علوم البلاغة ( البديع والبيان والمعاني )

الدكتور محمّد أحمد قاسم والدكتور محيي الدين ديب

علوم البلاغة ( البديع والبيان والمعاني )

المؤلف:

الدكتور محمّد أحمد قاسم والدكتور محيي الدين ديب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الحديثة للكتاب
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٤

الجملة وأقسامها

١ ـ تعريف الجملة :

عرّفها معجم المصطلحات العربية بقوله (١) : «هي أقصر صورة من الكلام تدلّ على معنى مستقل بنفسه ، وتتكوّن عند المناطقة من موضوع ومحمول ، فقولك : الشمس طالعة ، الشمس موضوع ، وطالعة محمول. ويسمي علماء البلاغة الموضوع مسندا إليه ، والمحمول مسندا».

الجملة باختصار كلام تام المعنى.

٢ ـ نوعا الجملة :

قسم النحاة الجملة قسمين :

٢ ـ أ. فعلية :

وهي ما بدأت بفعل ، نحو : بنى المنصور بغداد. وتتألف من فعل وفاعل ومتعلقاتهما كما في المثال الأول. وقد يستتر أحد الجزءين أو يحذف ، نحو : قم.

٢ ـ ب. إسمية :

وهي ما بدأت بدءا أصيلا باسم نحو : السماء صافية. فهي تتكوّن من مبتدأ وخبر وما يتصل بهما.

ويدخل في عداد الجمل :

__________________

(١). معجم المصطلحات العربية في اللغة والادب ، وهبة ـ المهندس ، ص ٧٧.

٢٦١

١. عبارة النداء : يا أخي ، لأنها تعادل : أنادي أخي.

٢. عبارة القسم : والله ، لأنها تعادل : أقسم بالله.

٣. اسم الفعل : دونك الكتاب ، لأنها تعادل : خذ الكتاب.

وقد رأى النحاة أنواعا اخرى للجملة نذكر منها :

١ ـ الجملة النواة :

وهي الجملة الفعلية أو الاسمية التي تتألّف من الأركان الأساسية فقط نحو : ـ تشرق الشمس (فعلية).

ـ الشمس مشرقة (اسمية).

٢ ـ الجملة البسيطة :

هي الجملة التي تتألّف من الأركان الأساسية ومن زيادة تسمّى فضلة تغنيها من الداخل ، نحو :

ـ تشرق الشمس (أركان أساسية) + كلّ صباح (فضلة).

٣ ـ الجملة المركّبة :

هي التي تتألّف من مقاطع جملية عدّة تجمع بينها الرّوابط ، نحو : ـ تركت الباخرة ، ووقفت على الرّصيف أحدثه.

٤ ـ الجملة المقيّدة :

ـ هي التي تقيّد بمفرد :

١. كالمفعول ، نحو : أكل الولد تفاحة.

٢. كالنعت ، نحو : الطالب المتفوّق محبوب.

٢٦٢

٣. كالمجرور ، نحو : استعرت الكتاب من المكتبة ، عاد أبي من الحقل.

٤. كالمضاف إليه ، نحو : حضر أمين السرّ.

٥. كالحال ، نحو : خرجت مسرعا.

٦. كالتمييز ، نحو : اشتريت عشرين كتابا.

٧. كالظرف ، نحو : سآتيك غدوة.

٨. كالنّاسخ ، نحو : أوشك المطر ان ينهمر.

كما تقيّد بجملة تكون إما :

١. مفعولية ، نحو : علمت أنك مسافر (علمت سفرك).

٢. نعتيّة ، نحو : في القاعة طلاب يقرأون (قارئون).

٣. ظرفيّة ، نحو : نهضنا حين طلع الفجر.

٤. حالية ، نحو : مررت على المروءة وهي تبكي (باكية).

٥. جملة الموصول ، نحو : من عاش مات.

٦. جملة شرطيّة ، نحو : إن تدرس تفز.

٧. مجرورة بحرف الجر ، نحو : جئت لأنه دعاني.

* إذا وقعت الجملة فاعلا أو مبتدأ أو خبرا لا تعدّ قيدا لأن الفاعل والمبتدأ والخبر من أركان الجملة الأساسية ولا يتم كلام بدونها.

٣ ـ ركنا الجملة :

لكلّ جملة ركنان هما :

١. المسند : ويسمى محكوما به ، او مخبرا به.

٢. المسند إليه : ويسمى محكوما عليه ، أو مخبرا عنه.

٢٦٣

* تسمّى النسبة التي بين المسند والمسند إليه (إسنادا).

مثال : الله واحد

الله : مسند إليه.

واحد : مسند. أي انّنا أسندنا الوحدانية الى الله عزوجل.

* ما زاد في الجملة على ركنيها فهو قيد أو فضلة.

والقيود هي : أدوات الشرط ، والنفي ، والمفاعيل ، والحال ، والتمييز ، والتوابع ، والنواسخ.

وقد استثني من القيود : المضاف إليه والصّلة.

* تسمّى الحروف روابط لأنّها تربط بين ركني الجملة وقيودها.

٤ ـ مواضع المسند :

ثمانية هي :

١. خبر المبتدأ ، نحو : الله قادر.

٢. الفعل التام ، نحو : جاء الطلّاب.

٣. اسم الفعل ، نحو : دونك الكتاب.

٤. المبتدأ الوصف المستغني بمرفوعه عن الخبر ، نحو : أعارف أخوك قدر الإنصاف.

٥. أخبار النواسخ (كان وأخواتها ، إنّ وأخواتها ، ...) نحو : كان الطقس جميلا.

إن الطقس جميل.

٦. المفعول الثاني ل (ظنّ واخواتها) ، نحو : ظننت الخبر صادقا

٧. المفعول الثالث ل (أرى واخواتها) ، نحو : أريته المسألة سهلة.

٨. المصدر النائب عن فعل الأمر ، نحو : سعيا في الخير.

٢٦٤

٥ ـ مواضع المسند إليه :

ستّة هي :

١. فاعل الفعل التام ، نحو : قدم المدير.

أو لشبه الفعل من الأسماء ، نحو : جاء صديقي العالم أبوه.

٢. نائب الفاعل ، نحو : طبع الكتاب.

٣. أسماء النواسخ ، نحو : كان المطر غزيرا. إنّ المطر غزير.

٤. المبتدأ الذي له خبر ، نحو : العلم نافع.

٥. المفعول الأول ل (ظنّ واخواتها) ، نحو : ظننت الدرس سهلا.

٦. المفعول الثاني ل (أرى وأخواتها) ، نحو : أريته المسألة سهلة.

تمارين :

١. عيّن المسند ، والمسند إليه ، والقيود ، في الأبيات الآتية :

قال نزار قبّاني (قصيدة حبيبتي) :

حبيبتي ...

إن يسألوك عنّي

يوما ...

فلا تفكّري كثيرا

قولي لهم

بكلّ كبرياء

يحبّني

يحبّني كثيرا.

٢٦٥

صغيرتي ...

إن عاتبوك يوما

كيف قصصت شعرك الحريرا

وكيف؟

حطّمت إناء طيب

من بعد ما ربّيته

شهورا ...

وكان مثل الصيف في بلادي

يوزّع

الظلال والعبيرا

قولي لهم :

أنا قصصت شعري

لأنّ من احبّه

يحبّه قصيرا ...

٢. عيّن المسند ، والمسند إليه ، والقيود ، في الأبيات الآتية :

قال سليمان العيسى (من قصيدة نشيد الحجارة).

لا يملكون سوى الحجارة

أطفالنا المتشبّثون بأرضهم ... وبشمسهم ،

وبزهرة الرمّان والزيتون في أيديهم

لا يملكون سوى الحجارة ...

ما زلت تسحقهم .. ويحصدهم رصاصك ،

أيّها السفّاح!

ثم يفجّرون الأرض حولك فجأة ...

٢٦٦

ويطير لبّك منهم؟

لم أنت مرتعد الفرائص منهم؟

ترغي وتزبد حانقا

لا يملكون سوى الحجارة.

أطفالنا المتشبّثون بأرضهم ، وبشمسهم.

سيجازفون ببؤسهم ، وخيامهم ،

وبكسرة الخبز التي يبست على فمهم ،

نعم ...

ويفجّرون الأرض تحتك

أيّها «الغبش» الدّخيل ..

وليس في أيديهم غير الحجارة.

٣. دلّ على الجمل الاسمية والفعلية ، ثم اذكر المسند والمسند إليه في ما يأتي :

«يا قوم ، ظلمتم غير معذورين ، وصبرتم غير مأجورين ، وسعيتم غير مشكورين ، فهلكتم غير مأسوف عليكم. تصبرون على الظلم حتّى يحسبه الناظر عدلا ، وتبتسمون للقيد حتى يظنّه الناقد حليا ، وتخفضون للظالم جناح الذلّ حتى يقول من يراكم : ما هؤلاء بشر ، إن هم إلا آلة سخّرت للناس يفلحون بها الأرض ويزرعون ...».

من (كتاب الدرر) لأديب اسحق.

٢٦٧

٤. دل على أنواع الجمل ، واذكر المسند والمسند عليه في ما يأتي :

«يبدأ الحكيم رسائله الى صديقه الفرنسي (أندريه) قائلا إن الشّقاء ليس هو البكاء ، وإنّ السعادة ليست هي الضحك. ويعلّل هذه «الحكمة» بأنه يضحك طول النهار لأنّه لا يريد ان يموت غارقا في دموعه. هو ، كما يقول ، شخص ضائع مهزوم في كل شيء. وقد كان الحبّ آخر ميدان دحر فيه. وإذا كان يردّد أحيانا أناشيد القوّة والبطولة ، فإنّه يصنع ذلك تشجيعا لنفسه ، كمن يغنّي في الظلام طردا للفزع. ويبدو أن هذه المشاعر هي التي تجعله يتعاطف مع ما دعاه بالضّعف الإنساني ، فيقول : إنّه لو لا هذا الضعف الإنساني ما وجدت العواطف الإنسانية الجميلة التي تنتج احيانا الأعمال الإنسانية العظيمة. ويتساءل لما ذا نعدّ دائما الضعف البشري نقيصة ، ما دمنا قد وصمنا به الى الأبد؟

فلنحترمه أحيانا ، ولنستثمره ، ولنحوّله الى فضيلة من فضائل البشر ، بغير هذا فإن الحياة لن تحتمل».

من كتاب ثورة المعتزل لغالي شكري.

٢٦٨

الباب الأول

تقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء

أولا : الخبر :

١ ـ ١. تعريفه :

عرّفه معجم المصطلحات العربية بقوله (١) : «هو الذي يحتمل الصدّق إن كان مطابقا للواقع ـ أو لاعتقاد المخبر عند البعض ـ والكذب إن كان غير مطابق للواقع ـ أو لاعتقاد المخبر ـ في رأي ، وذلك كقول أبي الطيّب (البسيط).

لا أشرئبّ الى ما لم يفت طمعا

ولا أبيت على ما فات حسرانا».

ورأى الجاحظ أنّ الخبر ثلاثة أقسام :

١. خبر صادق.

٢. خبر كاذب.

٣. خبر لا هو بالصادق ولا بالكاذب.

وقد تأثر بهذه القسمة لاعتناقه مذهب المعتزلة الذين ذهب زعيمهم النّظّام الى أن مناط الحكم على الخبر بالصدق أو الكذب هو اعتقاد المتكلّم ، لا الواقع.

١ ـ ٢. الغرض من إلقاء الخبر :

الأصل في الخبر أن يلقى لأحد غرضين :

أ. إفادة المخاطب الحكم الذي تضمّنته الجملة ، إذا كان جاهلا له ، ويسمّى هذا النوع فائدة الخبر ، ومثاله : وليّ الخليفة الصالح ، عمر بن عبد

__________________

(١). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب ، وهبة ـ المهندس ، ص ٨٨.

٢٦٩

العزيز ، الخلافة سنة ٩٩ ه‍ ، وتوفي سنة ١٠١ ه‍ ، وكان لا يأخذ من بيت المال شيئا ، ولا يجري على نفسه من الفيء درهما.

ومن هذا الباب الحقائق العلمية التي تلقى على مسامع المتعلّمين وهم لا يعرفونها.

ب. إفادة المخاطب ان المتكلم عالم بالحكم أيضا ، ويسمّى لازم الفائدة ، ومثاله : أنت نجحت في الامتحان ، أو : لقد وصلت الجامعة متأخرا. فالسامع لم يستفد علما بالخبر نفسه ، وإنّما استفاد أن المتكلّم عالم به. وسمّي لازم الفائدة لأنه يلزم في كل خبر أن يكون المخبر به عنده علم أو ظنّ به.

ويبدو ان هذا التقسيم المنطقي قد صادف اعتراضا من قبل الدارسين ، فقال أحدهم (١) : «ويبدو التأثر بمنطق العقل بعد ذلك في تقسيمهم الغرض من الخبر إلى ما يسمى :

ـ بالفائدة ،

ـ ولازم الفائدة ،

فهذا التقسيم يرتكز على منطق العقل الذي يقول إنّ الخبر لا يساق إلّا الى واحد من اثنين : من يجهله أو من يعرفه ولا ثالث لهما. فالأول الغرض منه الفائدة. والثاني الغرض منه لازم الفائدة. ونرى أنّ تعرّض البحث البلاغي لمثل هذا الأمر ضرب من الفضول ، لأنّ الذي يعني الدارس في المقام الأوّل هو صيغة الكلام وخصائصه التعبيرية ، وهذا الغرض الثاني وهو لازم الفائدة ـ باعتراف بعض الدارسين ـ لا يؤديه ، حقيقة ، لفظ الخبر ، وإنما يؤديه ضمنا. فإنّ السامع إذا سمع من المتكلّم ما يدلي به إليه من خبر عرف ضمنا ان هذا

__________________

(١). البحث البلاغي عند العرب ، شفيع السيّد ، ص ١٤٦.

٢٧٠

المتكلّم عالم بالحكم الذي يتضمّنه ذلك الخبر إذ يلزم من إدلائه أنه عالم به».

ولعلّ في اعتراض الباحث نصيبا من الصحّة. وتصنيفات أغراض الخبر التي يستدلّ عليها من السّياق تؤيّد ذلك وتستعصي على الحصر الذي نادى به المتأثرون بالمنطق الصوري.

١ ـ ٣. أغراض أخرى تفهم من السيّاق.

قد يخرج الخبر عن الغرضين السابقين الى أغراض أخرى تستفاد من سياق الكلام ، وتهدي إليها القرائن ، وأهمّها :

أ. الاسترحام والاستعطاف.

ومثالهما : إنّي فقير إلى عفو ربّي. فليس الغرض هنا إفادة الحكم ، ولا لازم الفائدة ، لأن الله تعالى عليم ، ولكنّه طلب عفو ربّه.

وقول يحيى البرمكي مخاطبا هارون الرّشيد (مجزوء الكامل).

إن البرامكة الذي

ن رموا لديك بداهية.

صفر الوجوه عليهم

خلع المذلّة بادية.

فالشاعر هنا لا يخبر الرشيد بما وصل إليه قومه من ذلّ ، لأن الرشيد هو الذي أمر ، ولا يريد أن يفيده أنّه عالم بما حلّ به وبقومه ، إنّما أراد استعطافه راجيا الشفقة والرّحمة.

ب. الحثّ على السعي والجد.

فكأن الخبر يرمي إلى تحريك الهمّة والحضّ على ما يجب تحصيله ، نحو : ليس سواء عالم وجهول. فالكلام يوحي بالحثّ على العلم وطلب المعرفة ، لا الإخبار بما بين العلم والجهل من فوارق.

٢٧١

ومثاله قول طاهر بن الحسين للعبّاس بن موسى الهادي وقد استبطأه في خراج ناحيته (الطويل) :

وليس أخو الحاجات من بات نائما

ولكن أخوها من يبيت على وجل

فطاهر بن الحسين لا يريد إخبار العبّاس ، بل يحثّه على الجدّ في جباية الخراج.

ج. إظهار الضعف والخشوع.

ومنه قوله تعالى حكاية عن زكريا عليه‌السلام (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبا) مريم : ٤.

فسيّدنا زكريا عليه‌السلام يرمي إلى إظهار ضعفه ونفاد قوّته قبل كل شيء آخر.

د. إظهار التحسّر.

ومثاله قوله تعالى : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) آل عمران : ٣٦.

فالآية تنفي الإخبار ، لأنّ الله تعالى يعلم ما وضعت ، ولكنّ الغرض إظهار التحسّر على شيء محبوب ، فقد كانت تحبّ أن تضع ذكرا ، فلما وضعت انثى أبدت حسرتها.

ومثاله أيضا قول اعرابي في رثاء ولده (الكامل) :

لمّا دعوت الصبر بعدك والأسى

أجاب الأسى طوعا ولم يجب الصّبر.

فإن ينقطع منك الرجاء فإنّه

سيبقى عليك الحزن ما بقي الدّهر.

فالأعرابيّ لا يريد الإخبار ، إنّما أراد إظهار الحسرة والحزن على فقد ولده.

٢٧٢

ه. الفخر.

ومثاله قول عمرو بن كلثوم (الوافر) :

إذا بلغ الفطام لنا صبيّ

تخرّ له الجبابر ساجدينا

فعمرو بن كلثوم لا يهدف إلى الإخبار ، بل كان هدفه الفخر بقومه ، والمباهاة بما لهم من بأس وقوّة.

ومنه الحديث المنسوب إلى الرسول (ص) : «إنّ الله اصطفاني من قريش».

و. إظهار الفرح بمقبل والشّماتة بمدبر.

ومثاله قوله تعالى : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) الاسراء : ٨١.

ز. التوبيخ.

ومنه قولك للكسول الخمول المتردّد في النهوض من فراشه : الشمس طالعة.

ح. التحذير.

ومنه قولك لمصمّم على الطلاق : «أبغض الحلال إلى الله الطلاق».

ط. المدح.

كقول النابغة الذبياني (الطويل) :

فإنّك شمس والملوك كواكب

إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب.

* وقد يأتي لأغراض أخرى ، والمرجع في معرفة ذلك الذوق والعقل السليم ، كالهجاء في قول جرير (الطويل) :

٢٧٣

لقد ولدت أمّ الفرزدق فاجرا

وجاءت بوزواز قصير القوائم.

والرثاء كقول ابن الرومي في رثاء ابنه الأوسط :

طواه الرّدى عنّي فأضحى مزاره

بعيدا على قرب قريبا على بعد.

تمارين :

١ ـ بيّن أغراض الخبر في ما يأتي :

لقد أدّبت بنيك باللّين والرّفق ، لا بالقسوة والعقاب. كان معاوية حسن التدبير ، يحلم في مواضع الحلم ، ويشتدّ في مواضع الشدّة. توفيّ عمر بن الخطّاب (ر) سنة ثلاث وعشرين من الهجرة. وقال أبو فراس (الكامل) :

١. ومكارمي عدد النجوم ومنزلي

ماوى الكرام ومنزل الأضياف.

٢. وقال أبو الطيب (الطويل) :

وما كل هاو للجميل بفاعل

ولا كلّ فعّال له بمتمّم.

٣. وقوله أيضا يرثي أخت سيف الدولة (البسيط) :

غدرت يا موت كم أفنيت من عدد

بمن أصبت وكم أسكتّ من لجب

٤. وقال أبو العتاهية يرثي ولده عليّا (الوافر) :

بكيتك يا عليّ بدمع عيني

فما اغنى البكاء عليك شيّا

وكانت في حياتك لي عظات

وانت اليوم أوعظ منك حيّا.

٥. وقال ابراهيم بن المهدي مخاطبا المأمون :

٢٧٤

أتيت جرما شنيعا

وأنت للعفو أهل

فإن عفوت فمنّ

وإن قتلت فعدل.

٦. وقال أبو نواس في مرض موته (الخفيف).

دبّ فيّ السّقام سفلا وعلوا

وأراني أموت عضوا فعضوا

ذهبت جدّتي بطاعة نفسي

وتذكّرت طاعة الله نضوا (١)

لهف نفسي على ليال وأيّا

م تجاوزتهنّ لعبا ولهوا

قد أسأنا كلّ الإساءة فالل

همّ صفحا عنّا وغفرا وعفوا.

٧. وقال أبو العلاء المعري (الطويل) :

وإنّي وإن كنت الأخير زمانه

لآت بما لم تستطعه الأوائل.

٨. وقال غيره (الكامل) :

قومي همو قتلوا أميم اخي

فإذا رميت يصيبني سهمي.

٩. وقال آخر (الكامل) :

قد كنت عدّتي التي أسطو بها

ويدي إذا اشتد الزّمان وساعدي.

١٠. وقال غيره (البسيط) :

كفى بجسمي نحولا أنّني رجل

لو لا مخاطبتي إيّاك لم ترني.

١١. وقال المتنبي (لوافر) :

طلبتهم على الأمواه حتّى

تخوّف أن تفتّشه السحاب.

__________________

(١). النضو : الثوب الخلق البالي.

٢٧٥

ثانيا : أضرب الخبر.

تختلف صور الخبر في أساليب اللغة باختلاف أحوال المخاطب الذي يعتريه ثلاث حالات هي :

أ. أن يكون المخاطب خالي الذهن من الخبر ، غير متردّد فيه ، ولا منكر له.

في هذه الحالة يلقى إليه الخبر خاليا من ادوات التوكيد ، لعدم الحاجة إليه. ويسمّى هذا الضرب من الخبر ابتدائيا.

يلجأ إليه حين يكون المخاطب خالي الذهن من مدلول الخبر فيتمكن فيه لمصادفته إيّاه خاليا ، تحقيقا لقول الشاعر (الطويل) :

عرفت هواها قبل أن أعرف الهوى

فصادف قلبا خاليا فتمكّنا

ومثاله ما ورد في كتاب معاوية لأحد عمّاله : «لا ينبغي لنا ان نسوس النّاس سياسة واحدة ، لا نلين جميعا فيمرح الناس في المعصية ، ولا نشتدّ جميعا فنحمل الناس على المهالك ، ولكن تكون أنت للشدّة والغلظة ، وأكون أنا للرأفة والرحمة».

والخبر في هذه الجمل خال من التوكيد لأن المخاطب خالي الذهن من مضمون الخبر ولذلك لم ير المتكلم حاجة الى توكيد الحكم له.

ب. أن يكون المخاطب متردّدا في الخبر ، طالبا الوصول الى اليقين في معرفته.

في هذه الحالة يستحسن توكيد الكلام ليتمكّن من نفس المخاطب ، ويطرح الخلاف والتردّد وراء ظهره. ويسمّى هذا الضرب من الخبر طلبيّا ويتضمّن وسيلة توكيد واحدة.

٢٧٦

مثاله قوله تعالى (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) النحل : ٩٠ ، أكّد الخبر بأداة واحدة هي (إنّ).

وكقول أحدهم : إنّه قد نجح المجتهدون.

فالمخاطب يشك بصحة الخبر لذلك ألقي إليه الخبر مؤكّدا ب (إنّ) وب (قد).

ج. أن يكون المخاطب منكرا للخبر ، معتقدا خلافه.

في هذه الحال يجب أن يؤكّد الخبر بمؤكّد أو أكثر على حسب إنكاره قوّة وضعفا. ويسمّى هذا الضرب إنكاريا ويتضمّن اكثر من وسيلة توكيد واحدة.

ومثاله قول أبي العبّاس السفّاح : «لأعملنّ اللّين حتّى لا ينفع إلّا الشدّة ، ولأكرمنّ الخاصّة ما أمنتهم على العامّة ، ولأغمدنّ سيفي حتّى يسلّه الحق ، ولأعطينّ حتّى لا أرى للعطيّة موضعا».

فالمخاطبون منكرون للحكم ، رافضون القبول به ، لذلك لجأ أبو العبّاس الى استخدام وسائل التقوية والتوكيد ليدفع الشك عن نفوس المخاطبين ، ويدعوهم الى التسليم. لقد لجأ الى لام القسم ونون التوكيد الثقيلة والنّفي بعده حصر ب (إلّا).

ومثاله أيضا قولنا : إن أخاك لقادم. فالتأكيد ب (إنّ واللام) ، وإذا شعرنا أن إنكاره أقوى يمكن التأكيد بثلاث أدوات فنقول :

والله إنّه لقادم (القسم+ إنّ+ اللام).

وكما يكون التأكيد في الإثبات ، يكون في النفي أيضا ، نحو :

ما الكريم بنادم على بذله

والله ما المستشير بنادم.

٢٧٧

* لتوكيد الخبر ألفاظ عديدة أهمّها :

إنّ ، أنّ ، لام الابتداء ، أحرف التنبيه والقسم ، ونونا التوكيد ، والحروف الزائدة (تفعّل واستفعل) والتكرار ، قد ، أمّا الشرطية ، إنّما ، اسمية الجملة ، ضمير الفصل ...

لتوكيد الخبر ألفاظ عديدة هي :

أ. الحروف : إنّ ، أنّ ، قد ، لام التوكيد ، إنّما ، أمّا ، ف. بعض حرف الجر في استعمالات خاصة (من ، ب) الخ.

ب. أفعال ترد في تركيب الإنشاء ولكنها تؤكد مضمونا خبريا : أكّد ، أقسم ، حلف ...

ج. تراكيب إنشائية من قبيل القسم مثل : والله ، لعمري ...

تمارين :

١. بيّن اضرب الخبر في ما يأتي ، وعيّن أداة التوكيد.

جاء في نهج البلاغة : «الدّهر يخلق الأبدان ، ويجدّد الآمال ، ويقرّب المنيّة ، ويباعد الأمنيّة ، من ظفر به نصب ، ومن فاته تعب».

قال يزيد بن معاوية بعد وفاة أبيه : «إنّ أمير المؤمنين كان حبلا من حبال الله مدّه ما شاء أن يمدّه ، ثم قطعه حين أراد أن يقطعه ، وكان دون من قبله ، وخيرا ممّن يأتي بعده ، ولا أزكّيه عند ربّه وقد صار إليه ، فإن يعف عنه فبرحمته ، وإن يعاقبه فبذنبه ، وقد وليت بعده الأمر ولست أعتذر من جهل ، ولا آسى على طلب علم ، وعلى رسلكم ، إذا كره الله شيئا غيّره ، وإذا أحبّ شيئا يسّره».

٢٧٨

وقال أحدهم مخاطبا صديقه : لقد أدّبت بنيك باللين والرفق ، لا بالقسوة والعقاب.

٢. بيّن الجمل الخبرية في ما يأتي ، وعيّن أضربها ، واذكر ما اشتملت عليه من وسائل التوكيد.

١. إنّ الحياة لثوب سوف نخلعه

وكلّ ثوب إذا ما رثّ ينخلع

٢. وعاد في طلب المتروك تاركه

إنّا لنغفل والأيّام في الطّلب

٣. أما دون مصر للغنى متطلّب؟

 ـ بلى ـ إنّ اسباب الغنى لكثير

٤. فيوم لنا ويوم علينا

ويوم نساء ويوم نسرّ

٥. لئن كنت محتاجا الى الحلم إنّني

الى الجهل في بعض الأحايين أحوج

٦. وما كنت أرضى الجهل خدنا وصاحبا

ولكنّني أرضى به حين أحرج

٧. ولي فرس للحلم بالحلم ملجم

ولي فرس للجهل بالجهل مسرج

٨. فمن شاء تقويمي فإنّي مقوّم

ومن شاء تعويجي فإنّي معوجّ

٩. ولست بمبد للرجال سريرتي

ولا أنا عن أسرارهم بسؤول

١٠. على قدر أهل العزم تأتي العزائم

وتأتي على قدر الكرام المكارم

١١. لأنت جمال الحياة بعيني

وفاتنتي قبل كلّ الغواني

١٢. وبيننا لو رعيتم ذاك معرفة

إن المعارف في أهل النهى ذمم

١٣. وإني لحلو تعتريني مرارة

وإنّي لترّاك لما لم أعوّد

٢٧٩

ثالثا : خروج الخبر عن مقتضى الظاهر.

عرفنا سابقا أن الخبر إذا ألقي خاليا من التوكيد لخالي الذهن ، ومؤكّدا استحسانا للسائل المتردّد ، ومؤكدا وجوبا للمنكر ، كان ذلك الخبر جاريا على مقتضى الظاهر.

لكنّ الخبر قد يجري على خلاف ما يقتضيه الظاهر لاعتبارات يلحظها المتكلم. من ذلك :

أ. أنّ ينزّل خالي الذهن منزلة السائل المتردّد إذا تقدّم في الكلام ما يشير الى حكم الخبر.

ومثاله قوله تعالى : (.. وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) هود : ٣٧.

تخاطب الآية نوحا عليه‌السلام ، ونوح خالي الذهن من الحكم الخاص بالظالمين ، وكان مقتضى الظاهر أن يلقى إليه الخبر غير مؤكد. والآية جاءت بالتوكيد ، وذلك لأن الله تعالى عندما نهى نوحا عن مخاطبته في شأن مخالفيه دفعه ذلك الى التطلع إلى ما سيصيبهم ، فنزل لذلك منزلة السائل المتردّد ، فأجيب بقوله : إنّهم مغرقون.

ب. أن يجعل غير المنكر كالمنكر لظهور أمارات الإنكار عليه.

ومثاله قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ) المؤمنون : ١٥. المخاطبون في هذه الآية لا ينكرون الحكم الذي تضمنّته ، ولكن ظهور أمارات الإنكار عليهم نزّلهم منزلة المنكرين ، فألقي إليهم الخبر مؤكدا بمؤكدين.

ومثاله قول حجل بن فضلة القيسي (الخفيف).

جاء شقيق عارضا رمحه

إنّ بني عمّك فيهم رماح

٢٨٠