كشف النّقاب عن مخدرات مليحة الإعراب

عبد الله بن محمّد أحمد الفاكهي

كشف النّقاب عن مخدرات مليحة الإعراب

المؤلف:

عبد الله بن محمّد أحمد الفاكهي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٦

حقيقة ويصح الاستثناء من مدخولها نحو : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً)(١) أي كل فرد من أفراد الإنسان ، أو لاستغراق صفاته وهي التي يخلفها كل مجازا نحو : أنت الرجل علما ، أي أنت الذي اجتمع فيك صفات الرجال المحمودة ، أو لبيان نفس الحقيقة (من حيث هي هي) ، وهي التي (لا يخلفها كل) حقيقة ولا مجازا نحو : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ)(٢) أي من حقيقة الماء لا من كل شيء اسمه ماء. قال في «المغني» : ومن ذلك : والله لا أتزوج النساء ولا ألبس الثياب ، ولهذا يقع الحنث بواحد.

______________________________________________________

(قوله : من حيث هي هي) الضميران للماهية الأول باعتبار ذاتها والثاني باعتبار صفتها ، أي من حيث كونها موصوفة بماهية الجنس ا ه.

(قوله : لا يخلفها كل) أي وإلا للزم جعل كل شيء حي من كل فرد من أفراد الماء وذلك باطل ا ه.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٢٨.

(٢) سورة الأنبياء ، الآية ٣٠.

٢١

(باب قسمة الأفعال)

(وإن أردت قسمة الأفعال

لينجلي عنك صدا الإشكال

فهي ثلاث ما لهن رابع

ماض وفعل الأمر والمضارع)

أي إذا أردت معرفة أقسام مطلق الفعل وتمييز كل قسم عن أخويه لتزول عنك غباوة الاشتباه والالتباس فهي ثلاثة : ماض ومضارع وأمر ، لا رابع لها ، وسيأتي ما يتميز به كل قسم.

وإنما كانت الأفعال ثلاثة (لأن الأزمنة كذلك) إذ الفعل إما متقدم عن زمن الإخبار أو مقارن له أو متأخر عنه. فالأول : الماضي ، والثاني : الحال ، والثالث : الاستقبال. وما ذهب إليه الناظم من أن الفعل ثلاثة أقسام هو مذهب البصريين. وذهب الكوفيون إلى أنه قسمان بإسقاط الأمر بناء على أنه مقتطع من المضارع إذ أصل أفعل لتفعل كأمر الغائب ، لكن لما كان أمر المخاطب أكبر على ألسنتهم استثقلوا مجيء اللام فيه فحذفوها مع حرف المضارعة طلبا للتخفيف مع كثرة الاستعمال فهو عندهم معرب وانتصر لهم ابن هشام في «المغني». والراجح ما في النظم.

ولما فرغ من تقسيم الفعل شرع في بيان ما يتميز به كل قسم عن أخويه وبدأ بالماضي لأنه جاء على الأصل إذ هو متفق على بنائه ، فقال :

______________________________________________________

(فكل ما يصلح فيه أمس

فإنه (ماض) بغير لبس)

(قوله : لأن الأزمنة كذلك) ويدل على ذلك قوله تعالى : (لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ)(١). وقول الشاعر :

وأعلم ما في اليوم والأمس قبله

ولكنني عن علم ما في غد عمي ا ه

(قوله : ماض) أي لفظ يوصف بذلك فخرج لفظ ماض لأنه اسم وسمي بذلك

__________________

(١) سورة مريم ، الآية ٦٤.

٢٢

يعني أن علامة الماضي التي يتميز بها عن غيره أن يصلح معه أمس ك : قام ، واستخرج ، ما لم يمنع مانع. وقد سبق أن علامته المختصة به تاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة والتمييز بذلك أولى من هذا (لعدم اطرادها) مع الماضي كعسى وليس ، ولصلاحيتها مع المضارع المنفي بلم ، نحو : لم يقم أمس. ورسموه بأنه ما دل على زمان قبل زمانك الذي أنت فيه. وأشار إلى بيان حكمه بقوله :

(وحكمه (فتح الأخير منه)

كقولهم سار وبان عنه)

يعني أن حكم الماضي أن يبنى آخره على الفتح لفظا أو تقديرا ، ثلاثيا أو رباعيا أو خماسيا أو سداسيا ، نحو : ضرب وضربت وضربك ضربا. ونحو :رمى وعفا أصلهما رمي وعفو تحركت الياء والواو وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفين فسكون آخرهما عارض والفتحة مقدرة على الألف ومحل ما ذكر من بنائه على الفتح ما لم يتصل به الضمير المرفوع المتحرك فإن اتصل به بني آخره على السكون كضربت وضربن (كراهية) توالي أربع متحركات فيما هو (كالكلمة) الواحدة. وإذا اتصل به واو الجماعة كضربوا ، ضم آخره للمجانسة والفتحة مقدرة وإنما لم يبن على الضم حينئذ لأن الضم لا يدخل الفعل. وأما نحو : (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ)(١) ، و (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً)(٢) ، فأصلهما : اشتريوا بياء

______________________________________________________

لمضي معناه حالة التكلم بحسب الوضع ا ه.

(قوله : لعدم اطرادها) أي لعدم كونها مانعا من دخول غيرها وجامعا لأفراد المحدود ا ه.

(قوله : فتح الأخير منه) أي مبني على فتح آخره ، أما بناؤه فعلى الأصل ، وأما كونه على حركة فلمشابهته للاسم في وقوعه صفة وصلة وشرطا وحالا وخبرا ، ولئلا يلتقي ساكنان في نحو : ضربا ، وكانت فتحة لخفتها مع ثقل الفعل ا ه.

(قوله : كراهية إلخ) ولئلا يلتبس الفاعل بالمفعول في نحو : اضربنا. ا ه.

(قوله : كالكلمة) عبر (بكا) لكلمة لعدم كونه كلمة بل هو كلام كضربت لأنه فعل وفاعل ا ه.

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٩.

(٢) سورة الفرقان ، الآية ١٣.

٢٣

مضمومة ، ودعووا بواوين أولهما مضمومة تحركت الياء والواو وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفين ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين.

(والأمر (مبني على السكون)

مثاله احذر صفقة المغبون)

ولما فرغ من الماضي أخذ في بيان حكم فعل الأمر ، وقد مر أنه يتميز (بدلالته على الطلب) مع قبول ياء المخاطبة وقدمه على المضارع لأنه قد يكون مجردا بخلاف المضارع. والمزيد فيه فرع عن المجرد. وأشار إلى أن حكمه أن يبنى آخره على السكون وهذا محله إذا كان صحيح الآخر كاضرب ، فإن مضارعه علامة جزمه سكون آخره فإن كان المضارع علامة جزمه حذف آخره وهو حرف العلة بني الأمر منه على حذف آخره نحو : اغز واخش وارم. وإن كان المضارع علامة جزمه حذف النون بني الأمر منه على حذف النون كاضربا واضربوا واضربي. والأحسن أن يقال : والأمر مبني على ما يجزم به مضارعه.

(وإن تلاه ألف ولام

فاكسر وقل ليقم الغلام)

______________________________________________________

(قوله : مبني على السكون) ويقال : مبني على ما يجزم به مضارعه وهو مبني على الراجح وهو مذهب البصريين إلا أنه أجرى في بنائه مجرى المضارع المجزوم.

ومذهب الكوفيين أنه معرب بالجزم. واستدلوا بإعطائه حكم المضارع المجزوم من حذف الحركة في الصحيح وحذف الآخر في المعتل وحذف النون التي هي علامة الرفع في الأمثلة الخمسة كافعلا وافعلوا وافعلي. وعندهم أن الجازم له لام الأمر مقدرة ورده البصريون بأن إضمار الجازم ضعيف وبأن الأمر لم يشبه الاسم كما أشبهه المضارع فيعرب وإنما حذفت منه الحركة ونون الرفع لأن كل واحدة منهما علامة إعراب وهو غير معرب. ا ه بحرق.

(قوله : بدلالته على الطلب) خرج بها ما لم يدل على الطلب كفعل التعجب لأن معناه الخبر وصيغته كذلك وإن كانت على صورة الأمر. وخرج ضربا زيدا بمعنى اضرب ، وكلا بمعنى الزجر والردع ومه منوّنا بمعنى انكفف لأنها لم توضع للطلب ، وخرج نحو لتضرب ، لأن دلالته على الطلب بغير الصيغة وخرج بقوله : وقبل ياء المخاطبة سواء قلنا إنها من تعريفه كما هو ظاهر كلامه ، أو قلنا إنها علامة وهو الأصح اسم الفعل ونحوه وكلا إن قلنا إنها موضوعة للطلب بمعنى انته ا ه.

(قوله : ليقم الغلام) هو تنظير لا تمثيل ا ه.

٢٤

يعني أن فعل الأمر المبني على السكون إذا اتصل آخره بأل نحو : صم النهار واعتكف الليل ، حرك آخره بالكسرة فرارا من التقاء الساكنين وذلك لأن همزة الوصل تسقط في الدرج فيتلقى ساكنان فلا يمكن النطق إلا بتحريك آخره. وإنما يحرك بالكسرة (لأنها الأصل) في التخلص من الساكنين وهكذا كلما التقى ساكنان فإنه يحرك بالكسر وربما حرك بالفتح نحو : ومن الناس ، كراهية أن تتوالى كسرتان في كلمة على حرفين وهي من ، لكن تمثيل الناظم بقوله : ليقم الغلام ، غير مطابق ، إذ الكلام في أمر الحاضر الذي هو قسيم المضارع لا في المضارع المقرون بلام الأمر وإن كان الحكم صحيحا فيه أيضا.

(وإن أمرت من سعى ومن غدا

فأسقط الحرف الأخير أبدا

تقول : يا زيد اغد في يوم الأحد

واسع إلى الخيرات لقيت الرشد

وهكذا قولك في ارم من رمى

فاحذر (على ذلك) فيما استبهما)

يعني إذا أردت صيغة الأمر من المضارع المعتل الآخر كمضارع سعى وغدا ورمى ، فاحذف الحرف الأخير منه وهو حرف العلة ليكون مبنيا على حذفه

______________________________________________________

(قوله : لأنها الأصل إلخ) وإنما كانت الكسرة أصلا في التخلص

من التقاء الساكنين لما بين الكسرة والسكون من المناسبة ، وذلك أن الجر مخصوص بالاسم والجزم مخصوص بالفعل ، والكسرة من الجر والسكون من الجزم. فهنا متناقضان وبين النقيضين مناسبة لتلازم حضورهما في الذهن ولذا قد نرى النقيض يحمل على النقيض كما يحمل النظير على النظير ا ه.

(قوله : على ذلك) جرى على غير الأصل في التعبير به ، فإن أصل ذلك أن يكون لمفرد لكن جرى هنا للجمع الذي للأفعال الثلاثة مجازا كما جرى لفظ المفرد على المثنى في قوله تعالى : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ)(١) أي بين الفارض والبكر. وجرى الجمع في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبدا ما أبقيتنا واجعل ذلك» إلخ ، أشار بذلك إلى الأسماع والأبصار والقوة مجازا. ا ه رسلان.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٦٨.

٢٥

نيابة عن السكون مع بقاء الحركة التي قبل الآخر لتدل على المحذوف فتقول : يا زيد اسع واغد وارم ، وقس على ذلك. وهذا تقييد لقوله أولا : والأمر مبني على السكون ، وقد علم مما مر.

فقوله : من سعى ومن غدا ومن رمى ، من مجاز الحذف أي من مضارع ما ذكر لأن الأمر مأخوذ منه :

(والأمر من خاف خف العقابا

ومن أجاد أجد الجوابا

وإن يكن أمرك للمؤنث

فقل لها خافي رجال العبث)

أي إذا أردت صيغة الأمر من المضارع الأجوف وهو ما عينه حرف علة كمضارع خاف وأجاد ، فاحذف الوسط أي حرف العلة لملاقاته ساكنا وهو آخر الفعل فتقول : خف وأجد وقل وبع ، كما يحذف إذا أسند الأمر من ذلك إلى نون النسوة كخفن وقلن وبعن ، بخلاف ما إذا أسند إلى ضمير المؤنثة المخاطبة كخافي رجال العبث ، فإنه لا يحذف لانتفاء العلة كما لا يحذف إذا أسند إلى ضمير تثنية أو جمع كخافا وخافوا وقولا وبيعا.

٢٦

(باب الفعل المضارع)

(وإن وجدت همزة أو تاء

أو نون جمع مخبرا أو ياء

قد ألحقت أول كل فعل

فإنه المضارع المستعلي)

ولما فرغ من الماضي والأمر أخذ يتكلم على المضارع فذكر أنه ما ألحق بأوله إحدى الزوائد الأربع المذكورة لكن يشترط أن تكون الهمزة (للمتكلم) وحده والنون له ومن معه ، (أو المعظم نفسه) ، (ولو ادعاء). والياء للغائب المذكر مفردا أو مثنى أو مجموعا ، ولجمع الإناث الغائبات والتاء للمخاطبة مفردا أو مثنى أو مجموعا مذكرا أو مؤنثا ، وللغائبة المفردة ولمثناها. قال بعضهم : وتمييز المضارع بهذه الأحرف أولى من التمييز بلم (لعدم انفكاكها) عنه ولاتصالها به وللتنصيص على جميع أمثلته بخلاف لم ، وعليها اقتصر ابن مالك في «التسهيل».

______________________________________________________

(قوله : للمتكلم) أي لتكلم المتكلم لأن هذه الحروف موضوعة للتكلم والخطاب والغيبة بخلاف الضمائر ا ه.

(قوله : أو المعظم نفسه) أي الذي يأتي بها على وجه التعظيم بإقامة نفسه مقام جماعة وإن لم يكن في الواقع كذلك. واستعمالها في هذه الحالة مجاز حيث أطلق ما للجمع على الواحد ا ه.

(قوله : ولو ادعاء) كقول فرعون : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً)(١) ا ه.

(قوله : لعدم انفكاكها) أي لفظا. وأما نحو : (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦))(٢) ، و (ناراً تَلَظَّى (١٤))(٣) ، وتنزل الملائكة ، فالصحيح أن المحذوف هو التاء الثانية لا تاء المضارعة.

__________________

(١) سورة الشعراء ، الآية ١٨.

(٢) سورة عبس ، الآية ٦.

(٣) سورة الليل ، الآية ١٤.

٢٧

ويعلم مما قررنا أن نحو : أكرم و (نرجس ويرنأ) وتعلم ، ليست أفعالا مضارعة لعدم دلالة الأحرف الزوائد فيها على المعاني المتقدمة بل هي أفعال ماضية.

(وليس في الأفعال فعل يعرب

سواه والتمثيل فيه يضرب)

أشار إلى أن المضارع يدخله من أنواع الإعراب الرفع والنصب والجزم ، فيرفع بحركة أو حرف وينصب بحركة أو حذف ، ويجزم بحذف حركة أو حرف. هذا ما لم يتصل به ما يقتضي بناءه من نون تأكيد أو إناث. وسمي مضارعا لأنه لما شابه الاسم في مشاركته له في الإعراب (باعتوار المعاني) المختلفة عليه سما على قسيميه بذلك كما أشار إليه بقوله أولا ، فإنه المضارع المستعلي ، والمضارعة لغة المشابهة ، مأخوذة من الضرع كأن كلا من المشتبهين ارتضعا من ثدي واحد فهما إخوان رضاعا.

(والأحرف الأربعة المتابعة

مسميات أحرف المضارعة)

______________________________________________________

(قوله : نرجس ويرنأ) نرجس بفتح النون وسكون الراء وفتح الجيم تقول : نرجس زيد الدواء إذا جعل فيه النرجس بكسر النون وفتحها وكسر الجيم لا غير. وهو نبت ذو رائحة طيبة. ويرنأ بفتح الياء وسكون الراء تقول : يرنأ زيد الشيب ويرنأته إذا خضبته باليرنأ وهو الحناء. ا ه.

(قوله : باعتوار المعاني) واختلف في معناه فقيل : جريانه على لفظ الاسم في حركاته وسكناته كتصاريفه. وقيل : وجود الإبهام والتخصيص فيه. وقيل : قوله للام الابتداء. وقيل : تعاور معان عليه لا تميز إلا بالإعراب في نحو : لا تأكل السميك وتشرب اللبن. واعتمد هذا ابن مالك وردّ ما قبله بوجود مثله في الماضي مع أنه مبني اتفاقا. فالأول نحو : فرح فهو فرح ، وشره فهو شره. والثاني نحو : قام زيد فإنهم مبهم في الزمان الماضي. فإذا قيل : قد قام تخصص بالزمان القريب. والثالث نحو : لو جاء زيد لأكرمته. واعترض على ابن مالك بمجيء ما ذكره في الماضي نحو : ما صام زيد واعتكف ، فإنه يحتمل نفيهما معا ونفي الأول منهما ونفي اجتماعهما. قال بعضهم : ولا حاجة لهذا كله لأنه ليس واحد منه سببا في إعراب الاسم حقيقة وإلا لما بني الاسم إذا أشبه الحرف وإنما هي مناسبات لا يلزم اطرادها. ولعل تخصيص المضارع بوجود المشابهات كلها فيه في تركيب واحد غالبا فتأمل. ا ه.

٢٨

وسمطها الحاوي لها نأيت

فاسمع وع القول كما وعيت)

يعني أن الزوائد الأربعة المتقدمة تسمى أحرف المضارعة ، ويجمعها قولك : «نأيت» أي بعدت ، لكن يؤخذ مما قدمناه أن التعبير بأنيت أنسب بالنسبة التضعيفية من نأيت ، والسمط الخيط الذي ينتظم فيه الخرز ، فشبه الناظم اجتماع الأحرف المتفرقة باجتماع الخرز المنتظم في خيط. وقوله : فاسمع إلخ ، أي اسمع ما أقول لك وع للقول أي احفظه حفظا كحفظي.

(وضمها من أصلها الرباعي

مثل مجيب أجاب الداعي

وما سواه فهي منه تفتتح

ولا تبل أخف وزنا أم رجح

مثاله يذهب زيد ويجيء

ويستجيش تارة ويلتجي)

ولما فرغ من تمييزه أخذ في بيان حكمه باعتبار أوله ، فذكر أن حرف المضارعة منه يضم إن كان أصله الذي هو الماضي رباعيا سواء كان كل حروفه أصولا كيد حرج ، أم بعضها زائدا كيجيب. ويفتح فيما سوى المضارع الذي ماضيه رباعيا سواء أخف وزنه ، أي قلت حروفه ، بأن كان ثلاثيا كيذهب ، أم رجح أي كثرت أحرفه بأن كان خماسيا كيلتجي ، أو سداسيا كيستجيش.

وقوله : وضمها ، يحتمل أن يكون فعل أمر وأن يكون مبتدأ خبره ما بعده والضمير المتصل به لأحرف المضارعة وفي أصلها للأفعال.

وقوله : ولا تبل ، أصله قبل دخول الجازم : تبالي ، حذف آخره لدخول الجازم ثم عومل معاملة الصحيح طلبا للتخفيف لكثرة استعماله بأن سكنت اللام فحذفت الألف لالتقاء الساكنين.

٢٩

(باب الإعراب)

(الإعراب) مصدر أعرب ، يجيء لغة لمعان منها : الإبانة والتحسين والتغيير المناسب للمعنى الاصطلاحي من معانيه الإبانة إذ القصد به إبانة المعاني المختلفة. وأما اصطلاحا : فهو عند البصريين أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة حقيقة كزيد أو حكما (كيد) ، فهو عندهم لفظي وهو ظاهر قوله : فإنه بالرفع ثم الجر إلخ ، إذ يكون الرفع وما عطف عليه أنواعا للإعراب حقيقة إنما يتمشى عليه. وعند الكوفيين تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظا (أو تقديرا) فهو عندهم معنوي وعليه يتضح أن يقال للرفع مثلا علامات وللنصب كذلك بخلاف الأول إذ هي هو. وثم في كلامه بمعنى الواو وهذه الأنواع السابقة ، أعني الرفع والنصب والجر والجزم ، تنقسم باعتبار محالها إلى ثلاثة أقسام : قسم منها يدخل على الاسم والفعل وهو المشار إليه

______________________________________________________

(قوله : الإعراب) هو في اللغة له معان المناسب منها هنا الإبانة والتغيير لظهور ثقله في الاصطلاح عنهما لأن الكلمة إذا أعربت ظهر معناها وبان وتغيرت عن حالة الوقف.

وأما في الاصطلاح ففيه مذهبان أحدهما : أنه لفظي ، أي نفس الحركات والسكون وما ينوب عنهما وعليه فحده ما جيء به لبيان مقتضى العامل من حركة أو حرف أو سكون أو حذف أي شيء جيء به لبيان الأمر الذي يطلبه العامل كالفاعلية والمفعولية والإضافة ويقابله البناء فحده ما جيء به لا لبيان مقتضى العامل من شبه الإعراب وليس حكاية ولا نقلا ولا اتباعا ولا تخلصا من سكونين.

والثاني : أنه معنوي والحركات دلائل عليه ، وعليه فحده تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظا أو تقديرا ، ويقابله البناء فحدّه لزوم آخر الكلمة حالة واحدة لغير عامل ولا اعتلال ا ه.

(قوله : كيد) أصله يدي بسكون الدال فحذفت الياء اعتباطا أي لا لعلة وجعل الإعراب على الدال فالمحذوف منه لام الكلمة ا ه.

(قوله : أو تقديرا) نحو : بكم درهم اشتريت ، إذ التقدير بكم من درهم ا ه.

٣٠

بقوله :

((فالرفع) و (النصب) بلا ممانع

قد دخلا في الاسم والمضارع)

أي قد دخل كل منهما في الاسم المتمكن وهو الذي لا يشبه الحرف شبها قويا بحيث يدنيه منه ، وفي الفعل المضارع إذا عرى من نون الإناث ومن نون التأكيد المباشرة لفظا وتقديرا نحو زيد يقوم ، وإن زيد لن يقوم.

وقسم منها لا يدخل إلا على الاسم وهو المشار إليه بقوله :

(والجر يستأثر بالأسماء)

أي يختص بها كمررت بزيد (لخفته) ، ولأن كل مجرور مخبر عنه في المعنى والمخبر عنه لا يكون إلا اسما.

وقسم منها لا يدخل إلا على الفعل وهو المشار إليه بقوله :

(والجزم في الفعل بلا امتراء)

أي يختص به لثقله وليكون الجزم فيه كالعوض من الجر لما فاته من المشاركة فيه. فتحصل لكل من صنفي المعرب ثلاثة أوجه من الإعراب ولا يعرب من الكلمات سواهما.

واعلم أن لهذه الأنواع الأربعة علامات أصولا وعلامات فروعا ومجموعها أربع عشرة علامة منها أربعة أصول والبقية نائبة عنها. وقد أشار إلى

______________________________________________________

(قوله : فالرفع) هو لغة العلو والارتفاع. واصطلاحا : على أن الإعراب لفظي نفس الضمة وما ناب عنها وعلى أنه معنوي تغيير مخصوص علامته الضمة وما ناب عنها.

(قوله : والنصب) هو لغة الاستقامة والاستواء. واصطلاحا : على أن الإعراب لفظي نفس الفتحة وما ناب عنها وعلى أنه معنوي تغيير مخصوص علامته الفتحة وما ناب عنها.

(قوله : لخفته) ولأن الجر عامل غير مستقل فلا يحمل غيره ، أي غير الجر عليه ، أي على الجر بخلاف الرفع والنصب لقوة عملهما بالاستقلال فجعل المضارع مشاركا للاسم فيهما بطريق الحمل والفرعية واختص الاسم بالجر لضعفه عن أن يحمل عليه غيره ا ه.

٣١

الأصول بقوله :

(فالرفع ضم آخر الحروف

والنصب بالفتح بلا وقوف

(والجر) بالكسرة للتبيين

(والجزم) في السالم بالتسكين)

يعني أن أصل الإعراب أن يكون الرفع بالضمة والنصب بالفتحة والجر بالكسرة والجزم بالسكون. إذ الإعراب بالحركات أصل للإعراب بالحروف ، وبالسكون أصل للإعراب بالحذف لأنه لا يعدل عنهما إلا عند تعذرهما. وقيل : كان القياس أن يقال برفعه ونصبه وجره لأن الضم والفتح والكسر للبناء ولكنهم أطلقوا ذلك توسعا. وقوله : آخر الحروف ، إشارة إلى أن الرفع محله آخر الكلمة ومثله النصب والجر والجزم إذ لا فرق ، ففي عبارته حذف من الثاني إشارة الأولى. وقوله : بلا وقوف ، إشارة إلى أن الحركات إنما تظهر في حالة الوصل دون الوقف. وقوله : للتبيين ، إشارة إلى أن الإعراب جيء به لتبيين المعنى وإيضاحه إذ من الكلمات ما يطرأ عليه بعد التركيب معان مختلفة ، فلو لا الإعراب لالتبس بعضها ببعض.

فإذا قلت : ما أحسن زيد ، لم يدر أن المراد منه التعجب من حسن زيد أو نفي الحسن عنه أو أي شيء من أجزائه حسن. فإذا قلت : ما أحسن زيدا ، بالنصب ، فهم الأول ، أو ما أحسن زيد بالرفع ، فهم الثاني ، أو ما أحسن زيد بالخفض مع ضم النون فهم الثالث.

وقوله : والجزم في السالم ، أي في الفعل السالم من اعتلال آخره لإخراج المعتل الآخر فإن جزمه بحذف آخره كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

______________________________________________________

(قوله : والجر) هو اصطلاحا : على أن الإعراب لفظي نفس الكسرة وما ناب عنها ، وعلى أنه معنوي تغيير مخصوص علامته الكسرة وما ناب عنها.

(قوله : والجزم) هو لغة : القطع. واصطلاحا : على أن الإعراب لفظي نفس السكون وما ناب عنه وعلى أنه معنوي تغيير مخصوص علامته السكون وما ناب عنه.

٣٢

(باب في الاسم المنصرف)

الاسم ينقسم بعد التركيب إلى معرب ومبني.

فالمعرب هو الاسم المتمكن (كما تقدم).

والمبني : ما أشبه الحرف (في الوضع) ، (أو في المعنى) ، (أو في الاستعمال). وقيل : ما أشبه مبني الأصل.

ثم المعرب منصرف وغير منصرف ، فغير المنصرف ما أشبه الفعل بوجود علتين فيه من علل تسع أو واحدة منها تقوم مقامهما ، وسيأتي الكلام على ذلك.

وأما المنصرف فهو بخلافه وإليه أشار بقوله :

(ونون الاسم الفريد المنصرف

إذا اندرجت قائلا ولم تقف)

قد تقدم أن التنوين من خواص الاسم ، وهو مصدر نوّنته ، أي أدخلته نونا فسمي ما به ينوّن الشيء ، أعني النون تنوينا إشعارا بحدوثه وعروضه لما في

______________________________________________________

(قوله : كما تقدم) أي بقوله وهو الذي لا يشبه الحرف.

(قوله : في الوضع) وضابطه أن يكون الاسم موضوعا على حرف واحد أو على حرفين ثانيهما لين كالتاء ونا في : جئتنا. فالأول أشبه باء الجر والثاني أشبه ما النافية.

(قوله : أو في المعنى) وضابطه أن يتضمن الاسم معنى من معاني الحروف كمتى ، فإنها تستعمل شرطا نحو : متى تقم أنت. ا ه.

(قوله : أو في الاستعمال) وهو أن يستعمل الاسم استعمال الحروف وضابطه أن يلزم الاسم طريقة من طرائق الحروف الدالة على المعاني في معناه وعمله ولا يدخل عليه عامل من العوامل فيؤثر فيه لفظا أو متأصلا. فالأول كهيهات وصه وأوّه ، فإنها نائبة عن بعد بضم العين ، واسكت وأتوجع. ولا يصح أن يدخل عليها شيء من العوامل فتتأثر به فأشبهت من الحروف ليت ولعل مثلا ، ألا ترى أنهما نائبتان عن أتمنى وأترجى. والثاني : وهو الذي يفتقر افتقارا متأصلا إلى جملة كإذا وإذ ، ألا ترى أنك تقول : جئتك إذ ، فلا يتم معنى إذ حتى تقول : جاء زيد ، ونحوه من الجمل.

وكذلك الباقي من الظروف والموصول. ا ه تصريح.

٣٣

المصدر من معنى الحدوث. ومراد الناظم رحمه‌الله : أن الاسم إذا أعرب بالحركة ألحق بآخره التنوين للدلالة على أمكنيته في باب الاسمية أي كونه لم يشبه الفعل فيمنع من الصرف ولا الحرف فيبنى ، لكن يشترط كونه مفردا منصرفا مجردا من أل والإضافة نحو : جاء زيد ، ورأيت زيدا ، ومررت بزيد. واحترز بالفريد ، أي المفرد عن المثنى والمجموع (على حدة) فلا ينونان إذ النون فيهما بدل عن التنوين في المفرد وبالمنصرف عن غيره فلا ينون إلحاقا له بالفعل. وأشار بقوله : إذا اندرجت قائلا ولم تقف ، إلى أن محل إلحاق التنوين إنما هو في حال عدم الوقف ، فأما إذا وقف عليه فقد أشار إلى حكمه بقوله :

(وقف على المنصوب منه بالألف

كمثل ما تكتبه لا يختلف)

يعني أن الاسم المفرد المنصرف النون يوقف عليه في حالة النصب بالألف ، أي بإبدال تنوينه ألفا كما يثبت ذلك خطا.

(تقول عمرو قد أضاف زيدا

وخالد صاد الغداة صيدا)

لأن الوقف تابع للخط غالبا ولهذا وقف على نحو رحمة بالهاء لأن كتابته كذلك ، وأما في حالة الرفع والجر فإنه إذا وقف عليه حذف منه التنوين وسكن آخره نحو : هذا زيد ، ومررت بزيد ، كما يحذف منه للإضافة أو دخول أل. وإلى ذلك أشار بقوله :

(وتسقط التنوين إن أضفته

أو إن تكن باللام قد عرّفته)

يعني إن التنوين قد يعرض له ما يسقطه فإذا أضفت الاسم المنون حذفت تنوينه ، مثاله : جاء غلام الوالي ، وذلك لأن التنوين يدل على كمال الاسم والإضافة تدل على نقصانه ، ولا يكون الشيء كاملا ناقصا. وكذلك إذا أدخلت عليه اللام وإن لم تفد تعريفا نحو : جاء الحارث ، وأقبل الغلام كالغزال ، استثقالا للجمع بينهما إذ كل من لام التعريف والتنوين زائد. وكلامه هنا صريح في أن آلة التعريف هي اللام.

______________________________________________________

(قوله : على حده) أي على حد المثنى وطريقته في إعرابه بالحرف وسلامة واحدة واختتامه بنون زائدة تحذف بالإضافة. ا ه تصريح.

٣٤

(باب الأسماء الستة المعتلة)

(وستة (ترفعها بالواو)

في قول كل عالم وراوي

والنصب فيها يا أخي بالألف

وجرها بالياء فاعرف واعترف

وهي أخوك وأبو عمرانا

وذو وفوك وحمو عثمان

ثم هؤلاء سادس الأسماء

فاحفظ مقالي حفظ ذي الذكاء)

قد تقدم أن أصل الإعراب أن يكون بالحركات والسكون ، وخرج عن ذلك الأصل سبعة أبواب أعربت بغير ما ذكره ، وتسمى أبواب النيابة لأن الإعراب الواقع فيها نائب عن الأصل. فمنها هذه الأسماء الستة ناب فيها حرف عن حركة. وحكمها أنها ترفع بالواو نيابة عن الضمة نحو : (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ)(١) ، وتنصب بالألف نيابة عن الفتحة نحو : (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٢) ، وتجر بالياء نيابة عن الكسرة نحو : (ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ)(٣).

______________________________________________________

(قوله : ترفعها بالواو إلخ) قال بعضهم : وإنما أعربت هذه الأسماء بالحروف وإن كانت فروعا عن الحركات إلا أنها أقوى منها لأن كل حرف علة كحركتين فكره استبداد المثنى والجمع الفرعيين عن المفرد بالإعراب واختاروا هذه الأسماء فأعربوها بالحروف ليكون في المفرد الإعراب بالحروف الأقوى ، وبالأصل وهو الحركة. وخصوا هذه الأسماء لشبهها بالمثنى والجمع في أن في آخرها حرف علة يصلح للإعراب ولأن آخرها يستلزم ذاتا أخرى كالأخ للأخ والابن للأب ، وكانت ستة لأن إعراب الجمع ثلاثة والمثنى كذلك فكان المفرد ستة كذلك. وخصوا ما ذكر بحال إضافتها لتظهر تلك الذات اللازمة فتقوى المشابهة وفضلت عن المثنى والجمع في استيفاء الحروف الثلاثة لأصالتها بالإفراد. انتهى من «شرح الخراشي على الآجرومية».

__________________

(١) سورة القصص ، الآية ٢٣.

(٢) سورة يوسف ، الآية ٨.

(٣) سورة يوسف ، الآية ٨١.

٣٥

وشرط إعرابها بما ذكر أن تكون مفردة ، فلو ثنيت أو جمعت (أعربت إعراب المثنى) ، (وذلك المجموع) وأن تكون مكبرة فلو صغرت أعربت (بحركات ظاهرة) ، وأن تكون مضافة لغير ياء المتكلم ولو تقديرا بأن تضاف لظاهر أو ضمير غائب أو مخاطب أو متكلم غير الياء ، فلو أضيفت إليها أعربت بحركات مقدرة. وسيأتي في الإضافة أن ذو لا تضاف إلا إلى اسم جنس.

واستغنى الناظم عن التصريح بذكر هذه الشروط فيها لنطقه بها كذلك كما استغنى عن تقييد ذو بمعنى صاحب ، وتقييد فو بالخلوّ عن الميم ، فإن لم يخل منها أعرب بحركات ظاهرة منقوصا وبحركات مقدرة مقصورا. والحم : أقارب الزوج ، وقد يطلق على أقارب الزوجة كما مثل الناظم. والهن : كناية عما يستقبح التصريح باسمه. وقيل : عن الفرج خاصة. وأنكر بعضهم إعرابه بالحروف فعد الأسماء الخمسة وهو محجوج بالسماع وإعرابه منقوصا كإعراب غد أفصح ، فهذا هنك أفصح من هذا هنوك. وما ذكره الناظم من أن هذه الأسماء معربة بالحروف هو المشهور من أقوال كثيرة ، والذي صححه جمع ونسب إلى سيبويه أنها معربة بحركات مقدرة على أحرف العلة (واتبع فيها) ما

______________________________________________________

(قوله : أعربت إعراب المثنى) فترفع بالألف نحو : جاء أبواك. وتنصب وتجر بالياء نحو : رأيت أبويك ، ومررت بأبويك.

(قوله : وذلك المجموع) فإن جمعت جمع تكسير أعربت بالحركات على الأصل كجاء آباؤك وإخوتك ، أو جمع الصحيح أعربت بالحروف نحو : جاء أبوون وأخوون.

ولا يجمع هذا الجمع إلا الأب والأخ والحم ، وإن نازع في هذا الأخير البهوتي.

ويشترط أيضا أن لا تكون منسوبة ، فلو نسبتها نحو : هذا أبوي وأخويّ أعربت بالحركات على ياء النسبة ا ه.

(قوله : بحركات ظاهرة) نحو : جاءني أبيك ، ورأيت أبيك ، ومررت بأبيك ا ه إملاء.

(قوله : واتبع فيها إلخ) فأصل قام أبوك ، أبوك : بفتح الباء وضم الواو ، فضمت الباء لاتباع ضمة الواو ثم استثقلت الضمة على الواو فحذفت. وأصل مررت بأبيك بأبوك : بفتح الباء وكسر الواو فكسر الباء اتباعا لكسرة الواو وحذفت كسرة الواو استثقالا فقلبت الواو لسكونها وانكسار ما قبلها. وأما رأيت أباك فإن الشارح رأى أن

٣٦

قبل الآخر للآخر رفعا وجرا.

وقول الناظم : في قول كل عالم وراوي ، فيه نظر ، إذ مقتضى كلامه أن هذه الأحرف هي الإعراب في كل قول.

(والواو والياء جميعا والألف

هي حروف الاعتلال المكتنف)

أشار إلى هذه الأحرف التي جعلت علامة للإعراب تسمى أحرف العلة ، وسميت بذلك لأن من شأنها أن ينقلب بعضها إلى بعض ، وحقيقة العلة تغير الشيء عن حاله. وتسمى أيضا أحرف مد ولين لما فيها من اللين مع الامتداد ، فإن كان حركة ما قبلها (ليس من جنسها) سميت أحرف لين لا مد ، هذا في الواو والياء. وأما الألف فحرف مد أبدا ، وسماها مكتنفة لكونها إلى جانب حرف سابق لها. وكنف الشيء جانبه ، أو لكونها مكتنفة للحركات المقدرة فيكون فيه إيماء إلى القول بأن هذه الأسماء معربة بحركات مقدرة لأن الإعراب زائد على ماهية الكلمة وهذه الأحرف ليست زوائد وإنما هي أصلية.

______________________________________________________

فتحة الباء أصلية وليست للاتباع لأن الأصل : أبوك ، بفتحتين ولهذا اقتصر على الرفع والجر. ولا يبعد أن يقال : إن فتحة الأصل حذفت والموجودة عارضة للاتباع ليطرد الباب وهو الذي في «شرح التسهيل» للدماميني. وهو ظاهر عبارة الرضى وعوملت معاملة الأصلية في إيجابها لقلب حرف العلة المتحرك بعدها وهو الواو ألفا. ا ه كردي.

(قوله : ليس من جنسها) نحو : خوف وعين واخشين وفرعون وغرنيق ، والأصل أن يكون ما قبل الواو مضموما وما قبل الياء مكسورا ا ه.

٣٧

(باب في الاسم المنقوص)

(والياء في القاضي وفي المستشري

ساكنة في رفعها والجر

ويفتح الياء إذا ما نصبا

نحو لقيت القاضي المهذبا)

علامة الإعراب تكون ظاهرة كما تقدم ، ومقدرة ، وذلك في الاسم والفعل المعتل. والاسم قسمان : صحيح ومعتل. والمعتل قسمان : مقصور ، وسيأتي. ومنقوص : وهو (كل اسم) معرب آخره ياء خفيفة لازمة قبلها كسرة كالقاضي. وسمي منقوصا لأنه يحذف آخره للتنوين كداع ومرتق ، أو لأنه نقص منه بعض الحركات. وحكمه : أن ياءه ساكنة رفعا وجرا إن كان معرفة ، والضمة والكسرة مقدرتان عليها سواء كان معرفا بأل كجاء القاضي والمستشري ، ومررت بالقاضي والمستشري. أو بالإضافة كجاء قاضي مكة ، ومررت بقاضي طيبة. وإنما قدرتا لاستثقالهما على الياء المنكسر ما قبلها. وأما في حالة النصف فالفتحة ظاهرة عليها للخفة كما مثل به ومنه نحو : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧))(١) ، (أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ)(٢). فإن كان نكرة فقد أشار إليه بقوله :

(ونوّن المنكر المنقوصا

في رفعه وجره خصوصا)

يعني أن المنقوص إذا كان نكرة بأن خلا من أل والإضافة دخله التنوين ، أي تنوين التمكين في حالة رفعه وجره ووجب حينئذ حذف يائه لالتقاء الساكنين وإبقاء ما قبلها مكسورا ليدل عليها ، مثاله :

(تقول : هذا مشتر مخادع

وافزع إلى حام حماه مانع)

فمشتر أصله مشتري بالتنوين حذفت الضمة للاستثقال والياء لالتقاء

______________________________________________________

(قوله : كل اسم) خرج به الفعل نحو : يرمي ، والحرف نحو : في. ا ه.

__________________

(١) سورة العلق ، الآية ١٧.

(٢) سورة الأحقاف ، الآية ٣١.

٣٨

الساكنين فصار مشتر ، فرفعه بضمة مقدرة على الياء المحذوفة. وكذا حام أصله حامي بالتنوين حذفت الكسرة ثم الياء كذلك فصار حام فجره بكسرة مقدرة على الياء المحذوفة ، وأما نصبه فترد فيه الياء وينصب منونا نحو : لم أكن قاضيا. ومنه قوله : إنه كان عاليا. وقوله:

(وهكذا تفعل في ياء الشجي

وكل ياء بعد مكسور تجي

هذا إذا ما وردت مخففة

فافهمه عني فهم صافي المعرفة)

يعني به أنك تفعل مثل ما تقدم في القاضي والمستشري في ياء الشجي ، وشبهه من كل اسم معرب آخره ياء خفيفة لازمة قبلها كسرة كالداعي والجاني ، فما كان معرفة أبقيت ياءه ساكنة رفعا وجرا وفتحتها نصبا ، وما كان نكرة نوّنته وحذفت ياءه رفعا وجرا وأثبتها مفتوحة نصبا بخلاف ما آخره ياء مشددة أو ساكن ما قبلها نحو : كرسي وظبي ، فإنه يجري مجرى الصحيح في الإعراب تقول : هذا كرسيّ وظبي ، ورأيت كرسيا وظبيا ، ومررت بكرسي وظبي.

٣٩

(باب في الاسم المقصور)

(وليس للإعراب فيما قد قصر

من الأسامي أثر إذا ذكر

مثاله يحيى وموسى والعصا

أو كرحى أو كحيا أو كحصى

فهذه آخرها لا يختلف

على تصاريف الكلام المؤتلف)

القصور : كل اسم معرب آخره ألف لازمة قبلها فتحة كالأمثلة المذكورة. وسمي مقصورا لأنه منع المد أو لأنه قصر عن ظهور الحركات.

والقصر لغة : المنع.

وحكمه أن الإعراب جميعه يقدر فيه ، أعني الضمة والفتحة والكسرة ، لتعذر النطق بها على الألف كجاء الفتى ، ورأيت الفتى ، ومررت بالفتى. فيكون آخره على حالة واحدة لا يختلف لفظا على تصاريف الكلام رفعا وجرا ونصبا لكن محل تقدير جميع الحركات فيه إذا كان منصرفا.

أما غير المنصرف منه كموسى ويحيى فتقدر فيه الضمة والفتحة دون الكسرة لعدم دخولها فيه. وقيل بتقديرها فيه أيضا لأنها إنما امتنعت فيما لا ينصرف كأحمد للثقل ولا ثقل مع التقدير.

وأفاد بتعداد المثال أنه لا فرق في المقصور بين أن يكون معرفة أو نكرة ، مفردا أو جمعا ، وإذا كان نكرة لحقه التنوين ووجب حينئذ حذف ألفه لالتقاء الساكنين وقدر الإعراب على الألف المحذوفة.

فإذا قلت : رأيت فتى مثلا ، ففتى منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف المحذوفة.

٤٠