كشف النّقاب عن مخدرات مليحة الإعراب

عبد الله بن محمّد أحمد الفاكهي

كشف النّقاب عن مخدرات مليحة الإعراب

المؤلف:

عبد الله بن محمّد أحمد الفاكهي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٦

(باب التعجب)

(وتنصب الأسماء في التعجب

نصب المفاعيل ولا تستعجب

تقول : ما أحسن زيدا إذ خطا

وما أحدّ سيفه حين سطا)

التعجب انفعال يحدث في النفس عند الشعور بأمر خفي سببه ، وخرج عن نظائره ، ولهذا يقال : إذا ظهر السبب بطل العجب. وله صيغ كثيرة دالة عليه منها ما هو بالقرينة نحو : (سُبْحانَ اللهِ)(١) ، «إن المؤمن لا ينجس». ومنها ما هو بالوضع نحو : ما أفعله وأفعل به ، وهاتان الصيغتان اقتصر النحويون عليهما في هذا الباب لاطراد الإتيان بهما في كل معنى يصح التعجب منه ، فإذا أردت إنشاء فعل التعجب فجيء به على وزن أفعل بعد (ما) مبتدئا بها ، ثم جيء بالمتعجب من فعله منصوبا نصب المفعول به ولا تستغرب ذلك ، أو جيء به على وزن أفعل ثم جيء بالمتعجب من فعله مجرورا بالياء.

مثال الأول نحو : ما أحسن زيدا ، فما مبتدأ بمعنى شيء ، وابتدىء به لتضمنه معنى التعجب ، وأحسن فعل ماض بدليل اتصان نون الوقاية به وفاعله ضمير ما ، وزيدا مفعول به والجملة خبر المبتدأ والهمزة في أفعل للصيرورة.

والتقدير : شيء عجيب حسن زيدا ، أي صيره حسنا.

ومثال الثاني نحو : (أحسن بزيد) ، فأحسن لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر ،

______________________________________________________

(قوله : لا ينجس) سببه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نادى أبا هريرة وكان جنبا فلم يجبه فقال : «ما منعك أن تجيبني؟» فقال : كنت نجسا ، فقال : «سبحان الله إن المؤمن لا ينجس» ا ه.

(قوله : أحسن بزيد) الظاهر أنه مبني على فتحة مقدرة منع من ظهورها مجيئه على صورة الأمر ، أو هو مبني على السكون لكونه على صورة الأمر. ا ه.

__________________

(١) سورة المؤمنون ، الآية ٩١.

١٠١

وبزيد فاعله والباء زائدة كما في : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً)(١) والهمزة للصيرورة أيضا. والتقدير : أحسن زيد ، أي صار حسنا. هذا مذهب سيبويه ففيه زيادة الباء واستعمال الأمر بمعنى الماضي. ولم يتعرض في النظم لهذا الكون المتعجب منه مجرورا.

واعلم أن فعل التعجب إنما يبنى (من فعل متصرف ثلاثي) مجرد تام مثبت متفاوت في المعنى مبني للفاعل غير دال على لون أو عيب ، فإذا أريد التعجب من فعل دال على لون إن خلقة فيتوصل إليه بجائز يصاغ منه ، وينصب مصدر التعجب منه بعده مفعولا كما يؤخذ من قوله :

(وإن تعجبت من الألوان

أو عاهة تحدث في الأبدان

فابن له فعلا من الثلاثي

ثم ائت بالألوان والأحداث

تقول ما أنقى بياض (العاج)

وما أشد ظلمة الدياجي)

إذا قصدت التعجب من فعل ثلاثي دال على لون كالبياض أو على عاهة ، أي علة كالعمى ، فيتوصل إليه بأن يصاغ فعل التعجب من فعل ثلاثي ، أي مع استيفاء سائر الشروط المذكورة. ثم يؤتى بمصدر الفعل الذي تريد التعجب منه

______________________________________________________

(قوله : من فعل متصرف ثلاثي إلخ) فلا يبنى من الرباعي كدحرج وتدحرج ، وقوله : متصرف ، لا يبنى من غير متصرف كنعم وبئس. وقوله مجرد ، فلا يبنى من المزيد كانطلق واستخرج. وقوله : تام ، فلا يبنى من ناقص ككان. وقوله : مثبت ، فلا يبنى من المنفي نحو : ما ضرب. وقوله : متفاوت ، فلا يبنى من غير متفاوت كمات وفني لأن حقيقتهما لا تتفاوت. وقوله : مبني للفاعل ، فلا يبنى من مبني للمفعول كضرب زيد. ا ه.

نعم إن كان منفيا أو مبنيا للمفعول لكن مصدرهما مؤول جاز نحو : كثر أن لا يقوم وأعظم بضربه. ا ه.

(قوله : العاج) هو عظم الفيل واحده عاجة. قال سيبويه : يقال لصاحب العاج عوّاج بالتشديد. ا ه.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٧٩.

١٠٢

منصوبا بعد (ما) أفعل مضافا إلى فاعل الفعل فتقول في التعجب من بيض : ما أشد بياضه ، ومن عور : ما أقبح عوره. ومثله ما مثل به وكذا يقال في التعجب من نحو : انطلق مما هو فعل زائد على ثلاثة أحرف ما أشد انطلاقه. وأما الفعل الجامد والذي (لا يتفاوت) معناه فلا يتعجب منهما (ألبتة). وقد أفهم كلامه أن فعل التعجب لا يبنى من الألوان ولا من العاهات ولا من اسم ولا من فعل زائد على ثلاثة أحرف.

______________________________________________________

(قوله : لا يتفاوت) ومثل ابن ناظم الألفية للذي لا يقبل الفضل بما أفجع موته وأفجع بموته. وقال ابن هشام : لا تتعجب منه ألبتة.

(قوله : ألبتة) بقطع الهمزة أي لا انفكاك أبدا. ا ه.

١٠٣

(باب الإغراء)

(والنصب في الإغراء غير ملتبس

وهو بفعل مضمر فافهم وقس

تقول للطالب خلا برا

دونك بشرا وعليك عمرا)

الإغراء : تنبيه المخاطب على أمر محمود ليلزمه. وحكم الاسم المغري به النصب وهو ظاهر غير خفي لأنه مفعول به. وعامله إما ظاهر نحو : الزم أخاك ، ومنه قوله : دونك عمرا وعليك بكرا ، فدونك اسم فعل منقول من ظرف المكان بمعنى خذه ، وعليك اسم فعل منقول من جار ومجرور بمعنى ألزم وما بعدهما منصوب بهما على المفعول به لا بما نابا عنه كما هو صريح كلامه.

وإما مضمر وإضماره إما جوازا نحو : الصلاة جامعة ، أي احضروا الصلاة ، وجامعة حال ويجوز رفعهما ورفع الأول ونصب الثاني وبالعكس ، (وإما وجوبا) وذلك في العطف نحو : الأهل والولد والمروءة والنجدة. وفي التكرار نحو :

أخاك أخاك إن من لا أخا له

كساع إلى الهيجا بغير سلاح

وإنما وجب الإضمار فيهما لجعلهما كالبدل من اللفظ بالفعل كما أشار إلى ذلك في التكرار بقوله :

(وتنصب الاسم الذي تكرره

عن عوض الفعل الذي لا تظهره

مثل مقال الخاطب الأوّاه

الله الله عباد الله)

______________________________________________________

(قوله : وإما وجوبا) وما أضمر عامله وجوبا في سبعة مواضع ، أحدها : في باب الاشتغال والنداء والإغراء والمنصوب على المدح نحو : أتاني زيد الكريم ، أي أعني الكريم ، أو الذم نحو : أتاني زيد الفاسق ، أي أعني الفاسق. والترحم نحو : مررت بزيد المسكين. والاختصاص نحو : نحن العرب أقرى الناس للضيف ، فنحن مبتدأ وأقرى الناس خبره ، والعرب مفعول بفعل لا يظهر وجوبا ، أي أخص العرب ، والجملة حال. ا ه.

١٠٤

أي تنصب الاسم على الإغراء إذا كررته كما تقدم بعامل لا يظهر وجوبا لقيام العوض وهو تكرار المفعول مقامه. وأما قول الخطيب : الله الله ، فمنصوب على التحذير بتقدير : اتقوا ، ولم يتعرض له في النظم وهو كالإغراء في أحكامه ولا يكون المغري به إلا ظاهرا متأخرا عن عامله. وأما كتاب الله عليكم فمصدر مؤكد لأن ما قبله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ)(١) إلخ. فدل على أنه مكتوب عليكم وكأنه قال : كتب الله عليكم ذلك كتابا. والخل الصديق ، والبر بفتح الباء المحسن ، والأواه الكثير التأوّه خوفا من الله تعالى.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٢٣.

١٠٥

(باب إن وأخواتها)

(وستة تنصب الأسماء

بها كما ترتفع الأنباء

وهي إذا رويت أو أمليتا

إنّ (وأنّ) يا فتى وليتا

ثم كأنّ ثم لكنّ وعلّ

واللغة المشهورة الفصحى لعل)

من جملة نواسخ الابتداء هذه الأحرف الستة المشبهة بالفعل فإنها تنسخ حكمه بدخولها على المبتدأ والخبر فتنصب المبتدأ اتفاقا ويسمى اسمها وترفع الخبر عند البصريين ويسمى خبرها ، وعند الكوفيين أنه مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها لأنه لم يتغير عما كان عليه ولهذا لا يجوز إن قائم زيدا ولو كان معمولا لها لجاز. وعبارة الناظم صادقة بالمذهبين وإلى الأول أقرب وهو الراجح كما ذكرته في «شرح القطر». ولو عكس التشبيه لكان أولى. وما جاز أن يكون خبرا للمبتدأ جاز أن يكون خبرا لها.

ومعنى إن وأن : تأكيد النسبة ونفي الشك عنها والإنكار لها إلا إن أن المفتوحة مع ما بعدها في تأويل المفرد كما سيأتي.

ومعنى كأن : التشبيه المؤكد لأنه مركب من الكاف وأنّ.

ومعنى لكن : الاستدراك وهو تعقيب الكلام برفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه من الكلام السابق.

ومعنى ليت التمني : وهو طلب ما لا طمع فيه أو ما فيه عسر.

______________________________________________________

(قوله : وأن) وتؤول أن بمصدر خبرها مضافا لاسمها إن كان مشتقا ، وبالسكون إن كان جامدا أو ظرفا كبلغني أنك زيد ، أو في الدار ، أي بلغني كونك زيدا إلخ.

ويقال في الجامد : بلغني زيديتك ، لأن ياء النسب مع التاء تفيد المصدرية كالفروسية.

ا ه خضري. وقد تستعمل أن غير حرف فتكون فعلا ماضيا مبنيا للفاعل أو للمفعول مشتقا من الأنين ، تقول : أن زيد في الدار ، بفتح أن فإذا بنيته للمفعول تكسر الهمزة على لغة من يقول في رد ، رد بكسر الراء ، وقد تستعمل أمرا تقول : إن يا زيد ، بكسر الهمزة كقولك : فريا زيد من الأسد. ا ه.

١٠٦

ومعنى لعل الترجي : في المحبوب والإشفاق في المكروه ويعبر عنهما بالتوقع ، ويقال فيها عل ولعل ولعن بمعنى واحد.

(وإنّ بالكسرة أمّ الأحرف

تأتي مع القول وبعد الحلف)

إن بكسر الهمزة أم هذه الأحرف ولها ثلاثة أحوال : وجوب الكسر إن لم يسد المصدر مسدها ومسد معموليها. ووجوب الفتح إن سدّ ذلك. وجواز الوجهين إن صح الاعتباران فيجب الكسر إذا وقعت مع معموليها محكية بالقول نحو : قال : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ)(١) ، أو جوابا بالقسم نحو : (وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) ،)(٢) ، (إِنَّا أَنْزَلْناهُ)(٣) ، أو في ابتداء الكلام نحو : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١))(٤) ، (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ)(٥) ، أو في ابتداء الصلة نحو : جاء الذي إنه فاضل ، أو الصفة نحو : مررت برجل إنه فاضل. أو الجملة الحالية نحو : جاء زيد إنه فاضل ، أو المضاف إليه ما يختص بالجمل كجئتك إذ إن زيدا أمير.

ويجب الفتح (إذا وقعت فاعلا) ، (أو مفعولا) ، (أو مبتدأ) أو خبرا عن

______________________________________________________

(قوله : إذا وقعت فاعلا) أو نائبا كقوله : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ)(٦) ، (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ)(٧) لوجوب كون الفاعل والنائب مفردا. ا ه.

(قوله : أو مفعولا) نحو : (وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ)(٨).

(قوله : أو مبتدأ) لوجوب كون المبتدأ مفردا ودخل عليهما حرف الجر لأن حرف الجر لا يدخل إلا على مفرد أو كانت مجرورة بالإضافة نحو : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(٩) أو خبرا عن اسم معنى نحو : اعتقادي أنه فاضل ، أو معطوفة على شيء مما تقدم أو بدلا منه نحو : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ)(١٠) ، (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ*)(١١) ، (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ)(١٢) إلخ. وكذا بعد لو وبعد لو لا الامتناعية نحو : لو لا أنك منطلق. ا ه.

__________________

(١) سورة مريم ، الآية ٣٠.

(٢) سورة الزخرف ، الآية ٢.

(٣) سورة يوسف ، الآية ٢.

(٤) سورة القدر ، الآية ١.

(٥) سورة يونس ، الآية ٦٢.

(٦) سورة العنكبوت ، الآية ٥١.

(٧) سورة الجن ، الآية ١.

(٨) سورة الأنعام ، الآية ٨١.

(٩) سورة الذاريات ، الآية ٢٣.

(١٠) سورة البقرة ، الآية ٤٠.

(١١) سورة النحل ، الآية ١٢٤.

(١٢) سورة آل عمران ، الآية ١٣.

١٠٧

اسم معنى غير قول : وتكسر وتفتح إذا وقعت (بعد إذ الفجائية) ، (أو فاء الجزاء) ، (أو في موضع التعليل) ، وقد بسط ابن هشام في «توضيحه» الكلام على ذلك.

(واللام تختص بمعمولاتها

ليستبين فضلها في ذاتها

مثاله إن الأمير عادل

وقد سمعت أن زيدا راحل

وقيل : إن خالدا لقادم

وإن هندا لأبوها عالم)

تختص إن المكسورة بجواز دخول لام الابتداء على خبرها عند إرادة المبالغة في التأكيد بشرط أن يكون مؤخرا ولم يكن منفيا ولا ماضيا متصرفا خاليا من قد ، ولا فرق فيه بين أن يكون مفردا نحو : إن خالد القادم ، أو جملة اسمية نحو : إن هندا لأبوها عالم ، أو فعلية مصدرة بمضارع نحو : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ)(١) ، أو ماض غير متصرف نحو : إن زيدا لنعم الرجل ، أو متصرف مقرون بقد نحو : إن زيدا لقد قام ، أو ظرفا نحو : إن زيدا لعندي ، أو جارا ومجرورا نحو : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً*)(٢) ، إن فيك لزيدا راغب. وعلى معمول خبرها المتوسط نحو : إن زيدا لطعامك آكل ، وإن في الدار لعندك زيدا جالس ، وهذه اللام وهي الداخلة على المبتدأ وإنما أخرت للخبر مع إن كراهية

______________________________________________________

(قوله : بعد إذ الفجائية) نحو : خرجت فإذ إن زيدا قائم.

(قوله : أو فاء الجزاء) نحو : (مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤))(٣). والفتح على جعل أن معموليها مبتدأ أو خبر مبتدأ.

والمعنى : فالغفران والرحمة حاصلان أو فالحاصل الغفران والرحمة. ا ه.

(قوله : أو في موضع التعليل) نحو : (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨))(٤) فالكسر أرجح على أنه تعليل مستأنف ، والفتح على تقدير لام العلة أي لأنه ، ومثله : لبيك إن الحمد والنعمة لك. ا ه.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٤٧.

(٢) سورة الأنفال ، الآية ٧.

(٣) سورة الأنعام ، الآية ٥٤.

(٤) سورة الطور ، الآية ٢٨.

١٠٨

اجتماع حرفي تأكيد ، ولهذا تسمى اللام المزحلقة بالقاف ، والمزحلفة بالفاء ، واختصت إن بها ليظهر بذلك تميزها على أخواتها في نفسها وأنها أم الباب. وقول الناظم : وقد سمعت أن زيدا راحل ، مثال غير مطابق ولو قال : وقد سمعت إنه لراحل ، لكان أنسب. ويحتمل إرادة التمثيل لإن وأن المفتوحة مع الإيماء إلى الفرق بينهما.

(ولا تقدم خبر الحروف

إلا مع المجرور والظروف

كقولهم : إن لزيد مالا

وإن عند عامر جمالا)

أي لا يجوز في عده الأحرف أن يتقدم خبرها على اسمها لضعفها في العمل لعدم تصرفها ، وإن عملت عمل الأفعال إلا إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا لتوسعهم فيهما كما مثل. وقد يجب التقديم لعارض نحو : إن عند هند عبدها ، وإن في الدار صاحبها. وإذا امتنع تقديم الخبر على الاسم امتنع تقديمه عليها من باب أولى لأن امتناع الأسهل يستلزم امتناع غيره بخلاف العكس ، فلا يلزم من جواز تقديم الظرف والمجرور على الاسم جواز تقديمه عليها إذ لا يلزم من تجويز الأسهل تجويز غيره :

(وإن تزد ما بعد هذي الأحرف

فالرفع والنصب أجيزا فاعرف

والنصب في ليت وعلّ أظهر

وفي كأن فاستمع ما يؤثر)

إذا اتصلت ما الحرفية الزائدة بهذه الأحرف كفتها عن العمل وهيأتها للدخول على الجمل الفعلية بعد أن كانت مختصة بالجمل الاسمية ، فيتعين فيها الإلغاء نحو : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ)(١) ، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً)(٢) ، (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)(٣).

ولكنما أسعى لمجد مؤثل ولعلما

أضاءت لك النار الحمار المقيدا

نعم ، يستثنى من ذلك ليت فيجوز فيها الإعمال استصحابا للأصل وهو الأرجح لبقائها على اختصاصها بالأسماء وهو الأكثر ، والإهمال حملا لها على

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١٧١.

(٢) سورة المؤمنون ، الآية ١١٥.

(٣) سورة الأنفال ، الآية ٦.

١٠٩

أخواتها وقد روي بالوجهين قوله :

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا

يروى برفع الحمام ونصبه ، هذا مذهب سيبويه والجمهور وهو الراجح ، وذهب جمع إلى جواز إعمال الكل قياسا على ليت فإنه لم يسمع إلا فيها.

وقيل : وفي إن أيضا ، وجرى عليه الناظم غير أنه يرى أن الأعمال أظهر في ليت ولعل وكأن لاشتراكها في تغيير معنى الجملة الابتدائية بخلاف البقية. وعن الزجاج وابن أبي الربيع إعمال الثلاثة لا غير للعلة المذكورة ، وعن الفراء وجوب الإعمال في ليت ولعل.

١١٠

(باب كان وأخواتها)

(وعكس إن يا أخي في العمل

كان وما انفك الفتى ولم يزل

وهكذا أصبح ثم أمسى

وظل ثم بات ثم أضحى

وصار ثم ليس ثم ما برح

وما فتىء فافقه بياني المتضح

وأختها ما دام فاحفظها

واحذر هديت أن تزيغ عنها

تقول : قد كان الأمير راكبا

ولم يزل أبو عليّ عاتبا

وأصبح البرد شديدا فاعلم

وبات زيد ساهرا لم ينم)

من نواسخ الابتداء أيضا هذه الأفعال ، فتدخل على المبتدأ فترفعه تشبيها بالفاعل ويسمى اسمها حقيقة وفاعلا مجازا ، وعلى الخبر فتنصبه تشبيها بالمفعول ويسمى خبرها حقيقة ومفعولا لا مجازا ، وذلك عكس عمل إن وأخواتها. ونسبة الرفع إلى هذه الأفعال هو مذهب البصريين ، وأما الكوفيون فإنهم لا يجعلون لها عملا إلا في الخبر لأن الاسم لم يتغير عما كان عليه والصحيح الأول لاتصاله بها إذا كان ضميرا والضمير بالاستقراء لا يتصل إلا بعامله. وأيضا كل فعل يرفع قد ينصب وقد لا ينصب ، وأما أنه ينصب ولا يرفع فلا ، وهذه الأفعال ثلاثة أقسام : قسم يعمل هذا العمل من غير شرط وهو : كان وأمسى وأصبح وأضحى وظل وبات وصار وليس. وقسم لا يعمله إلا بشرط تقدم نفي أو نهي أو دعاء وهو : (زال ماضي يزال) وانفك وفتىء وبرح ، وهذه

______________________________________________________

(قوله : زال ماضي يزال) احتراز من زال ماضي يزيل بفتح الياء فإنه فعل تام متعد إلى مفعول واحد ووزنه فعل بفتح العين ، ومعناه : ماز ، بمعنى ميز ، تقول : أزل ضأنك من معزك ، بمعنى ميز بعضها من بعض ، ومصدره الزيل بفتح الزاي لأنه من باب ضرب يضرب ضربا واحترازا من زال ماضي يزول لأنه فعل تام قاصر وزنه فعل بفتح العين أيضا لأنه من باب نصر ينصر ، ومعناه : الانتقال ، تقول : زل عن مكانك أي انتقل عنه بخلاف زال ماضي يزال فإن وزنه فعل بكسر العين لأنه من باب علم

١١١

الأربعة بمعنى واحد ، فالنفي نحو : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ)(١) ، والنهي نحو :

صاح شمر ولا تزل ذكر المو

ت فنسيانه ضلال مبين

والدعاء نحو :

ولا زال منهلا بجر عائك القطر

وقسم لا يعمله إلا بشرط أن يتقدمه ما المصدرية الظرفية وهو دام نحو : ما دمت حيا ، أي مدة دوامي حيا. وما تصرف من هذه الأفعال يعمل عملها ومنه : ولم يزل أبو علي عاتبا. وكلها تتصرف إلا ليس ودام ، وما جاز أن يكون خبرا للمبتدأ جاز أن يكون خبر لها.

(ومن يرد أن يجعل الأخبارا

مقدمات فليقل ما اختارا

مثاله قد كان سمحا وائل

وواقفا بالباب أضحى السائل)

يشير إلى مسألتين ، إحداهما : أنه يجوز في هذه الأفعال أن يتقدم خبرها على اسمها وإن كان الأصل تأخيره ، كما يجوز تقديم خبر المبتدأ عليه والمفعول على الفاعل نحو : كان سمحا وائل ، قال الله تعالى : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(٢). وقد يجب ذلك نحو : كان يعجبني أن يكون في الدار صاحبها ، وقد يمتنع نحو : صار عدوي صديقي.

الثانية : أنه يجوز تقديم خبرها عليها وعلى اسمها كما يجوز تقديم المفعول على فعله وفاعله نحو : واقفا بالباب أضحى السائل. قال الشاعر :

اعلموا أني لكم حافظ

شاهدا ما كنت أو غائبا

وقد يجب ذلك نحو : أين كان زيد ، وكم كان مالك ، وكيف كان بكر. نعم يستثنى من إطلاقه خبر ليس فإنه لا يجوز تقديمه عليها في الأصح وإن كان ظرفا لعدم السماع وقياسا على : عسى بجامع الجمود ، وكذلك خبر دام لا يجوز تقديمه عليها مع ما باتفاق ولا على دام وحدها لعدم تصرفها ولئلا يلزم الفصل بين الموصول الحرفي وصلته ، ومثل دام كل فعل قارنه حرف مصدري ك : يعجبني أن تكون عالما ، وإذا نفى الفعل الناسخ بما جاز توسط الخبر النافي

__________________

(١) سورة هود ، الآية ١١٨.

(٢) سورة الروم ، الآية ٤٧.

١١٢

والمنفي نحو : ما قائما كان زيد وما مقيما زال بكر ، وامتنع تقديمه على (ما) لأن لها صدر الكلام.

(وإن تقل يا قوم قد كان المطر

فلست تحتاج لها إلى خبر

وهكذا يصنع كل من نفث

بها إذا جاءت ومعناها حدث)

تستعمل كان في العربية على ثلاثة أوجه : زائدة ، وهي التي لم يؤت بها للإسناد ، وشرط زيادتها أن تكون بين شيئين متلازمين ليسا جارا ومجرورا نحو : لم يوجد كان مثلك ، وما كان أحسن زيدا وناقصه ، وقد تقدمت. وتامة : وهي التي تكتفي بمرفوعها عن المنصوب ، وإذا استعملت تامة كانت بمعنى فعل لازم لما أشار إليه بقوله : وهكذا يصنع كل من نفث ، أي لفظ إلخ ، نحو : قد كان المطر ، أي حدث. ومنه : إن كان ذو عسرة ، أي وإن حصل. ولا يختص ذلك بكان بل سائر أخواتها تستعمل تامة ما عدا ليس وزال وفتىء نحو : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧))(١) ، (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ)(٢) ، وأما ليس وزال وفتىء فإنها ملازمة للنقص وما أوهم خلافه يؤول.

(والباء تختص بليس في الخبر

كقولهم : ليس الفتى بالمحتقر)

تزاد الباء في خبر ليس لرفع توهم الإثبات عند البصريين ولتأكيد النفي عند الكوفيين نحو : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ)(٣) ، ومنه : ليس الفتى بالمحتقر. وتزاد أيضا في خبر ما النافية وكذا في خبر الفعل الناسخ المنفي بلم نحو : لم أكن بقائم. قال الشاعر :

وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن

بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل

إذا علمت ذلك فمراد الناظم أنّ ليس من بين أخواتها تختص بجواز دخول الباء في خبرها وإذا عطفت عليه حينئذ اسما نحو : ليس زيد بقائم ولا قاعد ، جاز لك جره باعتبار اللفظ ونصبه باعتبار المحل ، ومنه قوله :

فلسنا بالجبال ولا الحديدا

__________________

(١) سورة الروم ، الآية ١٧.

(٢) سورة هود ، الآية ١٠٧.

(٣) سورة الزمر ، الآية ٣٦.

١١٣

(باب ما النافية)

(وما التي تنفي كليس الناصبة

في قول سكان الحجاز قاطبة

فقولهم ما عامر موافقا

كقولهم ليس سعيد صادقا)

قد تقدم أن الأصل في كل حرف لا يختص أن لا يعمل ، وما النافية من قبيل غير المختص ، فكان القياس أن لا تعمل فلذلك أهملها بنو تميم. قال شاعرهم :

ومهفهف الأعطاف قلت له انتسب

فأجاب ما قتل المحب حرام

وأما الحجازيون فأجروها مجرى ليس لمشابهتها لها في النفي والدخول على المبتدأ والخبر ، وتخليص المحتمل للحال ، فرفعوا بها المبتدأ اسما لها ونصبوا الخبر خبرا لها. وقال تعالى : (ما هذا بَشَراً)(١) ، و (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ)(٢).

ولما كان عملها عندهم على خلاف القياس اشترط لها أربعة شروط ، أحدها : النفي ، فإن انتقض بإلا بطل عملها نحو : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)(٣) بخلاف ما إذا انتقض النفي بغير إلا نحو : ما زيد غير قائم.

الثاني : أن لا يقترن الاسم بإن الزائدة فإن اقترن بها امتنع عملها كقوله :

(بني غدانة) ما إن أنتم ذهب

لأن مقارنة إن يبعد شبهها بليس لأن ليس لا يليها إن.

______________________________________________________

يعلم ولا يوصف بتعد ولا قصور وليس له مصدر. ا ه تصريح.

(قوله : بني غدانة إلخ) تمامه :

ولا صريف ولكن أنتم الخزف

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية ٣١.

(٢) سورة المجادلة ، الآية ٢.

(٣) سورة آل عمران ، الآية ١٤٤.

١١٤

الثالث : أن لا تؤكد بما فإن أكدت بها امتنع عملها أيضا نحو : ماما زيد قائم.

الرابع : تأخير الخبر ، فإن تقدم امتنع عملها نحو : (ما مسيء من أعتب). وإذا امتنع في حال تقدم الخبر ففي حال تقدم معموله أولى نحو : ما طعامك زيدا آكل. نعم يغتفر تقدم معمول الخبر إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا للتوسع فيهما نحو : ما عندك زيد مقيما ، وما بي أنت معنيا. وقضية هذه العلة جواز تقدم الخبر إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا للتوسع فيهما نحو : ما عندك زيد. وبه صرح بعضهم ، لكن ظاهر إطلاقهم يقتضي خلاف ذلك ويظهر كما قال العلامة السيوطي جواز إعمالها إن كان الظرف المقدم الخبر والمنع إن كان معموله ، وإذا عطف على خبرها المنصوب بلكن أو ببل تعين في المعطوف الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف نحو : ما زيد قائما لكن قاعد ، أو بل قاعد. ولا يجوز النصب لأن المعطوف بهما موجب. وأما المعطوف بغيرهما فيجوز فيه الأمران والنصب أجود.

وتزاد الباء في خبر ما كما تقدم ، ولا يختص ذلك بخبر ما الحجازية بل تزاد في خبر ما التميمية خلافا للفارسي والزمخشري لوجود ذلك في أشعار بني تميم ونثرهم ولأن الباء إنما دخلت الخبر لكونه منفيا لا لكونه منصوبا. وقضية هذه العلة جواز زيادتها وإن بطل عمل ما لزيادة إن أو لتقدم الخبر وهو كذلك خلافا للكوفيين.

______________________________________________________

(قوله : ما مسيء من أعتب) أي أزال العتب ، والهمزة للسلب والعاتب الذي عاد إلى مسرتك بعد ما أساءك فكأنه لم يسىء لأن التوبة تجبّ ما قبلها. يقال : أعتب الرجل إذا أتى بعد الذنب بعمل صالح يزيل عنه العتب على ذنبه ، فالهمزة فيه للسلب كما في أعجمت الكتاب إذا أزلت عجمته بالشكل والتنقيط والتصحيح. ا ه.

١١٥

(باب النداء)

(وناد من تدعو بيا أو بأيا

أو همزة أو أي وإن شئت هيا)

من المنصوبات على المفعول به بإضمار عامل لا يظهر المنادى وهو المطلوب إقباله بحرف نائب مناب أدعو لفظا أو تقديرا.

وأحرف (النداء) على ما هنا خمسة ، والمنادى قريب وبعيد ، فالهمزة وأي للقريب ، وأيا وهيا للبعيد ، ويا لهما وهي أمّ الباب لدخولها في كل نداء وتتعين في نداء اسم الله.

(وانصب ونوّن إذ تنادي النكرة

كقولهم ... (١)دع الشره)

إذا كان المنادي نكرة غير معينة فانصبه منوّنا كما مثل الناظم ، ومثله قول الأعمى : يا رجلا خذ بيدي ، ويا واقفا أنقذني ، والنهم والشره بمعنى واحد.

(وإن يكن معرفة مشتهرة

فلا تنوّنه وضمّ آخره

تقول : يا سعد أيا سعيد

ومثله يا أيها العميد)

إذا كان المنادي مفردا ، أي غير مضاف ولا شبهه وكان معرفة قبل النداء كيا سعد ، وأيا سعد. أو معرفة بعده وهو النكرة المقصودة بالنداء نحو : يا أيها العميد ، فلا تنون آخره بل ابنه على الضم لفظا إن كان صحيح الآخر كما تقدم ، أو تقديرا إن كان معتلا أو مبنيا قبل النداء نحو : يا موسى ، ويا قاضي ، و (يا حذام) ، ويا خمسة عشر. ويظهر أثر تقدير الضم إذا أتبع وإذا اضطر إلى تنويه

______________________________________________________

(قوله : النداء) فيه ثلاث لغات أشهرها كسر النون مع المد ، ثم مع القصر ، ثم ضمها مع المد ، واشتقاقه من ندى الصوت وهو بعده. يقال : فلان أندى صوتا من فلان ، إذا كان أبعد صوتا منه. ا ه أشموني.

(قوله : يا حذام إلخ) وقد ألغز فيه بقوله :

__________________

(١) كلمة غير واضحة بالأصل.

١١٦

جاز أن ينون (منصوبا) ، (ومضموما) ، ومحل بنائه على الضم إذا لم يكن مثنى ولا مجموعا على حده وإلا بني على ما يرفع به نحو : يا زيدان ، ويا زيدون. وإذا نوديت أيّ لزمها هنا التنبيه ولزم وصفها بما فيه أل واجب الرفع كما مثل به وهي نكرة مقصودة مبنية على الضم. صرح به المرادي. وإذا وصف المنادي المفرد العلم بابن مضاف لعلم نحو : يا زيد بن سعيد ، جاز لك ضمه وفتحه وكذا لو تكرر المنادي المبني على الضم وأضيف إلى ما بعده نحو : يا سعد سعد الأوس ، جاز لك فتح الأول وضمه ووجب نصب الثاني.

(وتنصب المضاف في النداء

كقولهم يا صاحب الرداء)

إذا كان المنادى مضافا إضافة لفظية أو معنوية وجب نصبه نحو : يا عبد الله ، ويا صاحب الرداء. ومثله المشبه به وهو ما اتصل به شيء من تمام معناه نحو : يا حسنا وجهه ، ويا طالعا جبلا ، ويا رفيقا بالعباد.

والحاصل أن المنادى باعتبار حكمه خمسة أقسام : المفرد العلم ، والنكرة المقصودة ، والنكرة غير المقصودة ، والمضاف وشبهه. فالمفرد العلم والنكرة المقصودة يبنيان على ما يرفعان به من حركة أو حرف ، والثلاثة الأخيرة منصوبة لفظا ولم يتعرض في النظم للمشبه بالمضاف :

(وجائز عند ذوي الأفهام

قولك يا غلام يا غلامي

وجوّزوا فتحة هدى الياء

والوقف بعد فتحها بالهاء

والهاء في الوقف على غلامية

كالهاء في الوقف على سلطانية

وقال قوم فيه : يا غلاما

كما تلوا : يا حسرتا على ما)

إذا نودي الاسم الصحيح الآخر المضاف إلى ياء المتكلم إضافة محضة

______________________________________________________

يا سيبويه أجبني

لا زلت تجلو المعمى

ما اسم حوى في زمان

فتحا وكسرا وضما

(قوله : منصوبا) نحو :

ضربت صدرها إليّ وقالت

يا عديا لقد وقتك الأواقي

(قوله : ومضموما) نحو :

سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام

١١٧

جاز فيه ست لغات ، ذكر منها في النظم أربعة :

أحدها : حذف الياء اكتفاء بالكسرة نحو : (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ)(١).

الثانية : إثبات الياء ساكنة نحو : (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ)(٢).

الثالثة : تحريكها بالفتح نحو : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا)(٣). ويوقف على هذه بهاء السكت حفظا لفتحة الياء فيقال : يا غلامية كما يقال في غير النداء : (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩))(٤).

الرابعة : قلب الياء ألفا بعد تحويل ما قبلها فتحة نحو : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ)(٥).

الخامسة : حذف الألف اكتفاء بالفتحة.

السادسة : ضم الاسم اكتفاء بنية الإضافة وإنما يفعل ذلك فيما يكثر أن لا ينادى إلا مضافا (حملا للقليل) (على الكثير) كقول بعضهم : يا أمّ لا تفعلي ، حكاه يونس.

فهذه ست لغات أفصحها حذف الياء اكتفاء بالكسرة ثم إثباتها ساكنة ومفتوحة ، ثم قلبها ألفا ، ثم حذف الألف اكتفاء بالفتحة. وأما نحو : يا مكرمي ، ويا ضاربي ، مما الإضافة فيه للتخفيف فليس فيه إلا لغتان إثبات الياء ساكنة أو مفتوحة. ومثله في وجوب إثبات الياء إلا أنها مفتوحة فيها لا غير المنادى المعتل المضاف إلى الياء نحو : يا فتاي بفتح الياء مخففة ، وقاضيّ بفتحها مدغمة في ياء المنقوص.

(وحذف يا يجوز في النداء

كقولهم : رب استجب دعائي

______________________________________________________

(قوله : حملا للقليل) وهو الذي لا ينادى إلا مضافا غالبا.

(قوله : على الكثير) وهو ما يكثر أن ينادى غير مضاف نحو : يا زيد ، ويا رجل ، لمعين. ا ه.

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية ١٦.

(٢) سورة الزخرف ، الآية ٦٨.

(٣) سورة الزمر ، الآية ٥٣.

(٤) سورة الحاقة ، الآية ٢٩.

(٥) سورة يوسف ، الآية ٨٤.

١١٨

وإن تقل يا هذه أو يا هذا

فحذف يا ممتنع يا هذا)

يجوز حذف حرف النداء وهو (يا) خاصة اختصارا نحو : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا)(١) ، (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا)(٢) ، (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١))(٣).

ويمتنع حذفه في ثمان مسائل ذكرها ابن هشام في «التوضيح» (منها : اسم الله) إذا لم تلحقه الميم نحو : يا الله. ومنها النكرة مقصودة كانت نحو : (يا رجل لمعين). أو غير مقصودة نحو : يا رجلا خذ بيدي. ومنها ما ذكره الناظم وهو اسم الإشارة نحو : يا هذا ويا هؤلاء.

وجوّز الكوفيون حذفه مع المقصودة ، واسم الإشارة لحديث : «ثوبي حجر» ، واشتدي أزمة تنفرجي. وقوله :

(لمثلك) هذا لوعة وغرام

ونحو : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ)(٤). والمانع حمل ذلك على الشذوذ والضرورة إلا الآية فعلى الابتداء والخبر ، وأما الحديث فلم يثبت كونه بلفظ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأما حذف المنادى وإبقاء حرف النداء ففيه خلاف ، جزم ابن مالك بجوازه قبل الأمر والدعاء ، وخرّج عليه قوله : (أَلَّا يَسْجُدُوا)(٥).

وقول الشاعر :

يا لعنة الله والأقوام كلهم

والصالحين على سمعان من جلوى

أي : يا قوم ، أو يا هؤلاء.

______________________________________________________

(قوله : منها اسم الله) لأنه على خلاف القياس فلو حذف حرف النداء لم يدل عليه دليل والحذف إنما يكون لدليل ا ه.

(قوله : يا رجل لمعين) لأن حرف النداء في اسم الجنس كالعوض من أدوات التعريف فحقه أن لا يحذف كما لا تحذف الأدوات. ا ه.

(قوله : لمثلك إلخ) صدره :

إذا أهملت عيني لها قال صاحبي

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية ٢٩.

(٢) سورة آل عمران ، الآية ٨.

(٣) سورة الرحمن ، الآية ٣١.

(٤) سورة البقرة ، الآية ٨٥.

(٥) سورة النمل ، الآية ٢٥.

١١٩

(باب الترخيم)

(وإن تشاء الترخيم في حال النداء

فاخصص به المعرفة المنفردا

واحذف إذا رخمت آخر اسمه

ولا تغير ما بقي عن رسمه

تقول : يا طلح ويا عام اسمعا

كما تقول في سعاد : يا سعا)

الترخيم هو حذف بعض الكلمة تخفيفا على وجه مخصوص ، وهو ثلاثة أنواع : ترخيم نداء ، وترخيم ضرورة ، وترخيم تصغير. والمراد هنا الأول.

ثم المنادى إما أن يكون مختوما بتاء التأنيث أو مجردا عنها.

فالأول : يرخم مطلقا أي سواء كان علما أم لا مجاوزا ثلاث أحرف أم لا. فتقول في ثبة وطلحة وفاطمة : يا ثب ، ويا طلح ، ويا فاطم.

والثاني : يرخم بشرط كونه معرفة ، أي علما مفردا مجاوزا ثلاثة أحرف وذلك نحو : حارث وجعفر وعامر وسعاد. فتقول : يا حار ، ويا جعف ، ويا عام ، ويا سعا بحذف آخرها مع بقاء ما قبله في هذه الأمثلة وما قبلها على حاله كأن المحذوف منطوق به كما أشار إليه بقوله : ولا تغير ما بقي من رسمه. ويسمى هذا لغة من ينتظر وهو الأكثر في كلامهم فلا يرخم نحو : إنسان ، مرادا به معين لأنه ليس علما ، ولا نحو عبد الله وشاب ، قرناها لأنهما ليسا مفردين ولا نحو : زيد وعمرو وحكم ، لأنها ثلاثية وأجاز بعضهم ترخيم نحو حسن وحكم مما هو ثلاثي محرك الوسط قياسا على إجرائهم نحو : سقر مجرى زينب في إيجاب منع الصرف. وعلى هذه اللغة تقول في ثمود يا ثمو ، ببقاء الواو على صورتها من غير إبدال لأنها في حشو الكلمة لنية المحذوف في المرخم. وفي لغة أخرى أشار إليها بقوله :

(وقد أجيز الضم في الترخيم

فقيل : يا عام بضم الميم)

أي يجوز في الترخيم قطع النظر عن المحذوف فيجعل الباقي كأنه اسم تام لم يحذف منه شيء فيبنى على الضم فتقول في طلحة وعامر وجعفر : يا طلح ويا عام ويا جعف ، بضم آخرها. وتقول في ثمود يا ثمي ، بقلب الضمة كسرة

١٢٠