علوم البلاغة ( البديع والبيان والمعاني )

الدكتور محمّد أحمد قاسم والدكتور محيي الدين ديب

علوم البلاغة ( البديع والبيان والمعاني )

المؤلف:

الدكتور محمّد أحمد قاسم والدكتور محيي الدين ديب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الحديثة للكتاب
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٤

لقد جاء شقيق راكبا على فرسه عارضا رمحه استخفافا بمن يقابلهم من بني عمّه حتى لكأنه يعتقد أنّهم عزل لا سلاح عندهم. لذلك أنزل منزلة المنكرين فأكّد الخبر وخوطب خطاب المنكر.

ج. أن يجعل المنكر كغير المنكر إن كان لديه دلائل وشواهد لو تأمّلها لارتدع عن إنكاره.

ومثاله قوله تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) البقرة : ١٦٣.

الآية تخاطب منكري وحدانية الخالق سبحانه ، وألقت إليهم الخبر بلا توكيد ، لأن المنكرين عندهم من الأدلة والبراهين ما لو تأمّلوها لوجدوها مقنعة الإقناع كلّه ، ولذلك لم يقم الله تعالى لإنكارهم وزنا.

ومثاله قولك لمن يؤذي أباه : هذا أبوك.

فالمخاطب ليس بحاجة إلى تأكيد الخبر ، لكنّه لو تأمّل لارتدع عن إيذاء أبيه وكفّ عنه ، لذلك ألقي إليه الخبر خاليا من التوكيد.

تمارين :

١. بيّن وجوه خروج الخبر عن مقتضى الظاهر في ما يأتي : قال تعالى : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) يوسف : ٥٣.

ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) الحج : ١.

ـ تقول لمن يظلم الناس بغير حق : إنّ الله لمطّلع على أفعال العباد.

ـ تقول لمن ينكر وجود الخالق : الله موجود.

ـ تقول لمن ينكر فائدة العلم : العلم نافع.

ـ تقول لمن يكره العمل : إن الفراغ لمفسدة.

ـ قال أبو الطيّب (الوافر) :

ترفّق أيّها المولى عليهم

فإنّ الرفق بالجاني عتاب.

٢٨١

الباب الثاني

الإنشاء وأقسامه

١ ـ ١. تعريفه.

جاء في معجم المصطلحات أن الإنشاء هو (١) : «ما لا يصحّ أن يقال لقائله إنّه صادق فيه أو كاذب».

١ ـ ٢. قسما الإنشاء.

ينقسم الإنشاء إلى قسمين هما :

أ. إنشاء طلبي :

وهو ما يستدعي مطلوبا غير حاصل وقت الطلب.

ويكون خاصة في : الأمر ، والنهي ، والاستفهام ، والتمنّي ، والنداء.

* يضاف اليها : العرض ، والتّحضيض ، والدعاء ، والالتماس.

ب. إنشاء غير طلبي.

وهو ما لا يستدعي مطلوبا ، وله صيغ كثيرة ومنها : المدح ، والذمّ ، وصيغ العقود ، والقسم ، والتعجّب ، والرّجاء.

* يضاف اليها : ربّ ، ولعلّ ، وكم الخبرية.

وسنبدأ بتفصيل كل بحث من أبحاث الإنشاء الطلبي وغير الطّلبي.

__________________

(١). معجم المصطلحات العربية في اللغة والادب ، وهبة ـ المهندس ، ص ٣٧.

٢٨٢

الإنشاء الطلبي

١ ـ الأمر.

١ ـ ١. تعريف :

هو طلب حصول الفعل من المخاطب على وجه الاستعلاء.

ويكون ممّن هو اعلى إلى من هو أقلّ منه.

١ ـ ٢. صيغه الأصلية :

للأمر أربع صيغ أصلية هي :

أ. الأمر بالفعل :

أي بفعل الأمر ، نحو : أكرم أباك وأمّك. ولا تستعمل إلا مع المخاطب فيكون الأمر بها مباشرا من الآمر الى المأمور وهو حاضر أو في حيّز الحاضر في المقام نحو :

عش بالشعور وللشعور فإنما

دنياك كون عواطف وشعور.

ب. الفعل المضارع المقرون ب (لام الأمر)

نحو : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) الطلاق : ٧. وينشأ بها الأمر المباشر وكذلك غير المباشر (المأمور غائب ويبلغ الأمر بوساطة رسالة او رسول).

ج. اسم فعل الأمر.

نحو ، (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) المائدة : ١٠٥.

٢٨٣

د. المصدر النائب عن فعل الأمر.

نحو : سعيا في سبيل الخير ، أي : اسعوا ...

١ ـ ٣. صيغه غير الأصلية المستفادة من سياق الكلام وقرائن الأحوال.

قد تخرج صيغ الأمر عن معناها الأصلي وهو الإيجاب والإلزام إلى معان أخرى منها :

أ. الدّعاء :

وهو طلب من الأدنى الى الأعلى ، نحو قوله تعالى : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ) النمل : ١٩.

ب. الإلتماس :

وهو طلب نظير من نظيره ، نحو قولك لصديقك : أعطني القلم.

ج. النّصح والإرشاد :

نحو قوله تعالى : (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) البقرة : ٢٨٢.

د. التهديد :

كقوله تعالى (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فصلت : ٤٠. ويكون في مقام عدم الرّضا بالمأمور به.

٢٨٤

ه. التعجيز :

كقوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) البقرة : ٢٣. ويكون في مقام إظهار عجز من يدّعي قدرته على فعل أمر ما ، وليس في وسعه ذلك.

و. الإباحة :

كقوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة : ١٨٧.

ز. التسوية :

كقوله تعالى : (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ) الطور : ١٦.

ح. الإكرام :

كقوله تعالى : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) الحجر : ٤٦.

ط. الامتنان :

كقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ) النحل : ١١٤.

ي : الإهانة :

كقوله تعالى : (كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) الاسراء : ٥٠ وتكون في مقام عدم الاعتداد بالمخاطب وقلة المبالاة به.

ك. الدّوام :

كقوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) الفاتحة : ٦.

٢٨٥

ل. التمنّي : كقول امرئ القيس (الطويل) :

ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي

بصبح وما الإصباح منك بأمثل.

فالشاعر لا يأمر الليل وإنّما أرسل صيغة الأمر مريدا بها التمنّي.

م. التخيير : كقول البحتري (الطويل) :

فمن شاء فليبخل ومن شاء فليجد

كفاني نداكم من جميع المطالب

* والفرق بين التخيير والإباحة : أن التخيير لا يجوّز الجمع بين الشيئين ، والإباحة تجوّزه ففي الإباحة إذن بالفعل وإذن بالترك.

تمارين :

١ ـ دلّ على صيغ الأمر وعيّن المراد من كل صيغة في ما يأتي :

 ـ أزل حسد الحسّاد عني بكبتهم

فأنت الذي صيّرتهم لي حسّدا

 ـ عش عزيزا أو مت وأنت كريم

بين طعن القنا وخفق البنود

 ـ أروني بخيلا طال عمرا ببخله

وهاتوا كريما مات من كثرة البذل

 ـ شاور سواك إذا نابتك نائبة

يوما وإن كنت من أهل المشورات

 ـ واخفض جناحك إن منحت إمارة

وارغب بنفسك عن ردى اللذّات

 ـ فيا موت زر إن الحياة ذميمة

ويا نفس جدّي إنّ دهرك هازل

 ـ فعش واحدا أو صل أخاك فإنّه

مقارف ذنب مرّة ومجانبه

 ـ فصبرا في مجال الموت صبرا

فما نيل الخلود بمستطاع

 ـ وكن على حذر للناس تستره

ولا يغرّك منهم ثغر مبتسم

 ـ يا ليل طل يا نوم زل

يا صبح قف لا تطلع

 ـ أولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع

٢٨٦

٢ ـ دلّ على صيغ الأمر وعين المراد من كل صيغة في ما يأتي :

قال تعالى : (خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) مريم : ١٢.

قال تعالى : (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا) الرحمن : ٣٣.

قال تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ.)

الأعراف : ١٩٩

قال تعالى : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) النمل : ٦٤.

قال تعالى : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي* وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي) طه : ٢٥ ـ ٢٩.

قال حكيم يوصي ابنه : يا بنيّ ، استعذ بالله من شرار الناس ، وكن من خيارهم على حذر. يا بنيّ ، زاحم العلماء بركبتيك ، وأنصت اليهم بأذنيك ، فان القلب يحيا بنور العلم كما تحيا الأرض الميتة بمطر السماء.

وقال الإمام (ر) علي في رسالة له الى عامله ابن عبّاس : أقم للناس الحج ، وذكّرهم بأيام الله ، واجلس لهم العصرين فأفت المستفتي ، وعلّم الجاهل ، وذاكر العالم.

٣ ـ دلّ على صيغ الأمر وعيّن المراد من كل صيغة :

قال السيّاب في أنشودة المطر :

صرخت في الشّتاء :

أقضّ يا مطر

مضاجع العظام والثلوج والهباء

مضاجع الحجر

وانبت البذور ولتفتّح الزهر

وأحرق البيادر العقيم بالبروق

وفجّر العروق وأثقل الشّجر.

٢٨٧

وقال نزار قبّاني (أشهد أن لا امرأة إلّا أنت ص ٦٦ ـ ٦٧).

إكبري عشرين عاما ثمّ عودي

إنّ هذا الحبّ لا يرضي ضميري

حاجز العمر خطير وأنا

أتحاشى حاجز العمر الخطير

نحن عصران فلا تستعجلي

القفز يا زنبقتي فوق العصور

أنت في أوّل سطر في الهوى

وأنا أصبحت في السّطر الأخير

٢٨٨

الإنشاء الطلبي

٢ ـ النهي.

٢ ـ ١ : تعريفه.

هو طلب الكفّ عن الشيء على وجه الاستعلاء مع الإلزام ، ويكون لمن هو أقلّ شأنا من المتكلم ، وهو حقيقة في التحريم ، فمتى وردت صيغة النهي أفادت الحظر والتحريم على الفور.

٢ ـ ٢ : صيغته الأصلية.

للنهي صيغة واحدة هي المضارع المقرون ب (لا) الناهية.

ومثاله قوله تعالى : (وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) الحجرات : ١٢.

٢ ـ ٣ : صيغة غير الأصلية المستفادة من سياق الكلام وقرائن الأحوال.

قد تخرج صيغة النهي عن معناها الأصلي الى معان أخرى منها :

أ. الدّعاء :

وهو النهي من الأدنى الى الأعلى نحو قوله تعالى : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) البقرة : ٢٨٦.

٢٨٩

ب. الالتماس :

وهو نهي موجّه من نظير الى نظيره كقولك لصديقك : لا تتوان في طلب العلى ، وكقوله تعالى على لسان هارون يخاطب اخاه موسى (قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) طه : ٩٤.

ج. الإرشاد :

كقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) المائدة : ١٠١. ويكون النهي في شكل نصح يتضمّن حكمة تنمّ عن تجربة : لا تكن يابسا فتكسر ولا تكن لينا فتعصر.

د. التهديد :

كقوله : لا تمتثل أمري. وكقوله لخادمه : لا تطع أمري.

ه. التمنّي :

كقوله : يا ليلة الأنس لا تنقضي. وكقول الشاعر (مجزوء الرجز).

يا ليل طل يا نوم زل

يا صبح قف لا تطلع.

و. التوبيخ :

كقول أبي الأسود (الكامل) :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم.

ز. التيئيس :

كقوله تعالى (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) التوبة : ٦٦.

٢٩٠

ح. التحقير :

ومثاله قول المتنبي (البسيط) :

لا تشتر العبد إلّا والعصا معه

إنّ العبيد لأنجاس مناكيد

ط. الكراهة :

كقولك : لا تلتفت وأنت في الصلاة.

ي. بيان العاقبة :

نحو قوله تعالى (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آل عمران : ١٦٩.

تمارين

١. دلّ على صيغة النهي ، وبيّن المراد منها في ما يأتي :

قال تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الأنعام : ١٥٢. وقال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ) آل عمران : ١١٨. وقال تعالى (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة : ٤٢ وقال الشاعر :

فلا تبلغاه ما أقول فإنه

شجاع متى يذكر له الطعن يشتق

ولا تجلس الى اهل الدنايا

فإنّ خلائق السّفهاء تعدي

لا تطلب المجد إنّ المجد سلّمه

صعب ، وعش مستريحا ناعم البال

لا تحسب المجد تمرا أنت آكله

لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

لا تعرضّنّ لجعفر متشبها

بندى يديه فلست من أنداده

لا تطمحنّ الى المراتب قبل ان

تتكامل الأدوات والأسباب

أعينيّ جودا ولا تجمدا

ألا تبكيان لصخر النّدى

٢٩١

لا تحسبوا من قتلتم كان ذا رمق

فليس تأكل إلا الميتة الضّبع

لا يخدعنّك من عدوّ دمعه

وارحم شبابك من عدوّ ترحم

وقال نزار (أشهد أن لا امرأة ص ١٢٢).

فلا تعلني الحرب

إنّ الجميلات لا يحترفن القتال!

ولا تطلقي النار ذات اليمين وذات الشمال!

في آخر الأمر

لن تستطيعي اغتيال كلّ الرجال.

٢٩٢

الإنشاء الطلبي

٣ ـ الاستفهام.

٣ ـ ١. تعريفه :

هو طلب العلم بشيء لم يكن معلوما من قبل.

٣ ـ ٢. ألفاظ الاستفهام :

أ. حروف الاستفهام نوعان أشهرها : الهمزة وهل.

ب. أسماء الاستفهام : من ، ما ، أيّ ، كيف ، أين ، أيّان ، متى ، أنّى وكم الاستفهامية.

٣ ـ ٣. أنواع الاستفهام :

يقسم الاستفهام بحسب الطلب ثلاثة أقسام هي :

أ. ما يطلب به التّصور تارة ، والتّصديق طورا وهو : الهمزة.

١. التصوّر وهو إدراك المفرد. وفي هذه الحال تأتي الهمزة متلوّة بالمسؤول عنه ، ويذكر له في الغالب معادل بعد (أم) ، ومثاله : أعليّ مسافر أم سعيد؟

فأنت تعتقد أن السّفر حصل من أحدهما ، ولكن تطلب تعيينه.

لذلك يجاب عنه بالتعيين. سعيد مثلا أو عليّ.

وحكم الهمزة التي لطلب التصوّر ، ان يليها المسؤول عنه بها ـ سواء ـ أكان :

ـ مسندا اليه نحو : أأنت فعلت هذا أم يوسف؟

ـ أم مسندا نحو : أراغب أنت عن الأمر أم راغب فيه؟

٢٩٣

ـ أم مفعولا نحو : إيّاي تقصد أم سعيدا؟

ـ أم حالا ، نحو : أراكبا حضرت أم ماشيا؟.

ـ أم ظرفا ، نحو : أيوم الخميس قدمت أم يوم الجمعة؟

ويذكر المسؤول عنه في التصوّر بعد الهمزة ، ويكون له معادل يذكر بعد (أم) غالبا. وقد يستغنى عن ذكر المعادل نحو : أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم. وتسمّى معرفة المفرد تصورا.

٢. التصديق : وهو إدراك النسبة ، بحيث يكون المتكلم خالي الذهن ممّا استفهم عنه في جملته مصدّقا للجواب ـ إثباتا ب (نعم) ، أو نفيا ب (لا).

نحو : أيصدأ الذهب؟

أتتحرّك الأرض؟

فيجاب بنعم إن أريد الإثبات ، وبلا إن أريد النفي.

ب. ما يطلب به التصديق فقط وهو (هل).

ويمتنع معها ذكر المعادل. ومثالها :

هل يعقل الحيوان؟

هل يحسّ النبات؟

هل ينمو الجماد؟

فلا يقال : هل سعد قام أم سعيد؟ فهل تفيد أنّ السائل جاهل بالحكم لأنّها لطلبه ، وأم المتّصلة تفيد أن السائل عالم به.

٢٩٤

ج. ما يطلب به التصوّر فقط ، ويكون ببقيّة ألفاظ الاستفهام.

وهي أسماء غائمة في دلالتها ذات عمل واحد هو التعويض. واذا وردت في الاستفهام كان المطلوب بها ما تعوّضه.

الموصول المشترك :

ـ من : ويطلب بها تعيين أفراد العقلاء ، نحو : من فتح مصر؟

ـ ما : موضوعة للاستفهام عن غير العقلاء ، نحو : ما العسجد؟

أسماء الزمان :

ـ متى : يطلب بها تعيين الزّمان ماضيا أو مستقبلا ، نحو : متى تولّى عمر الخلافة؟ متى نحظى بالحرية؟

ـ أيّان : يطلب بها تعيين الزمان المستقبل خاصة وتكون في موضع التفخيم والتهويل ، نحو (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) الأعراف : ١٨٧.

٣ ـ ٤. المعاني المستفادة من الاستفهام بالقرائن وسياق الكلام.

يخرج الاستفهام عن معناه الأصلي (طلب معرفة شيء لا يعرف حقيقته) إلى معان أخرى يكشفها السّياق ، وربّما كشفها التنغيم noitanotni أيضا. ومن هذه المعاني نذكر :

أ. الأمر :

يرد الأمر في سياق غايته حمل المخاطب على القيام بفعل على وجه الاستعلاء ، لأنّ السائل لا يطلب معرفة بل ينتظر إنجاز مضمون الاستفهام الذي يطرحه ، وبهذا يكتسب الاستفهام قيمة الأمر الصّريح.

٢٩٥

والمقام هنا يفرض أن يكون المستفهم في موقع اجتماعي أو إداري أو سياسي عال قياسا الى موضع المخاطب ، وأن يتوفر في ذاكرتيهما المشتركة جملة من الأحداث أو الرّغبات التي يمكن طلب تحقيقها من طريق الاستفهام. مثال ذلك قول الرئيس لمرؤوسه المتقاعس : ألا تصرّف أعمال الناس؟ ألا تخاف العواقب؟

ومنه قوله تعالى (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة : ٩١ أي انتهوا.

ب. النهي :

هو كالأمر طلب لكنّه طلب سلبي والأمر طلب إيجابي ، إذ الأمر يطلب إنجاز أمر ، والنهي يطلب عدم إنجاز شيء ما. مثاله قوله تعالى (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) التوبة : ١٣. فكأن الآية تقول : لا تخشوهم واخشوا الله لأنه أحق منهم بخشيتكم إن كنتم مؤمنين به وبتعاليمه.

ج. النّفي :

كقوله تعالى (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) الرحمن : ٦٠. ظاهر التركيب استفهام لكنّ الآية ترمي الى النفي وكأن الآية تقصد الى القول : ما جزاء الإحسان إلّا الإحسان. وفيه يرمي المستفهم الى النفي ، واذا عوّض الاستفهام بنفي ، استقام كلامه. وقد ينتج عن الاستفهام مجرّد النفي أو الاثبات كما في قولهم : هل ينفع الندم بعد فوات الأوان؟

والمعنى : لا ينفع النّدم بعد فوات الاوان لكنّ إجراء (هل) مكان (لا) زاد في توكيد النفي. ومنه قول الشاعر (الطويل) :

هل الدّهر إلّا غمرة وانجلاؤها

وشيكا وإلّا ضيقة وانفراجها؟

٢٩٦

فالمعنى العام للبيت يسمح بإحلال حرف نفي عادي محلّ هل ويبقى المعنى نفسه كأن نقول : وما الدّهر إلّا غمرة ... وإلّا ضيقة وانفراجها.

د. الإنكار :

من الاستفهام ما سمّي استفهاما إنكاريا إذ يخرج الاستفهام عن معنى الطّلب إلى معنى استنكار وقوع ما هو استفهام عنه في الظاهر ، كأن يقول قائد لأحد جنوده المتقاعسين : أتخون وطنك؟ أتضحي بشرفك؟

ومنه قوله تعالى (أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) الصافات : ١٤٩ أو (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) الحجرات : ١٢. ومن لوازم الاستفهام الإنكاري هذا أن يكون المستفهم عنه غير واقع ، أو أن يكون مدّعيه كاذبا.

ه. الإثبات والتّقرير :

هو استفهام يرمي الى حمل المخاطب على الإقرار بما يسأل عنه. ومن خصائصه أن يكون :

ـ منفيّا يخرج فيه المعنى من الاستخبار الى الإقرار. وبهذا يكون أمكن من التقرير الخبري ، وأبلغ من التوكيد.

مثاله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) الأعراف : ١٧٢.

لاحظ أن هذا الضرب من الاستفهام يكون غالبا بالهمزة يليها المقرّر به ، كقول الأم لولدها : أضربت أخاك؟ إذا أرادت أن تقرّر أن الضرب كان منه ، وكقولنا : أأنت فعلت هذا؟ إذا أردنا أن نقرّر أنّك الفاعل.

٢٩٧

لذلك كان الغرض من هذا الضرب من الاستفهام حمل المخاطب على الاعتراف ، والإقرار بأمر كان قد استقرّ عنده.

و. التسوية :

ويفهم من الاستفهام هنا المساواة بين أمرين يسأل عنهما المتكلّم ، كقول المتنبّي (الطويل) :

ولست أبالي بعد إدراكي العلا

أكان تراثا ما تناولت أم كسبا.

فالشاعر لا يسأل ليفاضل بين الطريف والتلّيد لأنهما سيّان عنده. فهو يساوي بينهما ولا يسأل عن الأفضل.

ز. التشويق :

المتكلم هنا يدرك الخبر ويشوّق سامعه الى سماعه ، فكأنه يريد دغدغة المخاطب وتحفيزه على الاستفهام ، لأنّه يطرح السؤال ويجيب عنه غالبا ، كقولنا : أتريد مالا؟ خذ المال.

ومنه قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الصّف : ١٠ ـ ١١.

فالآية ١٠ شوّقت المخاطبين الى سماع الخبر اليقين الذي جاء واضحا في الآية ١١ لذلك لم يكن الاستخبار مقصودا فيها لأنّ الخبر ملقى من السائل في الآية التي تلتها.

ح. الاستئناس :

مثاله قوله تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) طه : ١٧. فالعصا الموجودة في يد موسى يعرفها السائل ويراها ويعلم حقيقة أمرها.

٢٩٨

ط. التهويل والتخويف :

كقوله تعالى (الْقارِعَةُ* مَا الْقارِعَةُ) القارعة : ١ ـ ٢ والسؤال هنا للتهويل والتخويف ، لأن السائل يعرف الحقيقة ولكنه أراد تخويف المخاطبين.

ي. الاستبعاد :

كقوله تعالى (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) الدخان : ١٣ فالآية لا تستفهم بقدر ما تستبعد حصول المسؤول عنه.

ك. التعظيم :

كقوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) البقرة : ٢٥٥ فالاستخبار مستبعد وتقرير التعظيم هو المقصود.

ل. التحقير :

كقوله تعالى (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) الأنبياء : ٥٢ فالآية لا تستخبر عن التماثيل بل هي تهدف الى تحقيرها وتهوين شأنها.

م. التّفخيم :

كقوله تعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) البقرة : ٢٨.

ن. الوعيد :

كقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) الفجر : ٦.

٢٩٩

س. التوبيخ :

كقوله تعالى (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) طه : ٩٣. فالآية لا تستفهم لأن السائل يعرف حقيقة الأمر ، لكنّها تلوم على ما وقع.

* للتنغيم دور في إخراج الاستفهام الى المعنى المقصود. فهو يساعد على تصنيف الجمل في انماط مختلفة من :

ـ إثبات

ـ ونفي

ـ واستخبار

ـ وتعجّب.

ولا توضع علامة استفهام فيها بل يتغيّر أداء الجملة وفق نغم معين وتصويت مختلف يحدّد معنى الاستفهام والغاية منه.

تمرينات :

١. دلّ على صيغة الاستفهام ، وبيّن الغرض منه في ما يأتي :

قال تعالى :

(سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) الشعراء : ١٣٦

(أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) الشعراء : ١٨

(أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ) الزخرف : ٤٠

(الْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ* وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) الحاقة : ١ ـ ٣

(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) البقرة : ٢٤٥

(فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) التكوير : ٢٦

(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) الزخرف : ٣٢

٣٠٠