علوم البلاغة ( البديع والبيان والمعاني )

الدكتور محمّد أحمد قاسم والدكتور محيي الدين ديب

علوم البلاغة ( البديع والبيان والمعاني )

المؤلف:

الدكتور محمّد أحمد قاسم والدكتور محيي الدين ديب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الحديثة للكتاب
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٤

ولا الإيجاز مزيّة مطلوبة بالمطلق لأنه يقول (١) : «وإنما يعد التطويل عيبا في المواضع التي يمكن الإيجاز ، ويغني عن التطويل فيها. فأما إذا كان الإيجاز متعذرا أو ممكنا ولا يقع به المعنى ، ولا يسدّ مسدّ التطويل ، فالتطويل هو الأبلغ في الفصاحة».

٢ ـ ١ ـ ٨ ـ كتاب دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني (ت ٤٧١ ه‍):

رسّخ عبد القاهر نظرية النظم ووطّد دعائمها بعد أن كانت شتاتا مبعثرا في كتب سابقيه. وقدّم من الحجج والأدلة ما يدحض تفاضل الكلمات المفردات لأن (٢) «الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك مما لا تعلّق له بصريح اللفظ. ومما يشهد لذلك أنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع ، ثم تراها بعينها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر».

ألا تكفي حججه هذه للدلالة على أن النظم أساس التفاضل؟

ونفى عبد القاهر أن يكون الإيقاع الموسيقي دليلا على إعجاز القرآن لأنه قد يقع في حماقات مسيلمة الكذّاب. كما أنه رأى أن الفواصل (السجع) لا تنهض دليلا على الإعجاز. والإعجاز في نظره لا يقع في استعارة أو كناية أو تمثيل.

وقد ذهب إلى نفي كل هذه الاحتمالات ليبقي على جوهر الإعجاز في نظره وهو النظم. والنظم قاده إلى الكلام على أبواب البلاغة من مثل : التقديم والتأخير ، والحذف والتقدير ، والتعريف والتنكير ، والاستعارة ، والكناية ، والتصريح ، والإيجاز ، والسجع

__________________

(١). م. ن. ج ١٦ ص ٤٠١.

(٢). الجرجاني ، دلائل الإعجاز ، ص ٣٨.

٢١

والتجنيس ، والإسناد وتحقيق معنى الخبر ، وغيرها من موضوعات البلاغة.

ذكرنا أسماء هذه الكتب على سبيل المثال لا الحصر لأنّ المصنّفين ذكروا أيضا في هذا الباب كلا من كتاب : الجمان في تشبيهات القرآن لابن ناقيا البغدادي (ت ٤٨٥ ه‍) ، والكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للزمخشري (ت ٥٣٨ ه‍) ، وبديع القرآن لابن أبي الأصبع المصري (ت ٦٥٤ ه‍) ، والطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز للعلوي (ت ٧٥٩ ه‍) ومعترك الأقران في إعجاز القرآن للسيوطي (ت ٩١١ ه‍).

وهكذا يمكننا القول : إن القرآن الكريم كان الباعث على تصنيف هذا الكم الهائل من الكتب البلاغية المرتبطة بفهم وتفسير القرآن معنى ومبنى. ولقد جعل أبو هلال العسكري تعلّم البلاغة فرضا على من يريد التعرف إلى بلاغة القرآن وإعجازه عند ما قال (١) : «إنّ أحقّ العلوم بالتعلم ، وأولاها بالتحفظ ـ بعد المعرفة بالله جل ثناؤه ـ علم البلاغة ، ومعرفة الفصاحة ، الذي به يعرف إعجاز كتاب الله تعالى».

ألا يكون كلام العسكري هذا تفسيرا لوفرة المصنفات البلاغية التي تناولت إعجاز القرآن ، وكانت ثمرة أسئلة بحثوا عن أجوبة لها فيما قدموه من جهود ، وما بذلوه من آراء؟

٢ ـ ٢ ـ علاقة البلاغة بالشعر :

عرف الشعر العربي في القرن الثاني للهجرة صراعا بين تيارين شعريين هما : تيار المحافظين ، وتيار المجددين. وتكلم النقاد

__________________

(١). العسكري ، أبو هلال ، كتاب الصناعتين ، ص ٧.

٢٢

على موجة الصراع بين أنصار المحافظة والتقليد من جهة ، وأنصار التجديد من جهة ثانية. هذه الحقبة عرفت على صعيد الشعر مصطلحا جديدا هو : الخصومة بين القدامى والمحدثين.

هذه الخصومة وجهت الدارسين شطر دواوين الشعراء لدراسة ما فيها من بيان ساطع وقدرة على التخييل تسعف على ابتكار تشابيه جديدة وتفنّن في ضروب الاستعارة والمجاز ، وراحوا يتقصون ما في دواوين هؤلاء من طباق وجناس وترصيع باحثين عن عناصر الصورة الشعرية واللغة الشعرية المميزة.

وما دمنا بصدد الخصومة بين القدامى والمحدثين ، فإننا نجد أنفسنا مجبرين على الإشارة ـ ولو بسرعة ـ إلى عدد من المصنفات التي أفرزتها تلك الخصومة. فمن أبرز هذه المصنفات:

١. الوساطة بين المتنبي وخصومه لأبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني (ت ٣٦٦ ه‍).

٢. الموازنة بين أبي تمام والبحتري لأبي القاسم الحسن بن بشر الآمدي (ت ٣٧١ ه‍).

هذان المصنفان وازنا بين الشعراء ، وذكر صاحباهما بحوثا في البلاغة اقتضاها حسن الشرح والتعليل لبيان ما في وجوه المفاضلة من تميّز هذا الشاعر على ذاك في التخييل ، وعناصر الصورة الشعرية.

ولعله من المفيد هنا الإشارة إلى كتاب سبق عصر الخصومة هذه ، هو كتاب البديع لأبي العباس عبد الله بن المعتز (ت ٢٩٩ ه‍). لقد تعقّب ابن المعتز ظاهرة البديع فوجده في شعر السابقين لموجة الحداثة ، غير أن المحدثين عرفوا به لأنهم أفرطوا في استخدامه وأسرفوا في تكلّفه. قال ابن المعتز (١) «قد قدمنا في أبواب كتابنا هذا ...

__________________

(١). ابن المعتز ، البديع ، تحق د. محمد عبد المنعم خفاجي ، دار الجيل ص ٧٣ ـ ٧٤.

٢٣

الذي سمّاه المحدثون البديع ، ليعلم أن بشّارا ، ومسلما ، وأبا نواس ، ومن تقيّلهم (حذا حذوهم) ، وسلك سبيلهم لم يسبقوا إلى هذا الفن ولكنه كثر في أشعارهم فعرف في زمانهم حتى سمّي بهذا الاسم ، ثم إن حبيب بن أوس الطائي من بعدهم شعف به حتى غلب عليه وتفرع فيه ، وأكثر منه ، فأحسن في بعض ذلك ، وأساء في بعض ، وتلك عقبى الإفراط وثمرة الإسراف».

لنا عودة إلى كتاب البديع نفصّل فيها الكلام على أهمية الكتاب وذلك في مقدّمة علم البديع.

٢ ـ ٣ ـ علاقة البلاغة بالخطابة :

كتب د. طه حسين بحثا بالفرنسية ترجمه إلى العربية عبد الحميد العبادي ، وتصدّر كتاب نقد النثر لأبي الفرج قدامة بن جعفر الكاتب البغدادي (ت ٣٣٧ ه‍). وهو بعنوان (تمهيد في البيان العربي من الجاحظ إلى عبد القاهر) ، ذهب فيه إلى أن الجاحظ (١) وضع في كتابه البيان والتبيين أسس الخطابة البليغة قبل أن يطلع العرب على كتاب الخطابة لأرسطو. ولما ترجم كتاب الخطابة لأرسطو صار للعرب بيانان ، أحدهما عربي والآخر يوناني.

والخطبة على علاقة وطيدة بالقصيدة لأن القصيدة كانت تلقى في حفل ، ولأنها تهدف مثلها في كثير من الأحيان إلى الإقناع والتأثير. ألم تكن معلقة الحرث بن حلزة خطبة عصماء أقنعت الملك عمرو بن هند وأبعدت منافسه التغلبي عمرو بن كلثوم؟ والخطبة فيها كالقصيدة عناية بفنون التعبير. لهذا بسط النقاد كلامهم على ما فيها من سجع ، وطباق ، وجناس ، ومقابلة ، وتشبيه ومجاز ... الخ.

__________________

(١) كتاب نقد النثر ، دار الكتب العلمية بيروت ص ١ وما بعدها.

٢٤

ومن يراجع كتاب البيان والتبيين يجد الجاحظ غير مفرق بين البلاغة والخطابة فلقد ذهب إلى أن (١) «أول البلاغة اجتماع آلة البلاغة. وذلك أن يكون الخطيب رابط الجأش ...» وقد جمع شروط الخطابة الناجحة والخطيب المفوّه متطرقا إلى مقولة : لكل مقام مقال ، والبعد عن التكلف والغرابة. والإيجاز في نظره من مقومات الخطبة البليغة. وتحدث الجاحظ عن عيوب الخطيب الخلقية ، كما تحدث عن عيوب النطق وعدّها آفة في الخطيب تبعده عن بلاغة القول وحسن التأثير في المخاطبين. ثم عقد بابا ذكر فيه أسماء الخطباء والبلغاء والأبيناء وذكر قبائلهم وأنسابهم.

وفي الخطابة كلام على أنواع التشبيه والمجاز والاستعارة والكناية والإيجاز والإطناب والمساواة وغيرها من ضروب البلاغة التي تحدث عنها النقاد والبلاغيون في نقد الشعر وبيان فضائله التعبيرية وصوره التخييلية.

__________________

(١). البيان والتبيين ، الجاحظ ، ١ / ٩٢.

٢٥

٣ ـ بين الفصاحة والبلاغة والأسلوب

٣ ـ ١ ـ الفصاحة قاموسيا :

جاء في اللسان (فصح) ، «الفصاحة : البيان ؛ فصح الرجل فصاحة فهو فصيح من قوم فصحاء وفصاح وفصح ... تقول : رجل فصيح أي بليغ ، ولسان فصيح أي طلق ... وأفصح عن الشيء إفصاحا إذا بيّنه وكشفه.

وفصح الرجل وتفصّح إذا كان عربي اللسان فازداد فصاحة ... وكل ما وضح فقد أفصح».

من هذا الكلام نستدل على أن المعنى القاموسي متمحور حول معنيين : الوضوح والظهور. وهذا هو المعنى الوارد في القرآن الكريم (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) القصص : ٣٤ ، كما ورد بهذا المعنى نفسه في الحديث الشريف الذي جاء فيه : «أنا أفصح العرب بيد أني من قريش».

كما نستدل على أن الفصاحة والبلاغة شيء واحد إذ اللسان شرح (رجل فصيح) فقال : أي بليغ فكأن الفصاحة والبلاغة عنده سيّان.

٣ ـ ٢ ـ الفصاحة اصطلاحا :

جاء في معجم المصطلحات العربية (١) «الفصاحة : أن تكون كل لفظة في الكلام بيّنة المعنى ، مفهومة ، عذبة ، سلسة ، متمشّية مع القواعد الصرفية» وجعل الفصاحة في ثلاثة أمور : ١ ـ فصاحة التركيب ٢ ـ فصاحة الكلمة ٣ ـ فصاحة المتكلّم. فالفصاحة باختصار هي : الكلام

__________________

(١). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب ، وهبة ـ المهندس ، ص ١٥٢.

٢٦

الواضح المعنى ، البيّن الغرض الذي تجري ألفاظه على قواعد اللغة. وقد قسمها البلاغيون القدامى قسمين هما :

أولا ـ فصاحة المفرد :

ويعني «المفرد» اللفظ الواحد مجردا من سياقه الذي انتظم فيه. فهو إذا الكلمة.

ولا تكون الكلمة فصيحة في نظرهم إلا إذا خلت من عيوب ثلاثة هي :

أ ـ تنافر الحروف :

ويعني البلاغيون بهذا المصطلح ما تكون الكلمة بسببه ثقيلة على اللسان ، بحيث يصعب النطق بها ، وثقيلة على السمع أيضا. وقد رأى البلاغيون ثقلا خفيفا في قول امرئ القيس (الطويل) (١) :

غدائره مستشزرات إلى العلا

تضلّ المدارى في مثنّى ومرسل

فكلمة مستشزرات غير فصيحة عندهم لصعوبة النطق بها دفعة واحدة ، فيضطر القارئ إلى تجزئتها وقراءتها مقطعيا. ولكن هذه الكلمة تبقى أخف من كلمة (الهعخع) التي عدّها البلاغيون ثقيلة أو هي غاية في الثقل. وقد سمّى الجاحظ هذه الظاهرة ب (الاقتران) عند ما قال (٢) : «... فأما في اقتران الحروف فإن الجيم لا تقارن الظاء ، ولا القاف ، ولا الطاء ، ولا الغين ، بتقديم ولا تأخير. والزّاي لا تقارن الظّاء ، ولا

__________________

(١). ديوان امرئ القيس ، شرح حسن السندوبي ، ص ١٥٠.

(٢). البيان والتبيين ، الجاحظ ، ١ / ٦٩.

٢٧

السيّن ، ولا الضاد ، ولا الذّال ، بتقديم ولا بتأخير. وهذا باب كبير. وقد يكتفى بذكر القليل حتى يستدلّ به على الغاية التي إليها يجرى».

ب ـ الغرابة :

اللفظ الغريب : هو الذي مات استعماله ، وغدا من الحوشي الذي يحتاج في التعرف إلى دلالته إلى المعجمات.

والحكم في قضية الغرابة الأدباء والشعراء لا العامة ، وإلا صار مجمل اللغة غريبا غير فصيح. قال أبو الطيب (الكامل) (١) :

جفخت وهم لا يجفخون بها بهم

شيم على الحسب الأغرّ دلائل

فالفعل جفخ يعني قاموسيا تكبّر وفخر وقد لجأ إليه المتنبي ليتحدّى أعداءه في البلاط. وإذا كان النقاد قد ذهبوا إلى أن اللجوء إلى الغريب عجز في صاحبه فمن السهل على المتنبي إحلال (فخرت) مكان (جفخت) و (يفخرون) محل (يجفخون) ليبتعد عن الغريب. ولهذا فإن الضرورة أو العجز لم يلجئاه إلى الغريب ، ولكن الرغبة في التمايز والانفراد هي التي دفعته إلى اختيار اللفظ الغريب. ولعل البيت مصاب بعيب آخر غير الغرابة. ألا يصح اتهام اللفظ نفسه (جفخت) بتنافر الحروف؟ ألا يتهم البيت أيضا بالتعقيد اللفظي المتمثل في تكرار الضمائر الموقع في صعوبة ردها إلى أصحابها (بها ، بهم). هذا التعقيد اللفظي أوقع في تعقيد معنوي حتى صار البيت بحاجة إلى شحذ الحس اللغوي ، وإعادة صياغته لنظم البيت وصولا إلى المعنى. والنظم المعنوي للبيت هو : جفخت بهم شيم على الحسب الأغرّ دلائل ، وهم لا يجفخون بها.

__________________

(١). ديوان المتنبي ، شرح العكبري ، ٣ / ٢٥٨.

٢٨

إن الكلام على غرابة اللفظ حمل النقاد على الحديث عن التفاضل بين لفظ وآخر. ورأى الجرجاني أن الكلمتين المفردتين لا تتفاضلان (١) «من غير أن ينظر إلى مكان تقعان فيه ، من التأليف والنظم ، بأكثر من أن تكون هذه مألوفة مستعملة ، وتلك غريبة وحشيّة ، أو أن تكون حروف هذه أخف ، وامتزاجها أحسن».

وإذا كان الجرجاني قد فضل الكلمة المألوفة على الغريبة الوحشية ، والخفيفة على اللسان على الثقيلة عليه ، فإنه في الواقع قد أهمل الدوافع النفسية التي تحمل الشاعر على تفضيل الغريب مع قدرته على استخدام المألوف كتلك التي حملت المتنبي على تفضيل (جفخت) على (فخرت).

ولعل الجرجاني قد أدرك الخلل في نظرته هذه إلى التفاضل فقال : «فقد اتضح إذن اتضاحا لا يدع للشك مجالا أن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة ، ولا من حيث هي كلمة مفردة ، وأن الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها ، أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ».

وهكذا يرى الجرجاني أن الفصاحة والبلاغة ليستا في اللفظ المفرد إلا إذا انتظم في سياق. وهو محقّ في ذلك لأن الكلمة بمفردها مشروع معنى يحدّده ويقيّده السياق. وإذا كان الجرجاني قد ذهب إلى أن (٢) «الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع ، ثم تراها بعينها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر» فإنني أذهب إلى أن (جفخت) فصيحة في سياقها على الرغم من تنافر حروفها وحوشيتها ؛ لأنها رصفت في سياق لا يليق به غيرها.

__________________

(١). دلائل الإعجاز ، الجرجاني ، ص ٣٦.

(٢). دلائل الإعجاز ، الجرجاني ، ص ٣٨.

٢٩

ج ـ مخالفة القياس اللغوي :

قال أبو النّجم العجليّ (١) (الرّجز)

الحمد لله العليّ الأجلل

الواهب الفضل الكريم المجزل

وقال المتنبي (٢) (الطويل) :

ولا يبرم الأمر الذي هو حالل

ولا يحلل الأمر الذي هو مبرم

توافرت لأبي النجم والمتنبي شروط الإدغام ولكن الضرورة ألجأتهما إلى فكّه في كلّ من (الأجلل ـ الأجلّ) و (حالل ـ حالّ) و (يحلل ـ يحلّ) وفي هذه الضرورة مخالفة للقياس الصرّفي.

ومن مخالفة القياس الصرفي ما نجده من أخطاء شائعة على ألسنة الناس وفي كتابات بعض المحدثين كأن يقولوا : السيارة المباعة ، ونضوج الفاكهة يزيدها حلاوة ، وهذه عصاتي وغير ذلك. والقياس الصرفي يقضي بقول : السيارة المبيعة ، ونضج الفاكهة ونضجها ، وهذه عصاي. فالكاتب المبدع ، والشاعر المفلق ، يتحرى صحة الألفاظ وجريانها على قواعد الصرف والنحو ، ويبتعد عن الألفاظ العامية المبتذلة.

ولقد خالف بعض النقاد القدامى هذا المبدأ ، فابن الأثير ينبّه إلى أنه (٣) «ينبغي لك أن تعلم أن الجهل بالنحو لا يقدح في فصاحة ولا بلاغة» وفي هذا الحكم ضرب من المغالاة ـ في رأينا ـ لأن الفصاحة وضوح وتبيين ورفع المفعول ونصب الفاعل لا يوضحان المعنى ،

__________________

(١). خزانة الأدب ، البغدادي ٢ / ٣٩٠.

(٢). ديوان المتنبي ، شرح العكبري ٤ / ٨٥.

(٣). المثل السائر ، ابن الأثير ، تحق أحمد الحوفي وبدوي طبانة ج ١ / ص ٤٢٥.

٣٠

علاوة على أن الأدب آلته اللغة فإذا كانت اللغة ركيكة ذهب رونق الأدب.

وذهب ابن خلدون إلى موقف شبيه بموقف ابن الأثير عندما رأى (١) «أن الإعراب لا دخل له في البلاغة ، فالدلالة بحسب ما يصطلح عليه أهل الملكة. فإذا عرف اصطلاح في ملكة ، واشتهر ، صحّت الدلالة. وإذا طابقت تلك الدلالة المقصود ومقتضى الحال صحت البلاغة ولا عبرة بقوانين النحاة».

إن الاستخفاف بقوانين النحاة ، لا يخدم الإبداع بل يعارضه. والقدامى اشترطوا صحّة القياس ليبقى التواصل ولتتأصل الملكة ولأنهم أدركوا أن فشوّ اللحن قد عطّل آلة البلاغة كما عطّل حسن السليقة وتمكّن الملكة.

ونهض من بين المحدثين من يؤكد (٢) «أهمية اتباع نظام موحد في التعامل مع اللغة حفاظا على سلامة النظام اللغوي في أبنيته ومفرداته ، لكن لا ينبغي ـ في الوقت نفسه ـ التعويل دائما على القياس والخضوع المطلق لكل ما يفرضه» وردّنا على هذا لا يختلف كثيرا عن رأينا في ما تقدم من كلام على رأيي ابن الأثير وابن خلدون.

ثانيا ـ فصاحة المركب (فصاحة الكلام):

وضع البلاغيون أربعة شروط لفصاحة الكلام هي :

__________________

(١). مقالة في اللغة الشعرية ، محمد الأسعد ، ص ١٦.

(٢). البحث البلاغي عند العرب ، تأصيل وتقييم ، د. شفيع السيد ، ص ١٣٨ ـ ١٣٩.

٣١

١ ـ سلامته من ضعف التأليف :

وتعني السلامة هذه خلو الكلام من الخطأ النحوي والصرفي ، وجريانه على قواعد النحو المطردة ، كقول حسان (الطويل) (١) :

ولو أن مجدا أخلد الدّهر واحدا

من الناس أبقى مجده الدّهر مطعما

أعاد الشاعر الضمير المتصل بالفاعل على متأخر لفظا ورتبة. الهاء في مجده عائدة على (مطعما) وهو متأخر في اللفظ والرتبة لأنه مفعول به. وهذا ممنوع عند جمهور البصريين ، ولكن بعض الكوفيين ، وابن جنّي أجازوا ذلك. والمتتبّع لدواوين الشعراء القدامى ، وكتابات المحدثين يرى أن هذه الظاهرة شاعت وليست من جنايات الترجمة كما ذهب إلى ذلك المخطّئون.

ويبدو أن شيوعها قد سبق لغة الصحافة لأن الشعراء الذين يحتج بشعرهم قد فعلوا ذلك. والأغرب أن واضع علم النحو قد فعل ذلك في شعره عند ما قال (٢) (الطويل) :

جزى ربّه عنّي عدّي بن حاتم

جزاء الكلاب العاويات وقد فعل

فكيف تكون هذه الظاهرة ممنوعة عند النحويين وأبو النحو يستخدمها في شعره؟ وأين مصداقيّة المنظّر إذا خالفت الممارسة التنظير؟

__________________

(١). شرح ديوان حسان ، شرح البرقوقي ، ص ٤٥٤.

(٢). ديوان أبي الأسود الدّؤلي ، تحق محمد حسن آل ياسين ، دار الكتاب الجديد ، بيروت ١٩٧٤ ص ١٦٢.

٣٢

٢ ـ سلامته من تنافر الحروف في الكلمات المتتابعة :

وهذا يعني ألا يكون بين الكلمات المتتابعة مجتمعة في تركيب انسجام وتآلف بحيث تتقل على اللسان ، ويصعب التلفظ بها وإن كانت كلّ كلمة بمفردها خفيفة لا تقل فيها. وذكر الجاحظ قولا للأصمعي جاء فيه (١) «ومن ألفاظ العرب ألفاظ تتنافر ، وإن كانت مجموعة في بيت شعر لم يستطع المنشد إنشادها إلا ببعض الاستكراه. فمن ذلك قول الشاعر (السريع) :

وقبر حرب بمكان قفر

وليس قرب قبر حرب قبر

ولما رأى من لا علم له أن أحدا لا يستطيع أن ينشد هذا البيت ثلاث مرات في نسق واحد فلا يتتعتع ولا يتلجلج ، وقيل لهم : إن ذلك إنما اعتراه ، إذ كان من أشعار الجن ، صدّقوا ذلك» (٢).

إذا عدنا إلى كل لفظة بمفردها من ألفاظ البيت وجدناها خالية من تنافر الحروف ، لا ثقل فيها على اللسان ، ولكن عند اجتماعها في تعبير بدت متنافرة ، لا تآلف بينها ولا تجانس ، حتى ليتعثّر اللسان بنطقها مجتمعة.

ورأى الجاحظ أنه إذا (٣) «كانت ألفاظ البيت من الشعر لا يقع بعضها مماثلا لبعض ، كان من التنافر ما بين أولاد العلات (٤). وإذا كانت الكلمة ليس موقعها إلى جنب أختها مرضيّا موافقا ، كان على اللسان عند إنشاد ذلك الشعر مؤونة».

__________________

(١). البيان والتبيين ، الجاحظ ١ / ٦٥.

(٢). راجع قصة البيت في الحيوان ، الجاحظ ، ٦ / ٢٠٧.

(٣). البيان والتبيين ، الجاحظ ١ / ٦٦ ـ ٦٧.

(*) أولاد العلة : هم أبناء رجل واحد من أمهات شتى.

٣٣

ولهذا خلص إلى القول (١) : «وأجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء ، سهل المخارج فتعلم بذلك أنه قد أفرغ إفراغا واحدا ، وسبك سبكا واحدا ، فهو يجري على اللسان كما يجري الدّهان».

٣ ـ سلامته من التعقيد اللفظي :

رأى البلاغيون أن التعقيد اللفظي يعني أن يأتي الكلام خفي الدلالة على المعنى المراد لخلل واقع في نظمه وتركيبه ، بحيث لا يأتي رصف الألفاظ وفق ترتيب المعاني ، وسبب ذلك اعتماد الفصل بين كلمات توجب اللغة عدم الفصل بينها ، وتأخير الألفاظ عن مواطنها الأصلية لغرض غير بلاغي. ونقدم مثالا على التعقيد اللفظي قول الفرزدق (٢) (الطويل) :

وما مثله في الناس إلا مملّكا

أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه

فضرورة الوزن حملته على التعقيد ، ففصل بين البدل (حيّ) والمبدل منه (مثله) ، وقدّم المستثنى (مملّكا) على المستثنى منه (حيّ) ، وفصل بين المبتدأ والخبر (أبو أمه أبوه) بأجنبيّ وهو (حي) ، وبين الصفة والموصوف (حي يقاربه) بأجنبي هو (أبوه). ورصف البيت ونظمه بحسب المعاني هو : ليس كالممدوح في الناس حيّ يقاربه في الفضائل إلا ملكا ، أبو أم ذلك الملك أبو الممدوح. لذلك كان على القارئ أو السامع أن يطلب المعنى بالحيلة ، وأن يسعى إليه من غير الطريق.

__________________

(١). البيان والتبين ، الجاحظ ١ / ٦٧.

(٢). ديوان الفرزدق ، ص ٢٦.

٣٤

٤ ـ سلامته من التعقيد المعنوي :

ويقصد بالتعقيد المعنوي الكلام الذي خفيت دلالته على المعنى لخلل واقع في معناه ، بسبب انتقال الذهن من المعنى الأول المفهوم لغة من اللفظ ، إلى المعنى الثاني المقصود بحيث يحتاج المعنى البعيد إلى تكلّف وتعسّف في التفسير.

ومن التعقيد المعنوي ما جاء في قول العبّاس بن الأحنف (١) (الطويل) :

سأطلب بعد الدّار عنكم لتقربوا

وتسكب عيناي الدموع لتجمدا

طلب الشاعر البعد عن أحبّته غير عابئ بآلام البعد لتعليله نفسه بوصال دائم ، وفرح لا يزول بعد أن عاد من سفره غنيّا ليطول اجتماعه بأحبته. فقد عبر الشاعر عما يوجبه فراق الأحبة من لوعة وحزن ب (تسكب عيناي الدموع) فكان مجيدا في تعبيره لأنّ البكاء أمارة على الحزن ، وكنى ب (جمود العين) عن السرور والبهجة اللذين أصاباه بعد اجتماعه بأحبته. لكنه أخطأ الهدف لأن جمود العين يعني جفاف الدمع وعدم جريانه عند الدافع إليه (الحزن على فراق الأحبة) لا عمّا أراده من السرور ، إذ متى كان البكاء أمارة على السرور؟

أضاف المحدثون عيبا خامسا هو :

٥ ـ كثرة التكرار وتتابع الإضافات :

مثال ذلك قول المتنبي في فرسه (٢) (الطويل) :

وتسعدني في غمرة بعد غمرة

سبوح لها منها عليها شواهد

__________________

(١). ديوان العبّاس بن الأحنف.

(٢). ديوان المتنبي ، شرح العكبري ١ / ٢٧٠.

٣٥

تتابعت في البيت حروف الجر ومجروراتها ، وكذلك الضمائر مما أفضى إلى ثقل الكلام على اللسان. وتكرار غمرة أسقط عنها طاقة الإيحاء. قال الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد في قصيدة بعنوان (١) (براءة ١٩٥٤) :

من طيبتي ،

من كبريائي

من أصدقائي

من كل ما قدّست ،

ما آمنت أنّ به بقائي

من ذكرياتي

من حاضري ،

من كل آت

من والدي وسحابة الستّين في عينيه تهمي

من إخوتي حتى الصغير ،

ومن أخيّاتي وأمّي

من كل إنسانيّتي

من كل إيثاري لغيري

من كل شعري.

ففي الأسطر الأربعة عشر تكرّر حرف الجر (من) ثلاث عشرة مرة ، بحيث تصدّر ثلاثة عشر سطرا. وتكرّرت (كلّ) خمس مرات

__________________

(١). الأعمال الشعرية ، عبد الرزاق عبد الواحد ، المجلد الأول ص ١٩٣ ـ ١٩٤.

٣٦

حتى كان تكرارهما مدروسا فاشتد من خلال التكرار عمق شعورنا بالمأساة ، وكانت الكلمة منطلقا ولم تكن مجرد متكأ يتوكأ عليه الشاعر منطلقا إلى موضوعات جديدة. لهذا كان هذا التكرار مدروسا ساعد الشاعر على إفراغ عواطفه وإبراز انفعالاته المتفجرة وكانت المرة الأولى تدفع إلى شيء لاحق وهكذا على التوالي حتى بقيت طاقة الإيحاء فيها مهيمنة ، ولم يكن التكرار سبيلا إلى السأم وتهرؤ الصيغ ومعانيها.

ليحافظ الشاعر على ألق العبارة يجب أن يكون التكرار في قصيدته مدروسا يبعد شبح الموت عن المعاني المكررة ، ويبعث ألقا في الألفاظ بحيث تحتفظ بقدرتها الإيحائية العاملة على إثارة جديد لاحق لا إماتة معنى يشيع على مساحة القصيدة.

٣ ـ ٣ ـ الأسلوب :

جاء في اللسان (سلب) «يقال للسّطر من النخيل : أسلوب. وكل طريق ممتدّ فهو أسلوب : قال : والأسلوب الطريق والوجه والمذهب ... والأسلوب : الطريق تأخذ فيه ، ... والأسلوب : الفن ، يقال : أخذ فلان في أساليب من القول ، أي : أفانين منه».

يكتشف المتأمل في هذا الكلام المعنى القديم للأسلوب والأصل الذي بقي محافظا على كيانه يوم توسّعت الدلالة وانزاحت من سطر النخيل إلى سطر الكلام ، حتى استقرّت دلالته بوشاحها الفني فالأسلوب هو الفن. وأساليب القول : أفانينه ، ولعلّه من الضروري الكلام على الأساليب لأن أساليب القول هي التي أنشأت مذاهب أدبية وتيارات ومدارس شعرية. وقد جمح بعض الكتاب والشعراء في العناية بنتاجهم حتى قدّموا الأسلوب على الأفكار. وذهب بعضهم إلى القول : ليس المهم ما تقول ، بل المهم كيف تقول. وشعراء الحداثة لم يثوروا على مضمون القصيدة بقدر ما ثاروا على مبناها وأسلوبها. وهذا أدونيس

٣٧

يقول (١) : «يمكن اختصار معنى الحداثة بأنه التوكيد المطلق على أوّلية التعبير ، أعني أن طريقة القول أو كيفية القول أكثر أهمية من الشيء المقول ، وأن شعرية القصيدة أو فنيتها في بنيتها لا في وظيفتها».

وإذا كان «لسان العرب» قد أعطى المعنى القاموسي للفظ فإن معجمات المصطلحات توكأت على هذا المعنى وطوّرته ، لا بل حدّثته.

جاء في معجم المصطلحات العربية (٢) : «الأسلوب بوجه عام هو : طريقة الإنسان في التعبير عن نفسه كتابة» وهذه الطريقة تتناول الألفاظ التي يختارها الإنسان والتراكيب والجمل التي ترصف فيها هذه الألفاظ. فمن هذه التراكيب ما يكون معقّدا ، ومنها ما يكون سهلا واضحا ، ومنها المتأنق الموشّح بضروب البديع والبيان ، ومنها البسيط المباشر الذي لا يعتني بالمحسنات على ضروبها المتعددة. من هنا علاقة الأسلوب بصاحبه وبمقدرته على استغلال خزائن اللغة واكتناه جواهرها. فمن الناس من يغرم بجمع العاديات ، ومنهم من يبحث عن الجديد ، ومنهم من يتوخى البساطة في التعبير ، ومنهم من يتكلف القول ويتمحّل طرقا جديدة في الصياغة والعلاقات بين الألفاظ حتى لتبدو العبارة لعبة جديدة لا يتقن غيره استخدامها. ولهذا كان المحدثون ينشدون البحث عن أساليب جديدة في البحث البلاغي لأنهم جددوا الأساليب وتخطوا قواعد البلاغيين القديمة المتخلّفة عن مواكبتهم ولأن القواعد سلطة يجب تدميرها.

حاول المحدثون تعريف الأسلوب تعريفا جامعا ، فقال أحمد الشايب (٣) : «الأسلوب هو طريقة الكتابة ، أو طريقة الإنشاء ، أو طريقة اختيار الألفاظ وتأليفها للتعبير عن المعاني قصد الإيضاح والتأثير ، أو

__________________

(١). مجلة فصول العدد ٤ سنة ١٩٨٤ ، ضمن مقال لجابر عصفور ص ٤٣.

(٢). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب ، وهبة ـ المهندس ، ص ٢٢.

(٣). الأسلوب ، أحمد الشايب ، مكتبة النهضة المصرية ط / ٥ ص ٤٤.

٣٨

الضرب من النظم فيه ... إنه باختصار طريقة التفكير والتصوير والتعبير».

وبما أنه طريقة التفكير والتصوير والتعبير فقد قسمه البلاغيون ثلاثة أقسام هي :

١ ـ الأسلوب العلمي :

عرّفه معجم المصطلحات بقوله (١) : «هو الأسلوب الواضح المنطقي البعيد عن الخيال الشعري ، وذلك كالأساليب التي تكتب بها الكتب العلمية».

وليكون الأسلوب واضحا فإنه محتاج إلى المنطق السليم ، والفكر المستنير البعيد عن التهويم والتخفي وراء الغموض الفكري أو الفني ، فلا يخوض في الصور الشعرية المعقدة لأنه يخاطب العقل ، ولا ينشد خلق حالة شعرية عند المتلقّي ، فهو يتوجّه إلى العقل ليقنعه لا إلى القلب ليثيره. لهذا كان الوضوح من أبرز مقوماته.

هذا الوضوح يقضي باختيار ألفاظ تقنية لا تقصّر عن أداء المعنى ، ولا هي تعطيه أكثر من دلالتها القاموسية أو الاصطلاحية. لهذا وجب تجنب ألفاظ التضادّ والمشترك اللفظي ، لأنها تعطّل عملية التواصل الصحيح. ولتوضيح الفكرة يستعين العلماء بلغة فيها بعض العناصر الشارحة كالنعت ، والمضاف إليه ، والحال ، والتمييز ، لكنّهم يبتعدون حتما عن الغريب والحوشي من الألفاظ ، ويتحاشون الوقوع في التعقيد اللفظي والمعنوي اللذين تحدثنا عنهما سابقا. كما أنهم يبتعدون عن بعض أساليب البلاغة من كنايات ، وتوريات وأساليب المجاز والمحسّنات التي تقود المعتني بها إلى مسالك تبعده عن غايته الأساسية.

__________________

(١). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب ، وهبة ـ المهندس ، ص ٢٤.

٣٩

وربّما سمح العلماء لأنفسهم باعتماد التشبيه الواضح الذي يستوفي أركانه لأنّه يساعدهم في التقريب بين الشائع المتداول من الأشياء والجديد الذي لم تألفه العيون والأفكار.

٢ ـ الأسلوب الأدبي :

عرفه معجم المصطلحات بقوله (١) : «هو الأسلوب الجميل ذو الخيال الرائع والتصوير الدقيق الذي يظهر المعنويّ في صورة المحسوس والمحسوس في صورة المعنوي» يشيع هذا الأسلوب في الشعر والنثر الفني.

يوظّف فيه الشاعر أو الكاتب طاقاته الإبداعية كلها لأن الهدف الرئيسي الذي يسعى إلى تحقيقه يبقى إثارة الانفعال في نفوس الآخرين وتحقيق نقلة بين مشاعره ومشاعرهم. فالأسلوب الأدبي عاطفي بالدرجة الأولى ، ولا يكتب صاحبه إلا في درجة الغليان العاطفي لهذا كان الانفعال أبرز مقوّماته. وهو قائم على التخييل ومطالب بالتشكيل فلا يقبل فيه الكلام كيفما اتفق. فالعبارة يجب أن تكون فخمة محلّاة بالصور ، مكسوّة بضروب البديع والبيان ، مشعّة بألفاظ موحية تتشظّى معانيها وتقبل قراءات شتى ، ويكثر فيها التأويل لأنها تتوسع في احتواء المجاز ، والاستعارة ، والكناية ، والتورية ، وما إلى ذلك من ضروب البديع والبيان.

ولهذا فإن الأسلوب الأدبي مطالب بتوظيف الصور البلاغية على اختلاف درجاتها وأنواعها. ولكنّ صاحبه مطالب دائما بالبعد عن التكلف والتعسف والاقتراب من العفوية والطبعية مع مراعاة لأصول الفنّية الراقية البعيدة عن المباشرة والابتذال.

__________________

(١). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب ، وهبة ـ المهندس ، ص ٢٣.

٤٠