علوم البلاغة ( البديع والبيان والمعاني )

الدكتور محمّد أحمد قاسم والدكتور محيي الدين ديب

علوم البلاغة ( البديع والبيان والمعاني )

المؤلف:

الدكتور محمّد أحمد قاسم والدكتور محيي الدين ديب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الحديثة للكتاب
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٤

ردّ الأعجاز على الصدور

١ ـ تعريفه :

أ ـ في النثر :

عرّفه الخطيب القزويني بقوله (١) : «هو أن يجعل أحد اللفظين المكررين ، أو المتجانسين ، أو الملحقين بهما ، في أوّل الفقرة ، والآخر في آخرها».

ومثاله قوله تعالى (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) الأحزاب : ٣٧.

وكقولهم : الحيلة ترك الحيلة.

وكقولهم : سائل اللئيم يرجع ودمعه سائل.

ب ـ في الشعر :

قال الخطيب القزويني «هو أن يكون أحد اللفظين في آخر البيت ، والآخر في صدر المصراع الأول ، أو حشوه ، أو آخره ، أو صدر الثاني.

فالأول كقوله :

سريع إلى ابن العمّ يلطم وجهه

وليس إلى داعي النّدى بسريع

والثاني كقول الشاعر :

تمتّع من شميم عرار نجد

فما بعد العشيّة من عرار

__________________

(١). الإيضاح في علوم البلاغة ، الخطيب القزويني ، ص ٥٤٣.

١٢١

والثالث كقول الشاعر :

ومن كان بالبيض الكواعب مغرما

فما زلت بالبيض القواضب مغرما

والرابع كقوله :

وإن لم يكن إلّا معرّج ساعة

قليلا فإنّي نافع لي قليلها

والخامس كقوله :

دعاني من ملامكما سفاها

فداعي الشوق قبلكما دعاني

وقد ذكرت تفصيلات أخرى في كتب البلاغة لا تبعد كثيرا عن هذه الأمثلة التي ذكرنا.

١٢٢

لزوم ما لا يلزم

١ ـ تعريفه :

عرّفه الخطيب القزويني بقوله (١) : «هو : أن يجيئ قبل حرف الرّوي وما في معناه من الفاصلة ما ليس بلازم في مذهب السجع» وأعطى مثالا عليه قوله تعالى : (.. فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ* وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) الأعراف : ٢٠١ ـ ٢٠٢.

٢ ـ أنواعه :

١ ـ التزام الحرف والحركة ، كقوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ* وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) الضحى : ٩ ـ ١٠.

فقد التزمت الآيتان الهاء المفتوحة والراء الساكنة ، وكان يكفي للسجع الوقوف على الراء الساكنة.

٢ ـ التزام حركتين وحرفين ، كقوله تعالى (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ* وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) القلم : ٢ ـ ٣.

وقد تمّ الوقف في الآيتين على المقطع (نون).

ومنه قول الشاعر (البسيط) :

سلّم على قطن إن كنت نازله

سلام من كان يهوى مرّة قطنا

أحبّه والذي أرسى قواعده

حبّا إذا ظهرت آياته بطنا

ما من غريب وإن أبدى تجلّده

إلّا تذكّر عند الغربة الوطنا

__________________

(١). الإيضاح في علوم البلاغة ، الخطيب القزويني ، ص ٥٥٣.

١٢٣

فالأبيات الثلاثة انتهت بحرفي رويّ هما الطاء المفتوحة والنون المفتوحة بعدها ألف إطلاق وكانت النون وحدها كافية لاستقامة الوزن والقافية ، لكن الشاعر التزم ما لا يلزم.

٣ ـ التزام أكثر من حرفين وحركتين ، كقوله تعالى : (فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ* وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) الأعراف : ٢٠١ ـ ٢٠٢.

فانتهت الآيتان بالمقطع الصوتي (صرون) وفيهما التزام ما لا يلزم. ومنه قول الشاعر (الطويل) :

سأشكر عمرا إن تراخت منيّتي

أيادي لم تمنن وإن هي جلّت

فتى غير محجوب الغنى عن صديقه

ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلّت

رأى خلّتي من حيث يخفى مكانها

فكانت قذى عينيه حتّى تجلّت

وقد التزم الشاعر بالمقطع (لّت) في الأبيات جميعا ، والمفروض أن يتم ذلك في بيتين أو أكثر أو في فاصلتين أو أكثر.

٤ ـ وقد يكون الالتزام في الحرف وحده ، كقوله تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) القمر : ١ ـ ٢.

فالراء في الآيتين مضمومة تارة ومشدّدة تارة أخرى.

٥ ـ وقد يكون الالتزام في الحركة وحدها ، كقول الشاعر (الطويل) :

لما تؤذن الدّنيا به من صروفها

يكون بكاء الطفل ساعة يولد

وإلّا فما يبكيه منها وإنّها

لأوسع ممّا كان فيه وأرغد

١٢٤

فالتزم الشاعر في البيتين الفتحة قبل الرويّ.

* : اشتهر في هذا الضرب من البديع الشاعر العملاق أبو العلاء المعرّي فكان له ديوان بكامله التزم فيه ما لا يلزم وهو «اللزوميات».

* * : ولزوم ما لا يلزم ضرب من السجع كما رأيت وإن وقع في الشعر ، ولا يخفى ما فيه من تكلّف سوى ما جاء في القرآن الكريم. وقد لجأ إليه الشعراء تدليلا على قوّة شاعريّتهم ، وتمكّنهم من اللّغة والعروض.

تمارين :

١ ـ بيّن رد العجز على الصدر ، واشرحه في ما يأتي :

١ ـ (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) نوح : ١٠.

٢ ـ (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) الشعراء : ١٦٨.

٣ ـ (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) آل عمران : ٨.

٤ ـ إذا لم تستطع شيئا فدعه

وجاوزه إلى ما تستطيع

٥ ـ زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا

أبشر بطول سلامة يا مربع

٦ ـ ذوائب سود كالعناقيد أرسلت

فمن أجلها منّا النفوس ذوائب

٧ ـ مشيناها خطى كتبت علينا

ومن كتبت عليه خطى مشاها

٨ ـ فأجبتها إنّ المنيّة منهل

لا بدّ أن أسقى بكأس المنهل

٢ ـ بيّن لزوم ما لا يلزم واشرحه في ما يأتي :

١ ـ (وَالطُّورِ* وَكِتابٍ مَسْطُورٍ* فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ* وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ* وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ* وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) الطور : ١ ـ ٦.

١٢٥

٢ ـ (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ* وَخَسَفَ الْقَمَرُ* وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ* يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ* كَلَّا لا وَزَرَ* إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ* يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّر) القيامة : ٧ ـ ١٣.

٣ ـ يقولون في البستان للعين لذّة

وفي الخمر والماء الذي غير آسن

إذا شئت أن تلقى المحاسن كلّها

ففي وجه من تهوى جميع المحاسن

٤ ـ أصالة الرأي صانتني عن الخطل

وحلية الفضل زانتني لدى العطل

٥ ـ لم يقدر الله تهذيبا لعالمنا

فلا ترومنّ للأقوام تهذيبا

ولا تصدّق بما البرهان يبطله

فتستفيد من التصديق تكذيبا

٦ ـ إذا رضيت نفسي بميسور بلغة

يحصّلها بالكدّ كفّي وساعدي

أمنت تصاريف الحوادث كلّها

فكن يا زمان موعدي أو مواعدي

١٢٦

الاقتباس

تعريف الاقتباس :

١ ـ الاقتباس لغة :

جاء في اللسان (قبس) «وفي التهذيب : القبس : شعلة من نار تقتبسها من معظم ، واقتباسها الأخذ منها ...

واقتبست منه علما أيضا ، أي استفدته ... وأتانا فلان يقتبس العلم فأقبسناه ، أي علّمناه» ظاهر إذا معنى الأخذ في الاقتباس. والقابس كما تمحور في الاستعمال هو الآخذ نارا أو علما. والعلم نور والنار من معاني النور المجازية فالشعر القديم والحديث جعل للمعرفة نارا.

٢ ـ الاقتباس اصطلاحا :

جاء في معجم المصطلحات (١) «الاقتباس : إدخال المؤلّف كلاما منسوبا للغير في نصّه ، ويكون ذلك إمّا للتحلية أو للاستدلال ، على أنّه يجب الإشارة إلى مصدر الاقتباس بهامش المتن وإبرازه بوضعه بين علامات تنصيص («») أو بأية وسيلة أخرى ... والاقتباس في البديع العربي ، أن يتضمّن الكلام نثرا أو شعرا شيئا من القرآن الكريم ، أو الحديث الشّريف ، لا على أن المقتبس جزء منهما ، ويجوز أن يغيّر المقتبس في الآية أو الحديث قليلا» واضح معنى الأخذ في مصطلح الاقتباس البديعي. وقد عرّفه البلاغيّون قديما بأنّه (٢) «هو أن يضمّن الكلام شيئا من القرآن أو الحديث ، لا على أنّه منه».

__________________

(١). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب ، وهبة ـ المهندس ، ص ٣٤.

(٢). الإيضاح في علوم البلاغة ، الخطيب القزويني ، ص ٥٧٥.

١٢٧

وهكذا فإن الاقتباس عند البلاغيين محصور بالقرآن الكريم ، والحديث الشريف.

٣ ـ الاقتباس من القرآن الكريم :

قال الحريري (١) : «فلم يكن إلّا كلمح البصر أو هو أقرب ، حتّى أنشد فأغرب» فالحريري اقتبس جزءا من سورة النحل (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) النحل : ٧٧.

وكقول الحريري أيضا : «أنا أنبّئكم بتأويله وأميز صحيح القول من عليله» فقد اقتبس الحريري جزءا من الآية ٤٥ من سورة يوسف التي جاء فيها (وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ.)

وقال القاضي الفاضل وقد ذكر الإفرنج «وغضبوا زادهم الله غضبا ، وأوقدوا نارا للحرب جعلهم الله لها حطبا» فاقتبس جزءا من الآية ٦٤ من سورة المائدة (.. وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ)

ومن أمثلة اقتباس الشعراء من القرآن الكريم. من ذلك قول الأحوص (الطويل) :

إذا رمت عنها سلوة قال شافع

من الحبّ : ميعاد السّلوّ المقابر

ستبقى لها في مضمر القلب والحشا

سريرة ودّ يوم تبلى السرائر

لقد اقتبس الأحوص الآية ٩ من سورة الطارق التي تقول : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ.)

__________________

(١). م. ن. ص ٥٧٥.

١٢٨

وقال آخر (الرّمل) :

لا تعاشر معشرا ضلّوا الهدى

فسواء أقبلوا أو أدبروا

بدت البغضاء من أفواههم

والذي يخفون منها أكبر

فالشاعر اقتبس في البيت الثاني جزءا من الآية ١١٨ من سورة آل عمران التي جاء فيها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ،) واضح أنّ الشاعر غيّر شيئا في الآية ليناسب الكلام الوزن. وهذا التغيير اليسير في الشعر خاصة مسموح به عند البلاغيين.

أمّا الاقتباس من الحديث الشريف فكقول الحريري «وكتمان الفقر زهادة ، وانتظار الفرج بالصبر عبادة» فقد اقتبس من لفظ الحديث «انتظار الفرج بالصبر عبادة».

واقتبس الشعراء أيضا من الحديث الشّريف كما في قول ابن عبّاد (م الرمّل) :

قال لي إنّ رقيبي

سيّء الخلق فداره

قلت دعني وجهك الجن

نة حفّت بالمكاره

فلقد اقتبس الشاعر في البيت الثاني جزءا من الحديث الشريف وقد جاء فيه «حفّت الجنّة بالمكاره ، وحفّت النّار بالشهوات» وقد أدخل تعديلا طفيفا في الحديث ليتناسب مع قواعد العروض. وهذا مقبول عند البلاغيين أيضا.

٤ ـ أنواع الاقتباس :

والاقتباس أنواع منها :

أ ـ اقتباس لا ينقل فيه المقتبس عن معناه الأصلي إلى معنى آخر.

وما تقدّم من أمثلة ينطبق عليه.

١٢٩

ب ـ اقتباس ينقل فيه المقتبس عن معناه الأصلي. ومنه قول ابن الرومي (الهزج) :

لئن أخطأت في مدح

ك ما أخطأت في منعي

لقد أنزلت حاجاتي

بواد غير ذي زرع

اقتبس ابن الرومي جزءا من الآية ٣٧ من سورة ابراهيم التي جاء فيها (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) فابن الرومي نقل معنى (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) والمقصود بها مكّة في القرآن الكريم إلى ممدوح لا يرجى نفعه ، ولا خير يرجى منه. ولكنّ الشاعر أراد تصوير معاناته من الحرمان لا يرجى نفعه ، ولا خير يرجى منه. ولكنّ الشاعر أراد تصوير معاناته من الحرمان والصبّر عليه وما امتحن الله تعالى به أنبياءه ليخبر صبرهم فكان ابن الرومي يتوسّل قصّة ابراهيم الخليل بأبعادها الدينية يشبّه بها قصّته مع ممدوح بخيل هو أشبه ما يكون بواد غير ذي زرع يعطي ساكنيه القدرة على الإقامة. والمعادلة في التشبيه قائمة على وحدة النتيجة وقوامها ما يأتي :

أسكنت ذريّتي بواد غير ذي زرع ـ أنزلت حاجاتي بواد غير ذي زرع ، والمراقب إذا أنعم النّظر في المعادلة يجد التغيير في الاقتباس واضحا.

وقد تكلّم البلاغيون على ثلاثة أقسام من الاقتباس ، هي :

١ ـ اقتباس مقبول ، وهذا الضرب كثير في الخطب والمواعظ كما جاء في خطبة أحدهم مخاطبا جماهير مستقبليه وهو العائد ممّا يشبه المنفى «دعوني ـ قبل كل شيء ـ أقبّل يد من جعل الله الجنة تحت قدميها» يريد تقبيل يد أمّه قبل كل شيء في إشارة إلى الحديث

١٣٠

الشريف «الزم رجلها فثمّ الجنّة» وفي رواية «الجنّة تحت أقدام الأمّهات».

٢ ـ اقتباس مباح ، ويكون في الغزل والرسائل والقصص. مثال ذلك قول أحدهم (السريع) :

إن كنت أزمعت على هجرنا

من غير ما جرم فصبر جميل

وإن تبدّلت بنا غيرنا

فحسبنا الله ونعم الوكيل

فالشاعر اقتبس في البيت الأوّل جزءا من الآية ١٨ من سورة يوسف التي جاء فيها (.. قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) واقتبس من الآية ١٧٣ من سورة آل عمران في البيت الثاني وفيها ([فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).

٣ ـ اقتباس مردود ، كأن يقتبس هازل من القرآن الكريم والحديث الشريف. من هذا الاقتباس المردود نكتفي بهذا المثال :

(أوحى إلى عشّاقه طرفه)

(هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ)

(وردف ينطق من خلفه)

(لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ)

فقد اقتبس الشاعر عجز البيت الأول من الآية ٣٦ من سورة (المؤمنون) فاقتبس الآية بتمامها كما وردت في القرآن الكريم. وفعل مثل ذلك في البيت الثاني فاقتبس عجزه من الآية ٦١ من سورة الصافات إذ اقتبسها كاملة. وقد ردّ هذا الاقتباس لأنّه من غير الجائز العبث بكلام الله ورسوله ، واستعماله في مقام الهزل والدعابة والمجون.

١٣١

تمرينات :

١ ـ دلّ على الاقتباس وردّه إلى مصدره مبيّنا الضرب الذي ينتمي إليه :

 ـ وثغر تنضّد من لؤلؤ

بألباب أهل الهوى يلعب

إذا ما ادلهمّت خطوب الهوى

يكاد سنا برقه يذهب

 ـ لا تعاشر معشرا ضلّوا الهدى

فسواء أقبلوا أو أدبروا

بدت البغضاء من أفواههم

والذي يخفون منها أكبر

 ـ سبقت العالمين إلى المعالي

بصائب فكرة وعلوّ همّة

ولاح بحكمتي نور الهدى في

ليال للضّلالة مدلهمّة

يريد الجاهلون ليطفئوه

ويأبي الله إلّا أن يتمّه

٢ ـ دلّ على الاقتباس مبيّنا أنواعه واشرح ما جاء فيه من تغيير :

قال القروي (ديوانه ص ٢٠١) :

١ ـ يا «نكسن» اقتربت السّا

عة وانشقّ القمر

٢ ـ أعرضت عن آياتنا

وقلت سحر مستمرّ

٣ ـ واتّبعوا أهواءهم

وكلّ أمر مستقرّ

٤ ـ كم جاءهم من نبأ

بالحقّ فيه مزدجر

٥ ـ وحكمة بالغة

فصحى فما تعني النّذر

٦ ـ تولّ عنهم يوم يدعون ـ

إلى شيء نكر

٧ ـ يوم خروجهم من الأ

جداث خشّع البصر

٨ ـ كأنّهم في الأرض أر

جال جراد منتشر

٩ ـ يوم يقول الكافرو

ن إنّ ذا يوم عسر

١٠ ـ وقوم نوح اتّهمو

ه بالجنون وازدجر

١١ ـ فقام يدعو ربّه

إنّي غلبت فانتصر

١٣٢

التضمين والإيداع

١ ـ تعريفه :

١ ـ التضمين لغة :

جاء في اللسان (ضمن) : «ضمّن الشيء الشيء : أودعه إيّاه ... ومنه مضمون الكتاب كذا وكذا ... والمضمّن من الشعر : ما ضمّنته بيتا ، وقيل : ما لم تتمّ معاني قوافيه إلّا بالبيت الذي يليه».

واضح أن التضمين في الشعر يعني الاقتباس ، أي أن الشاعر يضمّن قصيدته بيتا أو أبياتا ليست له ، يدرجه أو يدرجها في سياق القصيدة.

وهو غير التّضمين الذي عدّ عيبا من عيوب القافية لأنّه يقضي على استقلالية البيت ، إذ ينتهي البيت ولا ينتهي المعنى كقول الشاعر :

وليس المال فاعلمه بمال

من الأقوام إلّا للّذيّ

يريد به العلاء ويمتهنه

لأقرب أقربيه وللقصيّ

فضمّن بالموصول والصّلة على شدّة اتصال كلّ واحد منهما بصاحبه. وهذه الظاهرة وقعت بكثرة في شعر النابغة الذبياني.

٢ ـ التضمين اصطلاحا :

جاء في معجم المصطلحات (١) «والتضمين في البديع العربي ، أن يضمّن الشاعر شعره بيتا من شعر الغير مع التصريح بذلك إن لم يكن البيت المقتبس معروفا للبلغاء».

__________________

(١). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب ، وهبة ـ المهندس ، ص ٦٢.

١٣٣

فالتضمين إذا أن يودع الشاعر قصيدته بيتا أو أكثر أو شطرا ليس له ، والبيت المستعار أو الجزء المستعار مقتبس كما جاء في المعجم ، ولهذا بات من السهل ملاحظة العلاقة الوطيدة والتشابه الواضح بين الاقتباس والتضمين.

والتّضمين عند البلاغيين (١) «أن يضمّن الشعر شيئا من شعر الغير مع التنبيه عليه إن لم يكن مشهورا عند البلغاء» واضح من هذا التعريف أن الاقتباس إيراد شيء من القرآن والحديث ، وأن التّضمين إيراد شيء من الشعر ، وكلاهما قائم على استعارة معنى من الآخرين وضمّه إلى قصيدة يندرج ضمن سياقها.

ومن أمثلته :

١ ـ تضمين بيت بلا تنبيه عليه لشهرته كما في قول الصاحب ابن عبّاد (البسيط):

وصاحب كنت مغبوطا بصحبته

دهرا ، فغادرني فردا بلا سكن

هبّت له ريح إقبال ، فطار بها

نحو السرور ، وألجاني إلى الحزن

كأنّه كان مطويّا على إحن

ولم يكن في ضروب الشعر أنشدني

«إنّ الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا

من كان يألفهم في المنزل الخشن»

فالصاحب قد ضمّن قصيدته بيتا ليس له ولم ينبّه عليه ولو وضع ضمن علامة التّنصيص «» وهذا البيت من قصيدة مشهورة لأبي تمام.

٢ ـ تضمين أقلّ من بيت ، كقول الحريري (الوافر) :

على أنّي سأنشد عند بيعي

«أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا»

__________________

(١). الإيضاح في علوم البلاغة ، الخطيب القزويني ، ص ٥٨٠.

١٣٤

فالحريري ضمّن القصيدة صدر بيت من قصيدة قيل هي للعرجي وقيل لأميّة بن أبي الصّلت ، وتمام البيت هناك :

أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا

ليوم كريهة وسداد ثغر

٣ ـ أحسن وجوه التضمين (١) «أن يزيد المضمّن في الفرع عليه في الأصل بنكتة ، كالتورية والتشبيه كما في قول صاحب التحبير (ابن أبي الإصبع المصري)

إذا الوهم أبدى لي لماها وثغرها

«تذكّرت ما بين العذيب وبارق»

ويذكرني من قدّها ومدامعي

«فجرّ عوالينا ومجرى السّوابق»

فعجزا البيتين للمتنبّي ، والمتنبي قصد بهما أنهم كانوا نزولا بين العذيب وبارق يجرون الرّماح وهم يطاردون الفرسان. أمّا صاحب التحبير فأراد بالعذيب تصغير العذب يريد به شفة الحبيبة وأراد ببارق ثغرها الضاحك شبيه البرق. وهذه تورية بديعة نادرة في بابها (٢) ، وشبّه تبختر قدّها بتمايل الرماح ، وتتابع دموعه بجريان الخيل السوابق.

٤ ـ تضمين لا يخلو من تعديل طفيف في المقتبس ، مثاله :

أقول لمعشر غلطوا وغضّوا

عن الشيخ الرشيد وأنكروه

هو ابن جلا وطلّاع الثنايا

متى يضع العمامة تعرفوه

لقد ضمّن الشاعر قصيدته البيت الثاني مستعارا من قصيدة لسحيم بن وثيل الريّاحي محدثا فيه تعديلا طفيفا لأنّه في الأصل :

أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا

متى أضع العمامة تعرفوني

وهذا التعديل الطفيف غير مضرّ في نظر البلاغيين.

__________________

(١). الإيضاح في علوم البلاغة ، الخطيب القزويني ، ص ٥٨٢ ـ ٥٨٣.

(٢). راجع : التورية وضروبها ، وقد تقدّم الكلام عليها.

١٣٥

أنواع التّضمين :

جاء في الإيضاح (١) «وربّما سمّي تضمين البيت فما زاد استعانة وتضمين المصراع فما دونه تارة إيداعا وتارة رفوا».

وقد تقدّم الكلام على كلّ نوع من هذه الأنواع.

تمرينات :

١ ـ بيّن أنواع التّضمين فيما يأتي :

 ـ قد قلت لمّا أطلعت وجناته

حول الشّقيق الغضّ روضة آس

أعذاره السّاري العجول ترفّقا

«ما في وقوفك ساعة من باس»

 ـ طول حياة ما لها طائل

نغّص عندي كلّ ما يشتهى

أصبحت مثل الطّفل في ضعفه

تشابه المبتدا والمنتهى

فلم تلم سمعي إذا خانني

«إنّ الثمانين وبلّغتها»

__________________

(١). الإيضاح في علوم البلاغة ، الخطيب القزويني ، ص ٥٨٤.

١٣٦

ثانيا : علم البيان :

ـ تعريفه : لغة واصطلاحا.

ـ الدلالة.

ـ التشبيه : أنواعه وأغراضه وقيمته الجمالية.

ـ الحقيقة والمجاز وأنواعهما.

ـ المجاز العقلي وعلاقاته.

ـ المجاز المرسل وعلاقاته.

ـ الاستعارة وأنواعها.

ـ الكناية وأقسامها وأنواعها.

ـ الصورة الشعرية : مقوّماتها ومكوّناتها بين النقد والبلاغة.

١٣٧

علم البيان

١ ـ تعريفه :

أ ـ لغة :

جاء في اللسان (بين) : «البيان : ما بيّن به الشيء من الدلالة وغيرها. وبان الشيء بيانا : اتّضح ، فهو بيّن ... والبيان : الفصاحة واللّسن ، وكلام بيّن فصيح ، والبيان : الإفصاح مع ذكاء ، والبيّن من الرّجال السّمح اللّسان الفصيح الظريف العالي الكلام القليل الرّتج»

فالبيان بداءة : الإفصاح والوضوح والقدرة على التّصرّف في الكلام وتصريفه في وجوه شتّى ، ولهذا أضيف إلى الإفصاح شرط الذّكاء والذائقة الفنّية لاكتشاف المعنى أو لتحليل الصورة. فالبيان إذا لا يكتفي بإظهار المعنى المباشر ، بل يطلب من المتذوّق أن يكتشف بذكائه معنى المعنى.

من هنا كان للتخييل دور أساسي في صنع الصورة البيانيّة التي تخاطب بدورها ذكاء المتلقّي وثقافته وذائقته الفنّية. والبيان من الكلام العالي أي أنّه لا يبحث عن الفصيح فحسب ، بل هو يتوخّى الأفصح والأعلى ؛ ففيه التفنّن في إلباس الصورة الشعرية لباس الغموض الفنّي ببعدها عن المباشرة ، ومطالبتها المتلقّي بتحليل عناصرها تمهيدا لاكتشاف كنهها وجوهرها.

جاء في القرآن الكريم (الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ) الرحمن : ١ ـ ٤ ومعنى البيان هنا أيضا : الفصاحة والوضوح واللّسن.

١٣٨

ب ـ اصطلاحا :

جاء في كتاب التعريفات (١) «البيان عبارة عن إظهار المتكلّم المراد للسامع» فالجرجاني اكتفى بجانب الوضوح وأهمل جانب الذكاء والقصد إلى الأعلى من طرائق التعبير عن المعاني. أما المحدثون فقد تنبّهوا إلى هذه الطرائق في التعبير عن المعنى مركّزين على جانب التخييل والتصوير ، فجاء في معجم المصطلحات العربية (٢) : «هو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة» وكأنه يريد القول : إيراد المعنى مرّة بطريق التشبيه ، وإيراده ثانية من طريق المجاز ، وثالثة من طريق الكناية ، وهكذا.

إنّه باختصار : علم يعرف به إيراد المعنى الواحد في صور مختلفة ، متفاوتة في وضوح الدلالة. وكان محقا القائل (٣) : «إن البيان العربي هو علم دراسة صورة المعنى الشعري. أما البديع والعروض والقافية فهي علوم تهتمّ أساسا بالصورة الصوتيّة في التعبير الشعري».

ج ـ البيان كما فهمه النّقاد والبلاغيّون :

عقد الجاحظ (ت ٢٥٥ ه‍) بابا من أبواب كتابه البيان والتبيين بعنوان : باب البيان ، حاول أن يوضّح فيه معنى البيان ودلالته فقال (٤) : «والدلالة الظاهرة على المعنى الخفيّ هو البيان الذي سمعت الله عزوجل يمدحه ، ويدعو إليه ، ويحثّ عليه. بذلك نطق القرآن ، وبذلك تفاخرت العرب ، وتفاضلت أصناف العجم».

__________________

(١). كتاب التعريفات ، الجرجاني ، ص ٤٨.

(٢). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب ، وهبة ـ المهندس ، ص ٤٦.

(٣). الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنّقدي ، الولي محمّد ، ص ٥١.

(٤). البيان والتبيين ، الجاحظ ١ / ٧٥.

١٣٩

ركّز الجاحظ على وظيفة البيان فحصرها في التعبير الواضح عن المعنى الخفيّ. فكيف يوفّق الشاعر أو المبدع إلى حلّ هذه الإشكالية؟ يوضّح الجاحظ هذا الرأي ، أو هو يحاول توضيحه بقوله (١) : «والبيان : اسم جامع لكلّ شيء كشف لك قناع المعنى ، وهتك الحجاب دون الضّمير ، حتّى يفضي السامع إلى حقيقته ، ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان ، ومن أيّ جنس كان الدليل ؛ لأنّ مدار الأمر والغاية التي إليها يجري القائل والسامع ، إنّما هو الفهم والإفهام ، فبأيّ شيء بلغت الإفهام وأوضحت عن المعنى ، فذلك هو البيان في ذلك الموضع».

فالمعنى في نظر الجاحظ مقنّع ومضمر وعلى المبدع أن يكشف هذا القناع ، ويظهر هذا المضمر المستكنّ في النفوس لأنّ غاية الأمر الفهم والإفهام بأية طريقة وبأي وسيلة. هذا الكلام على الوضوح والإظهار والإبانة أهمل العناية بالجانب الفنّي ، أي الطريقة الواجب اعتمادها للكشف عن المعاني المضمرة. ففنّية التعبير هي الجانب الذي يعنى به البيان لا الكلام كيفما اتّفق.

وبقي فهم الجاحظ للبيان سائدا إلى أن ظهر كتاب السّكاكي (ت ٦٢٦ ه‍) (مفتاح العلوم) الذي غدا فيه البيان علما مستقلا من علوم البلاغة الثلاثة. وقد عرّفه السكّاكي بقوله (٢) : «هو معرفة إيراد المعنى الواحد في طرق مختلفة بالزيادة في وضوح الدلالة عليه وبالنقصان ليحترز بالوقوف على ذلك عن الخطأ في مطابقة الكلام لتمام المراد منه» وموضوعات البيان عند السكّاكي وتلاميذه هي : التشبيه والمجاز والكناية.

__________________

(١). مفتاح العلوم ، السكّاكي ، ص ١٦٢.

(٢). مفتاح العلوم ، السكّاكي ، ص ١٦٢.

١٤٠