علوم البلاغة ( البديع والبيان والمعاني )

الدكتور محمّد أحمد قاسم والدكتور محيي الدين ديب

علوم البلاغة ( البديع والبيان والمعاني )

المؤلف:

الدكتور محمّد أحمد قاسم والدكتور محيي الدين ديب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الحديثة للكتاب
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٤

٣ ـ في تعريف المسند إليه :

الأصل في المسند إليه أن يكون معرفة ، لأنّ المحكوم عليه لا بد أن يكون معروفا. ويتمّ تعريفه ب : الإضمار ، والعلميّة ، والإشارة ، والموصوليّة ، وأل التعريف ، والاضافة ، والنداء.

٣ ـ ١. تعريف المسند إليه بالإضمار :

يؤتى بالمسند إليه ضميرا في أحد المقامات الثلاثة : التكلّم ، والغيبة ، والخطاب.

أ. في مقام التكلّم :

مثاله قوله تعالى متحدثا عن نفسه مناديا موسى عليه‌السلام : (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً* وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى * إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي* إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) طه : ١٢ ـ ١٥.

ب. في مقام الخطاب :

إذا كان المتكلّم يخاطب إنسانا أمامه كقوله تعالى مخاطبا نبيّه الكريم. (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ* وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ* وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) الضحى : ٩ ـ ١١.

ج. في مقام الغيبة :

إذا كان المتكلّم يتحدّث عن غائب فلا بدّ من تقدم ذكره لفظا ، كقوله تعالى (فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) الأعراف : ٨٧.

٣٢١

١. والأصل في الخطاب ان يكون لمعيّن ، غير أنّه قد يخرج عن وضعه ، فيخاطب به غير المشاهد والمعيّن.

أ. إذا كان غير المشاهد مستحضرا في القلب. كقوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتحة : ٥.

ب. إذا قصد تعميم الخطاب لكل من يمكن خطابه على سبيل البدل ، لا التّناول دفعة واحدة. ومثاله قول المتنبي (الطويل) :

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا.

٢. والأصل في وضع الضمير عدم ذكره إلّا بعد تقدّم ما يفسّره ، وقد يعدل عن هذا الأصل فيقدّم الضمير على مرجعه لأغراض منها :

أ. تمكين ما بعد الضمير في نفس السامع لتشّوقه إليه :

ومثاله قوله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) الحج : ٤٦.

وكقوله : هي النّفس ما حمّلتها تتحمل :

ونعم رجلا علي ، فالفاعل هنا ضمير يفسّره التمييز ويطّرد ذلك في أفعال المدح والذم.

وكقوله تعالى (هُوَ اللهُ أَحَدٌ) الإخلاص : ١. ويطرّد ذلك في ضمير الشأن.

٢. ادّعاء أن مرجع الضمير دائم الحضور في الذهن.

ومثاله قوله : أقبل وعليه الهيبة والوقار.

وقول الشاعر (الكامل) :

أبت الوصال مخافة الرّقباء

وأتتك تحت مدارع الظّلماء.

٣٢٢

٣. وقد يوضع الظاهر (علما أو صفة أو اسم إشارة) موضع الضمير لأغراض بلاغية منها :

أ. إلقاء المهابة في نفس السامع :

كقول الخليفة عن نفسه : أمير المؤمنين يأمر بكذا.

ب. تمكين المعنى في نفس المخاطب :

نحو : الله ربّي ولا أشرك بربّي أحدا.

ج. التلذّذ : كقول الشاعر (الطويل) :

سقى الله نجدا والسّلام على نجد

ويا حبّذا نجد على القرب والبعد.

د. الاستعطاف :

نحو : اللهمّ عبدك المسكين يسألك المغفرة ، بدلا من قوله : أنا أسألك.

٢ ـ في تعريف المسند إليه بالعلمية :

يؤتى بالمسند إليه علما لإحضار مدلوله بعينه وشخصه في ذهن السامع باسمه الخاص ليمتاز عمّا سواه.

ومثله قوله تعالى (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) الإخلاص : ١.

وقوله تعالى (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) البقرة : ١٢٧.

فقد أتى بالمسند اليه بصيغة العلم قصدا الى إحضار مدلوله بشخصه وباسمه الخاص حتى لا يلتبس بغيره.

وقد يقصد به أغراض أخرى منها :

٣٢٣

١ ـ المدح في الألقاب التي تشعر بذلك :

نحو : جاء نصر ، وحضر صلاح الدين.

٢ ـ التفاؤل في الألقاب التي تشعر بذلك :

نحو : جاءت بشرى وأقبل سرور.

٣ ـ التشاؤم :

نحو : حرب في البلد.

٤ ـ الذّم والإهانة :

نحو : جاء صخر. وذهب تأبط شرّا.

٥ ـ التبرّك :

نحو : الله أكرمني. في جواب : هل أكرمك الله؟

٦ ـ التلذّذ والاستمتاع بذكره :

كقول الشاعر (البسيط) :

بالله يا ظبيات القاع قلن لنا

ليلاي منكنّ أم ليلي من البشر.

فالشاعر ذكر ليلى ثانية بقصد التلّذذ بذكر اسمها ، وهو يتجاهل تجاهل العارف لأنه يعلم ان ليلى من البشر ، ولكنّه تجاهل ذلك مبالغة في التعلّق بها والوله في حبّها. وكان مقتضى السيّاق ان يقول : أم هي من البشر ، لأن المقام للضمير لتقدّم المرجع ، ولكنه أورده علما ليتلذّذ بذكر محبوبته.

٣ ـ في تعريف المسند إليه بالاشارة :

يؤتى بالمسند اليه اسم إشارة إذا تعيّن طريقا لإحضار المشار اليه في ذهن السامع ، بأن يكون حاضرا محسوسا ، ولا يعرف المتكلم والسامع اسمه الخاص ، ولا معيّنا آخر كقولك : أتبيع لي هذا. مشيرا الى شيء لا تعرف له اسما ولا وصفا.

أما إذا لم يتعيّن طريقا لذلك ، فيكون لأغراض أخرى منها :

٣٢٤

١. بيان حال المسند اليه في القرب : نحو : هذه أموالنا ، هذه بضاعتنا.

٢. بيان حال المسند اليه في المتوسّط : نحو : ذاك ولدي ، ذاك كتابي.

٣. بيان حال المسند اليه في البعد : نحو : ذلك يوم الوعيد.

٤ ـ تعظيم درجته بالقرب : نحو قوله تعالى (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) الإسراء : ٩ فأتي باسم الاشارة الموضوع للقريب مؤذنا بقربه قربا لا يحول دون الانتفاع به. فالمقام حديث عن هاد يقود الى أقوم الطرق ، وإذا كان هذا الهادي قريبا كان انجح لرسالته ، وأقطع لعذر من ينصرف عن الاسترشاد بهديه.

٥ ـ تعظيم المسند إليه بالبعد :

نحو قوله تعالى (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) البقرة : ٢.

٦ ـ التحقير بالقرب :

كقوله تعالى حكاية عن أبي جهل مشيرا الى النبي (ص) قاصدا إهانته (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) الأنبياء : ٣٦.

ففي الإتيان باسم الاشارة الموضوع للقريب ، ما يشير الى أن هذا الشخص القريب منا ، والذي نعلم أمره ، لا تقبل منه دعوى الرسالة ولا يليق به أن يذكر آلهتنا بسوء.

٧ ـ التحقير بالبعد :

كقوله تعالى (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) الماعون : ١ ـ ٣.

٣٢٥

٨ ـ اظهار الاستغراب : كقول الشاعر (البسيط) :

كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه

وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا.

هذا الذي ترك الأوهام حائرة

وصيّر العالم النّحرير زنديقا.

٩ ـ كمال العناية وتمييزه اكمل تمييز : كقول الفرزدق (البسيط) :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلّ والحرم.

١٠ ـ التعريض بغباء السامع ، حتّى كانه لا يفهم غير المحسوس :

نحو قول الفرزدق (الطويل) :

أولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع.

١١ ـ التنبيه على ان المشار إليه المعقب بأوصاف جدير من أجل تلك الأوصاف بما يذكر بعد اسم الإشارة :

ومثاله قوله تعالى (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) البقرة : ٢ ـ ٤. فالمشار اليه في الآيات ب (أولئك) هم (المتقون) وقد ذكرت بعدهم أوصاف هي الإيمان بالغيب ، وإقام الصلاة ، والإنفاق ، والإيمان بما انزل ، والإيمان بالآخرة ، ثم أشير إليهم ب (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) البقرة : ٥. مع أن المقام للضمير للتنبيه على أن المشار إليهم جديرون من أجل تلك الأوصاف بما يذكر بعد اسم الإشارة من الهدى والفلاح.

٣٢٦

٤ ـ تعريف المسند إليه بالموصولية :

يؤتى بالاسم الموصول مسندا اليه إذا تعيّن طريقا لإحضار معناه ، نحو : الذي كان معنا أمس ركب الطائرة الى القاهرة. إذا لم نكن نعرف اسمه.

وهذا هو معنى اسم الموصول اللغوي الأصلي ، أمّا المعنى البلاغي فلا يلمح في اسم الموصول إلّا إذا لم يتعيّن طريقا لإحضار معناه ، بل كانت صلة مرجّحة لمعنى على آخر. والمرجّحات البلاغية كثيرة منها :

١ ـ التّشويق :

ويتضّح ذلك إذا كان مضمون الصّلة حكما غريبا كقول الشاعر (الخفيف) :

والذي حارت البريّة فيه

حيوان مستحدث من جماد.

٢ ـ إخفاء الأمر عن غير المخاطب : كقول الشاعر (الكامل) :

وأخذت ما جاد الأمير به

وقضيت حاجاتي كما أهوى

٣ ـ تنبيه المخاطب على خطأ : كقول عبدة بن الطبيب (الكامل) :

إن الذين ترونهم إخوانكم

يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا

٤ ـ التنبيه عى خطأ غير المخاطب : كقول الشاعر (الكامل) :

إنّ التي زعمت فؤادك ملّها

خلقت هواك كما خلقت هوى لها.

٥ ـ تعظيم شأن الخبر : كقول الفرزدق (الكامل) :

إنّ الذي سمك السّماء بنى لنا

بيتا دعائمه أعزّ وأطول.

٣٢٧

٦ ـ التهويل ، تعظيما أو تحقيرا :

كقوله تعالى (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) طه : ٧٨. تعظيم وكقول المثل : من لم يدر حقيقة الحال قال ما قال. تحقير.

٧ ـ استهجان التصريح بالاسم :

نحو : الذي ربّاني أبي. وذلك اذا كان الاسم قبيحا أو غير مألوف يثير سخرية الناس واشمئزازهم.

٨ ـ التوبيخ : نحو : الذي أحسن إليك قد أسأت إليه.

٩ ـ الاستغراق : نحو : الذين يأتونك أكرمهم.

١٠ ـ الإبهام : نحو : لكلّ نفس ما قدّمت.

٥ ـ تعريف المسند إليه ب (أل التعريف):

أل : التعريف قسمان : ١ ـ العهدية ، ٢ ـ الجنسية.

١ ـ أل العهدية :

تدخل (أل) العهدية على المسند إليه للاشارة الى مفرد معهود خارجا بين المتخاطبين. ويكون عهده :

١. صريحيا :

إذا تقدّم فيه مدخول اللام تصريحا ، كقوله تعالى (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) النور : ٣٥. فقد ذكر المصباح والزجاجة منكرين ، ثم اعادهما معرّفين ب (أل) العهد الصريحة. وهذا هو العهد الخارجي الصريحي.

٣٢٨

٢. كنائيا :

إذا تقدّم فيه مدخول اللام تلويحا ، وعيّنته القرينة ، كقوله تعالى (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) آل عمران : ٣٦. فالذّكر وإن لم يكن مسبوقا صريحا إلّا انّه إشارة الى (ما) في الآية قبله (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) آل عمران : ٣٥.

٣. علميا :

وهو ما علم المخاطب مدخول اللام فيه ، حاضرا كان ام غائبا ، كقوله تعالى (إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) الفتح : ١٨.

٤. حضوريا :

ويكون بحضوره بنفسه ، نحو (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) المائدة : ٣ أو بمعرفة السامع له ، نحو : هل انعقد ال مجلس؟ وهذا هو العهد الحضوري.

٢ ـ أل الجنسيّة :

وتسمّى (لام الحقيقة) ويشار بها الى الجنس والحقيقة ، نحو : أهلك الناس ال دينار وال درهم. فهي تشير الى الحقيقة من حيث هي بغضّ النّظر عن عمومها وخصوصها. وتسمّى (لام الجنس) لأنّ الإشارة فيه الى نفس الجنس ، بقطع النظر عن الأفراد ، نحو : ال ذهب أثمن من ال فضة.

أمّا (لام العهد) فهي لام الحقيقة في ضمن فرد مبهم مع قرينة دالّة كقول عميرة بن جابر الحنفي (الكامل) :

ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني

فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني.

٣٢٩

وهذا يقرب من النكرة ، ولذلك نقدّر جملة (يسبّني) نعتا للّئيم لا حالا.

أما لام الاستغراق فهي على قسمين :

١. استغراق حقيقي :

بقرينة حالية كقوله تعالى (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) التوبة : ٩٤ أي كل غيب وشهادة.

أو بقرينة مقاليّة لفظيّة كقوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) العصر : ٢ والقرينة اللفظية الاستثناء في الآية التالية لها (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ..) العصر : ٣. ف (أل) في الإنسان تعني كل إنسان بدليل الاستثناء بعده.

٢. استغراق عرفي :

أي الإشارة الى كل الأفراد إشارة مقيّدة ، نحو : جمع الأمير ال تجار ، فالمقصود جمع تجّار مملكته ، لا تجّار العالم اجمع.

* استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع ، فإذا قلنا : لا رجل في الدار ، فإننا ننفي كل أحد من جنس الرجال. أما إذا قلنا : لا رجال في الدار ، فإننا ننفي وجود رجل واحد فرد ، أو وجود رجلين ولسنا ننفي أصلا وجود جنس الرجال.

٦ ـ تعريف المسند إليه بالإضافة :

يؤتى بالمسند إليه معرّفا بالإضافة الى شيء من المعارف لأغراض كثيرة منها :

٣٣٠

١ ـ أنها أخصر طريق الى إحضاره في ذهن السامع :

والمقام مقام اختصار ، نحو : جاء غلامي فإنه اخصر من : جاء الغلام الذي لي.

٢ ـ تعذّر التعدّد أو تعسّره :

نحو : أجمع أهل الحق على كذا. أهل الجزيرة كرام.

٣ ـ الخروج من تبعة تقديم البعض على البعض :

نحو : حضر أمراء الجند.

٤ ـ تعظيم المضاف :

نحو : كتاب السلطان حضر.

٥ ـ تعظيم المضاف اليه :

نحو : الأمير تلميذي. وكقوله تعالى (فَبَشِّرْ عِبادِ) (ي) الزّمر : ١٧.

٦ ـ تحقير المضاف :

نحو : ولد اللص قادم.

٧ ـ تحقير المضاف اليه :

نحو : رفيق زيد لص.

٨ ـ تضمّنها تحريضا على إكرام أو إذلال :

نحو : صديقك أو عدوّك في الباب.

٣٣١

* إن هيئة التركيب الإضافي موضوعة للاختصاص المصحّح لأن يقال (المضاف للمضاف اليه) فإذا استعملت في غير ذلك كانت مجازا كما في الاضافة لأدنى ملابسة كقول الشاعر (الطويل) :

إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة

«سهيل» اذاعت غزلها في القرائب

فقد أضاف الكوكب الى الخرقاء (المرأة الحمقاء) مع أنّه ليس لها ، لأنّها لا تتذكر كسوتها إلّا وقت طلوع سهيل سحرا في الشتاء.

* عدّ البلاغيّون التعريف بالنداء بابا من أبواب النحو واللغة لا البلاغة لهذا سنهمل ذكره هنا.

٤ ـ تنكير المسند إليه :

يؤتى بالمسند إليه نكرة لأغراض منها :

١ ـ التكثير :

ومثاله قوله تعالى (وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) الأعراف : ١١٣.

فلقد نكر أجرا للتكثير لأنهم يطلبون مكافأة على عمل ضخم يقومون به ، وهو إبطال دعوة موسى ، والإبقاء على دين فرعون.

٢ ـ التعليل :

كقوله تعالى (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة : ٧٢.

نكر رضوان للتقليل ، لأن شيئا ما من رضوان الله أكبر من الجنات والمساكن الطيبة.

٣٣٢

* الفرق بين التعظيم والتكثير أن التعظيم ينظر فيه الى ارتفاع الشأن وعلّوا القدر ، والتكثير يلاحظ فيه الكمية والمقدار ، وهذا نفسه الفرق بين التحقير والتقليل.

وقد جاء للتعظيم أو التكثير جميعا قوله تعالى (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) فاطر : ٤. نكّر (رسل) لقصد التعظيم او التكثير ، فعلى أنّهم ذوو شأن عظيم يكون التنكير للتعظيم ، وعلى أنهم ذوو عدد كبير يكون للتكثير.

٣ ـ التنظيم :

كقوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) البقرة : ١٧٩.

أي حياة عظيمة. ومنه قول مروان بن أبي حفصة (الطويل) :

له حاجب عن كل أمر يشينه

وليس له عن طالب العرف حاجب

فالحاجب الأول معنوي ، والتنكير فيه للتعظيم ، والحاجب الثاني حسّي والتنكير فيه للتحقير.

٤ ـ التحقير :

كقوله تعالى (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) البقرة : ٩٦. فنكّر حياة لأن المراد منها التحقير. فهؤلاء المشركون كانوا يتمنّون مجرّد الحياة في الدنيا ، سواء كان له هدف وغاية ، أو كانت مجرّدة منهما.

٥ ـ النوعيّة :

كقوله تعالى (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) البقرة : ٧. أي وعلى أبصارهم نوع خاص من الأغطية ، ذلك

٣٣٣

هو غطاء الإعراض عن آيات الله ، ولا يراد الإفراد هنا ، لأنّ غشاوة واحدة لا تغطي الأبصار المتعدّدة.

٦ ـ الإفراد :

ومثاله : ويل أهون من ويلين. أي ويل واحد اهون من ويلين.

وقوله تعالى (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى) القصص : ٢٠. فنكّر (رجل) لأن الغرض إثبات الحكم لفرد واحد من أفراد الرجال ، فليس المراد تعيين الرجل.

٧ ـ إخفاء الأمر :

نحو : زعم الصديق أنّك غدرت به. فالتنكير في (صديق) يهدف الى اخفاء اسمه حتّى لا يلحقه أذى.

٥ ـ تقديم المسند إليه :

لكل كلمة موقع معيّن في الجملة العربية ، فالفعل سابق الفاعل والمبتدأ سابق الخبر. هذا هو الأصل. غير أنه قد يدعو داع لنقل بعض الكلمات من اماكنها فيدعى هذا النقل بالتقديم والتأخير.

والتقديم والتأخير لغرض بلاغي يكسب الكلام جمالا ، لأنّه سبيل الى نقل المعاني في ألفاظها الى المخاطبين كما هي مرتّبة في ذهن المتكلم حسب أهميتها عنده ، فيكون الأسلوب صورة صادقة لاحساسه ومشاعره.

والمسند إليه يقدّم لأغراض بلاغيّة منها :

١ ـ التشويق الى المتأخّر :

لتمكين الخبر في نفس السامع ، كقول أبي العلاء (الخفيف) :

٣٣٤

والذي حارت البريّة فيه

حيوان مستحدث من جماد.

٢ ـ تعجيل المسرّة : لما يوحي به من تفاؤل ، نحو : سعد في دارك.

٣ ـ تعجيل المساءة :

لما يوحي به من تشاؤم ، نحو : القصاص حكم به القاضي.

٤ ـ الإنذار بخطر داهم : نحو : العدوّ لا تغفل عن أمره.

٥ ـ التلذّذ بذكره : كقول جميل (الطويل) :

بثينة ما فيها إذا ما تبصّرت ... مصاب.

٦ ـ التبرّك : نحو : اسم الله اهتديت به.

٧ ـ عموم السلب أو سلب العموم :

يقدّم المسند إليه إذا كان من أدوات العموم مثل : كل ، جميع ، وتكون متقدّمة على النص ، لإفادة أنّ النفي شامل لجميع أفراد المسند إليه. ومثاله قول ابي النجم (الرجز) :

قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي

عليّ ذنبا كلّه لم أصنع.

برفع (كل) على الابتداء ، والجملة بعده خبر ، فأداة العموم واقعة قبل النفي والتركيب بهذه الصورة يفيد عموم السلب ويعني أنّه لم يصنع شيئا مما تدّعيه هذه المرأة.

إذا وقعت أداة العموم بعد النفي أفاد الكلام ثبوت الحكم لبعض الافراد دون بعض كقول المتنبي (البسيط) :

ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه

تأتي الرّياح بما لا تشتهي السّفن.

٣٣٥

وقول آخر (البسيط) :

ما كلّ رأي الفتى يدعو الى رشد

إذا بدا لك رأي مشكل فقف.

ففي كل من البيتين وقعت أداة العموم بعد النفي ، فالنفي غير شامل ، وأفاد الكلام ثبوت الحكم لبعض الأفراد دون بعض. ويسمى ذلك سلب العموم.

* يتم تأخير المسند اليه لأغراض بلاغية يترتّب عليها تقديم المسند.

وسنذكر هذه الأسباب في حينه.

٣٣٦

الباب الرابع

في المسند وأحواله

١ ـ في ذكر المسند :

يذكر المسند لأغراض منها :

١ ـ كون ذكره هو الأصل ، ولا مقتضى للعدول عنه :

نحو : العلم خير من المال.

٢ ـ ضعف التعويل على دلالة القرينة :

نحو : حالي مستقيم ، ورزقي ميسور. إذ لو حذف ميسور لا يدلّ عليه المذكور.

٣ ـ الاحتراس من ضعف تنبّه السامع :

نحو (أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) ابراهيم : ٢٤. إذ لو حذف (ثابت) ربّما لا يتنبّه السامع لضعف فهمه.

٤ ـ تسجيل الردّ على المخاطب :

نحو (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) يس : ٧٩. جوابا لقوله (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) يس : ٧٨.

٢ ـ في حذف المسند :

يحذف المسند لأغراض بلاغية أهمها :

٣٣٧

١ ـ ضيق المقام عن إطالة الكلام :

كقول الشاعر (المنسرح) :

نحن بما عندنا وانت بما

عندك راض والرأي مختلف.

أي نحن راضون فحذف لضيق المقام.

٢ ـ اختبار تنبّه السامع عند قيام قرينة تعين على الفهم السليم :

وتكون القرينة مذكورة ملفوظة نحو قوله تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) العنكبوت : ٦١ أي خلقهن الله.

وتكون ملحوظة كما في قول ضرار بن نهشل يرثي أخاه يزيد (الطويل) :

ليبك يزيد : ضارع لخصومة

ومختبط مما تطيح الطوائح.

كأنه بعد أن قال بالبناء للمجهول (ليبك يزيد) سئل : ومن يبكيه؟ فأجاب : يبكيه ضارع ومختبط.

٣ ـ الاحتراز من العبث :

نحو قوله تعالى (.. أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) التوبة : ٣. أي ورسوله بريء منهم أيضا. فلو ذكر هذا المحذوف لكان ذكره عبثا لعدم الحاجة اليه.

٤ ـ مجاراة الاسلوب العربي الفصيح :

نحو قوله تعالى (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) سبأ : ٣١. أي لو لا أنتم موجودون. والخبر بعد لو لا محذوف وجوبا كما يقول النحاة.

٣٣٨

٣ ـ تعريف المسند :

يعرّف المسند لأغراض منها :

١ ـ إفادة السامع حكما على أمر معلوم عنده بأمر آخر مثله بإحدى طرق التعريف :

نحو : هذا الخطيب ، ذاك نقيب الأشراف.

٢ ـ إفادة قصره على المسند إليه حقيقة :

نحو : زيد الأمير.

او ادّعاء : عمرو الشجاع.

٤ ـ تنكير المسند :

ينكّر المسند إذا لم يوجد ما يقتضي تعريفه وذلك لأسباب منها :

١ ـ إرادة عدم الحصر : نحو : زيد كاتب وعمرو شاعر.

٢ ـ افادة التفخيم : نحو قوله تعالى (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) البقرة : ٢.

٣ ـ ارادة التحقير : نحو : ما زيد رجلا يذكر.

٤ ـ اتباع المسند إليه في التفكير : نحو : طالب داخل القاعة.

٥ ـ تقديم المسند :

يقدّم المسند لأغراض بلاغية منها :

١ ـ التخصيص بالمسند إليه :

نحو قوله تعالى (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) آل عمران : ١٨٩

٣٣٩

٢ ـ التشويق للمتأخر :

إذا كان في المتقدّم ما يشوق لذكره ، كتقديم المسند في قوله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) آل عمران : ١٩٠.

٣ ـ التفاؤل : نحو قولك لمريض تعوده : في عافية انت.

٤ ـ تعجيل المسرّة : للمخاطب ، نحو : لله درّك.

٦ ـ تأخير المسند :

تأخير المسند هو الأصل لذلك لا نرى حاجة لإطالة الكلام فيه.

٣٤٠