تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٣

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٣

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩١
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

فلم يبق إلا ذكره وحديثه

تبكي (١) عليه بالعويل حلائله

ثم خرج إلى طوس ، فلما نزل حلوان العراق هاج به الدم ، فأجمع المتطببون أن دواءه الجمار (٢) ، فوجه إلى دهقان حلوان ، فسأل عن النخل ، فقال : ليس بهذا البلد نخلة إلا النخلتان اللتان على عقبة حلوان ، فوجه إليهما من قطع إحداهما ، فأكل هارون جمّارها ، فسكن عنه الدم ، فترحل ، فمر عليهما ، فرأى على القائمة منهما مكتوبا (٣) :

أسعداني يا نخلتي حلوان

وابكيا لي من صرف هذا الزمان (٤)

أسعداني وأيقنا أن نحسا

سوف يلقاكما فتفترقان

ولعمري لو ذقتما حرق (٥) الفر

قة أبكاكما الذي أبكاني

فقال هارون : عز والله علي أن أكون أنا نحسهما ، ولو علمت بهذا الكتاب ما قطعتها ولو تلفت نفسي.

لما حضر هارون الرشيد الوفاة جاءت إحدى جواريه إليه تبكي عند رأسه ، فرفع رأسه إليها ، وأنشأ يقول :

باكيتي من جزع أقصري

قد غلق الرهن بما فيه

لما حضرت الرشيد الوفاة كان ربما غشي عليه فيفتح عينيه ، فيغشى عليه ، ثم نظر إلى الربيع واقفا على رأسه فقال : يا ربيع.

أحين دنا ما كنت أرجو دنوّه

رمتني عيون الناس من كلّ جانب

فأصبحت مرحوما وكنت محسّدا

فصبرا على مكروه مرّ العواقب

سأبكي على الوصل الذي كان بيننا

وأندب أيام السرور الذواهب

وأعتقل الأيام بالصبر والعزا

عليك وإن جانبت غير مجانب

__________________

(١) في مروج الذهب : تنادي.

(٢) الجمار : شحم النخل.

(٣) الخبر والبيتان الأول والثاني في الأغاني ١٣ / ٣٣٢ ، والأبيات من عدة أبيات في الأغاني ١٣ / ٢٧٣ ونسب الشعر أبو الفرج لمطيع بن إياس الكناني.

(٤) الأغاني :

وارثيا لي من ريب هذا الزمان

(٥) الأغاني : ألم.

٣٢١

قال مسرور الخادم (١) : أمرني هارون أمير المؤمنين لما احتضر أن آتيه بأكفانه ، فأتيته بها ، ينتقيها على عينه ، ثم أمرني ، فحفرت قبره (٢) ، ثم أمر فحمل إليه ، فجعل يتأمله ويقول : (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) [سورة الحاقة ، الآيتان : ٢٨ و ٢٩] ويبكي ، ثم تمثل ببيت شعر (٣).

قال أحمد بن محمد الأزدي :

جعل هارون أمير المؤمنين يقول وهو في الموت : وا سوأتاه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

استخلف الرشيد هارون سنة سبعين ومائة ، وتوفي سنة ثلاث وتسعين ومائة بطوس ، ودفن بقرية يقال لها سناباذ (٤). وأتت الخلافة ابنه محمد الأمين وهو ببغداد ، وتوفي الرشيد وهو ابن ست وأربعين سنة (٥).

قال بعضهم (٦) :

قرأت على خيام هارون أمير المؤمنين بعد منصرفهم من طوس ، وقد مات هارون :

منازل العسكر معمورة

والمنزل الأعظم مهجور

خليفة الله بدار البلى

تسفي (٧) على أجداثه المور

أقبلت العير تباهي به

وانصرفت تندبه العير

__________________

(١) الخبر في مروج الذهب ٣ / ٤٤٩.

(٢) الذي في البداية والنهاية ١٠ / ٢٣١ أنه أمر حفر قبره في الدار التي كان فيها قبل موته ، وهي دار حميد بن أبي غانم الطائي.

(٣) في البداية والنهاية ١٠ / ٢٣١ أنه قال لبعض من حضر موته ، أما سمعت قول الشاعر :

وإني من قوم كرام يزيدهم

شماسا وصبرا شدة الحدثان

(٤) سناباذ : بينها وبين طوس نحو ميل. (معجم البلدان).

(٥) انظر تاريخ بغداد ١٤ / ١٣. والذي في مروج الذهب ٣ / ٤١٢ أنه ولي الخلافة وهو ابن إحدى وعشرين سنة وشهرين ومات وهو ابن أربع وأربعين سنة وأربعة أشهر.

(٦) الخبر والأبيات في البداية والنهاية ١٠ / ٢٤٠.

(٧) البداية والنهاية : تسعى.

٣٢٢

[١٠٠١٤] هارون الواثق بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد

ابن محمد المهدي بن عبد الله المنصور

أبو جعفر ، وقيل أبو القاسم

أمه أم ولد اسمها قراطيس (١). استخلف بعد أبيه المعتصم بعهد منه (٢).

قدم دمشق مع أبيه في خلافة عمه.

حدث الواثق عن أبيه عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن أبيه عن ابن عباس قال :

لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله شابا منها ، يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، فيعود الأمر فيه كما بدأ.

قلت : يطمع في ذلك فتيانكم ، ولا يطمع فيه شيوخكم ، قال : يفعل الله ما يشاء ، ذلك عزم.

قال رجل لابن عباس : إن ابن الزبير يزعم أن المهدي منهم ، قال : لا ورب الكعبة ، ولو كان زمانه لكنته ، ولكنه من ولدي.

ولد الواثق بطريق مكة سنة تسعين ومائة ، وولي الخلافة سنة سبع وعشرين ومائتين ، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. وقيل : ولد سنة ست وتسعين ومائة (٣). وقيل : سنة أربع وتسعين. وبويع الواثق في اليوم الذي مات فيه أبوه المعتصم بسر من رأى (٤). وورد (٥) رسوله بغداد يوم الجمعة على إسحاق بن إبراهيم ، فلم يظهر ذلك ، ودعا للمعتصم على منبري بغداد وهو ميت. فلما كان الغد يوم السبت (٦) أمر إسحاق بن إبراهيم الهاشميين والقواد والناس

__________________

[١٠٠١٤] ترجمته في تاريخ الطبري (الفهارس) والكامل لابن الأثير (الفهارس) والبداية والنهاية ١٠ / ٣٢٦ ومروج الذهب ٤ / ٧٥ وتاريخ بغداد ١٤ / ١٥ وتاريخ اليعقوبي ٣ / ٢٠٤ وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٤٠٠. وفوات الوفيات ٤ / ٢٢٨ وسير الأعلام ١٠ / ٣٠٦ والأغاني ٩ / ٢٧٦.

(١) مروج الذهب ٤ / ٧٥ وتاريخ بغداد ١٤ / ١٦.

(٢) سير الأعلام ١٠ / ٣٠٧.

(٣) سير الأعلام وتاريخ الخلفاء ، وفي تاريخ الخلفاء : ولد لعشر بقين من شعبان سنة ست وتسعين ومائة.

(٤) وهو يوم الخميس لثماني عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين كما في مروج الذهب ٤ / ٧٥.

(٥) الخبر في تاريخ بغداد ١٤ / ١٦.

(٦) كذا في تاريخ بغداد أيضا.

٣٢٣

بحضور دار أمير المؤمنين ، فحضروا ، فقرأ كتابه على الناس ينعي أبيه ، وأخذ البيعة ، فبايع الناس.

لما (١) مات المعتصم ، وولي الواثق كتب دعبل بن علي الخزاعي أبياتا ، وأتى بها الحاجب ، فقال : أبلغ أمير المؤمنين السلام ، وقل : مديح لدعبل ، فأخذ الحاجب الطومار فأدخله على الواثق ففضّه فإذا فيه (٢) :

الحمد لله لا صبر ولا جلد

ولا رقاد (٣) إذا أهل الهوى رقدوا

خليفة مات لم يحزن له أحد

وآخر قام لم يفرح به أحد

فمرّ هذا ومر الشرّ (٤) يتبعه

وقام هذا فقام الويل والنكد

فطلب ، فلم يوجد.

دخل (٥) هارون بن زياد ـ مؤدب الواثق ـ على الواثق ، فأكرمه ، وأظهر من برّه ما شهر به ، فقيل له : من هذا يا أمير المؤمنين الذي فعلت به ما فعلت؟ قال : هذا أول من فتق لساني بذكر الله عزوجل ، وأدناني من رحمة الله عزوجل.

قال يحيى بن أكثم (٦) :

ما أحسن أحد إلى آل أبي طالب من خلفاء بني العباس ما أحسن إليهم الواثق ، ما مات وفيهم فقير.

قال أبو عثمان المازني :

كتب الواثق في حملي ، فحملت ، وأدخلت عليه ، وهو عليل ، فقال : يا بكر ، لك ولد؟ قلت : لا ، قال : فلك امرأة؟ قلت : لا ، قال : فمن خلّفت بالبصرة؟ قلت : أختي ، قال :

__________________

(١) الخبر والأبيات في تاريخ بغداد ١٤ / ١٦ ـ ١٧ ، والبداية والنهاية ١٠ / ٣٤٠ والأغاني ٢٠ / ١٤٦.

(٢) الأبيات في ديوان دعبل بن علي الخزاعي ص ١٦٨ ط. دار الكتاب اللبناني بيروت ، وانظر تخريجها فيه.

(٣) الديوان : عزاء.

(٤) الديوان : الشؤم.

(٥) الخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ١٧ من طريق الحسن بن أبي طالب حدثنا أحمد بن محمد بن عروة أخبرنا محمد بن يحيى قال : حدثني علي بن محمد قال : سمعت خالي أحمد بن حمدون يقول. وذكره.

(٦) الخبر من طريقه رواه السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٤٠٢ وسير الأعلام ١٠ / ٣٠٧ وفوات الوفيات ٤ / ٢٢٥ وتاريخ بغداد ١٤ / ١٩.

٣٢٤

أكبر منك أم أصغر؟ فقلت : أصغر مني ، قال : فما قالت المسكينة؟ قلت : قالت لي ما قالت ابنة الأعشى لأبيها (١) :

تقول ابنتي حين جد الرحيل

أرانا سواء ومن قد يتم

فيا أبتا لا تزل عندنا

فإنا بخير إذا لم ترم (٢)

ترانا إذا أضمرتك البلاد

نجفى وتقطع منا الرحم

قال : ما رددت عليها المسكينة؟ قال : رددت عليها ما قال جرير لابنته (٣) :

ثقي بالله ليس له شريك

ومن عند الخليفة بالنجاح

فضحك ثم أمر لي بخمس مائة دينار.

كتب محمد بن حماد إلى الواثق (٤) :

جذبت دواعي النفس عن طلب الغنى

وقلت لها كفّي (٥) عن الطلب النزر

فإن أمير المؤمنين بكفّه

مدار رحا الأرزاق دائبة تجري

فوقّع : جذبك (٦) نفسك عن امتهانها ، دعا إلى صونك بسعة فضلي [عليك](٧) فخذ ما طلبت هنيئا.

قال المهتدي (٨) :

كنت أمسي مع الواثق في صحن داره ، فقال : اكتب.

__________________

(١) الأبيات في ديوان الأعشى ص ٢٠٠ طبعة : صادر ، بيروت.

(٢) البيت ملفق من بيتين في الديوان :

أبانا فلا رمت من عندنا

فإنا بخير إذا لم ترم

ويا أبتا لا تزال عندنا

فإنا نخاف بأن تخترم

(٣) البيت من قصيدة يمدح جرير بها عبد الملك بن مروان ، ديوان ص ٧٤ ط بيروت ومطلعها :

أتصحو بل فؤادك غير صاح

عشية همّ صحبك بالرواح

(٤) البيتان في تاريخ بغداد ١٤ / ١٧ ، والبداية والنهاية ١٠ / ٣٤٠ بدون نسبة فيها.

(٥) في المصدرين : عفّي.

(٦) البداية والنهاية : جذبتك.

(٧) زيادة عن تاريخ بغداد.

(٨) الخبر والبيتان في تاريخ بغداد ١٤ / ١٨ والبداية والنهاية ١٠ / ٣٤١.

٣٢٥

تنحّ عن القبيح ولا ترده

ومن أوليته حسنا فزده

ستكفى من عدوّ كل كيد

إذا كاد العدوّ ولم تكده

ثم قال : اكتب (١) :

هي المقادير تجري في أعنتها

فاصبر (٢) فليس لها صبر على حال

ومما روي من شعر الواثق :

حين استتمّ بأرداف تجاذبه

واخضرّ فوق قناع الدرّ شاربه

وتم في الحسن فالتامت ملاحته

ومازجت بدعا منه عجائبه

كلّمته بجفون غير ناطقة

فكان من رده ما قال حاجبه

قال حمدون بن إسماعيل (٣) :

كان الواثق مليح الشعر ، وكان يحب خادما أهدي له من مصر ، فأغضبه الواثق يوما ثم سمعه يوما يقول لبعض الخدم : هو يروم أن أكلمه ، ما أفعل ، فقال الواثق : وله فيه لحن :

إن (٤) الذي بعذابي ظل مفتخرا

ما أنت (٥) إلا مليك جار إذ قدرا

لو لا هواه تجارينا (٦) على قدر

وإن أفق منه يوما (٧) ما فسوف يرى

قال أحمد بن حمدون (٨) :

كان بين الواثق وبين بعض جواريه شر (٩) ، فخرج كسلان ، فلم أزل أنا والفتح نحتال

__________________

(١) البيت في تاريخ بغداد ١٤ / ١٨ والبداية والنهاية ١٠ / ٣٤٠.

(٢) تاريخ بغداد : واصبر.

(٣) الخبر والشعر في سير أعلام النبلاء ١٠ / ٣٠٧ والخبر والبيتان في الأغاني ٩ / ٢٩٧ من طريق علي بن محمد بن نصر عن جده ابن حمدون عن أبيه حمدون بن إسماعيل قال ، وذكره. وفوات الوفيات ٤ / ٢٢٩ وتاريخ الخلفاء ص ٤٠٢.

(٤) في الأغاني وبقية المصادر : يا ذا الذي.

(٥) في الأغاني : هل أنت.

(٦) في الأغاني :

لو لا الهوى لتجازينا على قدر

(٧) في الأغاني : «مرة منه» بدلا من «منه يوما».

(٨) الخبر والشعر في تاريخ بغداد ١٤ / ١٨ ـ ١٩ من طريق علي بن أيوب القمي أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني أخبرني محمد بن يحيى حدثني علي بن محمد بن نصر بن بسام قال حدثني خالي أحمد بن حمدون ، فذكره.

(٩) في تاريخ بغداد : شيء.

٣٢٦

لنشاطه ، فرآني أضاحك الفتح بن خاقان ، فقال : قاتل الله [ابن](١) الأحنف حيث يقول :

عدل من الله أبكاني وأضحككم

فالحمد لله عدل كل ما صنعا

اليوم أبكي على قلبي وأندبه

قلب ألح عليه الحب فانصدعا

للحب في كل عضو لي على حدة

نوع تفرّق عنه الصبر واجتمعا

فقال الفتح : أنت يا أمير المؤمنين في وضع التمثل موضعه أشعر منه [وأعلم](٢) وأظرف.

أمر (٣) الواثق ابن أبي داود يصلي بالناس في يوم عيد ، وكان عليلا. فلما انصرف قال له : يا أبا عبد الله ، كيف كان عيدكم؟ قال : كنا في نهار لا شمس فيه ، فضحك ، وقال : يا أبا عبد الله ، أنا مؤيد بك.

[قال الخطيب](٤) : وكان ابن أبي داود (٥) قد استولى على الواثق وحمله على التشدد في المحنة ، ودعا الناس إلى القول بخلق القرآن. ويقال : إن الواثق رجع عن ذلك القول قبل موته.

قال صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور الهاشمي (٦) :

حضرت المهتدي بالله أمير المؤمنين وقد جلس للنظر في أمور المتكلمين في دار العامة ، فنظرت إلى قصص الناس تقرأ عليه من أولها إلى آخرها ، فيأمر بالتوقيع فيها ، وينشأ الكتاب عليها ويحرّر ، ويختم ، ويدفع إلى صاحبه بين يديه ، فسرّني ذلك ، واستحسنت ما رأيت منه ، فجعلت أنظر إليه ، ففطن ، ونظر إلي ، فغضضت عنه حتى كان ذلك مني ومنه مرارا ثلاثا ، إذا نظر غضضت ، وإذا شغل نظرت ، فقال : يا صالح ، قلت : لبيك يا أمير المؤمنين ، فقال : في نفسك منا شيء تريد (٧) أن تقوله ، قلت : نعم ، حتى إذا قام قال

__________________

(١) استدركت عن تاريخ بغداد.

(٢) زيادة عن تاريخ بغداد.

(٣) الخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ١٨.

(٤) زيادة للإيضاح ، انظر تاريخ بغداد ١٤ / ١٨.

(٥) يعني أحمد بن أبي دؤاد بن حريز ، أبو عبد الله الإيادي ، انظر ترجمته في سير الأعلام ١١ / ١٦٩.

(٦) الخبر رواه المسعودي في مروج الذهب ٤ / ٢١٦ وما بعدها. ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ١٠ / ٣٠٩ ـ ٣١٠.

(٧) سير الأعلام : «تحب» وفي مروج الذهب : تحب أن تذكره.

٣٢٧

للحاجب : لا يبرح صالح ، وانصرف الناس ، وأذن لي ، وهمتني نفسي ، فدخلت ، وجلست ، فقال : يا صالح ، تقول لي ما دار في نفسك ، أو أقول أنا مادار في نفسي أنه دار في نفسك؟ قلت : يا أمير المؤمنين ، ما تأمر به (١) ، فقال : دار في نفسي أنك استحسنت ما رأيت منا ، فقلت : أي خليفة خليفتنا إن لم يكن يقول : بخلق القرآن ، فورد على قلبي أمر عظيم ، ثم قلت : يا نفس ، هل تموتين قبل أجلك؟ وهل تموتين إلا مرة واحدة ، وهل يجوز الكذب في جدّ أو هزل؟ فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما دار في نفسي إلا ما قلت ، فأطرق مليا ثم قال : ويحك! اسمع مني ما أقول ، فو الله لتسمعنّ الحق ، فسرّي عني ، وقلت : يا سيدي ، ومن أولى بقول الحق منك ، وأنت خليفة رب العالمين (٢) ، وابن عم سيد المرسلين؟ فقال :

ما زلت أقول إن القرآن مخلوق صدرا من أيام الواثق حتى أقدم أحمد بن أبي داود علينا شيخا من أهل الشام ، من أهل أذنة (٣) مقيدا ، وهو جميل الوجه تام القامة ، حسن الشيبة (٤) ، فرأيت الواثق قد استحيا منه ، ورق له ، فما زال يدنيه ، ويقرّبه حتى قرب منه ، فسلم الشيخ ، فأحسن ، ودعا ، فأبلغ وأوجز ، فقال له الواثق : اجلس ناظر ابن أبي داود على ما يناظرك عليه ، فقال له الشيخ : يا أمير المؤمنين ، ابن أبي دواد يضوى (٥) ويضعف عن المناظرة ، فغضب الواثق ، وعاد مكان الرقّة له غضبا عليه ، وقال : أبو عبد الله بن أبي دواد يضوى ، ويضعف عن مناظرتك أنت؟! فقال الشيخ : هون عليك يا أمير المؤمنين ، وائذن في مناظرته ، فقال الواثق : ما دعوتك إلا للمناظرة ، فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين ، إن رأيت أن تحفظ علي وعليه ما نقول ، قال : أفعل.

فقال الشيخ : يا أحمد ، أخبرني عن مقالتك هذه ، هي مقالة واجبة ، داخلة في عقدة الدين ، فلا يكون الدين كاملا حتى يقال فيه بما قلت؟ قال : نعم ، قال الشيخ : يا أحمد ، أخبرني عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين بعثه الله إلى عباده ، هل سن (٦) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا مما أمره

__________________

(١) في سير الأعلام : ما ترى.

(٢) كذا في مختصر ابن منظور وسير الأعلام ، ولم يتلقب أي من الصحابة أو الخلفاء بهذا اللقب.

(٣) أذنة بلد من الثغور قرب المصيصة مشهور (معجم البلدان ١ / ١٣٣).

(٤) في مروج الذهبي : حسن الهيئة.

(٥) الضوى : دقة العظم وقلة الجسم خلقة ، أو الهزال ، وأضوى الأمر إذا أضعفه ولم يحكمه (تاج العروس : ضوى) وفي مروج الذهب : يقل ويضعف عن المناظرة.

(٦) في سير الأعلام : ستر.

٣٢٨

الله به في أمر دينهم؟ فقال : لا ، قال الشيخ : فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأمة إلى مقالتك هذه؟ فسكت ابن أبي دواد (١) ، فقال الشيخ : تكلم ، فسكت ، فقال الشيخ للواثق : يا أمير المؤمنين ، واحدة ، فقال الواثق : واحدة.

فقال الشيخ : يا أحمد ، أخبرني عن الله عزوجل حين أنزل القرآن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [سورة المائدة ، الآية : ٣] كان الله عزوجل الصادق في إكمال دينه ، أو أنه الصادق في نقصانه حتى يقال فيه بمقالتك هذه؟ فسكت ابن أبي دواد ، فقال الشيخ : أجب يا أحمد ، فلم يجب ، فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين ، اثنتان ، فقال الواثق : نعم.

فقال الشيخ : يا أحمد ، أخبرني عن مقالتك هذه ، علمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أم جهلها؟ قال ابن أبي دواد : علمها ، قال : فدعا الناس إليها؟ فسكت ، فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين ثلاث ، فقال الواثق : ثلاث.

قال الشيخ : يا أحمد ، فاتسع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن علمها وأمسك عنها كما زعمت ، ولم يطالب أمته بها؟ قال : نعم. قال الشيخ : واتسع لأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي رضي‌الله‌عنهم؟ قال ابن أبي دواد : نعم ، فأعرض الشيخ عنه ، وأقبل على الواثق ، فقال :

يا أمير المؤمنين ، قد قدمت القول إن أحمد يضوى ويضعف عن المناظرة ، يا أمير المؤمنين ، إن لم يتسع لك من الإمساك عن هذه المقالة ما زعم هذا أنه اتسع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فلا وسع الله على من لم يتسع له ما اتسع لهم أو قال : فلا وسع الله عليك ـ فقال الواثق : نعم ، إن لم يتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فلا وسع الله علينا. اقطعوا قيد الشيخ. فلما قطع القيد ضرب الشيخ بيده إلى القيد حتى يأخذه ، فجاذبه (٢) الحداد عليه ، فقال الواثق : دع الشيخ يأخذه ، فأخذه في كمه. فقال له الواثق : لم جاذبت الحداد عليه؟ قال : لأني نويت أن

__________________

(١) الذي مروج الذهب : قال الشيخ : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا الناس إليها أو تركهم؟ قال : تركهم. قال : فعلمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو لم يعلمها؟ قال : علمها. قال : فلم دعوت الناس إلى ما لم يدعهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليه وتركهم منه؟ فأمسك أحمد.

(٢) جاذبه عليه : مانع من أخذه وأراد الاحتفاظ به.

٣٢٩

أوصي أن يجعل بيني وبين كفني (١) حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله يوم القيامة ، أقول : يا رب ، سل عبدك هذا : لم قيدني (٢) ، وروّع أهلي وولدي وإخواني بلا حق أوجب ذلك علي ، وبكى الشيخ ، وبكى الواثق ، وبكينا ، وسأله الواثق أن يجعله في حل ، فقال : والله لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكراما لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ كنت رجلا من أهله.

فقال الواثق : لي إليك حاجة ، فقال : إن كانت ممكنة فعلت ، قال الواثق : تقيم عندنا فننتفع بك ، وينتفع بك فتياننا ، فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين ، إن ردّك إلى الموضع الذي أخرجني عنه هذا الظالم أنفع لك من مقامي عندك ، وأصير إلى أهلي وولدي أكف دعاءهم عليك ، فقد خلّفتهم على ذلك.

قال الواثق : فتقبّل منا صلة تستعين بها على دهرك ، قال : يا أمير المؤمنين ، لا تحلّ لي ، أنا عنها غني ، وذو مرة ، سوي ، فقال : سل حاجة ، قال : أو تقضيها؟ قال : نعم ، قال : يخلّى لي السبيل الساعة إلى الثغر ، قال : قد أذنت لك ، فسلّم عليه وخرج.

قال المهتدي : فرجعت عن هذه المقالة ، وأحسب أن الواثق رجع عنها منذ ذلك الوقت.

وفي حديث آخر بمعناه :

وسقط ابن أبي دواد من عينه ، ولم يمتحن بعد ذلك أحدا.

لما احتضر الواثق جعل يردد هذين البيتين (٣) :

الموت فيه جميع الخلق مشترك

لا سوقة منهم (٤) يبقى ولا ملك

ما ضر أهل قليل في تفاقرهم (٥)

وليس يغني على الإملاك ما ملكوا

ثم أمر بالبسط ، فطويت ، وألصق خده بالأرض ، وجعل يقول : يا من لا يزول ملكه ، أرحم من قد زال ملكه.

__________________

(١) في مروج الذهب : أن يجعل بين كفني وبدني.

(٢) في مروج الذهب : لم قيدني ظلما.

(٣) الخبر والبيتان في تاريخ بغداد ١٤ / ١٩ والبداية والنهاية ١٠ / ٣٤١ وسير الأعلام ١٠ / ٣١٣.

(٤) تاريخ بغداد : بينهم.

(٥) كذا بالأصل والبداية والنهاية ، وفي سير الأعلام : «فرقهم» وفي تاريخ بغداد : «تنافرهم» وكتب على هامشها : كذا في الأصل.

٣٣٠

حدث محمد أمير البصرة قال (١) :

كنت أحد من مرّض الواثق ، لما مات (٢) ، فكنت واقفا بين يديه مع جماعة إذ لحقته غشية ، فما شككنا أنه مات فقال بعضنا لبعض : تقدموا ، فاعرفوا خبره ، فما جسر أحد منهم يتقدم ، فتقدمت أنا. فلما صرت عند رأسه ، وأردت أن أضع يدي على أنفه أختبر (٣) نفسه لحقته إفاقة ، ففتح عينيه ، فكدت أن أموت فزعا من أن يراني مشيت في مجلسه إلى غير رتبتي ، فرجعت إلى خلف ، وتعلقت قبيعة سيفي بعتبة المجلس ، وعثرت به ، فاتكأت عليه ، فاندق سيفي ، وكاد أن يدخل في لحمي ويجرحني ، فسلمت وخرجت : فاستدعيت سيفا ومنطقة فلبستها (٤) ، وجئت [حتى](٥) وقفت في مرتبتي ساعة. فتلف الواثق بلا شك ، فتقدمت ، فشددت لحييه ، وغمّضته ، وسجّيته ، ووجهته إلى القبلة ، وجاء الفراشون فأخذوا ما تحته في المجلس ليردوه إلى الخزائن ، لأن جميعه مثبت عليهم ، وترك وحده في البيت ، وقال لي ابن أبي دواد القاضي : إنا نريد أن نتشاغل بعقد البيعة ، ولا بد أن يكون أحدنا يحفظ الميت ، فكن أنت ذلك الرجل ، وكنت من أخصهم به [في حياته](٦) لأنه أحبني حتى لقبني الواثقي ، باسمه ، فحزنت عليه ، فرددت باب المجلس ، وجلست في الصحن عند الباب أحفظه. وكان المجلس في بستان عظيم ، فحسست بعد ساعة في البيت بحركة أفزعتني ، فدخلت أنظر ما هي؟ فإذا بجرذون (٧) من دواب البستان قد جاء حتى استلّ عين الواثق فأكلها ، فقلت : لا إله إلا الله ، هذه العين التي فتحها من ساعة ـ فاندق سيفي هيبة لها ـ صارت طعمة لدابة ضعيفة ، وجاءوا فغسلوه ، فسألني ابن أبي دواد عن عينه فأخبرته.

وكان الواثق أبيض إلى الصفرة ، جسيما ، حسن الوجه ، جميلا ، في عينه نكتة بياض (٨).

__________________

(١) الخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ١٩ من طريق التنوخي قال أخبرني أبي قال حدثني الحسين بن الحسن بن أحمد بن محمد الواثقي قال حدثني أبي أحمد بن محمد أمير البصرة قال حدثني أبي ، وذكره ومختصرا في البداية والنهاية ١٠ / ٣٤١ وسير الأعلام ١٠ / ٣١٣ والكامل لابن الأثير ٧ / ٣٠.

(٢) في تاريخ بغداد : في علته التي مات فيها.

(٣) في تاريخ بغداد : اعتبر نفسه.

(٤) في الأصل : فلبسته ، والمثبت عن تاريخ بغداد.

(٥) زيدت عن تاريخ بغداد.

(٦) زيادة عن تاريخ بغداد.

(٧) زيد في تاريخ بغداد ، والجرذون دابة أكبر من اليربوع قليلا.

(٨) تاريخ بغداد ١٤ / ٢١ وسير الأعلام ١٠ / ٣١١ وفوات الوفيات ٤ / ٢٢٨ وتاريخ الخلفاء ص ٤٠٢.

٣٣١

[١٠٠١٥] هارون بن معاوية أبي عبيد الله الأشعري

عم معاوية بن أبي صالح

[روى عن حجاج بن محمد المصيصي ، وحفص بن غياث ، وخالد بن عبد الله الواسطي ، والعطاف بن خالد المخزومي ، والفرج بن فضالة ، وأبي إسماعيل المؤدب ، وأبي سفيان المعري ، وأبيه أبي عبيد الله الأشعري ، وأبي معاوية الضرير.

روى عنه : عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، وعبد الكريم بن الهيثم الدير عاقولي ، وأبو حاتم الرازي](١).

[قال أبو محمد بن أبي حاتم](٢) :

[هارون بن أبي عبيد الله الأشعري المصيصي واسم أبي عبيد الله معاوية. روى عن عطاف بن خالد وأبي إسماعيل المؤدب وخالد بن عبد الله الواسطي وحجاج بن محمد. كتب عنه أبي بالمصيصة وروى عنه ، سألت أبي عنه ، فقال : صدوق](٣).

حدث عن محمد بن أبي قيس بسنده إلى أبي ليلى الأشعري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«تمسكوا بطاعة أئمتكم ، لا تخالفوهم ، فإن طاعتهم طاعة الله ، وإن معصيتهم معصية الله ، فإن الله بعثني أدعو إلى سبيله بالحكمة ، والموعظة الحسنة ، فمن خلفني في ذلك فهو مني وأنا منه» [١٤٣٢١].

[١٠٠١٦] هارون بن موسى بن شريك

أبو عبد الله التغلبي المقرئ المعروف بالأخفش

[قرأ على ابن ذكوان ، وأخذ الحروف عن هشام بن عمار.

__________________

[١٠٠١٥] ترجمته في تهذيب الكمال ١٩ / ٢٠٢ وتهذيب التهذيب ٦ / ١١ والجرح والتعديل ٩ / ٩٧.

(١) ما بين معكوفتين استدرك عن تهذيب الكمال ١٩ / ٢٠٣.

(٢) زيادة للإيضاح.

(٣) ما بين معكوفتين استدرك عن الجرح والتعديل ٩ / ٩٧.

[١٠٠١٦] ترجمته في إنباه الرواة ٣ / ٣٦١ غاية النهاية للجزري ٢ / ٣٤٧ وسير أعلام النبلاء ١٣ / ٥٦٦ ومعجم الأدباء ١٩ / ٢٦٣ النجوم الزاهرة ٣ / ١٣٣ وشذرات الذهب ٢ / ٢٠٩ وطبقات النحويين للزبيدي ص ٢٦٣ وتذكرة الحفاظ ٢ / ٦٥٩ وبغية الوعاة ٢ / ٣٢٠ ومعرفة القراء الكبار ١ / ٢٤٧ رقم ١٥٣.

٣٣٢

وحدث عن أبي مسهر بشيء يسير ، وعن سلام بن سليمان المدائني. قرأ عليه خلق كثير منهم : جعفر بن أبي داود ، وإبراهيم بن عبد الرزاق ، ومحمد بن النضر الأخرم ، والحسن بن حبيب الحصائري ، وأبو الحسن ابن شنبوذ ، وعبد الله بن أحمد بن إبراهيم البلخي ، ومحمد بن سليمان بن ذكوان البعلبكي.

حدث عنه : أبو القاسم الطبراني ، وأبو أحمد ابن الناصح المفسر ، وجماعة.

صنف كتبا في القراءات والعربية ، وكان ثقة معمرا. قال أبو علي الأصبهاني : كان هارون الأخفش من أهل الفضل ، صنف كتبا كثيرة في القراءات والعربية ، وإليه رجعت الإمامة في قراءة ابن ذكوان](١).

حدث عن سلّام بن سليمان بسنده إلى ابن عمر :

أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقرأ في الروم : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) [سورة الروم ، الآية : ٥٤] برفع الضاد من «ضعف» في هذا كله.

قال أبو عبد الله الأخفش :

دخلت مع مشايخ دمشق أعود أبا مسهر بن عبد الأعلى بن مسهر الغساني ، فسمعته يترنّم بهذا البيت :

يسرّ الفتى ما كان قدّم من تقى

إذا نزل الداء الذي هو قاتله

ذكر الأخفش أن مولده سنة مائتين ، وتوفي سنة اثنتين وتسعين ومائتين (٢). وقيل : توفي سنة إحدى وتسعين ومائتين.

[١٠٠١٧] هارون بن أبي الهيذام واسم أبي الهيذام

محمد بن هارون أبو يزيد العسقلاني مولى آل عثمان بن عفان

قيم مسجد الرملة.

حدث عن الحارث بن عبد الله بسنده إلى جابر بن سمرة قال :

__________________

(١) ما بين معكوفتين استدرك عن معرفة القراء الكبار ١ / ٢٤٨.

(٢) زيد في سير الأعلام : في صفر.

٣٣٣

رأيت أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتناشدون الشعر ، ويضحكون ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس معهم ، يتبسم إليهم (١).

[١٠٠١٨] هارون بن يزيد الشاري النيسابوري

ابن أخت مخلد بن مالك

حديث عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي بسنده إلى ابن عمر (٢) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يدعو : «اللهم ، عافني في قدرتك ، وأدخلني في رحمتك ، واقبض أجلي في طاعتك واختم لي بخير عملي ، واجعل ثوابه الجنة» [١٤٣٢٢].

[١٠٠١٩] هاشم بن بلال ، ويقال : ابن سلال

ويقال : سلّام بن أبي سلّام ، أبو عقيل الحبشي

دمشقي.

[روى عن سابق بن ناجية.

روى عنه سفيان الثوري ، وشعبة بن الحجاج ، ومسعر بن كدام ، وهشيم بن بشير.

قال عباس الدوري عن يحيى بن معين : هاشم بن بلال يحدث عنه شعبة وهشيم وهو ثقة](٣).

[قال أبو عبد الله البخاري](٤) :

[هاشم بن بلال أبو عقيل قاضي واسط سمع سابق بن ناجية روى عنه شعبة ومسعر ، ويقال : هو شامي الأصل](٥).

__________________

(١) رواه الطبراني في المعجم الكبير من أكثر من وجه بسنده إلى جابر بن سمرة ٢ / ٢٢٦ رقم ١٩٣٣ و ٢ / ٢٢٩ رقم ١٩٤٨.

(٢) الجامع الصغير ١ / ٢٠٠.

[١٠٠١٩] ترجمته في تهذيب الكمال ١٩ / ٢١٢ وتهذيب التهذيب ٦ / ١٥ والتاريخ الكبير ٨ / ٢٣٤ والجرح والتعديل ٩ / ١٠٣ والإكمال ٦ / ٢٢٩ و ٢٣٣. وعقيل بفتح أوله ، تقريب التهذيب ، والإكمال بدل أبو عقيل.

(٣) ما بين معكوفتين استدرك عن تهذيب الكمال.

(٤) زيادة للإيضاح.

(٥) ما بين معكوفتين زيادة عن التاريخ الكبير ٨ / ٢٣٤.

٣٣٤

[قال أبو محمد بن أبي حاتم](١) :

[هاشم بن بلال أبو عقيل قاضي واسط ، شامي ، روى عن أبي سلام الأسود ، وسابق ابن ناجية ، روى عنه مسعر ، وشعبة ، وهشيم ، سمعت أبي يقول ذلك. نا أبو بكر بن أبي خيثمة فيما كتب إلي قال : سمعت يحيى بن معين يقول : أبو عقيل هاشم بن بلال ، ثقة](٢).

حدث عن سابق بن ناجية عن أبي سلام قال :

رأيت رجلا في مسجد حمص ، فقيل لي : إن هذا قد خدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : فلقيته ، فقلت : حدثني حديثا سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يتداوله بينك وبينه الرجال ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

«ما من مسلم يقول إذا أصبح ثلاثا ، وثلاثا إذا أمسى : رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا إلا كان حقا على الله أن يرضيه يوم القيامة» [١٤٣٢٣].

وعقيل : بفتح العين وكسر القاف (٣). وكان هاشم ثقة.

[١٠٠٢٠] هاشم بن خالد بن أبي جميل

أبو مسعود القرشي

من دمشق.

حدث عن عمه صالح الأوقص عن أبي جمرة (٤) عن ابن عباس قال :

لا تكسروا الرمانة من رأسها ، فإن فيها دودة يعتري منها الجذام (٥).

قال هاشم بن خالد : سمعت أبا سليمان الداراني يقول لأحمد بن أبي الحواري : خذ ممن جرّب ، ودع عنك الوصافين.

__________________

(١) زيادة للإيضاح.

(٢) ما بين معكوفتين زيادة عن الجرح والتعديل ٩ / ١٠٣.

(٣) الإكمال لابن ماكولا ٦ / ٢٢٩ و ٢٣٣ وفيه : أبو عقيل هاشم بن بلال الشامي قاضي واسط ، سمع سابق بن ناجية ، روى عنه شعبة وهشيم.

[١٠٠٢٠] ترجمته في الجرح والتعديل ٩ / ١٠٦.

(٤) هو نصر بن عمران بن عصام ، وقيل ابن عاصم بن واسع ، أبو جمرة الضبعي البصري ، ترجمته في تهذيب الكمال ١٩ / ٧٠.

(٥) الجذام علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله فيفسد مزاج الأعضاء وهيأتها وربما انتهى إلى تقطع أو تأكل الأعضاء وسقوطها عن تقرح ، وإنما سمي به لتجذم الأصابع وتقصفها (تاج العروس : جذم).

٣٣٥

وقال هاشم : سمعت أبا سليمان يقول : من لا يسأل الله يغضب عليه ، فأنا أسأله لعيالي حتى الملح (١).

وقال هاشم : سمعت أبا سليمان يقول : أيّما رجل أم قوما فسبّح بهم أكثر من ثلاث فقد ظلم من خلفه ، وإن نقص فقد خانهم.

قال : وسمعته يقول : ما أحب أن أجعل بيني وبين القبلة مبتدعا.

قال : وسمعته يقول : لو لا أن الله تبارك وتعالى أمر بالتعوذ من الشيطان الرجيم ما تعوذت منه أبدا (٢) ، لأنه لا يقدر لي على ضر ولا نفع.

[قال أبو محمد بن أبي حاتم](٣) :

[هاشم بن خالد بن أبي جميل الدمشقي ، روى عن الوليد بن مسلم ، وسويد بن عبد العزيز ، وعبيد بن أبي السائب ، وأبي سليمان الداراني ، كتب إلي ببعض حديثه ، محله الصدق](٤).

[١٠٠٢١] هاشم بن زايد

ـ ويقال ابن زيد ـ الدمشقي

[روى عن نافع وغيره](٥).

[قال أبو محمد بن أبي حاتم](٦) : [هاشم بن زيد ، الدمشقي ، روى عن نافع ، مولى ابن عمر ، روى عنه سويد بن عبد العزيز ، سألت أبي عنه فقال : هو ضعيف الحديث](٧).

حدث عن نافع عن ابن عمر :

__________________

(١) الخبر في تاريخ داريا ص ١١٠.

(٢) الخبر في حلية الأولياء ٩ / ٢٧٧ في ترجمة أبي سليمان الداراني.

(٣) زيادة للإيضاح.

(٤) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن الجرح والتعديل ٤ / ٢ / ١٠٦.

[١٠٠٢١] ترجمته في الجرح والتعديل ٩ / ١٠٣ وميزان الاعتدال ٤ / ٢٨٩ ولسان الميزان ٦ / ١٨٤.

(٥) زيادة عن لسان الميزان.

(٦) زيادة للإيضاح.

(٧) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن الجرح والتعديل ٩ / ١٠٣.

٣٣٦

أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى يوم خيبر عن كل ذي ناب من السباع ، وعن الحمر الأهلية ، وعن المجثّمة (١) ، وأن توطأ الحبالى من السبي حتى يضعن [١٤٣٢٤].

وبه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من مسّ ذكره فليتوضأ» [١٤٣٢٥].

كان هاشم ضعيف الحديث.

[١٠٠٢٢] هاشم بن سعيد البعلبكي

والد محمد بن هاشم

حدّث عن يزيد بن زياد البصري بسنده إلى أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته ، ولا آخرته لدنياه حتى يصيب منهما جميعا ، فإن الدنيا بلاغ إلى الآخرة» [١٤٣٢٦].

[١٠٠٢٣] هاشم بن عتبة بن أبي وقاص مالك بن أهيب

ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهري

المعروف بالمرقال

قيل : إن له صحبة (٢) ، ولم يثبت. ولد في عهد سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وروى عنه. وروى عنه حديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أصيبت عينه يوم اليرموك (٣) ، وكان مع علي في حروبه في الجمل وصفين. وقتل بصفين (٤).

حدث هاشم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

__________________

(١) المجثمة هي كل حيوان ينصب ويرمى ليقتل ، إلا أنها تكثر في الطير والأرانب وأشباه ذلك مما يجثم في الأرض (انظر النهاية).

[١٠٠٢٣] ترجمته في أسد الغابة ٤ / ٦٠١ والإصابة ٣ / ٥٩٣ والاستيعاب ٣ / ٦١٦ (هامش الإصابة) ، تاريخ الصحابة ص ٢٥٧ وقال ابن حبان : ومن زعم أنه هشام بن عتبة ، فقد وهم. ومروج الذهب ٢ / ٣٨٧ ونسب قريش للمصعب ص ٢٦٣ و ٢٦٤. لقب بالمرقال لأن عليا رضي‌الله‌عنه أعطاه الراية بصفين ، فكان يرقل بها ، أي يسرع. (تاج العروس : رقل). والإرقال : ضرب من العدو.

(٢) وهو قول ابن الكلبي وابن حبان ، انظر الإصابة ٣ / ٥٩٣.

(٣) انظر أسد الغابة ٤ / ٦٠١.

(٤) الإصابة ٣ / ٥٩٣.

٣٣٧

«يظهر المسلمون على جزيرة العرب» (١) [١٤٣٢٧].

وورد في موضع آخر أن هشاما (٢) حدث عن أبيه قال :

أقبلت نحو النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو في جماعة فهبت أن أتقدم ، فتقدمت ، فسمعته يقول :

«يظهر المسلمون على فارس ، وتظهر فارس على الروم ، ثم يظهر المسلمون على الأعور الدجال» (٣) [١٤٣٢٨].

وأكثر ما روي هذا الحديث عن نافع بن عتبة أخي هاشم بن عتبة. فإنه روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال (٤) :

«تقاتلون جزيرة العرب فيفتح (٥) الله ، ثم تقاتلون فارس فيفتح الله ، ثم تقاتلون (٦) الروم فيفتح الله ، ثم تقاتلون الدجال فيفتحه الله» [١٤٣٢٩].

وكان جابر بن سمرة راويه عن نافع يقول : لا يخرج الدجال حتى تخرج الروم (٧).

وهاشم بن عتبة هو القائل (٨) :

أعور يبغي أهله محلا

قد عالج الحياة حتى ملا

لا بد أن يفلّ أو يفلا

__________________

(١) أسد الغابة ٤ / ٦٠١.

(٢) كذا ورد هنا : هشاما ، قال ابن حبان : ومن زعم أنه هشام ، فقد وهم انظر الإصابة ٣ / ٥٩٣.

(٣) أسد الغابة ٤ / ٦٠١ والإصابة ٣ / ٥٩٣ والاستيعاب ٣ / ٦٢٢ (هامش الإصابة).

(٤) الحديث في أسد الغابة ٤ / ٥٢٨ في ترجمة نافع بن عتبة ، قال ابن الأثير في أسد الغابة ٤ / ٦٠٢ والحديث عن نافع ابن عتبة هو الصحيح ، وأما هاشم ، فقليل ذكره في الحديث.

(٥) في أسد الغابة : فيفتحها الله.

(٦) في أسد الغابة : تغزون.

(٧) كذا ورد هنا ، والذي في أسد الغابة فقال نافع : يا جابر ، لا نرى الدجال يخرج حتى تفتح الروم.

(٨) الرجز في الاستيعاب ٣ / ٦٢٠ (هامش الإصابة) وفيه أنه قاله يوم صفين وكانت الراية ـ راية علي معه ، على الرجالة ، وكانت بيده. والإصابة ٣ / ٥٩٣ ونسب قريش ص ٢٦٤ وأسد الغابة ٤ / ٦٠١ والاشتقاق لابن دريد ص ١٥٤.

٣٣٨

وكان بالشام ، فأمدّ به عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص في سبعة عشر رجلا من جند الشام (١) ، وفيه يقول عامر بن واثلة :

يا هاشم الخير جزيت الجنه

قاتلت في الله عدو السنه (٢)

أفلح بما فزت به من منّه

وقطعت رجله يوم صفين قبل أن يقتل ، فجعل يقاتل من دنا منه وهو بارك ، ويتمثل :

الفحل يحمي شوله (٣) معقولا (٤)

كان هاشم بن عتبة يوم صفين على أربعة آلاف قد شروا بأنفسهم الموت. وكان أعور ، وكانت راياتهم سودا ، وكان بإزائهم عمرو بن العاص مع معاوية ، وكان هاشم يدب دبيبا ، فقال عمرو : إن كان ذا دأب صاحب الرايات السود تفانت العرب اليوم (٥) ، يا وردان دونك رايتي فاجعلها عند عبد الله ومحمد ـ ابني عمرو ـ فقال معاوية : أشهد لئن نقضت رايتك لينتقضن الصف (٦) ، فقال (٧) : يا معاوية.

الليث يحمي شبليه

لا خير (٨) فيه بعد ابنيه

هما ابناي ، ليسا ابنيك. فلما رآه يبطئ السير أتاه عمار بن ياسر فسفع (٩) رأسه بالرمح ثم قال (١٠) :

__________________

(١) الاستيعاب ٣ / ٦١٧.

(٢) الشطران الأول والثاني في أسد الغابة ٤ / ٦٠١.

(٣) الشول : بفتح فسكون : الناقة التي شال لبنها ، أي : ارتفع.

(٤) الرجز في أسد الغابة ٤ / ٦٠١. وهو مثل ، يضرب في احتمال الحر الأمر الجليل في حفظ حرمه ، وإن كانت به علة. انظر المستقصى للزمخشري ١ / ٣٣٨ ومجمع الأمثال للميداني ٢ / ٧٢.

(٥) انظر وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ٣٢٨.

(٦) وقعة صفين ص ٣٨٨.

(٧) في وقعة صفين : فقال عمرو : هيهات هيهات ، وذكر الشعر.

(٨) في وقعة صفين : ما خيره بعد ابنيه.

(٩) سفعه : ضربه (اللسان).

(١٠) الشطر الثاني في وقعة صفين ص ٣٢٨.

٣٣٩

أكل يوم لم ترع ولم ترع

لا خير في أعور جنّاب الفزع (١)

فقال عمار : من هؤلاء بإزائنا؟ فقالوا : عبد الله ومحمد ابنا عمرو ، فخرج إليه عمار ، فقال : يا عبد الله بن عمرو ، فخرج إليه رجل ، فقال : قد أسمعته ، فمن أنت؟ قال : أنا عمار بن ياسر ، ويحك! ما تقول لله عزوجل حين تفضي إليه؟! وقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ويح لعمار ، تقتله الفئة الباغية» [١٤٣٣٠] فو الله لأقتلن اليوم. قال : أنشدك الله يا عمار أسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث جاء عمرو يستعدي عليّ فقال : إن عبد الله يعصيني ، فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تعص عمرا» [١٤٣٣١] ، فهذا أمر عمرو ، وقد أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألا أعصيه ، وأنا أكره الناس لهذا.

ورئي (٢) عمرو (٣) بن العاص وهو على منبر من عجل يجر به جرا ، يشرف (٤) على الناس ينظر إليهم ، وهو يقول لابنه عبد الله بن عمرو : يا عبد الله ، أقم الصف ، قصّ الشارب ، فإن هؤلاء أخطئوا خطيئة قد بلغت السماء ، ثم قال : علي السلاح ، فألقي (٥) بين يديه مثل الحرة (٦) السوداء ، ثم قال : خذ يا فلان ، خذ يا فلان ، عليكم بالدجال هاشم بن عتبة.

قال الأحنف بن قيس :

أتى إلي كاتب عمار بن ياسر يومئذ ، وبيني وبينه رجل من بني السمين فتقدمنا معه ، ودنونا من هاشم بن عتبة فقال له عمار : احمل فداك أبي وأمي ، ونظر عمار إلى رقة في الميمنة ، فقال هاشم : يا عمار ، إنك رجل تأخذك خفة في الحرب ، وإنما أزحف باللواء زحفا ، وأرجو أن أنال بذلك حاجتي ، وإني إن خففت لم آمن الهلكة. وقال معاوية لعمرو بن العاص : ويحك يا عمرو! أرى اللواء مع هاشم كأنه يرقل به إرقالا ، وإنه إن زحف به زحفا إنه

__________________

(١) روايته في وقعة صفين :

لا خير في أعور لا يأتي الفزع

(٢) الخبر رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ ٢ / ٨١٠ ـ ٨١١ من طريق أبي بكر الحميدي قال : حدثنا سفيان قال : أخبرني من رأى عمرو بن العاص ... وذكره وانظر طبقات ابن سعد ٤ / ٢٥٥.

(٣) في أصل مختصر ابن منظور : «عمر» تصحيف.

(٤) بالأصل : مشرف ، والمثبت عن المعرفة والتاريخ.

(٥) في المعرفة والتاريخ : فأتي.

(٦) في المعرفة والتاريخ : «الحية السوداء» جاء في اللسان : الحر : حية دقيقة مثل الجان أبيض.

٣٤٠