كشف النّقاب عن مخدرات مليحة الإعراب

عبد الله بن محمّد أحمد الفاكهي

كشف النّقاب عن مخدرات مليحة الإعراب

المؤلف:

عبد الله بن محمّد أحمد الفاكهي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٦

وأنت يا زيد فلا تهوى المنا

ولا تبع إلا بنقد في منى)

أشار إلى مسألتين :

إحداهما : أن المضارع الصحيح الآخر إذا كان معتل الوسط بأن كان حرف العلة قبل آخره ، وهذا معنى قوله : ردفا من ردف الراكب. وجزم بالسكون لدخول الجازم ، فاطلب الحذف للردف الذي هو الوسط ، أي احذفه لأنه يلتقي حينئذ ساكنان وهما سكون الآخر للجازم وسكون الردف ، أو اجعل الحذف سمة له.

فقوله : فسمة الحذفا بضم السين أو كسرها من السوم أو السمة. وقد مثل للردف بقوله : لا تقل ولا تبع ، أصلهما : تقول وتبيع حذفت الضمة ثم حرف العلة لما تقدم ، ومثلهما لا تخف.

الثانية : أن حرف العلة إذا كان آخر المضارع فاحذفه للجازم واجعل حذفه علامة للجزم ، وقد مثل لذلك رحمه‌الله تعالى بقوله : لا تأس ، أي لا تحزن ، على ما فات ولا تؤذ أي أحدا من خلق الله ، ولا تحس الطلا بكسر الطاء أي : لا تشرب الخمر ، ولا تهوى المنا أي : لا تحب الأماني الكاذبة. وقد صدق فيما قال رحمه‌الله تعالى.

فهذه الأفعال الأربعة مجزومة بحذف آخرها وكون حرف العلة يحذف للجازم هو المشهور. وأما قوله :

ألم يأتيك والأنباء تنمى

بما لاقت لبون بني زياد

فضرورة أو إجراء له مجرى الصحيح في حذف الحركة المقدرة للجازم كما تحذف له الملفوظة ، وهي لغة لبعض العرب كما أشار إلى ذلك في «التسهيل» وعليها خرج قراءة قنبل : إنه من يتقي ويصبر.

(والجزم في الخمسة مثل النصب

فاقنع بإيجازي وقل لي حسبي)

يعني أن الأمثلة السابقة جزمها بحذف النون نيابة عن السكون (كنصبها)

______________________________________________________

(قوله : كنصبها) ظاهر كلامه أن الجزم محمول على النصب وليس كذلك ، بل النصب محمول على الجزم في علامته.

١٦١

نحو : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا)(١) ، (وَإِنْ يَتَفَرَّقا)(٢) ، (وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي)(٣). والإيجاز هو الاختصار.

ولما فرغ من القسم الأول ، وهو ما يجزم فعلا واحدا ، أخذ في بيان ما يجزم فعلين فقال :

(هذا وإن في الشرط والجزاء

تجزم فعلين بلا امتراء

وتلوها أيّ ومن ومهما

وحيثما أيضا وما وإذا

وأين منهن وأنى ومتى

فاحفظ جميع الأدوات يا فتى)

فذكر أنّ الأدوات التي تجزم فعلين عشرة والإشارة بهذا إلى القسم الأول أي خذ هذا.

ثم ما يجزم فعلين على ثلاثة أقسام : ما هو حرف باتفاق وهو إن ، وهو موضوع للدلالة على مجرد تعليق الجواب على الشرط. وما هو حرف على الأصح وهو إذ ما ، وهو كإن في الدلالة على مجرد التعليق. وما هو اسم على الأصح وهو مهما ، وهو موضوع للدلالة على ما لا يعقل. ثم ضمن معنى الشرط وما هو اسم باتفاق وهو من ، وهو موضوع للدلالة على من يعقل. ثم ضمن معنى الشرط وما وهو كمهما وحيثما وأين وأنى ، وهي موضوعة للدلالة على المكان ، ثم ضمن معنى الشرط ومتى ، وهو موضوع للزمان ، ثم ضمن معنى الشرط وأي ، وهو بحسب ما يضاف إليه فيكون لمن يعقل ولما لا يعقل وللزمان والمكان. والفعلان المجزومان بهذه الأدوات ، أي بكل منها ، يسمى أولهما فعل الشرط ، وثانيهما جواب الشرط. فإن كانا مضارعين نحو : وإن تعودوا نعد ، فالجزم للفظهما. أو ماضيين نحو : وإن عدتم عدنا ، فالجزم لمحلهما. وإن كانا مختلفين ماضيا ومضارعا أو عكسه فلكل منها حكمه نحو : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ)(٤) ، ومن يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له. وإذا كان الجواب جملة اسمية فالجزم لمحل الجملة ويجب

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٤.

(٢) سورة النساء ، الآية ١٣٠.

(٣) سورة القصص ، الآية ٧.

(٤) سورة الشورى ، الآية ٢٠.

١٦٢

اقترانها بالفاء أو بإذا الفجائية. وكذا كل جواب امتنع جعله شرطا فإنه يجب اقترانه بالفاء.

(وزاد قوم ما فقالوا إما

وأينما كما تلوا أياما)

أشار إلى أنّ إن وأين وأيا تزاد عليها ما جوازا لتأكيد معنى الشرط نحو : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً)(١) ، (أَيْنَ ما تَكُونُوا)(٢) ، (أَيًّا ما تَدْعُوا)(٣) ، ومثلها متى.

وأفهم كلامه أن الجزم بحيثما وإذ ما مخصوص باقتران ما بهما كما لفظ به وهو الأصح وبقية الأدوات لا تلحقها ، وقد تخرج إن عن الشرط وكذا من وما وأي كما يشعر به قوله في الشرط والجزاء ، فتقع استفهاميات أو موصولات وكذلك يقع أين ومتى استفهاما وكذلك أنى بمعنى متى نحو : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(٤).

وبمعنى من أين نحو : (أَنَّى لَكِ هذا)(٥).

وبمعنى كيف نحو : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها)(٦). ولم يذكر من الجوازم أيان لقلة الجزم بها وكثرة ورودها استفهاما ، ولا كيفما ، لعدم السماع بذلك ، ومن أجاز الجزم بها فالقياس على غيرها. ولا إذا ، لأن الجزم بها خاص بالشعر ، وقد مثّل الناظم لبعض الأدوات بقوله :

(تقول إن تخرج تصادف رشدا

وأينما تذهب تلاق سعدا

ومن يزر أزره باتفاق

وهكذا تصنع في البواقي)

أتى بثلاثة أمثلة لإن وأين ومن ، وأحال بقية الأمثلة على الطالب كي يتمرن على استخراج المثال بقوله :

وهكذا تصنع في البواقي

أي تصنع في بقية الأمثلة مثل هذا الصنع مثال : أي ، نحو : أيّ جهة تجلس أجلس وأيّ الدواب تركب أركب. ومهما ، نحو : (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ

__________________

(١) سورة مريم ، الآية ٢٦.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٤٨.

(٣) سورة الإسراء ، الآية ١١٠.

(٤) سورة البقرة ، الآية ٢٢٣.

(٥) سورة آل عمران ، الآية ٣٧.

(٦) سورة البقرة ، الآية ٢٥٩.

١٦٣

لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ)(١) ، وحيثما كقوله : حيثما تستقم يقدر لك الله نجاحا في غابر الأزمان. وما ، نحو : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ)(٢).

وإذ ما نحو :

(وإنك إذ ما تأت) ما أنت آمر

به تلف من إياه تأمر آتيا

وأنى نحو :

(خليليّ) أنى تأتياني تأتيا

أخا غير ما يرضيكما لا يحاول

ومتى نحو :

(متى تأته) تعشو إلى ضوء ناره

تجد خيرنا عندها خير موقد

(فهذه جوازم الأفعال

جلوتها منظومة اللآلي

______________________________________________________

(قوله : وإنك إذ ما تأت إلخ) الواو للعطف والكاف اسم إن والجملة بعدها خبرها ، وإذ ما للشرط ، وتأت فعل الشرط ، وما مفعول موصولة ، وأنت مبتدأ ، وآمر خبره ، والجملة صلة الموصول وإلى مفعول لتأمر والجملة صلة الموصول وآتيا حال من من. ا ه شواهد.

(قوله : خليليّ إلخ) خليلي منادى مضاف حذف منه حرف النداء أي : يا خليلي ، أصله خليلان ، فلما أضيف إلى ياء المتكلم سقطت النون ثم انقلبت الألف ياء علامة للنصب وأدغمت الياء في الياء ، وأنى شرطية ، وتأتيا فعل الشرط ، وتأتيا جواب الشرط ، وأخا مفعول تأتيا ، وغير منصوب بقوله : لا يحلو لي ومضاف إلى ما يرضيكما. والجملة محل نصب صفة أخا ، وكلمة ما موصولة ، ويرضيكما صلته والعائد محذوف. والتقدير : أي به. ويجوز أن تكون مصدرية أي غير رضاكما لا يحاول ، أي لا يحاول غير مرضاكما. ا ه شواهد.

(قوله : متى تأته إلخ) متى ظرف زمان ومعناه الشرط والعامل فيه تأته. وتأته : مجزوم بالشرط. وتعشو جملة في موضع الحال ، أي متى تأته عاشيا إلى ضوء متعلق بتعشو. تجد : جواب الشرط ، وخير نار : مفعول ، وخير موقد : كلام إضافي مبتدأ ، وعندها : خبره. والجملة في محل جر صفة لنار. ا ه شواهد.

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ١٣٢.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٧.

١٦٤

فاحفظ وقيت السهو ما أمليت

وقس على المذكور ما ألغيت)

هذه الإشارة إلى الأدوات العشرة السابقة ، وشبهها بالعروس المجلاة باللآلىء المنظومة ، وأمر الطالب بحفظ ما أملاه لأن الحفظ يعينه على ما هو بصدده وبقياس ما أهمل ذكره على ما ذكره.

١٦٥

(باب المبنيات)

(ثم اعلمن أن في بعض الكلم

ما هو مبني على وضع رسم

فسكنوا من إذ بنوها وأجل

ومذ ولكن ونعم وهل وبل)

اعلم أن من الكلم ما هو معرب وهو الاسم المتمكن والفعل المضارع المجرد من نوني التأكيد ونون الإناث وقد سبق الكلام عليهما.

ومنه ما هو مبني على وضع لازم كلزوم البناء موضعه فلا يختلف عما رسمته العرب باختلاف العوامل.

والأصل في كل مبني اسما كان أو فعلا أو حرفا أن يبنى على السكون لأنه أخف ولأن الأصل عدم الحركة ، فوجب استصحابه ما لم يمنع مانع.

وألقاب البناء أربعة : ضم وفتح وكسر وسكون.

ولأصالة السكون بدأ الناظم به.

ولخفته دخل على الأسماء والأفعال والحروف.

فمما بني عليه من الأسماء من وكم ، وعلة بناءيهما شبههما بالحرف في الوضع.

ومن الحروف : لكن وهل وبل ومذ ، في لغة من جرّ بها ، وأجل ونعم ، وهما حرفا جواب ، وسيأتي المبني على السكون من الأفعال.

(وضم في الغاية من قبل ومن

بعد وأما بعد فافقه واستبن

وحيث ثم منذ ثم نحن

وقط فاحفظها عداك اللحن)

أتبع السكون الضم والأولى تأخيره عن الفتح والكسر لأنه إذا عدل إلى الحركة قدم الأخف فالأخف وذلك الفتح ثم الكسر ثم الضم ، ويكون في الأسماء لا في الأفعال ولا في الحروف إلا في : منذ ، في لغة من جر بها.

فمما بني على الضم من الأسماء حيث من ظروف المكان وقط بالتشديد وهو ظرف لما مضى من الزمان ، ونحن من الضمائر المنفصلة.

وكذا قبل وبعد إذا حذف المضاف إليه ونوى معناه نحو : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ

١٦٦

قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)(١). ومنه قولهم : أما بعد.

فإن صرح بالمضاف إليه حذف ونوى ثبوت لفظه أو حذف ولم ينو ثبوت لفظه ولا معناه أعرب نصبا على الظرفية أو خفضا بمن نحو : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ)(٢) ، (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)(٣) ، (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)(٤) ، (مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ)(٥).

وقد قرىء : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) بالخفض من غير تنوين. وتقول : جئتك قبلا وبعدا ، أي في زمن من الأزمان.

ومنه قوله :

فساغ لي الشراب وكنت قبلا

أكاد أغص بالماء الفرات

ومثلهما في ذلك أسماء الجهات الست وأول ودون وحسب.

وسميت قبل وبعد وما في معناهما غايات لصيرورتها بعد الحذف غاية في النطق بعد أن كانت وسطا.

(والفتح في أين وأيان وفي

كيف وشتان وربّ فاعرف

وقد بنوا ما ركبوا من العدد

بفتح كل منهما حين يعد)

البناء على الفتح يكون في الأسماء والأفعال والحروف.

فمما بني عليه من الأسماء : أين.

وعلة بنائه شبهه بالحرف في المعنى وهو معنى الاستفهام أو الشرط ولم يبن على السكون فرارا من التقاء الساكنين وحرك بالفتحة طلبا للخفة ومثله : أيان وكيف.

ومما بني على ذلك منها أيضا شتان ، وهو اسم فعل بمعنى افترق ، وبني لشبهه بالحروف في كونه عاملا غير معمول ، وقيل : لوقوعه موقع المبني. وحرك

__________________

(١) سورة الروم ، الآية ٤.

(٢) سورة الحج ، الآية ٤٢.

(٣) سورة الأعراف ، الآية ١٨٥.

(٤) سورة التوبة ، الآية ٧٠.

(٥) سورة القصص ، الآية ٤٣.

١٦٧

بالفتحة طلبا للخفة والجزءان من العدد المركب كأحد عشر وكثلاثة عشر وتسعة عشر وما بينهما.

أما الأول فلافتقاره إلى الثاني.

وأما الثاني فلتضمنه معنى الحرف إذ أصل أحد عشر مثلا أحد وعشر ، فحذفت الواو قصدا لمزج الاسمين وجعلهما اسما واحدا وحركا بالفتحة قصدا لتخفيف الثقل الحاصل بالتركيب.

ومما بني على الفتحة من الأفعال : الماضي المجرد من ضمير الرفع المتحرك ، كضرب واستخرج.

ومن الحروف : رب ولعل ، ولكنّ بالتشديد.

(وأمس مبني على الكسر فإن

صغر كان معربا عند الفطن

وجير أي حقا وهؤلاء

كأمس في الكسر وفي البناء

وقيل : في الحرب نزال مثل ما

قالوا حذام وقطام (في الدمى))

البناء على الكسر يكون في الأسماء والحروف ولا يكون في الأفعال.

فمما بني عليه من الحروف : باء الجر ولامه ، وجير بمعنى نعم. وفسرها الناظم بمعنى حقا والمشهور الأول.

ومن الأسماء : أمس ، وعلة بنائه شبهه بالحرف وهو تضمنه معنى لام التعريف ، وبني على الحركة ليعلم أن له أصلا في الإعراب ، وكانت كسرة لأنها الأصل في التخلص من التقاء الساكنين وبناؤه على ما ذكره لغة أهل الحجاز. ومحل بنائه عندهم (إذا أريد به معين ولم يضف) ولم يعرّف بأل ولم يكسر ولم

______________________________________________________

(قوله : في الدمى) جمع دمية ، وهي صورة من العاج يعملها اليونانيون ويجعلونها قبالة المرأة الحاملة إذا أتى عليها ثلاثة أشهر ليأتي الولد على شكلها.

ا ه.

(قوله : إذا أريد به معين ولم يضف إلخ) وقد نظم بعضهم الشروط الخمسة بقوله :

بخمس شروط فابن أمس بكسرة

إذا ما خلا من أل ولم يك صغرا

وثالثها التعيين فاعلمه يا فتى

وليس مضافا ثم جمعا مكسرا

١٦٨

يصغر فإن فقد شرط من ذلك ، كأن صغر ، فلا خلاف في إعرابه وصرفه.

وأما بنو تميم فمنهم من أعربه إعراب ما لا ينصرف مطلقا للعلمية والعدل عن الأمس ، وأكثرهم يخص ذلك بحالة الرفع ويبنيه على الكسر في غيرها.

ومن الأسماء المبنية على الكسر أيضا : هؤلاء ونزال وحذام وقطام.

فأما هؤلاء فهو من أسماء الإشارة يشار به لجمع المذكر والمؤنث والهاء فيه للتنبيه وعلة بنائه تضمنه معنى الإشارة الذي هو من معاني الحروف ، وبني على الكسر للتخلص من التقاء الساكنين بالحركة الأصلية في ذلك.

وأما نزال : فهو اسم فعل أمر بمعنى انزل ، وعلة بنائه ما تقدم في شتان ، وخصه بالحرب لكثرة قولهم عند طلب المبارزة : نزال. ومثله دراك وتراك.

فأما حذام ونحوها مما هو على وزن فعال بفتح أوله علما لمؤنث ، كما أشار إليه بقوله في الدعي كوبار وظفار وسكاب وسجاح.

فأهل الحجاز (يبنونه على الكسر مطلقا) تشبيها له بفعال الدال على الأمر في الوزن والعدل التقديري.

قال الشاعر :

إذا قالت حذام فصدّقوها

فإنّ القول ما قالت حذام

وأكثر بني تميم يوافقهم فيما ختم براء فتنبيه على الكسر (مطلقا).

وتعرب غيره إعراب ما لا ينصرف وغير الأكثر ذهب إلى إعرابه مطلقا إعراب ما لا ينصرف للعلمية والعدل عند سيبويه ، وللعلمية والتأنيث المعنوي عند المبرد وهو الظاهر.

والدمى بضم الدال المهملة جمع دمية ، وهي الصورة المنقوشة على الحائط ، وتطلق على الصورة الجميلة على سبيل التشبيه.

(وقد بني يفعلن في الأفعال

فما له مغير بحال

______________________________________________________

(قوله : يبنونه على الكسر مطلقا) رفعا ونصبا وجرا ، أي سواء كان آخره راء أم لا.

(قوله : مطلقا) رفعا ونصبا وجرا ، وخصوا ذوات الراء بالبناء على الكسر لأن مذهبهم الإمالة فإذا كسروا توصلوا إليها.

١٦٩

تقول منه النوق يسرحن ولم

يسرحن إلا للحاق بالنعم

فهذه أمثلة مما بني

جائلة دائرة في الألسن

وكل مبني يكون آخره

على سواء فاستمع ما أذكره)

تقدم أن المضارع إذا لم تباشره نونا التوكيد ولم يتصل به نون الإناث كان معربا ، فذكر هنا أنه إذا اتصلت به نون الإناث بني على الكسر نحو : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ)(١) ، والنوق يسرحن.

وإذا دخل عليه عامل نحو : لن يضربن ، ولم يسرحن ، لم يؤثر فيه لفظا.

وهذا معنى قوله : فما له مغير بحال.

وإلى ذلك أشار بعضهم ملغزا حيث قال :

وما ناصب للفعل أو جازم

ولا حكم للإعراب فيه يشاهد

ومثله الماضي المتصل بضمير رفع متحرك كضربت وضربن ، ولم يتعرض لحكم المضارع إذا اتصلت به نون التوكيد المباشرة نحو : لينبذن وليكونن.

ومذهب الجمهور أنه مبني معها على الفتح لتركبه معها تركيب خمسة عشر بدليل أنه لو فصل بينه وبين النون فاصل لم يحكم ببنائه نحو : ولا تتبعان ، ولا يصدنك.

وقوله : فهذه أمثلة مما بني ، أشار به إلى أنه لم يستوف المبنيات وإنما ذكر جملة منها لكونها جائلة بين الناس أي دائرة على ألسنتهم.

وأشار بقوله : وكل مبني يكون آخره على سواء ، إلى الفرق بين المعرب والمبني.

فالمبني ما يكون آخره سواء أي لازما طريقة واحدة من سكون أو حركة.

فسكونه وحركته ليسا بعامل دخل عليه حتى يتغير آخره بخلاف المعرب فإنه يتغير آخره باختلاف العامل فحركته وسكونه يكونان بعامل فيوجدان بوجوده.

فقد ظهر بذلك أنهما ضدان ، والله أعلم بالصواب.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٢٨.

١٧٠

(وقد تقضت) (ملحة الإعراب)

مودعة بدائع الآداب

فانظر إليها نظر المستحسن

وحسن الظن بها وأحسن)

يشير إلى أن هذه المنظومة الموسومة ب «ملحة الإعراب» انقضت شيئا فشيئا مع ما أودع فيها من العلم والآداب فإنها مع سهولة ألفاظها اشتملت على جمل جمة من مهمات النحو والتصريف ، وتضمنت أمثلتها من الحكم الجامعة والأحكام النافعة التي من وفّقه الله لامتثالها وفهم معانيها بلغ الرتبة العليا. فينبغي للناظر فيها أن ينظر إليها نظر من يستحسن للشيء لينتفع بها حفظا وقراءة وتفهما ، فإن من أساء ظنه بشيء لم ينتفع به وأن يحسن ظنه بها ليبلغ بها ما يرتجيه ويؤمله من العلم ، وأن يحسن إلى ناظمها بالدعاء كما أحسن إليه بها فإنها مشهورة البركة قلّ أن يشتغل بها طالب إلا وانتفع بها ومنح.

الملحة الواحدة : من الملح بضم الميم ، ما يستملح من الكلام.

والبديع : الشيء الغريب الذي لم ينسج عن منواله.

ولما كان كلامه هذا متضمنا الاعتناء بهذه المنظومة لما أودعته أشار بقوله :

وإن تجد عيبا فسد الخللا

إلى أن الناظر فيها إذا لاح له فيها انتقاد أو اعتراض أن يسد الخلل وذلك حيث تحققه ولم يمكن الجواب عنه على وجه حسن ليكون ممن يدفع بالتي هي أحسن فإن الإنسان محل العيب والنقص ، والكمال لا يكون إلا لله تعالى.

(فجعل من لا عيب فيه وعلا)

وأصل الخلل الفرج التي تكون بين ألواح الباب.

ثم ختم هذه المنظومة بما بدأ من الحمد المعقّب بالصلاة فقال :

(والحمد لله على ما أولى

فنعم ما أولى ونعم المولى

______________________________________________________

(قوله : وقد نقضت) أي فرغت وتمت.

(قوله : ملحة الإعراب) الملحة بالضم هي المستحسنة والمستملحة من كل شيء ، وجمعها : ملح.

١٧١

ثم الصلاة بعد حمد الصمد

على النبي الهاشميّ محمد

وآله وصحبه الأطهار

القائمين في دجى الأسحار)

قد مر الكلام على الحمد والنبي وآله ، والصلاة من صلى إذا دعا بخير. والمراد بها هنا الاعتناء بشأن المصلى عليه وإرادة الخير له ، وقد مر أن إفرادها عن السّلام مكروه.

والهاشمي نسبة إلى جده هاشم بن عبد مناف. ومحمد : علم على نبينا وهو منقول من اسم مفعول حمد كمفضل من فضل ، موضوع لمن كثرت خصاله الحميدة. وصحبه : اسم جمع لصاحب ، عند سيبويه ، وجمع له عند الأخفش.

والصاحب : من اجتمع مؤمنا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومات على ذلك ، وعطف الصحب على الآل لتشمل الصلاة باقيهم.

والدجى : جمع دجية بالياء ، وهي ظلمة الليل.

وليكن هذا آخر ما تيسر جمعه ، فلله الحمد سبحانه لا أحصي ثناء عليه وهو كما أثنى على نفسه ، وحسبي الله ونعم الوكيل نعم المولى والنصير ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

١٧٢

فهرس المحتويات

مقدمة المؤلف.................................................................... ٣

باب الفعل..................................................................... ١٣

باب المعرفة والنكرة.............................................................. ١٧

باب قسمة الأفعال............................................................. ٢٢

باب الفعل المضارع............................................................. ٢٧

باب الإعراب.................................................................. ٣٠

باب في الاسم المنصرف......................................................... ٣٣

باب الأسماء الستة المعتلة......................................................... ٣٥

باب في الاسم المنقوص.......................................................... ٣٨

باب في الاسم المقصور.......................................................... ٤٠

باب في الاسم المثنى............................................................. ٤١

باب في الجمع المذكر السالم...................................................... ٤٤

١٧٣

باب في الجمع بألف وتاء مزيدتين................................................. ٤٦

باب جمع التكسير.............................................................. ٤٨

باب في حروف الجر............................................................ ٤٩

باب حروف القسم............................................................. ٥٤

باب في الإضافة................................................................ ٥٥

باب كم الخبرية................................................................. ٥٩

باب المبتدأ والخبر............................................................... ٦٠

باب اشتغال العامل عن المعمول بضميره........................................... ٦٥

باب الفاعل.................................................................... ٦٦

باب ما لم يسم فاعله........................................................... ٦٩

باب المفعول به................................................................. ٧١

باب ظننت وأخواتها............................................................. ٧٣

باب إعمال اسم الفاعل......................................................... ٧٥

باب المصدر................................................................... ٧٧

باب المفعول له................................................................. ٨٠

باب المفعول معه................................................................ ٨٢

١٧٤

باب الحال والتمييز.............................................................. ٨٤

باب كم الاستفهامية............................................................ ٩٠

باب المفعول فيه وهو المسمى ظرفا................................................ ٩١

باب الاستثناء.................................................................. ٩٤

باب لا النافية للجنس........................................................... ٩٩

باب التعجب................................................................ ١٠١

باب الإغراء.................................................................. ١٠٤

باب إن وأخواتها.............................................................. ١٠٦

باب كان وأخواتها............................................................. ١١١

باب ما النافية................................................................ ١١٤

باب النداء................................................................... ١١٦

باب الترخيم................................................................. ١٢٠

باب التصغير................................................................. ١٢٢

باب النسب................................................................. ١٢٨

باب التوابع.................................................................. ١٣١

مثال للعطف................................................................. ١٣١

١٧٥

باب ما لا ينصرف............................................................ ١٣٧

باب العدد................................................................... ١٤٧

باب نواصب الفعل المضارع.................................................... ١٤٩

باب جوازم الفعل............................................................. ١٥٩

باب المبنيات................................................................. ١٦٦

١٧٦