كشف النّقاب عن مخدرات مليحة الإعراب

عبد الله بن محمّد أحمد الفاكهي

كشف النّقاب عن مخدرات مليحة الإعراب

المؤلف:

عبد الله بن محمّد أحمد الفاكهي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٦

والواو ياء لتطرفها بعد ضمة ، ولا يجوز إبقاؤها لأنه يؤدي إلى عدم النظير إذ ليس لنا اسم معرف آخره واو لازمة قبلها ضمة. وتسمى هذه اللغة لغة من لا ينتظر ، والمحذوف للترخيم إما حرف واحد كما مر أو حرفان. وإليه أشار بقوله :

(وألق حرفين بلا غفول

من وزن فعلان ومن مفعول

وتقول في مروان يا مرو اجلس

ومثله يا منص فافهم وقس)

أي احذف الحرف الأخير وما قبله مما استكمل شروط الترخيم وكان ما قبل آخره حرف لين ساكنا زائدا مكملا أربعة فصاعدا قبله حركة من جنسه كما مثل سواء كان على وزن فعلان أم مفعول أم لا فتقول في سلمان وعثمان ومسكين : يا سلم ، ويا عثم ، ويا مسك. وفي منصور على لغة من ينتظر : يا منص ، ببقاء ضمة الصاد ، وعلى اللغة الأخرى : يا منص بتقدير ضمة بناء غير تلك الضمة التي كانت قبل الترخيم بخلاف نحو : سفرجل وهبيخ ومختار وسعيد وفرعون ، فلا يحذف منه حرفان بل حرف واحد.

(ولا ترخم هند في النداء

ولا ثلاثيا خلا من هاء

وإن يكن آخره هاء فقل

في هبة يا هب من هذا الرجل)

أشار إلى أن الاسم الثلاثي المجرد من تاء التأنيث لا يرخم سواء كان مسماه مؤنثا كهند أو مذكرا كزيد ، لأنه إجحاف به بخلاف نحو هبة مما فيه تاء التأنيث فيجوز ترخيمه علما كان أم لا ، تقول في هبة : يا هب ، وفي ثبة ، وهي الجماعة : يا ثب أقبلي. وقد علم هذا مما قدمناه ومر أيضا عن بعضهم جواز ترخيم نحو حسن إجراء لهم جرى سقر.

(وقولهم في صاحب يا صاح

شذّ لمعنى فيه باصطلاح)

هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال : قد علم من كلامه أنه لا يرخم إلا العلم أو ما فيه تاء التأنيث فلم رخم صاحب مع أنه نكرة؟ فأجاب بأنه شاذ وإنما رخموه لمعنى فيه وهو كثرة استعماله في كلامهم كالعلم فعومل معاملته.

١٢١

(باب التصغير)

(وإن ترد تصغير الاسم المحتقر

إما لتهوان وإما لصغر

فضم مبدأه لهذي الحادثة

وزده ياء تبتديها ثالثة

وتقول في فلس : فليس يا فتى

وهكذا كل ثلاثي أتى)

التصغير من خواص الاسم المتمكن ، فلا يصغر الفعل ولا الحرف ولا الاسم المبني ، وشذ تصغير نحو ذا والذي كما سيأتي ؛ وله فوائد ، فتارة يصغر الاسم للإهانة أي لتحقير شأنه كجبيل ، أو ذاته كطفيل. وهذا هو المراد بقوله : وإما لصغر وتارة للتقليل كدريهمات ، وتارة للتقريب إما لزمانه كبعيد العصر ، أو لمكانه كدوين السماء أو منزلته كصديقي ، وتارة للتعطف كيا أخي ويا حبيبي ، قيل : وللتعظيم كقوله :

دويهية تصفر منها الأنامل

ورده المانع إلى تصغير التقليل ، فإن الداهية إذا عظمت أسرعت فقلت مدتها.

إذا علمت ذلك وأردت تصغير الاسم لشيء من ذلك فضم مبدأه أي أوله وافتح ثانيه وزد بعد ثانيه ياء ساكنة تسمى ياء التصغير لتكون ثالثة فيكون وزنه فعيلا ، واقتصر على ذلك إن كان الاسم ثلاثيا كفليس في فلس ، وإن كان رباعيا فأكثر فافعل به ذلك واكسر ما بعد الياء كدريهم في درهم وعصيفير في عصفور.

فأبنية التصغير ثلاثة : فعيل وفعيعل وفعيعيل ، فإن كان المكبر مضموم الأول مفتوح الثاني كصرد ، قدرت الضمة والفتحة في المصغر غيرهما في المكبر كما في فلك مفردا وجمعا. قاله ابن إياز.

(وإن يكن مؤنثا أردفته

هاء كما تلحق لو وصفته

فصغر النار على نويرة

كما تقول ناره منيرة)

إذا كان الثلاثي مؤنثا بلا علامة لحقته تاء التأنيث غالبا عند تصغيره بشرط

١٢٢

أمن اللبس كما تلحق بصفته لأن المصغر في معنى الموصوف كنار وسن ودار وأذن ، فتقول : نويرة وسنينة ودويرة وأذينة. وشمل كلامه ما هو ثلاثي في الأصل كيد ، تقول فيه : يدية ، بخلاف الرباعي المؤنث المعنوي كزينب وسعاد وما فيه ألف التأنيث كحبلى وصحراء فإن التاء لا تلحق ذلك. ومثله الثلاثي المؤنث عند خوف اللبس كخمس ونحوه في عدد المؤنث إذ لو لحقته لالتبس بعدد المذكر وكشجر وبقر إذ لو لحقته لالتبس بتصغير شجرة وبقرة ، فإن سمي به مذكر كأذن علم لرجل فالجمهور على أنه لا تلحقه التاء إذا صغر اعتبارا بما آل إليه من التذكير. وذهب يونس إلى أنها تلحقه اعتبارا بأصله محتجا بقولهم : عروة بن أذينة ، ومالك بن نويرة ، وعيينة بن حصن ، وفيه نظر.

(وصغر الباب فقل بويب

والناب إن صغرته نييب

لأن بابا جمعه أبواب

والناب أصل جمعه أنياب)

إذا كان ثاني الثلاثي منقلبا عن لين رددته في التصغير إلى أصله لأن التصغير كالجمع يردّ الأشياء إلى أصولها ، فيقال في باب بويب ، لأن ألفه بدل من واو بدليل جمعه على أبواب وأصله بوب قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ويقال في ناب الضرس : نييب ، لأن ألفه بدل من ياء بدليل جمعه على أنياب ، وأصله نيب قلبت باؤها ألفا كما تقدم. وإنما يرجع فيهما إلى الأصل لزوال موجب البدل وهو انفتاح ما قبل حرف العلة فإن جهل أصل الألف ردت إلى الواو كعاج وصاب اسم لنبت كريه الطعم ، فتقول : عويج وصويب ، ويقال في ثوب وبيت ثويب وبييت بلا قلب بخلاف نحو ريح وقيمة فيقال فيهما : رويح وقويمة بالواو لأنها الأصل المنقلب عنه ، وشذ في نحو عيد عييد لأنه من عاد يعود. وإنما قالوا ذلك كراهية التباسه بتصغير عود. وإذا كان ثالث الثلاثي ألفا كفتى وعصى أو واوا كدلو وجب قلبه ياء وإدغام ياء التصغير فيها ، فيقال : فتى وعصى ودلى ، ولم يتعرض له في النظم.

ولما فرغ من تصغير الثلاثي المجرد أخذ في بيان تصغير ما زاد عليه فقال :

(وفاعل تصغيره فويعل

كقولهم في راجل رويجل)

١٢٣

أي إذا كان ثاني الثلاثي المزيد عليه ألفا زائدة فيصغر على فويعل بقلب ألفه واوا لانضمام ما قبلها فتقول في ضارب وعامر وصاحب : ضويرب وعويمر وصويحب ، ومثله نحو آدم مما ألفه مبدلة من همزة لكراهية اجتماع همزتين فتقول في تصغيره أويدم كما تقول في جمعه أوادم. وأما الرباعي المجرد فإنه يصغر على فعيعل كجعيفر ودريهم في تصغير جعفر ودرهم ، ولم يتعرض له في النظم.

(وإن تجد من بعد ثانيه ألف

فاقلبه ياء أبدا ولا تقف

تقول : كم غزيل ذبحت

وكم دنينير به سمحت)

إذا صغر ما ثالثه أو رابعه ألف وجب قلب ألفه ياء وإدغام ياء التصغير فيها وذلك نحو كتاب وغلام وغزال ومفتاح ودينار ومثقال ، فتقول فيها : كتيب وغليم وغزيل ومفيتيح ودنينير ومثيقيل ، ومثله ما ثالثه أو رابعه واو كعمود وعصفور فيقال فيها : عميد وعصيفير بالقلب.

(وقل سريحين لسرحان كما

تقول في الجمع سراحين الحمى

ولا تغير في عثيمان الألف

ولا سكيران الذي لا ينصرف

وهكذا زعيفران فاعتبر

به السداسيات وافقه ما ذكر)

إذا صغر ما جاء على وزن فعلان فإن كان يجمع على فعالين كسرحان وسلطان قلبت ألفه ياء كما تقلبها في جمعه ، لأن التكسير والتصغير أخوان فتقول : سريحين وسليطين ، وإن كان لا يجمع على ذلك لم تغير ألفه اسما كان أو صفة كعثمان وعمران وسكران فتقول فيها : عثمان وعميران وسكيران ، ومثله نحو زعفران مما الألف والنون فيه بعد أربعة أحرف فإنه إذا صغر لا يغير ألفه فتقول فيه زعيفران ، وقس عليه كل سداسي آخره ألف ونون كثعلبان ومرطبان ، وهذا معنى قوله فاعتبر به السداسيات.

(واردد إلى المحذوف ما كان حذف

من أصله حتى يعود منتصف

كقولهم في شفة شفيهة

والشاة إن صغرتها شويهة)

إذا صغر ما حذف منه حرف وجب رد المحذوف إن كان قد بقي بعد الحذف على حرفين مذكرا كان كأب وأخ أو مؤنثا كيد وشفة محذوف الفاء

١٢٤

والعين واللام ، فتقول في تصغير كل وخذ وعد أعلاما أكيل وأخيذ ووعيد بردّ الفاء ، وفي مذ علما وسنة منيذة وسنيهة بردّ العين ، وفي أب وأخ وشفة وشاة أبي وأخي وشفيهة وشويهة برد اللام. وإنما وجب رد المحذوف في الجميع ليتمكن من بناء فعيل فيكون رباعيا له نصف صحيح فإن بقي بعد الحذف على أكثر من حرفين صغر على لفظه ولم يحتج إلى رد المحذوف لأن بناء فعيل يمكن بدونه كما يؤخذ من التعليل كقولك في (هار) ، و (شار) ، وخير : هوير وشوير وخيير وشرير ، وإذا صغر نحو أخت وبنت رد إليهما المحذوف كما في شفة ، فتقول : أخية وبنية ، ولا يعتد بالتاء كما لا يعتد بهمزة الوصل في نحو اسم وابن.

(وألق في التصغير ما يستثقل

زائده أو ما تراه يثقل

والأحرف التي تزاد في الكلم

مجموعها قولك يا هول استنم

تقول في منطلق مطيلق

فافهم وفي مرتزق مريزق

وقيل في سفرجل سفيرج

وفي فتى مستخرج مخيرج)

قد سبق أن للتصغير ثلاثة أبنية : فعيل وفعيعل وفعيعيل ، فالأول للثلاثي المجرد ، والثاني للرباعي المجرد ، والثالث للرباعي المزيد قبل آخره حرف مد كمصباح. فإذا كان الاسم خماسيا مجردا من الزيادة أو مزيدا فيه حرف ولم يكن قبل آخره حرف مد فاحذف في التصغير من الأول آخره ومن الثاني زائده

______________________________________________________

(قوله : هار) أصله هائر ، هاره بالأمر هورا أزنه ، وبكذا ظنه به والاسم منهما الهورة بالضم وعن الشيء صرفه وعلى الشيء حمله عليه. والقوم قتلهم وكب بعضهم بعض والرجل غشه والشيء حرزه وفلانا صرعه كهوره. والبناء هدمه فهار ورجل هار.

ا ه قاموس. وهار وهيار ضعيف ا ه. ويقال أيضا : زن عصبه يبس وفلان بخير أو شر ظنه به كأزنه وأزننته بكذا اتهمته به ا ه قاموس.

(قوله : شار) أصله شار ، شار العسل شورا وشيارا وشيارة ومشارا ومشارة ، استخرجه من الوقبة ، والشور العسل المشور. ا ه قاموس.

الوقبة : نقرة في الصخرة يجتمع فيها الماء كالوقب أو نحو البئر في الصفا تكون قامة أو قامتين وكل نقرة في الجسد كنقرة العين والكتف. ا ه قاموس.

١٢٥

ليعود رباعيا فيتوصل إلى بناء فعيعل فتقول في نحو سفرج ومدحرج : سفيرج ودحيرج ، لأن بقاءهما يستثقل فإن اشتمل الاسم على زيادتين ولإحداهما مزية على الأخرى حذفت الأخرى كمنطلق فتقول فيه مطيلق ، بحذف النون دون الميم لتصدرها ولدلالتها على معنى اسم الفاعل وهكذا تقول في مرتزق مريزق بحذف التاء دون الميم لما سبق ، وإذا صغر السداسي حذف منه حرفان من حروف الزيادة ليتوصل إلى بناء فعيعل كمستخرج فتقول فيه : مخيرج بحذف السين والتاء.

وقد بيّن الناظم حروف الزيادة وهي عشرة في قوله : يا هول استنم ، أي اسكن ، وجمعها بعضهم في أمان وتسهيل وبعضهم في تسهيل ومناء. ومعنى كونها زائدة أن الحروف الزائدة على الأصول لا تكون إلا منها لا بمعنى أنها لا تكون إلا زائدة أبدا لأنها قد تكون أصولا. ولمعرفة الزائد من الأصول ضابط مذكور في علم التصريف.

(وقد تزاد الياء للتعويض

والجبر للمصغر المهيض

كقولهم إن المطيليق أتى

وأخب السفيريج إلى فصل الشتا)

يعني أنه يجوز أن يعوّض مما حذف منه حرف أصلي أو زائد أو حرفان في التصغير ياء ساكنة قبل الآخر جبرا له وليتوصل بذلك إلى بناء فعيعيل فتقول في منطلق وسفرجل : مطيليق وسفيريج وفي مستخرج مخيريج. وفهم من قوله : وقد تزاد قلة ذلك وأنه غير لازم وأنه لا يخل ببناء التصغير بخلاف بقاء الزائد.

والمهيض : المكسور ، اسم مفعول من هاض العظم إذا كسر.

(وشذ مما أصلوه ذيا

تصغير ذا ومثله الذيا)

قد سبق أن التصغير من خواص الاسم المتمكن ، فالأصل أن لا يدخل غير المتمكن لكنهم خالفوا هذا الأصل فصغروا شذوذا أسماء الإشارة والموصول لشبهها بالأسماء المتمكنة في كونها توصف ويوصف بها ، فاستبيح لذلك تصغيرها لكن على وجه خولف بها قاعدة التصغير فترك أولها على ما كان عليه من الفتح قبل التصغير وزيد في آخرها ألف عوضا عما فاتها من ضم الأول فقالوا في ذا وتا : ذيا وتيا ، وفي الذي والتي : اللذيا واللتيا.

١٢٦

وقد سمع التصغير في خمسة ألفاظ من أسماء الإشارة ذا ، وتا ، وذان ، وتان ، وأولى. فيقال : ذيان ، وتيان ، وأوليا ، بالقصر أو المد (على اللغتين) وسمع أيضا في خمسة ألفاظ من أسماء الموصولات الذي والتي وتثنيتهما وجمع الذي فيقال : اللذيان واللتيان واللذيون بضم ما قبل الواو رفعا وبكسره جرا ونصبا عند سيبويه. وقد صغر أيضا أفعل في التعجب وكذا المركب المزجي كبعلبك وسيبويه في لغة من بناهما ، وتصغيرهما (تصغير التمكن).

(وقولهم أيضا أنيسيان

شذ كما شد مغيربان

وليس هذا بمثال يحذى

فاتبع الأصل ودع ما شذا)

مما خرج عن القياس فصغر شذوذا قولهم في إنسان وليلة : أنيسيان ولييلية ، بزيادة الياء فيهما وقياسهما نييسان ولييلة. وفي مغرب وعشاء مغيربان وعشيان بزيادة ألف ونون. وقياسهما مغيرب وعشى. وفي رجل رويجل وقياسه رجيل ، وفي صبية وغلمة وبنون أصيبية وأغيلمة وأبينون بزيادة الهمزة في أولها ، وقياسه صبية وغليمة وبنيون. فذه تحفظ ولا يحذى عليها ، أي لا يقاس.

______________________________________________________

(قوله : على اللغتين) يقال فيه : هلا بإبدال الهمزة هاء ، وأولاء بضم الهزمتين ، وأولاء بالكسر والتنوين ، وأولاء بإشباع الضمة قبل الواو ، وهؤلاء بالهاء ، وأولى بالقصر والتشديد. وهذه الألفاظ يشار بها إلى القريب. ا ه علوي.

(قوله : تصغير التمكن) تقول : ما أحيسنه ، وبعيلبك ، وسيبويه. ا ه سجاعي.

١٢٧

(باب النسب)

(وكل منسوب إلى اسم في العرب

أو بلدة تلحقه ياء النسب

تشدّ الياء بلا توقف

من كل منسوب إليه فاعرف

وإن يكن في الأصل هاء فاحذف

كمثل مكيّ وهذا حنفي

تقول قد جاء الفتى البكري

كما تقول الحسن البصري)

إذا أريد النسب إلى أب أو قبيلة أو بلدة أو صنعة زيد في آخر المنسوب إليه ياء مشددة مكسور ما قبلها فتصير حرف إعراب فيقال في النسب إلى دمشق دمشقي ، وإلى قريش قرشي. وإنما كانت الياء مشددة لتدل على نسبته إلى المجرد عنها ، وكسر ما قبلها تشبيها بياء الإضافة ، وهذا أحد التغييرات اللاحقة للاسم المنسوب إليه إذا تلحقه ثلاثة تغيرات : لفظي ، وهو كسر ما قبل الياء وانتقال الإعراب إليها. ومعنوي ، وهو صيرورته اسما لما لم يكن له. وحكمي ، وهو رفعه لما بعده على الفاعلية كالصفة المشبهة كمررت برجل قرشي أبوه ، كأنك قلت منسوب إلى قريش أبوه. ويطرد ذلك فيه وإن لم يكن مشتقا وإذا كان آخر المنسوب إليه تاء التأنيث وجب حذفها للنسب فيقال في مكة مكي ، وفي البصرة بصري ، حذرا من اجتماع تائي تأنيث عند نسبة مؤنثة في نحو مكية وبصرية ، إذ لو بقيت لقيل مكتية وبصرتية. قال أبو حيان : وقول الناس درهم خليفتي لحن ، ومثل تاء التأنيث في وجوب الحذف للنسب ألف التأنيث المقصورة إذا كانت خامسة فصاعدا نحو : قرقريّ في قرقرى ، وحثيثيّ في حثيثى ، أو رابعة في اسم متحرك الثاني كجمزي في جمزى ، فإن كان ساكنا كحبلى فحكم ذلك ما أشار إليه مع غيره بقوله :

(وإن يكن مما على وزن فتى

أو وزن دنيا أو على وزن متى

فأبدل الحرف الأخير واوا

وعاص من ماري ودع من ناوي

تقول : هذا علوي معرق

وكل لهو دنيويّ موبق)

١٢٨

يعني إذا كان المنسوب إليه ثلاثيا مقصورا قلبت ألفه واوا سواء كانت بدلا منها كعصا أو من الياء كفتى ، أو مجهولة كمتى. فتقول : عصويّ وفتويّ ومتويّ. وإنما قلبت في فتى واوا وإن كان أصلها ياء كراهية اجتماع الكسرة والياءات. وأما نحو دنيا كحبلى مما هو رباعي مقصور ثانيه ساكن فيجوز في ألفه الحذف والقلب فتقول : دنيى وحبلى ودنيوي وحبلوي ، والحذف أرجح. وليس القلب متعينا كما توهمه عبارة الناظم.

ويقال في النسب إلى فعيل معتل اللام كغني وعليّ غنوي وعلوي بحذف الياء الأولى وفتح ما قبلها وقلب الثانية واوا أي بعد قلبها ألفا.

ومنه قول الناظم : هذا علوي ، نسبة إلى عليّ ولا إلى علا كما توهمه عبارته أيضا.

وإذا نسب إلى المنقوص فإن كانت ياؤه ثالثة كشج وعم فتح ما قبلها وقلبت واوا فتقول : شجوى وعموى.

وإن كانت رابعة كقاضي جاز حذفها وقلبها واوا والحذف أحسن فتقول في قاض قاضي وقاضوي.

وإن كانت خامسة فصاعدا وجب حذفها كمعتديّ في معتد ، ومستعليّ في مستعل.

وإذا نسب إلى الممدود فإن كانت همزته للتأنيث قلبت واوا كصحراوي ، أو أصلا سلمت من القلب غالبا نحو : قرائي في قراء ، وهو الرجل الناسك ، أو بدلا من أصل نحو كساء ، جاز الوجهان نحو كسائي وكساوي بالواو رجوعا إلى الأصل.

وإذا نسب إلى المركب فإن كان التركيب إسناديا كتأبط شرا أو مزجيا كبعلبك نسب إلى صدره فتقول : تأبطي وبعليّ ، وكذا إذا كان إضافيا كامرئيّ في امرىء القيس إلا إذا كان الإضافي كنية كأبي بكر وأم كلثوم ، أو معرّفا صدره بعجزه كابن عمرو ابن الزبير ، فإنك تنسبه إلى عجزه فتقول : بكري وكلثومي وعمري وزبيري وهو مما ألحق بهما ما خيف فيه لبس كقولهم في عبد الأشهل : أشهلي ، وفي عبد مناف : منافي.

١٢٩

(وانسب أخا الحرفة كالبقال

ومن يضاهيه إلى فعال)

أي قد يستغنى عن ياء النسب بصوغ المنسوب إليه على فعال وذلك غالب في الحرف كبزاز ونجار وعطار. وشذ قوله :

(وليس بذي سيف) وليس بنبّال

أي بذي نبل ، وجعل منه قوله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(١) وقد يصاغ أيضا على فاعل أو فعل بمعنى ذي كذا فالأول كتامر ولابن وطاعم وكاس ، والثاني كطعم ولبن ونهر. قال الشاعر :

(لست بليلي) ولكني نهر

أي عامل في النهار. وهذه الأبنية ليست مقيسة وإن كان بعضها كثيرا.

هذا مذهب سيبويه.

______________________________________________________

(قوله : وليس بذي سيف إلخ) صدره :

وليس بذي رمح فيطعنني به ا ه

(قوله : لست بليلى إلخ) تمامه :

لا أدلج الليل ولكن ابتكر

__________________

(١) سورة فصلت ، الآية ٤٦.

١٣٠

(باب التوابع)

(والعطف والتوكيد أيضا والبدل

توابع يعربن إعراب الأول

وهكذا الوصف إذا ضاهى الصفة

موصوفها منكرا أو معرفة)

التوابع جمع تابع ، وهو المشارك لما قبله في إعرابه الحاصل والمتجدد غير خبر.

وهو أربعة : عطف وتوكيد ونعت وبدل.

ومن فصل في العطف جعل التوابع خمسة ، ومن فصل في التوكيد جعلها ستة.

والأولى أن يبدأ منها بالنعت ثم البيان ثم التوكيد ثم البدل ثم النسق لأنها إذا اجتمعت في التبعية رتبت كذلك كما في التسهيل.

والعامل في التابع هو العامل في المتبوع إلا في البدل فالعامل فيه مقدر وكلها تعرب بإعراب ما قبلها كما أشار إلى ذلك بالأمثلة التي ذكرها في قوله :

(تقول خلّ المزح والمجونا

وأقبل الحجاج أجمعونا)

(مثال للعطف)

ومثال للتوكيد. واستفيد منه جوازا التوكيد بأجمع غير تقدم كل : وأمر بزيد رجل ظريف ، مثال للبدل ، واستفيد منه جوازا إبدال النكرة من المعرفة : واعطف على سائلك الضعيف ، مثال للوصف.

وأفهم قوله أولا : وهكذا الوصف ، إلى آخره ، أن المعرفة لا تنعت بنكرة ولا العكس وهو كذلك ، وقد اختصر الناظم أحكام هذه التوابع ولا بأس بذكر جمل منها ، فنقول : أما العطف فهو قسمان : عطف نسق وسيأتي ، وعطف بيان وهو تابع جامد موضح أو مخصص لمتبوعه. وشرطه موافقة متبوعه في تعريفه وتنكيره وتأنيثه وتذكيره وإفراده وتثنيته وجمعه ، فهو كالنعت يوافق متبوعه في أربعة من عشرة

١٣١

كما سيأتي ، ك : (أقسم) بالله أبو حفص عمر. وهذا خاتم حديد. ومنه نحو : (مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ)(١).

وأما التوكيد فهو قسمان أيضا : توكيد لفظي ، وهو إعادة اللفظ الأول أو موافقه اسما كان أو فعلا أو حرفا أو جملة. وتوكيد معنوي ، وهو اتباع الاسم المعرفة بألفاظ معلومة وهي النفس والعين وكلا وكلتا وكل وأجمع وجمعاء (وجمعهما).

ولا بد من إضافة النفس والعين وكلا وكلتا وكل إلى ضمير مطابق للمؤكد. وإذا اجتمعت النفس والعين وجب تأخير العين عنها كجاء زيد نفسه عينه ، وإذا أكد بهما مثنى أو مجموع (أو ما في معناهما) جمعا على أفعل بضم العين ، كجاء الزيدان أنفسهما وجاء الزيدون أنفسهم. ويؤكد بكلا وكلتا المثنى أو ما في معناه (إن صح) وقوع المفرد موقعه (واتحد معنى المسند) كجاء الزيدان كلاهما والمرأتان كلتاهما ، ويؤكد بكل غير المثنى إن كان ذا أجزاء يصح وقوع بعضها موقعه كجاء القوم كلهم ، وبعت العبد كله والأمة كلها.

وأما البدل فهو تابع مقصود بالحكم بلا واسطة.

وهو أربعة أقسام : بدل كل من كل ، وهو ما كان مدلوله مدلول الأول كجاء زيد أخوك ، وسماه ابن مالك البدل المطابق لوقوعه فيما لا يطلق عليه

______________________________________________________

(قوله : أقسم إلخ) تمامه :

ما مسها من نقب ولا دبر

فاغفر له اللهم إن كان فجر

(قوله : وجمعهما) فجمع أجمع أجمعون وجمع جمعاء جمع. ا ه.

(قوله : أو ما في معناهما) وهما المتعاطفان كجاء زيد وعمرو أنفسهما ، وجاء زيد وعمرو وبكر أنفسهم.

(قوله : إن صح) فلا يقال : اختصم الزيدان كلاهما.

(قوله : واتحد معنى المسند) فلا يقال : مات زيد وعاش بكر كلاهما لاختلاف المسند.

__________________

(١) سورة النور ، الآية ٣٥.

١٣٢

كل ، وبدل بعض من كل وهو ما كان مدلوله جزء الأول كبعت نصفه وأكلت السمكة رأسها ، (وبدل اشتمال) وهو ما كان بينهما تعلق بغير الكلية والجزئية. وكان البدل بحيث تبقى النفس عند ذكر الأول منتظرة لذكره نحو : سلب زيد ثوبه ، وأعجبني بكر حسنه.

وبدل غلط ، وهو ما لم يكن جامعا للأمرين نحو : جاء زيد غلامه أو حماره ، ولا يشترط في البدل موافقته للمبدل منه في التعريف والتنكير ولا في الإظهار والإضمار ، فتبدل المعرفة من المعرفة ومن النكرة ، والنكرة من النكرة ومن المعرفة ، (ويبدل الظاهر من الظاهر) ، (ومن المضمر) ، (والمضمر من المضمر) ، (وكذا من الظاهر) عند الجمهور. (ويبدل الجملة من الجملة) ومن المفرد.

وأما النعت فهو التابع المشتق أو المؤوّل به المباين للفظ منعوته. وفائدته : توضيح أو تخصيص أو مدح أو ذم أو ترحم أو توكيد. ويتبع متبوعه في اثنين من خمسة حقيقيا كان أو سببيا في واحد من أوجه الإعراب الثلاثة وواحد من التعريف والتنكير. وعلى هذه الخمسة اقتصر الناظم.

______________________________________________________

(قوله : وبدل اشتمال) نحو : (صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(١) ، (صِراطِ اللهِ)(٢) ، ونحو :(لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ)(٣) ، (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ)(٤).

(قوله : ويبدل الظاهر من الظاهر) نحو : جاء زيد عمرو.

(قوله : ومن المضمر) أي ويبدل الظاهر من المضمر نحو : ضربته زيدا.

(قوله : والمضمر من المضمر) نحو : رأيتك إياك.

(قوله : وكذا من الظاهر) أي وكذا يبدل المضمر من الظاهر نحو : رأيت زيدا إياه.

(قوله : ويبدل لجملة من الجملة) نحو : (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ)(٥) ، (وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ)(٦).

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية ١٦١.

(٢) سورة الشورى ، الآية ٥٣.

(٣) سورة النبأ ، الآيتان ٣١ ، ٣٢.

(٤) سورة البقرة ، الآية ٢١٧.

(٥) سورة الشعراء ، الآية ١٣٢.

(٦) سورة الإسراء ، الآية ٦.

١٣٣

ثم إن رفع ضمير المنعوت يتبع منعوته في اثنين أيضا من خمسة في واحد من التذكير والتأنيث وواحد من الإفراد وفرعيه ، فيصير بهذا مع ما مر مطابقا له في أربعة من عشرة ويسمى حينئذ حقيقيا وإن رفع ظاهرا أو ضميرا بارزا فهو بالنسبة إلى الخمسة الثانية كالفعل الحالّ محله فيفرد لرفعه ذلك ويطابق في التذكير والتأنيث المرفوع لا المنعوت كمررت برجلين قائمة أمهما ، وبرجال قائم آباؤهم. ويسمى حينئذ سببيا. ويجوز قطع النعت إن علم منعوته بدونه إلى الرفع بتقدير هو ، وإلى النصب بتقدير أعني مثلا. وأما عطف النسق فهو تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد الحروف الآتي ذكرها ويجري في الأسماء والأفعال كما أشار إليه بقوله :

(والعطف قد يدخل في الأفعال

كقولهم ثب واسم للمعالي)

أي يجوز أن يعطف الفاعل على الفعل كما يجوز ذلك في الاسم وذلك كثير لا قليل ، لكن يشترط اتحاد زمانهما في المضي والاستقبال سواء اتحد نوعاهما في الفعلية نحو : (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ)(١) ، ومنه نحو : ثب واسم للمعالي. وقد يقال : وهو من عطف الجمل أو اختلف نحو : (إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ)(٢) ، (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠))(٣). ويجوز أيضا عطف الاسم على الفعل وبالعكس ، وعطف المفرد على الجملة وبالعكس في الأصح بالتأويل بأن يكون الاسم يشبه الفعل والجملة في تأويل المفرد نحو : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ)(٤) ، (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ)(٥) ، (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣))(٦) ، (فَأَثَرْنَ)(٧) ، ونحو : (دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً)(٨).

(وأحرف العطف جميعا عشرة

محصورة مأثورة مشتهرة

الواو والفاء وثم للمهل

ولا وحتى ثم أو وأم وبل

وبعدها لكن وإما إن كسر

وجاء في التخيير فاحفظ ما ذكر)

__________________

(١) سورة الفرقان ، الآية ٤٩.

(٢) سورة الفرقان ، الآية ١٠.

(٣) سورة الفرقان ، الآية ١٠.

(٤) سورة الأنعام ، الآية ٩٥.

(٥) سورة يونس ، الآية ٣١.

(٦) سورة العاديات ، الآية ٣.

(٧) سورة العاديات ، الآية ٤.

(٨) سورة يونس ، الآية ١٢.

١٣٤

ذكر في هذه الأبيات أن حروف العطف عشرة محصورة بالعدد منقولة عن العرب مشتهرة عند علماء هذا الفن ، ولعله قصد بذلك الرد على من أنكر أن إما المسبوقة بمثلها عاطفة وأن العطف بالواو التي قبلها. ونقل عن ابن عصفور دعوى الإجماع على كونها غير عاطفة كالأولى تخلصا من دخول عاطف على عاطف ، وإنما ذكرت في باب العطف لمصاحبتها لحرفه.

وحروف العطف قسمان : قسم يقتضي التشريك في الإعراب والحكم ، وهو سبعة : الواو والفاء وثم وحتى وأو وإما وأم. وقسم يقتضي التشريك في الإعراب فقط ، وهو ثلاثة : بل ولكن ولا. وإنما تعددت حروف العطف لتعدد معانيها ، فالواو لمطلق الجمع بين المتعاطفين في الحكم لا تفيد ترتيبا ولا معية بدليل صحة نحو : اشترك زيد وعمرو ، (فيعطف بها سابق) ، (ولا حق) ، (ومصاحب). والفاء للترتيب والتعقيب فيعطف بها لاحق متصل نحو : تزوج زيد فولد له ، إذا لم يكن بين التزوج والولادة إلا مدة الحمل مع لحظة الوطء ومقدمته. وثم ، للترتيب والمهلة أي التراخي في الزمان فيعطف بها لاحق منفصل نحو : غاب زيد ثم حضر ، ويعطف بلا بعد مثبت لنفي الحكم عن تاليها وقصره على متلوّها نحو : زيد كاتب لا شاعر ، ويعطف بحتى بعض على كل ولو تقديرا نحو : أكلت السمكة حتى رأسها. وقوله :

ألقى الصحيفة كي يخفف رحله

والزاد حتى نعله ألقاها

أي ألقى ما يثقله حتى نعله. ولا يكون المعطوف بها إلا اسما ظاهرا غاية لما قبلها في شرف أو إهانة أو قوة أو ضعف نحو : مات الناس حتى الأنبياء ،

______________________________________________________

(قوله : فيعطف بها سابق) نحو : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ)(١).

(قوله : ولاحق) نحو : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ)(٢).

(قوله : ومصاحب) نحو : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ)(٣).

__________________

(١) سورة الشورى ، الآية ٣.

(٢) سورة الحديد ، الآية ٢٦.

(٣) سورة العنكبوت ، الآية ١٥.

١٣٥

وغلبك الناس حتى النساء. وقوله :

قهرناكم حتى الكماة فأنتم

تهابوننا حتى بنينا الأصاغرا

ويعطف بأو لأحد الشيئين أو الأشياء مفيدة بعد الطلب إما التخيير بين المتعاطفين نحو : تزوج زينب أو أختها. أو الإباحة نحو : تعلم فقها أو نحوا. والفرق بينهما جواز الجمع بين الأمرين في الإباحة دون التخيير وبعد الخبر إما الشك من المتكلم كجاء زيد أو عمرو ، أو التشكيك للسامع أي إيقاعه في الشك. ويعبر عنه بالإيهام نحو : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤))(١). أو التقسيم نحو : الكلمة اسم أو فعل أو حرف. أو الإضراب نحو : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧))(٢). ومثل أو في إفادة ما تقدم سوى الإضراب إما المقرونة بالواو المسبوقة بمثلها.

واقتصر الناظم على التخيير لكونه أشهر معانيها وقيدها بقوله : وإما إن كسر للاحتراز عن أما المفتوحة فإنها غير عاطفة بل حرف متضمن لمعنى الشرط مؤول عند سيبويه بمهما يكن من شيء. ويعطف بأم بعد همزة التسوية نحو : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)(٣) ، وبعد همزة يطلب بها وبأم التعيين نحو : أزيد عندك أم عمرو ، والمعنى : أيهما عندك. ولهذا يجاب بتعيين أحدهما لا بعندي أحدهما لأنه معلوم للسائل ، وتسمى حينئذ متصلة فإن وقعت بعد غير ذلك كانت منقطعة بمعنى بل مختصة بالجمل نحو (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ)(٤) أي بل هل. ويعطف ببل بعد النفي أو النهي لتقرير حكم متلوها وإثبات نقيضه لتاليها نحو : ما جاءني زيد بل عمرو ، ولا تضرب زيدا بل عمرا. ومثلها في ذلك لكن ، ويشترط في العطف بها إفراد معطوفها ووقوعه بعد نفي أو نهي وعدم اقترانها بالواو فإن تلتها جملة أو تلت واوا ووقعت بعد إثبات فهي حرف ابتداء ، وإن وقعت بل بعد الإيجاب كانت لنقل الحكم من متلوها وصيرورته كالمسكوت عنه وإثباته لتاليها نحو : جاءني زيد بل عمرو ، واضرب زيدا بل بكرا.

__________________

(١) سورة سبأ ، الآية ٢٤.

(٢) سورة الصافات ، الآية ١٤٧.

(٣) سورة البقرة ، الآية ٦.

(٤) سورة الرعد ، الآية ١٦.

١٣٦

(باب ما لا ينصرف)

(هذا وفي الأسماء ما لا ينصرف

فجرّه كنصبه لا يختلف

وليس للتنوين فيه مدخل

لشبهه الفعل الذي يستثقل)

الاسم المعرب إما منصرف أو لا ، فالمنصرف ما دخله الصرف أي تنوين التمكين وجرّ بالكسرة ، وغير المنصرف ما منع منهما وجر بالفتحة ، والغالب في الأسماء أن تكون مصروفة كما يومىء إليه بقوله : هذا وفي الأسماء ما لا ينصرف ، أي خذ هذا المذكور من الإعراب فإنه حكم غالب الأسماء ، وفي الأسماء ما لا ينصرف وحكمه أن نصبه وجره بالفتحة لا يختلفان ، وإنما منع من التنوين والجر بالكسرة لشبهه بالفعل لكونه فرعا من جهتين بوجود علتين فيه أو ما في معناهما ، كل واحدة فرع لشيء كما أن الفعل فرع عن الاسم من جهتين : اشتقاقه من الاسم وافتقاره إليه. فلما شابهه في ذلك ثقل فحمل عليه في الحكم فمنع مما منع منه الفعل وهو الجر والتنوين. وعلل منع الصرف تسعة يجمعها قوله :

اجمع وزن عادلا أنث بمعرفة

ركب وزد عجمة فالوصف قد كملا

وتسمية كل واحدة منها علة بمعنى أن لها مدخلا في العلية ، ففيه تجوّز. والعلة في الحقيقة مجموع شيئين منها أو ما قام مقام ذلك.

واعلم أن ما لا ينصرف قسمان : قسم يمتنع صرفه معرفة ونكرة وهو خمسة أنواع. وقسم يمتنع صرفه معرفة لا نكرة وهو ستة أنواع. فمجموع الأسماء التي لا تنصرف أحد عشر نوعا ، وبدأ منها بالقسم الأول فقال :

(مثاله أفعل في الصفات

كقولهم أحمر في الشيات)

أي مثال ما لا ينصرف ما جاء على وزن أفعل من الصفات كأحمر وأبيض في الشيات أي في الألوان ، وأفصل وأحسن في غيرها ، والمانع له من الصرف الصفة ووزن الفعل لكن يشترط فيه بالنسبة إلى الصفة أمران ، أحدهما : أن يكون وصفا في الأصل بأن يكون من أول الأمر دالا على الوصفية ليخرج ما وضع

١٣٧

اسما للعدد ثم عرضت له الوصفية ولهذا صرف أربع في نحو : مررت بنسوة أربع ، لأنه وضع اسما للعدد فلم يلتفت إلى ما طرأ له من الوصفية.

والثاني : أن لا يقبل التاء إما لأنه لا مؤنث له كأكمر ، لعظيم الكمرة. وآدر ، لمن بخصيته نفخ ، أوله مؤنث لكنه على وزن فعلاء أو فعلى كأحمر وحمراء وأفضل وفضلى بخلاف نحو أرمل فإنه يقبل التاء فيقال : أرملة ، فهو منصرف. وأما أدهم وأرقم وأبطح ونحوها فغير مصروفة كما يعلم مما مر فإنها وضعت صفات فلم يلتفت إلى ما طرأ لها من الاسمية ، وربما اعتد بعضهم باسميتها فصرفها.

(أو جاء في الوزن مثال سكري

أو وزن دنيا أو مثال ذكري)

هذا هو النوع الثاني من القسم الأول ، وهو مما جاء مماثلا في وزنه ، فعلى مثلث الفاء كسكري ودنيا وذكري ونحو ذلك مما آخره ألف التأنيث المقصورة نكرة كانت كما تقدم أو معرفة كرضوى مفردا كما مر أو جمعا كجرحى جمع جريح اسما كما مر أو صفة كحبلى ، والمانع له من الصرف ألف التأنيث وحدها. وإنما استقلت بالمنع لأنها زيادة دالة على التأنيث لازمة لبناء ما هي فيه وكونها للتأنيث علة ولزومها لبناء ما هي فيه حتى كأنها من أصول الكلمة بمنزلة علة أخرى بخلاف التاء فإنها في الغالب مقدّرة الانفصال.

(أو وزن فعلان الذي مؤنثه

فعلي كسكران فخذ ما أنفثه)

هذا هو النوع الثالث ، وهو مما جاء مماثلا في وزنه فعلان بفتح أوله بشرط كونه وصفا في الأصل وكونه غير قابل التاء إما لأنه لا مؤنث له كلحيان لكثير اللحية ، ورحمان أوله مؤنث لكن على فعلي كسكران وغضبان. والمانع له من الصرف الصفة وزيادة الألف والنون ، ومن اشترط وجود فعلي كالناظم صرف نحو رحمان لانتفاء وجود فعلي.

قال صاحب «المتوسط» : والحق انتفاء وجود فعلانة لأن وجود فعلي ليس شرطا بالذات بل لكونه مستلزما لانتفاء فعلانة الذي هو شرط بالذات ، انتهى.

فلو كان فعلان غير صفة كسرحان أو وصفيته عارضة كصفوان بمعنى قاس ، أو مؤنثه على فعلانة كندمانة ، انصرف. وقوله : ما أنفثه ، أي ما ألفظه

١٣٨

لك من فمي ؛ ومن النوع الثاني ما أشار إليه بقوله :

(أو وزن فعلاء وأفعلاء

كمثل حسناء وأنبياء)

أي أو جاء مماثلا في وزنه فعلاء كحسناء أو أفعلاء كأنبياء ونحوهما مما فيه ألف التأنيث الممدودة نكرة كحمراء ، أو معرفة مفردا أو جمعا اسما أو صفة ، ومنه : (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ)(١) إذ أصله فعلاء بخلاف : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ)(٢). والمانع له من الصرف ألف التأنيث الممدودة واستقلت بالمنع لما تقدم. وأشار إلى الرابع بقوله :

(أو وزن مثنى وثلاث في العدد

فاصغ يا صاح إلى قول السدد)

أي أو جاء مماثلا في وزنه مفعل بفتح أوله أو فعال بضم أوله من الواحد إلى الأربعة باتفاق ، ومن الخمسة إلى العشرة على الأصح عند ابن مالك وجماعة كموحد وأحاد ومثنى وثلاث وهي معدولة عن ألفاظ العدد الأصول مكررة. وأصل جاءني القوم أحاد جاءوا واحدا واحدا وكذا الباقي. ولا تستعمل هذه الألفاظ إلا نعوتا نحو : (أُولِي أَجْنِحَةٍ)(٣) مثنى وثلاث ورباع ، أو أخبارا نحو : صلاة الليل ، مثنى مثنى ، أو أحوالا نحو : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)(٤). والمانع لهذا النوع من الصرف الصفة والعدل ، وإذا سمي بهذا النوع كمثنى وثلاث بقي على منع صرفه كما اقتضاه كلامه فيما بعد خلافا للأخفش وأبي العباس لأن الصفة وإن زالت بالتسمية خلفتها العلمية والعدل باق فما يوجد في بعض النسخ بدل قوله : فاصغ ، إلى آخره.

إذ ما رأى صرفها قط أحد

فيه نظر بالنسبة إلى نفي الخلاف ، والإصغاء استماع القول ، والسدد الصواب ، وإضافة القول إليه من باب إضافة الموصوف إلى الصفة ، ويا صاح :

منادى مرخم. وأشار إلى الخامس بقوله :

(وكل جمع بعد ثانيه ألف

وهو خماسي فليس ينصرف

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ١٠١.

(٢) سورة النجم ، الآية ٢٣.

(٣) سورة فاطر ، الآية ١.

(٤) سورة النساء ، الآية ٣.

١٣٩

وهكذا إن زاد في المثال

نحو دنانير بلا إشكال)

أي وكل جمع خماسي أو سداسي موازن مفاعل أو مفاعيل في كون أوله مفتوحا وثالثه ألفا بعدها حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن وما يلي الألف مكسور لفظا أو تقديرا ، فإنه لا ينصرف كمساجد ومصابيح. ولا يشترط أن يكون أوله ميما كدراهم ودواب لأن المعتبر موافقته لمفاعل أو مفاعيل في الهيئة لا في الحروف. ويسمى الجمع المتناهي والجمع الذي لا نظير له في الآحاد. وإنما استقل بالمنع لقيام الجمع فيه مقام علتين فكونه جمعا علة وخروجه عن صيغ الآحاد العربية بمنزلة علة أخرى لأن هذين الوزنين يختصان بالجمع أو بما نقل عنه كحضاجر للضبع. وإذا كان هذا الجمع معتل الآخر كجوار وغواش أجري في الرفع والجر مجرى المنقوص المنصرف كقاض في حذف يائه وثبوت تنوينه نحو : (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ)(١) ، (وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ)(٢) ، وفي النصب مجرى الصحيح كدراهم في سلامة آخره وظهور فتحه من غير تنوين نحو : (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ)(٣) لكن تنوين قاض تنوين صرف. ونحو جوار تنوين عوض ، وجر قاض بكسرة مقدرة وجوار بفتحة مقدرة ، وإنما قدرته مع خفتها لنيابتها عن الكسرة.

(فهذه الأنواع ليست تنصرف

في موطن يعرف هذا المعترف)

يعني أن هذه الأنواع الخمسة لا تنصرف في محل تنكير ولا تعريف ، فهي لا تنصرف أبدا. فإذا سمي بشيء منها بقي على منع صرفه كما لو سمي شخص بالجمع المتناهي كحضاجر علما للضبع ، أو بأفعل الوصف كأحمر مسمى به ، أو بفعلان الوصف كسكران مسمى به نظرا إلى أصله. وقد مر أن بعضهم يصرف نحو أدهم مما استعمل استعمال الأسماء.

وعن الأخفش وأبي العباس أنهما يصرفان نحو مثنى وثلاث إذا سمي بهما ، وذلك لزوال الوصف والعدل فليس فيهما إلا التعريف خاصة. ورد بأن هذا لا نظير له إذ لا يوجد لنا ما ينصرف في المعرفة ولا ينصرف في النكرة ، وإنما المعروف العكس.

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ٤١.

(٢) سورة الفجر ، الآيتان ١ ، ٢.

(٣) سورة سبأ ، الآية ١٨.

١٤٠