لاميّة في النحو

زين الدين شعبان بن محمد القرشي الآثاري

لاميّة في النحو

المؤلف:

زين الدين شعبان بن محمد القرشي الآثاري


المحقق: هلال ناجي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٠

١
٢

٣

٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

بين يدي الكتاب

المصنف من المهد إلى اللحد :

ناظم هذه اللامية أبو سعيد زين الدين شعبان بن محمد بن داود بن علي القرشي ، الشافعي ، الآثاري ، الموصلي أصلا ومولدا ، المصري دارا ومدفنا.

وقد نسب إلى الآثار النبوية الشريفة لأنه كان خادمها ، وإلى هذا أشار في قوله في البديعية الكبرى :

لأنني خادم الآثار لي نسب

أرجو به رحمة المخدوم للخدم

ولد الآثاري ليلة النصف من شعبان عام خمسة وستين وسبعمائة بمدينة الموصل. ولسنا نعرف عن حياته في الموصل شيئا ولا عن تاريخ رحلته إلى مصر ، لكن يبدو أنه رحل إليها في سنّ مبكرة ، وأخذ عن جلّة من مشائخها ، وهم شيوخ كثار تنوعت معارفهم وعلت أقدارهم وتعددت اختصاصاتهم فكان فيهم : الخطاط والنحوي والمحدّث واللغوي والعروضي. فمن شيوخه الأعلام :

١ ـ شيخ الإسلام شمس الدين محمد بن محمد بن علي بن عبد الرزاق الغماريّ المصري المالكي النحوي المولود سنة ٧٢٠ ه‍ وقد أخذ العربية والقرآت عن أبي حيّان وغيره وكان عالما باللغة العربية ، بارعا فيها ، كثير المحفوظ للشعر ، لا سيّما الشواهد ، قوي المشاركة في الأدب والأصول والتفسير والفروع ، تخرج به الفضلاء ، ومنهم مصنف الألفية ، إذ أخذ عنه النحو والعروض ، مات سنة ٧٨٢ ه‍ (١) وكان صاحبنا قد قرأ عليه في المدرسة الجاولية بين القاهرة ومصر المحروستين (٢).

__________________

(١) بغية الوعاة ١ / ٢٣٠.

(٢) عن مخطوطة نادرة نحتفظ بمصورتها وأصلها في خزانة أوقاف الموصل أخبر فيها الآثاري بأسماء مشائخه الذين أخذ عنهم العلم.

٥

٢ ـ شيخ الإسلام عمر بن رسلان بن نصير الكناني ، العسقلاني الأصل ، ثم البلقيني المصري الشافعي ، أبو حفص ، سراج الدين ، ولد سنة ٧٢٤ ه‍ في بلقينة من بلدان غربية مصر. فقيه مجتهد حافظ للحديث ، تعلم بالقاهرة ، وولي قضاء الشام سنة ٧٦٩ ه‍ ، وتوفي في القاهرة سنة ٨٠٥ ه‍ ومصنفاته كثيرة. قرأ عليه الآثاري في مدرسته بحارة بهاء الدين بالقاهرة (١).

٣ ـ شيخ الإسلام عمر بن علي الأنصاري الشافعي ، سراج الدين ، أبو حفص ابن النحوي المعروف بابن الملقّن. ولد بالقاهرة سنة ٧٢٣ ه‍ ، أصله من الأندلس ، وهو من أكابر العلماء بالحديث والفقه وتاريخ الرجال ، توفي بالقاهرة سنة ٨٠٤ ه‍. وله نحو ثلاثمائة مصنف. وقد قرأ عليه الآثاري بالمدرسة السابقية بالقاهرة (٢).

٤ ـ الشيخ شمس الدين محمد بن علي بن محمد السمنودي بن القطان الشافعي المصري من فقهاء الشافعية له مصنفات كثيرة من بينها شرح ألفية ابن مالك يزيد على أربعة مجلدات توفي سنة ٨١٣ ه‍. وقد قرأ عليه الآثاري في الجامع العمروي وفي جامع القراء وفي المدرسة الخروتية بمصر (٣).

٥ ـ الشيخ سليمان بن عبد الناصر أبو إبراهيم صدر الدين الأبشيطي الشافعي كان ماهرا في العربية والأصول والفقه والآداب وأجاد الخط. ولد سنة بضع وثلاثين وسبعمائة ومات سنة ٨١١ ه‍. قرأ عليه الآثاري في المدرسة الشريفية بالقاهرة (٤).

٦ ـ الشيخ إبراهيم بن موسى بن أيوب البرهان الأبناسي ثم القاهري المقبسي الشافعي الفقيه. ولد في حدود سنة ٧٢٥ ه‍. وأبناس من قرى الوجه البحري بمصر وتصدى للافتاء والتدريس دهرا. واتخذ بظاهر القاهرة في المقبس زاوية فأقام بها يحسن إلى الطلبة ويجمعهم على التفقه ويرتب لهم ما يأكلون حتى كان أكثر فضلاء الطلبة بالقاهرة من تلامذته. ومنهم الآثاري الذي قرأ عليه في المدرسة المقبسية. ووقف الشيخ إبراهيم بها كتبا جليلة ، ورتب درسا وطلبة. قال عنه العثماني في

__________________

(١) الضوء اللامع ٦ / ٨٥ ـ ٩٠ وشذرات الذهب والأعلام ٥ / ٢٠٥.

(٢) الضوء اللامع ٦ / ١٠٠ وإنباء الغمر ٢ / ٢١٦ ـ ٢١٩ والأعلام ٥ / ٢١٨.

(٣) الضوء اللامع ٩ / ٩ والبدر الطالع ٢ / ٢٢٦ والأعلام ٧ / ١٧٩.

(٤) الضوء اللامع ٣ / ٢٦٥ ـ ٢٦٧ وبغية الوعاة ١ / ٦٠٠.

٦

الطبقات بأنه : الورع المحقق مفتي المسلمين شيخ الشيوخ بالديار المصرية له مصنفات يألفه الصالحون. وقال المقريزي : أنه صنّف في الفقه والحديث والنحو توفي سنة ٨٠٢ ه‍ (١).

٧ ـ الشيخ محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز الشهير بابن جماعة : استاذ الزمان وفخر الأوان الجامع لأشتات العلوم ، الحموي الأصل ، المولود بينبع سنة ٧٥٩ ه‍. كان المشار إليه في الديار المصرية في فنون المعقول وجاوزت مصنفاته الألف. مات بالطاعون سنة ٨١٩ ه‍. وقد قرأ عليه الآثاري بالجامع الأقمر بالقاهرة وبالجامع الجديد بمصر (٢).

٨ ـ الشيخ بدر الدين الطنبدي. قرأ عليه الآثاري في المدرسة الحسامية بالقاهرة وبالمدرسة المسلمية بمصر (٣).

٩ ـ الشيخ إبراهيم بن محمد بن عثمان ، برهان الدين الدجوي المصري النحوي برع في العربية وتصدى لإقرائها دهرا وانتفع به الناس دهرا. وهو ممن أخذ عنه التقي المقريزي. وقد قرأ عليه الآثاري في حانوت بسويقة الريش بالقاهرة تكسب بالشهادات وبالعقود. توفي سنة ٨٠٢ ه‍ (٤).

١٠ ـ إسماعيل بن إبراهيم بن محمد المجد أبو الفداء الكناني البلبيسي الأصل القاهري الحنفي القاضي ولد سنة ثمان أو تسع وعشرين وسبعمائة. واشتغل في الفقه والفرائض والحساب ، وبرع في الفرائض والأدب. صنّف تذكرة مشتملة على فنون وخمّس البردة وشرح التلقين في النحو لأبي البقاء وصنّف كتابا في الفرائض والحساب. ولي القضاء ، وله شعر كثير وأدب غزير. قرأ عليه الآثاري بالمدرسة السيوفية بالقاهرة. توفي سنة ٨٠٢ ه‍ (٥).

وذكر الآثاري في المخطوطة التي أشرنا إليها إلى وجود شيوخ آخرين له إذ

__________________

(١) الضوء اللامع ١ / ١٧٢ ـ ١٧٥.

(٢) الضوء اللامع ٧ / ١٧١ ـ ١٧٤ وبغية الوعاة ١ / ٦٣ ـ ٦٦.

(٣) نقلا عن مخطوطة شيوخ الآثاري.

(٤) الضوء اللامع ١ / ١٥٣ والانباه ٢ / ١١١.

(٥) الضوء اللامع ٢ / ٢٨٦ ـ ٢٨٨.

٧

قال : «وغيرهم ، لكن يطول ذكرهم على ما نحن بصدده ، وإنما ذكرت له أعيانهم ليعلم أن العلم بالتعلم ، ولو لا المربّي لما عرفت ربّي :

«ومن لا له شيخ وعاش بعقله

فذاك هباء عقله وجنون»

أطراف من حياته :

تبوّأ الآثاري مناصب عدة في مصر ، فمنها أنّه صار نقيبا للحكم بمصر ثم استقر في الحسبة بمال وعد به سنة ٧٩٩ ه‍ ، ثم عزل عنها ، ثم أعيد ، ثم عزل عنها ، بعد أن ركبه الدين بسبب ذلك ، ففرّ من مصر سنة إحدى وثمانمائة ، فدخل اليمن ومدح ملكها فأعجبه وأثابه. ثم تغيرت عليه الأيام ، فنفاه سلطانها الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل إلى الهند فأقام بها سنتين. وتحفظ لنا مخطوطة باريس من كتابه «القلادة الجوهرية في شرح الحلاوة السكرية» حقيقة مهمة هي أنه نظم مقدمته الصغرى في النحو وهو في الهند سنة ست وثمانمائة للسلطان رانا بن هميرانا صاحب تانا من بلاد الهند ، وأنّه مرّ في عودته من الهند باليمن السعيد والحجاز الشريف ، وأنه فرغ من شرحه هذا سنة إحدى وعشرين وثمانمائة بالصالحية من دمشق. وفي ختام مخطوطته «العقد البديع» ما يؤكد أنه كان بمكة المشرفة عام تسعة وثمانمائة. وتذكر مصادر ترجمة الآثاري أنه قدم القاهرة سنة عشرين وثمانمائة ، ثم توجه إلى دمشق فقطنها مدة ووقف كتبه وتصانيفه بالباسطية ، وهي خانقاه كانت بالجسر الأبيض بدمشق. ثم قدم القاهرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة ورجع إلى دمشق ثم عاد إلى القاهرة فمات فيها يوم وصوله في سابع عشر جمادى الآخرة سنة ٨٢٨ ه‍.

ولقد انطوت بموت الآثاري صحيفة وضيئة من صحائف الفكر العربي. لقد كان وراء تشرد الآثاري ونفيه عبر الأقطار سبب ذكره مؤرخوه هو هجوه لبعض الأعيان ، ونحسب أن جرأته في قول الحق وصراحته كانتا وراء ذلك وحين توفّي خلّف تركة جيدة قيل بلغت ما قيمته خمسة آلاف دينار ، فاستولى عليها شخص ادّعى أنه أخوه ، وأعانه على ذلك بعضهم فتقاسما المال. وهذا الخبر يكشف لنا حقيقة مهمة وهي أنه لم يعقب ، وقد حاول ابن حجر العسقلاني ـ وهو من معاصريه الغضّ من قدره ، فنسب إليه أمورا يستبعد صدورها عن مثله ، لا سيّما أنه ذكرها بدون إسناد ، وقديما قيل : المعاصرة حجاب ساتر.

٨

ومن المحزن أن المقريزي والسخاوي تابعا ابن حجر في ذلك غير أن القلقشندي ـ وهو من معاصريه ـ ذكره في صبح الأعشى وأشاد بعلمه ، كما أن مخطوطة الوجه الجميل قد ذيّلت بتقاريظ جلّة علماء عصره مما ندر مثيله وهم : شمس الدين الغماري وولي الدين بن خلدون المالكي وناصر الدين التنسي المالكي ، وبدر الدين الدماميني ومجد الدين إسماعيل الحنفي وصدر الدين الأبشيطي الشافعي وشهاب الدين القلقشندي وبدر الدين البشتكي وأحمد بن محمد الهائم ومحمد بن أحمد الغرّاقي الشافعي ونجم الدين المرجاني وأبو عبد الله الوانوغي المغربي وجلال الدين خطيب داريّا وبرهان الدين الباعوني وولي الدين بن الشحنة الحنفي وهي تقريظات تكشف عن المكانة الرفيعة التي تبوّأها الآثاري في العقد الأخير من القرن الثامن الهجري والربع الأول من القرن التاسع. وقد أثبتناها في نشرتنا لكتاب «الوجه الجميل» (١) دحضا لما نسبه ابن حجر والمقريزي والسخاوي من أمور باطلة لا صلة لها بالعلم ، وتأكيدا للمنزلة العالية التي استحقتها واحتلتها تصانيف الآثاري في زمنه ، ومنها هذه اللامية.

__________________

(١) ينظر كتاب «الوجه الجميل في علم الخليل» للآثاري ـ عالم الكتب ـ بيروت ١٩٩٨ ـ (ص ١٣ ـ ٢٩).

٩

مصنّفاته

كان الآثاري شخصية عراقية فذة ، كتب ونظم في شتى فنون المعرفة ، حتى جاوزت مصنفاته العشرين عدّا ، فقد كان نحويا ولغويا وعروضيا وشاعرا وبلاغيا وخطاطا.

وقد تفرد بلون خاص من التآليف هو كتابة الألفيّات : فقد نظم ألفية في الخط ، وألفية في النحو ، وألفية في العروض ، وهو أمر لا نجد له نظيرا عند كل المصنفين العرب والمسلمين. صحيح أن ابن مالك نظم ألفية في النحو شرحها شراح كثيرون وما زالت تدرس في الجامعات حتى اليوم إلّا أنه لم يحاول نظم ألفية أخرى في فن آخر.

وهكذا تأكد لنا تفرّد الآثاري بهذا اللون من التأليف.

وكان الآثاري شديد الحبّ لرسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم سيد الأنبياء والرسل وخاتمهم. وتعبيرا عن هذا الحب المتغلغل في أعماقه ، نظم بديعيات عديدة في مدح النبي الأعظم. كما أفرد لمدحه ديوانا سمّاه «المنهل العذب» ذكره السخاوي ولم نقف على خبره حتى اليوم.

فمن مصنفاته التي وصلتنا :

١ ـ وسيلة الملهوف عند أهل المعروف. وهي قصيدة دعا بها على ظالم ففلجه الله على المنبر. حققتها ونشرتها في مجلة المورد ببغداد سنة ١٩٧٤.

٢ ـ «بديعيات الآثاري» وتضم بديعياته الصغرى والوسطى والكبرى ، وقد حققتها ونشرتها في بغداد سنة ١٩٧٧ ضمن منشورات وزارة الأوقاف العراقية برقم ٣٠.

٣ ـ المنهج المشهور في تقلب الأيام والشهور : وقد نشرها بمجلة المورد ببغداد الأستاذ محمد علي العدواني.

٤ ـ العناية الربانية في الطريقة الشعبانية : وهي ألفية في الخط وقواعده ،

١٠

صنّفها سنة ٧٩٠ ه‍. وقد حققتها ونشرتها في مجلة المورد ببغداد سنة ١٩٧٩ ـ المجلد الثامن ـ العدد الثاني ـ ص ٢٢١ ـ ٢٨٤.

٥ ـ نيل المراد في تخميس بانت سعاد : وصلتنا منها مخطوطات.

٦ ـ كفاية الغلام في إعراب الكلام : ألفيّة في النحو ، وقد حققتها بمشاركة الدكتور زهير غازي زاهد ونشرناها في بيروت سنة ١٩٨٧.

٧ ـ الوجه الجميل في علم الخليل : ألفية في العروض والقوافي حققتها ونشرتها في بيروت سنة ١٩٩٨.

٨ ـ القلادة الجوهرية في شرح الحلاوة السكرية : كتاب في النحو.

٩ ـ منظومة في النحو لامية عدتها خمسمائة بيت وأولها :

باسم إله العرش أبدأ أوّلا

فقيرا على فتح الغنيّ معوّلا

وهي كتابنا هذا.

١٠ ـ مجمع الأرب في علوم الأدب : وهي منظومة من الرجز في علوم العربية وصلتنا منها نسخة فريدة سقطت بعض أبوابها ، ولعله كتاب «لسان العرب في علوم الأدب» الذي ذكره السخاوي في الضوء اللامع.

١١ ـ الفرج القريب في معجزات الحبيب : وهي قصيدة عارض بها قصيدة البردة تقع في مائة وعشرين بيتا على بحر البسيط على رويّ الميم المكسورة وأولها :

سل ما عراني عن سلمى بذي سلم

يوم الرحيل من الأحزان والألم

١٢ ـ نزهة الكرام في مدح طيبة والبيت الحرام : وهي تسعون بيتا وأولها :

أبدا محبّك في مديحك يشرع

يا من له الجاه العظيم الأرفع

١٣ ـ مسك الختام في أشعار الصلاة والسّلام. وهي أبيات على البحور الستة عشر ، تتضمن الصلاة والسّلام على خير البشر. وأولها :

إذا شئت أن تحيا حياة طويلة

وتغنم في الدنيا أمانا وفي الأخرى

فصلّ على خير الأنام محمّد

يصلّي عليك الله عن مرّة عشرا

١٤ ـ شفاء السقام في نوادر الصلاة والسّلام : وهي أربعون نادرة ، منها خمسة وثلاثون في الصلاة ، ومنها خمسة في الإسلام.

١١

١٥ ـ الخير الكثير في الصلاة والسّلام على البشير النذير :

وهي أربعون حديثا في الصلاة والتسليم على النبيّ الكريم ، لم تصلنا كاملة. ومصنفاته المرقمات ١١ ، ١٢ ، ١٣ ، ١٤ ، ١٥ نشرناها معا في كتاب واحد عنوانه «خمسة نصوص إسلامية نادرة» في بيروت عام ١٩٩٠ ـ بدار الغرب الإسلامي.

١٦ ـ تخميسات بانت سعاد ، وما زالت مخطوطة.

ولم تصلنا من آثاره التي ذكرها السخاوي في الضوء اللامع الكتب التالية :

١ ـ المنهل العذب : وهو ديوان في النبويات.

٢ ـ الرد على من تجاوز الحد.

٣ ـ عنان العربية : أرجوزة في علوم العربية.

٤ ـ شرح ألفية ابن مالك في ثلاث مجلدات ولم يتم.

١٢

النحو والمنظومات النحوية قبل الآثاري وبعده

ولد النحو العربي وهو يعتمد على أساسين هما : السماع والقياس. فالأصوات والألفاظ والأساليب المسموعة عن العرب مباشرة في بواديهم أو من الأعراب الوافدين إلى المدن والحواضر كانت موضع الثقة من النحويين واللغويين ثم هي موضع القياس لما لم يسمع من كلام العرب. فمنذ ابن أبي إسحاق وهو من أوائل النحويين ، وقد قيل فيه : إنه كان شديد التجريد للقياس (١) ، حتى تلامذة سيبويه كانت بوادي نجد والحجاز مفتوحة لعلماء العربية الذين كانوا يجمعونها ويروونها من أفواه ساكنيها ، ثم سوق المربد في البصرة الذي كان يرتاده الأعراب من مختلف المواطن للامتيار والبيع ، ثم الأعراب الذين كانوا يرتادون البصرة أو الكوفة للإقامة أو للتكسب باللغة ، كانوا مجالات سماع للنحويين واللغويين. فحين كان السماع للغة من العرب قائما ، كان القياس إلى جانبه لغويا أو هو غير بعيد عن اللغة في أساليبها المألوفة المستخدمة ، وكانت الأساليب المستخدمة المسموعة معيارا لدى النحويين في قبولهم وعدمه. أما غيرها من الأساليب غير الشائعة العامة فكانت تردّ إلى لهجات عربية أو هي تضعّف أو تخطّأ. وفي هذا للنحويين مواقف متفاوتة وخلافات كثيرة. والذي نريد أن نذكره هو أن النحويين منذ مرحلة النحو الأولى ـ بالرغم من الجهود المضنية التي بذلوها في جمع اللغة وتبويبها وتقعيدها ـ لم يضعوا حدودا واضحة تميز الفرق بين ما كان ضمن الفصيحة العامة وما كان من اللهجات مهما كانت قيمتها في الاستعمال والشيوع وإنما استخدموا اصطلاحات غير محدودة مثل المطرد والشائع والقليل والنادر والشاذ ..

وقد وضعوا قواعد العربية وفق مجال لغوي محدود من أساليب العربية هو الذي عدّ فصيحا قياسيا (٢) وحاولوا أن يفسروا ما استخدم من أساليب لهجية على

__________________

(١) نزهة الألباء ـ لأبي البركات بن الأنباري ٢٦. وابن أبي إسحاق توفي سنة ١١٧ ه‍.

(٢) انظر القبائل التي أخذت عنها اللغة في المزهر للسيوطي ١ / ٢١١.

١٣

قبول هذه القواعد ومن هنا حدث الخلط بين مستويات الأداء اللغوي ومن هنا أيضا كانت مقاييس النحويين وقواعدهم أحكاما صارمة على النصوص العربية ومن هنا أيضا كان الصراع بين التجديد والتقليد فالشعراء المبدعون يرتادون آفاق اللغة المجهولة أحيانا ويأتون بأساليب غير مألوفة أو استخدامات غير معروفة لدى معاصريهم ، وأحيانا يضطر هؤلاء الشعراء إلى بعض الاستخدامات اضطرارا بحكم صنعة الشعر فيهب في وجوههم المحافظون .. من أصحاب القواعد ويخطئونهم أو يجهلونهم ولربما اتهموهم بما لا يمت إلى العلم والأدب بشيء. هكذا خطّأ ابن أبي إسحاق الفرزدق (١) الشاعر العربي. ووقف الأصمعي وأبو عمرو بن العلاء وغيرهما من اللغويين من شعر عديّ بن زيد وذي الرمة مواقف حادة (٢) وكذا كان موقف النحويين واللغويين من أبي نواس وأبي تمام وغيرهما من المبدعين.

ومما زاد الأمر صعوبة أن اللغويين وضعوا حدّا لعصر الاستشهاد وهو أوائل العصر العباسي وقيل : إن ابن هرمة الذي عاصر المنصور هو آخر من يستشهد به من الشعراء في العربية. فحدد مجال السماع بل أغلق ثم ألغي. ففي القرن الثالث كان النحويون يعتمدون على القياس اعتمادا كبيرا فالمازني والمبرد والزجاج وغيرهم من البصريين بخاصة كانوا يتشددون بالقياس الذي هو أساس لمنهجهم إضافة إلى الرواية التي أخذت مكان السماع وأصبحت أساسا آخر يعتمد عليه بدلا من السماع المباشر. وإذ ندخل في القرن الرابع نجد التفنن في القياس يتسع ورواية المسموعات على محدوديتها وضيقها السابق كما أخذ المنطق والقياس المنطقي يتسرب إلى جدل النحويين ومناظراتهم حتى نجد بعضهم يعجب من الآخر في إغرابه وتعقيده للمقاييس بالرغم من أنه قياسيّ أيضا كما كان أبو علي الفارسي مع الرماني النحوي إذ قال فيه : «إن كان النحو ما يقوله أبو الحسن الرماني فليس معنا منه شيء وإن كان النحو ما نقوله فليس معه منه شيء» (٣) وكان الرماني يمزج المنطق بالنحو (٤) كما نجد التفنن بالتعليل فقد استخدم النحويون العلة المنطقية

__________________

(١) الموشح للمرزباني ١٥٦ ، نزهة الألباء ٢٧ ، ٢٨.

(٢) الموشح ١٠٢ .. ، ٣٧٠ ..

(٣) نزهة الألباء ٢٣٤.

(٤) السابق.

١٤

وأكثروا من العلل وفروعها مما جعل النحو ركاما هائلا من المقاييس والعلل وما ينتج عن ذلك من التقديرات والافتراضات.

لذا لم يظهر بعد هذا القرن نحوي أصيل كما كان نحاة القرون السابقة وإنما دأب النحويون بعد هذا القرن يرددون ما قيل قبلهم من آراء ويعتمدون على ما صنّفه سابقوهم فكثرت الشروح للمصنفات السابقة فكثر شراح سيبويه إذ هو المصدر الكبير الذي تفرعت عنه الفروع.

وبدأ عهد الجمع والشروح وأخذ الاتجاه التعليمي يقوى في وضع المقدمات فما أن يعرف كتاب أو مقدمة نحوية لعالم حتى يتناوله الباقون بالشرح والتعليقات والحواشي كما كان مع جمل الزجاجي ولمع ابن جني ثم المفصل للزمخشري والكافية لابن الحاجب (١).

تضخم النحو ومصنفاته وأصبح مصدر شكوى من الدارسين والمدرسين معا وصارت صورته مهولة مليئة بالألغاز والغوامض فبذل العلماء جهودا كبيرة ، إلا أنها محدودة الآفاق ، في تسهيله وتيسير تعلمه فصنفت فيه كتب الإيضاح والتسهيل وشروحها. كانت الشكوى من صعوبة هذا العلم كبيرة لم ينهها وضع المقدمات ولا شروحها والتعليق عليها فدفع الاتجاه التعليمي علماء العربية إلى أن يتصوروا أن من أسباب تيسير هذا العلم على المتعلمين نظم قواعده شعرا ظنا منهم أن ذلك يسهل على الدارسين حفظها فوضعت المنظومات والأراجيز في نحو العربية وصرفها وغير ذلك من العلوم. فابتعدوا بالنحو عن غايته وحقيقته التي هي تمرين اللسان على النطق بأساليب العرب وطرق أدائها لا حفظ القواعد المجردة.

من أوائل من وضع منظومة في هذا المجال القاسم بن علي الحريري (ت ٥١٦ ه‍) في القرن السادس سماها «ملحة الإعراب» ثم شرحها. ثم وضع ابن معط (ت ٦٢٨ ه‍) ألفيته في النحو وشرحها ابن الخباز ثم ابن الحاجب (ت

__________________

(١) انظر تفصيل شروح هذه المقدمات النحوية وتراجم أصحاب المنظومات والنحويين الذين سيأتي ذكرهم في (بغية الوعاة للسيوطي ، المدارس النحوية للدكتور شوقي ضيف ٢٩٤ وما بعدها ، ابن الحاجب النحوي ، الفصل الثاني ، شرح الوافية نظم الكافية ـ الفصل الأول ـ ، الجنى الداني ٢٠ ـ ٢٥).

١٥

٦٤٦ ه‍) نظم مقدمته «الكافية» شعرا وسماها «الوافية» وشرحها هو وآخرون حتى جاوزت شروحها المئة.

ثم وضع ابن مالك (ت ٦٧٢ ه‍) منظومة في ثلاثة آلاف بيت سماها «الكافية الشافية» ثم اختصرها في ألف بيت وسماها «الخلاصة» وهي ألفيته المعروفة التي شرحت شروحا كثيرة ووضعت عليها الحواشي والتعليقات. وكان من النحويين في القرن السابع من نظم كتاب غيره شعرا كما فعل فتح بن موسى الخضراوي (ت ٦٦٣ ه‍) بكتاب المفصل للزمخشري وكذا قام بذلك أيضا الشيخ عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة (ت ٦٦٠ ه‍) إذ نظم المفصل للزمخشري أيضا.

وفي القرن الثامن نجد حسن المرادي (ت ٧٤٩ ه‍) يضع أرجوزة في مخارج الحروف وصفاتها وأخرى في معاني الحروف بالإضافة إلى الشرح والتلخيصات لما صنّف قبل ذلك. وكان صاحبنا الآثاري (ت ٨٢٨ ه‍) في القرن التاسع قد وضع ألفيته التي سمّاها ب «كفاية الغلام في إعراب الكلام» وقد صرح أنه وضعها وكان في ذهنه ألفية ابن معط وألفية ابن مالك :

قايمة بأوضح المسالك

عن ابن معط وعن ابن مالك

فلمّا جاء العلامة السيوطي (ت ٩١١ ه‍) وضع ألفية في النحو والصرف وشرحها وسماها «المطالع السعيدة في شرح الفريدة» (١).

واستمر حال النحو والنحويين على ذلك من جمع للقواعد وشرح لمصنف أو منظومة لعالم سابق أو وضع شرح على شرح أو تعليق على شرح ووضع الحواشي حتى نجد كتابا عنوانه مثلا (حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك) لمحمد بن علي الصبان (ت ١٢٠٦ ه‍).

لم تفد هذه المنظومات وشروحها والحواشي عليها والتعليقات النحو إلّا صعوبة وتعقيدا ، بل زادت عليه العلل وتفريعها وأثقلته بالتقديرات وألوانها بل كان النحويون منذ القرن الرابع قد أولعوا باختراع العلل واعتقدوا أن في ذلك كمالا في

__________________

(١) طبعت بتحقيق الدكتور نبهان ياسين في بغداد سنة ١٩٧٧ في مجلدين. والمهم فيها أن السيوطي اختصر ألفية ابن مالك في نحو ستمائة بيت ، وأضاف إليها أربعمائة أخر فيها من دقائق النحو ومسائله ما فات غيره.

١٦

الصنعة وبصرا بها كما قال ابن مضاء في الأعلم الشنتمري (ت ٤٧٦ ه‍) والسهيلي (ت ٥٨١ ه‍) (١). وقد أكثروا أيضا من تقسيم الموضوعات إلى فروع وهذه إلى أنواع ومحاولة إيراد المعاني والإكثار من التعقيد ففي مجال الأدوات مثلا تستخدم كل أداة لمعان معروفة إلا أنها ألصقت فيها معان وتضمينات وتعليلات بحيث أصبح للحرف الواحد سبعة معان أو ثمانية أو أقل أو أكثر (٢).

يجدر بنا أن نذكر التفاتة أحد نحاة الأندلس في القرن السادس وهو ابن مضاء القرطبي (ت ٥٩٢ ه‍) في محاولته لإصلاح النحو إذ أحس بأن النحو والنحاة قد ضلوا السبيل القويم وابتعدوا عن الغاية من النحو فأطلق صرخته في كتيّبه «الرد على النحاة» إلا أنّ هذه الصرخة ضاعت في واد ، ولم تعط مفعولها في عصرها إذ كان العصر لا يحتمل غير ما كان فيه وقد عدّ هذا الصوت شاذا بعيدا عنه ولم يلتفت إليه إلّا في عصرنا الحاضر إذ نشر د. شوقي ضيف هذا الكتاب وكان له تأثيره في المحاولات الأولى لتيسير النحو.

مخطوطة الكتاب :

لهذه اللامية في النحو مخطوطة فريدة ضمن المجموع الرقم ٤ / ٢٠ من مخطوطات «المدرسة المحمدية» بجامع الزيواني في الموصل. وهي محفوظة في مكتبة الأوقاف العامة بالموصل. عدّة أوراق هذا المجموع مائة ورقة وورقة واحدة (٢٠٢) صحيفة. قياس الصحيفة ١٨* ١٤ سم (٣).

وتشغل اللامية منه الصحائف ١٥٩ ـ ٢٠٠ وعدّتها ٤٩٩ بيتا.

وهذا المجموع يحجّن أيضا مخطوطة «كفاية الغلام في إعراب الكلام».

وهي ألفية للآثاري في النحو ، حققتها وأخي الدكتور زهير زاهد وطبعت في بيروت سنة ١٤٠٧ ه‍ ـ ١٩٨٧ م.

__________________

(١) الرد على النحاة ١٦٠.

(٢) انظر موضوع (توجيه الحروف) من الفصل الثالث من هذه الألفية.

(٣) ينظر فهرس مخطوطات مكتبة الأوقاف العامة بالموصل ٧ / ٨٤ تأليف الاستاذ سالم عبد الرزاق أمين المكتبة. وقد نقلت مؤخرا كل مخطوطات أوقاف الموصل إلى دار صدام للمخطوطات في بغداد إثر تعرضها لسرقة.

١٧

وعلى الورقة الأولى من المجموع تحبيس هذا نصه : «قد وقف هذا الكتاب حضرة الوزير المكرم محمد باشا نجل الوزير المرحوم الغازي محمد أمين باشا عبد الجليل زادة ، ابتغاء لمرضاة الله تعالى ، تقبل الله تعالى منه آمين» وتحته ختم.

وفي أعلاه كتب ما نصه : «في هذا الكتاب ألفية في التصريف والخط والنحو والعروض والقوافي والمعاني والبيان والبديع وتسمّى الجمع (١) ، وكفاية الغلام في إعراب الكلام». وتحت عبارة التحبيس ما نصه : من كتب المرحوم السيد عبد الله الأمين. وإلى جانبها كتابة مطموس بعضها مؤرخة ١١٠١ ه‍. والمخطوطة مكتوبة بخط جميل مقروء واضح مشكول ، إلّا في بعض الألفاظ التي حاولنا تقويمها. وناسخ المخطوطة محمد بن محمد بن أحمد السخاوي مولدا وبلدا والمالكي مذهبا نزيل طيبة المشرفة (المدينة المنورة). فرغ من نسخها في شهر رمضان المعظم قدره وحرمه سنة ٨٦٥ هجرية. فهو عالم عاش في القرن الذي توفي فيه المؤلف. وبين تاريخ نسخها ووفاة المصنف سبع وثلاثون سنة.

وربّما نقلها عن نسخة مصححة بخط المصنف. فقد وجدت على الصحيفة ٦٦ منها وفي ختام «مجمع الإرب» ما نصه : «نقلت من نسخة مصلوحة بخط المصنف في غالب المواضع».

فأنا أرجح أن هذه العبارة تنسحب على المجموع كله ، بحيث يصح القول إن المجموع كلّه نقل عن نسخة مصلوحة بخط المصنف الآثاري ، وهذا يجعل له قيمة عالية في التحقيق لكونه نسخة موثقة.

يعزز هذا الرأي العبارة التالية الواردة بخط الناسخ على الصحيفة (٦٦). هذان البيتان لناظمها ـ عفا الله عنه ـ رأيتهما بخطّه في المنقول منها :

كانت كبكر قد تعذّر فتحها

فتنقّحت وأتتك في عقد نفيس

يا من توقّف عن جلاء جمالها

بادر لها فالآن قد حمي الوطيس

وقد أثبتنا أنموذجا من المخطوطة في نشرتنا هذه

لقد حاولت أن أخرج هذه اللامية في النحو كما وضعها مصنفها أو قريبا من

__________________

(١) الصواب : مجمع.

١٨

ذلك. آملا أن ينتفع بها طلاب النحو. وأن يكون في نشرها لأول مرة إضافة ذات قيمة لآثار «الآثاري» الدفينة.

وإني أهدي عملي هذا إلى النحوي القدير صديقي الدكتور نبهان ياسين محقق «المطالع السعيدة في شرح الفريدة» تحية أخوة راسخة بيننا والحمد لله أولا وآخرا ، وباطنا وظاهرا.

وكتبه في بغداد مدينة السّلام

في بواكير عام ١٤١٩ هجرية

طالب عفو ربّه ، الراجي

هلال بن ناجي

١٩

٢٠