علوم البلاغة ( البديع والبيان والمعاني )

الدكتور محمّد أحمد قاسم والدكتور محيي الدين ديب

علوم البلاغة ( البديع والبيان والمعاني )

المؤلف:

الدكتور محمّد أحمد قاسم والدكتور محيي الدين ديب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الحديثة للكتاب
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٤

نطاقا شبيها بالخدم المحيطين بالممدوح متحفّزين لتلبية طلبه وهم رهن إشارته. فالتعليل مبنيّ على قوّة تخييل.

تمرينات :

١ ـ إشرح الأبيات الآتية ، مبيّنا حسن التعليل فيها وأقسامه :

 ـ ما زلزلت مصر من كيد يراد بها

وإنّما رقصت من عدله طربا

 ـ أرى بدر السماء يلوح حينا

ويبدو ثم يلتحف السحابا

وذاك لأنّه لمّا تبدّى

وأبصر وجهك استحيا وغابا

 ـ استشعر الكتّاب فقدك سالفا

وقضت بصحّة ذلك الأيام

فلذاك سوّدت الدّويّ كآبة

أسفا عليك وشقّت الأقلام

 ـ سبقت إليك من الحدائق وردة

وأتتك قبل أوانها تطفيلا

طمعت بلثمك إذ رأتك فجمّعت

فمها إليك كطالب تقبيلا

 ـ عيون تبر كأنّها سرقت

سواد أحداقها من الغسق

فإن دجا ليلها بظلمته

تضمّها خيفة من السّرق

 ـ عداتي لهم فضل عليّ ومنّة

فلا أذهب الرحمن عنّي الأعاديا

همو بحثوا عن زلّتي فاجتنبتها

وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا

 ـ لو لم يكن أقحوانا ثغر مبسمها

ما كان يزداد طيبا ساعة السّحر

١٠١

الإرصاد

١ ـ أسماؤه :

أطلق عليه البلاغيّون أسماء عدّة أشهرها :

١ ـ التوشيح : ذكره أبو هلال العسكري واعترض على التسمية بقوله (١) : «وهذه التسمية غير لائقة بهذا المعنى».

٢ ـ التبيين : اسم اقترحه العسكري لأنه أقرب إلى المعنى.

٣ ـ التسهيم : ذكره الخطيب التبريزي في (التلخيص (٢)) (والإيضاح (٣)).

٤ ـ الإرصاد : وهو الأعمّ الأغلب في كتب البلاغة قديما وحديثا.

٢ ـ تعريفه :

أ ـ لغة :

جاء في اللسان (رصد) : «الراصد بالشيء : الراقب له ، والترصّد : الترقّب ، والإرصاد في المكافأة بالخير ... والرّصد : القوم يرصدون كالحرس».

ب ـ اصطلاحا :

عرّفه العسكري بقوله : «هو أن يكون مبدأ الكلام ينبئ عن مقطعه ؛ وأوّله يخبر بآخره ، وصدره يشهد بعجزه ، حتى لو سمعت شعرا ، وعرفت رويّه ، ثم سمعت صدر بيت منه ، وقفت على عجزه قبل بلوغ السماع إليه».

__________________

(١). كتاب الصناعتين ، أبو هلال العسكري ، ص ٣٩٧.

(٢). التلخيص في علوم البلاغة ، الخطيب القزويني ، ص ٣٥٦.

(٣). الإيضاح في علوم البلاغة ، الخطيب القزويني ، ص ٤٩٢.

١٠٢

٣ ـ مظاهره :

كثر وروده في القرآن الكريم ، وهذه بعض أمثلته :

١ ـ قال تعالى : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) يونس : ١٩. فإذا وقفت على قوله تعالى : (فِيما فِيهِ) عرف السامع أن بعده «يختلفون» لما تقدم من الدلالة عليه.

٢ ـ وقال تعالى : (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) يونس : ٢١.

فإذا وقف القارئ على (يَكْتُبُونَ) عرف السامع أن بعده (ما تَمْكُرُونَ) لما تقدّم من ذكر المكر.

وممّا جاء منه في الشعر قول الراعي النميري (الوافر) :

وإن وزن الحصى فوزنت قومي

وجدت حصى ضريبتهم رزينا

فإذا سمع الإنسان أوّل هذا البيت ، وقد تقدّمت عنده قافية القصيدة ، استخرج لفظ قافيته كما يقول العسكري ؛ وذلك لأنّه عرف أنّ قوله «وزن الحصى» سيأتي بعده «رزين» لعلّتين هما :

١ ـ إن قافية القصيدة توحيه.

٢ ـ إن نظام البيت يقتضيه ، لأنّ الذي يفاخر برجاحة الحصى ينبغي أن يصفه بالرّزانة.

ومن عجيب هذا الباب قول البحتري (الطويل) :

فليس الذي حلّلته بمحلّل

وليس الذي حرّمته بحرام.

وذلك أن من سمع صدر البيت عرف عجزه بكامله. ومنه أيضا (الطويل) :

فأمّا الذي يحصيهم فمكثّر

وأمّا الذي يطريهم فمقلّل

فصدر البيت يجعلنا قادرين على رصد عجزه ، والتنبؤ به قبل لفظه.

١٠٣

تمارين :

١ ـ دلّ على الإرصاد واشرحه في ما يأتي :

١ ـ (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) يونس : ١٤.

٢ ـ (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) العنكبوت : ٤٠.

٣ ـ (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) العنكبوت : ٤١.

٤ ـ هي الدّرّ منثورا إذا ما تكلّمت

وكالدّرّ منظوما إذا لم تكلّم

٥ ـ ضعائف يقتلن الرّجال بلا دم

ويا عجبا للقاتلات الضعائف

٦ ـ سئمت تكاليف الحياة ومن يعش

ثمانين حولا ـ لا أبا لك ـ يسأم

٧ ـ أبكيكما دمعا ولو أنّي على

قدر الجوى أبكي بكيتكما دما

٨ ـ إذا لم تستطع شيئا فدعه

وجاوزه إلى ما تستطيع

٩ ـ وكنت إذا سألت القلب يوما

تولّى الدّمع عن قلبي الجوابا

١٠ ـ حببتك قلبي قبل حبّك من نأى

وقد كان غدّارا فكن أنت وافيا

١١ ـ طواه الرّدى عنّي فأضحى مزاره

بعيدا على قرب قريبا على بعد

١٢ ـ ألام لما أبدي عليك من الأسى

وإنّي لأخفي منك أضعاف ما أبدي

١٣ ـ ضممت جناحيهم على القلب ضمّة

تموت الخوافي تحتها والقوادم

١٠٤

المحسّنات اللّفظية :

ـ السّجع والازدواج.

ـ الجناس.

ـ ردّ الأعجاز على الصّدور.

ـ لزوم ما لا يلزم.

ـ الاقتباس والتضمين والإيداع.

١٠٥

السّجع والازدواج

هو أهم أبواب البديع اللفظي :

١ ـ تعريفه :

قال السكّاكي (١) «ومن جهات الحسن الأسجاع : وهي في النّثر ، كما القوافي في الشّعر ، ومن جهاته الفواصل القرآنية».

وعرّفه الخطيب التبريزي (٢) «هو تواطؤ الفاصلتين من النّثر على حرف واحد ، وهو معنى قول السكّاكي ، هو في النّثر كالقافية في الشّعر».

٢ ـ أقسامه :

يأتي السّجع بصور متعدّدة نذكر أهمّها :

١ ـ المطرّف :

وهو ما اختلفت فيه الفاصلتان أو الفواصل وزنا واتفقت رويا ، وذلك بأن يرد في أجزاء الكلام سجعات غير موزونة عروضيا ، وبشرط أن يكون رويّها روي القافية ، نحو قوله تعالى (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً* وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) نوح : ١٣ ـ ١٤.

فالآيتان متفقتان رويا (را) مختلفتان وزنا لأن الآية الأولى أطول من الثانية.

__________________

(١). مفتاح العلوم ، السكّاكي ، ص ٤٣١.

(٢). التلخيص في علوم البلاغة ، الخطيب التّبريزي ، ص ٣٩٧.

١٠٦

٢ ـ المرصّع :

وهو الذي تقابل فيه كلّ لفظة من فقرة النثر أو صدر البيت بلفظة على وزنها ورويّها ، نحو قوله (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) الانفطار : ١٣ ـ ١٤.

ومثاله في الشّعر قول الشاعر (الكامل) :

فحريق جمرة سيفه للمعتدي

ورحيق خمرة سيبه للمعتفي

وقد وقع الترصيع في ألفاظ البيت جميعا (حريق ورحيق ، جمرة وخمرة ، سيفه وسيبه ، المعتدي والمعتفي).

وذكر أبو هلال العسكري (١) نوعا من الترصيع بقوله : «هو أن يكون حشو البيت مسجوعا. ومن أمثلته عليه قول تأبّط شرّا :

حمّال ألوية شهّادّ أندية

هبّاط أودية جوّاب آفاق

وقول النمر :

طويل الذّراع قصير الكراع

يواشك بالسّبسب الأغبر

وقول ذي الرمّة :

كحلاء في برج صفراء في نعج (٢)

كأنّها فضّة قد مسّها ذهب

وعلّق على هذا الضرب من التّرصيع بقوله (٣) : ومثل هذا إذا اتفق في موضع من القصيدة أو موضعين كان حسنا ، فإذا كثر وتوالى دلّ على التكلّف ،

__________________

(١). كتاب الصناعتين ، أبو هلال العسكري ، ص ٣٩٠ وما بعدها.

(٢). نعج : حسن اللون وخلوص بياضه.

(٣). كتاب الصناعتين ، أبو هلال العسكري ، ص ٣٩٢.

١٠٧

وأورد هذه الأبيات للخنساء :

حامي الحقيقة محمود الخليقة مه

ديّ الطريقة نفّاع وضرّار

وعلّق على البيت بقوله : هذا البيت جيّد ثم قالت :

فعّال سامية ورّاد طامية

للمجد نامية تعنيه أسفار

هذا البيت رديء لتبرؤ بعض ألفاظه من بعض ، ثم قالت :

جوّاب قاصية جزّاز ناصية

عقّاد ألوية للخيل جرّار

آخر هذا البيت لا يجري مع ما قبله ، وإذا قسته بأدلّة وجدته فاترا باردا.

٣ ـ المتوازي :

وهو ما اتفقت فيه اللفظة الأخيرة من الفقرة مع نظيرتها في الوزن والرّوي ، نحو قوله تعالى (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ* وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) الغاشية : ١٣ ـ ١٤.

فالآيتان منتهيتان بلفظتين متفقتين وزنا (موضوعة / ه / ه / ه ، مرفوعة / ه / ه / ه) ورويا (ع).

ومن أمثلته شعرا قول أبي الطيّب (البسيط) :

فنحن في جذل والروم في وجل

والبرّ في شغل والبحر في خجل

فالبيت مؤلّف من أربع فقرات ، اتفقت كل فقرة منها مع الأخريات في اللفظة الأخيرة وزنا ورويا (جذل ، وجل ، شغل ، خجل).

١٠٨

٤ ـ المشطور ، أو التشطير :

هذا النوع خاص بالشّعر ، وهو أن يكون لكل شطر من البيت قافيتان مغايرتان لقافية الشطر الثاني ، نحو قول أبي تمام (البسيط) :

تدبير معتصم بالله منتقم

لله مرتغب في الله مرتقب

فسجعة الصّدر مبنيّة على روي (الميم) ، وسجعة العجز مبنيّة على رويّ (الباء).

٣ ـ أنواعه من حيث الطول والقصر :

يأتي السجع على اختلاف أقسامه على ضربين من حيث الطول والقصر هما :

أ ـ السجع القصير :

وهو ما كان مؤلّفا من ألفاظ قليلة ، وأقلّ القصير ما كان من لفظتين ، كقوله تعالى (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً* فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً) المرسلات : ١ ـ ٢.

وقوله تعالى أيضا (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) المدّثر : ١ ـ ٥.

ومنه ما يكون مؤلفا من ثلاثة ألفاظ ، أو أربعة ، أو خمسة ، وينتهي إلى تسع كلمات أو إلى عشر ، كقوله تعالى (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) النجم : ١ ـ ٣.

وكقوله تعالى أيضا (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ* وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) القمر : ١ ـ ٣.

١٠٩

ب ـ السجع الطويل :

وتتفاوت درجاته ، فمنه ما يتألّف من إحدى عشرة لفظة ، وأكثره خمس عشرة لفظة ، وقد رأى بعضهم أنه قد يبلغ عشرين لفظة ؛ ولكن آخرين اشترطوا ألّا يتجاوز خمس عشرة لفظة.

ومثاله قوله تعالى (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ* وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) هود : ٩ ـ ١٠.

فالآية الأولى مؤلفة من إحدى عشرة لفظة ، والثانية من ثلاث عشرة لفظة.

وكقوله تعالى أيضا (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) التوبة : ١٢٨ ـ ١٢٩.

فالآية الأولى مؤلفة من ١٤ لفظة ، والثانية من ١٥ لفظة.

* يدلّ السجع القصير على قوّة منشئة وتمكّنه ، لصعوبة ادراكه.

وهو أجمل صورة وأحلى وقعا على الأذن. والسجع الطويل أسهل تناولا لأن طوله يخفّف العبء على منشئه.

٤ ـ أحسن السّجع :

ما تساوت فقره فلا يزيد بعضها على بعض ، مع اتفاق الفواصل على حرف واحد ، نحو قول أعرابي عند ما سئل : من بقي من إخوانك؟ فأجاب : كلب نابح ، وحمار رامح ، وأخ فاضح.

وكقول أعرابي آخر : باكرنا وسميّ ، ثم وليّ. فالأرض كأنّها وشي منشور ، عليه لؤلؤ منثور ، ثم أتتنا غيوم جراد ، بمناجل حصاد ،

١١٠

فاحترثت البلاد ، وأهلكت العباد ، فسبحان من يهلك القويّ الأكول ، بالضّعيف المأكول.

فالزيادة قليلة في أجزاء هذه السجعات إن وجدت.

ومن السجع الحسن ما تكون ألفاظ الجزءين المزدوجين مسجوعة ، فيكون الكلام سجعا في سجع ، كقول أحدهم : حتى عاد تعريضك تصريحا ، وتمريضك تصحيحا. فالسجع في (تعريضك وتمريضك) وفي (تصريحا وتصحيحا). فالكلام سجع في سجع.

ومثاله قوله تعالى (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) الغاشية : ٢٥ ـ ٢٦.

فالسجع في (إلينا ـ علينا ، إيابهم ـ حسابهم).

وهذا الضرب من السجع إذا سلم من الاستكراه أحسن وجوه السجع عند أبي هلال العسكري.

٥ ـ موقف النقّاد منه :

تباينت آراء النقّاد من السجع فمنهم من دعا إلى تجنّبه لما فيه من تكلّف وتشبّه بكهّان الجاهلية والمتنبئين الكذبة بعد الاسلام. ومنهم من رأى فيه وجها من وجوه البلاغة بعد أن ورد في القرآن الكريم وأقوال النبي (ص). وإنما كان مكروها في سجع الكّهان لمعانيه لا لمبناه.

قال العسكري (١) «كان (صلعم) ربّما غيّر الكلمة عن وجهها للموازنة بين الألفاظ وإتباع الكلمة أخواتها ، كقوله (صلعم) : أعيذه من الهامّة ، والسامّة ، وكل عين لامّة. وإنما أراد ملمّة ، وقوله عليه‌السلام :

__________________

(١). كتاب الصناعتين ، أبو هلال العسكري ، ص ٢٦٧.

١١١

ارجعن مأزورات ، غير مأجورات ، وإنما أراد موزورات من الوزر فقال : مأزورات ، لمكان مأجورات ، قصدا للتوازن وصحّة التسجيع».

وعلّق على ذلك بقوله : فكل هذا يؤذن بفضيلة التسجيع على شرط البراءة من التكلّف والخلوّ من التعسّف.

تمارين :

١ ـ بيّن السجع ، ووضّح وجوه حسنه في ما يأتي :

١ ـ (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ* وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) الضحى : ٩ ـ ١٠.

٢ ـ (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) الفيل : ١ ـ ٢.

٣ ـ (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) الحاقة : ٣٠ ـ ٣٢.

٤ ـ وقال أعرابي لرجل سأل لئيما : نزلت بواد غير ممطور ، وفناء غير معمور ، ورجل غير مسرور ، فأقم بندم ، أو ارتحل بعدم.

٥ ـ وقال (صلعم) : إنكم لتكثرون عند الفزع ، وتقلّون عند الطمع.

٦ ـ وقال الحريري : فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه ، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه.

٧ ـ وقال أبو الفضل الهمذاني : إنّ بعد الكدر صفوا ، وبعد المطر صحوا.

٨ ـ وقال أبو الفتح البستي : ليكن إقدامك توكلا ، وإحجامك تأمّلا.

٩ ـ حامي الحقيقة ، محمود الخليقة

مهديّ الطريقة نفّاع وضرّار

١٠ ـ ومكارم أوليتها متبرّعا

وجرائم ألغيتها متورّعا

١١ ـ بيض صنائعنا سود وقائعنا

خضر مرابعنا حمر مواضينا

١٢ ـ وأفعاله بالرّاغبين كريمة

وأمواله للطّالبين نهاب

١١٢

٢ ـ جاء في البيان والتبيين (١ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥) :

قال عمر بن ذرّ ، رحمه‌الله : «الله المستعان على ألسنة تصف ، وقلوب تعرف ، وأعمال تخلف» ولمّا مدح عتيبة بن مرداس عبد الله بن عبّاس قال : لا أعطي من يعصي الرحمن ، ويطيع الشيطان ، ويقول البهتان» وفي الحديث المأثور ، قال : «قول العبد مالي مالي ، وإنّما لك من مالك ما أكلت فأفنيت ، وأعطيت فأمضيت ، أو لبست فأبليت» ووصف أعرابيّ رجلا فقال : «صغير القدر ، قصير الشّبر (١) ، ضيّق الصّدر ، لئيم النّجر (٢) ، عظيم الكبر ، كثير الفخر».

وسأل بعض الأعراب رسولا قدم من أهل السّند : كيف رأيتم البلاد؟ قال : ماؤها وشل ، ولصّها بطل ، وتمرها دقل (٣). إن كثر الجند بها جاعوا ، وإن قلّوا بها ضاعوا.

ـ أدرس السّجع مبيّنا وجوه حسنه وجماله في هذا النص.

__________________

(١). الشّبر : قدر القامة.

(٢). النّجر : الطباع.

(٣). الثّقل : أردأ أنواع التّمر.

١١٣

الجناس

١ ـ تعريفه :

عرّفه السّكّاكي بقوله (١) : «هو تشابه الكلمتين في اللفظ»

وتعريف الخطيب القزويني لا يختلف في شيء عن تعريف السكاكي.

أما أبو هلال العسكري فقد عرّفه بقوله (٢) : «هو أن يورد المتكلّم ـ في الكلام القصير نحو البيت من الشعر ، والجزء من الرسالة او الخطبة ـ كلمتين تجانس كلّ واحدة منهما صاحبتها في تأليف حروفها».

وتعريف المحدثين أكثر دقّة وهو : «أن يتشابه اللفظان نطقا ويختلفا معنى».

٢ ـ أنواعه :

الجناس في نظر البلاغيين نوعان :

١ ـ جناس تام

وهو ما اتّفق فيه اللفظان المتجانسان في أربعة أمور هي : نوع الحروف ، وعددها ، وهيئتها ، وترتيبها ، كقوله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) الروم : ٥٥. فالساعة الأولى تعني القيامة ، والساعة الثانية تعني مدّة من الزمن ، ولا عبرة في تعريف الأولى وتنكير الثانية. وقال السيوطي (٣) «ولم يقع منه في القرآن سواه».

والجناس التام أقسام هي :

__________________

(١). مفتاح العلوم ، السكّاكي ، ص ٤٢٩.

(٢). كتاب الصناعتين ، أبو هلال العسكري ، ص ٣٣.

(٣). معترك الأقران ، السيوطي ، ١ / ٣٠٣.

١١٤

أ ـ التام المماثل : ما كان فيه اللفظان المتجانسان من نوع واحد ، اسمين كما في الآية السابقة ، أو فعلين نحو (لمّا قال لديهم قال لهم) ، فقال الأولى بمعنى نام وقت القيلولة ، والثانية بمعنى تكلّم ، أو حرفين ، نحو : (قد يجود الكريم ، وقد يعثر الجواد) فقد الأولى تفيد التكّثير ، والثانية تفيد التقليل.

ب ـ التام المستوفى : وهو ما كان اللفظان المتجانسان فيه من نوعين مختلفين كاسم وفعل ، مثاله قول أبي تمام (الكامل) :

ما مات من كرم الزمان فإنّه

يحيا لدى يحيى بن عبد الله

ج ـ جناس التركيب المرفوّ : وهو ما كان أحد لفظيه مركّبا. وسمّي مركّبا لأن أحد لفظيه مركّب ، وسمّي مرفوّا لأنّ المركّب مؤلّف من كلمة وبعض كلمة ، كقول الحريري (الطويل) :

ولا تله عن تذكار ذنبك ، وابكه

بدمع يحاكي الوبل حال مصابه

ومثّل لعينيك الحمام ووقعه

وروعة ملقاه ومطعم صابه

والجناس في مصابه في البيت الأول ومصابه في البيت الثاني.

واللفظ تامّ في الأوّل ، غير أنّه مركّب في الثاني ؛ فقد أخذت الميم المفتوحة من مطعم وأضيفت إلى (صابه) وهو شجر مرّ المذاق فتمّ الجناس المركب بذلك.

وتحدّث الخطيب القزويني عن أقسام هذا الجناس المركّب المرفوّ فقسمه أقساما منها :

أ ـ المتشابه : هو ما تشابه فيه اللفظان في الخطّ كقول البستيّ (المتقارب) :

إذا ملك لم يكن ذا هبه

فدعه ، فدولته ذاهبه

١١٥

فاللفظان متشابهان ، ولكنّ الأوّل مركب من (ذا بمعنى صاحب) وهبه ، والثاني غير مركّب.

ب ـ المفروق : هو ما اختلف فيه اللفظان في الخطّ كقول البستيّ أيضا (م الرّمل) :

كلّكم قد أخذ الجا

م ، ولا جلم لنا

ما الذي ضرّ مدير

الجام لو جاملنا

فاللفظان (جام لنا وجاملنا) اتّفقا لفظا واختلفا خطّا فشكّلا جناسا مفروقا. وهو كما لاحظت جناس التّركيب المرفوّ الذي تقدّم شرحه.

٢ ـ الجناس غير التام

وهو ما اختلف فيه اللفظان في واحد أو أكثر من الأمور الأربعة السابقة. وهو على أنواع أيضا :

أ ـ الجناس الناقص : وهو ما اختلف فيه اللفظان في عدد أحرفهما فقط ، ويكون ذلك على وجهين :

١ ـ أن يختلفا بزيادة حرف في الأول كقوله تعالى : (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ* إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) القيامة : ٢٩ ـ ٣٠.

فاللفظان هما (الساق والمساق) وقد زيدت الميم في أول اللفظ الثاني.

وتكون الزيادة في الوسط كقولهم (جدّي جهدي).

فالزيادة حرف الهاء في وسط كلمة جهدي.

وتكون الزيادة في الآخر كقول أبي تمام (الطويل) :

١١٦

يمدّون من أيد عواص عواصم

تصول بأسياف قواض قواضب

ففي اللّفظين (عواص وعواصم) زيادة الميم في عواصم ، وفي اللفظين (قواض وقواضب) زيادة الباء في قواضب.

وقد أطلق الخطيب القزويني على هذا النوع الأخير اسم المطرّف.

٢ ـ أن يختلفا بزيادة أكثر من حرف واحد كقول الخنساء (م الكامل) :

إنّ البكاء هو الشّفا

ء من الجوى بين الجوانح

فقد زيد حرفان في (الجوانح) على أحرف (الجوى) ، وسمّي هذا الضرب من الجناس مذيّلا.

ب ـ إذا اختلفا في أنواع الحروف اشترط ألّا يقع الاختلاف بأكثر من حرف. والجناس عندئذ أنواع :

١ ـ الجناس المضارع :

إذا كان الحرفان المختلفان متقاربين ويكونان إمّا في الأوّل كقول الحريري : بيني وبين كنّي (بيتي) ليل دامس وطريق طامس.

وإمّا في الوسط كقولهم : البرايا أهداف البلايا ، وإمّا في الآخر كقوله (صلعم) : «الخيل معقود بنواصيها الخير».

٢ ـ الجناس اللاحق : وهو ما كان فيه الحرفان المختلفان غير متقاربين. ويكون ذلك في الأوّل كقوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) الهمزة : ١.

١١٧

كما يكون في الوسط كقوله تعالى (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ* وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) العاديات : ٧ ـ ٨.

كما يكون في الآخر كقوله تعالى (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ) النساء : ٨٣.

وربّما سمّي هذا الجناس اللاحق جناسا مضارعا كالسابق.

ج ـ إذا اختلفا في ترتيب الحروف سميّ الجناس جناس القلب وهو ضربان :

أ ـ قلب الكلّ كقولهم : حسامه فتح لأوليائه ، حتف لأعدائه.

ب ـ قلب البعض : كما جاء في قولهم : (رحم الله امرأ أمسك ما بين فكّيه ، وأطلق ما بين كفّيه) وكقول أبي الطيّب (الوافر) :

ممنّعة منعّمة رداح

يكلّف لفظها الطير الوقوعا

وقد ذكر البلاغيون أجناسا أخرى للجناس الناقص منها :

١ ـ الجناس المصحّف : وهو ما تماثل فيه اللفظان خطّا وتخالفا نقطا كقوله تعالى : (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) الكهف : ١٠٤.

ويسمّى أيضا جناس الخطّ وهو : أن تختلف الحروف في النقط كقوله تعالى : (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ* وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) الشعراء : ٧٩ ـ ٨٠.

٢ ـ الجناس المحرّف : وهو ما تماثل فيه اللفظان في الحروف ، وتغايرا في الحركات ، كقوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ* فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) الصافات : ٧٢ ـ ٧٣.

١١٨

٣ ـ ما يلحق بالجناس : ذكر الخطيب القزويني (١) أنه يلحق بالجناس شيئان :

١ ـ أن يجمع الاشتقاق اللفظين كقوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) الروم : ٤٣ فأقم والقيّم من جذر لغوي واحد.

٢ ـ أن يجمعهما المشابهة ، وهي ما يشابه الاشتقاق وليس منه ، كقوله تعالى : (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) الرحمن : ٥٤. فجنى والجنّتين تشابها حروفا ، ولكنّ جذريهما مختلفان. ومنه قول البحتري (الخفيف) :

وإذا ما رياح جودك هبّت

صار قول العذول فيها هباء

تمارين :

١ ـ بيّن أنواع الجناس في ما يأتي واشرحه :

١ ـ قال تعالى (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) الشعراء : ١٦٨.

٢ ـ قال تعالى (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) الواقعة : ٨٩.

٣ ـ قال تعالى (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) النمل : ٢٢.

٤ ـ قال تعالى (ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) غافر : ٧٥.

٥ ـ البدعة شرك الشّرك.

٦ ـ والحسن يظهر في بيتين رونقه

بيت من الشّعر أو بيت من الشّعر

٧ ـ لا تعرضنّ على الرّواة قصيدة

ما لم تبالغ قبل في تهذيبها

فمتى عرضت الشعر غير مهذّب

عدّوه منك وساوسا تهذي بها

٨ ـ وسمّيته يحيى ليحيا فلم يكن

إلى ردّ أمر الله فيه سبيل

٩ ـ هل لما فات من تلاق تلاف

أم لشاك من الصّبابة شافي؟

__________________

(١). معترك الأقران ، السّيوطي ، ١ / ٣٠٣.

١١٩

١٠ ـ فدارهم ما دمت في دارهم

وأرضهم ما دمت في أرضهم

١١ ـ عضّنا الدهر بنابه

ليت ما حلّ بنا به

١٢ ـ بيض الصفائح لاسود الصحائف في

متونهنّ جلاء الشك والرّيب

١٣ ـ يا للغروب وما به من عبرة

للمستهام وعبرة للرائي

١٤ ـ هلّا نهاك نهاك عن لوم امرئ

لم يلف غير منعّم بشقاء

١٥ ـ فهمت كتابك يا سيّدي

فهمت ولا عجب أن أهيما

١٦ ـ ما يستفيق غراما

بها وفرط صبابه

ولو درى لكفاه

ممّا يروم صبابه

١٧ ـ فيا لك من حزم وعزم طواهما

جديد الردّى بين الصّفا والصفائح

١٨ ـ تحمله الناقة الأدماء معتجرا

بالبرد كالبدر جلّى نوره الظّلما

١٩ ـ فقف مسعدا فيهنّ إن كنت عاذرا

وسر مبعدا عنهن إن كنت عاذلا

٢٠ ـ ولم أر كالمعروف تدعى حقوقه

مغارم في الأقوام وهي مغانم

١٢٠