النيابة وهو ما ناب فيه حرف عن حركة أيضا ، وهو ما دل على أكثر من اثنين بزيادة في آخره مع سلامة بناء مفردة كالزيدون والمسلمون. وحكمه أنه يرفع بالواو نيابة عن الضمة مثل : شجاني الخاطبون في الجمع أي أطربوني وأحزنوني ، فالواو علامة الرفع. ومنه نحو :

وقال الظالمون سيقول المخلفون ، وينصب ويجر بالياء المكسور ما قبلها المفتوح ما بعدها نيابة عن الفتحة والكسرة ، مثاله :

(تقول حيّ النازلين في منى)

أي سلّم عليهم.

(وسل عن الزيدين هل كانوا هنا)

فالياء المكسور ما قبلها فيهما علامة النصب والجر والواو والياء هما المراد بقوله : زائدة ، فإنهما يلحقان الجمع بعد انتهاء حروف واحدة. والعرب العرباء هم سكان البادية ، فلم يختلفوا في إعرابه الإعراب المذكور كما اختلفوا في إعراب المثنى على ما تقدم. ويعتبر فيه ما اعتبر في المثنى وزيادة على ذلك

______________________________________________________

(قوله : وكل جمع صح فيه ، إلخ) وهذا الجمع مقيس في خمسة أمور ، الأول : ما فيه تاء التأنيث مطلقا. الثاني : ما فيه ألف التأنيث كذلك. الثالث : مصغر مذكر ما لا يعقل كدريهم. الرابع : علم مؤنث لا علامة فيه كزينب. الخامس : وصف غير العاقل كأيام معدودات. ونظمها الشاطبي فقال :

وقسه في ذي التاء ونحو ذكري

ودرهم مصغر وصحرا

وزينب ووصف غير العاقل

وغير ذا مسلم للناقل

٤٤

أن يكون مفرده علما لمذكر عاقل خاليا من تاء التأنيث أو صفة لمذكر عاقل خالية من التاء قابلة لها أو دالة على التفضيل ، وتلحقه نون بعد علامة الجمع والإعراب كالمثنى عوضا عما فاته من التنوين ، وأشار إلى الفرق بين النونين بقوله :

(ونونه مفتوحة إذ تذكر

والنون في كل مثنى تكسر)

يعني أن حركة نون الجمع مفتوحة في الرفع والنصب والجر ، وحركة نون المثنى مكسورة كذلك للفرق بينهما ، وقد يكسر نون الجمع للضرورة كقوله :

وقد جاوزت حد الأربعين

ثم أشار إلى ما اشتركا فيه بقوله :

(وتسقط النون في الإضافة)

أي إذا أضيف المثنى والجمع إلى ما بعده حذف من كل منهما النون الواقعة بعد علامة التثنية والجمع في الأحوال الثلاثة كما يحذف التنوين للإضافة لما تقدم من أنهما بدل عن التنوين في المفرد نحو : رأيت ساكني الرصافة ، مثال لحذف نون الجمع.

(وقد لقيت صاحبي أخينا

فاعلمه من حذفهما يقينا)

مثال لحذف نون المثنى والضمير في حذفهما للنونين ، وكان مقتضى القياس حذفهما أيضا مع أل.

(تنبيه) : ألحق به في إعرابه بالواو والياء ... (١) وعالمون وعشرون وأخواته وأهلون ووابلون وأرضون وسنون وبابه وما سمي به منه كزيدون علما لكل من هذه الأسماء ترفع بالواو وتنصب وتجر بالياء حملا عليه لفقد ما اعتبر فيه من الشروط فيها.

__________________

(١) كلمة غير واضحة في الأصل.

٤٥

(باب في الجمع بألف وتاء مزيدتين)

(وكل جمع فيه تاء زائدة

فارفعه بالضم كرفع حامده

ونصبه وجره بالكسر

نحو كفيت المسلمات شري)

هذا هو الباب الرابع من أبواب النيابة ، وهو مما ناب فيه حركة عن حركة. وتعبيرهم بجمع المؤنث السالم جرى على الغالب ، إذ لا فرق بين ما مفرده مؤنث كهندات ، ومذكر كحمامات. وما سلم فيه بناء واحده كما مثلنا وما تغير (كسجدات) وحبليات. وحكمه أنه يرفع بالضمة كمفرده تقول : جاءت مسلمات وحامدات كما تقول : جاءت مسلمة وحامدة. وينصب ويجر بالكسرة حملا للنصب على الجر قياسا على أصله وهو جمع المذكر السالم نحو : رأيت مسلمات وحامدات ، ومررت بمسلمات وحامدات. وفي التنزيل : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ)(١) ، و (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ)(٢).

وقضية كلام الناظم أنه ينصب بالكسرة وإن كان محذوف اللام كلغات وثبات وهو الغالب ، وقد ينصب بالفتحة على لغة إن كان محذوف اللام ولم تردّ إليه في الجمع كسمعت لغاتهم جبرا لما فاته من رد لامه. واشتراط كون التاء مزيدة وكذا الألف وإن لم ينبه على هذا في النظم لإخراج نحو أبيات وقضاة ، فإن التاء في الأول والألف في الثاني أصليتان فينصبان بالفتحة على الأصل.

(تتمة) : حمل على هذا الجمع في إعرابه أولات ، وما سمي به منه كأذرعات وعرفات.

______________________________________________________

(قوله : كسجدات) وكبنات وأخوات وركعات وغرفات لتحريك وسطها بعد سكونه في المفرد. ا ه خضري.

__________________

(١) سورة العنكبوت ، الآية ٤.

(٢) سورة هود ، الآية ١١٤.

٤٦

وقد بقي مما خرج عن الأصل ثلاثة أبواب ذكرها الناظم في آخر المنظومة ، فمن الأسماء باب ما لا ينصرف وهو مما ناب فيه حركة عن حركة أيضا. وحكمه أن يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة حملا للجر على النصب نحو : مررت بأفضل ، إلا إذا أضيف أو دخلته أل كما سيأتي. وأما رفعه ونصبه فعلى الأصل.

ومن الأفعال بابان أحدهما : باب الأمثلة الخمسة ، وهو ما ناب فيه حركة عن حركة وحذف عن حركة أو سكون. وحكمها أنها ترفع بثبوت النون وتنصب وتجزم بحذفها نحو : (عَيْنانِ تَجْرِيانِ)(١) ، (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤))(٢) ، (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا)(٣). وثانيهما : باب الفعل المعتل الآخر وهو ما ناب فيه حذف حرف عن سكون فيجزم بحذف آخره نحو : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧))(٤). وسيأتي الكلام على جميع ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سورة الرحمن ، الآية ٥٠.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٨٤.

(٣) سورة البقرة ، الآية ٢٤.

(٤) سورة العلق ، الآية ١٧.

٤٧

(باب جمع التكسير)

(وكل ما كسر في الجموع

كالأسد والأبيات والربوع

فهو نظير الفرد في الإعراب

فاسمع مقالي واتبع صوابي)

جمع التكسير ما تغير فيه بناء مفرده بزيادة أو نقص أو تبديل لغير إعلال.

ولا فرق في التغيير بين أن يكون تحقيقا أو تقديرا كما في نحو : فلك ، مما الجمع والواحد فيه متحدان بالصورة. فالضمة فيه إذا كان مفردا ضمة قفل ، فإذا كان جمعا فهي ضمة أسد. وهو ستة أقسام ، كما يؤخذ من حده لأن مفرده إما أن يتغير بزيادة فقط كصنو وصنوان ، أو بنقص فقط كتخمة وتخم ، أو تبديل شكل فقط كأسد وأسد ، أو بزيادة وتبديل شكل كأبيات وربوع ، أو بنقص وتبديل شكل كرسول ورسل ، أو بالجميع كغلام وغلمان. وحكمه أن يعرب بالحركات الثلاث كما يعرب الاسم المفرد إن كان منصرفا نحو : جاء الرجال والأسارى وغلماني ، ورأيت الرجال والأسارى وغلماني ، ومررت بالرجال والأسارى وغلماني. وإلا فبحركتين الضمة والفتحة نحو : هذه مساجد ، ورأيت مساجد ، واعتكفت بمساجد.

وهو على قسمين : جمع قلة ، وجمع كثرة. ولكل منهما أوزان تخصه والعلم بهما مهم جدا ومحلها علم التصريف.

ولقد أنصف الناظم حيث أمر باستماع مقاله واتباع الصواب منه.

٤٨

(باب في حروف الجر)

وهي عشرون حرفا ، أشار الناظم إلى ما اشتهر منها بقوله :

(والجر في الاسم الصحيح المنصرف

بأحرف هنّ إذا ما قيل صف

من وإلى وفي وحتى وعلى

وعن ومنذ ثم حاشا وخلا

والباء والكاف إذا ما زيدا

واللام فاحفظها تكن رشيدا

ورب أيضا ثم مذ فيما حضر

من الزمان دون ما منه غبر

تقول : ما رأيته مذ يومنا

ورب عبد كيس مرّ بنا)

الجر عبارة البصريين ، والخفض عبارة الكوفيين. ومؤداهما واحد ولا مشاحة في الاصطلاح.

ومقصود الناظم أن الجر بالكسرة يظهر في الاسم الصحيح الآخر المنصرف إذا جر بأحد حروف الجر التي من جملتها ما في النظم بخلاف الاسم المعتل منه منقوصا كان أو مقصورا. فإن الجر فيه مقدر كما مر ، وبخلاف ما لا ينصرف فإن جره بالفتحة كما قدمنا.

فمن حروف الجر : من ، وتكون لابتداء الغاية مكانا أو زمانا أو غيرهما نحو : (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(١) ، (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ)(٢) ، (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ)(٣). أو لبيان الجنس نحو : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ)(٤) ، وللتبعيض نحو : أخذت من الدراهم. وللتوكيد بعد نفي أو شبهة نحو : ما جاءني من أحد ، (ولغير ذلك).

______________________________________________________

(قوله : ولغير ذلك) كالبدل نحو : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ)(٥) ، (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣))(٦) ا ه.

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية ١.

(٢) سورة التوبة ، الآية ١٠٨.

(٣) سورة النمل ، الآية ٣٠.

(٤) سورة الحج ، الآية ٣٠.

(٥) سورة التوبة ، الآية ٣٨.

(٦) سورة الملك الآية ٣.

٤٩

ومنها إلى ، وتكون لانتهاء الغاية مطلقا نحو : (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى)(١) ، (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)(٢). وللمصاحبة نحو : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ)(٣) (ولغير ذلك).

ومنها في ، وتكون للظرفية حقيقة أو مجازا نحو : الدراهم في الكيس. وزيد في البرية. وللسببية نحو : لمسكم فيما أفضتم. وللمصاحبة نحو : ادخلوا في الأمم (ولغير ذلك). ومنها حتى ، في بعض المواضع ، وهي لانتهاء الغاية مطلقا. ولا تكون جارة إلا آخرا نحو : أكلت السمكة حتى رأسها. أو متصلا بالآخر نحو : (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ(٥))(٤).

ومنها على ، وتكون للاستعلاء ، أي العلو. نحو : (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢))(٥).

وللتعليل نحو : (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ)(٦).

وللظرفية نحو : (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ)(٧) (ولغير ذلك).

ومنها عن ، وتكون للمجاوزة ك : سرت عن البلد.

وللاستعلاء نحو : فإنما يبخل عن نفسه.

وللبعدية نحو : (طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ)(٨) (ولغير ذلك).

______________________________________________________

(قوله : ولغير ذلك) ككونها بمعنى في نحو : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ)(٩).

(قوله : ولغير ذلك) كالاستعلاء نحو : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)(١٠).

(قوله : ولغير ذلك) كالمصاحبة نحو : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ)(١١).

(قوله : ولغير ذلك) كالتعليل كقوله تعالى : (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ)(١٢).

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية ١.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٨٧.

(٣) سورة النساء ، الآية ٢.

(٤) سورة القدر ، الآية ٥.

(٥) سورة المؤمنون ، الآية ٢٢.

(٦) سورة البقرة ، الآية ١٨٥.

(٧) سورة البقرة ، الآية ١٠٢.

(٨) سورة الانشقاق ، الآية ١٩.

(٩) سورة النساء ، الآية ٨٧.

(١٠) سورة طه ، الآية ٧١.

(١١) سورة البقرة ، الآية ١٧٧.

(١٢) سورة هود ، الآية ٥٣.

٥٠

ومنها منذ ومذ ، ويختصان بالزمان المعين ولا يكون ذلك المعين إلا ماضيا ، وهما فيه لابتداء الغاية نحو : ما رأيته منذ أو مذ يوم الجمعة. أو حاضرا وهما فيه للظرفية نحو : ما رأيته منذ أو مذ يومنا. ولا يدخلان على زمن مبهم ولا مستقبل فلا تقول : ما رأيته منذ أو مذ وقت ، ولا أراه منذ أو مذ غد. لكن ظاهر كلام الناظم أن مذ لا تدخل إلا على الزمن الحاضر كما يومىء إليه قوله : دون ما منه غبر ، أي دون ما من الزمن مضى ، وهو بغين معجمة. ويمكن حمل كلامه على ما قلنا بأن يراد بقوله : غبر ، أي بقي ، ولم يقع بعد. ويكون قوله : فيما حصر ، من الزمان شاملا لما حضر ولما وقع بالفعل ولم ينقطع.

ومنها حاشا وكذا خلا وعدا ، إن تجردا عن ما نحو : قام القوم حاشا زيد وخلا بكر وعدا عمرو ، فإن اتصلا بما نصب الاسم بعدهما نحو : قام القوم ما خلا زيدا وما عدا عمرا وما حاشا بكرا. ولك نصب الاسم بعدهن على تقدير كونهن أفعالا جامدة.

ومنها الباء ، إذا كانت زائدة على نفس الكلمة تكون للإلصاق نحو : بقلبي غرام ، أي لصق به. وللاستعانة نحو : كتبت بالقلم. وللظرفية نحو : نجيناهم بسحر نعمة. وللسببية نحو : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ)(١) (ولغير ذلك).

ومنها الكاف الزائدة أيضا ، وتكون للتشبيه ، نحو : زيد كالبدر. وللتعليل نحو : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ)(٢) ، وللتأكيد نحو : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٣) (ولغير ذلك).

ومنها اللام ، أي الزائدة. وتكون للملك نحو : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ)(٤) ، له

______________________________________________________

(قوله : ولغير ذلك) كالتعدية نحو : ذهبت بزيد ، ومنه : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ)(٥).

(قوله : ولغير ذلك) كالاستعلاء ، قيل لبعضهم : كيف أصبحت ، قال : كخير ، أي على خير.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١٥٥.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٨.

(٣) سورة الشورى ، الآية ١١.

(٤) سورة البقرة ، الآية ٢٨٤.

(٥) سورة البقرة ، الآية ١٧.

٥١

ما فيهن. وللاختصاص نحو : الجنة للمؤمنين. وللاستحقاق نحو : النار للكافرين ، أي عذابها. وللتعليل نحو :

وإني لتعروني لذكراك هزة

كما انتفض العصفور بلّله القطر

ولغير ذلك.

ومنها رب ، وهي موضوعة لإنشاء التقليل نحو : رب عبد كيس مر بنا.

ومنه قوله :

(ألا رب مولود وليس له أب)

. ويستعمل للتكثير نحو : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢))(١) ، ومنه قوله عليه الصلاة والسّلام : «(يا رب كاسية) في الدنيا عارية يوم القيامة».

وأشار الناظم إلى ما انفردت به رب عن سائر أخواتها بقوله :

(ورب تأتي أبدا مصدّرة

ولا يليها الاسم إلا نكرة

وتارة تضمر بعد الواو

كقولهم وراكب بجاوي)

يعني : أن رب اختصت من بين حروف الجر بوجوب تصديرها في أول الكلام ، وبكون مجرورها لا يكون إلا نكرة. وهذا علم مما مر. والغالب وصفه بنكرة كما أن الغالب حذف عاملها ولا يكون إلا ماضيا نحو : رب رجل صالح لقيته. وقد يجر بها ضمير غيبة كما تقدم ، فيجب إفراده وتذكيره وتفسيره بنكرة بعده منصوبة على التمييز مطابقة للمعنى نحو : ربه رجلا أو امرأة أو رجلين أو

______________________________________________________

(قوله : ألا رب مولود وليس له أب) تمامه :

وذي ولد لم يلده أبوان

بسكون اللام وفتح الدال وضمها. وأصله : لم يلده ، بكسر اللام وسكون الدال فسكنت اللام تشبيها لها بتاء كتف فالتقى ساكنان فحركت الدال بالفتح اتباعا لفتحة الياء أو بالضم اتباعا لضمة الهاء. أراد بالأول عيسى ابن مريم ، وبالثاني آدم عليهما الصلاة والسّلام.

(قوله : يا رب كاسية إلخ) أي كم من امرأة تلبس من القماش الرفيع فلم تستر عورتها فتدعي النفس إليها لذلك ولأنها لم تستر عورتها الستر الكامل فتعاقب بالعراء.

__________________

(١) سورة الحجر ، الآية ٢.

٥٢

رجالا أو نساء ، وكثيرا ما تحذف رب مع بقاء عملها ، وذلك بعد الواو كثير ، كقوله :

وليل كموج البحر أرخى سدوله

عليّ بأنواع الهموم ليبتلي

ومثله : وراكب بجاوي ، أي ورب راكب بجاوي ، أي بعيرا بجاويا أي منسوب إلى بجاء ـ بفتح الباء الموحدة والجيم ـ قبيلة من العرب في برّ سواكن.

وبعد الفاء قليل كقوله :

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

وبعد بل أقل كقوله :

بل (بلد) ملء الفجاج قتمه

(تتمة) : قد تتصل بها وما الكافة ، فتدخل على الجملة الاسمية نحو : ربما زيد قائم. وعلى الفعلية نحو : ربما قام زيد. وقد تكون ما غير كافة فيبقى عملها كقوله :

ربما ضربة بسيف صقيل

(بين بصرى) وطعنة نجلاء

______________________________________________________

(قوله : بلد) البلد المفازة والفجاج الطريق. وقوله : جهرمة ، أراد الجهرمية بياء النسب وجهرم كجعفر بلد بفارس تنسب إليه الثياب. وأراد بقوله : لا تشتري إلخ ، أي أنه ليس فيه كتان ولا جهرم لأن ذلك فيه ولكن لا يشترى ، فذكر اللازم وهو انتفاء المشتري ذلك وأراد الملزوم وهو انتفاء الكتان والجهرم منه ، والقتم الغبار ا ه.

(قوله : بين بصرى) بضم الباء بلدة بالشام ، أي أماكن بصرى ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وطعنة بالجر عطف على ضربة ، والنجلاء بالمد الواسعة البينة الاتساع. ا ه.

٥٣

(باب حروف القسم)

(وقد يجرّ الاسم باء القسم

وواوه والتاء أيضا فاعلم

ولكن تخص التاء باسم الله

إذا تعجبت بلا اشتباه)

من حروف الجر أحرف القسم ، وهي ثلاثة : الباء والواو والتاء. وإنما أفردها بالذكر لدلالتها على المقسم به ولاختصاص القسم بأحكام وفروع.

والباء أصل أحرف القسم ، ولهذا يجر بها الظاهر والضمير وإن كان الواو أكثر استعمالا منها نحو : بالله ، وبه لأفعلن. ويجمع بينها وبين فعل القسم نحو : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ)(١). وتستعمل في السؤال نحو : بالله أخبرني.

وأما الواو فتختص بالظاهر نحو : (يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢))(٢) ، ولا يجمع بينها وبين الفعل فلا يقال : أقسم والله ، كما يقال : أقسم بالله. فهي عوض عن الباء والفعل ولا تستعمل في السؤال فلا يقال : والله أخبرني ، كما يقال : بالله أخبرني.

وأما التاء ، فهي كالواو ولا يجمع بينها وبين الفعل ، ولا تستعمل في السؤال وتختص بالظاهر ولا يكون ذلك الظاهر إلا اسم الله عزوجل نحو : (تَاللهِ تَفْتَؤُا)(٣) ، فلا تستعمل في غيره لنقصانها عن الواو الذي هو أنقص من الباء.

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية ١٠٩.

(٢) سورة يس ، الآيتان ١ و ٢.

(٣) سورة يوسف ، الآية ٨٥.

٥٤

(باب في الإضافة)

(وقد يجر الاسم بالإضافة

كقولهم دار أبي قحافة)

الاسم كما يجر بالحروف يجر بإضافة اسم إلى اسم ، إما لقصد التعريف أو للتخصيص كما في (الإضافة) المحضة أو لمجرد التخفيف في اللفظ أو رفع القبح. ويسمى الأول من المتضايفين مضافا ، والثاني مضافا إليه. ويصيران بالإضافة كاسم واحد ، ومن ثم لم ينوّن الأول منهما فإذا أضفت اسما إلى اسم حذفت ما في الأول من تنوين أو نون تالية للإعراب وأعربته بحسب العوامل وجررت الثاني بالإضافة أو بالحرف المقدر أو بالمضاف ، وهو الراجح.

وكلام الناظم فيما يأتي كالصريح فيه كقولك في نحو : غلام لزيد ، وثوبين لبكر : غلام زيد ، وثوبا بكر. ثم الإضافة قسمان : لفظية وتسمى غير محضة. ومعنوية ، وتسمى محضة. فاللفظية لا تفيد تعريفا ولا تخصيصا بل مجرد تخفيف كإضافة الوصف إلى معموله نحو : ضارب زيد الآن أو غدا. ألا ترى أنه أخف من ضارب زيدا. والمعنوية على قسمين أشار إليها بقوله :

(فتارة تأتي بمعنى اللام

نحو أتى عبد أبي تمام

وتارة تأتي بمعنى من إذا

قلت منا زيت فقس ذاك وذا)

الإضافة المعنوية ما أفادت تعريفا إن كان المضاف إليه معرفة كغلام زيد ، أو تخصيصا إن كان نكرة كغلام امرأة. وهي على قسمين لأن المضاف إن كان بعض المضاف إليه وصح الإخبار بالمضاف إليه عنه كخاتم حديد ، ومثله منا

______________________________________________________

(قوله : الإضافة) هي لغة الإمالة والإسناد ، يقال : أضفت ظهري إلى الحائط أي أملته وأسندته إليه. واصطلاحا : نسبة تقييدية بين شيئين الأول منهما جار للثاني لفظا أو محلا. وسمي الأول مضافا والثاني مضافا إليه ، وقيل بالعكس. ويطلق كل منهما على الآخر ، وعمل الأول في الثاني لاقتضائه إياه كاقتضاء كل عامل معموله أي مع تضمنه معنى من أو في أو اللام ، وقيل لنيابته عن حرف جر ا ه.

٥٥

زيت. فالإضافة بمعنى من وإلا فهي بمعنى اللام كدار أبي قحافة ، وعبد أبي تمام. هذا مذهب الجمهور ، وقال الجرجاني وابن الحاجب وابن مالك : وقد تكون بمعنى في ، وذلك حيث كان المضاف إليه ظرفا للأول نحو : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ)(١) ، و (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ)(٢). وفي الحديث : «فلا تجدون أعلم من عالم المدينة».

والناظم لم يتعرض لهذا القسم إما تبعا للجمهور أو لقلته.

وقوله : فقس ذاك أي عبد أبي تمام وذا ، أي منا زيت ، ومنا كعصا لغة في المنّ بالتشديد الذي هو رطلان. وأبو تمام شاعر مشهور ، وأبو قحافة والد الصدّيق رضي‌الله‌عنهما.

واعلم أن الإضافة لا تجامع تنوينا ولا نونا تالية للإعراب كما مر ، ولا ما فيه أل إلا إذا كان المضاف وصفا معربا بالحروف نحو : جاء الضاربا زيد ، أو الضاربو زيد ، أو وصفا مضافا لما فيه أل نحو : جاء الضارب الرجل ، أو مضافا إلى مضاف لما هي فيه نحو : الضارب رأس الجاني ، أو الضمير عائد على ما هي فيه نحو : مررت بالرجل الضارب غلامه.

(وفي المضاف ما يجر أبدا

مثل لدن زيد وإن شئت (لدي)

ومنه سبحان وذو ومثل

ومع وعند وأولو وكل

ثم الجهات الست فوق وورا

ويمنة وعكسها بلا مرا

وهكذا غير وبعض وسوى

في كلم شتى رواها من روى)

والأصل في الاسم : أن يستعمل مضافا تارة وغير مضاف أخرى. ومن الأسماء ما لا يستعمل إلا مضافا لفظا ومعنى. ومنها ما ينفك عن الإضافة لفظا لا معنى.

______________________________________________________

(قوله : لدي) لها حالتان : إما أن تكون بمعنى عند أو بمعنى في. فإن كانت بمعنى عند تكتب بالياء وإن كانت بمعنى في تكتب بالألف ا ه.

__________________

(١) سورة سبأ ، الآية ٣٣.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٢٢٦.

٥٦

فمن الأول : لدن ولدى وسبحان وذو ومع وعند وأولو.

أما لدن ، فهي اسم بمعنى عند إلا أنه مبني وملازم لمبدأ الغايات من زمان أو مكان ، والغالب اقترانه بمن نحو : كان سيرك من لدن الجامع ، أو من لدن صلاة العصر. وقد تضاف إلى الجمل نحو : ما رأيته من لدن زيد قائم ، أو من لدن قام زيد.

وأما الذي وعند ، فهما اسمان لمكان الحضور وزمانه نحو : لقيته لدى الباب ، وجلست عنده. غير أن عند تستعمل نصبا على الظرفية وخفضا بمن ، ولدى لا تجر أصلا. وعند تكون ظرفا للأعيان والمعاني ، ولدى لا تكون إلا ظرفا للأعيان خاصة. قاله ابن الشجري في «أماليه». وتقلب ألف لدى ياء مع الضمير لا الظاهر نحو : ولدينا مزيد ، وما كنت لديهم.

وأما سبحان ، فهو اسم مصدر بمعنى التسبيح ملازم للنصب وقد يفرد في الشعر عن الإضافة منوّنا إن لم تنو الإضافة كقوله سبحانه : ثم سبحانا نعوذ به ، وغير منون إن نويت كقوله : «سبحان من علقمة الفاجر» أراد سبحان الله فحذف المضاف إليه وأبقى المضاف بحاله.

وأما ذو ، فهو بمعنى صاحب ولا يضاف إلا إلى اسم جنس غير صفة ، وقد يضاف إلى علم نحو : (أنا الله ذو بكة). أو جملة نحو : اذهب (بذي تسلم).

وأما مع ، فهي اسم معرب وهو لمكان الاجتماع أو زمانه نحو : زيد معك ، وجئتك مع العصر. وفيها لغتان فتح العين وسكونها ، ولغة السكون قليلة وإذا لقي الساكن ساكن جاز كسرها وفتحها. وقد تفرد عن الإضافة فتنون وتكون بمعنى جميع فتنصب على الحال نحو : جاء الزيدان معا ، أي جميعا.

______________________________________________________

(قوله : أنا الله ذو بكة) قالوا : إنه وجد قبل الإسلام مكتوبا على حجر من أحجار الكعبة بخط قديم. وبكة لغة في مكة سميت بها لأنها تبك أعناق الجبابرة. ا ه.

(قوله : بذي تسلم) هو مسموع من العرب فقيل معناه : اذهب بوقت صاحب سلامة ، أو في مذهب كذلك. وقيل : معناه أو في المذهب الذي تسلم فيه. فالباء بمعنى في وذي ، على الأول نعت النكرة محذوفة ، وعلى الثاني موصولة. ا ه.

٥٧

وأما أولو ، فهو اسم جمع لا واحد له من لفظه ، وقد مر أنه محمول على جمع المذكر السالم في إعرابه نحو : جاءني أولو العلم ، أي أصحابه.

وأما القسم الثاني فمنه : كل ، وبعض ، وغير ، وسوى ، وأي ، وحسب ، وأول ، وقبل ، وبعد ، وأسماء الجهات الست وهي : فوق وتحت ويمين وشمال ووراء وأمام. تقول : جاءني كل القوم ، فيكون مضافا لفظا ومعنى ولك قطعه عن الإضافة لفظا نحو : جاءني كل ، وهو منوي الإضافة ، وقس عليه سائر الأسماء المذكورة. وسيأتي في آخر المنظومة أن لقبل وبعد أربع حالات ، وقول الناظم : ما يجر أبدا بفتح الياء أي ما يلزم الإضافة. ولو قال : ما يضاف أبدا لكان أجود لأن كل مضاف يجر أبدا ، وكلامه صريح في أن المضاف عامل في المضاف إليه وهو الصحيح. وقوله : في كلم شتى ، أي مع كلمات متفرقات ملازمة للإضافة لم أذكرها.

٥٨

(باب كم الخبرية)

(واجرر بكم ما كنت عنه مخبرا

معظما لقدره مكثرا

تقول : كم مال أفادته يدي

وكم إماء ملكت وأعبد)

كم في الكلام على قسمين : استفهامية بمعنى أيّ عدد.

وخبرية بمعنى عدد كثير.

فالاستفهامية ستأتي في باب التمييز وأما الخبرية فيقصد بها التعظيم والتكثير ولا يكون مميزها إلا مجرورا بإضافتها إليه حملا لها على ما هي مشابهة له من العدد. ويكون مفردا وهو الأكثر كتمييز المائة فما فوقها نحو : كم مال أفادته يدي ، وتميم تجيز النصب حينئذ بها ، ويكون جمعا كتمييز العشرة فما دونها نحو : كم إماء ملكت وأعبد. والتاء في ملكت للتأنيث وتختص كم بالماضي فلا يقال : كم غلمان سأملكهم ، لأن التكثير إنما يكون فيما عرف حده والمستقبل مجهول ولا تفارق صدر الكلام.

٥٩

(باب المبتدأ والخبر)

(وإن فتحت النطق باسم مبتدأ

فارفعه والإخبار عنه أبدا

تقول من ذلك : زيد عاقل

والصلح خير والأمير عادل)

(المبتدأ) : هو الاسم المجرد عن العوامل اللفظية غير الزائدة مخبرا عنه أو وصفا رافعا لمكتفي به.

والخبر : هو الجزء الذي حصلت به الفائدة مع مبتدأ غير الوصف المذكور.

وحكمهما : أنهما مرفوعان باتفاق كما مثل به الناظم.

وإنما اختلفوا في رافعهما على أقوال أصحها عند ابن مالك ونسب لسيبويه أن المبتدأ مرفوع بالابتداء وهو جعلك الاسم أولا لتخبر عنه. والخبر مرفوع بالمبتدأ ، فعامل الأول معنوي ، والثاني لفظي.

وقد علم من حد المبتدأ أنه على قسمين : مبتدأ له خبر كما في النظم ، ومبتدأ لا خبر له بل له مرفوع يغني عن الخبر وهو الوصف المسند إلى الفاعل نحو : أقائم الزيدان ، أو نائبه نحو : ما مضروب العمران. واستغنى هذا القسم بمرفوعه عن الخبر لشدة شبهه بالفعل ولهذا لا يطرد في الكلام حتى يعتمد على ما يقربه من الفعل من استفهام أو نفي كما مثلنا.

والغالب في المبتدأ أن يكون معرفة وقد يكون نكرة إن حصلت فائدة ، وهي في الغالب تحصل بمسوّغ والمسوغات للابتداء بالنكرة كثيرة وأنهاها بعضهم إلى نيف وثلاثين.

قال المرادي : وهي راجعة إلى التعميم والتخصيص نحو : (كُلٌّ لَهُ

______________________________________________________

(قوله : المبتدأ) سمي مبتدأ لأنه من ابتدأت الشيء إذا جعلته أولا ، وأما الخبر من قولهم : أرض خبرة ، أي سهلة ، فكأن الخبر يسهل عند السامع المعنى المنطوي. ا ه.

٦٠