تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٤

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٤

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٩
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

[١٠٢٢٢] يونس بن متّى

ذو النّون نبيّ الله ، ورسوله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم

وهو من سبط لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم‌السلام. كان من أهل الشام ، من أعمال بعلبكّ. قيل إنه مات وهو صغير (١) ، فسألت أمّه نبيّ الله إلياس عليه‌السلام ، فدعا الله ، فأحياه (٢) ، ولم يكن لها غيره ، ونبّئ يونس وله أربعون سنة ، وكان من عبّاد بني إسرائيل ، فهرب بدينه من الشام ، ونزل شاطئ دجلة ، فبعثه الله إلى أهل نينوى (٣).

قال إسحاق بن بشر بأسانيده :

كان يونس عبدا صالحا ، لم يكن في الأنبياء أحد أكثر صلاة منه ، كان يصلّي كل يوم ثلاثمائة ركعة قبل أن يطعم ، وقلّما كان يطعم من دهره. وكان يصلّي كلّ ليلة قبل أن يأخذ مضجعه ثلاثمائة ركعة ، وقلّما كان يتوسّد الأرض. فلما أن فشت المعاصي في أهل نينوى ، وعظمت أحداثهم بعث إليهم.

عن الحسن قال :

كانت العجائب في بني إسرائيل ، ولا يموت نبي حتى يبعث الله نبيا مكانه. وإنّها كانت تكون فيهم الأنبياء الكثيرة.

قال محمّد بن إسحاق (٤) : حدّثني ربيعة بن أبي عبد الرّحمن قال : سمعت ابن منبه اليماني يقول :

إنّ للنبوة أثقالا ومئونة لا يحملها إلّا القوي ، وإن يونس بن متّى كان عبدا صالحا ، وكان خلقه ضيقا (٥) ، فلما حملت عليه النبوة تفسّخ تحتها تفسّخ الرّبع (٦) تحت الحمل ،

__________________

[١٠٢٢٢] انظر أخباره في تاريخ الطبري ١ / ٣٧٥ والبداية والنهاية ١ / ٢٦٧ والكامل لابن الأثير ١ / ٢٣٥.

(١) كان صبيا يرضع ، كما في تفسير القرطبي ١٥ / ١٢١.

(٢) وذلك بعد موته بأربعة عشر يوما ، كما في تفسير القرطبي ١٥ / ١٢١.

(٣) نينوى : بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح النون والواو ، قرية يونس بن متى عليه‌السلام ، بالموصل. (معجم البلدان ٥ / ٣٣٩).

(٤) من طريقه رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٤ / ٥٠ في ترجمة وهب بن منبه.

(٥) في مختصر أبي شامة : ضيق.

(٦) الربع : ما ولد من الإبل في الربيع ، أراد أنه لم يطقه.

٢٨١

فرفضها من يده ، وخرج هاربا ، فقال الله تعالى لنبيّه : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [سورة الأحقاف ، الآية : ٣٥] ، وقال : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) [سورة القلم ، الآية : ٤٨].

قال علي بن عاصم : قال بعض أصحابنا :

بلغني أنّ يونس ـ عليه‌السلام ـ كان في خلقه ضعف ، والنبوة لها ثقل ، فأتاه جبريل وهو قائم يصلي في المسجد ، فقذفها عليه ، فتفسّخ تحتها.

وقال علي بن عاصم عن عون عن الحسن قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قال ربكم تعالى : لا ينبغي لعبد أن يقول : أنا خير من يونس بن متّى» [١٤٤٣٩].

وقال ابن صاعد حدّثنا بندار حدّثنا محمّد حدّثنا شعبة (١) عن قتادة عن أبي العالية قال وحدّثنا ابن عمّ نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ابن عباس قال : [قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :](٢)

«قال الله تبارك وتعالى : ما ينبغي لأحد أن يقول : أنا (٣) خير من يونس بن متّى» ونسبه إلى أبيه.

قال إسماعيل بن عيسى حدّثنا علي بن عاصم ، عن داود بن أبي هند ، عن شهر بن حوشب قال : كان يونس بن متّى رجلا من بني إسرائيل ، وكان قلما رئي ساعة تحل فيها الصلاة إلّا وجد يصلي ، فأتاه الرسول ، فوجده يصلي في المسجد ببيت المقدس ، فانفتل إليه ، فقال له : إنّ الله يأمرك أن تأتي أهل نينوى ، فتدعوهم إليه ، قال : إلى أهل المدرة (٤) السّوء؟ قال : نعم. فجعلت نفسه تأبى ، فعاد الرسول إليه ، فوجده [قائما](٥) يصلّي في المسجد ، فأعاد عليه الرسالة ، قال : إنما آتيهم مشيا ، فأخرج إلى السوق ، فاشتري حذاء. فنهض عنه الرسول. وأبت نفسه ، وجعل يقول : أولئك يجيئوني ، كانوا عند بني إسرائيل

__________________

(١) من طريقه رواه ابن كثير في البداية والنهاية ١ / ٢٧٢.

وقال ابن كثير : ورواه أحمد ومسلم وأبو داود من حديث شعبة به ، قال شعبة فيما حكاه أبو داود عنه : لم يسمع قتادة من أبي العالية سوى أربعة أحاديث هذا أحدها.

(٢) ما بين معكوفتين سقط من مختصر أبي شامة. والحديث مرفوع في البداية والنهاية ، وفيه : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٣) في البداية والنهاية : إني.

(٤) المدرة : المدينة الضخمة ، والعرب تسمي القرية : المدرة.

(٥) استدركت عن هامش مختصر أبي شامة.

٢٨٢

أخبث أهل الأرض ، لأنهم كانوا أوّل من غزا بيت المقدس ، وقتلوا وحرقوا. فعاد إليه الرسول ، فوجده قائما يصلي في المسجد. فاستحثّه ، فخرج مغاضبا ، وأتى البحر ، فوجد سفينة ـ فذكر ركوبه فيها ، والتقام الحوت إياه (١).

عن ابن عباس في قوله تعالى : (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) [سورة الأنبياء ، الآية : ٨٧] ، قال : عبد أبق من ربّه (٢). ثم اجتباه.

وعنه في قوله : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٨٧] ، يقول : ظن ألّا يأخذه العذاب الذي أصابه ـ وفي رواية : غضب على قومه ، فظن أن لن نقضي عليه عقوبة ، ولا بلاء فيما صنع بقومه في غضبه عليهم ، وفراره.

وعن مجاهد : «فظن أن لن نقدر عليه» ؛ أن لن نعاقبه بذنبه.

وعن قتادة في قوله تعالى : (فَساهَمَ ، فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) [سورة الصافات ، الآية : ١٤١] ، قال : احتبست السفينة ، فعلم القوم أنّها احتبست من حدث أحدثه بعضهم ، فتساهموا ، فقرع يونس (٣) ، فرمى بنفسه ، (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) [سورة الصافات ، الآية : ١٤٢] ، قال : وهو مسيء فيما صنع ، (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) [سورة الصافات ، الآية : ١٤٣] ، قال : كان كثير الصلاة في الرّخاء ، ناجاه.

قال إسحاق بن بشر : أخبرنا سعيد عن قتادة عن الحسن :

أن يونس كان مع نبيّ (٤) من أنبياء بني إسرائيل ، فأوحى الله إليه أن ابعث يونس إلى أهل نينوى يحذّرهم عقوبتي. قال : وكانت الأنبياء تبعث بإقامة التوراة فيهم ، وما أنزل الله بعد موسى كتابا إلّا الإنجيل ، وزبور داود. فمضى يونس على كره منه ، وكان رجلا حديدا ، شديد الغضب لله ـ عزوجل ـ فأتاهم ، وحذّرهم ، وأنذرهم. فكذّبوه ، وردّوا عليه نصيحته ، ورموه بالحجارة ، وأخرجوه. فانصرف عنهم. فقال له نبي بني إسرائيل : ارجع إليهم ، فرجع ، ففعلوا مثل ذلك ثلاث مرات ، فأوعدهم العذاب ، فقالوا : كذبت.

__________________

(١) انظر تاريخ الطبري ١ / ٣٧٥.

(٢) انظر تفسير القرطبي ١١ / ٣٣٠.

(٣) فساهم : فقارع ، وأصله من السهام التي تجال ، فكان من المدحضين يعني من المغلوبين ، ولما غلب رمى بنفسه.

(٤) هو النبي شعيا كما يفهم من العبارة في تفسير القرطبي ١١ / ٣٣٠.

٢٨٣

قال ابن عباس : فلمّا أيس من إيمان قومه (١) دعا عليهم ربّه ، وأوعدهم العذاب بعد ثلاثة أيام (٢) ، وأخرج أهله ، ومعه ابناه صغيرين ، فصعد جبلا ينظر إلى أهل نينوى ، ويترقب العذاب. قال : وعاين قوم يونس العذاب للوقت الذي وقّت لهم يونس ، فلمّا استيقنوا بالعذاب سقط (٣) في أيديهم ، وعلموا أن يونس قد صدقهم ، فبعث القوم إلى أنبياء كانت في بني إسرائيل ، فسألوهم عما ابتلوا به ، فقالوا : اطلبوا يونس يدعو لكم ، فإنّه هو الذي دعا عليكم ، فطلبوه ، فلم يقدروا عليه ، فقالوا : تعالوا نجتمع إلى الله ، فنتوب إليه. فخرجوا جميعا الرجال والنساء والبهائم ، وجعلوا الرماد على رءوسهم ، ووضعوا الشوك من تحت أرجلهم ، ولبسوا المسوح (٤) والصوف ، ثم رفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء ، وجأروا (٥) إلى الله ، وعلم الله منهم الصدق ، فقبل توبتهم (٦).

يقول الله تعالى : (فَلَوْ لا) ، يعني : فلم يكن (قَرْيَةٌ آمَنَتْ) عند معاينة العذاب ، (فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [سورة يونس ، الآية : ٩٨].

قال (٧) : وكانوا عاينوا العذاب أول يوم من ذي الحجة ، ورفع عنهم يوم العاشر من المحرم. فلما (رأى) يونس ذلك جاءه إبليس عدو الله ، فقال له : يا يونس ، إنّك إن رجعت إلى قومك اتّهموك وكذبوك ، فذهب مغاضبا لقومه ، (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٨٧] ، فقد كذب. فانطلق يونس حتى أتى شاطئ دجلة معه أهله وابناه. فجاءت سفينة ، فقال : احملوني ، فقالوا : قد أوقرنا سفينتنا هذه ، فإن شئت حملنا بعض من معك ، فتلحقنا بسفينة أخرى ، فتركبها. قال : فحمل أهله ، وبقي يونس وابناه ، فطلعت سفينة ، فانطلق يونس إليها ، ودنا أحد ابنيه من شاطئ دجلة ، فزلّت رجله ، فوقع في الماء ،

__________________

(١) قيل إنه أقام يدعوهم تسع سنين انظر تفسير القرطبي ٨ / ٣٨٤.

(٢) في تفسير الرازي الكبير : بعد أربعين ليلة.

(٣) سقط في يده وأسقط زل وأخطأ ، وقيل : ندم ، وفي التنزيل العزيز (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) قال الفارسي : ضربوا أكفهم على أكفهم من الندم. (تاج العروس).

(٤) المسوح واحده مسح بالكسر ، وتفتح ، ثوب من الشعر غليظ (تاج العروس).

(٥) جأر الداعي رفع صوته بالدعاء ، وجأر الرجل إلى الله : تضرع بالدعاء وضجّ واستغاث.

(٦) انظر تاريخ الطبري ١ / ٣٧٦ والبداية والنهاية ١ / ٢٦٧ ـ ٢٦٨.

(٧) انظر تاريخ الطبري ١ / ٣٧٦ والبداية والنهاية ١ / ٢٦٨ وتفسير القرطبي ١٥ / ١٣٠.

٢٨٤

فغرق ، وجاء الذئب فاحتمل ابنه الآخر ، فأكله. فجاء يونس ، فوجد أحد ابنيه طافيا على الماء ، والآخر قد أكله الذئب ، فعلم أنها عقوبة ، فركب السفينة ليلحق بأهله ، فلمّا توسطت السفينة الماء أوحى الله إلى السفينة أن اركدي ، فركدت ، والسفن تمر يمينا وشمالا ، فقالوا : ما بال سفينتكم؟ قالوا : لا ندري. قال يونس : أنا أدري ، فيها عبد أبق من ربّه ، فلا تسير حتى تلقوه. قالوا : ومن هو؟ قال : أنا ، فقالوا : أمّا أنت فلسنا نلقيك والله ، ما نرجوا النجاة منها إلّا بك! قال : فاقترعوا ، فمن قرع فألقوه في الماء ، فاقترعوا ، فقرعهم يونس ، فأبوا أن يلقوه في الماء ، وقالوا : إن القرعة تخطئ وتصيب. فاقترعوا الثانية ، فقرعهم ، فقال لهم : ألقوني في الماء ، فأوحي إلى حوت كان يكون في بحر من وراء البحور أن يجيء حتى يحيط بسفينة يونس (١) ، فاخترق الحوت البحار ، فاستقبل سفينة يونس ، فأحاط بها ، وفغر فاه ، فأوحى الله إلى الحوت ألّا يخدش له لحما ، ولا يكسر له عظما ، فإنه نبيي وصفيي. وقال الحوت : يا رب ، جعلت بطني له مسكنا ، لأحفظنّه حفظ الوالدة ولدها. قال : واحتمل يونس إلى ناحية السفينة ليلقى في الماء ، فانصرف الحوت إليها ، فقال : انطلقوا بي إلى ناحية أخرى ، فانطلقوا به ، فإذا هم بالحوت ، ففعلوا مثل ذلك بجميع جوانب السفينة ، فقال : اقذفوني ، فقذفوا به ، فأخذه الحوت ، وهوى به إلى مسكنه من البحر ، ثم انطلق به إلى قرار الأرض ، فطاف به البحار أربعين يوما (٢) ، فسمع يونس تسبيح الجن ، وتسبيح الحيتان ، فجعل يسمع الحسّ ، ولا يرى ما هو ، فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت : يا يونس ، هذا تسبيح دوابّ البحر ، فجعل يسبّح ويهلّل ، وقال : سيّدي ، من الجبال أهبطتني ، وفي البلاد سيّرتني ، وفي الظلمات الثلاث سجنتني : ظلمة الليل ، وظلمة الماء ، وظلمة بطن الحوت (٣). إلهي ، عاقبتني بعقوبة لم تعاقبها أحدا قبلي.

__________________

(١) الذي في تاريخ الطبري والبداية والنهاية أنهم أبوا عليه لما شمر ، بعد ما قرع للمرة الثانية ، ليخلع ثيابه ويلقي نفسه ، فأعادوا القرعة للمرة الثالثة فوقعت عليه ، فكان أيضا من المدحضين ، فلما رأى ذلك ألقى نفسه في البحر.

(٢) قال ابن كثير : اختلفوا في مقدار لبثه في بطنه ، فقال مجالد عن الشعبي التقطه ضحى ولفظه عشية ، وقال قتادة : مكث فيه ثلاثا ، وقال جعفر الصادق : سبعة أيام. البداية والنهاية ١ / ٢٦٩ وانظر تفسير القرطبي ١٥ / ١٢٣.

(٣) وقال سالم بن أبي الجعد : ابتلع الحوت حوت آخر فصار : ظلمة الحوتين مع ظلمة البحر ، وقال الماوردي : إنه يحتمل أن يعبر بالظلمات عن ظلمة الخطيئة وظلمة الشدة وظلمة الوحدة.

٢٨٥

فلمّا كان تمام أربعين ليلة وهي قدر ما كان قومه في العذاب ، وأصابه الغم ، (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٨٧] ، فسمعت الملائكة بكائه ، وعرفوا صوته ، فبكت الملائكة لبكاء يونس ، وقالوا : يا ربّنا ، صوت ضعيف حزين نعرفه في مكان غريب! قال : ذلك عبدي يونس ، عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر. فقالوا : يا رب ، العبد الصالح الذي كان يصعد له كل يوم وليلة العمل الصالح الكثير؟ قال : نعم.

قال ابن عباس : هذه عقوبته لأوليائه فكيف لأعدائه؟ فشفعت له الملائكة ، فبعث الله جبريل إلى الحوت يأمره أن يقذف يونس حيث ابتلعه ، قال : فجاء به إلى شاطئ دجلة ، فدنا جبريل من الحوت ، وقرب فاه من في الحوت ، وقال : السّلام عليك يا يونس ، رب العزة يقرئك السلام ، فقال يونس : مرحبا بصوت كنت خشيت ألّا أسمعه أبدا ، ومرحبا بصوت كنت أرجوه قريبا من شدّتي. ثم قال جبريل للحوت : اقذف يونس بإذن الرحمن ، فقذفه مثل الفرخ الممعوط الذي ليس عليه ريش ، فاحتضنه جبريل ـ وقيل : بقي يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاثة (١) ليال ـ وقذفه على الساحل مثل الصبي المنفوس ، لم ينقص منه خلقا ، ولم يكسر (٢) له عظما (٣).

وقيل : لمّا أمر الحوت أن يلتقمه قال : يا رب ، كنت أشقى خلقك برسولك! فبعث الله حوتا آخر ، فجعل يقول للحوت : والله لتلقمن يونس أو لألتقمنّك ، فمضى الحوت لأمر الله تعالى. وقيل : أوحى الله إلى الحوت : إنّي لم أجعل يونس لك رزقا ، وإنما جعلت بطنك له سجنا (٤) ؛ فلا تهشمن من يونس عظما. وقيل : لمّا استقر في بطن الحوت قال : وعزتك ، لأبنين لك مسجدا في مكان لم يبنه أحد قبلي ، فجعل يسجد له. وقال تعالى : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) [سورة الصافات ، الآية : ١٤٣] ، أي من المكثرين للصلاة قبل ذلك.

قال الحسن :

شكر الله له صلاته قبل ذلك ، فأنجاه بها.

__________________

(١) كذا في مختصر أبي شامة.

(٢) في مختصر ابن منظور : يكس.

(٣) انظر تاريخ الطبري ١ / ٣٧٧ ـ ٣٧٨ والبداية والنهاية ١ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠ وتفسير القرطبي ١٥ / ١٢٣ ـ ١٢٤.

(٤) في تفسير القرطبي ١٥ / ١٢٧ إنما جعلناك له حرزا ومسجدا.

٢٨٦

قال ميمون بن مهران : سمعت الضحاك بن قيس يقول على المنبر :

اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة ، فإن يونس كان عبدا ذاكرا لله ، فلما أصابته الشدة دعا الله ، فقال الله : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ). وكان فرعون طاغيا ، فلمّا (أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ : آمَنْتُ)(١) [سورة يونس ، الآية : ٩٠] ، فقال الله : (آلْآنَ ، وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) [سورة يونس ، الآية : ٩١].

وعن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«دعوة ذي النّون الذي (٢) دعا بها في بطن الحوت : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٨٧] ، لم يدع بها مسلم في كربة إلّا استجاب الله له» (٣) [١٤٤٤٠].

قال علي بن عثّام :

دعاء الأنبياء : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [سورة القصص ، الآية : ٢٤] ، (إِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) [سورة هود ، الآية : ٤٧] ، (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٨٧].

عن سعيد بن جبير قال :

لمّا ألقي يونس في بطن الحوت جرى به الحوت في البحور كلها سبعة أيام ، ثم انتهى إلى شطّ دجلة ، فقذفه على شطّ دجلة ، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين ، قال : من نبات البرية (٤) ، وأرسله إلى (مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) [سورة الصافات ، الآية : ١٤٧] ، قال : يزيدون

__________________

(١) يعني أنه ناله ووصله ، عندئذ قال : آمنت ، أي صدّقت.

(٢) كذا في مختصر أبي شامة.

(٣) رواه أبو داود عن سعد ابن أبي وقاص عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأخرجه من هذا الطريق في تفسير القرطبي ١١ / ٣٣٤.

وفي الخبر : في هذه الآية شرط الله لمن دعاه أن يجيبه كما أجابه ، وينجيه كما أنجاه ، وهو قوله (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) وليس هاهنا صريح دعاء ، وإنما هو مضمون قوله (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فاعترف بالظلم فكان تلويحا.

وانظر البداية والنهاية ١ / ٢٧١ ـ ٢٧٢.

(٤) قيل هي شجرة الدّبّاء ، وقيل هي فيما ذكر شجرة القرع ، في قول سعيد بن جبير ، وقيل هي شجرة التين ، وقيل : شجر الموز.

٢٨٧

سبعين ألفا (١) ، وقد كان أظلهم العذاب ، ففرقوا بين كل ذات رحم ورحمها من الناس والبهائم ، ثم عجّوا إلى الله ، فصرف عنهم العذاب ، ومطرت السماء دما.

قال أمية بن أبي الصّلت قبل الإسلام في ذلك بيتا من شعر (٢) :

فأنبت يقطينا عليه برحمة

من الله ، لو لا الله ألقي ضاحيا (٣)

عن مجاهد في قوله تعالى :

(وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) [سورة الصافات ، الآية : ١٤٦] ، قال : كلّ غير ذات أصل من الدّبّاء وغيره.

عن الحسن قال :

وكان لها ظل واسع يستظل بها ، وأمرت أن ترضعه أغصانها ، فكان يرضع منها كما يرضع الصبيّ ، ويئوب إليه جسمه.

وفي رواية أخرى عن الحسن قال :

بعث الله تعالى إلى يونس وعلة من وعل الجبل ، يدرّ ضرعها لبنا ، حتى جاءت إلى يونس وهو مثل الفرخ ، ثم ربضت ، وجعلت ضرعها في في يونس ، فكان يمصّه كما يمص الصبيّ ، فإذا شبع انصرفت ، فكانت تختلف إليه حتى اشتدّ ، ونبت شعره خلقا جديدا ، ورجع إلى حاله قبل أن يقع في بطن الحوت ، فمرّت به مارّة ، فكسوه كساء فبينا هو ذات يوم نائم إذ أوحى الله إلى الشمس : أحرقي شجرة يونس ، فأحرقتها ، وأصابت الشمس جلده ، فأحرقته ، فبكى وفي رواية أخرى :

فلما يبست الشجرة عنه قعد يونس يبكي حزنا عليها.

فأوحى الله إليه : أتبكي على شيء لا ينفع ، ولا يضرّ ولم تبك على أن بعثتك إلى أكثر من مائة ألف.

وفي أخرى : أتبكي على شجرة أنبتها الله ، ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن

__________________

(١) وقال ابن عباس : عشرين ألفا ، وعنه أيضا : ثلاثين ألفا ، وعن الحسن والربيع : بضعا وثلاثين ألفا.

(٢) البيت في البداية والنهاية ١ / ٢٧١ والدر المنثور للسيوطي ٧ / ١٣٠.

(٣) في البداية والنهاية : «أصبح ضاويا» وفي الدر المنثور : ألفى ضاحيا.

٢٨٨

تهلكهم في غداة واحدة (١)؟ فعند ذلك عرف يونس ذنبه ، فاستغفر ربّه ، فغفر له.

وعن ابن عباس :

أن يونس لما التقمه الحوت ، وقعد بالأرض السابعة (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٨٧] فأخرجه فألقاه على وجه الأرض مثل المنفوش (٢) لا ظفر ولا شعر ، فأنبت الله عليه شجرة يستظل تحتها ، فتساقط ورقها ويبست ، فحزن لذلك ، فأوحى الله إليه : أتحزن على شجرة ولا تحزن على مائة ألف أو يزيدون؟

وروي عن عائشة مرفوعا :

«أمّا صلاة الفجر فتاب الله على آدم ، وأمّا صلاة الهاجرة فتاب الله على داود ، وأمّا العصر فتاب الله على سليمان ، وأمّا المغرب فبشر يعقوب بيوسف ، وأمّا العشاء فأخرج الله يونس من بطن الحوت حين (٣) اشتبكت النجوم ، وغاب الشّفق ، فصلى لله أربع ركعات شكرا ، فجعلها الله لي ولأمّتي تمحيصا ، وكفّارات ودرجات». وكذا قال في البواقي.

وقيل : إن يونس كان آثر الصمت ، فقيل له : يا نبي الله ، إنّا نراك تكثر السكوت؟ فقال : كثرة الكلام أسكنتني بطن الحوت. فلمّا خرج يونس من بطن الحوت عاتبه الله في دعائه على قومه ، فقال له : آليت على نفسي أن أعذّبك ، فقال : عذاب الدنيا ، فقال : اخطب من فلان ابنته ، ففعل ، فكانت تسومه سوء العذاب.

قال محمّد بن زكريا الغلابي : حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن ، عن أبيه ، قال : كان .... (٤) يكنى أبا إسحاق ، وكانت له نوادر ، فبينا ذات يوم جالس إذ جاء أصحابه ، فقالوا : يا أبا إسحاق ، هل لك في الخروج بنا إلى العقيق ، وإلى قباء ، وإلى أحد ناحية قبور الشهداء؟ فإن هذا يوم كما ترى طيب. فقال : اليوم يوم الأربعاء ولست أبرح من منزلي ، فقالوا : ما تكره من يوم الأربعاء ، وفيه ولد يونس بن متّى. قال : بأبي وأمي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد التقمه الحوت ، فقالوا : يوم نصر فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الأحزاب. قال : أجل ، ولكن بعد أن زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر.

__________________

(١) انظر تفسير القرطبي ١٥ / ١٣١.

(٢) كذا ورد هنا في مختصر أبي شامة : «المنفوش» ومرّ : كالصبي المنفوس.

(٣) في مختصر أبي شامة : حتى.

(٤) رسمها في مختصر أبي شامة : «مربد».

٢٨٩

قال شهر بن حوشب :

كانت رسالة يونس بعد ما نبذه الحوت (١). ولم يذهب إلى القوم إلّا من بعد ما خرج من بطن الحوت.

قال إسحاق أخبرنا سعيد عن قتادة ، عن الحسن قال :

إنّ يونس كان نبيا ، ثم صار من بعد ما أنجاه الله من بطن الحوت نبيا رسولا ، لأنّ الله يقول : (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ. وَأَرْسَلْناهُ) [يعني](٢) من بعد ذلك (إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) ، قال : والزّيادة عشرون ألفا ، وقيل : سبعون ألفا.

قال هشام بن عمار ، حدّثنا الوليد بن مسلم ، حدّثنا سعيد بن بشير ، عن قتادة قال :

إن يونس ـ عليه‌السلام ـ لقي راعيا من أهل نينوى بعد أن كشف الله عنهم العذاب ، فقال له : أنا يونس ، فقال الراعي : هات بيّنة على ما تقول ؛ فإنّي من قوم إذا حدّث رجل منهم فكذّب قتل. قال : هذه الشاة تشهد لك ، وهذه الشجرة. فشهدتا له بذلك ، فملكوه (٣).

وعن الحسن قال :

فرجع يونس ، فمرّ براع من رعاة قومه ، فقال له : ما فعل يونس؟ قال : لا ندري ما حاله ، غير أنّه كان خير الناس ، وأصدق الناس ، وأخبرنا عن العذاب فجاءنا على ما قال ، فتبنا إلى الله ، فرحمنا. ونحن نطلب يونس ، ما ندري أين هو ، ولا نسمع له بذكر. فقال له يونس : هل عندك لبن؟ قال : والذي أكرم يونس ما أمطرت السماء ، ولا أعشبت الأرض منذ فارقنا يونس. فقال : ائتني بنعجة ، فمسح يده على بطنها ، ثم قال : درّي بإذن الله ، فدرّت لبنا ، فاحتلبها يونس ، فشرب يونس والراعي ، فقال له الراعي : إن كان يونس حيا فأنت هو ، قال : فإنّي أنا يونس ، فأت قومك ، فأقرهم مني السّلام ، قال الراعي : إن الملك قد قال : من أتاني فأعلمني أنّه رأى يونس ، وجاءني على ذلك ببرهان جعلت له عليه ملكي ، وجعلته مكاني ، ولا أستطيع أبلغه ذلك إلّا بحجة ، فإني أخاف أن يقال لي : إنّما فعلت هذا القول للملك. قال يونس : تشهد الشاة التي شربت [من](٤) لبنها. فقال : ما يمنعك يا نبيّ الله أن تأتيهم ، فتسلّم عليهم؟ قال : لا يروني أبدا.

__________________

(١) انظر تفسير القرطبي ١٥ / ١٣٠.

(٢) استدركت عن هامش مختصر أبي شامة.

(٣) انظر تفسير القرطبي ١٥ / ١٣١ والدر المنثور للسيوطي ٧ / ١٢٤.

(٤) استدركت عن هامش مختصر أبي شامة.

٢٩٠

وقال سعيد عن قتادة عن الحسن :

أنه رجع إليهم ؛ وذلك أن الراعي انطلق ، فنادى في المدينة بصوت رفيع حزين : ألا إنّ رسول الله يونس بن متّى قد رأيته. فاجتمع الناس ، وكذّبوه ، فقال : إنّ لي بينة ، واستشهد الشاة أنه رآه ، فأطلق الله لسانها ، فقالت : نعم ، وشرب من لبني ، وأمرني أن أشهد لك. ثم انطلق بهم إلى الصخرة ، فقال لها : أيّتها الصخرة ، نشدتك بالذي كشف عنا العذاب ، هل رأيت يونس؟ قالت : نعم ، وأمرني أن أشهد لك ، وإنه لتحت ظلّي الساعة ، فانحدروا في الوادي ، فإذا هم بيونس قائما يصلّي ، فاحتملوه ، ورفعوا أصواتهم بالبكاء والتضرع إلى الله حتى أدخلوه مدينتهم ، فأنزل الله عليهم بركات السماء ، وأخرج لهم من بركات الأرض ، وجمع الله تعالى بين يونس وأهله ، فأقام فيهم حتى أقام لهم السنن والشرائع. ثم سأل ربه أن يخرج ، فيسيح في الأرض ، فيتعبد حتى يلحق بالله ، فأذن له ، فخرج. وعمد الملك إلى الراعي الذي رأى يونس ، فولاه الملك ، وقال : أنت خيرنا وسيّدنا. ثم لحق الملك بالنّساك ، فلم ير بعد ذلك يونس ، ولا الملك.

وقال ابن سمعان :

لما شهدت له الصخرة والشاة ، اجتمعوا فبكوا حزنا على ذكر يونس ، ولما يروه ، وقالوا للراعي : أنت خيرنا وسيدنا ، إذا رأيت ، فملكوه عليهم ، وقالوا : لا ينبغي أن يكون فينا أحد أرفع منك. ولا نعصي لك أمرا بعد ما رأيت يونس ، فكان ذلك آخر العهد بيونس. وكل قالوا : فملكهم الراعي أربعين سنة.

وفي رواية عمرو بن ميمون الأودي :

أن يونس قال للراعي : إني أبعث معك بشاهدين : هذه الشجرة وهذا الحجر.

فاحتملهما الراعي معه ، وأتى قومه ، وكانوا قد سمعوا أن الله أرسل إليهم رسولا فتلكأ ، فالتقمه الحوت ، فالقوم فزعون وجلون لا يدرون ما يأتيهم من أمر الله ، فقالوا : كذاب ، أنا .... (١) قال : إني قد جئتكم على ما أقول ببينة. قالوا : هات. قالت الشجرة : نعم ، أنا أشهد أنه رسول الله إليكم. وقال الحجر : وأنا أشهد مثل ذلك. وأتاهم يونس وأمن القوم

__________________

(١) كلمتان غير مقروءتين في مختصر أبي شامة.

٢٩١

وصدقوه ، فمات يونس ولم يولّ أمرهم أحدا ، فاجتمع القوم فقالوا : مات رسول الله ولم يولّ أمرنا أحدا فمن أحق بهذا الأمر بعده. قال لهم أولو النهى : لا نعلم أحدا أحق بهذا الأمر من رسول رسول الله إليكم الذي بشركم ، فملكوا الراعي عليهم ، فملكهم أربعين سنة (١).

قال أبو الجلد (٢) :

إنّ العذاب لمّا هبط على قوم يونس (٣) جعل يحوم على رءوسهم مثل قطع الليل المظلم ، فمشى ذوو العقول منهم إلى شيخ من بقية علمائهم ، فقالوا : إنا قد نزل بنا ما ترى فعلّمنا دعاء ندعو به عسى الله أن يرفع عنا عقوبته. قال : قولوا : يا حي حين لا حي ، ويا حي تحيي (٤) الموتى ، ويا حي لا إله إلا أنت. قال : فكشف الله عنهم.

قال الفضيل بن عياض :

بلغني أنّ قوم يونس لما عاينوا العذاب قال رجل منهم : اللهم إنّ ذنوبنا قد عظمت وجلّت ، وأنت أعظم منها ، وأجلّ ، فافعل بنا ما أنت أهله ، ولا تفعل بنا ما نحن أهله. قال : فكشف الله عنهم العذاب.

قال أبو الحوراء :

كان العذاب قد أظل قوم يونس حتى كان فوق رءوسهم ، فلما دعوا الله كشف عنهم.

قال علي بن الجعد : حدّثنا شعبة عن عمرو بن مرة : سمعت عبد الله بن سلمة عن علي قال : لا ينبغي لأحد ـ قال علي بن الجعد : عن علي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا ينبغي لعبد

__________________

(١) انظر تفسير القرطبي ١٥ / ١٣١.

(٢) رواه أحمد بن حنبل في كتاب الزهد ص ٤٤ بسنده إلى هاشم (أبي النضر الليثي) حدّثنا صالح (المري) عن أبي عمران الجوني عن أبي الجلد. ورواه السيوطي في الدر المنثور ٤ / ٣٩٣ قال : وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي الجلد.

(٣) اختلفوا في العذاب ، قيل إنه لم يكن بينهم وبينه إلّا ثلثي ميل ، وقيل غشي قوم يونس العذاب كما يغشى القبر بالثوب إذا أدخل فيه صاحبه وأمطرت السماء دما.

راجع الدر المنثور للسيوطي ٤ / ٣٩٢.

وقال الطبري : خص قوم يونس من بين سائر الأمم بأن تيب عليهم بعد معاينة العذاب.

قال الزجاج : إنهم لم يقع بهم العذاب ، وإنما رأوا العلامة التي تدل على العذاب ، ولو رأوا عين العذاب لما نفعهم الإيمان.

(٤) في الزهد للإمام أحمد والدر المنثور : محيي الموتى.

٢٩٢

أن يقول : أنا خير من يونس بن متّى ، سبح الله في الظلمات» (١) [١٤٤٤١].

وقال ابن الجعد : أخبرنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال : سمعت حميد بن عبد الرّحمن يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«قال الله عزوجل : لا ينبغي لعبد أن يقول أنه خير من يونس بن متّى» [١٤٤٤٢].

وقال أبو الوليد : حدّثنا شعبة عن سعد : سمعت حميدا عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متّى».

رواه البخاري عن أبي الوليد (٢).

زاد في رواية أخرى : قال الله تعالى ، فاجتباه ربه فجعله من الصالحين.

وروي أيضا من حديث سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود (٣) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومن حديث القاسم بن عبد الله بن جعفر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومن حديث قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس قال (٤) : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا ينبغي لأحد أن يقول إني خير من يونس بن متّى» نسبه إلى أبيه ... (٥) ذنبا ثم اجتباه ربه.

وقال ابن وهب أخبرني أبو يحيى بن سليمان عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من قال أنا خير من يونس بن متّى فقد كذب» [١٤٤٤٣].

قال إسحاق بن بشر : أخبرنا سعيد عن قتادة عن الحسن وعباد بن كثير قالا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

(١) انظر البداية والنهاية ١ / ٢٧٣ وتفسير القرطبي ١٥ / ١٢٤.

(٢) صحيح البخاري (فتح الباري ٦٥ / ٤٦ رقم ٤٦٣١ ومسلم في صحيحه ٤٣ / ٤٣ / ١٦٦ والبداية والنهاية ١ / ٢٧٣ نقلا عن البخاري).

(٣) مسند أحمد ١ / ٢٠٥ (الميمنية) والبخاري ـ فتح الباري ٦٥ / ١٣٧ / ٤٨٠٤ والبداية والنهاية ١ / ٢٧٢.

(٤) فتح الباري ٦٥ / ٤٦ / ٤٦٣٠ وأحمد في المسند ١ / ٢٤٢ ومسلم في صحيحه ٤٣ / ٤٣ / ١٦٧ والبداية والنهاية ١ / ٢٧٢.

(٥) كلمة غير مقروءة في مختصر أبي شامة.

٢٩٣

«لا تفضّلوا بيني وبين إخوتي من النبيين ، ولا ينبغي لأحد أن يفضّل على يونس بن متّى» [١٤٤٤٤].

عن ابن عباس (١) :

أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى على وادي الأزرق (٢) ، وقال : «كأني أنظر إلى موسى منهبطا وله جؤار (٣) إلى ربّه بالتّلبية». ثم أتى على ثنية (٤) ، فقال : «كأنّي أنظر إلى يونس بن متّى عليه عباءتان قطوانيتان (٥) يلبّي تجيبه الجبال ، والله يقول له : لبيك يا يونس ، هذا أنا معك» [١٤٤٤٥].

وعنه قال : كانت تلبية موسى : لبّيك عبدك وابن عبدك ، وكانت تلبية يونس : لبيك كاشف الكرب (٦).

قال إسحاق أخبرنا عثمان بن الأسود بلغه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«لقد مرّ بفم الرّوحاء (٧) سبعون نبيا على نوق حمر خطمها اللّيف ، ولباسهم العباء ، وتلبيتهم شتّى ، فمنهم يونس بن متّى ، يقول : لبّيك فارج الكرب لبيك» [١٤٤٤٦].

قال ابن أبي الدنيا حدّثني محمّد بن الحسين حدّثنا محمّد بن معاوية الأزرق : حدّثنا شيخ لنا قال :

التقى يونس وجبريل ـ عليهما‌السلام ـ فقال يونس : يا جبريل ، دلّني على أعبد أهل الأرض ، فأتى به على رجل قد قطع الجذام يديه ورجليه ، وهو يقول : متّعتني بهما حيث شئت ، وسلبتنيهما حيث شئت ، وأبقيت لي فيك طول الأمل ، يا بارئا رضاك.

__________________

(١) رواه أحمد بن حنبل في المسند ١ / ٤٦٣ رقم ١٨٥٤ وأخرجه مسلم في صحيحه (١) كتاب الإيمان ٧٤ / ٢٦٨ والبداية والنهاية ١ / ٣٦٨.

(٢) وادي الأزرق خلف أمج إلى مكة بميل ، وقد يجمع فيقال الأزارق (معجم ما استعجم) ١ / ١٤٦.

(٣) الجؤار : رفع الصوت والاستغاثة (النهاية لابن الأثير).

(٤) في المسند : حتى أتى على ثنية هرشاء ، فقال : أي ثنية هذه؟ قالوا : ثنية هرشاء ، فقال : كأنّي ...

(٥) العباءة القطوانية : عباءة قصيرة الخمل بيضاء.

وفي المسند : على ناقة حمراء جعدة ، عليه جبة من صوف ، خطام ناقته خلبة.

(٦) رواه أحمد في كتاب الزهد ص ٤٤.

(٧) الروحاء من عمل الفرع على نحو من أربعين يوما. ونقل ياقوت عن ابن الكلبي قال : لما رجع تبّع من قتال أهل المدينة يريد مكة نزل بالروحاء فأقام بها وأراح ، فسماها الروحاء (معجم البلدان ٣ / ٧٦).

٢٩٤

فقال يونس : يا جبريل ، إنما سألتك أن ترينيه صواما قواما ، قال جبريل : إنّ هذا كان قبل البلاء هكذا ، وقد أمرت أن أسلبه بصره ، قال : فأشار إلى عينيه ، فسالتا ، فقال : متّعتني بهما حيث شئت ، وسلبتنيهما حيث شئت ، وأبقيت لي (١) فيك طول الأمل ، يا بارئا رضاك. فقال جبريل : هلمّ تدعو الله ، وندعو معك فيردّ عليك يديك ورجليك وبصرك ، فتعود إلى العبادة التي كنت فيها ، قال : ما أحبّ ذلك ، قال : ولم؟ قال : أمّا إذا كانت محبّته في هذا فمحبّته أحبّ إليّ من ذاك. قال يونس : بالله يا جبريل ، ما رأيت أحدا أعبد من هذا قطّ. قال جبريل : يا يونس ، هذا طريق لا يوصل إلى الله ـ عزوجل ـ بشيء أفضل منه.

قال إسحاق بن بشر : وأخبرنا ابن سمعان ومقاتل وسليمان وسعيد بن بشير عن قتادة عن كعب قال :

إن يونس لحق بالعبّاد ، وكانت العباد حين عظمت الأحداث في بني إسرائيل يخرجون إلى الفيافي والجبال والسواحل ؛ فمنهم من كان يأكل العشب ، ومنهم من كان يأكل ورق الشجر ، ومنهم من يطلب الرزق طلب الطير ويجزئه من الدنيا ما يجزئ الطير ، تركوا الدنيا ، فلولا هؤلاء ما نظر (٢) الله إلى بني إسرائيل طرفة عين ، غير أنّ الله كان متجاوزا عنهم ، متعطفا عليهم ، يدفع عنهم بأوليائه (٣).

قال كعب :

إنّ يونس لم يجامع الناس بعد ذلك حتى لحق بالله. وكان شعيا تلميذ يونس ، وكان عبدا صالحا ، قد اصطفاه الله ، وطهّره ، فلمّا مات يونس أمر شعيا أن يلحق (٤) ببني إسرائيل ، وكان إذا ملك الملك على بني إسرائيل بعث الله معه نبيا يسدّده ، ويرشده ، ويكون فيما بينه وبين الله. قال : وشعيا (٥) هو الذي بشّر بعيسى بن مريم ، وبشّر بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فخبّر بني إسرائيل أنّه يكون نبي يخلق من غير ذكر ، من عذراء صدّيقة طيّبة مباركة ، يركب الحمار ، يكون على

__________________

(١) في مختصر أبي شامة : لك.

(٢) على هامش مختصر أبي شامة : ناظر.

(٣) انظر تاريخ الطبري ١ / ٣١٣.

(٤) غير واضحة في مختصر أبي شامة ، ولعل الصواب ما أثبت.

(٥) وهو شعيا بن أمصيا ، وقد بعث قبل مبعث عيسى وزكريا ويحيى انظر أخباره في تاريخ الطبري ١ / ٣١٣ والكامل لابن الأثير ١ / ١٧٣.

٢٩٥

يديه العجائب والآيات ، يبشّر بنبي من بعده اسمه أحمد من ولد قيذار بن إسماعيل ، مولده بمكة ، ومهاجره بأرض طيبة ، أمّته خير أمّة أخرجت للناس ، يركب الجمل ، ويقاتل الناس بقضيب الحديد ، طيّبت أمّته وقدّست وهم في أصلاب آبائهم ، خير من مضى ، وخير من بقي ، يجعل الله فيهم العزّ والسلطان في آخر الزمان ، ويظهرهم على الدين كله ولو كره المشركون (١).

[١٠٢٢٣] يونس بن موسى

ابن عبد الرّحمن

قيل إنه دمشقي.

روى عن الحسن بن حماد بن يعلى.

روى عنه : موسى بن سيار بن عبد الرّحمن.

[١٠٢٢٤] يونس بن ميسرة بن حلبس أبو عبيد ،

ويقال أبو حلبس الجبلاني الأعمى

أخو يزيد بن ميسرة.

روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، ووائلة بن الأسقع ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن بسر (٢) المازني ، وأم الدرداء ، وأبي إدريس الخولاني ، وأبي مسلم الخولاني ، ومحمّد بن المنكدر ، وعبد الملك بن مروان وغيرهم.

روى عنه الأوزاعي وكناه أبا عبيد ، ومحمّد بن مهاجر ، ومروان بن جناح ، وسعيد بن عبد العزيز ، وعبد الله بن العلاء بن زبر ، وأبو عبد رب [....](٣) وغيرهم.

__________________

(١) كتب أبو شامة في مختصره قال :

روى عن علي أن قبر يونس عليه‌السلام بالحمرا ، وقد اشتهر في هذه الأوقات أنه بين بيت المقدس ومسجد الخليل عليه‌السلام ، وقد رأيته وزرته في ذلك المكان ، والله أعلم.

[١٠٢٢٤] ترجمته في تهذيب الكمال ٢٠ / ٥٦٠ وتهذيب التهذيب ٦ / ٢٣ والتاريخ الكبير ٨ / ٤٠٢ والجرح والتعديل ٩ / ٢٤٦ وحلية الأولياء ٥ / ٢٥٠ وسير أعلام النبلاء ٥ / ٢٣٠. و «ميسره» وفي مختصر أبي شامة : «ميسر» والتصويب عن مصادر ترجمته.

(٢) في مختصر أبي شامة : بشر ، تصحيف.

(٣) كلمة غير مقروءة في مختصر أبي شامة.

٢٩٦

وقال هشام بن عمار حدّثنا عمرو بن واقد ، حدّثنا يونس بن حلبس قال :

سمعت معاوية بن أبي سفيان على منبر دمشق (١).

وقال الوليد :

حدّثنا مروان عن يونس عن معاوية.

وقال ابن سميع في الطبقة الرابعة (٢) ، يونس بن ميسرة بن حلبس الجبلاني ، دمشقي قتل يوم دخلت المسودة دمشق.

قال يحيى بن معين :

يونس بن ميسرة بن حلبس أدرك معاوية (٣) ومات يوم المسودة.

وقال محمّد بن سلام المنبجي ، حدّثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز عن أبي حلبس ، عن معاوية بن أبي سفيان :

أنه توضّأ لهم وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثا ثلاثا ، فلمّا غسل رجليه أنقاهما ولم يعدّ لهما عددا من الماء حتى أنقاهما.

قال البخاري : حدّثنا هشام ، سمع محمّد بن شعيب ، سمع مروان بن جناح سمع يونس بن ميسرة حدّثني من سمع معاوية يقرأ :

(يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٥٥].

وقال الأوزاعي : ليس تغسل الرجلين عددا ، اغسلهما ، وأنقهما.

قال ابن سعد في الطبقة الخامسة من أهل الشام (٤) :

يونس بن ميسرة بن حلبس. وكان ثقة. لمّا دخل المسوّدة في أوّل سلطان بني هاشم دمشق دخلوا مسجدها ، فقتلوا من وجدوا فيه ، فقتل يومئذ يونس بن ميسرة بن حلبس ، وقتل يومئذ جد أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغسّاني الدمشقي ، وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، في أول خلافة أبي العباس.

__________________

(١) سير الأعلام ٥ / ٢٣٠.

(٢) تهذيب الكمال ٢٠ / ٥٦١.

(٣) تهذيب الكمال ٢٠ / ٥٦١.

(٤) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٧ / ٤٦٦.

٢٩٧

قال الدارقطني (١) :

وأما جبلان ـ بالباء ـ فهي قبيلة باليمن ، وهو جبلان بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم ـ ورفع في نسبه إلى حمير ، ثم قال : ـ وإخوتهم وصّاب بن سهل ، إليهما (٢) ينسب الجبلانيّون والوصّابيّون ، وهما قبيلتان (٣) بحمص. [منهم] يونس بن ميسرة الجبلاني ، وعمر بن حفص الوصّابي ، وغيرهما.

قال ابن ماكولا (٤) :

أما حلبس ـ بفتح الحاء المهملة وسكون اللام ، وفتح الباء المعجمة بواحدة.

[فهو : يونس بن ميسرة بن حلبس أبو حلبس. يروي عن معاوية بن أبي سفيان وأبي إدريس الخولاني وغيره. روى عنه روح بن جناح](٥).

قال أحمد العجلي (٦) :

يونس بن ميسرة بن حلبس شامي تابعي ثقة.

وقال ابن عمار : هو ثقة (٧).

وقال الدارقطني : هو ثقة (٨) ، دمشقي.

قال محمّد بن إبراهيم الكتاني الأصبهاني :

قلت لأبي حاتم : ما تقول في أيوب بن ميسرة بن حلبس؟ فقال : صالح الحديث هو وأخوه يونس بن ميسرة بن حلبس. قلت لأبي حاتم : إنّ يونس بن ميسرة كان من خيار المسلمين ، أدرك معاوية ، ونفرا من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وروى عن أبي إدريس الخولاني وأبي

__________________

(١) المؤتلف والمختلف للدارقطني ١ / ٥١٣ والأنساب ٢ / ٢٣ نقلا عن الدارقطني.

(٢) في المؤتلف والمختلف : إليهم.

(٣) في المؤتلف والمختلف : قبيلان.

(٤) الاكمال لابن ماكولا ٢ / ٤٩٨.

(٥) ما بين معكوفتين زيادة عن الاكمال.

(٦) تاريخ الثقات للعجلي ص ٤٨٨ رقم ١٨٨٥ ورواه المزي في تهذيب الكمال ٢٠ / ٥٦١ نقلا عن العجلي.

(٧) تهذيب الكمال ٢٠ / ٥٦١.

(٨) سير أعلام النبلاء ٥ / ٢٣٠.

٢٩٨

الدرداء ، وكان يقرئ في مسجد دمشق ، وكفّ بصره (١) ، فلمّا دخل عبد الله بن علي البلد قام يدخل البيت ، فكدمته دابة ، فمات؟ فقال أبو حاتم : نعم.

قال هشام بن عمار ، حدّثنا عمرو بن واقد ، حدّثنا يونس بن [ميسرة بن](٢) حلبس قال :

خرجت عام توفي معاوية حاجا ، فإني لأسير إذ أدركني عبد الله بن عمر ، فسلّم ، فرددت. ثم هازلني ، فقال : جنادل (٣) بلادنا أكثر من جنادل بلادكم. فقلت : وثمار بلادنا أكثر من ثمار بلادكم. فقال : أجل. قلت : أخبرني عن ابن عمر؟ فقال : لو أقسمت بالله ما عمل ابن عمر منذ أسلم عملا إلّا لله لبررت.

قال سعيد بن عبد العزيز : أخبرني ابن حلبس :

إنّ لقمان قال لابنه : يا بنيّ ثق بالله ، ثم سل في الناس : من ذا الذي وثق بالله فلم ينجه؟ يا بني ، توكل على الله ، ثم سل في الناس ؛ من ذا الذي توكل على الله فلم يكفه؟ يا بني ، أحسن الظنّ بالله ، ثم سل في الناس : من ذا الذي أحسن بالله (٤) الظنّ فلم يكن عند حسن ظنه به.

وقال يونس بن حلبس :

من عمل على غير يقين فباطل يتعنّى (٥).

وقال (٦) : تقول الحكمة : يتعنى (٧) ابن آدم وأجدني (٨) في حرفين : يعمل بخير ما يعلم ، ويذر (٩) شرّ ما يعلم.

__________________

(١) تهذيب الكمال ٢٠ / ٥٦١.

(٢) ما بين معكوفتين سقط من مختصر أبي شامة.

(٣) الجنادل واحدتها جندل ، والجندل : صخرة مثل رأى الإنسان.

(٤) كتبت فوق الكلام في مختصر أبي شامة.

(٥) رواه المزي في تهذيب الكمال ٢٠ / ٥٦٢.

(٦) رواه المزي في تهذيب الكمال ٢٠ / ٥٦٢ وباختلاف الرواية في حلية الأولياء ٥ / ٢٥١.

(٧) في تهذيب الكمال : «يبتغيني» وفي الحلية : «تلتمسني».

(٨) في الحلية : «وأنت تجدني» وفي تهذيب الكمال : «وهو واجدي».

(٩) في الحلية : وتدع.

٢٩٩

وقال (١) : أين إخواني؟ أين أصحابي؟ ذهب المعلّمون ، وبقي المتعلّمون ، ذهب المطعمون وبقي المستطعمون.

وقال (٢) : الزهد أن يكون حالك في المصيبة ، وحالك إذا لم تصب بها (٣) سواء ، وأن يكون مادحك وذامّك في الخلق (٤) سواء.

وقال (٥) : إذا تكلّفت ما لا يعنيك لقيت ما يعنّيك.

وقال : حرّم الله على نفس أن تموت حتّى ينقطع أثرها ، وحتى تأتي على آخر عملها ، وحتى تستوعب آخر رزقها ، وحتى ينقطع أجلها.

وقال (٦) : اللهم إنّي أسألك حزما (٧) في لين ، وقوة في دين ، وإيمانا في يقين ، ونشاطا في هدى ، وبرّا في استقامة ، وكسبا من حلال.

قال الهيثم بن عمران (٨) :

كنت جالسا عند يونس بن حلبس ، وكان عند غياب الشمس يدعو بدعوات فيها : اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك. فكنت أقول في نفسي : من أين يرزق هذه الشهادة وهو أعمى؟! فلمّا دخلت المسوّدة دمشق قتل.

قال الهيثم (٩) :

بلغني أن الخراسانيين اللذين قتلاه بكيا عليه لما أخبرا من صلاحه ، وكان من آنس الناس مجلسا.

__________________

(١) رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٥ / ٢٥٠.

(٢) رواه المزي في تهذيب الكمال ٢٠ / ٥٦٢.

(٣) ليست في تهذيب الكمال.

(٤) في تهذيب الكمال : الحق.

(٥) رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٥ / ٢٣٠ والمزي في تهذيب الكمال ٢٠ / ٥٦٢.

(٦) رواه المزي في تهذيب الكمال ٢٠ / ٥٦٢ وقال أنه كان يدعو ، وذكره.

(٧) رسمها في مختصر أبي شامة : «حربا» والمثبت عن تهذيب الكمال.

(٨) رواه المزي في تهذيب الكمال ٢٠ / ٥٦٢ عن هشام بن عمار عن الهيثم بن عمران. وأبو زرعة في تاريخه ١ / ٢٥٤ وأبو نعيم في حلية الأولياء ٥ / ٢٥٠ وتهذيب التهذيب ٦ / ٢٨٣ وسير أعلام النبلاء ٥ / ٢٣٠.

(٩) تهذيب الكمال ٢٠ / ٥٦٢.

٣٠٠