كشف النّقاب عن مخدرات مليحة الإعراب

عبد الله بن محمّد أحمد الفاكهي

كشف النّقاب عن مخدرات مليحة الإعراب

المؤلف:

عبد الله بن محمّد أحمد الفاكهي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٦

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

«تعلّموا العربيّة وعلّموها الناس»

(حديث شريف)

مقدمة المؤلف

الحمد لله رب العالمين ، وسبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، وأصلي وأسلم على محمد أفضل من خصصته بروح قدسك.

وبعد ، فهذا تعليق (وجيز) على (المقدمة) الموضوعة في علم العربية المسماة بملحة الإعراب ، كافل بحل مبانيها ، وتوضيح معانيها ، وتفكيك نظامها ، وتعليل أحكامها. وسميته :

«كشف (النقاب) عن مخدرات ملحة الإعراب»

سألنيه بعض الفقهاء الأصفياء المعتقدين الأولياء ، فأجبت سؤاله وحققت آماله ، وقلت مستمدا من الله التوفيق والهداية إلى واضح الطريق : قال ناظمها رحمه‌الله تعالى :

______________________________________________________

(قوله : وجيز) الإيجاز هو تجريد المعنى من غير رعاية لفظ الأصل بلفظ يسير بخلاف الاختصار ، فهو تجريد اللفظ اليسير من اللفظ الكثير مع بقاء المعنى. ا ه.

(قوله : المقدمة) بكسر الدال ، اسم فاعل من قدم اللازم بمعنى تقدم ، أو بفتحها اسم مفعول من قدمت الشيء أي جعلته مقدما. وسماها مقدمة تشبيها لها بمقدمة الكتاب ، أو العلم لأنها يستعان بها على غيرها من كتب هذا الفن المطولة. ا ه.

(قوله : النقاب) بكسر النون وجمعه نقب ككتاب وكتب وانتقبت وتنقبت : غطت وجهها بالنقاب ، وهو شيء تستر به المرأة وجهها.

٣

(أقول من بعد افتتاح القول

بحمد ذي الطول الشديد الحول)

افتتح قوله بحمد الله الصادق بالصيغة الشائعة للحمد وبغيرها مما يفهم الحمد تأسيا بقوله عليه الصلاة والسّلام : «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع» ، ولا ينافيه رواية : «لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم» ، لأن المقصود الافتتاح بما يدل على الثناء على الله سبحانه وتعالى ، لا أن لفظ الحمدلة والبسملة متعين كما يدل لذلك رواية : «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله» ويؤيده أن أول شيء نزل من القرآن : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)(١).

والطول : الفضل والسعة ، والحول والقوة ، وإضافة الشديد إليه ، من باب إضافة الصفة إلى موصوفها ، أي ذي الحول الشديد. وعقب الثناء على الله بالثناء على النبي عليه الصلاة والسّلام في قوله ، كما يوجد في بعض النسخ :

(وبعده فأفضل السّلام

على النبي (سيد) (الأنام)

وآله الأطهار خير أل

فاحفظ كلامي واستمع مقالي)

والضمير في بعده عائد إلى الحمد. والمعنى أنه يقول كذا مما سيأتي بعد افتتاح القول بالحمد ، وبهذا اللفظ وهو بعده فأفضل السّلام إلخ ، وبعد منصوب على الظرفية والعامل فيه أما المحذوفة تخفيفا لكثرة استعمالها وجوابها قوله : فأفضل السّلام. والنبي إنسان أوحي إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه فإن أمر به

______________________________________________________

(قوله : سيد) أصله سيود بكسر الواو فقلبت ياء لتحركها واجتماعها مع الياء الساكنة السابقة عليها ، والجمع هو سادة ، وهو من ساد ، أي حصلت له السيادة والعلو في قومه بسبب كرم أو علم أو جاه مثلا. ا ه.

(قوله : الأنام) كسحاب. قيل من أنم ، وقيل أصله ونام من ونم إذا صوت من نفسه كإناء ووناء. وقيل : فيه آنام مثل ساباط. وقال الليث : يجوز في الشعر الأنيم مثل أمير وهو الخلق ، أو كل من يعتريه النوم أو الجن والإنس أو جميع ما على وجه الأرض من الخلق. ا ه.

__________________

(١) سورة العلق ، الآية ١.

٤

فرسول أيضا ، فالنبي أعم (فكل رسول نبي ولا عكس). والأنام الخلق على المشهور ، ودل على أن نبينا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم سيدهم ، أي أفضلهم قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(١) ، لأن خيرية الأمة بحسب كمالها في دينها وذلك تابع لكمال نبيها. واستغنى الناظم بهذا الوصف للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن التصريح بذكر اسمه العلم تعظيما لشأنه وتفخيما لقدره لما فيه من الإعارة إلى انفراده وعدم مشارك له فيه فلا ينصرف الذهن عند سماعه إلى غيره. واستعمال السيد في غير الله شائع كثير يشهد له (الكتاب) (والسنة). وحكي عن الإمام مالك : الكراهة. وفي «أذكار» النووي عن ابن النحاس جواز إطلاقه على غير الله إلا أن يعرف بأل. ثم قال : والأظهر جوازه معها ، وإفراد الصلاة عن السّلام مكروه وكذا بالعكس.

وقد يجاب عن الناظم باحتمال أنه جمع بينهما لفظا وذلك كاف أو أن محل الكراهة فيمن اتخذه عادة كما قيل ، وآل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقاربه المؤمنون (من بني هاشم) والمطلب ، وإضافته إلى الضمير كما هنا (جائز) على الصحيح وإن كان الأولى إضافته إلى الظاهر ، والأطهار جمع طاهر ، ووصفهم بذلك لقوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٢). وخير :

______________________________________________________

(قوله : فكل رسول نبي ولا عكس) فبينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان في نبي ورسول كمحمد عليه الصلاة والسّلام. وينفرد النبي في الخضر مثلا ا ه.

(قوله : الكتاب) كقوله تعالى : (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ)(٣) ، (وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩))(٤).

(قوله : والسنة) كقوله عليه الصلاة والسّلام : «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» ا ه.

(قوله : من بني هاشم) أي وبناته. ففيه تغليب ، ويقال مثله في بني المطلب ولا يشكل بأولاد بناتهم حيث لم يكونوا من الآل لأنهم ينسبون لآبائهم. ا ه.

(قوله : جائز) وحجة المانع أن الظاهر أشرف من الضمير ولا شك أن الآل

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١١٠.

(٢) سورة الأحزاب ، الآية ٣٣.

(٣) سورة يوسف ، الآية ٢٥.

(٤) سورة آل عمران ، الآية. ٣٩

٥

اسم تفضيل حذفت ألفه لكثرة الاستعمال.

وقوله : فاحفظ كلامي إلخ ، أمر للطالب بحفظ كلامه والإصغاء إلى مقاله وهما متقاربا المعنى. وأشار إلى مقول القول بقوله :

(يا سائلي عن الكلام المنتظم

حدا ونوعا وإلى كم (ينقسم)

اسمع هديت الرشد ما أقول

وافهمه فهم من له معقول)

أي : أقول يا سائلي عن حد الكلام في اصطلاح النحاة ، وعن أنواعه كم هي عندهم ، وعن أقسام كل نوع ، فحدّا ونوعا منصوبان على التمييز ، ويا سائلي إلى آخر المنظومة مقول القول ، وقوله : هديت الرشد ، جملة دعائية معترضة بين الفعل ومفعوله ، وعائد ما : محذوف ، وقوله : من له مقول : أي من له عقل كقوله تعالى : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦))(١) أي الفتنة وهي صفة يميز بها بين الحسن والقبيح.

ثم بيّن حد الكلام المسؤول عنه بقوله : حد الكلام ما أفاد المستمع ، أي قول أفاد المستمع بأن أفهم معنى يحسن السكوت من المتكلم عليه بحيث لا يصير السامع منتظرا لشيء آخر تحصل به الفائدة فلا حاجة لذكر المركب إذ المفيد بالمعنى المذكور يستلزمه. ومن ثم استظهر رأي من جنح إلى أن قول ابن مالك في «ألفيته» كاستقم مثال لا تتميم للحد ، والقول هو اللفظ الدال على معنى مفردا كان أو مركبا ، مفيدا أم لا ، فهو إذا (بمعنى المقول) مصدر بمعنى

______________________________________________________

أشرف. ا ه.

(قوله : ينقسم) الضمير يعود إلى النوع ، فإن كل نوع من أنواع الكلام وهو : الاسم والفعل والحرف ، له أقسام فينقسم الاسم إلى معرفة ونكرة ومفرد ومثنى ومجموع ، والمفرد إلى معرب ومبني وصحيح ومعتل وكذا الفعل إلى ماض ومضارع وأمر ، وإلى معرب ومبني وغير ذلك. والحرف إلى حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر ، وإلى حرف يجر الاسم ، وإلى حرف ينصب المضارع ، وإلى حرف يجزمه ا ه.

(قوله : بمعنى المقول) الظاهر أنه مجاز إذ لم يشتهر إطلاق المصدر هنا. وإرادة

__________________

(١) سورة القلم ، الآية ٦.

٦

اسم المفعول كقولهم : هذا ضرب الأمير ، بمعنى مضروبه. واللفظ ما يتلفظ به الإنسان (مهملا) كان أو مستعملا ، فالقول أخص منه فكل قول لفظ (ولا عكس). واحترز بالقول المعبر عنه بما عن الخط والإشارة ونحوهما مما ليس بقول وهو مفيد فإنه لا يسمى كلاما في الاصطلاح. وبقوله أفاد المستمع ما لا فائدة فيه بالمعنى المذكور كالمركب الإضافي نحو : عبد الله ، والمزجي نحو : بعلبك ، والإسنادي المسمى به نحو : شاب قرناها ، ودخل في حد الكلام بالمعنى المذكور للمفيد ما علم ثبوته أو نفيه للسامع نحو : الكل أعظم من الجزء ، والضدان لا يجتمعان. نعم إن أريد بالمفيد ما أفاد ما لم يكن عند السامع فلا. واعتبر بعضهم في حد الكلام كونه مقصودا لذاته لإخراج غير المقصود وما قصد لغيره فالأول كالصادر من النائم مما هو لفظ مفيد ، والثاني كجملة الصلة في نحو : جاء الذي قام أبوه ، فإنها مقصودة لإيضاح معناه. وأما اتحاد الناطق (فلا يعتبر) في الكلام. وصححه ابن مالك وأبو حيان قالا : كما أن اتحاد الكاتب لا يعتبر في كون الخط خطا.

______________________________________________________

اسم المفعول بخلاف اللفظ على الملفوظ به فإنه حقيقة عرفية ا ه.

(قوله : مهملا) وهو ما لم يوضع لمعنى من أهمله أي تركه ا ه.

(قوله : ولا عكس) أي لغوي وهو عكس الكلية الموجبة بنفسها كعكس المترادفين نحو : كل إنسان بشر ، وكل بشر إنسان. والمتساويين ككل إنسان ناطق وكل ناطق إنسان. وأما العكس المنطقي وهو عكس الكلية الموجبة موجبة جزئية نحو : كل قول لفظ ، وبعض اللفظ قول فصحيح ا ه حريري.

(فائدة) : مدلول اللفظ من حيث يقصد باللفظ يسمى معنى ، ومن حيث يحصل منه يسمى مفهوما ، ومن حيث وضع له اسم يسمى مسمى ا ه سمرقندي.

(قوله : فلا يعتبر) وتوضيح ذلك : أن بعضهم زاد في حد الكلام من ناطق واحد احترازا من أن يصطلح اثنان على أن يذكر أحدهما فعلا أو مبتدأ مثلا والآخر فاعلا أو خبرا. وأجاب ابن مالك بأن هذه الزيادة غير محتاج إليها لوجهين ، أحدهما : أن اتحاد الناطق لا يعتبر في كون اللفظ كلاما كما لا يعتبر اتحاد الكاتب في كون الخط خطا. والثاني : أن كل واحد من المصطلحين متكلم بكلام وإنما اقتصر على كلمة واحدة اتكالا على نطق الآخر بالأخرى ا ه.

٧

والحد لغة : المنع. واصطلاحا : بمعنى المعرّف وهو ما يميز الشيء عما عداه ولا يكون كذلك إلا ما كان جامعا لأفراد المحدود مانعا من دخول غيرها فيه.

وأشار بقوله : نحو سعى زيد وعمرو متبع ، إلى أن الكلام يتألف من اسمين نحو : عمرو متبع ، وتسمى جملة إسمية. ومن فعل واسم نحو : سعى زيد. وتسمى جملة فعلية. وهذا هو أقل ائتلافه وقد يتألف من أكثر ولا يتألف من فعلين ولا من حرفين ولا من فعل وحرف ، ولا من اسم وحرف ، لأن الكلام لا يحصل (بدون إسناد) ، والإسناد يقتضي مسندا ومسندا إليه لكونه نسبة بينهما وهما لا يتحققان إلا في اسمين ، أو اسم وفعل. وأما نحو : يا زيد ، فأصله أدعو زيدا ، فهو مؤلف من فعل واسم خلافا لأبي علي فلا يشترط في جزأي الكلام أن يلفظ بهما معا كما مثل فقد يلفظ بأحدهما دون الآخر كاستقم ، والكلام أخص من الجملة لاشتراط الفائدة فيه بخلافها لأنها عبارة عن اللفظ المركب الإسنادي أفاد أم لا ، فكل كلام جملة ولا عكس ، وليسا بمترادفين خلافا للزمخشري وصاحب «اللباب» واختاره ناظر الجيش. ثم إن صدرت الجملة باسم فاسمية ، أو بفعل ففعلية. والمراد بالمصدر المسند أو المسند إليه ولا عبرة بما تقدم عليه من الحروف وإن غير الإعراب والمعنى فنحو : إن زيدا قائم ، جملة اسمية. والمعتبر بما هو مصدر في الأصل فنحو : زيدا ضربت ، جملة فعلية.

(ونوعه الذي عليه يبنى

اسم وفعل ثم حرف معنى)

لما فرغ من حد الكلام أشار إلى بيان أجزائه التي يتألف منها ، أي من مجموعها لا جميعها ، فذكر أنها (ثلاثة) : اسم وفعل وحرف لا رابع لها. كما دل على ذلك الإجماع والاستقراء ، فإن علماء هذا الفن تتبعوا ألفاظ العرب فلم

______________________________________________________

(قوله : بدون إسناد) والإسناد عبارة عن تعليق خبر بمخبر عنه ، أو طلب بمطلوب منه ا ه.

(قوله : ثلاثة) أي ولا التفات إلى من زاد رابعا وسماه خالفة ، وعنى بذلك اسم الفاعل نحو صه ، فإنه خلف عن اسكت أي خليفة عن لفظه في إفادة ما يفيده.

٨

يجدوا غيرها فلو كان ثم غيرها لعثروا عليه ، وقيد الحرف بكونه لمعنى لإخراج (حرف التهجي) إذ لا يكون جزءا للكلام على أن في جعله حرف المعنى جزءا للكلام تجوّزا أو جريا على مقالة ضعيفة ، واحترز بنوعه الذي عليه يبنى من نوعه الذي ينقسم إليه كالجملة الاسمية والفعلية (والصغرى والكبرى).

وقد يقال : إن الناظم رحمه‌الله تعالى قسم الكلام إلى غير أقسامه لأن هذه الثلاثة أقسام لا للكلام لأن علامة صحة القسمة جواز إطلاق اسم المقسوم على كل واحد من الأقسام. ويجاب بأن هذا من تقسيم الكل إلى أجزائه وإنما يلزم صدق اسم المقسوم على كل واحد من أقسامه (في تقسيم الكلي إلى جزئياته). والناظم لم يقصد ذلك والكلمة قول مفرد وقد مر معنى القول ،

______________________________________________________

(قوله : حرف التهجي) والفرق بين حرف المعنى وحرف التهجي أن حرف المعنى كلمة بذاتها وحرف التهجي جزء من الكلمة ا ه.

(قوله : والصغرى والكبرى) لأن الجملة الصغرى هي ما وقعت خبرا عن غيرها ، والكبرى ما وقع الخبر فيها جملة. وذلك : كزيد قام أبوه. وأما إذا كان الخبر مفردا نحو : زيد قائم ، فلا يقال للجملة فيه صغرى ولا كبرى ا ه.

(قوله : في تقسيم الكلي إلى جزئياته) أراد أن الكلمة كلية وأن الاسم والفعل والحرف جزئيات لها ، وكون الكلمة كلية لأنها مأخوذة في مفهوم كل من الاسم والفعل والحرف أخذ الحيوان في مفهوم كل من الإنسان والفرس والبقر فإن مفهوم الاسم مثلا كلمة دلت على معنى في نفسها إلخ ، فصارت الكلمة جزءا من هذه المفاهيم وصار المفهوم كلا فنسبت إليه والمنسوب إلى الكلي كلي فصارت كلية.

وكون الاسم وقسيميه جزئيات لاندراجهن تحت الكلية اندراج الإنسان والفرس والبقر تحت الحيوان فنسبت إليها. وقد ذكرنا أنها جزء من مفاهيمهن والمنسوب إلى الجزء جزئي فصارت جزئيات. ومن هنا قيل : الكلي جزء والجزئي كل ا ه.

ثم الفرق بين الكلي والكل والجزئي والجزء أن الكلي ما يفيد المراد ولو لم تجتمع الجزئيات ، مثل الحيوان ، فإنه يفيد المراد ولو لم يكن إلا حيوان بخلاف الكل فإنه لا يفيد إلا عند اجتماع الأجزاء كالمداد فإنه لا يفيد إلا عند اجتماع الأجزاء التي هي العفص والصمغ والزاج. والفرق بين الجزئي والجزء أن الجزئي ما يصلح أن يكون مبتدأ ويجعل الكلي خبرا عنه كالفرس حيوان بخلافه للجزء كالعفص مداد ا ه.

٩

والمفرد ما لا يدل جزؤه على جزء معناه كزيد ، والكلمة واحدة الكلم وهو إذا أخذ بقيد التركيب ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر أفاد أم لا ، كإن : قام زيد. وثم في كلام الناظم بمعنى الواو وليست على بابها لأنا إذا قسمنا شيئا إلى أشياء فنسبة كل واحد من الأقسام إلى الشيء المقسوم نسبة واحدة.

واعلم أن لكل واحد من هذه الأقسام علامات وكذا حدود يعرف ويتميز بها (عن قسيميه) ، والناظم آثر التمييز بالعلامة (على الحد) وإن كان هو أضبط (لا طراده) وانعكاسه بخلافها (إذ لا تنعكس) تسهيلا على المبتدىء ، فقال :

(فالاسم ما يدخله من وإلى

أو كان مجرورا بحتى وعلى

مثاله : زيد وخيل وغنم

وذا وتلك والذي ومن وكم)

الاسم (لغة) : مشتق من السمو وهو العلوّ في رأي بصري ، أو من السمة

______________________________________________________

(قوله : عن قسيميه) قسيم الشيء ما هو داخل تحت شيء آخر كالاسم مع الفعل والحرف فإنه قسيم لهما لكونه داخلا معهما تحت شيء آخر وهو الكلمة. وأما قسم الشيء فهو أخص تحت أعم كالاسم مع الكلمة فإنه أخص ، أي أقل اشتراكا منه وداخل تحتها ا ه.

(قوله : على الحد) الحد يشترط فيه الاطراد والانعكاس. والاطراد أن يوجد المحدود كلما وجد الحد وهو المانع. والانعكاس أن يوجد الحد كلما وجد المحدود وهو الجامع ا ه.

(قوله : لاطراده) أي كلما وجد المعرّف وجد التعريف فلا يدخل فيه شيء من غير أفراد المحدود فيكون مانعا ا ه.

(قوله : إذ لا تنعكس) أي العلامة ، لأنه قد يوجد المعلم بدون علامة وذلك كقولك : الإنسان كاتب بالفعل فإنه كلما وجد الكاتب بالفعل وجد الإنسان ، ولا يلزم من انتفائه انتفاء الإنسان. وما قالوه من أن العلامة لا تنعكس ، إنما هو في العلامة الغير اللازمة. وأما اللازمة كالكاتب بالقوة مع الإنسان فهي منعكسة أبدا كالحد ا ه.

(قوله : لغة) منصوب على التمييز ، أي من جهة اللغة لا على نزع الخافض لأنه سماعي إلا أن يقال : إن المؤلفين أجروه مجرى القياسي لكثرته في كلامهم ، ولا يصح أن يكون حالا لأن مجيء الحال من المبتدأ لا يجوز عند الجمهور ، وأيضا مجيء المصدر حالا سماعي ا ه.

١٠

وهي العلامة في رأي كوفي. واصطلاحا : كلمة دلت على معنى في نفسها غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة (وضعا). ولم يذكر الناظم مما يعرف به الاسم ويتميز به إلا حرف الجر وحروفه كثيرة اقتصر منها هنا على أربعة ، فكل كلمة صلحت لأن يدخل عليها حرف من حروف الجر ، أو كانت مجرورة به فهي اسم نحو : أخذت من ذا ، ونظرت إلى تلك ، وركبت على الخيل ، و (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥))(١). فهذه أسماء لدخول حرف الجر عليها إذ لا يدخل إلا على اسم صريح أو ما في تأويله. وأما قولهم : ما هي بنعم الولد وعلى بئس العير ، (فعلى حذف الموصوف وصفته).

وكما يتميز الاسم بدخول حرف الجر يتميز بالجر الذي هو أثره وهو عبارة عن الكسرة التي يحدثها العامل سواء كان العامل حرفا أم مضافا ولا جرّ لغيرهما على الصحيح ، ومما يتميز به الاسم أيضا التنوين وهو نون (ساكنة) تثبت لفظا لا خطا استغناء عنها بتكرار الحركة عند الضبط بالقلم ك : رجل ، وصه ، ومسلمات ، وحينئذ ، وكذا الإسناد إليه وهو أنفع علاماته إذ به تعرف اسمية التاء من : ضربت ، وما في : (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ)(٢) ، و (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ)(٣).

______________________________________________________

(قوله : وضعا) إنما قيد الاقتران بقوله : وضعا ، لإدخال بعض الأسماء المقترنة بالزمان التزاما كاسم الفاعل نحو : زيد ضارب غدا. وإخراج بعض الأفعال غير المقترنة بالزمان نحو : نعم وبئس وليس ، فإنها لما خرجت إلى معنى الإنشاء أو النفي تجردت عنه.

(قوله : فعلى حذف الموصوف وصفته) والتقدير ما هي بولد مقول فيه نعم الولد ، ونعم السير على عير مقول فيه : بئس العير بفتح العين المهملة. ويطلق على الحمار الوحشي والأهلي. والجمع أعيار مثل ثوب وأثواب وعيورة أيضا ، والأنثى عيرة ا ه مصباح.

(قوله : ساكنة) أي أصالة. وقوله : لا خطا خرجت نون رعشن وضيفن ا ه.

__________________

(١) سورة القدر ، الآية ٥.

(٢) سورة الجمعة ، الآية ١١.

(٣) سورة النحل ، الآية ٩٦.

١١

(ولا فرق فيه بين المعنوي واللفظي) كما حققه بعضهم ، (وأما تسمع) بالمعدي خير من أن تراه ، فعلى حذف أن أو إقامة الفعل مقام المصدر.

ولما فرغ مما يعرف به الاسم أخذ في بيان ما يعرف به مطلق الفعل ويتميز عن قسيميه ، فقال :

______________________________________________________

(قوله : ولا فرق فيه بين المعنوي واللفظي) فزيد قائم معنوي زيد ثلاثي ضرب ثلاثي من حرف جر ضرب فعل ماض لفظي ا ه.

(قوله : وأما تسمع إلخ) فتسمع مبتدأ وهو في تأويل سماعك وقبله أن مقدرة والذي حسن حذفه أن من تسمع ثبوتها في أن تراه. ا ه موضح.

١٢

(باب الفعل)

(والفعل ما يدخل (قد) (والسين)

عليه مثل بان أو يبين

أو لحقته تاء من يحدّث

كقولهم في ليس لست أنفث

أو كان أمرا ذا اشتقاق نحو قل

ومثله ادخل وانبسط واشرب وكل)

الفعل لغة : الحدث الذي يحدثه الفاعل من قيام أو قعود أو نحوهما. واصطلاحا : كلمة دلت على معنى في نفسها مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة وضعا ، وله علامات كثيرة ذكر منها أربع علامات ، الأولى : قد ، أي الحرفية وهي علامة مشتركة تدخل على الماضي لإفادة تحقيقه أو توقعه أو تقريب زمنه من الحال وعلى المضارع لإفادة التقليل أو التوقع نحو : قد بان زيد ، وقد يبين. ولا تدخل على الأمر أصلا.

وأما الاسمية فتكون بمعنى حسب نحو : قد زيد درهم ، ويتصل بها ياء المتكلم مجرورة بالإضافة ويلحقها نون الوقاية جوازا ، وقد تكون اسم فعل بمعنى اكفف ، وإذا اتصل بها الياء كانت في محل نصب على المفعولية ولزمتها نون الوقاية.

العلامة الثانية : السين ، أي سين الاستقبال ، وهي حرف تنفيس مختص بالمضارع وتخلصه للاستقبال بعد أن كان للحال أو محتملا ، وللاستقبال ومثلها سوف لكنها أكثر منها تنفسا إذ كثرة الحروف تدل على زيادة المعنى.

العلامة الثالثة : تاء الفاعل ، وهو المراد بقوله : من يحدّث ، سواء كانت

______________________________________________________

(قوله : قد) أي الحرفية لأنها المفهومة عند الإطلاق وهي في كلامه اسم لكونها فاعل يدخل ا ه.

(قوله : والسين) أل للعهد الذهني ، أي السين المعهودة عند النحاة التي معناها التنفيس فخرجت الهجائية وغيرها كسين الصيرورة في غزو استحجر الطين ، أي صار حجرا ا ه.

١٣

لمتكلم أو مخاطب. ويختص بها الماضي وبها يتبين لك أن ليس وعسى فعلان لقبولهما إياها في نحو : لست عليهم بوكيل ، (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ)(١) خلافا لمن زعم أن ليس حرف نفي كما النافية. وعسى حرف ترج كلعل ، ومثل تاء الفاعل تاء التأنيث الساكنة الدالة على تأنيث الفاعل وهي خاصة بالماضي أيضا وتلحقه متصرفا كان أو جامدا ما لم يلتزم تذكير فاعله. وبها يتبين لك أيضا أن نعم وبئس فعلان لقبولهما إياها ، ففي الحديث : «من توضأ يوم الجمعة فبها (ونعمت)» ، وفيه أيضا : وأعوذ بك من الخيانة ، فإنها بئست البطانة خلافا لمن زعم أنهما اسمان لدخول حرف الجر عليهما كما تقدم.

والعلامة الرابعة : دلالة الكلمة على الأمر بما اشتق منه وهو المصدر كما مثل به من نحو قل ، فإنه يدل على الأمر بما اشتق منه وهو القول ومثله : ادخل وانبسط واشرب. وكل بخلاف صه ، وإن دل على الأمر بالسكوت ليس فعل أمر لعدم اشتقاقه بما يدل عليه ، ومثله (مه) ، (وإيه). وقضية كلامه أن نزال ودراك فعلا أمر لدلالتهما على الأمر بما اشتقا منه. فإن نزال مشتق من النزول ، ودراك

______________________________________________________

(قوله : ونعمت) أي بالرخصة أخذ ونعمت الرخصة الوضوء ، قاله ابن عصفور ، ففيه حذف التمييز والمخصوص أيضا ، وهو على رأي من يجيز حذف التمييز كالناظم ا ه.

(قوله : مه) أي انكفف عنا.

(قوله : وإيه) بكسر الهاء وتنوينها أي زدنا حديثا أو امض في حديثك أو زد منه.

قوله هلم : هو عند الحجازيين اسم فعل بمعنى أحضر وأقبل. وعند بني تميم فعل أمر. ومذهب البصريين أن هلم مركبة من هاء التنبيه ومن لمّ التي هي فعل أمر من قولهم : لمّ الله شعثه ، أي جمعه. كأنه قيل : اجمع نفسك إلينا ، فحذفت ألفها تخفيفا.

وقال الخليل : ركب قبل الإدغام فحذفت همزة الدرج إذ كانت همزة وصل ، وحذفت الألف لالتقاء الساكنين ثم نقلت حركة الميم الأولى إلى اللام وأدغمت. وقال الفراء : مركبة من هل التي للزجر ، وأم بمعنى اقصد ، فخففت الهمزة بإلقاء حركتها على الساكن قبلها فصار هلم. وقيل : إنها ليست مركبة ا ه.

__________________

(١) سورة محمد ، الآية ٢٢.

١٤

مشتق من الإدراك وليس كذلك بل هما اسما فعل أمر. وأن علم (وهات وتعال) ليست أفعال أمر والذي صححه ابن هشام : أن هات وتعال فعلا أمر ، والمشهور بين النحاة أن علامة الأمر دلالته على الطلب وقبوله ياء المخاطبة ، فإن دلت كلمة عليه ولم تقبل الياء فهي اسم فعل كصه ، أو قبلتها ولم تدل عليه ففعل مضارع. وقد استبان لك أن الفعل ثلاثة أقسام : ماض وعلامته المختصة به تاء الفاعل ومثلها تاء التأنيث الساكنة ، ومضارع وعلامته المختصة به السين ومثلها سوف ، وأمر وعلامته المختصة به عنده إفهامه الأمر بما اشتق منه ، وأن قد علامة مشتركة بين الماضي والمضارع.

(والحرف ما ليست له علامة

فقس على قولي تكن علّامة

مثاله حتى ولا وإنما

وهل وبل ولو ولم ولما)

الحرف لغة : طرف الشيء كحرف الجبل ، وفي التنزيل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ)(١) أي على طرف وجانب من الدين. واصطلاحا : كلمة دلت على معنى في غيرها (فقط) وليس له علامة وجودية ، وهذا هو المراد بقوله : ما

______________________________________________________

(قوله : وهات وتعال) اعلم أن آخر هات مكسور أبدا إلا إذا كان لجماعة المذكر فإنه يضم تقول : هات يا زيد ، وهات يا هند ، وهاتيا يا زيدان ويا هندان ، وهاتين يا هندات ، كل ذلك بكسر التاء. كما تقول : هاتوا يا قوم بضمها ، قال تعالى : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ)(٢). وأن آخر تعال مفتوح في جميع أحواله من غير استثناء تقول : تعال يا زيد ، وتعال يا هند ، وتعاليا يا زيدان ويا هندان ، وتعالين يا هندات ، وتعالوا يا زيدون ، وكل ذلك بالفتح. قال تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ)(٣) ، (فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَ)(٤) ا ه.

(قوله : فقط) فصل ثان زاده تبعا لبعض منهم الجزولي لإخراج بعض الأسماء كأسماء الشرط والاستفهام فإن كل واحد منهما يدل بسبب تضمنه معنى الحرف على

__________________

(١) سورة الحج ، الآية ١١.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١١١.

(٣) سورة الأنعام ، الآية ١٥١.

(٤) سورة الأحزاب ، الآية ٢٨.

١٥

ليست له علامة بل علامته التي امتاز بها عن قسيميه عدمية وهي أن لا يقبل شيئا من خواص الاسم ولا من خواص الفعل فحينئذ يمتنع كونه واحدا منهما فيتعين كونه حرفا إذ لا مخرج عن ذلك كما دل عليه الاستقراء. فإذا عرضت عليك مثلا كلمة وسئلت عنها أهي اسم أو فعل أو حرف ، فاعرض عليها علامات الاسم أولا فإن قبلت شيئا منها فاسم ، وإلا فاعرض عليها علامات الفعل فإن قبلت شيئا منها ففعل ، وإلا فاحكم بحرفيتها.

والحرف ثلاثة أقسام كما أفهمه تعدد المثال في النظم : مختص بالاسم كفى وحتى الجارة ، ومختص بالفعل كلم ولما ولو الشرطية ، ومشترك بينهما كهل وبل وثم ولا غير الناهية. والأصل في كل حرف مختص أن يعمل فيما اختص به ما لم ينزل منزلة الجزء كأل والسين ، وفي كل حرف لا يختص أن لا يعمل.

______________________________________________________

معنى في غيره مع دلالة المعنى الذي وضع له فإذا قلت : من يقم أقم معه ، فقد دلت على شخص عاقل بالوضع ودلت مع ذلك على معنى هو ارتباط جملة الجزاء بجملة الشرط ، فلذلك زاد فقط في الحد ا ه.

١٦

(باب المعرفة والنكرة)

الباب : ما يتوصل به إلى الشيء ، وهو حقيقة في الأجسام كباب المسجد مجاز في المعاني كهذا الباب الذي نحن بصدده ، ونشير فيه إلى بيان حقيقة النكرة والمعرفة.

(والاسم ضربان فضرب نكرة

والآخر المعرفة المشتهرة)

قسّم الاسم بحسب التنكير والتعريف إلى نكرة ومعرفة ، فالنكرة ما شاع في جنس موجود كرجل أو مقدر (كشمس). والمعرفة ما وضع ليستعمل في معين. والنكرة هي الأصل لاندراج كل معرفة تحتها من غير عكس. ولهذا بدأ بها الناظم فقال :

(وكل ما ربّ عليه تدخل

فإنه منكر يا رجل

نحو غلام وكتاب وطبق

كقولهم : رب غلام لي أبق)

يعني أن علامة النكرة جواز دخول رب عليها لأن رب لا تدخل إلا على النكرة. فكلما وجدت هذه العلامة وجدت النكرة نحو : رب غلام لي أبق ، ورب طبق أهدي إليّ. وبها استدل على أن من وما قد يقعان نكرتين كقوله :

رب من أنضجت غيظا صدره

قد تمنى لي موتا لم يطع

وقول الآخر :

(ربما تكره) النفوس من الأمر

له فرجة كحل العقال

______________________________________________________

(قوله : كشمس) فإنها موضوعة لما كان كوكبا نهاريا ينسخ وجوده ظهور الليل ا ه.

(قوله : ربما تكره) جملة تكره صفة لا صلة ، لأن رب مختصة بالنكرة ومن الأمر بيان لما ، وله فرجة خبرها وأما جعل ما كافة له وفرجة صفة لمحذوف هو مفعول تكره. ومن الأمر بيان له ، أي قد تكره النفوس حالا من الأمر له فرجة إلخ فيرده أن الموصوف بالجملة بحذف إلا إذا كان بعض اسم مجرور بمن أو في نحو : منا ظعن ،

١٧

وقد تدخل رب على ضمير غيبه كقوله :

ربه فتية دعوت إلى ما

يورث المجد (دائبا) فأجابوا

فإن قلت : هل هو حينئذ معرفة أو نكرة كما هو قضية النظم. قلت : قد اختلف النحويون في الضمير الراجع إلى نكرة على ثلاثة مذاهب ، ثالثها : إن كان مرجعه جائز التنكير فمعرفة ك : جاءني رجل فأكرمته ، أو واجبة فنكرة نحو : رب رجل وأخيه ، وكالبيت المذكور. ثم إن النكرات تتفاوت في نفسها كالمعارف فبعضها أنكر من بعض فأنكرها شيء ثم متحيز ثم جسم ثم نام ثم حيوان ثم ماش ثم ذو رجلين ثم إنسان ثم رجل ، (ولذلك ضابط) ذكرته في شرحي على القطر.

______________________________________________________

ومنا أقام ، وفينا سلم ، وفينا هلك ، وفرجة بفتح الفاء.

(قوله : دائبا) بالباء الموحدة أي دائما ، صفة لمصدر محذوف أي إيراثا دائما ا ه.

(قوله : ولذلك ضابط) والضابط أن النكرة إذا دخل غيرها تحتها ولم تدخل تحت غيرها فهي أنكر النكرات ، فإن دخلت تحت غيرها ودخل غيرها تحتها فهي بالإضافة أي بالنسبة إلى ما يدخل تحتها أعم وبالإضافة إلى ما تدخل تحته أخص.

وأقسامها في الأعمية عشرة كل واحد منها أعم مما بعده وأخص مما فوقه ، وهي : مذكور ، ثم موجود ، ثم محدث ، ثم جسم ، ثم نام ، ثم حيوان ، ثم إنسان ، ثم عاقل ، ثم رجل ، ثم عالم.

فمذكور : يشمل الموجود والمعدوم فهو أعم من موجود.

وموجود : يشمل القديم والحادث فهو أعم من محدث.

ومحدث : يشمل الجسم والعرض ، فهو أعم من جسم.

وجسم : يشمل النامي وغير النامي فهو أعم من نام.

ونام : يشمل الحيوان وغيره فهو أعم من حيوان.

وحيوان : يشمل الإنسان وغيره فهو أعم من إنسان.

وإنسان : يشمل العاقل وغيره فهو أعم من عاقل.

وعاقل : يشمل الرجل وغيره فهو أعم من الرجل.

ورجل : يشمل العالم وغيره فهو أعم من عالم ا ه.

١٨

(وما عدا ذلك فهو معرفة

لا يمتري فيه الصحيح المعرفة)

أي ما لا يجوز دخول رب عليه فهو معرفة لا يشك فيه ذو المعرفة الصحيحة أي التامة ، كالأمثلة الآتية في النظم ، فلا يجوز دخول رب عليها. لكن من الكلمات ما لا تدخل رب عليه ومع ذلك فهو نكرة كأين ومتى وكيف وعريب وديار ، فالأولى ذكر المعارف بالعدّ لانحصارها. ثم يقال : وما عدا ذلك فهو نكرة.

والمعارف على ما هنا ستة : الضمير ، والعلم ، واسم الإشارة ، والموصول ، وذو الآداة ، والمضاف إلى واحد منها إضافة (محضة) وهي متفاوتة في التعريف أشار إليها بتعداد المثال حسب ما اتفق له في قوله :

(مثاله الدار وزيد وأنا

وذا وتلك والذي وذو الغنا)

فأعرفها الضمير وهو ما دل على متكلم أو مخاطب أو غائب كأنا وأنت وهو ، ثم العلم وهو ما عين مسماه (بغير قيد) كزيد ومكة. ثم اسم الإشارة وهو ما وضع لمسمى وإشارة إليه كذا وتلك. ثم الموصول وهو ما افتقر إلى صلة (وعائد) كالذي والتي. ثم ذو الأداة كالرجل والدار ، وسيأتي الكلام عليها. أو المضاف فهو في التعريف بحسب ما يضاف إليه كغلام زيد وخاتم هذا ، وذو

______________________________________________________

(قوله : محضة) أي خالصة من شائبة الانفصال ا ه.

(قوله : بغير قيد) أي من غير قرينة خارجية كبقية المعارف فإنها إنما تعين مسماها بقرينة خارجة عن ذات الاسم إما لفظية كأل والصلة أو معنوية كالحضور أي في ضميري المتكلم والمخاطب كأنا وأنت والغيبة كهو ا ه هاشم.

(قوله : عائد) خرج الموصول الحرفي فإنه لا يحتاج إلى عائد بل إلى صلة ، وهو : أنّ وإن وما وكي ولو. وزاد بعضهم الذي نحو : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا)(١) أي كخوضهم. قالوا : وأل فيه زائدة دخلت على الحرف ندورا كالموصولة على المضارع لكن الصحيح اسميته وحذف عائده وموصوفه أي كالخوض الذي خاضوه أو أصله : الذين ، حذفت نونه على لغة ، أو المراد كالفريق الذي خاضوا فجمع العائد نظرا للمعنى. ا ه خضري.

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٦٩.

١٩

الغنا ، إلا المضاف إلى الضمير فهو (في رتبة العلم) كغلامي وغلامك. ولم يذكر المنادى المقصود نحو : يا رجل لمعين ، مع أنه من المعارف ، ولعله إنما تركه لأنه يرى أنه داخل كما قيل في المعرف بأل أو في اسم الإشارة.

(وآلة التعريف فمن يردد

يعرف كبد مبهم قال الكبد

وقال قوم : إنها اللام فقط

إذ ألف الوصل متى يدرج سقط)

اختلف في آلة التعريف ، فمذهب الخليل وسيبويه أن أل بجملتها للتعريف لكن الخليل عنده الهمزة همزة قطع حذفت في الوصل لكثرة الاستعمال. وسيبويه يرى أن الهمزة همزة وصل فهي زائدة لكنها معتد بها في الوضع. ومذهب الأخفش أن آلة التعريف هي اللام فقط وضعت ساكنة واجتلبت همزة الوصل للتمكن من الابتداء بالساكن وفتحت لكثرة استعمالها مع اللام. ونسب هذا لسيبويه أيضا ، فقد ظهر لك أن حذفها في الوصل لا يمنع من كونها للتعريف على أنه يحكى عن المبرد أن الهمزة للتعريف واللام زائدة للفرق بينها وبين همزة الاستفهام.

فإذا عرفت ذلك وأردت تعريف اسم نكرة كرجل وكبد ، أدخل عليه أل فقل : الرجل والكبد.

واعلم أن أل المذكورة قسمان : عهدية وجنسية. وكل منهما ثلاثة أقسام لأن العهد إما ذكري (نحو : في زجاجة ، الزجاجة). أو ذهني نحو : (إِذْ هُما فِي الْغارِ)(١). أو حضوري نحو : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)(٢).

وأل التي للجنس إما أن تكون لاستغراق أفراده ، وهي التي يخلفها كل

______________________________________________________

(قوله : في رتبة العلم) وإلا لما صح نحو : مررت بزيد صاحبك ، إذ الصفة لا تكون أعرف من الموصوف. وقيل : إنما أضيف إلى معرفة فهو في مرتبة ما تحتها ا ه.

(قوله : نحو في زجاجة الزجاجة) وفائدتها التنبيه على أن مصحوبها هو الأول إذ لو جيء به منكرا لتوهم أنه غيره ا ه.

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٤٠.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٣.

٢٠