تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٤

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٤

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٩
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

لقي (١) الفرزدق شابّ (٢) من أهل البصرة ، يا أبا فراس ، أسألك عن مسألة ، قال : سل ، قال : أيهما أحبّ إليك : تسبق الخير أو يسبقك؟ قال : يا ابن أخي؟ لم تأل (٣) أن شدّدت وأحببت ألا تجعل لي مخرجا ، أفتجيبني أنت إن أجبتك؟ قال : نعم ، قال : فاحلف ، فغلّظ عليه ، ثم قال : نكون معا ، لا يسبقني ولا أسبقه. أسألك الآن؟ قال : نعم ، قال : أيما أحب إليك : أن ترجع الآن على منزلك ، فتجد امرأتك قابضة بكذا وكذا من رجل أو تجد رجلا قابضا على كذا وكذا منها؟

مر الفرزدق (٤) بمجلس لبني حرام ومعه عنبسة الفيل مولى عثمان بن عفان ـ وهو جدّ عبد الكريم بن روح ـ فقال : يا أبا فراس ، متى تذهب إلى الآخرة؟ قال : وما حاجتك إلى ذلك؟ قال : أكتب معك إلى أبي ، قال : أنا لا أذهب حيث أبوك ، أبوك في النار. ولكن اكتب إليه مع ريالوه واسطفانوس.

كان أسد (٥) بن عبد الله القسري (٦) شديد التعصب ، فاجتمع عنده ذات يوم جماعة من الشعراء ، فيهم الفرزدق ، فقال له : أنشدنا ، قال الفرزدق : فعلمت أنه يكره شعري ، فقلت : أيها الأمير ، لو أمرت غيري لأنشدك ، فقال : أنشدني ، ودعني من غيرك ، فأنشدته قصيدة أقول فيها (٧) :

فإن الناس لو لا نحن كانوا

كما خرز تساقط من نظام (٨)

قال فبم؟ واضطرب ، ثم أقبل علي كالمهدد ، فقال : أنشدنا ، ودعنا من فخرك ، فأنشدته (٩) :

__________________

(١) الخبر في طبقات الشعراء للجمحي ص ١١٩ من طريق أبي العطاف. وأنساب الأشراف ١٢ / ٧٦ عن المدائني وفيه أن الفرزدق ، والأغاني ٢١ / ٣٥٧.

(٢) هو حمزة بن بيض الحنفي ، كما في أنساب الأشراف.

(٣) بالأصل : قال.

(٤) الخبر رواه أبو الفرج في الأغاني ٢١ / ٢٩٦.

(٥) كذا بالأصل. والذي في الأغاني : خالد.

(٦) الخبر والأبيات الرائية في الأغاني ٢١ / ٣٤٧.

(٧) البيت في ديوان الفرزدق ٢ / ٢٩٤ من قصيدة يمدح هشام بن عبد الملك.

(٨) روايته في الديوان :

فإن الناس لو لا أنت كانوا

حصى خرز تساقط من نظام

(٩) الأبيات في ديوانه ١ / ٢٠٠.

٦١

يختلف الناس ما لم نجتمع لهم

فلا خلاف إذا ما استجمعت (١) مضر

منا الكواهل والأعناق تقدمها

والرأس منا وفيه السمع والبصر (٢)

ولا نلين لمن يبغي تهضّمنا (٣)

حتى يلين لضرس الماضغ الحجر

فاربدّ وجهه ، واضطرب ، وقال : أي رأس منكم فيه السمع والبصر؟ قال الفرزدق : فبركت بين يديه ، وقلت : على الخبير سقطت : قريش وكنانة ، فلم يجد لي جوابا حين ذكرت قريشا ، ثم فكر فقال : كذبت ، قريش سبط من الأسباط ، وهي حيث جعلها الله أمة وسطا (٤) ، فقلت : إن كانت قريش سبطا ، ولم تكن من مضر فهي إذا من بني إسرائيل ، فضحك الناس ، وأمر بنا فأخرجنا.

ولما خاصمت الفرزدق زوجته نوار (٥) إلى عبد الله بن الزبير ، وطلب فسخ نكاحها قال (٦) :

لعمري لقد أردى نوارا وساقها

إلى الغور أحلام قليل عقولها (٧)

أطاعت بني أمّ النسير فأصبحت

على قتب يعلو الفلاة دليلها (٨)

منها :

وإن الذي يسعى ليفسد (٩) زوجتي

كساع إلى أسد الشرى يستبيلها

__________________

(١) في الأغاني : أجمعت.

(٢) الأغاني : فيها الرءوس وفيها السمع والبصر.

(٣) صدره في الأغاني : أما الملوك فإنا لا نلين لهم.

(٤) يشير إلى الآية ١٤٣ من سورة البقرة وهو قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً).

(٥) هي النوار ابنة أعين بن صعصعة بن ناجية بن عقال المجاشعي وهي ابنة عم الفرزدق.

(٦) الخبر والبيتان في أنساب الأشراف ١٢ / ٨٠ و ٨١ وديوانه ٢ / ٦٠ والأغاني ٩ / ٣٢٦ و ٢١ / ٢٩١ ـ ٢٩٢.

(٧) أنساب الأشراف : إلى الغور أقوام خفاف عقولها. وفي الأغاني : إلى البور أحلام خفاف عقولها.

(٨) كذا روايته بالأصل ، وصدره في أنساب الأشراف :

معارضة الركبان في شهر ناجر

والبيت في ديوان الفرزدق ملفق من بيتين ٢ / ٦٠ و ٦١ وهما :

معارضة الركبان في شهر ناجر

على قتب يعلو الفلاة دليلها

أطاعت بني أم النسير فأصبحت

على شارف ورقاء صعب ذلولها

(٩) صدره في الديوان :

فإن امرأ يسعى يخبب زوجتي

٦٢

وفيهن عن أبوالهنّ بسالة

وبسطة أيد (١) يمنع الضيم طولها

فدونكها (٢) يا بن الزبير فإنها

مولّهة يوهي الحجارة قيلها

ولما طلق (٣) الفرزدق امرأته النوار ثلاثا قال لأبي شفقل (٤) : امض بنا إلى الحسن (٥) نشهده على طلاق النوار ، قال : فقلت له : أخشى أن يبدو لك فيها ، فتشهد عليك الحسن ، فتجلد ، ويفرّق بينكما ، فقال : لا بد منه ، فمضيا إلى الحسن ، فأخبره ، فقال له الحسن : قد شهدنا عليك ، ثم بدا له بعد فادعاها ، فشهد عليه الحسن ، ففرّق بينهما ، فأنشأ يقول (٦) :

ندمت ندامة الكسعيّ (٧) لما

مضت (٨) مني مطلّقة نوار

وكانت جنتي فخرجت منها

كآدم حين أخرجه الضّرار (٩)

فلو أني ملكت يدي وقلبي

لكان علي للقدر اختيار (١٠)

ولما (١١) ماتت النوار امرأة الفرزدق أوصت أن يصلي عليها الحسن بن أبي الحسن البصري ، فحضر جنازتها أجلاء أهل البصرة ، والحسن على بغلته ، والفرزدق على بعيره ، فقال له الحسن : يا أبا فراس ، ما يقول الناس؟ قال : يقول الناس : حضر الجنازة خير الناس وشر الناس ، قال : ما أنا بخيرهم ، ولا أنت بشرّهم. يا أبا فراس ، ما أعددت لهذا اليوم؟

__________________

(١) في الديوان : ومن دون أبوال الأسود بسالة وصولة أيد.

(٢) بالأصل : «فدونها» والمثبت عن الديوان وأنساب الأشراف والأغاني لتقويم الوزن.

(٣) الخبر والأبيات في الأغاني ٢١ / ٢٩٠ والبداية والنهاية ٥ / ٤١٠.

(٤) في البداية والنهاية : سفعل.

(٥) يعني الحسن البصري ، كما في البداية والنهاية.

(٦) الأبيات في الديوان ١ / ٢٩٤ وأنساب الأشراف ١٢ / ٨١ وطبقات الشعراء ص ١١١.

(٧) الكسعي رجل ضرب به المثل في الندامة على كسره قوسه ، وكان قد جربها في عدة ظباء ، فظن أنه لم يصبهن ، ثم اتضح له بعد ذلك أنها قد أصابتهن جميعهن.

(٨) الأغاني وأنساب الأشراف والبداية والنهاية : غدت.

(٩) بالأصل : «الفرار» والمثبت عن هامشه ، وهو يوافق المصادر ، والضرار من ضاره ، يريد أن مخالفة آدم لأمر ربه هي التي أخرجته من الجنة.

(١٠) روايته في أنساب الأشراف :

ولو ضنت يداي بها ونفسي

لأصبح لي على القدر الخيار

(١١) الخبر والأبيات في البداية والنهاية ٥ / ٤١٠ من طريق الأصمعي وغير واحد. ورواه البلاذري في أنساب الأشراف ١٢ / ٧٧ حدثني أبو عدنان ثنا يزيد بن هارون عن أبي موسى التميمي قال ، وذكره.

٦٣

قال : شهادة أن لا إله إلا الله منذ ثمانين سنة. [فقال الحسن بيده : نعم والله العدة](١). فلما صلى عليها الحسن ، مالوا إلى قبرها لدفنها ، فأنشأ الفرزدق يقول (٢) :

أخاف وراء القبر إن لم يعافني

أشدّ من القبر التهابا وأضيقا

إذا جاءني يوم القيامة قائد

عنيف وسوّاق يسوق (٣) الفرزدقا

لقد خاب من أولاد آدم (٤) من مشى

إلى النار مغلول القلادة أزرقا (٥)

يساق إلى ذلّ (٦) الجحيم مسربلا

سرابيل قطران لباسا محرّقا

إذا شربوا فيها الصديد رأيتهم

يذوبون من حرّ الصديد تمزّقا

فبكى الحسن (٧) ثم التزم الفرزدق ، وقال : لقد كنت من أبغض الناس إلي ، وإنك اليوم من أحب الناس إلي.

شهد (٨) الحسن جنازة أبي رجاء العطاردي (٩) [على بغلة](١٠) ، والفرزدق معه على بعيره ، فقال له الفرزدق : يا أبا سعيد ، يستشرفنا الناس ، فيقولون : خير الناس ، وشر الناس ، فقال الحسن : يا أبا فراس ، كم أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره ، ذاك خير من الحسن ، وكم من شيخ مشرك أنت خير منه يا أبا فراس ، قال : الموت يا أبا سعيد ، قال له الحسن : وما أعددت له يا أبا فراس؟ قال : شهادة أن للا إله إلا الله منذ سبعين (١١) سنة ، قال :

__________________

(١) ما بين معكوفتين استدرك عن هامش الأصل.

(٢) الأبيات في ديوانه ٢ / ٣٩ ما عدا البيت الرابع ، والأبيات الثلاثة الأولى في الأغاني ٢١ / ٣٩١ ـ ٣٩٢ والبداية والنهاية وأنساب الأشراف.

(٣) الأغاني : يقود.

(٤) الديوان : دارم.

(٥) أراد بالقلادة الطوق ، ويشير بقوله «أزرقا» إلى ما ورد في التنزيل العزيز من أن المجرمين يحشرون إلى جهنم زرقا وهو قوله تعالى في الآية ١٠٢ من سورة طه (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً).

(٦) البداية والنهاية : نار.

(٧) في البداية والنهاية : فبكى الحسن حتى بل الثرى.

(٨) الخبر ورد مختصرا في الأغاني ٢١ / ٣٩٢ والاستيعاب ٣ / ٢٥ (هامش الإصابة) وسير الأعلام ٤ / ٢٥٥ وتهذيب الكمال ١٤ / ٤٠٢ ووفيات الأعيان ٦ / ٩٧.

(٩) هو عمران بن ملحان التميمي البصري ، أبو رجاء أدرك الجاهلية ، وأسلم بعد فتح مكة ولم ير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. انظر ترجمته وأخباره في سير الأعلام ٤ / ٢٥٣ وتهذيب الكمال ١٤ / ٤٠٠.

(١٠) قوله «على بغلة» استدرك عن هامش الأصل.

(١١) الأغاني : منذ بضع وتسعين سنة.

٦٤

إن للا إله إلا الله شروطا ، فإياك وقذف المحصنة ، يا أبا فراس كم من محصنة قد قذفتها ، فاستغفر الله ، قال : فهل من توبة أبا سعيد؟ قال : نعم.

زاد في آخر بمعناه :

ثم وقف الحسن مليا ثم قال : أما أنت يا أبا رجاء فقد استرحت من غموم الدنيا ومكابدتها ، فجعل الله لك في الموت راحة طويلة ، ثم أقبل على الفرزدق فقال : يا أبا فراس ، كن من مثل هذا على حذر ، فإنما نحن وأنت بالأثر ، قال : فبكى الفرزدق ثم أنشأ يقول (١) :

فلسنا بأنجى منهم غير أننا

بقينا قليلا بعدهم وترحلوا

حدث محمد بن زياد (٢) ـ وكان في ديماس (٣) الحجاج زمانا حتى أطلقه سليمان حين قام ـ قال :

انتهيت إلى الفرزدق ، وهو ينشد بمكة ، بالرّدم (٤) مديح سليمان (٥) :

وكم أطلقت كفاك من قيد (٦) بائس

ومن عقدة ما كان يرجى انحلالها

كثيرا من الأسرى التي قد تكنّعت (٧)

فككت وأعناقا عليها غلالها

فقلت : أنا أحدهم ، فأخذ بيدي وقال : أيها الناس ، سلوه فو الله ما كذبت.

قال الفرزدق يذكر ولادة برّة بنت مرّ قريشا ـ يعني : أم النضر بن كنانة (٨) :

هم أبناء برّة بنت مرّ

فأكرم بالخئولة والعموم

فما فحل بأنجب من قريش

وما خال بأكرم من تميم

ومن شعر الفرزدق (٩) :

__________________

(١) ليس البيت في ديوانه المطبوع الذي بين يدي.

(٢) الخبر والبيتان في طبقات الشعراء ص ١١٥ من طريق شعيب بن صخر عن محمد بن زياد ، والأغاني ٢١ / ٣٠٩.

(٣) الديماس سجن الحجاج ، سمي بذلك لظلمته ، (اللسان : دمس).

(٤) الردم : بفتح أوله وسكون ثانيه ، ردم بني جمح بمكة ، سمي بذلك بما ردم عليه من القتلى في الحرب بينهم وبين بني محارب بن فهر (انظر معجم البلدان).

(٥) البيتان في ديوان الفرزدق ٢ / ٧٥ ـ ٧٦ والبيت الأول في أنساب الأشراف ١٢ / ٩٩ والمصادر الأخرى السابقة.

(٦) الأغاني : غل.

(٧) الأغاني : تكتفت.

(٨) ليس البيتان في ديوانه الذي بين يدي.

(٩) البيتان في ديوانه ٢ / ٣٥٠.

٦٥

إن المهالبة الذين (١) تحملوا

دفع المكاره عن ذوي المكروه

زانوا قديمهم بحسن حديثهم (٢)

وكريم أخلاق وحسن وجوه

قدم جرير على عمر بن عبد العزيز ، وهو يتولى المدينة ، فأنزله في دار ، وبعث إليه بجارية تخدمه ، فقالت له : إني أراك شعثا ، فهل لك في الغسل؟ فجاءته بغسل وماء ، فقال لها : تنحي عني ، ثم اغتسل. ثم قدم الفرزدق فأنزله دارا وبعث إليه بجارية ، فعرضت عليه مثل ذلك ، فوثب عليها ، فخرجت إلى عمر ، فنفاه من المدينة ، وأجله ثلاثا ، ففي ذلك يقول (٣) :

توعّدني وأجّلني ثلاثا

كما لبثت (٤) لمهلكها ثمود

فبلغ ذلك جرير فقال (٥) :

نفاك الأغرّ ابن عبد العزيز

بحقك (٦) تنفى عن المسجد

وشبّهت نفسك أشقى ثمود

فقالوا : ضللت ولم تهتد

وقد أخروا (٧) حين حلّ العذاب

ثلاث ليال إلى الموعد

قدم (٨) الفرزدق المدينة في سنة جدبة ، فمشى أهل المدينة إلى عمر بن عبد العزيز ، وهو يومئذ أميرها فقالوا : إن الفرزدق قدم في هذه السنة الجدبة التي قد حلقت (٩) أموالها ، وليس عند أحد ما يعطيه ، فلو أن الأمير بعث إليه وأرضاه ، وتقدم إليه ألا يعرض لأحد بمدح ولا هجاء. [فبعث إليه عمر : إنك يا فرزدق قدمت مدينتنا هذه في هذه السنة الجدبة ، وليس

__________________

(١) الديوان : الكرام.

(٢) الديوان : فعالهم.

(٣) البيت في ديوانه ١ / ١٨٥ والأغاني ٢١ / ٣٨٣ وذكر قصة أخرى له مع مروان بن الحكم وليس مع عمر بن عبد العزيز. والخبر في الأغاني ٢ / ٤٠٢وذكر قصة أخرى وقعت مع عمر بن عبد العزيزوكان واليا على المدينة.

(٤) الأغاني ٢١ / ٣٨٣.

دعانا ثم أحلبنا ثلاثا

كما وعدت ....

وفي الأغاني ٢١ / ٤٠٢ فأجلني وواعدني ثلاثا.

(٥) الأبيات في ديوان جرير ص ٩٩ ، والأول في أنساب الأشراف ١٢ / ٧٣ ، والأول والثاني في الأغاني ٢١ / ٤٠٢.

(٦) الأغاني : ومثلك.

(٧) الديوان : أجلوا.

(٨) الخبر رواه أبو الفرج في الأغاني ٢١ / ٤٠١ ـ ٤٠٢.

(٩) في الأغاني : «أهلكت» يقال : احتلقت السنة المال وحلقتهم حلاق أي السنة الحالقة ، وهي التي تحلق كل شيء.

٦٦

عند أحد ما يعطيه شاعرا ، وقد أمرت لك بأربعة آلاف درهم ، فخذها ، ولا تعرض لأحد بمدح ولا هجاء](١). قال : فأخذها الفرزدق ، ومرّ بعبد الله بن عمرو بن عثمان ، وهو جالس في سقيفة داره ، وعليه مطرف (٢) خزّ وجبة حمراء فقال (٣) :

أعبد الله أنت أحقّ ماش

وساع بالجماهير الكبار

فللفاروق أمّك (٤) وابن أروى (٥)

أبوك فأنت منصدع النهار

هما قمرا السماء وأنت نجم

به في الليل يدلج كلّ سار

فخلع عليه جبته والمطرف والعمامة ، ودعا له بعشرة آلاف درهم ، فسمع ذلك عمر بن عبد العزيز ، فبعث إليه عمر ألم أتقدم إليك يا فرزدق ألا تعرض لأحد بمدح ولا هجاء؟ اخرج ، فقد أجلتك ثلاثا ، فإن وجدتك بعد ثلاث نكّلت بك ، فخرج الفرزدق وهو يقول :

توعدني وأجلني ثلاثا

كما وعدت لمهلكها ثمود

كان الحجاج يتمثل بهذا البيت من شعر الفرزدق لما مات ابنه (٦) :

فما ابنك إلا من بني الناس فاصبري (٧)

فلن يرجع الموتى حنين المآتم

كان (٨) شاعر من بني حرام بن سماك قد هجا الفرزدق ، فأخذوه ، فأتوا به الفرزدق ، وقالوا له : هذا بين يديك ، فإن شئت فاضرب ، وإن شئت فاحلق ، لا عدوى عليك ، ولا قصاص ، فخلى عنه وقال (٩) :

فمن يك خائفا لأذاة شعري

فقد أمن الهجاء بنو حرام

هم قادوا سفيههم وخافوا

قلائد مثل أطواق الحمام

كتب الفرزدق إلى جرير كتابا يدعوه إلى الصلح ، ويقول : ذهبت أيامنا بالباطل وكرّت

__________________

(١) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن الأغاني لإيضاح المعنى.

(٢) المطرف بكسر الميم وضمها وسكون الطاء وفتح الراء : رداء من خز مربع ذو أعلام.

(٣) الأبيات أيضا في ديوان الفرزدق ١ / ٩٢.

(٤) أم عبد الله بن عمرو بن عثمان هي حفصة بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب انظر جمهرة ابن حزم ص ٨٣.

(٥) ابن أروى ، يعني عثمان بن عفان ، وأمه أروى بنت كريز ، انظر جمهرة ابن حزم ص ٧٤.

(٦) البيت في ديوان الفرزدق ٢ / ٢٠٦ من قصيدة يرثي ابنين له.

(٧) صدره في الديوان :

فما ابناك إلا ابن من الناس فاصبري

(٨) الخبر والبيتان في الأغاني ٢١ / ٢٩٦ و ٣٩٧.

(٩) ليس البيتان في الديوان.

٦٧

أيامنا ، وقطعنا الدهر بشتم العشيرة ، فهلم إلى الصلح ، فجعل جرير يقرئ كتابه الناس ، ويقول : دعاني إلى الصلح ، فإذا في آخر كتابه (١) :

شهدت طهيّة والبراجم كلّها

أن الفرزدق نال أمّ جرير

وقال بعض الخلفاء (٢) لجرير والفرزدق : حتى متى لا تنزعان (٣) ، فقال جرير : يا أمير المؤمنين ، إنه يظلمني ، قال : صدق ، إني أظلمه ، ووجدت أبي يظلم أباه.

خرج (٤) الفرزدق حاجا فمرّ بالمدينة ، فدخل على سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب مسلما عليها ، فقالت : يا فرزدق ، من أشعر الناس؟ قال : أنا ، قالت : ليس كما قلت (٥) ، أشعر منك الذي يقول (٦) :

بنفسي من تجنّبه عزيز

علي ومن زيارته لمام

ومن أمسي وأصبح لا أراه

ويطرقني إذا هجع النيام

فقال : لئن أذنت لي لأسمعنك من شعري أحسن من هذا ، فقالت : أقيموه ، فخرج.

فلما كان الغد عاد إليها ، فقالت : يا فرزدق ، من أشعر الناس؟ قال : أنا ، قالت : ليس كما قلت (٧) ، أشعر منك الذي يقول (٨) :

لو لا الحياء لهاجني (٩) استعبار

ولزرت قبرك والحبيب يزار

كانت إذا هجر (١٠) الضجيع فراشها

خزن (١١) الحديث وعفّت الأسرار

__________________

(١) ليس البيت في ديوانه.

(٢) كذا بالأصل ، وورد في الأغاني خبر أن بشر بن مروان سعى إلى الصلح بين جرير وبين الفرزدق وأن يكفّا عن بعضهما البعض.

(٣) أي تكفان عن النزاع ، كما في اللسان ، وفي الأغاني : حتى يتكافّا.

(٤) الخبر والأبيات في أنساب الأشراف ١٢ / ٩٦ ـ ٩٧ والأغاني ٢١ / ٣٦٦.

(٥) في المصدرين : قالت : كذبت.

(٦) البيتان لجرير ، وهما في ديوانه ص ٣٨٦ من قصيدة مطلعها :

متى كان الخيام بذي طلوح

سقيت الغيث أيتها الخيام

(٧) في المصدرين : قالت : كذبت.

(٨) الأبيات لجرير ، وهي في ديوانه ص ١٥٢ من قصيدة يرثي زوجته خالدة.

(٩) الديوان وأنساب الأشراف : لعادني.

(١٠) بالأصل وأنساب الأشراف : هجع ، والمثبت عن الديوان والأغاني.

(١١) أنساب الأشراف : كتم الحديث.

٦٨

لا يلبث (١) القرناء أن يتفرقوا

ليل يكرّ عليهم ونهار

قال : لئن أذنت لي لأسمعنّك من شعري ما هو أحسن من هذا ، فأمرت به ، فأخرج ، فعاد إليها من الغد ، وحولها جوار مولّدات ، كأنهن (٢) التماثيل عن يمينها وعن شمالها ، فأبصر الفرزدق واحدة منهن ، كأنها ظبية ، أدماء ، فمات عشقا لها ، وجنونا بها ، وقالت : يا فرزدق ، من أشعر الناس؟ قال : أنا ، قالت : ليس كذلك ، أشعر منك الذي يقول (٣) :

إن العيون التي في طرفها مرض (٤)

قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللبّ حتى لا حراك به

وهن أضعف خلق الله أركانا

فقال : يا ابنة (٥) رسول الله ، إنّ لي عليك حقا عظيما لموالاتي لك ولآبائك ، وإني صرت (٦) إليك من مكة قاصدا لك إرادة التسليم عليك ، فلقيت في مدخلي إليك من التكذيب لي ، وتعنيفي ومنعك إياي أن أسمعك شعري ما قطع ظهري ، وعيل صبري ، والمنايا تغدو وتروح ، ولا أدري لعلي لا أفارق المدينة حتى أموت ، فإن أنا مت فمري من يدفني في درع (٧) هذه الجارية ، وأومأ إلى الجارية التي كلف بها ، فضحكت سكينة حتى كادت تخرج من بردها (٨) ، وأمرت له بألف درهم وكسى وطيب ، وأمرت له بالجارية يجتمع إليها وقالت : يا أبا فراس ، إنما أنت واحد منا أهل البيت ـ لا يسؤك ما جرى ، خذ ما أمرنا لك به ، وأحسن إلى الجارية ، وأكرم صحبتها (٩). قال الفرزدق : فلم أزل أرى البركة بدعائها في نفسي ومالي.

قال أبو عبيدة :

أول حمام بني بالبصرة حمام منجاب السعدي (١٠) ، وإن الفرزدق (١١) كان ذات يوم على

__________________

(١) أنساب الأشراف : يبرح.

(٢) بالأصل : «كان» والمثبت عن أنساب الأشراف.

(٣) البيتان لجرير ، وهما في ديوانه ص ٤٥٢ من قصيدة يهجو الأخطل ، مطلعها :

بان الخليط ولو طوعت ما بانا

وقطعوا من حبال الوصل أقرانا

(٤) الديوان : حور.

(٥) الأغاني وأنساب الأشراف : يا بنت.

(٦) أنساب الأشراف : ضربت إليك.

(٧) أنساب الأشراف والأغاني : حر.

(٨) الأغاني : ثيابها.

(٩) زيد في الأغاني وأنساب الأشراف : فقد آثرتك بها على نفسي.

(١٠) حمام منجاب بكسر الميم ، بالبصرة ، ينسب إلى منجاب بن راشد الضبي ، (معجم البلدان ٢ / ٢٩٩).

(١١) الخبر رواه ياقوت في معجم البلدان (حمام منجاب) وفيه : قرأت بخط ابن برد الخيار الصولي قال ابن سيرين : مرت امرأة برجل ، وذكره.

٦٩

باب دربه في أطمار خزّ إذ مرّت به امرأة نبيلة برزة ، فقالت له : كيف الطريق إلى حمام منجاب؟ فقال : هاهنا ، وأومأ إلى دربه. فلما ولجت المرأة الدرب كامشها (١) فاحتملها ، وقد علم الله ما كان بعد ذلك.

وحدث بعض أهله قال : كنت عند رأس الفرزدق ألقّنه الشهادة ، فكنت أقول : يا أبا فراس ، قل لا إله إلا الله ، فيقول (٢) :

يا رب قائلة يوما وقد لعبت (٣) :

كيف الطريق إلى حمام منجاب

ثم يقول : نعم ، لا إله إلا الله ، إلى أن مات.

ولما احتضر الفرزدق قال (٤) :

أروني من يقوم لكم مقامي

إذا ما الأمر جلّ عن العتاب (٥)

إلى من تفزعون إذا حثوتم

بأيديكم عليّ من التراب

قال أبو عمرو بن العلاء :

حضرت الفرزدق ، وهو يجود بنفسه ، فما رأيت أحسن ثقة بالله منه. وذلك في أول سنة عشر ومائة. فلم أنشب أن قدم جرير من اليمامة ، فاجتمع إليه الناس ، فما وجدوه كما عهدوه ، فقلت له في ذلك ، فقال : أطفأ الفرزدق جمرتي ، وأسال عبرتي ، وقرّب منيتي ، ثم شخص إلى اليمامة ، فنعي لنا في رمضان من تلك السنة.

وقيل : إن الفرزدق عاش حتى قارب المائة (٦) ، ومات سنة أربع عشرة ومائة (٧).

وكان له من الولد (٨) : لبطة وسبطة وخبطة (٩) وركضة ، فانقرض عقبه.

__________________

(١) كذا بالأصل ، ولم أجدها ، ولعله أراد أنه راودها عن نفسها ، كما في معجم البلدان.

(٢) البيت ليس في ديوانه ، وهو في معجم البلدان ٢ / ٢٩٩.

(٣) كذا ، وفي معجم البلدان : لغبت ، وهو أشبه ، يقال : لغب لغوبا ، ولغبا : أعياء (القاموس).

(٤) البيتان في ديوان الفرزدق ١ / ٩٥ وألا إني ٢١ / ٣٨٥.

(٥) الأغاني : جل عن الخطاب.

(٦) أنساب الأشراف ١٢ / ٧٩.

(٧) انظر وفيات الأعيان ٦ / ٩٧.

(٨) أنساب الأشراف ١٢ / ٨٧ نقلا عن أبي عبيدة ، وهم أولاد النوار ، وزيد فيها : زمعة.

(٩) في الأغاني : حبطة.

٧٠

وقيل : إن جريرا مات بعده بأربعين يوما (١).

قال لبطة بن الفرزدق :

رأيت أبي في النوم ، فقال لي : يا بني ، نفعتني الكلمة التي خاطبت بها الحسن. يعني : لما قال له : ما أعددت لهذا اليوم؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة.

لما نعي الفرزدق إلى جرير ، وهو بالبادية (٢) اعترض الطريق ، فإذا أعرابي على قعود له ، فقال له جرير : من أين؟ قال : من البصرة ، قال : هل من حاسة خبر؟ قال : نعم ، بينا أنا بالمربد فإذا جنازة عظيمة قد حفل لها الناس ، فيها الحسن البصري ، فقلت : من؟ قالوا : الفرزدق ، فبكى جرير بكاء شديدا ، فقال له قومه : أتبكي على رجل يهجوك وتهجوه مذ أربعون (٣) سنة؟! قال : إليكم عني ، فما تسابّ رجلان ، ولا تناطح كيّسان فمات أحدهما إلا تبعه الآخر عن قريب (٤) :

لعمري لئن كان المخبّر صادقا

لقد عظمت بلوى تميم وجلّت (٥)

فلا حملت (٦) بعد الفرزدق حرة

ولا ذات حمل (٧) من نفاس تعلّت (٨)

هو الوافد المحبوّ والرافع الثّأي (٩)

إذا النعل يوما بالعشيرة زلّت

[١٠٠٧٤] همام بن قبيصة بن مسعود بن عمير

ابن عامر بن عبد الله بن الحارث النّميري

من أصحاب معاوية. شاعر فارس. شهد صفين مع معاوية ، وكان مع الضحاك بن

__________________

(١) أنساب الأشراف ١٢ / ٧٨.

(٢) كذا وفي الأغاني وأنساب الأشراف : كان جرير باليمامة عند المهاجر بن عبد الله الكلابي.

(٣) كذا بالأصل : مذ أربعون سنة.

(٤) الأبيات في ديوان جرير ص ٦٨ وأنساب الأشراف ١٢ / ٧٨ والأغاني ٢١ / ٣٨٧.

(٥) ليس البيت في الديوان ولا في المصدرين السابقين.

(٦) الأغاني : ولدت.

(٧) الأغاني وأنساب الأشراف : بعل.

(٨) تعلت المرأة من نفاسها : انقضت عنها مدته.

(٩) الثأي : الإفساد ، والجراح والقتل ونحوه (القاموس).

وصدره في الديوان : هو الوافد المجبور والحامل الذي. وصدره في الأغاني : هو الوافد المأمون والراتق الثأي. وصدره في أنساب الأشراف : هو الوافد المحبوّ والراتق الثأي.

[١٠٠٧٤] جمهرة ابن حزم ص ٢٧٩ ووقعة صفين ص ٢٠٧ و ٣٩٧ وتاريخ خليفة ص ٢٥٢ والأخبار الموفقيات

٧١

قيس يوم مرجع راهط ، وقتل يومئذ ، وكان همام سيد قومه (١).

قال (٢) عمرو بن العاص لعبد الرحمن بن خالد : اقحم يا بن سيف الله ، فتقدم بلوائه ، وقدم أصحابه ، فأقبل علي على الأشتر ، فقال له : لقد بلغ لواء معاوية حيث ترى ، فدونك القوم ، فأخذ الأشتر لواء علي وهو يقول :

إني أنا الأشتر معروف الشّتر (٣)

إني أنا الأفعى العراقي الذكر

لست من الحي ربيع (٤) ومضر

لكنني من مذحج الغرّ (٥) الغرر

فضارب القوم حتى ردهم ، فانتدب لهم همام بن قبيصة ، وكان مع معاوية ، فشد نحو مذحج وهو يقول (٦) :

قد علمت حوراء (٧) كالتمثال

أنّي إذا ما دعيت نزال

أقدم إقدام الهزبر الخال (٨)

أهل العراق إنكم من بالي

حتى أنال فيكم المعالي

أو أطعم الموت وتلكم حالي

في نصر عثمان ولا أبالي

فحمل عليه عدي بن حاتم الطائي وهو يقول (٩) :

يا صاحب الصوت الرفيع العالي

إن كنت تبغي في الوغى نزال

فأقدم (١٠) فإني كاشف عن حالي (١١)

__________________

ص ٤١٢ وتاريخ الطبري ٥ / ٣٠٦ وأنساب الأشراف ٥ / ٧٠. والنميري ضبطت عن جمهرة ابن حزم ص ٢٧٩ وهو من ولد نمير بن عامر بن صعصعة.

(١) جمهرة ابن حزم ص ٢٧٩.

(٢) الخبر والرجز في وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ٣٩٦ ومروج الذهب ٢ / ٤٢٢.

(٣) الشتر انقلاب جفن العين من أعلى وأسفل وتشنجه. وفي مروج الذهب : السير.

(٤) ربيع مرخم ربيعة لغير نداء.

(٥) مروج الذهب : البيض.

(٦) الرجز في وقعة صفين ص ٣٩٧.

(٧) بالأصل : جارية ، والمثبت عن وقعة صفين.

(٨) وقعة صفين : الغالي.

(٩) الرجز في وقعة صفين ص ٣٩٧ ـ ٣٩٨.

(١٠) وقعة صفين : فادن.

(١١) زيد في وقعة صفين :

تفدي عليا مهجتي ومالي

وأسرتي يتبعها عيالي

٧٢

فالتقيا ، فضربه عدي ، وأخذ لواءه ، واقتتل الناس قتالا شديدا ، فدعا (١) علي ببغلة (٢) سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فركبها ، وتعصّب بعمامة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم السوداء ثم نادى : أيها الناس ، من يشري نفسه لله؟ من يبيع الله نفسه؟ هذا يوم له ما بعده ، فانتدب معه ما بين عشرة آلاف إلى اثني عشر ألفا ، فتقدمهم علي وهو يقول (٣) :

دبّوا دبيب النمل لا تقوتوا

وأصلحوا أمركم (٤) وبيتوا

حتى تنالوا الثأر أو تموتوا

فتبعه عدي بن حاتم وهو يقول (٥) :

أبعد عمار وبعد هاشم

وابن بديل فارس الملاحم

نرجو البقاء ضلّ حكم الحاكم (٦)

وقد عضضنا أمس بالأباهم

فاليوم لا تقرع سنّ نادم

ليس امرؤ من يومه بسالم

وتبعه الأشتر في مذحج وهو يقول (٧) :

حرب بأسباب الردى تأجّج

يهلك فيها البطل المدجّج

يكفيكها همدانها ومذحج

وحمل (٨) الناس حملة واحدة ، فلم يبق لأهل الشام صفّ إلا أزالوه حتى أفضوا إلى معاوية ، فدعا بفرسه لينجو عليه. قال معاوية : فلما وضعت رجلي في الركاب تمثلت بأبيات عمرو بن الإطنابة :

أبت لي عفتي وأبى بلائي

وأخذي الحمد بالثمن الربيح

__________________

(١) الخبر والرجز في وقعة صفين ص ٤٠٣.

(٢) في وقعة صفين : فرسه الذي كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان يقال له المرتجز ثم ركب بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الشهباء.

(٣) الرجز في وقعة صفين ص ٤٠٣ وديوان الإمام علي (رض) ص ٥١.

(٤) الديوان ووقعة صفين : بحربكم.

(٥) الرجز في وقعة صفين ص ٤٠٣.

(٦) وقعة صفين : مثل حلم الحالم.

(٧) الرجز في وقعة صفين ص ٤٠٤.

(٨) الخبر والشعر في وقعة صفين ص ٣٩٤ ـ ٣٩٥ و ٤٠٤ وانظر القصة في عيون الأخبار ١ / ١٢٦ ولباب الآداب ص ٢٢٣ والكامل للمبرد ٣ / ٣٠٣ ومعجم الشعراء للمرزباني ص ٢٠٤.

٧٣

وقولي كلما جشأت وجاشت

مكانك تحمدي أو تستريحي

فأقام ، فنظر معاوية إلى عمرو فقال : اليوم صبر ، وغدا فخر ، فقال عمرو : صدقت (١).

قدم أعرابي من بني هلال دمشق في خلافة معاوية ، فأتى همام بن قبيصة النّميري ، فقال له رجل من بني هلال : أصابتني السنة (٢) ، فأذهبت مالي ، فجئت أطلب الفريضة ، فكلم لي معاوية ، فقال له : إن معاوية علي غضبان ، ولست أدخل عليه ، ولكني أكلّم لك آذنه يدخلك عليه ، فإذا وضع الطعام فكل ، ثم علّمه كلاما يكلمه به إن لم يفرض له ، فكلم له الآذن ، فأدخله. فلما وضع الطعام أكل الأعرابي ثم قام فقال : يا أمير المؤمنين ، إنني من بني هلال أصابتني السنة ، فأذهبت مالي ، فجئت أطلب الفريضة ، فقال : وكلما أصابت السّنة أعرابيا أردنا أن نفرض له؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إن جلّ من معك أهل اليمن ، وقد كان فيهم ملك ، فهم ، لكنه صوّر ، وقد حدثوا بأنه سيرجع إليهم ، فإن رأيت أن تفرض لهذا الحي من مضر فتستظهر بهم ، فافعل ، فقال له معاوية : هذا كلام همام ـ فعرفه ـ أبالدوائر تخوّفاني؟! عليك وعلى همام لعنة الله ودائرة السوء ، ثم أمر ففرض له. وبلغ هماما الخبر ، فقال : إن كنا لنعدّ عقل معاوية يفضل ألف رجل ، فما زال به النساء والبنون والشفاعات حتى صار عقله إلى عقل مائة رجل.

لما (٣) بلغ يزيد بن معاوية أن أهل مكة أرادوا ابن الزبير على البيعة ، فأبى ، فأرسل النعمان بن بشير الأنصاري وهمام بن قبيصة النميري إلى ابن الزبير بن عوام إلى البيعة ليزيد على أن يجعل له ولاية للحجاز ، أو ما شاء ، وما أحب لأهل بيته من الولاية ، فقدما على ابن الزبير ، فعرضا عليه ما أمرهما يزيد ، فقال ابن الزبير : أتأمروني ببيعة رجل يشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، ويتبع الصيد؟ فقال همام : أنت أولى بذلك منه ، فلطمه رجل من قريش ، فرجعا إلى يزيد ، فغضب ، وحلف لا يقبل بيعته إلا وفي يده جامعة.

قال الحجاج لوازع بن ذؤالة الكلبي (٤) : كيف قتلت همّام بن قبيصة؟ قال : مر بي

__________________

(١) زيد في وقعة صفين : إنا وما نحن فيه كما قال ابن أبي الأقلح :

ما علتي وأنا رام نابل

والقوس فيها وتر عنابل

تزل عن صفحتها المعابل

الموت حق والحياة باطل

(٢) يعني الجدب والقحط.

(٣) الخبر رواه البلاذري في أنساب الأشراف ٥ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤ من طريق الواقدي.

(٤) الخبر والشعر في أنساب الأشراف ٦ / ٢٧٠ ـ ٢٧١ باختلاف الرواية.

٧٤

والناس منهزمون ، فلو شاء أن يذهب لذهب ، فلما رآني قصدني ، فضربته ، وضربني ، وسقط (١) ، فحاول القيام ، فلم يقدر ، فقال وهو في الموت (٢) :

تعست ابن ذات النّوف أجهز على فتى (٣)

يرى الموت خيرا من فرار وأكرما

ولا تتركنّي بالحشاشة (٤) إنني

صبور إذا ما النّكس مثلك أحجما

فدنوت منه فقال : أجهز علي ، قبحك الله ، فقد كنت أحب أن يلي هذا مني من هو أربط جأشا منك ، فاحتززت رأسه ، وأتيت به مروان (٥).

وكان مروان يقاتل الضحاك بن قيس بمرج راهط ، فجاء روح بن زنباع الجذامي فبشره بقتل الضحاك بن قيس ، وقتل همام بن قبيصة ، وقتل ابن معن (٦) السلمي ، وقال ابن مقبل (٧) :

يا جدع آنف قيس بعد همام

بعد المذبّب عن أحسابها الحامي

يعني همام بن قبيصة.

[١٠٠٧٥] همام بن محمد بن سعيد

أراه ابن عبد الملك بن مروان الأموي

حدث عن ميمون بن مهران قال (٨) :

__________________

(١) في أنساب الأشراف : فبادرته بضربة على عاتقه فأرديته عن دابته.

(٢) البيتان في أنساب الأشراف ٦ / ٢٧١ وتاج العروس «نوف».

(٣) في المصدرين : امرئ.

(٤) في تاج العروس : كالخشاشة.

(٥) زيد في أنساب الأشراف : قال : أأنت قتلته؟ قلت : نعم. قال : فهل أعانك عليه أحد؟ قلت : نعم ، الله وانقضاء مدته ، فقال : هو والله كما قال الشاعر :

وفارس هيجا لا يقام لبأسه

له صولة يزور عنها الفوارس

وشدة ليث ترهب الأسد وقعها

وتذعر منها العاويات العساعس

جرىء على الإقدام ليس بناكل

ولا يزدهيه الأحوسي المغامس

(٦) بالأصل : «ابن ثور» خطأ والصواب ما أثبت عن أنساب الأشراف ٦ / ٢٦٩ وهو ثور بن معن السلمي.

(٧) البيت في أنساب الأشراف ٦ / ٢٧٠ ، وهو ليس في ديوان ابن مقبل المطبوع.

(٨) رواه البلاذري في أنساب الأشراف ٨ / ٢٠١ من طريق عمر بن شبة ثنا أبو عاصم أنبأ عثمان بن خالد بن دينار عن أبيه عن ميمون بن مهران ، فذكره.

٧٥

قال لي عمر بن عبد العزيز : يا ميمون ، احفظ عني أربعا : لا تصحبنّ (١) سلطانا ، وإن أمرته بمعروف ، ونهيته عن منكر ، ولا تخلون بامرأة ، وإن أقرأتها (٢) القرآن ، ولا تصل من قطع رحمه ، فإنه لك أقطع ، ولا تكلمنّ بكلام اليوم تعتذر منه غدا.

[١٠٠٧٦] همام بن محمد بن أبي شيبان العبسي

حدث عن الوليد بن مسلم بسنده إلى أبي الدرداء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

في قول الله عزوجل : (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) [سورة الكهف ، الآية : ٨٣]. قال : «ذهب وفضة» (٣) [١٤٣٨٠].

[١٠٠٧٧] همام بن الوليد الدمشقي

حدث عن صدقة بن عمر الغساني بسنده إلى الحسن قال :

كان اسم كبش إبراهيم عليه‌السلام حرير ، واسم هدهد سليمان عبقر ، واسم كلب أصحاب الكهف قطمير ، واسم عجل بني إسرائيل الذي عبدته بهموت. وهبط آدم بالهند.

وهبطت حواء بجدة ، وهبط إبليس بدست ميسان (٤). وهبطت الحيّة بأصبهان.

[١٠٠٧٨] هميم بن همام بن يوسف

أبو العباس الطبري

حدث عن هشام بن خالد الأزرق بسنده عن أنس :

إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن العجين وقع فيه قطرات من دم ، فنهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أكله [١٤٣٨١].

قال الوليد : لأن النار لا تنشف الدم.

وحدث عن هشام بن عمار بسنده إلى أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«أما الوقوف عشية عرفة فإن الله يهبط إلى السماء الدنيا ، فيباهي بكم الملائكة ، فيقول :

__________________

(١) أنساب الأشراف : لا تأتين.

(٢) هذه الوصية جاءت في خبر ورد في حلية الأولياء ٥ / ٢٧٢.

(٣) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٥ / ٤٢١.

(٤) بالأصل : «دست بيسان» والمثبت عن المختصر لابن منظور ، وهي كورة كثيرة القرى والنخل بين البصرة وواسط.

كما في معجم البلدان ، وفي معجم ما استعجم : طسوج من طساسيج دجلة.

٧٦

هؤلاء عبادي ، جاءوني شعثا [غبرا](١) يرجون رحمتي. فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل ، وكعدد القطر .... (٢) أو الشجر لغفرتها لكم. أفيضوا عبادي ، مغفورا لكم ، ولمن شفعتم له» [١٤٣٨٢].

توفي هميم بن همام سنة ثلاث وتسعين ومائتين.

[١٠٠٧٩] هنبل بن محمد بن يحيى بن هنبل

أبو يحيى السليحي الحمصي

حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى أبي عنبة (٣) الخولاني قال :

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا مشى أقلع [١٤٣٨٣].

وحدث عن محمد بن إسماعيل بن عياش بسنده إلى جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«إن إبليس قد أيس أن يعبده المصلون ، ولكن في التحريش (٤) بينهم» [١٤٣٨٤].

[١٠٠٨٠] هنيدة : من أصحاب الوليد بن عبد الملك

قال الزهري (٥) : دخلت على عروة بن الزبير ، وهو يكتب إلى هنيدة (٦) صاحب الوليد بن عبد الملك ، وكان كتب يسأله عن قول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَ) [سورة الممتحنة ، الآية : ١٠] ، فكتب إليه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صالح قريشا يوم الحديبية على أن يريد عليهم من جاء بغير إذن ولي ، فكان يرد الرجال ، فلما هاجر النساء أبى الله ذلك ـ أن يردّهنّ إذا امتحنّ بمحنة الإسلام ، فزعمت

__________________

(١) بياض بالأصل ، واستدركت اللفظة للإيضاح من مسند أبي يعلى ٧ / ١٤٠.

(٢) بياض بالأصل بمقدار كلمة.

[١٠٠٧٩] السليحي ، بضم السين وفتح اللام ، وبفتح السين وكسر اللام نسبة إلى سليح ، وسليح كلاهما بطن من قضاعة. انظر الأنساب (السليحي ٣ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤).

(٣) صحابي مشهور بكنيته ، مختلف في اسمه ، فقيل عبد الله بن عنبة ، وقيل : عمارة. ترجمته في الإصابة ٤ / ١٤١ ـ ١٤٢.

(٤) يعني في حملهم على الفتن والحروب فيما بينهم (انظر النهاية لابن الأثير ـ حرش).

(٥) الخبر في الدر المنثور للسيوطي ٨ / ١٣٣ وأسباب النزول للواحدي ص ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

(٦) في أسباب النزول : «ابن هند» وفي الدر المنثور لم يسمه قال إن عروة بن الزبير سئل عن هذه الآية فكتب.

٧٧

أنها جاءت راغبة فيه ـ وأمره أن يرد صدقاتهن (١) إليهم إذا حبسوا (٢) عنهم ، وأن يردوا عليهم مثل الذي يردّ عليهم إن فعلوا ، فقال : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ) [سورة الممتحنة ، الآية : ١٠].

[١٠٠٨١] هني

مولى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه

كان عامل عمر على الحمى (٣) الذي حماه للمسلمين ، وكان مع معاوية بصفين.

[روى عن مولاه عمر بن الخطاب ، وعمرو بن العاص ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وأبي بكر الصديق. روى عنه : ابنه عمير بن هني ، وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ـ الباقر](٤).

حدث هني :

أن أبا بكر الصديق لم يحم شيئا من الأرض إلا للنفع (٥) ، وقال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حماه ، فكان يحميه للخيل التي يغزا عليها. وكانت إبل الصدقة إذا أخذت عجافا أرسل بها إلى الرّبذة (٦) ، وما والاها ترعى هناك ، ولا يحمي لها شيئا ، ويأمر أهل المياه لا يمنعون من ورد عليهم أن يشرب معهم ، ويرعى عليهم.

فلما كان عمر بن الخطاب ، وكثر الناس ، وبعث البعوث إلى الشام ، وإلى مصر ، وإلى العراق حمى الربذة ، واستعملني على حمى الربذة (٧).

كان (٨) عمر بن الخطاب استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمى (٩) ، فقال : يا هني

__________________

(١) في الدر المنثور : «صداقهن» وفي أسباب النزول : «أصدقائهن».

(٢) الدر المنثور : «حبسن عنهم» وفي أسباب النزول : «احتبسن عنهم».

[١٠٠٨١] ترجمته في تهذيب الكمال ١٩ / ٣١٠ وتهذيب التهذيب ٦ / ٤٩ والإصابة ٣ / ٦٢٠ والإكمال ٧ / ٣١٩. وهني بالتصغير كما في الإصابة.

(٣) الحمى بكسر أوله وفتح ثانيه.

(٤) ما بين معكوفتين استدرك عن تهذيب الكمال ١٩ / ٣١٠.

(٥) في الإصابة : إلا البقيع.

(٦) الربذة قرية من قرى المدينة.

(٧) الإصابة : ٣ / ٦٢٠.

(٨) تقدم الخبر في ترجمة عمر بن الخطاب (رضي‌الله‌عنه) ٤٤ / ٣٤١ ـ ٣٤٢.

(٩) الحمى موضع يعينه الإمام لنحو نعم الصدقة ممنوعا على الغير ، قاله الشارح (هامش البخاري).

٧٨

اضمم جناحك عن الناس (١) ، واتق دعوة المظلوم ، فإن دعوة المظلوم مجابة ، وأدخل رب الصّريمة (٢) والغنيمة ، وإياي ونعم ابن عفان وابن عوف ، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع ، وإن رب الصّريمة والغنيمة إن تهلك ماشيته يأتيني (٣) بالبينة فيقول : يا أمير المؤمنين ، يا أمير المؤمنين ، أفتاركهم أنا لا أبا لك؟ فالملأ والكلأ أيسر علي من الورق (٤) ، وايم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم ، إنها لبلادهم ومياههم ، قاتلوا عليها في الجاهلية ، وأسلموا عليها في الإسلام ، والذي نفسي بيده لو لا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا.

قال هني مولى عمر بن الخطاب (٥) :

كنت أول شيء مع معاوية على علي ، فكان أصحاب معاوية يقولون : والله لا نقتل عمارا أبدا ، إن قتلناه فنحن كما يقولون ، فلما كان يوم صفين ذهبت أنظر في القتلى فإذا عمار ابن ياسر مقتول. قال هني : فجئت إلى عمرو بن العاص ، وهو على سريره ، فقلت : أبا عبد الله ، قال : ما تشاء؟ قلت : انظر أكلّمك ، فقام إلي ، فقلت : عمار بن ياسر ، ما سمعت فيه؟ فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تقتله الفئة الباغية» ، فقلت : هو ذا والله مقتول ، فقال : هذا باطل ، فقلت : بصر عيني مقتول ، قال : فانطلق فأرينيه (٦) ، فذهبت. فأوقعته عليه ، فساعة رآه امتقع (٧) ، ثم أعرض في شق ، وقال : إنما قتله الذي خرج به [١٤٣٨٥].

وفي رواية : إنما قتله أصحابه.

[قال ابن ماكولا](٨) : [وأما هني بضم الهاء وفتح النون فهو هني مولى عمر بن

__________________

(١) في ترجمة عمر : المسلمين.

(٢) الصريمة تصغير الصرمة ، وهي القطعة القليلة من الإبل.

(٣) كذا ، وفي ترجمة عمر : يأتني ببنيه.

(٤) ترجمة عمر : من الذهب والورق.

(٥) الخبر رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٣ / ٢٥٣ في ترجمة عمار بن ياسر عن خالد بن مخلد حدثني سليمان بن بلال حدثني جعفر بن محمد قال : سمعت رجلا من الأنصار يحدث أبي عن هني مولى عمر بن الخطاب ، وذكره. وتقدم الخبر في كتابنا هذا في ترجمة عمار بن ياسر ٤٣ / ٤٧٩ ـ ٤٨٠.

(٦) كذا وفي ابن سعد وترجمته المتقدمة : فأرنيه ، وهو الصواب.

(٧) كذا بالأصل وترجمة عمار ، وفي ابن سعد : انتقع.

(٨) زيادة للإيضاح.

٧٩

الخطاب ، سمع عمر رضي‌الله‌عنه ، ذكره البخاري ، روى حديثه زيد بن أسلم عن أبيه](١).

[١٠٠٨٢] هود بن عبد الله بن رباح بن خالد

ابن الخلود بن عاد بن عوض بن إرم بن سام

ابن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ

وهو ـ إدريس ـ بن يارد بن مهلائيل بن قتبان

ابن أنوش بن شيث بن آدم نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

وقال بعض النسابين إن هودا هو عابر بن شالخ بن أرفخشذ (٢) بن سام بن نوح (٣).

قيل : إن هودا بنى الحائط القبلي من جامع دمشق. وقيل : إن قبره به (٤). وقيل : قبره بمكة. وقيل : قبره باليمن.

وكان عاد ابن عوض بن إرم بن سام بن نوح. وكان الضحاك بن أهنوت من ولد قحطان ، وهو أهنوت بن ملل بن لاوذ بن الغوث بن الفزر بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يعرب ابن قحطان بن أنمر بن الهميسع بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم بن تارح ، وهو آزر بن ناخور ابن ارغو بن أسروغ بن فالغ بن يقطن ، وهو قحطان بن عابر ، وهو هود النبي ـ صلى الله على نبينا وعليه وسلم ـ ابن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح.

وأول (٥) نبي بعثه الله إدريس ثم نوح ثم إبراهيم ثم إسماعيل وإسحاق [ابنا إبراهيم](٦) ثم يعقوب ثم يوسف ثم لوط ثم هود بن عبد الله بن الخلود بن عاد بن عوض (٧) بن

__________________

(١) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن الإكمال لابن ماكولا ٧ / ٣١٩.

[١٠٠٨٢] انظر أخباره في تاريخ الطبري ١ / ١٣٣ وما بعدها (ط. بيروت) البداية والنهاية ١ / ١٣٧ وما بعدها وأنساب الأشراف ١ / ٨ والكامل لابن الأثير ١ / ٧٩ ومروج الذهب (الفهارس) في الجزء الأول والثاني. وثمة خلاف كبير في عامود نسبه بين مختلف المصادر التي ترجمته. ذكر هود في القرآن الكريم سبع مرات ، فذكر في سورة الأعراف ٦٥ وفي سورة هود : ٥٠ ـ ٥٣ ـ ٥٨ ـ ٦٠ ـ ٨٩ وفي سورة الشعراء ١٢٤.

(٢) تحرفت بالأصل إلى : أفخشد.

(٣) تاريخ الطبري ١ / ١٣٣.

(٤) البداية والنهاية ١ / ١٤٩.

(٥) انظر الخبر ، رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ١ / ٥٤ من طريق هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه ، وذكره.

(٦) زيادة عن ابن سعد.

(٧) عند ابن سعد : غوص.

٨٠