كشف النّقاب عن مخدرات مليحة الإعراب

عبد الله بن محمّد أحمد الفاكهي

كشف النّقاب عن مخدرات مليحة الإعراب

المؤلف:

عبد الله بن محمّد أحمد الفاكهي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٦

واعلم أن هذه الأنواع إذا نكرت بعد التسمية لم تنصرف أيضا إلا أفعل التفضيل إذا سمي به مجردا من من ، ثم نكر ، فإنه ينصرف بالإجماع لأنه لم يبق فيه شبه الوصف إذ لم يستعمل فيه إلا بمن ظاهرة أو مقدرة فإن سمي به مع من ثم نكر منع قولا واحدا.

(وكل ما تأنيثه بلا ألف

فهو إذا عرّف غير منصرف

تقول هذا طلحة الجواد

وهل أتت زينب أم سعاد

وإن يكن مخففا كدعد

فاصرفه إن شئت كصرف سعد)

هذا هو القسم الثاني ، وهو ما امتنع صرفه معرفة لا نكرة ، وهو ستة أنواع بدأ منها بما تأنيثه بغير الألف. فإذا كان الاسم المؤنث معرفة بالعلمية امتنع صرفه للعلمية والتأنيث سواء كان علما لمؤنث كفاطمة أم لمذكر كخمرة ، زائدا على ثلاثة أحرف أم لا ، محرك الوسط أم لا ، عجميا أم لا ، منقولا من مذكر إلى مؤنث أم لا.

لكن يشترط لتحتم التأنيث المعنوي في منع الصرف أحد أمور أربعة : إما زيادة على ثلاثة أحرف كزينب ، أو تحرك الوسط كسفر ، أو العجمة كبلخ ، اسم بلدة. أو النقل من مذكر إلى مؤنث كزيد ، اسم امرأة. وما عدا ذلك من الثلاثي الساكن الوسط كهند يجوز فيه الصرف نظرا إلى خفة اللفظ والمنع وهو أولى نظرا إلى وجود العلتين فهما يؤثران جواز منع الصرف لا تحتمه. وهذا هو المراد بقوله : وإن يكن مخففا إلى آخره. وأوجب بعضهم الصرف في نحو هند ، نظرا إلى أن سكون الوسط قابل إحدى العلتين فتساقطتا فبقي بلا سبب. وقيل : يجوز الوجهان أيضا في نحو : زيد اسم امرأة. وأشار إلى النوع الثاني بقوله :

(وأجر ما جاء بوزن الفعل

مجراه في الحكم بغير فصل

فقولهم أحمد مثل أذهب

وقولهم تغلب مثل تضرب)

يعني أن ما جاء من الأعلام على وزن الفعل كأحمد وتغلب يجري في الحكم من عدم الصرف للعلمية ، ووزن الفعل مجرى المؤنث من غير فرق. لكن يشترط في وزن الفعل المانع من الصرف أحد أمور ثلاثة : إما أن يختص بالفعل كشعر اسم فرس بالتشديد وضرب بالبناء للمفعول ، وانطلق أعلاما أو يكون غالبا

١٤١

فيه لكونه فيه أكثر كأثمد وأصبع وأبلم ، فإن وجود أوزانها في الفعل أكثر منه في الاسم أو يكون مفتتحا بزيادة هي بالفعل أولى كأحمد ويعلى. ثم لا بد مع ذلك أن يكون لازما باقيا في اللفظ على حالته الأصلية غير مخالف لطريقة الفعل كما قرر في محله ، فإن كان الوزن خاصا بالاسم أو غالبا فيه لم يؤثر في منع الصرف ، وكذا لو كان فيهما على السواء. وأما قوله :

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا

فهو جملة محكية أو صفة لمحذوف ، أي : أنا ابن رجل جلا. وأشار إلى الثالث بقوله:

(وإن عدلت فاعلا إلى فعل

لم ينصرف معرّفا مثل زحل)

العدل : صرف لفظ أولى بالمسمى إلى لفظ آخر ، فإذا عدل عن صيغة فاعل إلى صيغة فعل بضم الفاء امتنع صرفه إذا اقترن به التعريف بالعلمية كعمر وزفر وزحل ، فكل منها ممنوع الصرف للعلمية. والعدل في الأول عن عامر ، وفي الثاني عن زافر ، وفي الثالث عن زاحل ، تقديرا لورودها ممنوعة الصرف. وليس فيها ظاهرا إلا العلمية ، وهي لا تستقل بمنع الصرف فحكم بتقدير العدل لإمكانه وتعذر غيره ، فإن ورد فعل العلم ممنوعا من الصرف وفيه مع العلمية ما منع لم يجعل معدولا نحو : طوى ، فإن فيه مع العلمية التأنيث باعتبار البقعة فلا وجه لتكلف غيره مع إمكانه. وإنما عدلوا عن عامر مثلا حال إرادة التسمية به إلى عمر اختصار ولئلا يتوهم إرادة الوصف المنقول عنه.

وأشار إلى النوع الرابع بقوله :

(والأعجمي مثل ميكائيلا

كذاك في الحكم وإسماعيلا)

أي : والاسم الأعجمي وضعا كميكائيل وإسرافيل وإبراهيم وإسماعيل مثل طلحة وزينب وأحمد وزحل في الحكم ، وهو عدم الصرف ، لكن بشرط زيادته على ثلاثة أحرف وكونه علما في اللغة العجمية كما مثل بأن تنقل الكلمة ، وهي علم في العجم ، إلى لسان العرب ، فحينئذ تمنع من الصرف للعجمة والعلمية بخلاف ما نقل في لسانهم وهو نكرة كلحام ، أو ما كان نكرة في لسانهم ثم نقل في أول أحواله علما في العربية كبندار ، فينصرف لانتفاء علميته في لغة العجم.

١٤٢

ومثله الاسم الأعجمي الثلاثي فينصرف وإن كان علما في العجمية كشتر ونوح. والمراد بالأعجمي كل ما نقل إلى لسان العرب من لسان غيرها سواء كان من لغة الفرس أم الروم أم الحبشية أم الهند أم البربر أم غير ذلك ، وتعرف عجمية الاسم بخروجه عن أبنية العرب كإسماعيل ، وبنقل الأئمة أعجميته وبأن يجتمع فيه ما لا يجتمع في لغة العرب كالجيم والصاد كصولجان ، أو كالجيم والقاف كمنجنيق ، أو الكاف كسكرجة ، وبغير ذلك مما ذكروه. وجميع أسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام أعجمية إلا أربعة : محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وصالحا ، وشعيبا ، وهودا. وألحق بها في الصرف من أسماء العجم : نوح ولوط وشيث ، فهذه السبعة منصرفة ويجمعها قوله :

تذكر شعيبا ثم نوحا وصالحا

وهودا ولوطا ثم شيثا محمد

وأشار إلى النوع الخامس بقوله :

(وهكذا الاسمان حين ركبا

كقولهم رأيت معدي كربا)

أي : ومثل ما تقدم من الأعلام في الحكم ، وهو عدم الصرف ، الاسمان إذا ركبا تركيب مزج كمعديكرب وبعلبك. لكن بشرط أن يكون معرفة بالعلمية ولم يختم بويه فيمنع حينئذ من الصرف للعلمية والتركيب بخلاف ما ختم بويه كسيبويه ، وما ركب من الأعداد (كخمسة عشر) ، ومن الظروف نحو : تأتينا (صباح مساء) والأحوال نحو : هو جاري بيت بيت ، فإنه مبني على الكسر في الأول وعلى الفتح في الثاني. وبخلاف المركب الإضافي نحو : عبد الله ، فمصروف ، والإسنادي نحو : شاب قرناها فمحكي ، والأفصح في المركب المزجي أن يعرب ثاني جزئيه إعراب ما لا ينصرف ويبنى الأول على الفتح ما لم يكن آخره ياء فيسكن.

______________________________________________________

(قوله : كخمسة عشر) والأصل : خمسة وعشر ، ثم حذفت الواو قصد مزج الاسمين وتركيبهما ، وبنيا على الحركة ليعلم أن لهما أصلا في الإعراب وكانت فتحة لتخفيف الثقل الحاصل بالتركيب. ا ه شذور.

(قوله : صباح مساء) والأصل : كل صباح ومساء ، فحذف العاطف وركب الظرفان قصدا للتخفيف. ا ه شذور.

١٤٣

وأشار إلى السادس بقوله :

(ومنه ما جاء على فعلانا

على اختلاف فاته أحيانا

تقول مروان أتى كرمانا

ورحمة الله على عثمانا)

أي ومن غير المنصرف العلم المزيد في آخره ألف ونون الجائي على وزن فعلان مثلث الفاء كمروان وكرمان وعثمان ، وإنما أورد هنا ثلاثة أوزان مختلفة ولم يورد في الصفة إلا وزنا واحدا وهو مفتوح كسكران لأن مضموم الفاء من الصفات كعريان مؤنثه يقبل التاء فيكون منصرفا قطعا ومكسور الفاء لا يوجد وزنه في الصفات ، ولا يختص العلم المزيد في آخره ما تقدم بوزن فعلان فمن أوزانه أفعلان كأصبهان وفعلان كغطفان وفعالان كخراسان ، والمقصود أن ما فيه من الأعلام ألف ونون مزيدتان يمنع الصرف للعلمية والزيادة ويحكم بزيادتهما إذا تقدم عليهما أكثر من حرفين أصليين فإن كان قبلهما حرفان ثانيهما مضعف فلك اعتباران إن قدرت أصالة التضعيف فهما زائدتان أو زيادته فالنون أصلية كحسان وعلان وحيان فإن جعلتها من الحس والعل والحياة فوزنها فعلان فلا تنصرف أو من الحسن والعلن والحين فوزنها فعال فينصرف ومثلها شيطان هل هو (من الشيط) ، (أو من الشطن).

(فهذه إن عرفت لا تنصرف

وما أتى منكرا منها صرف)

أي فهذه الأنواع الستة المتقدمة إن قصد بها التعريف بالعلمية ، أي بكل منها ، لم تنصرف لوجود العلتين كمررت بطلحة وأحمد وعمر وإبراهيم ومعدي كرب ومروان ، وإن قصد بها التنكير صرف لزوال العلمية تقول : رب طلحة وأحمد وعمر وإبراهيم ومعدي كرب ومروان لقيتهم بالجر والتنوين.

(وإن عراها ألف ولام

فما على صارفها ملام

وهكذا تصرف بالإضافة

نحو سخى بأطيب الضيافة)

يعني أن الأسماء التي لا تنصرف إنما تمنع من الصرف فتجر بالفتحة إذا

______________________________________________________

(قوله : من الشيط) الشيط من شاطه أي أهلكه.

(قوله : أو من الشطن) أي البعد.

١٤٤

لم يدخلها أل أو بدلها أو تضيف لشبهها حينئذ بالفعل ، فإن دخلها أل أو بدلها سواء كانت معرّفة أم موصولة أم زائدة وجب جرها بالكسرة كمررت بالأفضل ، وأنتم عاكفون في المساجد ، وكذا إذا أضيفت ولو تقديرا نحو : (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)(١) ، وسخى بأطيب الضيافة. لكن هل هي حينئذ منصرفة أم باقية على منع صرفها ، فيه خلاف ، فذهب جمع منهم الناظم إلى الأول لأن ما لا ينصرف لما دخله ما هو من خواص الاسم ، أعني أل والإضافة ، قابل شبه الفعل فرجع إلى أصله من الصرف وهو الجر بالكسرة وهو ضعيف. وقيل الثاني بناء على أن الكسر لم يزل عما لا ينصرف إلا تبعا لزوال التنوين بالعلتين فلما كان زواله هنا لأجل اللام والإضافة لا لأجل العلتين زال موجب منع الكسر فدخل ، وهذا هو قول الأكثرين. والذي اختاره كثير من المتأخرين أنه إن زالت منه إحدى العلتين بالإضافة أو بأل صرف وإلا فلا.

(وليس مصروفا من البقاع

إلا بقاع جئن في السماع

مثل حنين ومنى وبدر

وواسط ودابق وحجر)

أسماء الأماكن والبلدان صرفها وعدمه مبنيان على المعنى فإذا أريد بها البقعة أو الخطة منعت الصرف أو المكان أو البلد صرفت كالأسماء التي ذكرها ، لكن لما غلب عليها التأنيث في كلامهم لتأولها بما ذكر غلب عليها منع الصرف فكان أكثرها لا ينصرف. وقد يتعين اعتبار المكان أو البقعة. فالأول كبدر ونجد ، والثاني كدمشق (وجلق). وقد يستوي الأمران كسبأ وحراء ومناء وقباء وبغداد. ومثل أسماء البقاع أسماء القبائل فإن أريد باسم القبيلة الأب كمعد وتميم أو الحي كقريش وثقيف صرف أو الأمّ كباهلة أو القبيلة كمجوس ويهود منع للتأنيث مع العلمية.

(وجائز في صنعة الشعر الصلف

أن يصرف الشاعر ما لا ينصرف)

______________________________________________________

(قوله : جلق) بالتشديد وكسر الجيم واللام موضع بالشام. ا ه مختار.

__________________

(١) سورة التين الآية ٤.

١٤٥

إذا اضطر الشاعر إلى صرف ما لا ينصرف صرفه لأن الضرورة تردّ الشيء إلى أصله ، وأصل الأسماء الصرف كما تقدم ، لكن الضرورة قد تكون موجبة للصرف لأجل إقامة الوزن كقوله :

ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة

فقالت : لك الويلات إنك مرجلي

وقد لا تكون موجبة كقوله :

أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره

هو المسك ما كررته يتضوع

إذ لو بقي نعمان على منع الصرف لم ينكسر الوزن إلا أنه يكون فيه الزحاف المسمى بالكف وهو قبيح عندهم ، فعدل إلى الصرف لتحصيل أمر مستحسن ، ومنع جمع صرف ما فيه ألف التأنيث المقصورة فتأديته إلى حذف ساكن وهو الألف وإثبات لشيء آخر وهو التنوين ، فلا فائدة. وأجازه بعضهم وهو ظاهر إطلاق النظم فقد يكون فيه فائدة بأن ينوّن ليتلقى ساكنان فيكسر فيكون محتاجا إلى ذلك وبه جزم الدماميني. ويجوز صرف ما لا ينصرف للتناسب نحو : (سَلاسِلَ وَأَغْلالاً)(١) ، (وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (٢٣))(٢). وقد يكون التصغير سببا للصرف أيضا نحو : حميد وعمير في أحمد وعمر ، لزوال أحد السببين بالتصغير. وأما منع المصروف من الصرف فمذهب البصريين المنع مطلقا لأنه خروج عن الأصل بخلاف صرف الممنوع فإنه رجوع إلى الأصل. وجوزه بعضهم مطلقا وبعضهم في الشعر.

__________________

(١) سورة الإنسان ، الآية ٤.

(٢) سورة نوح ، الآية ٢٣.

١٤٦

(باب العدد)

(وإن نطقت بالعقود في العدد

فانظر إلى المعدود لقيت الرشد

فأثبت الهاء مع المذكر

واحذف مع المؤنث المشتهر

تقول لي خمسة أثواب جدد

وازعم له تسعا من النوق وقد)

العدد : ما وضع لكمية آحاد الأشياء. قاله ابن الحاجب.

فالواحد والاثنان يجريان على القياس يذكران مع المذكر نحو : واحد واثنان ، ويؤنثان مع المؤنث نحو : واحدة واثنتان. ولا يجمع بينهما وبين المعدود فلا يقال : واحد رجل ، ولا اثنان رجلان ، لأن رجلا يفيد الجنسية والوحدة وكذلك رجلان يفيدان الجنسية والزوجية فلا حاجة إلى الجمع بينهما ، وما ورد من ذلك فضرورة.

وأما الثلاثة والعشرة وما بينهما فيجب الجمع بينهما وبين المعدود إذ لا يستفاد العدد والجنسية إلا بالجمع بينهما. ثم إن قصد بها المعدود جرت على خلاف القياس من إثبات الهاء مع المذكر وحذفها مع المؤنث كما مثل به من خمسة أثواب وتسع من النوق. والمراد بالهاء تاء التأنيث. واستفيد من تمثيله أن العبرة في التذكير والتأنيث بالمفرد لا بالجمع وهو كذلك ولذلك يقال : ثلاثة اصطبلات ، وثلاثة حمامات ، بالتاء فيهما ولا يقال : ثلاث ، بتركها خلافا للكسائي والبغداديين. وقد مر أن مميز الثلاثة ونحوها يجوز جره بالإضافة وبمن كما نطق به الناظم.

(وإن ذكرت العدد المركبا

وهو الذي استوجب أن لا يعربا

فالحق الهاء مع المؤنث

بآخر الثاني ولا تكترث

مثاله عندي ثلاث عشرة

جمانة منظومة مع درة)

العدد المركب المستوجب للبناء هو المؤلف من الآحاد السابقة مع العشرة كأحد عشر إلى تسعة عشر بإدخال الغاية ، فالآحاد من الثلاثة إلى التسعة على حكمها السابق من إثبات الهاء مع المذكر وحذفها مع المؤنث وما دون ذلك

١٤٧

على القياس ، إلا أنك تأتي بأحد وإحدى مكان واحد وواحدة وتبني الجمع بعد التركيب على الفتح إلا اثنين واثنتين فتعربهما كالمثنى وإلا ثمان عشر فلك فتح الياء وإسكانها ونقل حذفها مع بقاء كسرة النون وفتحها. وأما العشرة فعلى القياس فتلحق بها الهاء مع المؤنث دون المذكر وتبنيهما على الفتح مطلقا ، فتقول في المذكر : عندي أحد عشر عبدا ، واثنا عشر رجلا ، بتذكيرهما. وثلاثة عشر عبدا بتأنيث الأول. وفي المؤنث إحدى عشرة أمة واثنتا عشرة جارية بتأنيثهما وثلاث عشرة جارية بتذكير الأول. والشين في التذكير مفتوحة وفي التأنيث يجوز إسكانها وكسرها والأول أفصح. وإذا تجاوزت التسعة عشر في التذكير والتسع عشرة في التأنيث استوى لفظ المذكر والمؤنث تقول : عندي عشرون عبدا وثلاثون أمة.

١٤٨

(باب نواصب الفعل المضارع)

(وقد تناهى القول في الأسماء

على اختصار وعلى استيفاء

وحق أن نشرح شرحا يفهم

ما ينصب الفعل وما قد يجزم)

أي قد انتهى قولنا في الأحكام المتعلقة بالأسماء على اختصار وإيجاز في العبارة واستيفاء لكل ما يهم أمره في إرشاد المبتدىء ، ووجب علينا أن نشرع في إتمام المقصود ببيان نواصب الفعل المضارع وجوازمه لما تقدم أنه لا يعرب من الأفعال سواه وأنه يدخله من أنواع الإعراب الرفع والنصب والجزم.

أما رفعه فلا خلاف أنه إذا تجرد من ناصب أو جازم ولم تباشره نونا التأكيد ولا نون الإناث يكون مرفوعا بحركة أو حرف ، لفظا أو تقديرا. وإنما الخلاف في رافعه والأصح أنه التجرد عن الناصب والجازم لا مضارعته للاسم ولا حلوله محله ولا حروف المضارعة.

وأما نصبه فإذا دخل عليه ناصب والنواصب له على ما ذهب إليه الناظم تبعا للكوفيين تسعة وهو ضعيف ، والأصح أنها أربعة وهي : أن ولن وإذن وكي ، وما عداها فالفعل بعدها منصوب بأن مضمرة.

وإلى عوامل النصب أشار بقوله :

(فتنصب الفعل السليم أن ولن

وكي وإن شئت لكيلا وإذن)

فهذه الأربعة هي نواصب الفعل باتفاق. ولا فرق فيه بين أن يكون صحيح الآخر أو معتله ، غير أن المعتل منه بألف لا تظهر فيه الفتحة بل تقدر كما سيأتي. ولهذا قيد الفعل بالسليم ، أي الصحيح الآخر ، للاحتراز عنه وكان الأولى تركه.

وشرط النصب بأن أن تكون مصدرية غير مسبوقة بعلم نحو : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا)(١) ، فإن سبقت بعلم

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٢٧.

١٤٩

وجب إهمالها وتسمى مخففة من الثقيلة نحو : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى)(١). وإن سبقت بظن جاز إعمالها وإهمالها وقد قرىء بالرفع والنصب نحو : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ)(٢).

وشرط النصب بكي أن تكون مصدرية ، وعلامتها تقدم اللام عليها لفظا أو تقديرا نحو : (لِكَيْلا تَأْسَوْا)(٣) ، كي لا يكون ، فإن ظهرت اللام بعدها أو أن المفتوحة نحو : جئتك كي لتكرمني ، أو كي أن تكرمني ، تعين كونها جارة والفعل بعدها منصوب بأن لكنها مضمرة في الأول مؤوّل بمصدر مجرور ب : كي ، فإن لم تظهر اللام قبلها ولا أن بعدها نحو : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً)(٤) ، أو ظهرتا معه كقوله :

(أردت لكيما أن تطير بقربة)

جاز كونها مصدرية وكونها جارة.

وشرط النصب بإذا ، أن تكون مصدرة في أول الكلام المجاب به والفعل بعدها مستقبل متصل بها أو منفصل بقسم أو بلا النافية نحو : إذا أكرمك. و :

إذا والله نرميهم بحرب

يشيب الطفل من قبل المشيب

وإذا لا أفعل ، واغتفر ابن بابشاذ الفصل بالنداء ، وابن عصفور الفصل بالظرف وشبهه.

(واللام حين تبتدىء بالكسر

كمثل ما تكسر لام الجر)

أي وتنصب الفعل المضارع اللام المكسورة سواء كانت للتعليل نحو : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ)(٥) ، أو للعاقبة والصيرورة نحو : (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً)(٦) ،

______________________________________________________

(قوله : أردت لكيما أن تطير بقربة) تمامه :

وتتركها شنا ببيداء بلقع

__________________

(١) سورة المزمل ، الآية ٢٠.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٧١.

(٣) سورة الحديد ، الآية ٢٣.

(٤) سورة الحشر ، الآية ٧.

(٥) سورة الفتح ، الآية ٢.

(٦) سورة القصص ، الآية ٨.

١٥٠

أو للجحود وهي المسبوقة بكون ماض منفي نحو : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ)(١) ، (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ)(٢). أو كانت مؤكدة نحو : (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ)(٣). فالفعل في هذه الأمثلة منصوب باللام عند الناظم وعند غيره. وهو الراجح بأن مضمرة جوازا لا بعد لام الجحود فوجوبا فإن اقترن الفعل بعد اللام بلا نافية كانت أو مؤكدة وجب إظهار أن كراهة الاجتماع لامين نحو : (لِئَلَّا يَكُونَ)(٤) ، (لِئَلَّا يَعْلَمَ)(٥).

(والفاء إن جاءت جواب النفي

والأمر والعرض معا والنهي

وفي جواب ليت لي وهل فتى

وأين مغناك وأنى ومتى)

أي وينصب الفعل المضارع أيضا الفاء السببية الواقعة في جواب نفي محض ، أي خالص من معنى الإثبات نحو : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا)(٦) ، أو طلب من نهي نحو : (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي)(٧). أو أمر بالفعل نحو :

يا ناق سيري عنقا فسيحا

إلى سليمان فنستريحا

أو دعاء كذلك نحو : اللهم تب عليّ فأتوب. أو استفهام بالحرف نحو : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا)(٨) ، أو بالاسم نحو : من يدعوني فأستجيب له ، أين بيتك فأزورك ، وكيف تكون فأصبحك. وشرطه أن لا تكون بأداة يليها جملة اسمية خبرها جامد فلا يجوز : هل أخوك زيد فأكرمه بالنصب بخلاف : هل أخوك قائم فأكرمه ، أو عرض نحو قوله :

يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما

قد حدّثوك فما راء كمن سمعا

أو تخصيص نحو : هلا اتقيت الله فيغفر لك الله ، أو تمنّ نحو : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً)(٩) ، أو ترجّ عند القائل به نحو : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ)(١٠) ، (أَسْبابَ السَّماواتِ)(١١) ، (فَأَطَّلِعَ) بالنصب في قراءة حفص عن

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية ٣٣.

(٢) سورة النساء ، الآية ١٣٧.

(٣) سورة الأنعام ، الآية ٧١.

(٤) سورة البقرة ، الآية ١٥٠.

(٥) سورة الحديد ، الآية ٢٩.

(٦) سورة فاطر ، الآية ٣٦.

(٧) سورة طه ، الآية ٨١.

(٨) سورة الأعراف ، الآية ٥٣.

(٩) سورة النساء ، الآية ٧٣.

(١٠) سورة غافر ، الآية ٣٦.

(١١) سورة غافر ، الآية ٣٧.

١٥١

عاصم. ومذهب الجمهور أن الفعل في هذه المواضع الثمانية أو التسعة منصوب بإضمار أن وجوبا بعد الفاء لا بها ولا بالمخالفة خلافا لمن زعم ذلك. وإذا أسقطت الفاء من المضارع الواقع بعد الطلب ولو بلفظ الخبر وقصد به الجزاء جزم جوابا لشرط مقدر نحو قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ)(١). وقول الشاعر :

(قفا) نبك من ذكرى حبيب ومنزل

وشرط صحة الجزم بعد النهي عند غير الكسائي صحة حلول : أن لا ، محله مع صحة المعنى نحو : لا تدن من الأسد تسلم ، بخلاف : لا تدن منه يأكلك ، فإنه بالرفع.

(والواو إن جاءت بمعنى الجمع

في طلب المأمور أو في المنع)

أي وينصب المضارع أيضا الواو التي بمعنى مع في جواب نفي محض أو طلب من أمر أو نهي أو دعاء أو استفهام أو عرض أو تحضيض أو تمنّ أو ترجّ كالفاء ، فلا وجه لاقتصار الناظم على الأمر والنهي المعبر عنه بالمنع مثال النفي نحو : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)(٢). والأمر نحو :

فقلت أدعى وأدعو إنّ أندى

لصوت أن ينادي داعيان

والنهي نحو :

(لا تنه) عن خلق وتأتي مثله

والدعاء نحو : اللهم ارزقني بعيرا وأحج عليه. والاستفهام نحو قوله :

تبيت ريان الجفون من الكرى

وأبيت منك بليلة الملسوع

والعرض نحو : ألا تقوم وأقوم معك. والتخصيص نحو : هلا اتقيت الله ،

______________________________________________________

(قوله : قفا إلخ) تمامه :

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

(قوله : لا تنه إلخ) تمامه :

عار عليك إذا فعلت عظيم

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية ١٥١.

(٢) سورة آل عمران ، الآية ١٤٢.

١٥٢

ويغفر لك. والتمني نحو : يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ، في قراءة النصب. والترجي نحو : لعلي أراجع الشيخ ويفهمني ، قال ابن هشام : ولم يسمع النصب بعد الواو في المواضع المذكورة إلا في خمسة : النفي والنهي والأمر والتمني والاستفهام. وقاسه النحويون في الباقي ، ومذهب الجمهور أن الفعل في هذه المواضع منصوب أيضا بإضمار أن وجوبا بعد الواو لا بها ولا بالمخالفة خلافا لمن زعم ذلك.

(وينصب الفعل بأو وحتى

وكل ذا أودع كتبا شتى)

من النواصب عند الناظم رحمه‌الله تعالى (أو) الصالح في موضعها إلى أن ، أو إلا أن نحو : لألزمنك أو تقضيني حقي ، أي إلى أن تقضيني حقي.

وقوله :

وكنت إذا أغمزت قناة قوم

كسرت كعوبها أو تستقيما

أي إلا أن تستقيم ، والصحيح أن أو عاطفة والنصب بإضمار أن وجوبا بعدها والفعل مؤول بمصدر معطوف على مصدر منسبك من الفعل المتقدم أي ليكونن لزوم مني أو قضاء منه لحقي وليكونن كسر مني لكعوبها أو استقامة منها.

ومن النواصب أيضا عنده حتى ، نحو : (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى)(١) ، (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ)(٢). والصحيح أن حتى جارة والنصب بإضمار أن وجوبا بعدها والفعل مؤول بمصدر مجرور بحتى لأنه قد ثبت جرها للأسماء فوجب نسبة العمل هنا لأن لما تقرر من أن عوامل الأسماء لا تكون عوامل في الأفعال لأن ذلك ينفي الاختصاص ، ويشترط لإضمار أن بعدها أن يكون الفعل مستقبلا أو مؤولا به وذلك بالنظر إلى ما قبلها كما مثلنا ، وإن لم يكن مستقبلا بالنظر إلى زمن التكلم كما في : وزلزلوا حتى يقول الرسول ، في قراءة غير نافع. فإن قول الرسول مستقبل بالنظر إلى زلزالهم ، وإن كان ماضيا بالنظر إلى زمن التكلم. وحيث انتصب المضارع بأن بعدها فالغالب أن تكون للغاية كما مثلنا ، وعلامتها

__________________

(١) سورة طه ، الآية ٩١.

(٢) سورة الأعراف ، الآية ٨٧.

١٥٣

صلاحية إلى موضعها. وقد تكون للتعليل نحو : أسلم حتى تدخل الجنة. وعلامتها صلاحية كي موضعها ويحتملهما نحو : (حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ)(١). وقد تكون ابتدائية وعلامتها أن تدخل على جملة مضمونها غاية لشيء قبلها كقوله :

فما زالت القتلى تمج دماءها

بدجلة حتى ماء دجلة أشكل

ولا يكون الفعل معها إلا حالا أو مؤولا به ، وقد تقدم أيضا أنها تكون عاطفة. وأشار بقوله :

(وكل ذا أودع كتبا شتى)

إلى أن هذه النواصب كانت متفرقة في كتب شتى فجمعها في هذه الأبيات وقربها على الطالب ، فجزاه الله خيرا. وقد أشار إلى أمثلتها مجموعة زيادة في البيان بحسب ما اتفق بقوله :

(تقول : أبغي يا فتى أن تذهبا)

مثال للنصب بأن و :

(لن أزال قائما أو تركبا)

مثال للنصب بلن وبأو. و :

(وجئت كي توليني الكرامة)

مثال للنصب بكي المصدرية إن قدرت اللام قبلها وإلا فالفعل منصوب بإضمار أن وكي جارة. وقوله :

(وسرت حتى أدخل اليمامة)

مثال لحتى ، و :

(واقتبس العلم لكيما تكرما)

مثال أيضا لكي. وأفاد بذكره أن اتصال (ما) بها لا يكفها عن العمل. وقوله :

(وما عليك عيبه فتعتبا)

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ٩.

١٥٤

مثال لها في جواب النفي. وقوله : فتعتبا ، بوزن فتضربا مبنيا للمفعول من العتب. يقال : أعتبه يعتبه إذ لامه على قبيح. وقوله :

(وهل صديق مخلص فأقصده)

بكسر الصاد مثال لها في جواب الاستفهام. و :

(وليت لي كنز الغنى فأرفده)

بكسر الفاء من رفده كضربه إذا أعطاه ، مثال لها في جواب التمني. و :

(وزر فتلتذ بأصناف القرى)

بكسر القاف ، أي الضيافة. مثال لها في جواب الأمر. و :

(ولا تحاضر وتسيء المحضرا)

مثال للواو التي بمعنى مع في جواب النهي ، أي : لا تجمع بين المحاضرة وسوء الأدب مع الجليس. وقوله :

(ومن يقل إني سأغشى حرمك

فقل له أنت إذا أحترمك)

مثال للنصب بإذا. وفي بعض النسخ : (إني إذا) أحترمك. والنصب في مثل هذا لا يجوز إلا في ضرورة كقوله :

إني إذا أهلك أو أطيرا

وقوله :

(فهذه نواصب الأفعال)

أشار إلى الأدوات التسع السابقة ، وقد علمت أن النواصب في الحقيقة أربع منها.

وقوله : (مثلتها) أي صورتها (فأخذ عليّ تمثالي) أي فقس على تصويري.

ثم أشار إلى المعتل بالألف الذي احترز عنه بالسليم بقوله :

______________________________________________________

(قوله : إني إذا إلخ) صدره :

لا تتركني فيهم شطيرا

أي بعيدا عنك إليهم ، ونصب أهلك ضرورة أو الخبر محذوف أي إنني أستطيع ذلك.

١٥٥

(وإن يكن خاتمة الفعل ألف

فهي على سكونها لا تختلف

تقول : لن يرضى أبو السعود

حتى يرى نتائج الوعود)

أي إذا كان آخر المضارع ألفا فنصبه بالفتحة لا يظهر في آخره لتعذر ظهور الحركة على الألف لوضعها على السكون ، ولهذا قال :

فهي على سكونها لا تختلف

نحو : لن يرضى حتى يرى ، فتقدر فيه الفتحة كما تقدر فيه الضمة في حالة الرفع. وأما إذا كان آخره واوا كيدعو ، أو ياء كيرمي ، فله حكم الصحيح من ظهور النصب في آخره كما علم مما مر ، وتقدر فيه الضمة للاستثقال ، وسيأتي أن حرف العلة إذا كان آخر الفعل فجزمه بحذف آخره.

((وخمسة تحذف منهن الطرف)

في نصبها فألقه ولا تخف

وهي : لقيت الخير يفعلان

وتفعلان فاعرف المباني

وتفعلون ثم تفعلونا

وأنت يا أسماء تفعلينا)

يعني : أن (خمسة أمثلة من الأفعال يكون حذف الطرف) أي الأخير منها ، علامة لنصبها وهي : المضارع المتصل به ضمير اثنين لمخاطب أو غائب نحو :

______________________________________________________

(قوله : وخمسة تحذف منهن الطرف إلخ) اعلم أنهم لما أعربوا المثنى والجمع بالحروف أرادوا مثله في نظيرها من الأفعال وهو هذه الأمثلة ، ولا يمكن إعرابها بأحرف العلة الموجودة لئلا يحذفها الجازم ، وهي ضمائر. ولا الإتيان بحرف علة آخر لئلا يلتقي ساكنان معها فيحذف ثانيا فرفعوها بالنون لشدة شبهها بأحرف العلة ولذا تدغم فيها نحو : من وال ، وتبدل ألفا في الوقف على نحو : إذن. ثم حذفت للجزم كأحرف العلة. ولما حملوا النصب على الجر في نظيرها من الأسماء تآخيهما في إعراب الفضلات حملوه هنا على الجزم المقابل له دون الرفع ولم يحملوه عليه في الفعل المعتل لإمكان ظهور الفتحة أو تقديرها على حرف العلة ، ولو قدرت هنا لفات إعرابها بالحروف وكسرت النون بعد الألف تشبيها بالمثنى وفتحت بعد أختيها تشبيها بالجمع وللخفة. ولما كان الضمير المتصل كالجزء قدم عليها ، وبها يلغز ، فيقال : أي إعراب يفصل من الكلمة بمعمولها ، أو أي كلمة يفصل بين الكلمة وإعرابها. ا ه خضري.

١٥٦

أنتما تضربان والزيدان يضربان.

أو ضمير جمع كذلك نحو : أنتم تضربون والزيدون يضربون.

أو ضمير المؤنثة المخاطبة نحو : أنت تضربين.

فهذه الأمثلة ثلاثة في اللفظ وخمسة في التقدير. وهذا معنى قوله : فاعرف المباني.

وإن اعتبرت الألف والواو علامتين على لغة : أكلوني البراغيث ، بلغت هذه الأمثلة بالاستقراء إلى ثمانية ، وسميت أمثلة خمسة لأنها ليست أفعالا بعينها كالأسماء الستة وإنما هي أمثلة يكنى بها عن كل فعل كان بمنزلتها.

وأشار إلى الطرف الذي يحذف منها للناصب بقوله :

(فهذه تحذف منها النون

في نصبها ليظهر السكون

تقول للزيدين لن تنطلقا

وفرقدا السماء لن يفترقا

وجاهدوا يا قوم حتى تغنموا

وقاتلوا الكفار كيما تسلموا

ولن يطيب العيش حتى تسعدي

يا هند بالوصل الذي يشفي الصدى)

أي أن هذه الأمثلة الخمسة تنصب بحذف النون نيابة عن الفتحة كما مثل ، ومنه : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)(١) ، (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)(٢).

وأما نحو : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ)(٣) فالواو أصل والفعل مبني على السكون.

ونحو : (أَتُحاجُّونِّي)(٤) فالمحذوف منه نون الوقاية لا نون الرفع.

وقوله : ليظهر السكون ، أي بعد الحذف فيما اتصل بها من الألف والواو والياء إذ وصل النون بها ربما أخفى السكون ، وقد تحذف هذه النون لتوالي الأمثال نحو : (لَتُبْلَوُنَ)(٥) وحذفها لغير ذلك شاذ ، والأصل فيها السكون

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٩٢.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٢٣٧.

(٣) سورة البقرة ، الآية ٢٣٧.

(٤) سورة الأنعام ، الآية ٨٠.

(٥) سورة آل عمران ، الآية ١٨٦.

١٥٧

وإنما حركت لالتقاء الساكنين فكسرت بعد الألف على أصله وفتحت بعد الواو والياء طلقا للخفة. وقيل : تشبيها للأول بالمثنى والثاني بالجمع.

وقوله : لن تنطلقا ، بتاء الخطاب ، والفرقدان : نجمان صغيران هما أول بنات نعش الصغرى. ويشفى بفتح الياء وضمها. والصديّ : الظمئان. وقد مر أن هذه الأمثلة ترفع بثبوت النون وسيأتي أنها تجزم بحذفها أيضا.

١٥٨

(باب جوازم الفعل)

الجازم قسمان : قسم يجزم فعلا واحدا ، وقسم يجزم فعلين. وبدأ بالأول فقال :

(ويجزم الفعل بلم في النفي

واللام في الأمر ولا في النهي

ومن حروف الجزم أيضا لما

ومن يزد فيها يقل ألما

تقول : ألم أسمع كلام من عذل

ولا تخاصم من إذا قال فعل

وخالد لما يرد مع من ورد

ومن يود فليواصل من يود)

أي ويجزم المضارع بالسكون أو بحذف حرف إذا دخل عليه أحد هذه الأحرف الأربعة ، فأما (لم) فهي حرف جزم لنفي المضارع وقلب معناه إلى الماضي نحو : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣))(١). ويتصل بها همزة الاستفهام نحو : (أَلَمْ نَشْرَحْ)(٢) ، (أَلَمْ تَرَ)(٣).

وأما (لما) فالمراد بها هنا النافية لا الرابطة ولا الإيجابية ، وهي مركبة من : لم ، وما ، ويقال فيها حرف جزم لنفي المضارع وقلب معناه إلى الماضي نحو : لما يقض ما أمره ، فهي تشارك لم في الحرفية والاختصاص بالمضارع والنفي والجزم والقلب إلى الماضي وتشاركها أيضا في جواز دخول همزة الاستفهام عليها وتنفرد عنها باتصال نفي منفيها وبتوقعه نحو : (لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ)(٤). ومن ثم امتنع أن يقال : لما يجتمع الضدان ، وبجواز حذفه نحو : قاربت البلد ، ولما ، أي ولما أدخلها ، وتنفرد لم عنها بمصاحبة أداة الشرط نحو : إن لم ، ولو لم ، وبجواز انقطاع نفي منفيها نحو : (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً)(٥). ومن ثم جاز لم يكن ثم كان وامتنع لما يكن ثم كان.

__________________

(١) سورة الإخلاص ، الآية ٣.

(٢) سورة الشرح ، الآية ١.

(٣) سورة البقرة ، الآية ٢٤٣.

(٤) سورة ص ، الآية ٨.

(٥) سورة الإنسان ، الآية ١.

١٥٩

وأما لام الأمر فهي موضوعة لأمر الغائب ولامها مكسورة نحو : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ)(١) فإن تقدم عليها فاء أو واو سكنت على المختار نحو : (فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ)(٢) ، (وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩))(٣). ومثلها أيضا لام الدعاء نحو : (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ)(٤). وأما لا الناهية فنحو : (لا تُشْرِكْ بِاللهِ)(٥) ، (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ)(٦).

ومثلها أيضا لا الدعائية نحو : (لا تُؤاخِذْنا)(٧) ، (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا)(٨) ، (وَلا تُحَمِّلْنا)(٩).

وأفهم قوله في الأمر وفي النهي أنهما قد يأتيان لغير ذلك ، فهذه الأحرف الأربعة تجزم فعلا واحدا كما تقدم ، وأمثلتها في النظم ظاهرة ، والمراد بمن إذا قال : فعل أرباب الشوكة والولاية.

(وإن تلاه ألف ولام

فليس غير الكسر والسّلام

تقول : لا تنتهر المسكينا

ومثله لم يكن اللذينا)

أي وإن تلا المضارع المجزوم بالسكون ساكن كلام التعريف كسر آخره وجوبا لالتقاء الساكنين كما مثل جريا على القاعدة ، ويكون السكون مقدرا في آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص. وقوله : لم يكن اللذينا ، أصله : يكون ، حذفت الضمة للجازم والواو لالتقاء الساكنين.

(وإن تر المعتل فيها ردفا

أو آخر الفعل فسمه الحذفا

تقول : لا تأس ولا تؤذ ولا

تقل بلا علم ولا تحس (الطلا)

______________________________________________________

(قوله : الطلا) بحذف الهمزة لضرورة الوزن ، وفي المختار : الطلاء ، ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه. وتسميه العجم : المبيختج وبعض العرب يسمي الخمر الطلاء ، يريد بذلك تحسين اسمها لا أنها الطلاء بعينها. ا ه.

__________________

(١) سورة الطلاق ، الآية ٧.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٢٨٢.

(٣) سورة النساء ، الآية ٩.

(٤) سورة الزخرف ، الآية ٧٧.

(٥) سورة لقمان ، الآية ١٣.

(٦) سورة طه ، الآية ٨١.

(٧) سورة البقرة ، الآية ٢٨٦.

(٨) سورة البقرة ، الآية ٢٨٦.

(٩) سورة البقرة ، الآية ٢٨٦.

١٦٠