تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٤

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٤

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٩
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

إرم بن سام بن نوح ، [وعاد وغبيل ابنا عوض بن إرم](١).

وعن ابن عباس قال :

كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة (٢) : نوح ، وهود ، ولوط ، وصالح ، وشعيب ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، وعيسى ، ومحمد صلّى الله عليه (٣) وعليهم وسلّم. وليس من نبي له اسمان غير عيسى المسيح ، ويعقوب إسرائيل. وكان أبو هود أول من تكلم بالعربية (٤) ، وولد لهود أربعة ، فهم العرب : قحطان ، ومقحط ، وقاحط ، وقالع أبو مضر. وقحطان أبو اليمن ، والباقون ليس لهم نسل.

وكان من قصة هود ، كيف بعثه الله من بعد نوح أن عادا كانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله ، وذلك إنما عبدت الأصنام العرب أصنام قوم نوح بعد نوح ، فتفرقوا في عباداتهم للأوثان ، وفرقوا أصنام قوم نوح بينهم ، فكانت هذيل بن مدركة بن خندف اتخذوا سواعا (٥) إلها يعبدونه وكانت لهم برهاط (٦) من أرض الحجاز ، وكانت كلب بن وبرة من قضاعة اتخذوا ودا [إلها](٧) يعبدونه بدومة الجندل (٨) ، وكانت أنعم من طيئ ، وأهل جرش (٩) من مذحج من تلك القبائل من أهل اليمن اتخذوا يعوق (١٠) إلها يعبدونه بجرش ، وكانت خيوان (١١) ـ بطن من همدان ـ [اتخذوا يعقوق](١٢) بأرض همدان من اليمن ، وكانت ذو

__________________

(١) ما بين معكوفتين استدرك عن هامش الأصل وبعده صح.

(٢) كذا بالأصل ، وذكر أحد عشر نبيا.

(٣) بالأصل : عليهم.

(٤) البداية والنهاية ١ / ١٣٨ وقال ابن كثير : وزعم وهب بن منبه : أن أباه أول من تكلم بها. وقال غيره : أول من تكلم بها نوح ، وقيل آدم ، وهو الأشبه ، وقيل غير ذلك والله أعلم.

(٥) سواع اسم صنم ، قال أبو المنذر : وكان أول من اتخذ تلك الأصنام من ولد إسماعيل وغير هم من الناس وسموها بأسمائها على ما بقي منهم هذيل بن مدركة اتخذ سواعا (معجم البلدان).

(٦) رهاط بضم أوله. موضع على ثلاث ليال من مكة. وقال قوم : وادي رهاط في بلاد هذيل. ونقل ياقوت عن ابن الكلبي : اتخذت هذيل سواعا ربا برهاط من أرض ينبع ، وينبع عرض من أعراض المدينة (معجم البلدان).

(٧) استدركت عن هامش الأصل.

(٨) دومة الجندل حصن وقرى بين الشام والمدينة قرب جبلي طيئ كانت به بنو كنانة من كلب.

(٩) جرش : موضع باليمن. وقيل إنها مدينة عظيمة وولاية واسعة ، انظر معجم البلدان.

(١٠) كذا بالأصل ، وفي سيرة ابن هشام ١ / ٨١ يغوث.

(١١) وخيوان أيضا قرية لهم من صنعاء على ليلتين مما يلي مكة.

(١٢) زيادة عن سيرة ابن هشام ١ / ٨١.

٨١

الكلاع اتخذوا بأرض حمير نسرا (١) إلها يعبدونه من دون الله.

وكانت قوم هود وهم عاد أصحاب أوثان ، يعبدونها من دون الله اتخذوا أصناما على مثال ود وسواع ويغوث ونسر ، فاتخذوا صنما ، يقال له : صمود (٢) ، وصنما يقال له : الهبار (٣) ، فبعث الله إليهم هودا. فكان هود من قبيلة يقال لها : الخلود ، وكان من أوسطهم نسبا ، وأفضلهم موضعا ، وأشرفهم نفسا ، وأصبحهم وجها ، وكان في مثل أجسامهم ، أبيض جعدا ، بادي العنفقة (٤) ، طويل اللحية ، فدعاهم إلى الله ، وأمرهم أن يوحدوا الله ، ولا يجعلوا مع الله إلها غيره ، وأن يكفوا عن ظلم الناس ، لم يذكر أنه أمرهم بغير ذلك ، ولم يدعهم إلى شريعة ، ولا إلى صلاة ، فأبوا ذلك وكذبوه (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) فنزل الله (وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) [سورة فصلت ، الآية : ١٥] [قال الله عزوجل : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) [سورة الأعراف ، الآية : ٦٥] الآية](٥). وكان هود من قومهم ، ولم يكن أخاهم في الدين ، (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) ، يعني : وحدوا الله ، ولا تشركوا به شيئا ، (ما لَكُمْ) يقول : ليس لكم (مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) يعني : فكيف لا تتقون؟ (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ) [سورة الأعراف ، الآية : ٦٩] يعني : سكانا في الأرض : (مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) ، فكيف لا تعتبرون فتؤمنوا ، وقد علمتم ما أنزل بقوم نوح من النقمة حين عصوه ، واذكروا ما أتي إليكم (وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ) ، يعني : هذه النعم (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وكانت منازلهم وجماعتهم حيث بعث الله هودا فيهم بالأحقاف. والأحقاف : الرمل ، ما بين عمان إلى حضر موت باليمن كله (٦) ، وكانوا مع ذلك قد أفسدوا في الأرض كلها ، وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي أتاهم الله ، يقول الله عزوجل : (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ) [سورة الأحقاف ، الآية : ٢١] ، يعني : دكادك الرمل حيث منازلهم.

__________________

(١) كان هذا الصنم بأرض يقال لها : بلخع ، موضع من أرض سبأ ولم تزل تعبده حمير ومن والاها حتى هودهم ذو نواس.

(٢) في الكامل لابن الأثير ١ / ٧٩ اتخذوا ثلاثة يقال لأحدها ضرا وللآخر : ضمور وللثالث الهبا ، وفي البداية والنهاية ١ / ١٣٨ صدا وصمودا وهرا.

(٣) في تاريخ الطبري ١ / ١١٠ الهباء.

(٤) العنفقة : اسم لشعيرات بين الشفة السفلى والذقن ، وقيل : هي ما نبت على الشفة السفلى من الشعر. (تاج العروس : عنفق).

(٥) ما بين معكوفتين استدرك عن هامش الأصل وبعده صح.

(٦) البداية والنهاية ١ / ١٣٧.

٨٢

روى الزهري :

أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سأل ربه أن يريه رجلا من قوم عاد ، فأراه رجلا رجلاه في المدينة ورأسه بذي الحليفة (١).

وعن يحيى بن يعلى قال :

قال هود لقومه حين أظهروا عبادة الأوثان : يا قوم ، إني بعثة الله إليكم ، وزعيمه فيكم ، فاتقوه بطاعته ، وأطيعوه بتقواه ، فإن المطيع لله يأخذ لنفسه من نفسه بطاعة الله للرضا ، وإن العاصي لله يأخذ لنفسه من نفسه بمعصية الله للسخط ، وإنكم من أهل الأرض ، والأرض تحتاج إلى السماء ، والسماء تستغني بما فيها ، فأطيعوه تستطيبوا حياتكم ، وتأمنوا ما بعدها ، وإن الأرض العريضة تضيق عن التعرض لسخط الله.

وعن الضحاك قال :

أمسك الله عنهم القطر ثلاث سنين (٢) ، وكانت الرياح عليهم من غير مطر ولا سحاب.

وعن جابر بن عبد الله قال :

إذا أراد الله بقوم سوءا حبس عنهم المطر ، وحبس عنهم كثرة الرياح. قال : فلبثوا بذلك ثلاث سنين لا يستغفرون الله ، فقال لهم هود : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) [سورة هود ، الآية : ٥٢] ، يعني : برزق متتابع (٣)(وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) يعني : في الغنى والعدد (٤)(وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) ، فأبوا إلّا تماديا. فلما أصابهم الجهد أنفوا أن يطلبوا إلى هود أن يستسقي لهم ، ونزل بهم البلاء ، وجهدوا ، فطلبوا إلى الله الفرج ، وكان طلبتهم عند البيت الحرام ، مسلمهم ، ومشركهم ، فتجمع بها ناس كثير مختلفة أديانها ، وكلهم معظّم لمكة ، يعرف حرمتها ومكانتها من الله عزوجل.

وعن ابن عباس قال :

كانوا إذا أتوا مكة ـ عظمها الله تعالى ـ ليسألوا الله عزوجل صعدوا الصفا ثم دعوا

__________________

(١) ذو الحليفة ، الحليفة بالتصغير ، قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة ، (انظر معجم البلدان).

(٢) رواه السيوطي في الدر المنثور ٤ / ٤٤٢ نقلا عن ابن عساكر عن الضحاك.

(٣) في الدر المنثور : يعني يدر ذلك عليهم مطرا ومطرا.

(٤) قال السيوطي : قال : ولد الولد.

٨٣

بحوائجهم ، وسألوا الله تعالى ، فيأتيهم بما سألوا. فانطلق وفد عاد فصعدوا الصفا ، يقدمهم قيل بن عتر (١). فلما استووا على الصفا يريدون أن يسألوا ، فقال قيل عاد حين دعا بإله هود : إن كان هود صادقا فاسقنا ، فإنا قد هلكنا ، فإنا لم نأتك لمريض تشفيه ، ولا لأسير فتفاديه ، فأنشأ الله ثلاث سحابات بيضاء ، وحمراء ، وسوداء ، وناداه مناد من السماء : يا قيل ، اختر لنفسك وقومك من هذه السحابات ، قال قيل : أما البيضاء فجفاء لا ماء فيها ، وأما الحمراء فعارض ، وأما السوداء فهي مطلخمّة (٢) ، وهي أكثر ماء ، فقد اخترت السوداء. فناداه مناد قفال : اخترت رمادا رمددا (٣) ، لا تبقي من آل عاد أحدا ، لا والدا ، تترك ولا ولدا ، إلا جعلته همدا (٤) ، إلا بنو اللوذيّة الغمدا (٥) ، وإنما يعني الفهدا : السام (٦) ، وبنو اللوذيّة : بنو لقيم بن هزّال بن هويلة (٧) بنت بكر ، وكانوا سكانا بمكة مع إخوانهم ، لم يكونوا مع عاد بأرضهم ، فهم عاد الآخرة ، ومن كان من نسلهم الذين بقوا من عاد.

وساق الله السحابة التي اختار قيل بن عتر بما فيها من النقمة إلى عاد ، حتى تخرج عليهم من واد لهم يقال له : المغيث ، وقيل : إن الوالدي يقال له : الريان. كانوا إذا قحطوا فجاءتهم الريح من تلك الناحية مطروا. فلما رأوها جثلة (٨) من ناحية الريان ، أو المغيث استبشروا بها ، فقالوا : قد جاءنا وفدنا بالمطر قالوا لهود : أني ما كنت توعّدنا؟ ما قولك إلا غرور (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) [سورة الأحقاف ، الآية : ٢٤]. يقول الله عزوجل لهود : قل لهم (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) [سورة الأحقاف ، الآيتان : ٢٤ و ٢٥] أي : كل شيء أمرت (٩) به. فكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح

__________________

(١) كذا بالأصل وتاريخ الطبري ١ / ١٣٦ وفي الكامل لابن الأثير ١ / ٧٩ عير وفي البداية والنهاية ١ / ١٤٥ عنز.

(٢) اطلخم الليل والسحاب : أظلم وتراكم (انظر اللسان وتاج العروس).

(٣) بالأصل هنا : «رمدا» والصواب عن البداية والنهاية وتاريخ الطبري والكامل لابن الأثير. والرمدد بكسر الدال وفتحها : المتناهي في الاحتراق والدقة (انظر اللسان وتاج العروس).

(٤) بالأصل : «مهمدا» والصواب عن المصادر السابقة.

(٥) في الطبري والكامل لابن الأثير : «اللوذية المهدى» وفي البداية والنهاية : «اللودية الهمد» زيد في البداية والنهاية : قال : وهو بطن من عاد كانوا مقيمين بمكة.

(٦) كذا بالأصل ، وليست اللفظة في المصادر السابقة.

(٧) في تاريخ الطبري : هزيلة.

(٨) بدون إعجام بالأصل ، أعجمت عن المختصر لابن منظور المطبوع ، والجثل : الضخم الكثيف من كل شيء.

(٩) بالأصل : مرت ، والصواب عن الطبري والبداية والنهاية.

٨٤

امرأة يقال لها : مهد (١). فلما تبيّنت ما فيها صاحت ، وصعقت ، فلما أفاقت قيل : ما ذا رأيت يا مهد (٢)؟ قالت : رأيت ريحا ، فيها كشهب النّار ، أمامها رجال يقودونها.

وروى العلماء :

أن الريح التي سخرها الله على عاد الجنوب العقيم ، وأنه إنما أرسل عليهم منها مثل حلقة الخاتم ، ولو أرسل عليهم مثل منخر الثور ما تركت على ظهر الأرض شيئا إلا أهلكته.

وعن الحارث بن حسان قال (٣) :

مررت بعجوز بالرّبذة ، منقطع بها من بني تميم ، فقالت : أين تريدون ، فقلنا : نريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالت : فاحملوني معكم ، فإن لي إليه حاجة. قال : فدخلت المسجد ، فإذا هو غاص بالناس ، وإذا راية سوداء (٤) تخفق ، فقلت : ما شأن الناس اليوم؟ فقالوا : هذا رسول الله يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها ، فقلت : يا رسول الله ، إن رأيت أن تجعل الدهناء حجازا (٥) بيننا وبين تميم فافعل ، فإنها كانت لنا خاصة ، قال : فاستوفزت العجوز ، وأخذتها الحمية ، فقالت : يا رسول الله ، أين يضطر مضطرك (٦)؟ قلت : يا رسول الله ، حملت هذه ، ولا أشعر أنها كائنة لي خصما ، قال : قلت : أعوذ بالله أن أكون كما قال الأول ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وما ذا قال الأول؟» قال : على الخبير سقطت ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هيه ، يستطعمه الحديث ، قال : إن عادا أرسلوا وافدهم قيلا ، فنزل على معاوية بن بكر شهرا ، يسقيه الخمر ، وتغنيه الجرادتان (٧) ، فانطلق حتى أتى جبال مهرة (٨) ، فقال : اللهم ، إنّي لم آت لأسير فأفاديه ، ولا لمريض فأداويه ، فاسق عبدك ما كنت ساقيه ، واسق معاوية بن بكر شهرا ، يشكر له الخمر التي شربها عنده. قال : فمرت سحابات سود ،

__________________

(١) كذا بالأصل ، وفي تاريخ الطبري : «مهدد» وفي البداية والنهاية : «فهد». وفي الكامل لا بن الأثير : فهدد.

(٢) انظر الحاشية السابقة.

(٣) الخبر رواه الطبري في تاريخه ١ / ١٣٤ عن طريق الحارث بن يزيد البكري. ورواه أحمد بن حنبل في المسند ٥ / ٤٠١ رقم ١٥٩٥٤ من طريق الحارث بن يزيد البكري ، وابن كثير في البداية والنهاية ١ / ١٤٦ نقلا عن الحارث وهو ابن حسان ، ويقال ابن يزيد البكري.

(٤) في تاريخ الطبري : رايات سود.

(٥) يعني حاجزا (اللسان).

(٦) في المصادر السابقة : مضرك.

(٧) الجرادتان : هما جاريتان غنتا له كما في البداية والنهاية.

(٨) في البداية والنهاية : جبال تهامة ، ومثلها في مسند أحمد.

٨٥

فنودي أن خذها رمادا رمددا ، لا تذر (١) من عاد أحدا.

وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) :

«نصرت بالصّبا ، وأهلك عاد بالدّبور ، وما أرسلت عليهم إلّا مثل الخاتم ـ وفي رواية : مثل فص (٣) الخاتم ـ ، فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم ، فجعلتهم بين السماء والأرض. فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد الريح وما فيها (قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) [سورة الأحقاف ، الآية : ٢٤] فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة» [١٤٣٨٦].

وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«ما أرسل الله سفيا من الريح إلا بمكيال ، ولا قطرة ماء إلا بميزان ، إلا يوم نوح وعاد ، فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان ، فلم يكن لهم عليه سلطان ، ثم قرأ : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) [سورة الحاقة ، الآية : ١١]. وإن الريح يوم عاد عتت على الخزان (٤) ، ثم قرأ : (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) [سورة الحاقة ، الآية : ٦](٥).

وقيل : إن الريح العقيم في الأرض السابعة.

وقال عطاء بن يسار :

قلت لكعب : من ساكن الأرض الثانية؟ قال : الريح العقيم. لما أراد الله أن يهلك قوم عاد أوحى إلى خزنتها أن افتحوا منها بابا ، قالوا : يا ربنا ، مثل منخر الثور؟ قال : إذا [تكفأ](٦) الأرض بمن عليها. قال : ففتحوا منها مثل حلقة الخاتم.

وقيل : لما أوحى الله إلى العقيم أن تخرج على قوم عاد ، فينتقم له منهم ، فخرجت بغير كيل على قدر منخر ثور حتى رجفت الأرض ما بين المشرق والمغرب ، فقال الخزان : يا رب ، لن نطيقها ، ولو خرجت على حالها لأهلكت ما بين مشارق الأرض ومغاربها ، فأوحى

__________________

(١) في المصادر السابقة : لا تبقي.

(٢) البداية والنهاية ١ / ١٤٨ والدر المنثور للسيوطي ٨ / ٢٦٥ في تفسير قوله تعالى : (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ).

(٣) في البداية والنهاية : مثل موضع الخاتم.

(٤) في البداية والنهاية : على خزائنها وفي قصص الأنبياء لابن كثير : على خزانها.

(٥) الدر المنثور للسيوطي ٨ / ٢٦٥.

(٦) استدركت عن هامش الأصل وبعدها صح.

٨٦

الله إليها أن ارجعي ، فرجعت ، فخرجت على قدر خرق الخاتم ، وهي الحلقة ، فأوحى الله تعالى إلى هود أن يعتزل بمن معه من المؤمنين في حظيرة ، فاعتزلوا ، وخط عليهم خطا ، وأقبلت الريح ، فكانت لا تدخل حظيرة هود ، ولا تجاوز الخط ، وإنما يدخل عليهم منها بقدر ما تلذّ به أنفسهم ، وتلين على الجلود ، وإنها لتمر من عاد بالظعن [فتحتمله](١) بين السماء والأرض ، فتدمغهم بالحجارة. وأوحى الله إلى الحيات والعقارب أن يأخذوا عليهم الطرق ، فلم تدع غاديا (٢) يجاوزهم.

وعن مالك بن أنس قال :

سئلت امرأة من بقية قوم عاد : أي عذاب الله رأيت أشد؟ قالت : كل عذاب شديد ، وسلام الله ورحمته ليلة الريح فيها ، قالت : ولقد رأيت العير تحملها الريح بين السماء والأرض (٣).

قال الضحاك بن مزاحم :

لما أهلك الله عادا ، ولم يبق منهم إلّا هود والمؤمنون فتنجست الأرض من أجسادهم أرسل الله عليها دكادك (٤) الرمل ، فرمستهم (٥) ، فكان يسمع أنين الرجل من تحت الرمل من مسيرة يوم ، فقال الله عزوجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) [سورة الحاقة ، الآيات : ٤ ـ ٦] يعني بالصرصر : الباردة ، كانت تقع على الجلد فتحرقه بردا حتى ينكشط عن اللحم ، ثم تصيّر اللحم كقطع النار (عاتِيَةٍ) يعني : عتت على الخزان ، (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ) [سورة الحاقة ، الآية : ٧] يعني أنه سلطها عليهم (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) هبت عليهم يوم الأربعاء (٦) غدوة ،

__________________

(١) استدركت عن هامش الأصل.

(٢) بالأصل غادي.

(٣) تاريخ الطبري ١ / ١١٣ والكامل لابن الأثير ١ / ٨١ والبداية والنهاية ١ / ١٤٦.

(٤) الدكادك ج دكداك ، من الرمل ما تكبس واستوى ، أو ما التبد منه بالأرض ، أو هي أرض فيها غلظ (القاموس).

(٥) فرمستهم : الرمس : كتمان الخبر ، والدفن ، والقبر (القاموس).

(٦) نقل السيوطي في الدر المنثور ٨ / ٢٦٥ عن أنس قال : كان أولها الجمعة. وفي البداية والنهاية ١ / ١٤٧ قيل كان أولها يوم الجمعة وقيل الأربعاء.

٨٧

وسكنت يوم الأربعاء عشية (حُسُوماً) : متصلات ، مستقبلات ، مشئومات (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى) [سورة الحاقة ، الآية : ٧] وذلك أنهم صفوا صفوفا ، وحفروا تحت أرجلهم إلى الركب ، ورمسوها بالثرى كي لا تزيلهم الريح ، فقالوا : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [سورة فصلت ، الآية : ١٥] فأمهلهم الله ثمانية أيام ليعتبر عباده ، فكانت الريح تعصفهم ، وتضرب بعضهم بعضا ، ولا تلقيهم ، فلما كان يوم الثامن دخلت من تحت أرجلهم ، فاحتملتهم ، فضربت بهم الأرض ، فذلك قوله : (تَنْزِعُ النَّاسَ) [سورة القمر ، الآية : ٢٠](كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) [سورة الحاقة ، الآيتان : ٧ ـ ٨].

قال وهب بن منبه :

هلكت عاد ، فلم يبق على الأرض منهم أحد ، وما أتت الريح على شيء من النبات والشجر إلا جعلته كالرميم. فكان الرجل منهم ستين ذراعا ، وكانت (١) هامة الرجل مثل القبة العظيمة ، وكانت (٢) عين الرجل ليفرخ فيها (٣) السباع ، وكذلك مناخرهم. وكان أول من عذب الله من الأمم قوم نوح ثم عاد ثم ثمود ، فكانوا (٤) هؤلاء أول من كذب المرسلين. يقول الله عزوجل : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ) [سورة الشعراء ، الآيتان : ١٠٥ ـ ١٠٦] قال : ومن بعد قوم نوح (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ) [سورة الشعراء ، الآيتان : ١٢٣ ـ ١٢٤] قال : ومن بعد عاد (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ) [سورة الشعراء ، الآية : ١٤١] وقال عزوجل : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ) [سورة الحج ، الآية : ٤٢].

حدث عبد الله قال :

ذكر الأنبياء عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلما ذكر هود قال : ذاك خليل الله.

قال الخضر بن محمد بن شجاع الحراني :

أتينا عبد الله بن المبارك بالكوفة ، فأتاه رجل فقال : أرأيت الرجل يدعو ، يبدأ بنفسه؟ فقال : روينا إلى ابن عباس أنه قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«يرحمنا الله وأخا عاد» [١٤٣٨٧].

__________________

(١) بالأصل : كان.

(٢) بالأصل : وكان.

(٣) بالأصل : فيه.

(٤) كذا بالأصل : فكانوا هؤلاء.

٨٨

وروى أبي بن كعب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«رحمة الله علينا ، وعلى أخي موسى» في قصة الخضر [١٤٣٨٨].

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا ذكر الأنبياء بدأ بنفسه ، فقال : «رحمة الله علينا وعلى هود وصالح» [١٤٣٨٩].

وعن أبي العالية (١) :

في قوله عزوجل : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [سورة الأحقاف ، الآية : ٣٥] نوح وهود وإبراهيم ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يصبر كما صبر هؤلاء. وكانوا ثلاثة ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رابعهم عليه‌السلام ورحمة الله : قال نوح : (يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ) [سورة يونس ، الآية : ٧١] إلى آخرها ، فأظهر لهم المفارقة. وقال هود حين قالوا : (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [سورة هود ، الآية : ٥٤] فأظهر لهم المفارقة. وقال لإبراهيم : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ) [سورة الممتحنة ، الآية : ٤] إلى آخر الآية ، فأظهر لهم المفارقة. وقال (٢) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [سورة الأنعام ، الآية : ٥٦] فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند الكعبة ، فقرأها على المشركين ، فأظهر لهم المفارقة.

وعن ابن عباس قال :

حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلما أتى وادي عسفان (٣) قال : «يا أبا بكر ، أي واد هذا؟» قال : هذا عسفان ، قال : «لقد مر بهذا الوادي نوح وهود وإبراهيم صلوات الله عليهم ، على بكرات (٤) لهم ، حمر ، خطمهنّ الليف ، أزرهم العباء ، وأرديتهم النّمار (٥) ، يحجون البيت العتيق» (٦).

__________________

(١) الحديث رواه السيوطي في الدر المنثور ٧ / ٤٥٤ نقلا عن ابن عساكر عن أبي العالية في تفسير قوله تعالى : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ).

(٢) في الدر المنثور : وقال : يا محمد : (قُلْ إِنِّي ...).

(٣) عسفان : قرية جامعة بها منبر ونخيل ومزارع على ستة وثلاثين ميلا من مكة (انظر معجم البلدان).

(٤) بكرات جمع بكرة بالفتح ، وهي اسم للتي يستقى عليها ، والبكرة الفتية من الإبل (تاج العروس).

(٥) النمار جمع نمرة ، والنمرة شملة فيها خطوط بيض وسود (اللسان).

(٦) رواه ابن كثير في البداية والنهاية ١ / ١٣٥ من طريق أبي يعلى حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا أبي عن زمعة بن ـ

٨٩

وعن عروة بن الزبير أنه قال :

ما من نبي إلا وقد حج البيت إلا ما كان من هود وصالح. ولقد حجه نوح. فلما كان في الأرض ما كان من الغرق أصاب البيت ما أصاب الأرض ، وكان البيت ربوة حمراء ، فبعث الله هودا ، فتشاغل بأمر قومه حتى قبضه الله إليه ، فلم يحجّه حتى مات. ثم بعث الله صالحا ، فتشاغل بأمر قومه حتى قبضه الله إليه ، فلم يحجه حتى مات. فلما بوّأه الله لإبراهيم حجه. ثم لم يبق نبي بعده إلا حجه.

وعن عثمان بن أبي العاتكة قال :

قبلة مسجد دمشق قبر هود النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وعن ابن سابط قال :

بين المقام والركن وزمزم قبر تسعة وسبعين نبيا ، وإن قبر هود ، وشعيب ، وصالح ، وإسماعيل في تلك البقعة.

وعنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) :

«مكة لا يسكنها سافك دم ، ولا تاجر بربا ، ولا مشاء بنميمة». قال : «ودحيت الأرض من مكة ، وكانت الملائكة تطوف بالبيت ، وهي أول من طاف به. وهي الأرض التي قال الله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [سورة البقرة ، الآية : ٣٠]. وكان النبي من الأنبياء إذا هلك قومه ، فنجا (٣) هو والصالحون معه أتاها بمن معه ، فيعبدون الله حتى يموتوا فيها. وإن قبر نوح ، وهود ، وشعيب ، وصالح بين زمزم وبين الركن والمقام» [١٤٣٩٠].

قال عثمان ومقاتل :

في المسجد الحرام بين زمزم والركن قبر تسعين نبيا منهم هود ، [وصالح](٤) ،

__________________

ـ صالح الجندي عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس. وأعاده ابن كثير في ١ / ١٥٨ من طريق الإمام في مسنده ١ / ٢٣٢ وفيه : هود وصالح.

(١) انظر البداية والنهاية ١ / ١٤٩.

(٢) رواه السيوطي في الدر المنثور ١ / ١١٣ نقلا عن ابن عساكر عن ابن سابط في تفسير قوله تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً).

(٣) في الدر المنثور : ونجا.

(٤) استدركت اللفظة عن هامش الأصل.

٩٠

وإسماعيل. وقبر آدم ، وإبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، ويوسف في بيت المقدس.

وعن علي أنه قال لرجل من حضرموت :

أرأيت كثيبا أحمر تخالطه المدرة الحمراء بذي أراك (١) وسدر (٢) ، كثير ماء ، حبّه كذا وكذا بين أرض حضرموت ، هل رأيته؟ قال : نعم والله إنك لنعتّ نعت رجل رآه ، قال : لا ، ولكني حدّثت عنه ، وفيه قبر هود صلوات الله عليه وسلم (٣) ، عند رأسه شجرة ، إما سلم ، وإما سدرة.

قال إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة :

ما يعلم قبر نبي من الأنبياء إلا ثلاثة : قبر إسماعيل ، فإنه تحت الميزاب بين الركن والبيت ، وقبر هود ، فإنه في حقف (٤) تحت جبل من جبال اليمن ، عليه شجرة تندى (٥) وموضعه أشد الأرض خيرا ، وقبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فإن هذه قبورهم بحق.

وقيل : إن هودا عمر مائة وخمسين سنة.

[١٠٠٨٣] هود بن عطاء

يمامي ، وقع إلى الشام.

حدث عن أنس بن مالك عن أبي بكر قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ضرب المصلين [١٤٣٩١].

[قال أبو عبد الله البخاري](٦) : [هود بن عطاء عن أنس ، وعطاء بن أبي رباح. روى عنه الأوزاعي ، وموسى بن سعد](٧).

__________________

(١) الأراك بالأصل شجر معروف ، في مواضع عديدة انظر معجم البلدان ١ / ١٣٥.

(٢) سدر موضع بعينه ، معجم البلدان ٣ / ٢٠٠.

(٣) البداية والنهاية ١ / ١٤٩.

(٤) الحقف : أصل الرمل ، وأصل الجبل (اللسان ـ تاج العروس).

(٥) في اللسان : ندى : يقال شجر نديان من الندى.

[١٠٠٨٣] ترجمته في ميزان الاعتدال ٤ / ٣١٠ ولسان الميزان ٦ / ٢٠١ والتاريخ الكبير ٨ / ٢٤١ والجرح والتعديل ٩ / ١١١.

(٦) زيادة للإيضاح.

(٧) ما بين معكوفتين زيادة عن التاريخ الكبير ٨ / ٢٤١.

٩١

[قال أبو محمد بن أبي حاتم](١) :

[هود بن عطاء روى عن أنس ، وعطاء [بن أبي رباح] وسالم بن عبد الله ، وشداد بن عبد الله. روى عنه الأوزاعي ، ومعاوية بن سلام ، وموسى بن عبيدة. وعبد الله بن محمد الصنعاني أبو الزرقاء ، سمعت أبي يقول ذلك](٢).

وحدث عن أنس قال (٣) :

كان في عهد رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجل يعجبنا تعبّده واجتهاده ، فذكرناه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم باسمه ، فلم يعرفه ، ووصفناه بصفته ، فلم يعرفه ، فبينا نحن نذكره إذ طلع الرجل ، قلنا : هو ذا (٤) ، قال : «إنكم لتخبرون (٥) عن رجل ، إنّ على وجهه سفعة (٦) من الشيطان» ، فأقبل حتى وقف عليهم ، ولم يسلم ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنشدك بالله ، هل قلت حين وقفت على المجلس : ما في القوم أحد أفضل ـ أو خير ـ مني؟» قال : اللهم ، نعم ، ثم دخل يصلي ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من يقتل الرجل؟» فقال أبو بكر : أنا ، فدخل عليه ، فوجده يصلي (٧) ، فقال : سبحان الله ، أقتل رجلا يصلي ، وقد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ضرب (٨) المصلين؟ فخرج ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما فعلت؟» قال : كرهت أن أقتله ، وهو يصلي ، وقد نهيت عن ضرب (٩) المصلين. قال : «من يقتل الرجل؟» قال عمر : أنا ، فدخل ، فوجده واضعا وجهه ، قال عمر : أبو بكر أفضل مني ، فخرج ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مه؟» قال : وجدته واضعا وجهه لله ، فكرهت أن أقتله ، قال : «من يقتل الرجل؟» فقال علي : أنا ، قال : «أنت إن أدركته» ، فدخل عليه فوجده قد خرج ، فرجع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له : «مه؟» قال : وجدته قد خرج ، فقال : «لو قتل ما اختلف من أمتي رجلان كان أولهم وآخرهم» [١٤٣٩٢].

__________________

(١) زيادة للإيضاح.

(٢) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن الجرح والتعديل ٩ / ١١١.

(٣) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ٦ / ٢٢٦ ـ ٢٢٧ قال : ورواه أبو يعلى وفيه موسى بن عبيدة وهو متروك ، ورواه البزار باختصار ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم وله طريق أطول من هذه في الفتن.

(٤) في المجمع : قلنا : ها هو ذا.

(٥) المجمع : لتخبروني.

(٦) السفعة : السواد والشحوب.

(٧) في المجمع : فوجده قائما يصلي.

(٨) في المجمع : عن قتل المصلين.

(٩) انظر الحاشية السابقة.

٩٢

قال محمد بن كعب :

هو الذي قتله علي ذو الثّديّة (١).

[١٠٠٨٤] هوذة (٢)

شهد بدرا مع المشركين ، وأسلم بعد ذلك ، ووفد على معاوية ، روى الشعر.

قال : قدم على معاوية رجل يقال له : هوذة ، فقال له معاوية : هل شهدت بدرا؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، علي ، لا لي (٣) ، قال : فكم أتى عليك؟ قال : أنا يومئذ قمد قمدود (٤) ، مثل الصفا والجلمود ، كأني أنظر إليهم ، وقد صفّوا لنا صفا طويلا ، وكأني أنظر إلى بريق سيوفهم كشعاع الشمس من خلال السحاب ، فما أشفقت (٥) حتى غشيتنا عادية القوم ، في أوائلهم علي بن أبي طالب ، ليثا ، عبقريا (٦) ، يفري الفريا (٧) ، وهو يقول : لن يأكلوا التمر ببطن مكة ، لن يأكلوا التمر ببطن مكة ، يتبعه حمزة بن عبد المطلب ، في صدره ريشة بيضاء ، قد أعلم بها ، كأنه جمل يخطم بنساء ، فرغت عنهما ، وأحالا على حنظلة ـ يعني أخا معاوية ـ عمل ولا كفران لله زلت (٨) ، فليت شعري متى أرحت ، يا هوذة؟ قال : والله يا أمير المؤمنين ، ما أرحت حتى نظرت إلى الهضبات من أرثد (٩) ، فقلت : ليت شعري ، ما فعل حنظلة؟ فقال له معاوية : أنت بذكرك لحنظلة كذكر الغني أخاه الفقير ، فإنه لا يكاد يذكره إلا وسنان أو متواسنا.

__________________

(١) ذو الثدية تصغير ثدي ، وهو لقب لرجل اسمه ثرملة ، من الخوارج ، وقالوا أيضا فيه ذو اليدية ، تصغير يد ، وقد قتله الإمام علي بن أبي طالب (رض) يوم النهروان.

(٢) ترجمته في أسد الغابة ٤ / ٦٤٦ والإصابة ٣ / ٦١٣.

(٣) الحديث رواه إلى هنا ابن الأثير في أسد الغابة ٤ / ٦٤٥ في ترجمة هوذة بن خالد الكناني ، ثم أعاده في ترجمة هوذة غير منسوب ٤ / ٦٤٦ من طريق مجالد عن الشعبي.

(٤) رجل قمد محركة وبالفتح ، وقمدود : قوي صلب وغليظ (اللسان).

(٥) أشفقت الشمس : دخلت في الشفق.

(٦) العبقري الكامل من كل شيء ، والسيد ، والشديد (القاموس).

(٧) يقال يفري الفريّ أي يأتي بالعجب في عمله (القاموس).

(٨) كذا العبارة بالأصل ، والمعنى مضطرب ، وثمة سقط فيها.

(٩) أرثد بالفتح ثم السكون اسم واد بين مكة والمدينة في وادي الأبواء. قال ياقوت : وفي قصة لمعاوية رواها جابر في يوم بدر ، قال : فأين مقيلك؟ قال : بالهضبات من أرثد. (معجم البلدان).

٩٣

قالوا : ولا يصح لهوذة صحبة ، لأن إسلامه كان بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

[١٠٠٨٥] هلال بن ضيغم السلامي

قال الوليد :

غزا صالح بن علي سنة ثلاث وأربعين ومائة بمن معه من أهل خراسان ، ووجه هلال بن ضيغم السلامي ـ من أهل دمشق ـ في جماعة من أهل دمشق ، فبنوا على جسر سيحان (١) حصن أذنة (٢).

[١٠٠٨٦] هلال بن سراج بن مجّاعة

ابن مرّارة بن سلمى بن زيد بن عبيد الحنفي اليمامي

وفد على عمر بن عبد العزيز في خلافته.

حدث عن أبيه قال (٣) :

أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مجاعة بن مرارة أرضا باليمامة يقال لها : الفورة (٤). قال : وكتب له بذلك كتابا :

__________________

(١) سبحان نهر كبير بالثغر من نواحي المصيصة ، وهو نهر أذنة بين أنطاكية والروم يمر بأذنة ثم ينفصل عنها نحو ستة أميال فيصب في بحر الروم (معجم البلدان).

(٢) أذنة بلد من الثغور قرب المصيصة مشهور. قال البلاذري بنيت أذنة سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ومائة وجنود خراسان معسكرون عليها بأمر صالح بن علي (معجم البلدان). قال خليفة : سنة أربع وأربعين ومائة وجه صالح بن علي مسلمة بن يحيى أخا جبريل بن يحيى فبنى حصن أذنة (تاريخ خليفة ص ٤٢١).

[١٠٠٨٦] ترجمته في تهذيب الكمال ١٩ / ٣٢٠ وتهذيب التهذيب ٦ / ٥٣ وطبقات خليفة ص ٥٢٥ والطبقات الكبرى لابن سعد ٥ / ٥٥٤ وجمهرة ابن حزم ص ٣١٢ وانظر الإصابة ٣ / ٣٦٢ (ترجمة مجاعة) والجرح التعديل ٩ / ٧٣ والتاريخ الكبير ٩ / ٢٠٨. سراج بكسر المهملة وآخره جيم ، كما في تقريب التهذيب. وضبطت في اللسان (شكر) بفتح الميم ، وفي (حبل) بضمها ، وضبطت بالقلم بضمة فوق الميم عن تهذيب الكمال وطبقات خليفة وجمهرة ابن حزم. وضبطت سلمى بضم السين عن الإكمال لابن ماكولا.

(٣) الخبر في الإصابة ٣ / ٣٦٢ ـ ٣٦٣ من طريق البغوي بسنده إلى سراج بن مجاعة ، وذكره في ترجمة مجاعة بن مرارة بن سلمى.

(٤) الفورة كذا بالأصل وفي الإصابة العورة ، والذي في معجم البلدان : الغور ، بالفتح ثم السكون وآخره راء ، وهو موضع اليمامة ، وجاء في حديث مجاعة ، ورواه الزمخشري بالهاء وقال البكري في معجم ما استعجم : الفورة بفتح أوله وضمه معا وبراء مهملة موضع في ديار بني عامر. وفي مكان آخر ذكر ياقوت : الغورة. بفتح أوله ورواه بعضهم بالضم ثم السكون والراء والهاء موضع جاء ذكره في الأخبار فيما أقطعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مجاعة بن مرارة من نواحي اليمامة. وجاء في معجم ما استعجم أيضا : الغورة : موضع باليمامة.

٩٤

من محمد رسول الله للمجاعة بن مرارة ، من بني سلمى ، إني أعطيته الفورة ، فمن حاجّه فيها فليأتني. وكتب يزيد.

وحدث هلال بن سراج عن أبيه عن جده مجاعة (١) :

أنه أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يطلب دية أخيه ، قتله بنو سدوس (٢) بن ذهل (٣) ، فأخذ من ذلك طائفة ، وأسلمت بنو سدوس ، فجاءوا (٤) إلى أبي بكر بكتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكتب (٥) له باثني عشر ألف صاع من صدقة اليمامة : أربعة قمح (٦) ، وأربعة تمر ، وأربعة شعير. وكان في كتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمجاعة :

بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمجاعة بن مرارة من بني سلمى بن زيد (٧) ، إني قد أعطيته مائة من الإبل ، من أول خمس يخرج من مشركي بني سدوس بن ذهل [عقبة](٨) من أخيه.

قالوا : ثم إن هلال بن سراج وفد إلى عمر بن عبد العزيز بكتاب سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ما استخلف عمر ، فأخذه فقبّله ، ووضعه على عينيه ، ومسح به وجهه رجاء أن يصيب وجهه موضع يد سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفي حديث عمر بن عبد العزيز أنه قال لهلال بن سراج بن مجاعة :

يا هلال ، هل بقي من كهول بني مجاعة أحد؟ قال : نعم ، وشكير كثير (٩). [فضحك

__________________

(١) الخبر في الإصابة ٣ / ٣٦٢ من طريق أبي داود عن محمد بن عيسى عن عنبسة بن عبد الواحد عن الدخيل بن إياس عن هلال بن سراج ... وذكره وأسد الغابة ٤ / ٢٨٦ وسنن أبي داود ٣ / ١٥١ في كتاب الإمارة.

(٢) في الإصابة : قتلته بنو أسد وتميم من بني ذهل.

(٣) زيد بعدها في سنن أبي داود ، وقد سقط من الأصل فاضطرب السياق فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو كنت جاعلا لمشرك دية جعلت لأخيك ، ولكن سأعطيك منه عقبى» فكتب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمائة من الإبل من أول خمس يخرج من مشركي بني ذهل ، فأخذ ...

(٤) في سنن أبي داود : فطلبها بعد مجاعة من أبي بكر ، وأتاه بكتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٥) يعني أبا بكر كتب لمجاعة. كما يفهم من عبارة أبي داود.

(٦) في سنن أبي داود : أربعة آلاف بر.

(٧) قوله : «بن زيد» ليس في سنن أبي داود.

(٨) غير واضحة بالأصل ، والمثبت عن سنن أبي داود.

(٩) أي ذرية صغار ، شبههم بشكير الزرع ، وهو ما ينبت منه صغارا في أصول الكبار ، قاله في النهاية في غريب الحديث ٢ / ٤٩٤.

٩٥

عمر ، وقال : كلمة عربية. وقوله : شكير كثير](١) يريد أن فيهم أخدانا. وأصل الشّكير : الورق الصغار ينبت في أصول الكبيرات ، وهو أيضا النبت أول ما يطلع. يقال : بدا شكير النبت : أي شيء قليل ، دقيق ، وكذلك هو من الشعر والوبر والصوف. وإذا شاخ الرجل دق شعره ولان وصار كالشّكير. والشكير في الشجر ورق يخرج في أصل الشجرة (٢) ، وقد يستعار الشكير فيسمى به صغار الأشياء. قال الراعي يذكر إبلا (٣) :

حتى إذا خشيت تبقّي طرقها

وأبى (٤) الرعاء شكيرها المنخولا

يريد أخذ العمال السمان ، ورد الرعاء الصغار التي قد تنخل ما فيها.

[قال أبو عبد الله البخاري] :

[هلال بن سراج سمع أبا هريرة ، قاله النضر بن محمد عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن مطر ، سمع هلالا سمع أبا هريرة ، يقول : صلاتي في رمضان وغيره سواء ، وروى دخيل عن هلال بن سراج بن مجاعة بن مرارة الحنفي ، عن أبيه عن جده](٥).

[قال أبو محمد بن أبي حاتم] :

[هلال بن سراج بن مجاعة بن مرارة روى عن أبي هريرة وأبيه عن جده ، روى عنه يحيى ابن أبي كثير ودخيل بن إياس سمعت أبي يقول ذلك](٦).

__________________

(١) ما بين معكوفتين استدرك عن هامش الأصل ، وبعده صح.

(٢) في تاج العروس : شكرت الشجرة تشكر شكرا إذا خرج منها الشكير ، كأمير ، وهي قضبان غضة تنبت من ساقها ، وقيل الشكير من الشعر والنبات ما ينبت من الشعر بين الضفائر. والشكير من الإبل : صغارها أي أحداثها ، مجاز ، تشبيها بشكير النخل.

(٣) البيت في ديوانه ط. بيروت ص ٢٢٩ من قصيدة يمدح عبد الملك بن مروان ويشكو السعاة ومطلعها :

ما بال دفك بالفراش مذيلا

أقذّى بعينك أم أردت رحيلا

(٤) في الديوان :

حتى إذا جمعت طرقها

وثنى الرعاء ...

وانظر تخريج البيت في الديوان

(٥) زيادة عن التاريخ الكبير ٨ / ٢٠٨.

(٦) زيادة بين معكوفتين عن الجرح والتعديل ٩ / ٧٣.

٩٦

[١٠٠٨٧] هلال بن عبد الأعلى

ولاه عمر بن عبد العزيز قنّسرين (١). فلما دخل عليه ليودعه قال : يا هلال ، أغد علينا الغداة. فغدا عليه ، فدخل ودخلت معه وبين يدي عمر المصحف يقرأ فيه. فلما سلم قال : أغدوت مودعا؟ قال : نعم ، قال : إني موصيك ، فاتق الله يكفك ، وخف الله يخف منك سواه ، وآثر الحق ، واعمل به ، وإذا ورد عليك مني أمر وافق الحق فأنفذه ، وإذا ورد عليك منا أمر رأيت الحق في غيره فاكتب إلينا فيه ، فنعقب ما رأيت ، فإن كان ما رأيت حقا أمرناك فأنفذته ، وإن كان الحق في غيره كتبنا إليك ، فانتهيت إليه. وهذا النبطي ـ وأشار إلى رجل في الدار ـ فقال : ما له يا أمير المؤمنين؟ قال : استوص به ، قال : يا أمير المؤمنين ، أضع عنه الجزية؟ قال : لا ، إن الله جعل الجزية على من انحرف عن القبلة ، ورضي بالذلة ، قال : يا أمير المؤمنين ، أستعين به؟ قال : لا ، [قال](٢) : يا أمير المؤمنين ، فإن نازع إلى أحد أو خاصمه ، أميل إليه ، أو أحنق له؟ قال : لا ، قال : فما تنفعه وصيتك فيه ، فخفض له عمر القول ثم قال له : ويحك يا هلال! إن الوالي إذا شاء عدل وأحسن ، وإذا شاء عدل وأساء.

[١٠٠٨٨] هلال بن عبد الرحمن القرشي

مولاهم المصري

وفد على عمر بن عبد العزيز.

قال هلال :

بعثني حيان بن سريج (٣) إلى عمر بن عبد العزيز ، وكتب معي في سبقه للخيل ، فالتفت عمر إلى عراك بن مالك ، فقال : يا عراك ، هل سبق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخيل؟ قال : قد أجراها ، قال : هل علمت أنه جعل له سبقا؟ قال : لا ، قال عمر : أولست أعلم الناس بأصحاب الخيل ، ينطلقون إلى صبيان صغار فيحملونهم على خيل مضمّرة (٤) قد اعترمت (٥) رءوسها ،

__________________

(١) قنسرين : بكسر أوله وفتح ثانيه وتشديده مدينة بينها وبين حلب مرحلة من جهة حمص بغرب العواصم (معجم البلدان).

(٢) استدركت عن هامش الأصل.

(٣) كذا بالأصل ، حيان بن سريج ، وفي طبقات ابن سعد ٥ / ٣٨٤ في ترجمة عمر بن عبد العزيز : حيان بن شريح ، وهو عامل عمر بن عبد العزيز على مصر. وفي تاريخ خليفة ص ١٤٣ حيان بن شريح. وفي فتوح مصر وأخبارها : حيان بن سريج.

(٤) ضمر الخيل تضميرا علفها القوت بعد السمن ، والمضمار ، الموضع تضمر فيه الخيل (القاموس).

(٥) التعريم : الخلط. وعرم الرجل : اشتد ، وعرام الجيش : حدتهم وشدتهم وكثرتهم (تاج العروس : عرم).

٩٧

ثم يسرّ حونها ، فمنهم من يخرّ فيموت ، ومنهم من تنكسر يده ، فإن كانت بهم حاجة أن يجروا خيولهم فليجروها ، أي بأنفسهم ، ثم قال : يا عراك ، أترى إجراءها من اللهو؟ قال : بلى يا أمير المؤمنين ، قال : أفأنا كنت أنفق مال الله عزوجل في اللهو؟ فقطع السّبقة (١) عنهم.

[١٠٠٨٩] هلال ، أبو طعمة (٢)

مولى عمر بن عبد العزيز (٣)

[أصله من الشام ، سكن مصر ، وكان يقص بها ويقرئ القرآن. روى عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، ومولاه عمر بن عبد العزيز.

روى عنه : عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبد الله بن لهيعة ، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، وعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، ويزيد بن يزيد بن جابر.

قال الحاكم أبو أحمد : رماه مكحول بالكذب.

قال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي : أبو طعمة ثقة.

قال أبو سعيد بن يونس : هلال ، مولى عمر بن عبد العزيز يكنى أبا طعمة وكان يقرئ القرآن بمصر](٤).

[قال أبو عبد الله البخاري](٥) :

[هلال مولى عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم القرشي روى عنه عبد العزيز بن عمر](٦).

__________________

(١) السبق محركة ، والسبقة بالضم ، الخطر الذي يوضع بين أهل السباق ، كما في الصحاح ، وفي التهذيب : بين أهل النضال والرهان في الخيل فمن سبق أخذه (تاج العروس : سبق).

(٢) طعمة بضم أوله وسكون المهملة ، كما في تقريب التهذيب.

(٣) ترجمته في تهذيب التهذيب ٦ / ٣٨٨ في باب الكنى ، وتهذيب الكمال ٢١ / ٣١٧ في باب الكنى. والجرح والتعديل ٩ / ٧٧ والتاريخ الكبير ٨ / ٢٠٩ وأعاده في الكنى ٨ / ٤٧ وأعاده ابن أبي حاتم في الكنى أيضا ٩ / ٣٩٨.

(٤) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن تهذيب الكمال ٢١ / ٣١٧.

(٥) زيادة للإيضاح.

(٦) الزيادة استدركت عن التاريخ الكبير ٨ / ٢٠٩.

٩٨

[ثم قال في باب الكنى](١) :

[أبو طعمة قال عبد العزيز بن عمر : هو مولى لنا ، سمع ابن عمر](٢).

[قال أبو محمد بن أبي حاتم](٣) :

[هلال مولى عمر بن عبد العزيز روى عن عمر بن عبد العزيز. روى عنه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز. سمعت أبي يقول ذلك](٤).

[ثم قال ابن أبي حاتم](٥) :

[أبو طعمة قارئ أهل مصر ، سمع ابن عمر ، روى عنه ابنا يزيد بن جابر ، وعبد الله بن عيسى ، وابن لهيعة. سمعت أبي يقول ذلك](٦).

حدث عن ابن عمر قال :

لعن رسول الله الخمر ، وشاربها ، وساقيها ، وبائعها ، ومبتاعها ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وآكل ثمنها [١٤٣٩٣].

وحدث هلال عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن جعفر (٧) قال :

علمتني أمي أسماء بنت (٨) عميس (٩) شيئا أمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تقوله عند الكرب : «الله ربي ، لا أشرك به شيئا» [١٤٣٩٣].

وفي رواية :

__________________

(١) زيادة للإيضاح.

(٢) ما بين معكوفتين زيادة عن التاريخ الكبير ـ الكنى ص ٤٧.

(٣) زيادة للإيضاح.

(٤) الزيادة عن الجرح والتعديل ٩ / ٧٧.

(٥) زيادة للإيضاح.

(٦) الزيادة بين معكوفتين زيادة استدركت عن الجرح والتعديل ٩ / ٣٩٨.

(٧) يعني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أمه أسماء بنت عميس بن معد الخثعمية انظر أخباره في أنساب الأشراف ٢ / ٣٠٠ وما بعدها.

(٨) بالأصل : «بنة».

(٩) هي أسماء بنت عميس بن معد بن تيم بن الحارث ، وأمها هند ، وهي خولة بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة من جرش انظر أخبارها في طبقات ابن سعد.

٩٩

«الله الله ربي ، لا أشرك به شيئا» (١) [١٤٣٩٥].

وفي رواية بسنده إلى عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول عند الكرب :

«الله الله ربي ، لا شريك له» [١٤٣٩٦].

وفي حديث عن عمر بن عبد العزيز قال :

جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل بيته فقال : «إذا أصاب أحدكم هم أو حزن فليقل سبع مرات : الله الله ربي لا أشرك به شيئا» [١٤٣٩٧].

وفي رواية عن أسماء بنت عميس قالت :

جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهله فقال : «إذا نزل بأحدكم غم أو هم أو سقم أو لأواء أو أزل (٢) فليقل : الله الله ربي لا أشرك به شيئا». ثلاث مرات (٣) [١٤٣٩٨].

[١٠٠٩٠] هيّاج بن عبيد (٤) بن الحسين ويقال :

ابن عبيد الله (٥) ـ بن الحسن ، أبو محمد الفقيه الحطّيني (٦)

من أهل قرية حطين ، قرية بين أرسوف وقيسارية (٧).

حدث هياج بن عبيد [عن أبي القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الفضل بالعراق](٨) بسنده إلى أنس بن مالك قال :

__________________

(١) رواه الطبراني في المعجم الكبير ٢٤ / ١٣٥ وتهذيب الكمال ٢١ / ٣١٨.

(٢) الازل : الشدة والضيق.

(٣) برواية مقاربة ، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٢٤ / ١٥٤ رقم ٣٩٦.

(٤) في الأنساب واللباب : هياج بن محمد بن عبيد.

(٥) في البداية والنهاية : عبد الله.

(٦) ترجمته في الأنساب (الحطيني) واللباب (الحطيني) ومعجم البلدان (حطين) ٢ / ٢٧٣ وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٥ / ٣٥٥ والبداية والنهاية ١٢ / ١٢٠ والمنتظم ١٦ / ٢٠٩ والنجوم الزاهرة ٥ / ١٠٩ وسير الأعلام ١٨ / ٣٩٣ وشذرات الذهب ٣ / ٣٤٢.

(٧) كذا بالأصل والأنساب ، وجاء في المنتظم : حطين قرية من قرى الشام بين طبرية وعكا ، بها قبر شعيب النبي عليه‌السلام وبنته صفورا زوجة موسى عليه‌السلام. وعقب ياقوت في معجم البلدان : حطين ، على قول ابن عساكر والسمعاني بقوله : وإن كان الحافظان ضبطا أن حطين بين أرسوف وقيسارية ضبطا صحيحا فهو غير الذي عند طبرية وإلا فهو غلط منهما. وجزم ابن الأثير في اللباب بأن ما ذكره السمعاني غير صحيح.

(٨) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن هامش الأصل وبعدها صح.

١٠٠