تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٣

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٣

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩١
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

[قال أبو بكر الخطيب :](١)

[هبة الله بن جعفر بن الهيثم بن القاسم أبو القاسم المقرئ ، حدث عن موسى بن هارون الحافظ ، وأحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ، وأحمد بن الصلت الحماني وغيرهم. حدثنا عنه أبو الحسن بن رزقويه. وكان ثقة](٢).

حدث سنة خمسين وثلاث مائة عن موسى بن هارون بسنده إلى ابن عباس قال (٣) :

كان ينبذ للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الليل ، فيشربه من الغد ، ومن بعد الغد. فإذا كان المساء فإن كان في الإناء شيء أمر به فأهرق.

توفي هبة الله بن جعفر سنة خمسين وثلاث مائة [في صفر](٤).

[١٠٠٣٧] هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله

أبو الحسين أخو المصنف الأكبر رحمهما‌الله تعالى

[تلا بالروايات على أبي الوحش سبيع صاحب الأهوازي. وعلى أحمد بن خلف الأندلسي.

سمع من النسيب وطبقته ، ووجد له سماع من أبي الحسن بن أبي الجر وصاحب ابن السمسار.

سمع من أبي علي بن نبهان ، وأبي علي ابن المهدي.

حدث عنه أخوه ، وابن أخيه القاسم ، وابن أخيه زين الأمناء ، وأبو القاسم بن صصرى. وسيف الدولة محمد بن غسان ، ومكرم بن أبي الصقر ، والمفتي فخر الدين ابن عساكر وجماعة.

__________________

(١) زيادة للإيضاح.

(٢) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن تاريخ بغداد ١٤ / ٦٩.

(٣) الحديث في تاريخ بغداد ١٤ / ٦٩.

(٤) زيادة عن تاريخ بغداد.

[١٠٠٣٧] ترجمته في وفيات الأعيان ٣ / ٣١١ وفوات الوفيات ٤ / ٢٣٥ والعبر ٤ / ١٨٤ وسير الأعلام ٢٠ / ٤٩٥ والطبقات الكبرى للسبكي ٧ / ٣٢٤ والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٨٠ وشذرات الذهب ٤ / ٢١٠. في مختصر ابن منظور : ابن بدل أبو ، والمثبت عن سير الأعلام.

٣٦١

قرأ الأصول والنحو وتقدم وسمع الكثير ودرّس بالغزالية وحدث أيضا با «الطبقات» لابن سعد.

وعرضت عليه خطابة دمشق فامتنع ، وأبى أن ينوب عن خاله القاضي أبي المعالي محمد ابن يحيى في الحكم.

كتب بخطه من العلم شيئا كثيرا](١).

[صار معيدا لشيخه علي بن المسلم بالمدرسة الأمينية ، ثم إنه درّس بالغزالية في الجامع الأموي. وأفتى وحدث واعتنى بعلوم القرآن والنحو واللغة.

كان فاضلا كيسا ، مطبوعا ، عشيرا حريصا على طلب العلم ، وكتبه مبذولة للطلبة والمستفيدين والغرباء](٢).

حدث عن أبي طالب عبد القادر بن محمد بن يوسف بسنده إلى المغيرة بن شعبة قال :

قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى تورّمت قدماه ، فقيل له : يا رسول الله ، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! قال : «أفلا أكون عبدا شكورا» [١٤٣٤٥].

ولد هبة الله سنة ثمان وثمانين وأربع مائة. وتوفي سنة ثلاث وستين وخمس مائة.

[١٠٠٣٨] هبة الله بن عبد الله بن الحسن

ابن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن الفضيل

أبو الفرج الكلاعي البزار ، أخو أبي القاسم

حدث عن أبي بكر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن هلال الأديب بسنده إلى أنس بن مالك قال : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلف أبي بكر في ثوب واحد متوشحا به [١٤٣٤٦].

[١٠٠٣٩] هبة الله بن عبد الله

أبو القاسم الشاوي

حدث ـ وقد كان ينيف على المائة ـ عن أبي بكر محمد بن أحمد بن سيد حمدويه (٣) قال :

__________________

(١) الزيادة بين معكوفتين عن سير الأعلام ٢٠ / ٤٩٦.

(٢) الزيادة بين معكوفتين عن فوات الوفيات ٤ / ٢٣٦.

(٣) تقدمت ترجمته في ٥١ / ٥٢ رقم ٥٩٠٩ ط دار الفكر.

٣٦٢

أتاني قوم من العصر ، فلم أضيفهم ، ولم يقفوا ، فسألت عنهم ، فقيل لي : قد خرجوا ، فندمت ، وطلعت إلى البيت وأخذت ما قسم الله ، وجعلته في قفة (١) ، ولحقتهم ، وقد وصلوا إلى طاحونة الرياقية ، فسلمت عليهم ، واعتذرت إليهم ، وجئت أدفع إليهم ما كان معي ، فقالوا : يا أبا بكر ، من يكون معه مثل هذا إيش يعمل بشيء ، وأومأ بيده إلى الوادي ، فنظرت ، فإذا جميع ما في الوادي ذهب يتقد ، فعرفت حال القوم ، [وودّعتهم](٢) ، ورجعت.

[١٠٠٤٠] هبة الله بن عبد الوارث بن علي بن أحمد

ابن علي بن أحمد بن إبراهيم بن جعفر بن بوري

أبو القاسم الشيرازي الحافظ

[رحال ، جوال ، كتب بخراسان وبالحرمين ، والعراق ، واليمن ، ومصر ، والشام ، والجزيرة ، وفارس ، والجبال.

حدث عن أبي بكر محمد بن الحسن بن الليث الشيرازي ، وأحمد بن طوق الموصلي ، وأحمد بن الفضل الباطرقاني ، وأبي جعفر ابن المسلمة ، وأقرانهم.

روى عنه : أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن الخطيب ، وعمر بن أحمد الصفار ، وأحمد ابن ياسر المقرئ ، ومحمد بن محمد القاساني ، وإسماعيل بن محمد التيمي ، وأبو بكر اللفتواني.

عمل تاريخا لشيراز.

قال السمعاني : كان ثقة خيرا ، كثير العبادة ، انتفع الطلبة بصحبته وبقراءته.

سكن في آخر أمره مرو.

قال ابن عساكر : حدث عنه الفقيه نصر المقدسي ، وهبة الله بن طاوس ، وأبو نصر اليونارتي.

__________________

(١) قفة : بالضم ، كهيئة القرعة تتخذ من الخوص ، تجعل فيه المرأة قطنها. وقال الأزهري : تجعل فيها معاليق تعلق بها من رأس الرحل ، يضع فيها الراكب زاده ، وتكون مقورة ضيقة الرأس (تاج العروس : قفف).

(٢) استدركت عن هاشم الأصل.

[١٠٠٤٠] ترجمته في الكامل لابن الأثير ١٠ / ٢١٨ والعبر ٣ / ٣١٤ وتذكرة الحفاظ ٤ / ١٢١٥ وسير الأعلام ١٩ / ١٧ والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد ٢٤٦ والبداية والنهاية ١٢ / ١٤٤ والمنتظم ١٦ / ٣١٤ وفيات سنة ٤٨٥.

٣٦٣

قال عبد الغافر : هبة الله شيخ عفيف ؛ صوفي فاضل ، طاف البلاد وخطه مشهور ، وكان كثير الفوائد](١).

حدث عن أبي زرعة أحمد بن يحيى بن جعفر الخطيب بسنده إلى أبي هريرة :

«أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يأكل الهداية ، ولا يأكل الصدقة» [١٤٣٤٧].

وحدث سنة أربع وثمانين وأربع مائة عن أبي بكر محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد ابن الليث بسنده إلى أبي هريرة :

«أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن الوصال (٢) ، وصوم الصمت» [١٤٣٤٨].

وأنشد أبو القاسم عن أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد العزيز الأنصاري لأبي الحسن علي بن عبد الغني المقرئ :

كم من أخ قد كنت أحسب شهده

حتى بلوت المرّ من أخلاقه

كالملح يحسب سكّرا في لونه

ويحول عند مجسّه ومذاقه

ورد نعي هبة الله من مرو سنة ست وثمانين وأربع مائة (٣).

[١٠٠٤١] هبة الله بن محمد بن بديع بن عبد الله

أبو النجم الأصبهاني الوزير

حدث عن أبي طاهر محمد بن أحمد بن محمد بسنده إلى معاذ بن جبل قال :

بقينا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في صلاة العتمة حتى ظن الظان منا أنه قد صلى وليس بخارج ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلنا : يا رسول الله ، قد ظن الظان منا أنك صلّيت ، ولست بخارج ، فقال : «أعتموا بهذا الصلاة ، فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم ، ولم يصلّها أحد قبلكم» [١٤٣٤٩].

__________________

(١) ما بين معكوفتين زيادة عن سير الأعلام ١٩ / ١٨ ـ ١٩.

(٢) واصل الصيام مواصلة ووصالا إذا لم يفطر أياما تباعا ، (تاج العروس : وصل).

(٣) ذكر ابن الجوزي في المنتظم وفاته سنة ٤٨٥ قال : وكانت علته البطن فقام في ليلة وفاته سبعين مرة أو نحوها ، في كل مرة يغتسل في النهر إلى أن توفي على الطهارة (المنتظم ١٦ / ٣١٤).

٣٦٤

ولد سنة ست وثلاثين وأربع مائة بأصبهان ، واستوزره رضوان بن تتش (١) بحلب (٢) وبعده طغتكين أتابك. وقبض عليه سنة اثنتين وخمس مائة ، وخنقه ، واستصفى ماله.

[١٠٠٤٢] هبة الله بن محمد بن حميد

أبو عمرو الأشعري

حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بسنده إلى عمر.

أنه رأى رجلا محرما قد عقل راحلته ، فقال : ما يحسبك؟ قال : الجمعة ، قال : إن الجمعة لا تمنع من سفر ، فاخرج أو اذهب.

[١٠٠٤٣] هبة الله بن المسلم بن نصر بن أحمد

أبو القاسم بن الخلال الرحبي

حدث عن أبي المرجى سعد الله بن صاعد بن المرجى ـ وهو خال أبيه ـ بسنده إلى ابن عمر أنه كان يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

«أتاني جبريل عليه‌السلام فقال : إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو الإهلال» [١٤٣٥٠].

وحدث عنه بسنده إلى أبي عمرو بن العلاء :

أبنيّ إن من الرجال بهيمة

في صورة الرجل السميع المبصر

فطن بكل مصيبة في ماله

وإذا أصيب بدينه لم يشعر

ولد سنة نيف وسبعين وأربع مائة. وتوفي سنة خمس وأربعين وخمس مائة.

[١٠٠٤٤] هبيرة بن عبد الرحمن ـ يقال : ابن غنم ـ الشامي

ويقال : هبيرة عن عبد الرحمن بن غنم وغيره

[قال أبو عبد الله البخاري](٣) :

__________________

(١) تقدمت ترجمته في ١٨ / ١٥٣ رقم ٢١٨٦ ط دار الفكر.

(٢) ذكر ابن العديم في بغية الطلب ٨ / ٣٦٦٠ أن رضوان بن تتش تسلم حلب من وزير أبيه أبي القاسم بن بديع. وفي ترجمته المتقدمة ١٨ / ١٥٣ تسلمها من الوزير أبي القاسم.

[١٠٠٤٤] ترجمته في ميزان الاعتدال ٤ / ٢٩٣ ولسان الميزان ٦ / ١٩١ وفيه : تميم بدل : غنم ، والتاريخ الكبير ٨ / ٢٤٠ والجرح والتعديل ٩ / ١١٠.

(٣) زيادة للإيضاح.

٣٦٥

[هبيرة بن عبد الرحمن قال : كنا إذا أكثرنا على أنس ألقى إلينا سجلا فقال : هذه أحاديث كتبتها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم عرضتها عليه. يعد في الشاميين](١).

[قال أبو محمد بن أبي حاتم](٢) :

[هبيرة بن عبد الرحمن الشامي ،. روى عن أنس ؛ وعبد الرحمن بن غنم روى عنه عتبة ابن أبي حكيم. روى أبو جعفر الرازي عن أبي عبد الله عنه. سمعت أبي يقول : أبو عبد الله هو محمد بن سعيد الأزدي](٣).

حدث عن أبي أسماء الرحبي (٤) عن ثوبان مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الكذب كله إثم إلا ما نفع به مسلم ، أو دفع به عن دين» [١٤٣٥١].

وحدث عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الوضوء شطر الإيمان».

[١٠٠٤٥] هدبة بن الخشرم بن كرز بن أبي حيّة

ابن الكاهن ، وهو سلمة بن الأسحم

شاعر فصيح متقدم من شعراء بادية الحجاز (٥).

هدبة : بضم الهاء وسكون الدال وفتح الباء المعجمة بواحدة (٦).

وحيّة (٧) : [أوله] حاء مهملة [وبعدها] ياء مشددة معجمة باثنتين من تحتها.

__________________

(١) زيادة استدركت بين معكوفتين عن التاريخ الكبير ٨ / ٢٤٠.

(٢) زيادة للإيضاح.

(٣) زيادة استدركت بين معكوفتين عن الجرح والتعديل ٩ / ١١٠.

(٤) أبو أسماء الرحبي عمرو بن مرثد ، وقيل : مزيد ، ويقال : عمرو بن أسماء.

[١٠٠٤٥] ترجمته في الأغاني ٢١ / ٢٥٤ ومعجم الشعراء ص ٤٨٣ والمؤتلف والمختلف للآمدي ص ٤٣ و ٤٩ والشعر والشعراء ص ٤٣٤ وجمهرة أنساب العرب ص ٤٤٨ والاشتقاق لابن دريد ص ٥٤٧. عند ابن دريد في الاشتقاق ص ٥٤٧ «ابن أبي حية الكاهن».

(٥) الأغاني ٢١ / ٢٥٤.

(٦) الإكمال لابن ماكولا ٧ / ٣١١ وزيد فيه : هدبة بن الخشرم الشاعر العذري قاتل أخي زيادة بن زيد له خبر مشهور.

(٧) الإكمال لابن ماكولا ٢ / ٣٢٣ و ٣٢٧ وزيد فيه : هدبة بن خشرم بن كرز بن أبي حية بن الأسحم بن عامر بن ثعلبة ابن قرة بن خنبس ، له خبر مشهور في قتل زيادة.

٣٦٦

وهو الذي قتل زيادة بن زيد (١) ، وزيادة بن زيد أحد بني الحارث بن سعد إخوة عذرة. وهو القائل :

وإذا معدّ أوقدت نيرانها

للمجد أغضت عامر فتقنعوا

وعامر رهط هدبة بن خشرم ، وهم من بني الحارث بن سعد إخوة عذرة.

وكان (٢) سعيد بن العاص كره الحكم بين هدبة وعبد الرحمن بن زيد أخي زيادة بن زيد ، فحملهما إلى معاوية ، فنظر في القصة ، ثم ردّهما إلى سعيد بن العاص وهو والي المدينة لمعاوية. فلما صاروا بين يدي معاوية قال عبد الرحمن أخو زيادة : يا أمير المؤمنين ، أشكو إليك مظلمتي (٣) ، وقتل أخي ، وترويع نسوتي ، فقال له معاوية : يا هدبة ، قل ، قال : إن هذا رجل سجّاعة (٤) ، فإن شئت أن أقص عليك قصتنا كلاما أو شعرا [فعلت] قال : لا ، بل شعرا ، فقال هذه القصيدة ارتجالا حتى بلغ قوله :

رمينا فرامينا فصادف رمينا

منايا رجال في كتاب وفي قدر

وأنت أمير المؤمنين فما لنا

وراءك من معدّى (٥) ولا عنك من قصر

فإن تك في أموالنا لم نضق بها

ذراعا وإن صبر فنصبر للصبر

فقال له معاوية : أراك قد أقررت بقتل صاحبهم ، ثم قال لعبد الرحمن : هل لزيادة ولد؟ قال : نعم ، المسور ، وهو غلام جفر (٦) ، لم يبلغ ، وأنا عمه ، ووليّ دم أبيه ، فقال : إنك لا تؤمن على أخذ الدية أو قتل الرجل بغير حق ، والمسور أحق بدم أبيه ، فردّه إلى المدينة ، فحبس ثلاث سنين حتى بلغ المسور.

وفي (٧) حديث : فكره معاوية قتله ، وضنّ به عن القتل.

__________________

(١) كذا بالأصل ، وقد ورد في الإكمال أنه قاتل أخي زيادة بن زيد.

(٢) الخبر والشعر في الأغاني ٢١ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤ من طريق علي بن محمد النوفلي ذكر عن أبيه ، وذكره.

(٣) زيد في الأغاني : وما دفعت إليه وجرى علي وعلى أهلي وقرباي.

(٤) سجاعة : الذي يستخدم السجع في كلامه.

(٥) بالأصل : معدن والمثبت عن الأغاني.

(٦) غلام جفر : الصبي إذا انتفخ لحمه وأكل ، وصارت له كرش ، يريد غلام صغير ، والذي في الأغاني : وهو غلام صغير.

(٧) من هنا إلى كلمة : القتل ، استدرك عن هامش الأصل.

٣٦٧

وقيل : إن سعيدا هو الذي حكم بينهما من غير أن يحملهما إلى معاوية (١).

وعن ابن المنكدر (٢) :

أن هدبة أصاب دما فأرسل إلى أم سلمة (٣) زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن استغفري لي ، فقالت : إن قتل استغفرت له (٤).

قال ابن دريد (٥) : وهو أول من أقيد بالحجاز.

ولما مضي بهدبة إلى الحرة ليقتل لقيه عبد الرحمن بن حسان ، فقال : أنشدني ، فقال : أعلى هذه الحال؟ قال : نعم ، فأنشده (٦) :

ولست بمفراح إذا الدهر سرّني

ولا جازع من صرفه المتقلّب

ولا أتبغى (٧) الشر والشر تاركي

ولكن متى أحمل على الشرّ أركب

وحرّبني مولاي حتى غشيته (٨)

متى ما يحرّبك ابن عمّك تحرب

ومما وقف عليه من قسوته قوله :

ولما دخلت السجن يا أم مالك

ذكرتك والأطراف في حلق سمر

وعند سعيد غير أن لم أبح به

ذكرتك إن الأمر يعرض للأمر

فسئل عن ذلك فقال : لما رأيت ثغر سعيد ، وكان سعيد حسن الثغر جدا ذكرت به ثغرها. ويقال : إنه عرض عليه (٩) سعيد عشر ديات فأبى (١٠) إلا القود ، وكان ممن عرض الديات عليه الحسين بن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن جعفر ، وسعيد بن العاص ،

__________________

(١) انظر الأغاني ٢١ / ٢٦٥.

(٢) الخبر في الأغاني ٢١ / ٢٧٤ من طريق أبي المغيرة حدثني أبو مصعب الزبيري قال : حدثني المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه ، وذكره.

(٣) في الأغاني : إلى عائشة.

(٤) الأغاني : إن قتلت استغفرت لك.

(٥) انظر الاشتقاق لابن دريد ص ٥٤٧.

(٦) الشعر والشعراء ص ٤٣٧.

(٧) الشعر والشعراء : أتمنى.

(٨) بالأصل : «خشيته» والمثبت عن الشعر والشعراء.

(٩) بالأصل : «علي ابن سعيد».

(١٠) يعني عبد الرحمن بن زيد ، أخا زيادة بن زيد ، الذي قتله هدبة بن خشرم.

٣٦٨

ومروان ابن الحكم (١) ، وسائر القوم من قريش والأنصار. فلما خرج به ليقاد منه بالحرّة جعل ينشد الأشعار ، فقالت له حبّى المدينة : ما رأيت أقسى قلبا منك ، أتنشد الشعر وأنت يمضى بك لتقتل؟! وهذه خلفك كأنها ظبي عطشان تولول ـ تعني : امرأته ـ فوقف ، ووقف الناس معه ، وأقبل على حبّى فقال (٢) :

فما وجدت وجدي بها أم واحد (٣)

ولا وجد حبّى يا ابن أمّ كلاب

رأته طويل الساعدين شمردلا (٤)

كما انتعتت من قوة وشباب (٥)

فأغلقت حبّى في وجهه الباب وسبّته. ولما قدم نظر إلى امرأته فدخلته غيرة ، وقد كان جدع في حربهم ، فقال (٦) :

فإن يك أنفي بان منه جماله

فما حسبي في الصالحين بأجدعا

فلا تنكحي إن فرّق الدهر بيننا

أغم (٧) القفا والوجه ليس بأنزعا (٨)

ضروبا بلحييه (٩) على عظم زوره

إذا القوم همّوا بالفعال تقنّعا (١٠)

فسألت (١١) القوم أن يمهلوه قليلا ، ثم أتت جزّارا ، فأخذت منه مدية ، فجدعت بها أنفها ثم أتته قبل أن يقتل مجدوعة الأنف ، وقالت : ما عسى أن يكون بعد هذا؟ وقيل : إنها قالت : أهذا فعل من له في الرجال حاجة؟ فقال : الآن طاب الموت ، ثم أقبل على أبويه فقال (١٢) :

__________________

(١) انظر ذيل الأمالي للقالي ص ٨٤ وذكر آخرين : سعيد بن العاص ، وعبد الله بن عمرو ، والحسين بن علي ، وعمرو ابن عثمان بن عفان.

(٢) البيتان في الأغاني ٢١ / ٢٧١.

(٣) صدره في الأغاني :

وجدت بها ما لم تجد أم واحد

(٤) الشمردل : الفتى القوي الجلد ، وقيل : الفتى الجميل الخلق.

(٥) عجزه في الأغاني :

كما تشتهى من قوة وشباب

(٦) البيتان الثاني والثالث ، من أبيات في الأغاني ٢١ / ٢٦٩. وعيون الأخبار ٤ / ١٥ والشعر والشعراء ص ٤٣٧.

(٧) الغمم أن يسيل الشعر حتى يضيق الوجه والقفا.

(٨) الأنزع من انحسر شعره عن جبينه وقفاه.

(٩) اللحيان : العظمان اللذان ركبت فيهما الأسنان العلوية والسفلية.

(١٠) عجزه في الأغاني :

إذا الناس هشوا للفعال تقنّعا

(١١) يعني زوجته.

(١٢) الأبيات في الأغاني ٢١ / ٢٧٠.

٣٦٩

أبلياني اليوم صبرا منكما

إن حزنا منكما اليوم لشرّ (١)

ما أظن الموت إلا هيّنا (٢)

إن بعد الموت دار المستقرّ

اصبرا اليوم فإنّي صابر

كل حي لقضاء (٣) وقدر

ثم قال :

أذا العرش إني عائذ بك مؤمن

مقرّ بزلاتي إليك فقير

وإني وإن قالوا أمير مسلط

وحجاب أبواب لهن صرير

لأعلم أن الأمر أمرك إن تدن

فربّ وإن تغفر فأنت غفور

ثم أقبل على ابن زيادة (٤) فقال : أثبت قدميك وأجد الضربة ، فإني أيتمتك صغيرا ، وأرملت أمك شابة ، وسأل فك قيوده ففكت ، فذاك حيث يقول (٥) :

فإن تقتلوني في الحديد فإنني

قتلت أخاكم مطلقا لم يقيّد (٦)

زاد في غيره :

فمدّ عنقه فضربت.

لما نزل بعبد الله بن شداد (٧) الموت دعا ابنا له ، يقال له محمد ، فأوصاه فقال (٨) : يا بني ، إذا أحببت حبيبا فلا تفرط ، وإذا أبغضت بغيضا فلا تشطط ، فإنه كان يقال : أحبب حبيبك هونا ما ، عسى أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغض بغيضك هونا ما ، عسى أن يكون حبيبك يوما ما ، وكن كما قال هدبة العذري (٩) :

__________________

(١) عجزه في الأغاني : إن حزنا إن بدا بادىء شرّ.

(٢) صدره في الأغاني : لا أراني اليوم إلا ميّتا.

(٣) بالأصل : لفناء ، والمثبت عن الأغاني.

(٤) هو المسور بن زيادة كما في الأغاني.

(٥) البيت في الأغاني ٢١ / ٢٧٢ والشعر والشعراء ص ٤٣٦.

(٦) عجزه في الشعر والشعراء :

قتلت أخاكم مطلقا غير موثق

(٧) يعني عبد الله بن شداد بن الهاد ، أبا الوليد الليثي المدني ، تقدمت ترجمته في كتابنا تاريخ مدينة دمشق ـ طبعة دار الفكر ٢٩ / ١٤٠ رقم ٣٣٤٠.

(٨) وصية عبد الله لابنه محمد ذكرها بطولها القالي في أماليه ٢ / ٢٠٢ وما بعدها.

(٩) الأبيات في أمالي القالي ٢ / ٢٠٤.

٣٧٠

وكن معقلا للحلم واصفح عن الخنا

فإنك راء ما عملت (١) وسامع

وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا

فإنك لا تدري متى أنت نازع

وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا

فإنك لا تدري متى أنت راجع

ومن شعر هدبة (٢) :

عسى الكرب الذي أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب

فيأمن خائف ويفكّ عان

ويأتي أهله النائي الغريب

[١٠٠٤٦] هذيل بن زفر بن الحارث

ابن عبد عمرو الكلابي

شهد مع أبيه وقعة المرج ، ونجا هاربا معه. وكان سيدا رئيسا.

قال هشام :

تبع ناس من شيعة بني أمية من باهلة وحمير زفر بن الحارث يوم مرج راهط ، ومعه ابناه : الهذيل ووكيع ، فقتلوا وكيعا (٣) ، وعبر زفر والهذيل جسر منبج وقطعاه.

قال ربيعة بن كعب :

كنت مع عمر بن عبد العزيز وسالم بن عبد الله نسير بأرض الروم ، فعارضهم الهذيل بن زفر بن الحارث ، فقال عمر بن عبد العزيز لسالم بن عبد الله : هل تدري من هذا يا فلان؟ قال : لا ، قال : هذا رجل طالما صبغ يده في الدماء من امرئ ، فذكر صيامه وصلاته. قال سالم : إن استطاع ألا يموت فلا يمت سواء عليه صام أو لم يصم ، صلى أو لم يصل.

وقال عاصم بن عبد الله بن يزيد يرثيه :

__________________

(١) أمالي القالي : حييت.

(٢) البيتان في معجم الشعراء ص ٤٨٣ قالهما وهو الحبس.

[١٠٠٤٦] جمهرة ابن حزم ص ٢٨٦ وانظر ترجمة أبيه زفر في كتابنا تاريخ مدينة دمشق ١٩ / ٣٤ رقم ٢٢٥٥ وكناه المصنف : أبا الهذيل وانظر بغية الطلب ٨ / ٢٧٩٦ والإكمال لابن ماكولا ٧ / ٢١٠.

(٣) في تاريخ خليفة ص ٢٦٠ أصيب يومئذ ـ يعني يوم المرج ـ ثلاثة بنين لزفر بن الحارث الكلابي. ونقل ابن العديم في بغية الطلب ٨ / ٣٨٠١ عن أبي عمرو بن العلاء أن زفر بن الحارث فر عن ابنه ومولى له فقتلا.

٣٧١

أتاني ورحلي بالرّصافة (١) موهنا

وقد غار نجم والرفاق هجود

كتاب كلذع النار في متن صارم

يخبّ (٢) به بعد الهدوّ يزيد

فقلت له ما في كتابك فالتوى

ولجلج (٣) أقوالا وفيه صدود

وقلت له إني لقيت بهذه

كما لقيت يوم الفصيل ثمود

فقال : احتسب صلى الإله وحزبه

عليه هذيلا بان وهو حميد

فقلت ولم أرجع إلى غير خالقي

وعيني بمسفوح الدموع تجود

فقل للرجال الشامتين بموته

فسودوا كما كان الهذيل يسود

كذبتم وبيت الله لا تعدوانه

وما كان فيكم للهذيل نديد

وكيف ولم يسبق لهجر (٤) ولم يقم

لسورة جهل والرجال قعود

[١٠٠٤٧] هرم بن حيان العبدي الربعي العامري

ويقال : الأزدي البصري

[أحد العابدين ، حدّث عن عمر.

روى عنه : الحسن البصري وغيره](٥).

[قال أبو عبد الله البخاري](٦) :

__________________

(١) الرصافة ، في أكثر من موضع ، انظر معجم البلدان ٣ / ٤٦ ـ ٤٧.

(٢) الخبب : ضرب من السير.

(٣) لجلج : اللجلجة أن يتكلم الرجل بلسان غير بيّن ، واللجلجة : ثقل اللسان ونقص الكلام ، وأن لا يخرج بعضه في إثر بعض. (تاج العروس).

(٤) مكانها بياض في أصل مختصر ابن منظور. والمثبت عن المطبوع من المختصر.

[١٠٠٤٧] ترجمته في الإصابة ٣ / ٦٠١ و ٦١٨ والاستيعاب ٣ / ٦١١ (هامش الإصابة) وأسد الغابة ٤ / ٦١٥ وتاج العروس (هرم) والتاريخ الكبير ٨ / ٢٤٣. والجرح والتعديل ٩ / ١١٠ وسير أعلام النبلاء ٤ / ٤٨ وطبقات ابن سعد ٧ / ١٣١ وحلية الأولياء ٢ / ١١٩ وطبقات خليفة ترجمة رقم ١٥٨١ والمعارف ص ٤٣٥ والنجوم الزاهرة ١ / ١٣٢ وتاريخ خليفة (الفهارس). كذا بالأصل هرم ، وجاء في الإصابة ٣ / ٦٠١ هرماس بن حيان العبدي وفيها ٣ / ٦١٨ هرم بن حبان العبدي ، وأشار ابن حجر إلى أنه تقدم. فيكون فيها «هرماس» تصحيف. وجاء في القاموس وتاج العروس : «حبان» بالباء الموحدة (في مادة هرم).

(٥) الزيادة عن سير الأعلام ٤ / ٤٨.

(٦) الزيادة للإيضاح.

٣٧٢

[هرم بن حيان العبدي ، يعد في البصريين. روى عنه الحسن](١).

[قال أبو محمد بن أبي حاتم](٢) :

[هرم بن حيان الأزدي العبدي. روى عن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، روى عنه الحسن البصري ، سمعت أبي يقول ذلك](٣).

[قال خليفة بن خياط](٤) :

[ومن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان ثم من بني عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار : وهرم بن حيان ، من ولد عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى ابن عبد القيس](٥).

ولي بعض حروب العجم ببلاد فارس في خلافة عمر وعثمان. وكان أحد الزهاد الثمانية (٦) ، وقدم دمشق في طلب أويس القرني. وكان هرم عاملا لعمر بن الخطاب ، وكان ثقة. وله فضل وعبادة (٧) ، وكان هرم ولد أشيب منحنيا ، وقد نبتت ثناياه ، فلذلك سمي هرما (٨).

وعن هرم بن حيان أنه قال (٩) :

إياكم والعالم الفاسق ، فبلغ عمر بن الخطاب ، فكتب إليه ، وأشفق منها : ما العالم الفاسق؟ فكتب إليه هرم : يا أمير المؤمنين ، والله ما أردت به إلا الخير ، يكون إمام يتكلم بالعلم ، ويعمل بالفسق ، ويشبّه على الناس فيضلوا.

استعمل (١٠) هرم بن حيان فظنّ أن قومه سيأتونه ، فأمر بنار فأوقدت بينه وبين من يأتيه

__________________

(١) زيادة استدركت عن التاريخ الكبير ٨ / ٢٤٣.

(٢) زيادة للإيضاح.

(٣) زيادة عن الجرح والتعديل ٩ / ١١٠.

(٤) زيادة للإيضاح.

(٥) زيادة استدركت عن طبقات خليفة بن خياط ص ٣٣٩ رقم ١٥٨١.

(٦) ذكر أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٢ / ٨٧ في ترجمة عامر بن عبد الله بن عبد قيس عن علقمة بن مرثد قال :انتهى الزهد إلى ثمانية : عامر بن عبد الله بن عبد قيس ، وأويس القرني ، وهرم بن حيان ، والربيع بن خثيم ، ومسروق بن الأجدع ، والأسود بن يزيد ، وأبو مسلم الخولاني ، والحسن بن أبي الحسن.

(٧) طبقات ابن سعد ٧ / ١٣١ ـ ١٣٢.

(٨) وفي سير الأعلام ٤ / ٤٨ أنه سمي هرما لأنه بقي حملا سنتين حتى طلعت أسنانه.

(٩) الخبر رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٧ / ١٣٣ وسير الأعلام ٤ / ٤٩.

(١٠) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٧ / ١٣٣ من طريق أبي عبد الله العبدي قال : حدثنا سيار عن جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال ، وذكره ، وسير الأعلام مختصرا ٤ / ٤٩ وحلية الأولياء ٢ / ١٢٠.

٣٧٣

من القوم ، فجاء قومه يسلمون عليه من بعيد ، فقال : مرحبا بقومي ، أدنوا ، فقالوا : ما نستطيع أن ندنو منك ، قد حالت النار بيننا وبينك ، قال : فأنتم تريدون أن تلقوني في نار أعظم منها ، في نار جهنم ، قال : فرجعوا.

وفي سنة ثمان عشرة حاصر هرم بن حيان أهل دست هر (١) ، فرأى ملكهم امرأة تأكل ولدها ، فقال : الآن أصالح العرب ، فصالح هرما على أن خلى لهم المدينة (٢).

وجه عثمان بن أبي العاص هرم بن حيان إلى قلعة بجرة (٣) ـ يقال لها : قلعة الشيوخ ـ فافتتحها عنوة ، وسبى أهلها (٤) ، وصالح أهل قلعة الرهبان من كازرون سنة ست وعشرين (٥) في خلافة عثمان.

وعن الحسن قال (٦) : كان الرجل إذا كانت له حاجة ، والإمام يخطب قام ، فأمسك بأنفه ، فأشار إليه الإمام أن يخرج. قال : فكان رجل قد أراد الرجوع إلى أهله فقام إلى هرم بن حيان ، وهو يخطب ، فأخذ بأنفه ، فأشار إليه هرم أن يذهب ، فخرج إلى أهله ، فأقام فيهم ثم قدم ، فقال له هرم : أين كنت؟ فقال : في أهلي ، فقال : أبإذن ذهبت؟ قال : نعم ، قمت إليك وأنت تخطب ، فأخذت بأنفي ، فأشرت إليّ أن أذهب ، قال : فاتخذت هذا دغلا (٧) ـ أو كلمة نحوها ـ قال : اللهم ، أخّر رجال السوء لزمان السوء. وكان هرم يقول : اللهم ، إني أعوذ بك من زمان يمرد فيه صغيرهم ، ويأمل فيه كبيرهم ، وتقترب فيه آجالهم.

بعث (٨) عمر هرم بن حيّان على الخيل فغضب على رجل ، فأمر به ، فوجئت عنقه ، ثم أقبل على أصحابه فقال : لا جزاكم الله خيرا ، ما نصحتموني حين قلت ، ولا كففتموني عن

__________________

(١) كذا بالأصل ، وفي الاستيعاب وأسد الغابة : «أبر شهر» وهي نيسابور كما في معجم البلدان. وفي تاريخ خليفة بن خياط ص ١٤١ «ريشهر» قال ياقوت وهي ناحية من كورة أرجان.

(٢) الخبر في تاريخ خليفة والاستيعاب وأسد الغابة.

(٣) كذا بالأصل ، وفي أسد الغابة : «نجرة» وفي تاريخ خليفة : «بحرة».

(٤) الإصابة ٣ / ٦٠١ وأسد الغابة ٤ / ٦١٥ وتاريخ خليفة بن خياط ص ١٥٩.

(٥) تاريخ خليفة ص ١٥٩.

(٦) الخبر في الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ / ١٣٣ من طريق إسماعيل بن إبراهيم الأسدي قال : أخبرنا هشام عن الحسن ، وذكره وحلية الأولياء ٢ / ١٢١.

(٧) أدغل في الأمر : أدخل فيه ما يفسده ويخالفه ، وقال أبو عمرو : الدغل : ما استترت به (اللسان).

(٨) رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٢ / ١٢٠ من طريق عبد الله بن محمد بسنده إلى أبي نضرة ، وذكره.

٣٧٤

غضبي. والله لا ألي لكم عملا ، ثم كتب إلى عمر : يا أمير المؤمنين ، لا طاقة لي بالرعية ، فابعث إلى عملك.

بات (١) هرم بن حيّان عند حممة (٢) ، فبات حممة باكيا حتى أصبح ، فقال له هرم : يا أخي ، ما أبكاك الليلة؟ قال : ذكرت ليلة صبيحتها تناثر الكواكب. قال : وبات حممة عند هرم ليلة فبات هرم باكيا حتى أصبح ، فقال له حممة : ما أبكاك يا أخي؟ قال : ذكرت ليلة صبيحتها تبعثر القبور للمحشر إلى الله. وكانا إذا أصبحا غدوا ، فمرا بأكورة الحدادين فنظروا إلى الحديد ينفخ عليه ، فيقعان ، ويبكيان ، ويستجيران بالله من النار ، ثم يأتيان أصحاب الرياحين ، فيقفان فيسألان الله الجنة ، ثم يدعوان بدعوات ثم يتفرقان.

خرج (٣) هرم بن حيان وعبد الله بن عامر يريدان الحجاز ، فبينما هما يسيران ، ورواحلهما ترعيان [إذ عرضت لهما صليانة (٤) ، فابتدر لها الناقتان ، فأكلتها إحداهما](٥).

فقال هرم لعبد الله بن عامر : أتحب أن تكون هذه الصليانة تأكلك هذه الناقة فذهبت؟ فقال ابن عامر : ما أحب ذلك ، فإني لأرجو أن يدخلني الله الجنة ، وإني لأرجو ، وإني لأرجو ، فقال هرم : والله لو علمت أني أطاع في نفسي لأحببت أن أكون هذه الصليانة فأكلتني هذه الناقة فذهبت.

قال هرم بن حيان (٦) : لو قيل لي : إنك من أهل النار لم أترك العمل لئلا تلومني نفسي ، تقول : ألا صنعت؟ ألا فعلت؟

كان (٧) هرم بن حيان يقول : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم.

__________________

(١) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء ٢ / ١١٩ من طريق أحمد بن جعفر بن حمدان بسنده إلى مطر الوراق ، وذكره ، باختلاف الرواية.

(٢) حممة صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٣) الخبر في حلية الأولياء ٢ / ١٢٠ وسير الأعلام ٤ / ٤٩ باختلاف الرواية.

(٤) الصليانة نبت له سنمة عظيمة كأن رأسها القصبة ، إذا خرجت أذنابها تجذبها الإبل ، والعرب تسميه خبزة الإبل (اللسان : صلا).

(٥) ما بين معكوفتين استدرك عن هامش الأصل.

(٦) الخبر رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٢ / ١٢٢ من طريق أبي بكر بن مالك بسنده إلى ابن شوذب ، فذكره.

(٧) رواه الذهبي في سير الأعلام ٤ / ٤٩ نقلا عن قتادة.

٣٧٥

قال هرم بن حيان : ما عصى الله تعالى كريم ، ولا آثر الدنيا على الآخرة حكيم.

كان (١) هرم بن حيان يخرج في شطر (٢) الليل ، فينادي بأعلى صوته : عجبت من الجنة ، كيف ينام طالبها ، وعجبت من النار كيف ينام هاربها (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) [سورة الأعراف ، الآية : ٩٧] ثم يقرأ : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) [سورة التكاثر ، الآية ١](وَالْعَصْرِ) [سورة العصر ، الآية : ١].

وكان يقول : لو أن مناديا ينادي من أهل السماء : أين خير أهل الأرض رجوت أن أكون أنا ، ولو نادى مناد : أين شر أهل الأرض خشيت أن أكون أنا هو ، ولو قيل لي : إنك من أهل الجنة ما زادني ذلك إلا اجتهادا ، شكرا لربي ، ولو قيل لي : إنك من أهل النار ما زادني ذلك إلا اجتهادا كيلا ألوم نفسي إن هلكت ، لأني لم أهلك إلا بعد الاجتهاد.

أخذ محمود الوراق قوله : لم أر مثل الجنة نام طالبها ، ولا مثل النار نام هاربها :

عجبت من هارب يخاف من النّ

ار ومن نومه على هربه

والذي يطلب السبيل إلى الجنّ

ة أنى ينام عن طلبه

كم من جهول قد نال بغيته

ومن أديب أكدى على أدبه

ورب باك فوات حاجته

وفي الفوات النجاة من عطبه

قيل (٣) لهرم بن حيان : أوص ، قال : أوصيكم بالآيات الأواخر من سورة النحل : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ) [سورة النحل ، الآية : ١٢٥] إلى قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [سورة النحل ، الآية : ١٢٨].

قيل (٤) لهرم بن حيان لما حضره الموت : أوص قال : ما أدري ما أوصي ، ولكن بيعوا درعي واقضوا عني ديني ، فإن لم يف فبيعوا فرسي ، فإن لم يف فبيعوا غلامي ، وأوصيكم بخواتيم سورة النحل.

__________________

(١) رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٢ / ١١٩ من طريق إبراهيم بن محمد بن حمزة بسنده إلى المعلى بن زياد قال ، وذكره. وسير الأعلام ٤ / ٤٨.

(٢) في الحلية : في بعض الليل.

(٣) الخبر في سير الأعلام ٤ / ٤٨.

(٤) الخبر في حلية الأولياء ٢ / ١٢١ من طريق محمد بن أحمد بن الحسن بسنده إلى قتادة.

٣٧٦

قال قتادة : أوصى والله بجماع من الأمر ، ومن أوصى بما أوصى فقد أبلغ.

قال الحسن (١) :

مات هرم بن حيان في يوم صائف. فلما دفن جاءت سحابة قدر قبره فرشّت ، ثم انصرفت ، وأنبت العشب من يومه وما جاوزت قبره شبرا.

[١٠٠٤٨] هشام بن أحمد بن هشام بن عبد الله بن كثير

أبو الوليد المقرئ ، مولى بني أسد بن عبد العزى

حدث بدمشق عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن أبي سلمة بسنده إلى أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين» [١٤٣٥٢].

وحدث عن أبي جعفر محمد بن الخضر بسنده إلى أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«لو أن عبدين تحابا في الله ، أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب جمع بينهما يوم القيامة ، يقول : هذا الذي كنت تحبه فيّ» [١٤٣٥٣].

توفي أبو الوليد هشام سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مائة.

[١٠٠٤٩] هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد

ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم

أبو الوليد المخزومي

قدم دمشق ، فتزوج عبد الملك بن مروان ابنته (٢) ، وولاه المدينة ، [وولدت لعبد الملك هشاما](٣) ، وهشام أول من أحدث دراسة القرآن في جامع دمشق في السبع (٤).

روى هشام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ / ١٣٣ وسير الأعلام ٤ / ٤٩ وحلية الأولياء ٢ / ١٢٢.

[١٠٠٤٩] نسب قريش للمصعب ص ٣٢٨ وجمهرة ابن حزم ص ١٤٨ وأنساب الأشراف ١٠ / ٢٠٦ والتاريخ الكبير ٨ / ١٩٢ ـ ١٩٣ والجرح والتعديل ٩ / ٥٢.

(٢) أم هشام : وقد ولدت لعبد الملك ابنه هشام.

(٣) الزيادة استدركت عن هامش الأصل.

(٤) انظر تاريخ أبي زرعة الدمشقي ٢ / ٧١٢.

٣٧٧

«لا تبادروني بالركوع» [١٤٣٥٤].

وأم هشام : أمة الله بنت المطلب بن أبي البختري بن هاشم (١) بن الحارث (٢).

وكان هشام بن إسماعيل من وجوه قريش. وكان مشددا (٣) في ولايته.

وكان عمر بن عبد الرحمن بن عوف لما رأى أسف عبد الملك على زينب بنت عبد الرحمن بن الحارث ـ وكان يريد أن يتزوجها ، فتزوجها عمه يحيى بن الحكم (٤) ـ قال له : يا أمير المؤمنين ، أنا أدلك على مثلها في الجمال ، وهي شريكتها في النسب ، قال : من هي؟ قال : زينب (٥) بنت هشام بن إسماعيل ، وهو عندك حاضر ، قال : فكيف لي بذلك؟ قال : أنا لك به. قال : فأنت ، فذهب عمر إلى هشام بن إسماعيل ، فخطب إليه ابنته على عبد الملك ، فقال هشام : تريد أن آتيه أزوجه؟ ولا يكون هذا أبدا ، فقال له عمر : يا هذا ، إن ابن عمك صنع ما صنع بالأمس ، فأنشدك بالله أن ترد فتنة بدت للشرّ بينكم وبينه ، ولكن تشهد العصر معه في المقصورة ، فتكون وراءه ، فإذا صلى انحرف عليك فخطب ، قال : نعم ، فأعلم عمر عبد الملك ، فراح إلى العصر في قميص معصفر (٦) ، ورداء معصفر. فلما صلى العصر أقبل بوجهه على هشام بن إسماعيل ، فخطب إليه ابنته ، فزوجه إياها ، وأصدقها أربع مائة دينار.

قوله : إن ابن عمك صنع ما صنع ، يعني : المغيرة بن عبد الرحمن أخا زينب حتى تزوجها يحيى بن الحكم (٧).

__________________

(١) كذا بالأصل ونسب قريش للمصعب ص ٤٩ ، وفي طبقات ابن سعد ٥ / ٢٤٤ ونسب قريش للمصعب ص ٣٢٨ هشام.

(٢) الذي في أنساب الأشراف ١٠ / ٢٠٦ أن أمه من بني قيس بن ثعلبة.

(٣) كذا بالأصل ، وفي نسب قريش : مسددا.

(٤) أنساب الأشراف ٦ / ٣٠٤.

(٥) كذا ورد اسمها هنا ، وقد تقدم : «أم هشام» وفي سير الأعلام ١٥ / ٣٥١ فاطمة ، وفي الطبري ٦ / ٤٢٠ والبداية والنهاية ٩ / ٦٨ عائشة والذي في أنساب الأشراف ٧ / ١٩٥ أم هشام واسمها عائشة ، وجاء فيه ١٠ / ٢٠٧ عائشة ويقال : فاطمة ، وتكنى أم هشام.

(٦) عصفر ثوبه : صبغه به بالعصفر. والعصفر : نبت يهرئ اللحم الغليظ ، وبزره القرطم. (القاموس).

(٧) كان المغيرة بن عبد الرحمن قد نزل على يحيى بن الحكم لما أمره عبد الملك بن مروان بالشخوص إليه لتزويجه أخته زينب. فقال له يحيى أعطيك لنفسك أربعين ألف دينار ، ولزينب علي رضاها وتزوجنيها فزوجه إياها. فلما بلغ عبد الملك ذلك أسف عليها. انظر ترجمتها في كتابنا ـ تاريخ مدينة دمشق ـ طبعة دار الفكر الجزء ٦٩ تراجم النساء.

٣٧٨

قال الأوزاعي :

كان معاوية بن أبي سفيان أول من اعتذر إلى الناس في الجلوس في الخطبة الأولى في الجمعة ، ولم يصنع ذلك إلا لكبر سنّه وضعفه ، وكان عبد الملك بن مروان أول من رفع يديه في الجمعة ، وقنت (١) فيها ، وكان المصعب بن الزبير أول من أحدث التكبير الثلاث بعد المغرب والصبح ، وكان هشام بن إسماعيل أول من جمع الناس في الدراسة.

قال : وقد كان عمر بن عبد العزيز يجلس في الخطبة الأولى.

لما (٢) عقد عبد الملك لابنيه الوليد وسليمان العهد (٣) ، وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان وعامله على المدينة هشام بن إسماعيل ، فدعا الناس إلى البيعة لهما ، فبايع الناس ، وامتنع سعيد بن المسيب ، وقال : حتى أنظر ، فضربه هشام ستين سوطا ، وطاف به في تبّان من شعر حتى بلغ به رأس الثنيّة ، فلما كرّوا به قال : أين تكرون بي؟ قالوا : إلى السجن ، قال : لو لا أني ظننت أنه الصّلب ما لبست هذا التبّان ، فردّوه إلى السجن ، وحبسه ، وكتب إلى عبد الملك بذلك (٤) ، فكتب إليه عبد الملك يلومه فيما صنع به ، ويقول : سعيد كان أحوج إلى أن تصل رحمه من أن تضربه ، وإنا لنعلم ما عند سعيد شقاق ولا خلاف.

ولما كتب عبد الملك إلى هشام بذلك قال سعيد : الله بيني وبين من ظلمني.

قال عبد الله بن يزيد الهذلي (٥) :

دخلت على سعيد بن المسيب السجن ، فإذا هو ذبحت له شاة ، فجعل الإهاب على ظهره ، ثم جعلوا له بعد ذلك قصبا (٦) رطبا ، وكان كلما نظر إلى عضديه قال : اللهم ، انصرني من هشام.

__________________

(١) يريد هنا : الدعاء.

(٢) الخبر رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٥ / ١٢٥ ـ ١٢٦ من طريق محمد بن عمر ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر وغيره.

(٣) وكان ذلك بعد وفاة أخيه عبد العزيز بن مروان بمصر في جمادى سنة أربع وثمانين.

(٤) في ابن سعد : وكتب إلى عبد الملك يخبره بخلافه وما كان من أمره.

(٥) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٥ / ١٢٦ من طريق محمد بن عمر قال : حدثني عبد الله بن يزيد الهذلي ، وذكره.

(٦) في ابن سعد : قضبا.

٣٧٩

قال أبو الزناد : رمقت سعيد بن المسيب بعد جلد هشام بن إسماعيل إياه ، فما رأيته يفوته في سجود ولا ركوع ، ولا زال يصلي معه بصلاته.

وكان سعيد بن المسيب لا يقبل بوجهه على هشام بن إسماعيل إذا خطب في الجمعة ، فأمر به هشام بعض أعوانه أن يعطفه عليه إذا خطب ، فأهوى العون (١) يعطفه ، فأبى سعيد ، فأخذه حتى عطفه ، فصاح سعيد : يا هشام ، إنما هي أربع بعد أربع فلما انصرف هشام قال : ويحكم جنّ سعيد. فسئل سعيد : أي شيء أربع بعد أربع؟ سمعت في ذلك شيئا؟ قال : لا ، قيل : فما أردت بقولك؟ قال : إن جاريتي لما أردت المسجد قالت : إني أريت كأن موسى غطّس عبد الملك في البحر ثلاث غطسات فمات في الثالثة ، فأوّلت أن عبد الملك بن مروان مات ، لأن موسى بعث على الجبارين بقتلهم ، وعبد الملك جبار هذه الأمة. قال : فلم قلت : أربع بعد أربع؟ قال : مسافة مسير الرسول من دمشق إلى المدينة بالخبر. فمكثوا ثمان ليال ثم جاء رسول بموت عبد الملك.

كان (٢) هشام بن إسماعيل يؤذي علي بن حسين وأهل بيته ، يخطب بذلك على المنبر ، وينال من علي. فلما ولي الوليد بن عبد الملك عزله ، وأمر به أن يوقف للناس (٣) ، فكان يقول : لا والله ما كان أحد من الناس أهمّ إلي من علي بن حسين ، كنت أقول : رجل صالح يسمع قوله ، فوقف للناس (٤) ، فجمع علي بن حسين ولده وخاصته (٥) ونهاهم عن التعرض له ، وغدا علي بن حسين مارا لحاجة ، فما عرض له ، فناداه هشام بن إسماعيل (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)(٦).

[قال أبو عبد الله البخاري](٧) :

__________________

(١) كذا ، والعون : الظهير للواحد والجمع والمؤنث ، والجمع : أعوان (القاموس المحيط).

(٢) الخبر رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٥ / ٢٢٠ في ترجمة علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي‌الله‌عنهم) من طريق محمد بن عمر قال : حدثني ابن أبي سيرة عن سالم مولى أبي جعفر قال ، وذكره.

(٣) بالأصل : الناس ، والمثبت عن ابن سعد.

(٤) بالأصل : الناس.

(٥) عند ابن سعد : وحامّته.

(٦) بالأصل وابن سعد : «رسالاته» سورة الأنعام ، الآية : ١٢٤.

(٧) زيادة منا.

٣٨٠