تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٣

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٣

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩١
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

صدّيق ؛ قلت له : فحسين الكرابيسيّ؟ (١) فغلّظ في أمره ؛ فقلت : فما تقول في خالتي؟ فقال لي : تمرض وتعيش سبعة أيّام ثم تموت ؛ فلما أن ماتت قلت : حقّت الرّؤيا ؛ فلمّا كان بعد رأيته فقلت له : كيف صار مثلك يجيء إلى مثلي؟ فقال لي : ببرّك والديك وإقالتك العثرات.

كان (٢) هذا المعروف بحامل كفنه توفي ، وغسّل ، وكفّن ، وصلّي عليه ، ودفن ؛ فلمّا كان في اللّيل جاءه نبّاش فنبش عنه ، فلمّا حلّ أكفانه ليأخذها استوى قاعدا ، فخرج النبّاش هاربا منه ، فقام وحمل أكفانه وخرج من القبر ، وجاء إلى منزله ؛ وأهله يبكون ، فدقّ الباب عليهم ، فقالوا : من أنت؟ فقال : أنا فلان! فقالوا له : يا هذا لا يحلّ لك أن تزيدنا على ما بنا ؛ فقال : يا قوم افتحوا فأنا والله فلان ؛ فعرفوا صوته ، ففتحوا له الباب ، وعاد حزنهم فرحا ، وسمّي من يومئذ حامل كفنه.

ومثل هذا :

سعير بن الخمس (٣) الكوفي (٤) فإنه لمّا دلّي في حفرته اضطرب فحلّت أكفانه ، فقام ورجع إلى منزله ، وولد له بعد ذلك ابنه مالك بن سعير (٥).

توفي محمد بن يحيى حامل كفنه في سنة تسع وتسعين ومائتين.

[١٠٠١٠] محمد بن يحيى بن محمد

ابن إبراهيم أبو بكر المكّيّ

حدث عن أبي الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصا ، بسنده إلى رافع بن خديج ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال :

«أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» [١٤٣١٤].

[١٠٠١١] محمد بن يحيى بن محمد

أبو بكر المصري

رفيق أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة.

__________________

(١) هو الحسين بن علي بن يزيد أبو على الكرابيسي ، فقيه بغداد ، انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٢ / ٧٩.

(٢) الخبر في تاريخ بغداد ٣ / ٤٢٤.

(٣) الخمس بكسر المعجمة وسكون الميم ثم مهملة ، كما في تقريب التهذيب.

(٤) هو سعير بن الخمس الميمي أبو مالك الكوفي ، ترجمته في تهذيب الكمال ٧ / ٣٣٨.

(٥) الخبر رواه المزي في تهذيب الكمال ٧ / ٣٣٩ وزيد فيه في رواية : فعاش خمس عشرة سنة بعد ذلك.

٢٨١

حدث بسنده إلى أبي هريرة ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«من نظر إلى عورة أخيه متعمّدا لم يقبل الله له صلاة أربعين ليلة» [١٤٣١٥].

[١٠٠١٢] محمد بن يحيى أبي محمد بن المبارك بن المغيرة

أبو عبد الله العدويّ ، المعروف أبوه باليزيدي

أصله بصريّ ، وقدم دمشق صحبة المعتصم حين توجّه إلى مصر فأدركه أجله بمصر.

[قال أبو بكر الخطيب](١) :

[محمد بن أبي محمد اليزيدي ، واسم أبي محمد يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي ، وكنية محمد أبو عبد الله ، وهو من أهل البصرة ، سكن بغداد ، وكان من أهل الأدب والعلم بالقرآن واللغة ، شاعرا مجيدا ، مدح الرشيد والمأمون ، والفضل بن سهل وغيرهم.

ولم يزل فيما مضى له ببغداد عقب ، منهم عبيد الله بن محمد راوي قراءة أبي عمرو بن العلاء عن عمه إبراهيم بن يحيى اليزيدي ، وعن أخيه أبي جعفر أحمد بن محمد ، كليهما عن أبي محمد يحيى بن المبارك ، وآخر من روى العلم من اليزيديين ببغداد محمد بن العباس](٢).

[ومحمد بن يحيى بن المبارك العدوي أبو عبد الله العدوي كان لاصقا بالمأمون من أهل أنسه بالحضرة وخراسان](٣).

[قال أبو عبيد الله المرزباني](٤) :

[محمد بن أبي محمد اليزيدي ، واسمه يحيى بن المبارك العدوي ، ومحمد يكنى أبا عبد الله ..... وكانت مرتبته أن يدخل إلى المأمون مع الفجر ويصلي معه ويدرس عليه

__________________

[١٠٠١٢] ترجمته في تاريخ بغداد ٣ / ٤١٢ والوافي بالوفيات ٥ / ١٨٣ وإنباه الرواة ٣ / ٢٣٦ وبغية الوعاة ١ / ٢٦٥ والأغاني ٢٠ / ٢٤٠ ومعجم الشعراء ص ٤١٩.

(١) زيادة للإيضاح.

(٢) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن تاريخ بغداد ٣ / ٤١٢.

(٣) الزيادة بين معكوفتين استدركت عن الوافي بالوفيات ٥ / ١٨٣.

(٤) زيادة للإيضاح.

٢٨٢

المأمون ثلاثين آية ، وكان لا يزال يعادله في أسفاره ويفضي إليه بأسراره ، وهو كثير الشعر مفنن الآداب من أهل بيت علم وأدب ، وسنه وسن الرشيد واحدة ، وقد مدح الرشيد كثيرا وهو القائل :

أتظعن والذي تهوى مقيم

لعمرك أن ذا خطر عظيم

إذا ما كنت للحدثان عونا

عليك وللفراق فمن تلوم

وله :

تقاضاك دهرك ما أسلفا

وكدر عيشك بعد الصفا

يجور على المرء في حكمه

ولكنه ربما أنصفا

وله :

يا بعيدا مزاره

حل بين الجوانح

نازح الدار ذكره

ليس عني بنازح](١)

[قال أبو بكر الخطيب](٢) :

[أخبرني علي بن أيوب القمي ، حدثنا محمد بن عمران بن موسى قال :](٣).

وجدت بخط أبي عبد الله اليزيدي ، عن عمه أبي جعفر أحمد بن محمد لأبيه محمد بن أبي محمد (٤) :

الهوى أمر عجيب شأنه

تارة يأس وأحيانا رجا

ليس فيمن مات منه عجب

إنّما يعجب ممّن قد نجا

قال : وله أيضا (٥)

كيف يطيق النّاس وصف الهوى

وهو جليل ما له قدر؟

بل كيف يصفو لحليف الهوى

عيش وفيه البين والهجر؟

__________________

(١) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن معجم الشعراء للمرزباني ص ٤١٩.

(٢) زيادة للإيضاح.

(٣) ما بين معكوفتين زيادة عن تاريخ بغداد ٣ / ٤١٢.

(٤) البيتان في تاريخ بغداد ٣ / ٤١٣ وإنباه الرواة ٣ / ٢٣٧.

(٥) البيتان في تاريخ بغداد ٣ / ٤١٣.

٢٨٣

قال محمد بن يزداذ (١) :

كنت بباب المأمون فجاء محمد بن أبي محمد اليزيدي ، فاستأذن ، فقال له الحاجب :

إن أمير المؤمنين قد أخذ دواء وأمرني أن أحجب النّاس عنه ، قال : فأمرك أن لا تدخل إليه رقعة؟ قال : لا ؛ قال : فكتب إليه (٢) :

هديّتي التحيّة للإمام

إمام العدل والملك الهمام

لأني لو بذلت له حياتي

وما أحوى (٣) لقلّا للإمام

أراك من الدّواء الله نفعا

وعافية تكون إلى تمام

وأعقبك السّلامة منه ربّ

يريك سلامة في كلّ عام

أتأذن في الدّخول (٤) بلا كلام

سوى تقبيل كفّك والسّلام

فأدخل الرّقعة وخرج مسرعا ، وأذن لي ، فدخلت مسرعا ، فسلّمت وخرجت ، وأتبعني بألفي (٥) دينار.

__________________

(١) الخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٣ / ٤١٢ من طريق أبي علي الحسن بن عبد الله بن محمد المقرئ الصفار ، حدثنا عمر بن محمد بن سيف الكاتب بالبصرة ، حدثنا محمد بن العباس اليزيدي ، حدثني عمي أبو صالح بن محمد بن يزداد حدثني أبي. وذكره.

(٢) الأبيات في تاريخ بغداد ٣ / ٤١٢ والأغاني ٢٠ / ٢٤٤.

(٣) الأغاني : أهوى.

(٤) الأغاني : السلام.

(٥) في تاريخ بغداد : بألف دينار.

٢٨٤

[بسم (١) الله الرحمن الرحيم

[١٠٠١٣] هارون الرشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور

ابن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس

أبو جعفر ـ ويقال : أبو محمد ـ أمير المؤمنين

بويع بالخلافة بعد موت أخيه موسى الهادي بعهد من أبيه المهدي (٢). قدم الشام غير مرة للغزو.

[روى عن أبيه ، وجده ، ومبارك بن فضالة.

روى عنه : ابنه المأمون وغيره](٣).

حدث هارون الرشيد عن جده المنصور ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبي هاشم

__________________

(١) سقط في جميع النسخ الخطية «س» و «ز» و «د» و «م» يمتد من هنا إلى من اسمه لاحق. ولا نعلم بدقة السقط وعدد التراجم التي سقطت ، خاصة أن ابن منظور في مختصره لم يثبت كل التراجم ، بل نهج في اختصاره نهجا خاصا ، وقد يكون أسقط بعض التراجم ، وعلى كل حال نستدرك التراجم التالية من مختصر ابن منظور ، ونستكمل ما أمكننا ذلك تلك التراجم بما يوافق النهج الذي سلكه المصنف ابن عساكر. وسنشير إلى نهاية الاستدراك في موضعه.

[١٠٠١٣] ترجمته في تاريخ خليفة (الفهارس) الأخبار الطوال (الفهارس) وتاريخ بغداد ١٤ / ٥ وتاريخ الطبري (الفهاري) ومروج الذهب (الفهارس) الكامل لابن الأثير (الفهارس) البداية والنهاية (الفهارس) ، تاريخ الخلفاء ص ٣٤٠ سير الأعلام ٩ / ٢٨٦. تاريخ اليعقوبي (الفهارس) شذرات الذهب ١ / ٣٣٤.

(٢) وكان ذلك ليلة السبت لأربع عشرة بقيت من ربيع الأول سنة سبعين ومائة. (انظر تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٣٤٠).

(٣) ما بين معكوفتين استدرك عن سير الأعلام ٩ / ٢٨٧.

٢٨٥

عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب ، عن المقداد بن الأسود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«لا نكاح إلا بولي ، وما كان بغير ولي فهو مردود» [١٤٣١٦].

قال هارون على المنبر : حدثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«اتقوا النار ولو بشق تمرة» [١٤٣١٧].

مر الرشيد بدير مران (١) ، فاستحسنه. وهو على تل تحته رياض زعفران وبساتين ، فنزله ، وأمر أن يؤتى بطعام خفيف ، فأتي به ، فأكل ، وأتي بالشراب. ودعا بالندماء والمغنين ، فخرج إليه صاحب الدير ، وهو شيخ كبير هرم ، فسأله واستأذنه في أن يأتيه بشيء من طعام الديارات ، فأذن له ، فإذا أطعمه نظاف ، وإدام في نهاية الحسن ، فأكل منها أكثر أكله. وأمره بالجلوس فجلس يحدثه ، وهو يشرب إلى أن جرى ذكر بني أمية ، فقال له الرشيد : هل نزل منهم أحد؟ قال : نعم ، نزل بي الوليد بن يزيد وأخوه الغمر ، فجلسا في هذا الموضع. فأكلا وشربا وغنيا. فلما دبّ فيهما السكر وثب الوليد إلى ذلك الجرن فملأه وشرب به ، وملأه ، وسقى به أخاه الغمر ، فما زالا يتعاطيانه حتى سكرا ، وملأه لي دراهم ، فنظر إليه الرشيد ، فإذا هو عظيم لا يقدر على أن يشرب ملأه ، فقال : أبي بنو أمية إلا أن يسبقونا إلى اللذات سبقا لا يجاريهم أحد فيه ، ثم أمر برفع النبيذ من بين يديه ، وركب من وقته.

كان الرشيد يقول : الدنيا أربعة منازل قد نزلت منها ثلاثة : أحدها الرقة ، والآخر دمشق ، والآخر الري في وسطه نهر ، وعن جنبيه أشجار ملتفة متصلة ، وفيما بينهما سوق. والمنزل الرابع سمرقند ، وهو الذي بقي عليّ أنزله ، وأرجو ألا يحول الحول في هذا الوقت حتى أحل به. فما كان بين هذا وبين أن توفي إلّا أربعة أشهر فقط.

كان أبو جعفر الرشيد ولد بالري سنة ست وأربعين ومائة ، وقيل : سنة سبع وأربعين ، وقيل : ثمان ، وقيل : تسع وأربعين ، وقيل : سنة خمسين ومائة (٢). وكان سنة يحج وسنة يغزو (٣).

__________________

(١) دير مران : بضم أوله ، بالقرب من دمشق على تل مشرف على مزارع الزعفران ورياض حسنة (انظر معجم البلدان).

(٢) انظر البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٢.

(٣) في تاريخ الخلفاء ص ٣٤١ كان كثير الغزو والحج.

٢٨٦

قال أبو السعلي (١)(٢) :

فمن يطلب لقاءك أو يرده

فبالحرمين أو أقصى الثغور

ففي أرض العدو على طمر (٣)

وفي أرض البنيّة (٤) فوق كور

وما جاز الثغور سواك خلق

من المستخلفين (٥) على الأمور

وأم الرشيد والهادي واحدة هي الخيزران وفيها يقول الشاعر (٦) :

يا خيزران هناك ثم هناك

أمسى العباد يسوسهم ابناك (٧)

واستخلف هارون يوم مات أخوه موسى ، وكان هارون أبيض ، طويلا ، مسمنا ، جميلا ، قد وخطه (٨) الشيب (٩).

ولما (١٠) بويع الرشيد في سنة سبعين ومائة في اليوم الذي توفي فيه الهادي ولد المأمون في تلك الليلة ، فاجتمعت له بشارة الخلافة ، وبشارة الولد ، وكان يقال : ولد في هذه الليلة خليفة ، وولي خليفة ، ومات خليفة. وكان ينزل الخلد (١١). وحكى بعض أصحابه أنه كان

__________________

(١) كذا في مختصر ابن منظور والبداية والنهاية ، وفي تاريخ الطبري وتاريخ الخلفاء : أبو المعالي الكلابي ، وفي البداية والنهاية ١٠ / ٢٢٠ أبو المعلى الكلابي.

(٢) الأبيات في تاريخ الطبري ٨ / ٣١٢ والبداية والنهاية ١٠ / ٢٢٠ و ١٠ / ٢٣٢ وتاريخ الخلفاء ص ٣٤١ وفوات الوفيات ٤ / ٢٢٥ بدون نسبة.

(٣) الطمر : الفرس الجواد.

(٤) البنية : من أسماء مكة حرسها الله تعالى (معجم البلدان). وفي فوات الوفيات : الثنية ، وفي البداية والنهاية : الترفه.

(٥) في البداية والنهاية : المتخلفين.

(٦) البيت في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٣٤١ ونسبه لمروان بن أبي حفصة. وفي مروج الذهب ٣ / ٤٠١ ونسبه إلى أبي المعافى.

(٧) عجزه في تاريخ الخلفاء :

أمسى يسوس العالمين ابناك

وفي مروج الذهب : إن العباد يسوسهم ابناك.

(٨) عن تاريخ بغداد وسير الأعلام ، وبالأصل : وخط.

(٩) تاريخ بغداد ٤ / ٥ ـ ٦ وسير الأعلام ٩ / ٢٨٧.

(١٠) الخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٦ من طريق الأزهري أخبرنا أحمد بن إبراهيم حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة وذكره.

(١١) الخلد : قصر بناه المنصور ببغداد ، ثم بنيت حوله منازل فصارت محلة كبيرة عرفت بالخلد (معجم البلدان).

٢٨٧

يصلي في كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا إلا أن تعرض له علة. وكان يتصدق في كل يوم من صلب ماله بألف درهم ، وكان إذا حج حج معه مائة من الفقهاء وأبنائهم ، وإذا لم يحج أحج في كل سنة ثلاث مائة رجل بالنفقة السابغة [والكسوة الظاهرة](١) وكان يقتفي أخلاق المنصور ، ويعمل بها إلا في العطايا والجوائز. فإنه كان أسنى الناس عطية ابتداء وسؤالا ، وكان لا يضيع عنده يد ولا عارفة. وكان لا يؤخر عطاءه ، ولا يمنعه عطاء اليوم من عطاء غد. وكان يحب الفقه والفقهاء ، ويميل إلى العلماء. ويحب الشعر والشعراء ، ويعظم [في صدره](٢) الأدب والأدباء ، ويكره المراء في الدين والجدال ، ويقول : إنه لخليق ألا ينتج خيرا ، ويصغي إلى المديح ويحبه ، ويجزل عليه العطاء لا سيما إذا كان من شاعر فصيح مجيد.

وكان نقش خاتم هارون بالحميرية ، وخاتم الخاصة : لا إله إلا الله.

قال أبو معاوية الضرير (٣) :

حدثت الرشيد هارون بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ، ثم أقتل». فبكى هارون حتى انتحب وقال له : يا أبا معاوية ، ترى لي أن أغزو؟ قلت : يا أمير المؤمنين ، مكانك في الإسلام أكبر ، ومقامك أعظم ، ولكن ترسل الجيوش [١٤٣١٨].

قال أبو معاوية :

ما ذكرت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين يديه إلا قال : صلى الله على وسيدي ومولاي (٤).

وفي (٥) سنة ست وثمانين ومائة أقام الحج الرشيد هارون ، وجدد البيعة لابنيه (٦) محمد المخلوع ، وعبد الله المأمون ، وكتب بينهما شروطا ، وعلق الكتاب بالكعبة.

__________________

(١) زيادة عن تاريخ بغداد.

(٢) زيادة عن تاريخ بغداد.

(٣) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٧ من طريق علي بن الحسين ـ صاحب العباسي أخبرنا إسماعيل بن سعيد المعدل حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال : سمعت علي بن عبد الله يقول : قال أبو معاوية الضرير ، وذكره. ورواه السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٣٤٢.

(٤) ليست اللفظة في تاريخ بغداد ولا في تاريخ الخلفاء.

(٥) رواه خليفة بن خياط في تاريخه ص ٤٥٧ ، وانظر البداية والنهاية ١٠ / ٢٠٢.

(٦) في مختصر ابن منظور : لابنه ، والمثبت عن تاريخ خليفة.

٢٨٨

وفي (١) سنة تسعين غزا الرشيد الروم ، وفرق القواد في بلادهم (٢) ، وأقام هو بطوانة (٣) ، وسأله الطاغية أن ينصرف عنه ، ويعطيه مالا ، فأبى ، أو يعطيه فدية وخراجا ، ويبعث إليه بجزية عن رأسه ورأس ابنه ، فبعث إليه ثلاثين ألف دينار جزية (٤) ، وأربعة دنانير جزية عن رأسه ودينارين عن رأس ابنه.

وفي سنة ثلاث وسبعين ومائة حج بالناس هارون (٥) ، وهي السنة التي قسم فيها للناس صغيرهم وكبيرهم درهما درهما.

وفي سنة ثلاث وسبعين فتحت سمالوا (٦).

وفي سنة تسعين فتح هرقلة (٧) ، وقال أبو العتاهية فيها (٨) :

الحمد لله اللطيف بخلقه

إنا لنجزع والإمام صبور

فتحت هرقلة بعد طول تمنّع

إنّي بكلّ مسرّة مسرور

وإمامنا فيها أغرّ محجّل

وحجوله يوم القيامة نور

إن حطّ رحل الحج أعمل سرجه

للغزو ينجد مرة ويغور

همم لهارون الإمام بعيدة

أبدا لهن مواسم وثغور

هارون شيّد كل عز كان أس

سه له المهديّ والمنصور

هارون هارون المدافع ربّه

عنه هو المحفوظ والمستور

قفل الإمام وقد تكامل فيئه

وأقام جزيته له النقفور (٩)

روى جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

(١) تاريخ خليفة ص ٤٥٩.

(٢) في مختصر ابن منظور : بلاده ، والمثبت عن تاريخ خليفة.

(٣) طوانة بضم أوله ، بلد بثغور المصيصة. (معجم البلدان).

(٤) إلى هنا ينتهي الخبر في تاريخ خليفة.

(٥) تاريخ خليفة ص ٤٤٩.

(٦) لم أجدها.

(٧) هرقلة : بالكسر ثم الفتح ، مدينة ببلاد الروم ، غزاها الرشيد بنفسه ثم افتتحها عنوة بعد حصار وحرب شديد ورمي بالنار والنفط حتى غلب أهلها (معجم البلدان).

(٨) ليست الأبيات في ديوانه.

(٩) نقفور ملك الروم.

٢٨٩

«يكون من ولد العباس ملوك يلون أمر أمتي يعز الله بهم الدين» [١٤٣١٩].

ومن (١) بارع شعر أبي الشيص قوله يمدح الرشيد عند هزيمة نقفور ، وفتح بلاد الروم من قصيد :

شددت أمير المؤمنين قوى الملك

صدعت بفتح الروم أفئدة الترك

قريت سيوف الله هام عدوّه

وطأطأت بالإسلام ناصية الشرك

فأصبحت مسرورا ولا يعني (٢) ضاحكا

وأصبح نقفور على ملكه يبكي

كان أبو معاوية الضرير عند الرشيد ، فجرى الحديث إلى حديث أبي هريرة أن موسى لقي آدم (٣) ، فقال : أنت آدم الذي أخرجتنا من الجنة؟ ... الحديث ، فقال رجل قرشي كان عنده من وجوه قريش : أين لقي آدم موسى؟ فغضب الرشيد وقال : النطع والسيف ، زنديق والله يطعن في حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فما زال أبو معاوية يسكنه ويقول : كانت منه باردة ولم يفهم يا أمير المؤمنين حتى أسكنه (٤).

وفي رواية (٥) :

فغضب الرشيد وقال : من طرح إليك هذا؟ وأمر به ، فحبس ، فقال : والله ما هو إلا شيء خطر ببالي ، وحلف بالعتق وصدقة المال ومغلّظات الأيمان ما سمعت من أحد ، ولا جرى بيني وبين أحد في هذا كلام. قال : فلما عرف الرشيد ذلك قال : فأمر به فأطلق ، وقال : إنما توهمت أنه طرح إليه بعض الملحدين هذا الكلام الذي خرج منه ، فيدلني عليهم فأستبيحهم ، وإلا فأنا على يقين أن القرشي لا يتزندق.

قال رجل من قواد هارون (٦) : دخلت على هارون وبين يديه رجل مضروب العنق ،

__________________

(١) الخبر والأبيات في تاريخ بغداد ٥ / ٤٠١ ـ ٤٠٢ في ترجمة محمد بن عبد الله بن رزين أبي الشيص الشاعر ، من طريق المرزباني حدثني علي بن هارون أخبرني أبي ، قال : وذكره.

(٢) كذا بالأصل وتاريخ بغداد : «يغي».

(٣) الخبر في تاريخ بغداد ١٤ / ٧ والبداية والنهاية ١٠ / ٢٣٣ وسير الأعلام ٩ / ٢٨٨ والمعرفة والتاريخ للفسوي ٢ / ١٨١.

(٤) في تاريخ بغداد : «سكّنه» وفي سير الأعلام : حتى سكن.

(٥) وهي رواية يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ ٢ / ١٨١ ـ ١٨٢ وتاريخ بغداد ٥ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤ في ترجمة محمد بن خازم أبي معاوية الضرير.

(٦) الخبر في البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٤ من طريق بعضهم ، ولم يسمّ.

٢٩٠

ورجل معه سيف ملطخ بالدم يمسحه على قفاه ، ففزعت لما رأيته فقال : قتلت هذا الرجل [لأنه](١) كان يقول : القرآن مخلوق ، تقرّبت إلى الله بدمه.

قال أبو بكر بن عياش (٢) :

قلت لهارون : يا أمير المؤمنين ، انظر هذه العصابة الذين يحبون أبا بكر وعمر ، ويفضلونهم (٣) فأكرمهم يعزّ سلطانك ، ويقوى ، فقال : أولست كذلك؟ أنا والله كذلك ، أنا والله كذلك ، أنا والله أحبهم ، وأحب من يحبهم ، وأعاقب من يبغضهم.

جاء جنديان يسألان عن منزل أبي بكر بن عياش ، قال : فقلت : ما تريدان منه؟ فقالا : أنت هو؟ قلت : نعم ، فقالا : أجب الخليفة ، قلت : أدخل ألبس ثوبي ، قالا : ليس إلى ذلك سبيل ، فأرسلت من جاءني بثيابي ، ومضيت معهم إلى الرشيد بالحيرة ، فدخلت عليه ، فقال : لا أرانا إلا قد رعناك. إن أبا معاوية الضرير حدثني بحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يكون قوم بعدي ينبزون (٤) بالرافضة فاقتلوهم ، فإنهم مشركون» فو الله لئن كان حقا لأقتلنّهم. فلما رأيت ذلك خفت منه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، لئن كان ذلك فإنهم ليحبونكم أشد من نبي الله ، وهم إليك أميل ، فسرّي عنه ، ثم أمر لي بأربع بدر (٥) ، فأخذتها. ولقيني رجل منهم فقال : يا أبا بكر ، أخذت الدراهم ، ما عذرك عند الله؟ فقلت : عذري عند الله أني خلصت من القتل.

دخل ابن السماك على هارون فقال : يا أمير المؤمنين ، تواضعك في شرفك أشرف من شرفك (٦).

وقال له مرة (٧) : يا أمير المؤمنين ، إن الله عزوجل لم يجعل أحدا فوقك ، فلا ينبغي (٨) أن يكون أحد أطوع لله عزوجل منك.

قال ابن السماك :

__________________

(١) استدركت اللفظة عن البداية والنهاية.

(٢) الخبر في البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٤ عن بعض أهل العلم.

(٣) في البداية والنهاية : ويقدمونهما.

(٤) أي يلقبون.

(٥) بدر جمع بدرة ، وهي كيس فيه ألف أو عشرة آلاف (اللسان).

(٦) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٣٤٢ وسير أعلام النبلاء ٩ / ٢٨٧.

(٧) البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٤.

(٨) في البداية والنهاية : فاجتهد أن لا يكون فيهم أحد ...

٢٩١

بعث إلي هارون فأتيته ، فأخذني خصيان حتى انتهيا (١) بي إليه في بهو ، فقال لهما هارون : ارفقا بالشيخ ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما مرّ بي يوم منذ ولدتني أمي أنا أنصب فيه من يومي هذا ، فاتق الله يا أمير المؤمنين ، واعلم أن لك مقاما بين يدي الله أنت فيه أذل من مقامي هذا بين يديك ، فاتق الله في خلقه ، واحفظ محمدا في أمته ، وانصح نفسك في رعيتك ، واعلم أن الله أخذ سطواته وانتقامه من أهل معاصيه بكم ، فاضطرب على فراشه حتى وقع على مصلى بين يدي فراشه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، هذا ذل الصفة ، فكيف لو رأيت ذل المعاينة ، فكادت نفسه تخرج ، وكان يحيى بن خالد إلى جنبه ، فقال للخصيّين : أخرجاه ، فقد أبكى أمير المؤمنين.

بعث (٢) هارون إلى محمد بن السماك ، فقال له يحيى بن خالد : أتدري لم بعث إليك أمير المؤمنين؟ قال : لا أدري ، قال له يحيى : بعث لما بلغه عنك من حسن دعائك للخاصة والعامة (٣) ، فقال له ابن السماك : أما ما بلغ أمير المؤمنين عني ذلك فبستر الله الذي ستره علي ، ولو لا ستره لم يبق لنا ثناء ، ولا التقاء على مودة ، فالستر هو الذي أجلسني بين يديك يا أمير المؤمنين. إني والله ما رأيت وجها أحسن من وجهك ، فلا تحرق وجهك بالنار ، فبكى هارون بكاء شديدا ، ثم دعا بماء فاستسقى (٤) ، فأتي بقدح فيه ماء ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أكلمك بكلمة قبل أن تشرب هذا الماء؟ قال : قل ما أحببت ، قال : يا أمير المؤمنين ، لو منعت هذه الشربة إلا بالدنيا وما فيها ، أكنت تفتديها بالدنيا وما فيها حتى تصل إليك؟ قال : نعم ، قال : فاشرب ، بارك الله فيك. فلما فرغ من شربه قال له : يا أمير المؤمنين ، أرأيت لو منعت إخراج هذه الشربة منك إلا بالدنيا وما فيها ، أكنت تفتدي ذلك بالدنيا وما فيها؟ قال : نعم ، قال : يا أمير المؤمنين ، فما تصنع بشيء شربة ماء خير منه (٥)؟ فبكى هارون واشتد (٦) بكاؤه ،

__________________

(١) بالأصل : انتهوا.

(٢) الخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٥ / ٣٧٢ في ترجمة ابن السماك ؛ والخبر رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٨ / ٢٠٩ من طريق سليمان بن أحمد ثنا محمد بن موسى ثنا محمد بن بكار وذكره ، باختلاف الرواية.

(٣) في الحلية : لما بلغه من صلاح حالك في نفسك ، وكثرة ذكرك لربك عزوجل ، ودعائك للعامة.

(٤) انظر البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٤ باختلاف.

(٥) في البداية والنهاية : فقال : إن ملكا قيمة نصفه شربة ماء ، وقيمة نصفه الآخر بولة لخليق أن لا يتنافس فيه.

(٦) بالأصل : «واشتكى» والمثبت عن تاريخ بغداد.

٢٩٢

فقال يحيى بن خالد : يا ابن السماك ، قد أذيت أمير المؤمنين ، فقال له : وأنت يا يحيى فلا تغرنك رفاهية العيش ولينه.

قال (١) يحيى بن خالد لابن السماك : إذا دخلت على هارون أمير المؤمنين فأوجز ، ولا تكثر عليه ، فدخل عليه ، وقام بين يديه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن لك بين يدي الله مقاما ، وإن لك من مقامك منصرفا ، فانظر إلى أين منصرفك : إلى الجنة أم إلى النار ، فبكى هارون حتى كاد أن يموت.

قال الفضيل بن عياض (٢) :

لما قدم الرشيد بعث إلي ، فذكر الحديث بطوله وقال : عظنا بشيء من علم ، فقلت له : يا حسن الوجه ، حساب هذا الخلق كلهم عليك ، فجعل يبكي ، ويشهق ، قال : فرددتها عليه : يا حسن الوجه ، حساب هذا الخلق كلهم عليك ، فأخذني الخدم ، فأخرجوني ، وقالوا : اذهب بسلام.

قال الأصمعي (٣) :

كنت عند الرشيد يوما ، فرفع إليه في قاض كان استقضاه يقال له : عافية ، فكبر (٤) عليه ، فأحضره ، وفي المجلس جمع (٥) ، فجعل يخاطبه ، ويوقفه على ما رفع إليه ، وطال المجلس ، ثم إن أمير المؤمنين عطس فشمّته من كان بالحضرة ممن قرب منه سواه ، فإنه لم يشمّته ، فقال له الرشيد : ما بالك لم تشمّتني كما فعل القوم؟! فقال له عافية : لأنك يا أمير المؤمنين لم تحمد الله ، ولذلك لم أشمتك ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عطس عنده رجلان ، فشمت أحدهما ، ولم يشمت الآخر ، فقال : يا رسول الله ، ما بالك شمّت ذاك ، ولم تشمتني؟ قال : «لأن هذا حمد الله ، فشمتناه ، وأنت فلم تحمد الله فلم نشمتك» ، فقال له الرشيد : ارجع إلى عملك ، أنت لم

__________________

(١) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٥ / ٣٧٢ ـ ٣٧٣ من طريق بكران بن الطيب السقطي ـ حدثنا محمد بن أحمد ابن محمد المفيد ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة حدثنا أبي حدثني أبي المغيرة بن شعيب قال : حضرت يحيى بن خالد البرمكي يقول لابن السماك ، وذكره.

(٢) انظر تاريخ بغداد ١٤ / ٨ وتاريخ الخلفاء ص ٣٤٢ والخبر بطوله في حلية الأولياء ٨ / ١٠٥ وما بعدها في ترجمة الفضيل بن عياض.

(٣) الخبر في الجليس الصالح الكافي ٣ / ٦٣ وفي تاريخ بغداد ١٢ / ٣٠٧.

(٤) في الجليس الصالح : فكثر عليه.

(٥) في الجليس الصالح : جمع كثير.

٢٩٣

تسامح في عطسة تسامح في غيرها؟ وصرفه منصرفا جميلا ، وزبر القوم الذين رفعوا عليه [١٤٣٢٠].

قال عبد الله بن عبد العزيز العمري : (١)

قال لي موسى بن عيسى : ينتهي (٢) إلى أمير المؤمنين الرشيد أنك تشتمه ، وتدعو عليه ، فبأي شيء استجزت ذلك منه يا عمري؟ قال : قلت : أما في شتمه ، فهو والله أكرم علي من نفسي (٣) ، وأما في الدعاء عليه ، فو الله ما قلت : اللهم إنه قد أصبح عبئا ثقيلا على أكتافنا ، لا تطيقه أبداننا ، وقذى في عيوننا (٤) ، لا تطرف عليه جفوننا ، وشجى في أفواهنا ، لا تسيغه حلوقنا ، فاكفنا مئونته ، وفرّق بيننا وبينه ، ولكني قلت : اللهم ، إن كان قد تسمى بالرشيد ليرشد ، فأرشده أو لغير ذلك فراجع به ، اللهم ، إن له في الإسلام بالعباس (٥) على كل مسلم حقا (٦) ، وله بنبيّك قرابة ورحما ، فقربه من كل خير ، وبعّده من كل شر (٧) ، وأسعدنا به ، وأصلحه لنفسه ولنا ، فقال موسى : يرحمك الله يا أبا عبد الرحمن ، كذلك لعمري كان ما فعلت (٨).

قال أبو معاوية (٩) :

أكلت مع الرشيد هارون طعاما يوما ، فصبّ على يدي رجل لا أعرفه ، فقال الرشيد : يا أبا معاوية ، هل تدري من يصبّ على يديك؟ قلت : لا ، قال : أنا ، قلت : أنت يا أمير المؤمنين؟ قال : نعم ، إجلالا للعلم.

قال يحيى بن أكثم :

قال لي الرشيد : ما أنبل المراتب؟ قلت : ما أنت فيه يا أمير المؤمنين ، قال : فتعرف

__________________

(١) الخبر رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٨ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦ في ترجمة عبد الله بن عبد العزيز العمري من طريق سليمان بن أحمد ، ثنا إسحاق بن أحمد الخزاعي ثنا الزبير بن بكار ثنا سليمان بن محمد بن عروة سمعت عبد الله ابن عبد العزيز العمري ، يقول ، وذكره ، وانظر سير الأعلام ٨ / ٣٧٦ ـ ٣٧٧.

(٢) في الحلية : ينهى.

(٣) زيد في الحلية : لقرابته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٤) الحلية : جفوننا.

(٥) الحلية : بالقياس.

(٦) في سير الأعلام : كفّا.

(٧) الحلية : سوء.

(٨) الحلية : كذلك يا عمري الظن بك.

(٩) الخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٨ من طريق أبي طاهر المزني حدثنا حسن الأرزي قال سمعت علي بن المديني يقول : سمعت أبا معاوية الضرير ، وذكره وسير الأعلام ٩ / ٢٨٨ وتاريخ الخلفاء ص ٣٤٢.

٢٩٤

أجلّ مني؟ قلت : لا ، قال : لكني أعرفه ، رجل في حلقة يقول : حدثنا فلان عن فلان قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .... قلت : يا أمير المؤمنين ، هذا خير منك وأنت ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وولي عهد المسلمين؟ قال : نعم ، ويلك ، هذا خير مني لأن اسمه مقترن باسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يموت أبدا ، نحن نموت ونفنى ، والعلماء باقون ما بقي الدهر.

حدث أبو زرعة عن أبيه قال :

كنا بالرقة وبيوتات الأموال تنقل إلى هارون الرشيد ، فقدرناها أربعة آلاف وست مائة جمل ، ألف وست مائة منها ذهب ، وثلاثة آلاف ورق.

قال الأصمعي (١) :

دخلت على هارون الرشيد يوم الجمعة ، وهو يقلّم أظفاره ، فقلت له في ذلك : فقال : أخذ الأظفار يوم الخميس من السنة. وبلغني أن [أخذها](٢) يوم الجمعة ينفي الفقر. فقلت : يا أمير المؤمنين ، وتخشى أنت أيضا الفقر؟ فقال : يا أصمعي ، وهل أحد أخشى للفقر مني؟

حدث إبراهيم بن المهدي قال (٣) :

كنت أتغدى مع الرشيد في يوم شات ، فسأل صاحب المطبخ : هل عنده برمة من لحم الجزور ، فأعلمه أن عنده ألونا منه ، فأمر بإحضاره ، فقدمت إليه صحفة ، فأدخل لقمة منها في فيه ، وحرك لحيته عليها مرتين ، فضحك جعفر بن يحيى ، فسأله الرشيد عن ضحكه ، وأمسك عن المضغ ، فقال : ذكرت كلاما دار بيني وبين جاريتي البارحة ، فضحكت ، فقال الرشيد : هذا محال ، فأخبرني بحقي عليك ، قال : إذا ابتلعت لقمتك حدثتك ، فألقى لقمته من فيه تحت المائدة ، فقال له جعفر : بكم يتوهم أمير المؤمنين أن هذا اللون يقوم عليه؟ فقال له الرشيد : أتوهمه يقوم بأربعة دراهم ، فقال جعفر : إنه يقوم عليك بأربع مائة ألف درهم ، قال : كيف؟ ويحك! فقال جعفر : سأل أمير المؤمنين صاحب المطبخ من أكثر من أربع سنين (٤) عن برمة من لحم جزور ، فلم يجدها ، فأنكر أمير المؤمنين ذلك علي وقال : لا يفت مطبخي لون

__________________

(١) رواه ابن كثير في البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٤ من طريق ابن قتيبة ثنا الرياشي عن الأصمعي ، وذكره.

(٢) استدركت عن البداية والنهاية.

(٣) الخبر رواه ابن كثير في البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٤ نقلا عن ابن عساكر. وبطوله في الجليس الصالح الكافي ٣ / ٥٣ وما بعدها.

(٤) في البداية والنهاية : إنك طلبت من طباخك لحم جزور قبل هذا اليوم بمدة طويلة فلم يوجد عنده.

٢٩٥

ي تخذ من لحم جزور في كل يوم ، فأنا منذ ذلك اليوم أنحر جزورا في كل يوم ، فإن الخلفاء لانتباع لهم لحم الجزور من السوق (١) ، ولم يدع أمير المؤمنين بشيء من لحمها إلا يومه هذا. وكان الرشيد في أول طعامه ، وكان أشد خلق الله تقززا ، فضرب الرشيد بيده اليمنى وجهه وفيها الغمر (٢) ، ومدّ بها لحيته ، ثم قال : هلكت ويلك يا هارون ، واندفع يبكي ، ورفعت المائدة (٣) ، وطفق يبكي حتى آذنه المؤذنون بصلاة الظهر ، فتهيأ للصلاة (٤) ثم أمر أن يحمل للحرمين ألفي ألف درهم يفرق في كل حرم ألف ألف ، وأن يفرق في كل جانب من جانبي بغداد خمس (٥) مائة ألف درهم ، وأن يفرق في كل مدينة من الكوفة والبصرة خمس مائة ألف درهم (٦) ، وقال : لعل الله أن يغفر لي هذا الذنب ، وصلى الظهر وعاد إلى مكانه يبكي إلى العصر ، وقام فصلى ، وعاد إلى مكانه إلى أن قرب ما بين العصر والمغرب ، فأخبره القاسم بن الربيع أن أبا يوسف القاضي بالباب ، فأذن له ، فدخل ، وسلم ، فلم يردّ عليه ، وأقبل يقول : يا يعقوب ، هلك هارون ، فسأله عن القصة ، فقال : يخبرك جعفر ، وعاد لبكائه ، فحدثه جعفر عن الجزور التي تنحر كل يوم ، ومبلغ ما أنفق من الأموال ، فقال له أبو يوسف : هذه الإبل التي كانت تبتاع كانت تترك إذا نحرت حتى تفسد وتنتن ، ولا تؤكل لحومها ، فيرمى بها؟ قال جعفر : اللهم ، لا ، قال أبو يوسف : فما كان يصنع بها؟ قال : يأكلها الحشم والموالي وعيال أمير المؤمنين ، فقال أبو يوسف : الله أكبر ، أبشر يا أمير المؤمنين بثواب الله على نفقتك ، وعلى ما فتح لك من الصدقة في يومك هذا ، ومن البكاء للتقية من ربك ، فإنّي لأرجو ألا يرضى الله من ثوابه على ما داخلك من الخوف من سخطه عليك إلا بالجنة ، فإنه عزوجل يقول : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) [سورة الرحمن ، الآية : ٤٦] وأنا أشهد أنك خفت مقام ربك ، فسرّي عن الرشيد وطابت نفسه ، ووصل أبا يوسف بأربع مائة ألف درهم ، وصلى المغرب ودعا بطعامه وأكل ، فكان غداؤه في اليوم عشاءه.

__________________

(١) زيد في البداية والنهاية : فصرف في لحم الجزور من ذلك اليوم إلى هذا اليوم أربعمائة ألف درهم.

(٢) الغمر بالتحريك : ريح اللحم وما يعلق باليد من دسمه (اللسان).

(٣) البداية والنهاية : وأمر برفع السماط من بين يديه.

(٤) زيد في البداية والنهاية : فخرج فصلى بالناس ثم رجع يبكي حتى آذنه المؤذنون بصلاة العصر.

(٥) البداية والنهاية : وأمر بألفي ألف يتصدق بها في جانبي بغداد الغربي والشرقي.

(٦) في البداية والنهاية : وبألف ألف يتصدق بها على فقراء الكوفة والبصرة.

٢٩٦

قال عمرو بن بحر (١) :

اجتمع للرشيد ما لم يجتمع لأحد من جدّ ولا هزل : وزراؤه البرامكة ، لم ير مثلهم سخاء وسروا ، وقاضيه أبو يوسف (٢) ، وشاعره مروان بن أبي حفصة (٣) ، كان في عصره كجرير في عصره ، ونديمه عم أبيه العباس (٤) بن محمد صاحب العباسية (٥) ، وحاجبه الفضل بن الربيع (٦) أتيه الناس وأشده تعاظما ، ومغنيه إبراهيم الموصلي واحد عصره في صناعته ، وضاربه زلزل (٧) ، وزامره برصوما ، وزوجته أم جعفر أرغب الناس في خير ، وأسرعهم إلى كل برّ ، أدخلت الماء الحرم بعد امتناعه ، إلى أشياء من المعروف.

كان (٨) عبيد الله (٩) بن ظبيان قاضي الرقة ، وكان الرشيد إذ ذاك بها ، فجاء رجل فاستعذر عليه من عيسى بن جعفر (١٠) ، فكتب إليه ابن ظبيان : أما بعد. أبقى الله الأمير وحفظه ، أتاني رجل ذكر أنه فلان بن فلان ، وأن له على الأمير ـ أبقاه الله ـ خمس مائة ألف درهم ، فإن رأى الأمير ـ حفظه الله ـ أن يحضر معه بمجلس الحكم أو يوكل وكيلا يناظر خصمه فعل ، ودفع بالكتاب إلى الرجل ، فأتى به باب عيسى بن جعفر ، ودفع الكتاب إلى حاجبه ، فأوصله إليه ، فقال : كل هذا الكتاب ، فرجع إلى القاضي فأخبره ، فكتب إليه : أبقاك الله وحفظك وأمتع بك ، حضر رجل يقال له فلان بن فلان ، فذكر أن له عليك حقا فصر به

__________________

(١) الخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ١١ من طريق الأزهري بسنده إلى الجاحظ ، والخبر في البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٥ وسير الأعلام ٩ / ٢٨٩ ـ ٢٩٠ نقلا عن الجاحظ. وتاريخ الخلفاء ص ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

(٢) هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري ، أبو يوسف القاضي ترجمته في سير الأعلام ٨ / ٥٣٥.

(٣) ترجمته في سير الأعلام ٨ / ٤٧٩.

(٤) كذا ومثله في سير الأعلام وتاريخ الخلفاء ، وفي البداية والنهاية : عمر بن العباس بن محمد.

(٥) العباسية : محلة كانت ببغداد بين يدي قصر المنصور ، أقطعها العباس بن محمد ، فنسبت إليه (معجم البلدان).

(٦) هو الفضل بن الربيع بن يونس الأمير حاجب الرشيد ، ترجمته في سير الأعلام ١٠ / ١٠٩.

(٧) زلزل لقب ، واسمه منصور ، يضرب به المثل في ضربه بالعود وإليه تنسب بركة زلزل ببغداد (انظر معجم البلدان ، وتاج العروس : زلل).

(٨) الخبر رواه المعافى بن زكريا الجريري في الجليس الصالح الكافي ٢ / ٥٩ وما بعدها من طريق محمد بن أبي الأزهر حدثنا الزبير بن بكار حدثنا مصعب بن الزبير قال ، وذكره.

(٩) الذي في أخبار القضاة لوكيع أنه علي بن ظبيان وليس عبيد الله ، وهو أشبه بالصواب انظر أخبار القضاة لوكيع ٣ / ٢٨٧.

(١٠) هو عيسى بن جعفر بن أبي جعفر ، أخو زبيدة زوجة الرشيد ، انظر ترجمته في تاريخ بغداد ١١ / ١٥٧.

٢٩٧

معه إلى مجلس الحكم أو وكيلك ، إن شاء الله ، ووجّه بالكتاب مع عونين (١) من أعوانه ، فحضرا باب عيسى ، ودفعا الكتاب إليه ، فغضب ، ورمى به ، فانطلقا فأخبراه ، فكتب إليه : حفظك الله ، وأبقاك ، وأمتع بك ، لا بد من أن تصير أنت وخصمك إلى مجلس الحكم ، فإن أبيت أنهيت أمرك إلى أمير المؤمنين ، ووجه بالكتاب مع عدلين (٢) ، فقعدا على باب عيسى حتى خرج ، فقاما إليه ، ودفعا إليه كتاب القاضي ، فلم يقرأه ، ورمى به ، فأبلغاه ذلك ، فختم قمطره (٣) وانصرف ، وقعد في بيته ، فبلغ الخبر الرشيد ، فدعاه ، وسأله عن أمره ، فأخبره بالقصة عن آخرها ، حرفا حرفا ، فقال لإبراهيم بن عثمان : صر إلى باب عيسى بن جعفر ، واختم عليه أبوابه كلها ، ولا يخرجن أحد ، ولا يدخلن أحد عليه حتى يخرج إلى الرجل من حقه أو يصير معه إلى الحاكم ، فأحاط إبراهيم بداره ، ووكل بها خمسين فارسا ، وغلقت أبوابه ، فظن عيسى أنه قد حدث للرشيد رأي في قتله ، ولم يدر ما سبب ذلك ، وجعل يكلم الأعوان من خلف الباب ، وارتفع الصياح من داره ، وصرخ النساء ، فأمرهن أن يسكتن ، وقال لبعض غلمان إبراهيم : ادع لي أبا إسحاق لأكلمه ، فأعلموه ما قال ، فجاء حتى صار إلى الباب ، فقال له عيسى : ويلك! ما حالنا؟ فأخبره خبر ابن ظبيان ، فأمر أن يحضر خمس مائة ألف درهم من ساعته ، وتدفع إلى الرجل ، فجاء إبراهيم إلى الرشيد ، فأخبره ، فقال : إذا قبض الرجل ماله فافتح أبوابه.

قال بشر بن الوليد (٤) :

كنت عند أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي ، فحدثنا بحديث طريف قال :

بينا أنا البارحة أويت إلى فراشي فإذا داق يدق الباب ، فخرجت فإذا هرثمة بن أعين قال : أجب أمير المؤمنين ، فقلت : يا أبا حاتم ، لي بك حرمة ، وهذا وقت كما ترى ، ولست

__________________

(١) كذا في مختصر ابن منظور ، جاء في اللسان : العون : الظهير على الأمر ، الواحد والاثنان والجمع والمؤنث فيه سواء ، وقد حكي في تكسيره أعوان.

(٢) في الجليس الصالح : مع رجلين من أصحابه العدول.

(٣) القمطر والقمطرة : ما تصان فيه الكتب (اللسان).

(٤) الخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠ من طريق أحمد بن عمر بن روح النهرواني ، ومحمد ابن الحسين بن محمد الجازري ، حدثنا المعافي بن زكريا الجريري حدثنا محمد بن أبي الأزهر حدثنا حماد بن إسحاق الموصلي حدثني أبي ، قال : حدثني بشر بن الوليد ، وذكره. وفي الجليس الصالح الكافي ١ / ٤١٦ وما بعدها.

٢٩٨

آمن أن يكون أمير المؤمنين دعاني لأمر من الأمور ، فإن أمكنك أن تدفع بذلك إلى غد؟ فلعله أن يحدث له رأي ، فقال : ما لي إلى ذلك سبيل ، قلت : كيف كان السبب؟ قال : خرج إلي مسرور الخادم فأمرني أن آتي بك ، فقلت : تأذن لي أن أصب علي ماء وأتحنّط (١)؟ فإن كان أمر من الأمور كنت قد أحكمت شأني ، وإن رزق الله العافية فلن يضر ، فدخلت وفعلت ما أردت (٢) ، ومضينا ، فإذا مسرور واقف ، فقال له هرثمة : قد جئت به. قال : فقلت لمسرور : يا أبا هاشم ، هذا وقت ضيق ، فتدري لم طلبني أمير المؤمنين؟ قال : لا ، قلت : فمن عنده؟ قال : عيسى بن جعفر ، قلت : ومن؟ قال : ما عنده ثالث ، قال : مرّ ، فإذا صرت إلى الصحن فإنه في الرواق ، وهو ذلك جالس ، فحرّك رجلك بالأرض ، فإنه سيسألك ، فقل : أنا. ففعلت ، فقال : من؟ قلت : يعقوب ، قال : ادخل ، فدخلت ، فإذا هو جالس وعنده عيسى بن جعفر ، فسلّمت ، فرد وقال : أظننا روعناك ، قلت : إي والله ، وكذلك من خلفي. قال : اجلس ، ثم التفت إلي فقال : يا يعقوب ، تدري لم دعوتك؟ قلت : لا ، قال : دعوتك لأشهدك على هذا ، إن عنده جارية سألته أن يهبها لي فامتنع ، وسألته أن يبيعها فأبى ، والله لئن لم يفعل لأقتلنه ، قال : فالتفتّ إلى عيسى ، وقلت : وما بلغ الله بجارية تمنعها أمير المؤمنين ، وتنزل نفسك هذه المنزلة؟! فقال لي : عجلت علي في القول قبل أن تعرف ما عندي : إن علي يمينا بالطلاق والعتاق وصدقة ما أملك ألّا أبيع هذه الجارية ، ولا أهبها ، فالتفت إلي الرشيد فقال : هل له في ذلك من مخرج؟ قلت : نعم ، يهب لك نصفها ، ويبيعك نصفها ، فيكون لم يبع ولم يهب. قال عيسى : ويجوز ذلك؟ قلت : نعم. قال : فأشهدك أني قد وهبت له نصفها ، وبعته النصف الباقي بمائة ألف دينار ، فقال : الجارية ، فأتي بالجارية وبالمال ، فقال : خذها يا أمير المؤمنين ، بارك الله لك فيها.

قال : يا يعقوب ، بقيت واحدة ، قلت : ما هي؟ قال : هي مملوكة ، ولا بد أن تستبرأ ، وو الله إن لم أبت معها ليلتي أظن نفسي ستخرج ، قلت : يا أمير المؤمنين ، تعتقها ، وتتزوجها ، فإن الحرة لا تستبرأ ، قال : فإنّي قد أعتقتها ، فمن يزوجنيها؟ قلت : أنا ، فدعا بمسرور وحسين ، فخطبت وحمدت الله ، ثم زوّجته على عشرين ألف دينار ، ودعا بالمال فدفعه إليها

__________________

(١) تحنط : تطيب بالحنوط (اللسان).

(٢) في تاريخ بغداد : فدخلت فلبست ثيابا جددا ، وتطيبت بما أمكن من الطيب ، ثم خرجنا.

٢٩٩

ثم قال : يا يعقوب ، انصرف ، وقال : يا مسرور ، أحمل إلى يعقوب مائتي ألف درهم ، وعشرين تختا ثيابا ، فحمل ذلك معي.

قال بشر بن الوليد : فالتفت إلي يعقوب فقال : هل رأيت بأسا فيما فعلت؟ قلت : لا ، قال : فخذ منها حقك ، قلت : وما حقي؟ قال : العشر ، قال : فشكرته ، وذهبت لأقوم ، فإذا بعجوز قد دخلت فقالت : يا أبا يوسف ، بنتك تقرئك السلام ، وتقول لك : ما وصل إلي في ليلتي هذه من أمير المؤمنين إلا المهر الذي عرفته ، وقد حملت إليك النصف منه ، وخلّفت الباقي لما أحتاج إليه ، فقال : ردّيه ، فو الله لا قبلتها ، أخرجتها من الرق ، وزوّجتها أمير المؤمنين وترضى لي بهذا ، فلم نزل نطلب إليه أنا وعمومتي حتى قبلها ، وأمر لي منها بألف دينار.

كان (١) حماد بن موسى صاحب أمر محمد بن سليمان (٢) والغالب عليه ، فحبس سوار (٣) القاضي رجلا في بعض ما يحبس فيه القضاة ، فبعث حماد فأخرج الرجل من الحبس ، فخاصمه إلى سوار فأخبره أن حمادا أخرج الرجل من الحبس ، فركب سوّار حتى دخل على محمد بن سليمان ، وهو قاعد للناس ، والناس على مراتبهم ، فجلس حيث يراه محمد ، ثم دعا قائدا من قواده ، قفال : أسامع أنت أو مطيع؟ قال : نعم ، قال : اجلس هاهنا ، فأقعده عن يمينه ، ودعا آخر من نظرائه ففعل به كما فعل بالأول ، فعل ذلك بجماعة من قواد سليمان (٤) ثم قال لهم : انطلقوا إلى حماد بن موسى فضعوه في الحبس (٥) ، فنظروا إلى محمد ابن سليمان فأعلموه ما أمرهم ، فأشار إليهم أن افعلوا ما يأمركم ، فانطلقوا إلى حماد فوضعوه في الحبس ، وانصرف سوار إلى منزله. فلما كان بالعشي أراد محمد بن سليمان الركوب إلى سوار ، فجاءته الرسل ، فقالوا : إن الأمير على الركوب إليك ، فقال : لا ، نحن أولى بالركوب إليه ، فركب إليه ، فقال : كنت على المجيء إليك يا أبا عبد الله ، فقال : ما كنت لأجشّم الأمير ذلك ، قال : بلغني ما صنع هذا الجاهل حماد ، قال : هو ما بلغ الأمير ،

__________________

(١) الخبر رواه وكيع في أخبار القضاة ٢ / ٦٩ ـ ٧٠.

(٢) هو محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، ابن عم المنصور ، ترجمته في تاريخ بغداد ٥ / ٢٩١.

(٣) هو سوار بن عبد الله بن سوار القاضي العنبري البصري ، ترجمته في تاريخ بغداد ٩ / ٢١٠.

(٤) كذا ، ولعله من قواد محمد بن سليمان ، وفي أخبار القضاة : بجماعة من القواد.

(٥) في أخبار القضاة : الحرس.

٣٠٠