علوم البلاغة ( البديع والبيان والمعاني )

الدكتور محمّد أحمد قاسم والدكتور محيي الدين ديب

علوم البلاغة ( البديع والبيان والمعاني )

المؤلف:

الدكتور محمّد أحمد قاسم والدكتور محيي الدين ديب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الحديثة للكتاب
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٤

٢. دلّ على صيغة الاستفهام واشرحه مبيّنا الغرض منه :

قال الشاعر :

 ـ من لي بإنسان إذا أغضبته

وجهلت كان الحلم ردّ جوابه؟

 ـ ما للمنازل أصبحت لا أهلها

أهلي ولا جيرانها جيراني؟

 ـ أتلتمس الأعداء بعد الذي رأت

قيام دليل أو وضوح بيان؟

 ـ ألست أعمّهم جودا وأزكا

هم عددا وأمضاهم حساما؟

 ـ إلام الخلف بينكمو إلاما؟

وهذي الضّجة الكبرى علام؟

 ـ أبنت الدهر عندي كلّ بنت

فكيف وصلت أنت من الزّحام؟

 ـ فدع الوعيد فما وعيدك ضائري

أطنين أجنحة الذباب يضير؟

 ـ أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا

ليوم كريهة وسداد ثغر؟

 ـ هل الدّهر إلا ساعة ثم تنقصي

بما كان فيها من بلاء ومن خفض؟

 ـ ومن لم يعشق الدنيا قديما؟

ولكن لا سبيل الى الوصال

 ـ هل بالطّلول لسائل ردّ؟

أم هل لها بتكلّم عهد؟

 ـ حتّى متى انت في لهو وفي لعب؟

والموت نحوك يهوي فاتحا فاه

وقال نزار (الكبريت في يدي ص ٦٤).

ـ ما الفلسفة؟

ـ قبيل أن أسافر

وجدت صرصارا على حقيبتي

سألته : من أنت؟ قال : إننّي مهاجر

وكان مثلي يرتدي قبعة ومعطفا

وكان مثلي جالسا

ينتظر القطار

٣٠١

وقال أيضا : (الكبريت في يدي ص ١٣٨).

ـ ما للعروبة تبدو مثل أرملة؟

أليس في كتب التاريخ أفراح؟

والشعر ماذا سيبقى من أصالته

إذا تولّاه نصّاب ومدّاح؟

وكيف نكتب ، والاقفال في فمنا

وكل ثانية يأتيك سفّاح؟

٣٠٢

الإنشاء الطلبي ٤ ـ التمنّي :

٤ ـ ١. تعريفه :

هو طلب أمر محبوب لا يرجى حصوله لسبب من اثنين ، إما :

١. لكونه مستحيلا ، نحو قوله (الوافر) :

ألا ليت الشباب يعود يوما

فأخبره بما فعل المشيب.

٢. لكونه ممكنا غير مطموع في نيله كقوله تعالى : (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ) القصص : ٧٩.

٤ ـ ٢. أنواعه :

إذا كان الأمر المحبوب ممّا يرجى حصوله كان طلبه ترجّيا ويعبّر فيه ب :

ـ عسى ، نحو قوله تعالى (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) المائدة : ٥٢.

ـ أو لعلّ كقوله تعالى (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) الطلاق : ١.

٤ ـ ٣. ألفاظ التمنّي :

للتمني أربع ألفاظ ، منها : واحدة أصلية (ليت) وثلاث غير أصلية تنوب عنها ، ويتمنّي بها لغرض بلاغي. وهي :

ـ (هل) : كقوله تعالى (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) الاعراف : ٥٣.

ـ لو : كقوله تعالى (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الشعراء : ١٠٢.

٣٠٣

ـ لعلّ : كقول الشاعر (الطويل) :

أسرب القطا هل من يعير جناحه

لعلّي إلى من قد هويت أطير؟!

* ولاستخدام هذه الألفاظ في التمنّي ينصب المضارع الواقع في جوابها.

ثم إن (هل ولو ولعلّ) ألفاظ غير أصلية في التمنّي. وقد ينشأ التمنّي بأفعال مخصوصة مثل : تمنّى ، أمل ، ومشتقاتهما ...

تمارين :

١. دلّ على ألفاظ التمنّي والترجّي وبيّن المعاني المستفادة منهما في ما يأتي :

١. فليت الليل فيه كان شهرا

ومرّ نهاره مرّ السّحاب

٢. ولّى الشباب حميدة أيامه

لو كان ذلك يشترى أو يرجع

٣. فيا ليت ما بيني وبين أحبّتي

من البعد ما بيني وبين المصائب

٤. فليت الشامتين به فدوه

وليت العمر مدّ له فطالا

٥. علّ الليالي التي أضنت بفرقتنا

جسمي ستجمعني يوما وتجمعه

٦. أيا منزلي سلمى سلام عليكما

هل الأزمن اللائي مضين رواجع

٧. ليت الملوك على الأقدار معطية

فلم يكن لدنيء عندها طمع

٨. ألا ليت شعري هل أقول قصيدة

فلا أشتكي فيها ولا أتعتّبّ

٩. كل من في الكون يشكو دهره

ليت شعري هذه الدنيا لمن؟

١٠. فليت هوى الأحبّة كان عدلا

فحمل كلّ قلب ما أطاقا.

وقال نزار (أشهد ان لا امرأة ص ١١٩).

وأذكر

كم كنت تحتفلين بشعري

وتحتضنين حروفي صباح مساء

٣٠٤

وأضحك

من نزوات النساء

فليتك سيّدتي تجلسين

فإن القضيّة أكبر منك ومنّي

كما تعلمين.

٣٠٥

الإنشاء الطلبي

٥ ـ النّداء.

٥ ـ ١. تعريفه :

هو لغة : أن تدعو غيرك ليقبل عليك.

وفي الاصطلاح : طلب الإقبال أو تنبيه المنادى وحمله على الالتفات بأحد حروف النداء ، أو أنه «ذكر اسم المدعوّ بعد حرف من حروف النداء».

٥ ـ ٢. حروفه :

حروفه ثمانية وهي :

١ ـ ٢. الهمزة وأي : لنداء القريب.

٣ ـ ٤ ـ ٥ ـ ٦ ـ ٧ ـ ٨ : يا ، آي ، أيا ، هيا ، آ ، وا. وهذه جميعا لنداء البعيد.

* يمكن أن يتحقق النداء من دون استعمال الأداة : ربّ اغفر لي!

٥ ـ ٣. خروج هذه الأحرف عن أصل وضعها :

ـ قد ينزّل البعيد منزلة القريب ، فينادى عندها بالهمزة وأي إشارة الى أنّه لشدّة استحضاره في ذهن المتكلم صار كالحاضر معه ، لا يغيب عن القلب ، وكأنّه ماثل أمام العين. ومثاله قول الشاعر (الطويل) :

أسكان نعمان الأراك تيقّنوا

بأنّكم في ربع قلبي سكّان.

 ـ وقد ينزّل القريب منزلة البعيد فينادى بغير (الهمزة وأي) لأغراض منها :

٣٠٦

أ. الإشارة الى علوّ مرتبته :

فيجعل بعد المنزلة كأنّه بعد في المكان ، كقول أبي نواس (الكامل) :

يا ربّ إن عظمت ذنوبي كثرة

فلقد علمت بأنّ عفوك أعظم.

ب. الإشارة الى انحطاط منزلته ودرجته :

فكأن بعد درجته في الانحطاط بعد في المسافة كقول الفرزدق (الطويل) :

أولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع.

ج. الإشارة الى أن المنادى لغفلته وشرود ذهنه كأنّه غير حاضر مع المنادي في مكان واحد.

كقول الشاعر (الطويل) :

يا جامع الدنيا لغير بلاغة

لمن تجمع الدنيا وأنت تموت؟.

* وقد تخرج ألفاظ النداء عن معناها الأصلي إلى معان أخرى ، تفهم من السياق وتعين على معرفتها القرائن ، ومنها :

د. الإغراء :

كقولك لمن أقبل يتظلم : يا مظلوم تكلّم.

ه. الندبة :

كقول الشاعر (الطويل) :

فوا عجبا كم يدّعي الفضل ناقص

ووا أسفاكم يظهر النقص فاضل.

و. التعجّب :

كقول طرفة (الرجز) :

يا لك من قبّرة بمعمر!

خلا لك الجوّ فبيضي واصفري.

٣٠٧

ز. الزّجر :

كقول الشاعر (الخفيف) :

أفؤادي متى المتاب ألمّا

تصح والشيب فوق رأسي ألمّا.

ح. التحسّر والتوجّع : كقول الشاعر (الطويل) :

أيا قبر معن كيف واريت جوده

وقد كان منه البرّ والبحر مترعا.

ط. التذكّر :

كقول الشاعر (الطويل) :

أيا منزلي سلمى سلام عليكما

هل الأزمن اللاتي مضين رواجع.

ي. التحيّز والتضجّر : ويكثر هذا في نداء الأطلال والمطايا ونحوها.

كقول الشاعر (البسيط) :

أيا منازل سلمى أين سلماك

من أجل هذا بكيناها بكيناك.

تمارين :

١. دلّ على ألفاظ النداء ، وبيّن ما جرى منها على أصل وضعه في نداء القريب أو البعيد ، وما خرج منها عن ذلك ، واذكر الأسباب :

١. أبنيّ إنّ أباك كارب يومه

فاذا دعيت الى المكارم فاعجل

٢. يا من يرجّى للشدائد كلّها

يا من إليه المشتكى والمفزع

٣. أيا من عاش في الدنيا طويلا

وأفنى العمر في قيل وقال

٤. يا أيها القلب هل تنهاك موعظة

أو يحدثن لك طول الدّهر نسيانا

٥. أحسين إنّي واعظ ومؤدّب

فافهم فإنّ العاقل المتأدّب

٦. أيا ربّ قد أحسنت عودا وبدأة

إليّ فلم ينهض بإحسانك الشكر

٧. يا رجاء العيون في كلّ أرض

لم يكن غير أن أراك رجائي

٣٠٨

٨. دعوتك يا بنيّ فلم تجبني

فردّت دعوتي يأسا عليّ

٩. يا أعدل الناس إلّا في معاملتي

فيك الخصام وأنت الخصم والحكم

١٠. أيّها القلب قد قضيت مراما

فإلام الولوع بالشهوات

١١. أيا شجر الخابور مالك مورقا

كأنّك لم تجزع على ابن طريف

١٢. أريحانة العينين والأنف والحشا

ألا ليت شعري هل تغيّرت عن عهدي

١٣. يا قلب ويحك ما سمعت لناصح

لمّا ارتميت ولا اتقيّت ملاما

١٤. يا رحمة الله حلّي في منازلنا

وجاورينا فدتك النفس من جار

١٥. يا أيّها السادر المزورّ من صلف

مهلا ، فإنّك بالأيّام منخدع

١٦. فيا لك من ليل كأنّ نجومه

بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل

٣٠٩

الإنشاء غير الطلبي

١ ـ ١. تعريفه :

هو ما لا يستدعي مطلوبا غير حاصل وقت الطلب.

١ ـ ٢. صيغة :

يكون بصيغ :

أ. المدح :

ب (نعم وحبّذا). والأفعال المحوّلة الى فعل ك :

كرم عليّ حسبا

ونعم المعرفة ببلاد الغربة

وحبذا العيش حين قومي جميع.

ب. الذمّ :

ب (بئس) ، نحو : بئس العوض من التوبة الإصرار. والافعال المحوّلة الى فعل ك (خبث بكر أصلا) ولا حبذا.

ج. التعجّب :

بصيغتيه القياسيتين :

ما أفعل ، نحو : ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا!

وأفعل به ، نحو : أكرم بها خلّة لو انها صدقت ... وبصيغه السّماعية المختلفة نحو : لله درّك! لله أبوهم!

د. القسم :

ويكون بالواو : والله ، أو بالباء (بحياتي) ، أو بالتاء تالله.

وبصيغ سماعيه : لعمرك ما فعلت كذا. لعمري وما عمري عليّ بهيّن ...

٣١٠

ه. الرجاء :

وأفعاله : عسى ، حرى ، اخلولق ، وعسى اكثرها شيوعا.

و. العقود :

وتكون بصيغة الماضي على العموم نحو : بعت ، واشتريت ، ووهبت ... وترد قليلا بغيره نحو : أنا بائع ، وعبدي حرّ ...

* عدّ البلاغيون الإنشاء غير الطلبي خارجا عن مباحث علم المعاني لأن اكثر صيغه في الأصل أخبار نقلت الى الإنشاء.

٣١١

الباب الثالث

في أحوال المسند إليه

١ ـ في ذكر المسند إليه :

الأصل ان يذكر المسند إليه. وقد يترجّح الذكر مع وجود قرينة تمكّن من الحذف ، حين لا يكون منه مانع.

ومن مرجّحات الذكر :

أ. زيادة الإيضاح والتقرير :

كقوله تعالى (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) البقرة : ٥.

فأولئك مسند اليه كرّر ذكره زيادة في التقرير والايضاح تنبيها على أنهم كما ثبتت لهم الأثرة والهداية في الدنيا ، فقد ثبت لهم الفلاح في الآخرة أيضا.

ب. قلّة الثقة بالقرينة لضعفها أو ضعف فهم السامع :

ومثاله : سعد نعم الزعيم. تقول ذلك وقد سبق لك ذكر سعد ، وطال عهد السامع به ، أو ذكر معه كلام في شأن غيره.

ج. بسط الكلام وإطالته :

كقوله تعالى (بِيَمِينِكَ يا مُوسى * قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) طه : ١٧ ـ ١٨. وكان من الممكن الإجابة عن السؤال في الآية ١٧ بكلمة (عصا) ، لكن ذكر المسند إليه (هي) لبسط الكلام وإطالته تلذذا بمناجاة ربّه ليزداد

٣١٢

بذلك شرفا وفضلا ، ولذلك لم يكتف بقوله هي عصاي ، بل أضاف اليها صفات أخرى (أَتَوَكَّؤُا) ، (أَهُشُ) ، (لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى).

د. التعريض بغباء السامع :

كقول الفرزدق معرّضا بغباء هشام بن عبد الملك عند تجاهله زين العابدين (البسيط):

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلّ والحرم.

فالفرزدق يكرّر ذكر المسند إليه (هذا) إشارة إلى ان المخاطب غبيّ لا تكفيه القرينة ، ولا يفهم إلّا بالتصريح.

ه. إظهار تعظيم المسند إليه بذكر اسمه :

ومثاله الجواب : حضر سيف الدولة ، على من سأل : هل حضر الأمير؟

و. التلذّذ بذكره :

وذلك في كل ما يهواه المرء ويتوق إليه ، والانسان إذا أحبّ شيئا أكثر من ذكره. ومثاله قول عباس محمود العقّاد :

الحبّ ان نصعد فوق الذرى

والحبّ أن نهبط تحت الثرى

والحبّ أن نؤثر لذّاتنا

وأن نرى آلامنا أثرا

وكقول المؤمن : الله ربّي ، الله حسبي ...

ز. إظهار تحقيره وإهانته :

وذلك لما يحمله اسمه ويدلّ عليه من معنى الحقارة. كقولك : إبليس اللعين هو الذي أخرج آدم من الجنّة ، جوابا عن سؤال : من

٣١٣

أخرج آدم من الجنّة؟ أو قولك : السارق قادم. جوابا على سؤال : هل حضر السارق.

تمرين :

١. بيّن اسباب ذكر المسند إليه في ما يأتي :

 ـ هو الشمس في العليا هو الدهر في السّطا

هو البدر في النادي هو البحر في النّدى

 ـ سعيد قال هذا. جوابا على سؤال من قال هذا؟

ـ (اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ* هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ ...) الحشر : ٢٢ ـ ٢٣.

 ـ فعبّاس يصدّ الخطب عنّا

وعبّاس يجير من استجارا

 ـ أنا فارس أنا شاعر

في كل ملحمة ونادي

 ـ الرئيس كلّمني في أمرك والرئيس أمرني بمكافأتك.

٣١٤

٢. في حذف المسند إليه :

المسند إليه ركن في الجملة ، والأصل ذكره ، لكنّ حذفه جائز إذا كان في سياق الكلام ما يدل عليه ، أو قرينة تساعد على معرفته.

ويحذف لأغراض منها :

١. إذا كان المسند إليه مبتدأ :

أ ـ الإحتراز من السأم والعبث :

المراد بالاحتراز من العبث أنّ المسند إليه معلوم بحيث يعدّ ذكره عبثا يقلّل من قيمة العبارة بلاغيا. ومثاله قوله تعالى (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) البقرة : ٢ ، فذكر المسند إليه (الهاء في فيه) يثير قلقا لشدّة قرب الكتاب منه ممّا يبعث السأم في النفس لوضوح المسند إليه وقرب الحديث عنه. ويحذف المسند إليه احترازا من السّأم والعبث في المواضع الآتية :

١ ـ إذا وقع في جواب الاستفهام :

ومثاله قوله تعالى : (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ* نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) الهمزة : ٥ ـ ٦. أي هي نار الله الموقدة. وسؤالك عن قادم جديد من القادم؟ فإذا الجواب سعيد أي القادم سعيد أو هو سعيد.

٢ ـ إذا وقع بعد الفاء المقترنة بجواب الشرط :

ومثاله قوله تعالى (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) فصّلت : ٤٦ ، والتقدير : فعمله لنفسه ، واساءته عليها.

٣١٥

٣ ـ إذا وقع بعد فعل القول ومشتقاته :

ومثاله قوله تعالى (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) الذاريات : ٢٩. والتقدير أنا عجوز عقيم. والحذف هنا سببه ضيق الصّدر عن إطالة الكلام ، ولأن المبتدأ يحذف بعد القول.

٤ ـ ضيق الصدر عن إطالة الكلام بسبب تضجّر وتوجّع :

ومثاله قول الشاعر (الخفيف) :

قال لي : كيف أنت؟ قلت عليل

سهر دائم وحزن طويل

أي قلت : أنا عليل ، فلم يقل أنا عليل لضيق المقام بسبب الضجر الحاصل له من الضّني. وقول آخر (الخفيف) :

لم تبكين؟ من فقدت؟ فقالت

والأسى غالب عليها : حبيبي

أي فقالت الفقيد حبيبي ولم تذكر الفقيد لضيق المقام بسبب الضجر الحاصل لها من التوجّع.

٥ ـ الحذر من فوات فرصة :

كقولك منبّها صديقك لوجود صديقكما المشترك : سعيد ، أي هذا سعيد. وكقول منبّه الصيّاد : غزال ، أي : هذا غزال أو كقولنا : غارة ، أي : هذه غارة ... وما إلى ذلك.

٦ ـ تعجيل المسرّة بالمسند :

كأن يقول الفائز : جائزتي ، أي : هذه جائزتي وشدّة سروره حملته على الاختصار.

٧ ـ إنشاد المدح أو الذم أو الترحّم :

أ. مثال المدح قولنا : الحمد لله أهل الحمد ، أي : هو أهل الحمد.

٣١٦

ب. مثال الذّم قولنا : أعوذ بالله من الشيطان ، الرجيم ، أي : هو الرجيم.

ج. في الترحّم ومثاله قولنا : اللهم ارحم عبدك ، المسكين ، أي : هو المسكين.

٨ ـ كون المسند إليه معيّنا معلوما :

ومثاله قوله تعالى (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) آل عمران : ٢٧.

فالمسند إليه معيّن معلوم هو الله سبحانه ، والمسند لا يصلح الا له.

٩ ـ تكثير الفائدة :

نحو قولك : صبر جميل والتقدير فأمري صبر جميل.

ب. إذا كان المسند إليه فاعلا :

يحذف الفاعل قصدا الى الإيجاز ، او لدواع معنوية أخرى. ومن دواعي الحذف اللفظية :

١ ـ القصد الى الإيجاز في العبارة :

ومثاله قوله تعالى (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ) النحل : ١٢٦. والمعنى فعاقبوا بمثل ما عاقبكم به المعتدي ، وكان في الكلام قرينة تعين على فهم المعنى ومعرفة الفاعل فحذف مراعاة للايجاز.

٣١٧

٢ ـ المحافظة على السجع في المنثور :

ومثاله قولهم : من طابت سريرته ، حمدت سيرته. والمعنى حمد الناس سيرته وقد حذف الفاعل ليبقي على الرفع محافظة على الضمّ الذي يضمن سجعا تاما وجرسا أجمل.

٣ ـ المحافظة على الوزن شعرا :

ومثاله قول لبيد (الطويل) :

وما المال والأهلون إلّا ودائع

ولا بدّ يوما أن تردّ الودائع.

والمعنى : لا بدّ أن يردّ الناس الودائع. فلو ذكر الفاعل (الناس) لاقتضى الذكر نصب الودائع فتختلّ حركة الروي ، ويقع في عيب الإقواء (١).

ونذكر من دواعي حذفه المعنوية ما يأتي :

١ ـ كون الفاعل معلوما لا يحتاج السامع الى ذكره :

ومثاله قوله تعالى (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) النساء : ٢٨ فالفاعل معروف لا يمكن أن يجهله السامع ، وهو الله سبحانه وتعالى ، فلشدّة العلم به ، ولأنه لا يناقش فيه ، أمكن حذفه.

٢ ـ كون الفاعل مجهولا من قبل المتكلم

كقول أحدهم : سرقت سيّارتي. فالمتكلم لا يعرف السارق وليس في قوله : سرق اللص سيّارتي فائدة زائدة في الإفهام أو إزالة للإبهام المحيط باللص السّارق.

__________________

(١). راجع : المرجع في علمي العروض والقوافي ، د. محمد قاسم ، ص ١٥٠.

٣١٨

٣ ـ رغبة المتكلم في الإبهام على السامع.

كقول القائل : تبرّع بألف دولار ، رغبة منه في عدم ذكر اسم المتبرّع. وهذا ما يلجأ إليه كبار النفوس الذين يعطون حبّا بالعطاء ، لا طمعا في شهرة. فالمتبرّع الكريم أفضل عند هؤلاء من التصريح بأسمائهم.

٤ ـ رغبة المتكلم في إظهار تعظيمه للفاعل :

ويتمّ التعظيم بصون اسمه عن أن يجري على لسانه ، كقولك : خلق الخنزير.

٥ ـ رغبة المتكلم في إظهار تحقير الفاعل :

فيصون لسانه عن أن يجري بذكر الفاعل ، كقول أحدهم في وصف آخر : يهان ويذلّ ولا يغضب.

٦ ـ خوف المتكلم من الفاعل ، أو خوفه عليه :

كقول أحدهم : قتل جاري. والقاتل معروف منه غير مجهول ، وإخفاء اسمه عائد إمّا لرهبة من القاتل ، وإمّا لرغبة منه في عدم تعريف الآخرين إليه.

٣١٩

تمارين :

١ ـ وضّح أسباب حذف المسند إليه في ما يأتي وبيّن ما إذا كان مبتدأ أو فاعلا.

قال تعالى :

ـ (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ* وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ* فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ* وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ* نارٌ حامِيَةٌ) القارعة : ٦ ـ ١١.

ـ (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) البقرة : ١٨.

ـ (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) الحج : ٣٩ ـ ٤٠.

ـ (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) الجمعة : ١٠.

وقال الشاعر :

 ـ ملوك وإخوان إذا ما أتيتهم

أحكّم في أموالهم وأقرّب.

 ـ عليل الجسم ممتنع القيام

شديد السكر من غير المدام.

 ـ لئن كنت قد بلّغت عنّي وشاية

لمبلغك الواشي أغشّ واكذب.

 ـ نبّئت أنّ رسول الله أوعدني

والعفو عند رسول الله مأمول.

 ـ سأشكر عمرا ما تراخت منيّتي

أيادي لم تمنن وإن هي جلّت.

فتى غير محجوب الغنى عن صديقه

ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلّت.

 ـ سريع الى ابن العم يلطم وجهه

وليس الى داعي النّدى بسريع.

 ـ حريص على الدنيا مضيع لدينه

وليس لما في بيته بمضيع.

 ـ علّقتها عرضا وعلّقت رجلا

غيري وعلّق أخرى غيرها الرّجل

٣٢٠