تهذيب اللغة - ج ٩

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٩

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

أخَذْتَه أخذاً سريعاً.

ق ث ن

استعمل من وجوهه : نقث.

نقث : قال أبو عبيد في تفسير حديث أمِّ زرع ونَعتِها جاريةَ ابن زَرع : «لا تَنقُل مِيرتَنا تَنْقيثا».

قال : التنقيث : الإسراع في السيْر.

وقال الفراء : خرجَ فلان يَنقُثُ ويَنتَقِثُ : إذا أسرَعَ في سَيره.

وقال غيره : نَقَثَ فلانٌ عن الشيء ونَبث عنه : إذا حَفَر عنه.

وقال الأصمعيّ في رَجَزٍ له :

كأنّ آثارَ الظَّرابي تَنتَقِثْ

حَوْلكَ بُقَّيْرى الوليدِ المبتَحِث

وقال أبو زيد : نقَث الأرضَ بيَدِه يَنْقُثها نَقْثاً : إذا أثارَها بفأسٍ أو مِسْحاة.

وقال ابن دريد : نَقَثْتُ العَظْم : إذا استخرجتَ ما فيه مِن المُخّ. ويقال : انتقَثَه وانتقاه بمعنًى واحد.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : النَّقث : النميمة.

ق ث ف

استعمل مِن وجوهه : ثقف.

ثقف : قال ابن المظفّر : قال أعرابي : إنّي لَثَقْفٌ لَقْفٌ ، راوٍ رامٍ.

أبو عبيد عن الأحمر : إنه لثَقف لَقْفٌ.

وقال اللِّحياني : رجل ثَقف لَقْف وثِقف لَقِف ، وثَقيف لَقِيف ، بيِّن الثّقافة ، واللقافة وقد لقِفتُ الشيء والتقفْته.

وقال ابن السكيت : رجل ثَقف لَقف : إذا كان ضابطاً لما يحويه قائماً به.

وقال الليث : ثقِفنا فلاناً في موضع كذا ، أي : أخذناه ، ومصدرُه الثّقف.

قال : وثقيف : حَيٌّ مِن قيس. وخَلٌ ثقيف ، وقد ثَقف ثقافةً ، ومنهم من يقول : خَلٌ ثِقِّيف كما قالوا : خَرْدلٌ حِرِّيف ، وليس بحسَن.

قال : والثِّقاف : حديدةٌ تكون مع القَوَّاسِ والرّمَّاح يقوّم بها الشيء المعوج ، والعدَد أثقِفة ، والجميع ثُقف ، ويقال : ثَقِف الشيء وهو سُرعة التعلم.

وقال ابن شُمَيل : خَلٌ ثَقِيف شديد الحموضة ، وخَلٌّ حاذق ، أي : حامض ، ونبيذ حاذق : إذا أَدرَك ، وقد حَذَق النبيذُ والخَلُّ.

وقال ابن دريد : ثقِفتُ الشيء : حَذِقتُه وثَقِفْته : إذا ظَفرْتَ به.

قال الله تعالى : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ) [الأنفال : ٥٧].

ق ث ب

ثقب ، بثق : [مستعملة].

ثقب : قال الليث : الثَّقْب : مصدر ثقبْتُ

٨١

الشيء أثقبُه ثَقْباً.

قال : والثَّقْب : اسمٌ لما نفذ. والمِثقَب : أداةٌ يُثقَب بها. والثُّقوب : مصدر النار الثاقبة والكوكب الثاقب : المضيء.

قال الله جلّ وعزّ : (وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣)) [الطارق : ٢ ، ٣].

قال الفراء : الثاقب : المضيء. والعرب تقول : أَثقِبْ نارَك ، أي : أَضِئها للمُوقد.

ويقال : إن الثاقب النجمُ الذي يقال له زُحَل والثاقب أيضاً : الذي ارتفع على النجوم. والعَرَب تقول للطائر إذا لحِق ببطن السماءِ : قد ثَقب ، كلّ ذلك قد جاء في التفسير.

وقال الليث : حسبٌ ثاقب : إذا وُصف بشهرته وارتفاعه.

قال : والثَّقيب والثَّقيبة من الرجال والنساء : الشديد الحُمرة ، والمصدر الثقابة ، وقد ثَقُب يَثقَب ، ويَثقُب : موضع.

والثقوب : ما يُثقَب به النار.

الأصمعيّ : حَسَبٌ ثاقب : نيِّرٌ متوقِّد.

وعلم ثاقب منه.

ويقال : هَبْ لي ثَقُوباً ، أي : حُرّاقاً ، وهو ما أَثقَبْتُ به النارَ ، أي : أوقدتها به.

ويقال : ثقَبَ الزَّنْدُ يثقُب ثقوباً : إذا سَقَطت الشرارة. أو ثقبْتها أنا إِثقاباً ، وزندٌ ثاقب ، وهو الذي إِذا قُدح ظهرتْ نارُه. ولؤلؤاتٌ مثاقيب ، واحدها مثقوب ، وطريق العراق من الكوفة إِلى مكة ، يقال له مِثقب.

أبو عبيد عن أبي زيد : الثقيب من الإبل : الغزيرة اللبن : وقد ثقبَتْ تثقُب ثقوباً : إِذا غَزُرتْ.

وقال غيره : يقال : إنَّها لثقيبٌ من الإبل ، وهي التي تُحالِب غِزارَ الإبل فتغْزُرُهُن.

أبو عبيد عن أبي زيدٍ أيضاً : الثَّاقب : الغزيرة من الإبل على فاعل.

وقال أبو زيد : تثقّبْتُ النارَ فأنا أتثقّبها تثقُّباً ، وأَثْقبتها إثقاباً ، وثَقَّبْتُ بها تثقيباً ، ومَسَّكْتُ بها تَمْسِيكاً ، وذلك إذا فَحَصْتَ لها في الأرض ثم جعلتَ عليها بعراً وضِراماً ثم دَفَنْتَها في التُّراب. ويقال : تثَقَّبْتُها تثقُّباً حينَ تَقدَحُها.

بثق : قال الليث : البَثْق : كسْرُك شَطَّ النهر ليَنْبَثِقَ الماءُ ، وقد ثَبقْته ثبقاً. والبِثْق : اسم الموضع الذي حفَرَه الماء ، وجمعُه البُثوق.

ويقال : انبثَق عليهم الماء ، إذا أقبَل عليهم ولم يَظُنّوا به.

أبو عبيد : هو بَثْقُ السَّيْل بفتح الباء ، وكذلك قال ابن السكيت وغيره.

وقال أبو زيد : يقال للركيّة الممتلئة ماء باثقة ، وقد بثَقَتْ تَبثُق بُثوقاً ، وهي الطامية ، وفلانٌ باثِق الكَرَمِ ، أي : غزيرُه.

ق ث م

استعمل من وجوهه : قثم.

٨٢

قثم : قال الليث : القَثْم : لَطْخ الجَعْر ونحوه.

ويقال للضَّبع : قَثَارِم ، لتلطّخها بجَعْرها.

ويقال للذِّيخ قُثَم ، واسم فِعله القُثْمة ، وقد قَثِم يَقْثَم قَثَماً وقُثْمَةً. والقَثوم : الجموع للخير يقال : إنّه لَقَثُومٌ للطَّعام وغيره ، وأنشد :

وللكُبَراء أكلٌ كيف شاءوا

وللصُّغَراء أكلٌ واقتثامُ

وقال غيره : يقال : قَثَمَ له من المال فأكثر ، إذا أعطَى به ، وبه سُمِّي قُثَم. وقَثَمَ مالاً : إِذا كسَبه. وقَثام : اسمٌ للغنيمة إذا كانت كثيرة. وقد اقتثم مالاً كثيراً : إذا أخَذَه.

أبواب القاف والراء

ق ر ل

قرل ، رقل ، قرقل : [مستعملة].

قرل : قال : القِرِلّى : طائر.

ومن الأمثال : «أحزم من قِرِلِّي» و «أخطَفُ من قِرِلّى» ، و «أحذر من قِرِلّى».

يقال : إن قِرِلَّى طير من بنات الماء صغير الجِرم ، سَريع الغَوص ، حديد الاختطاف ، لا يُرَى إلّا مرفوفاً على وجه الماء على جانب فيه ، يهوي بإحدى عينيه إلى قعر الماء طمعاً ، ويرفع الأخرى في الهواء حذراً.

ورُوي في أسجاع ابنة الخُسّ : «كُن حذِراً كالقِرِلّى ، إن رأى خيراً تدلَّى ، وإن رأى شرّاً تولّى».

وقال الأزهري : ما أرى قِرِلَّى عربيّاً.

قرقل : أبو عبيدٍ عن الأمويّ : هو القَرْقَل باللام لِقَرقَل المرأة (١).

قلتُ : ونساء أهل العراق يقولون : قَرْقَر ، وهو خطأ ؛ وكلام العرب القَرْقَل باللام.

وكذلك قال الفراء والأصمعيّ.

رقل : قال أبو عبيد عن أصحابه : الإرقال ، والإجذام ، والإجمار : سُرْعة سَيْر الإبل.

ابن المظفر : أرقَلَت الناقة إرقالاً : إذا أَسرعتْ. وأَرقَلَ القومُ إلى الحَرْب إِرقالاً.

وقال النابغة :

إذا استُنْزِلوا للطَّعن عنهنّ أرقَلوا

إلى الموت إِرقالَ الجِمالِ المَصاعِبِ

قال : وأرقَلْنا المَغازَةَ إرقالاً : قطعناها.

وقال العجّاج :

لا همّ ربَّ البيت والمشرَّقِ

والمُرْقِلاتِ كلَّ سَهْبٍ سَمْلَقِ

قلت : إرقال المفازة : قطعُها خطأ وليس بشيءٍ. ومعنى قوله : «والمُرقِلات كلّ سَهْب ...» ، معناه : ورَبَ المرقِلات ، وهي الإبل المسرِعة. ونَصَب كلَّ لأنَّه جعَلَه

__________________

(١) هو قميص للمرأة ، أو ثوب لا كمّي له ، «القاموس» (قرقل).

٨٣

مَحَلًّا وظَرْفاً أراد : ورَبَ المرقِلات في كلِّ سَهْب. وهذا هو الصحيح.

أبو عبيد عن الأصمعي : إذا فاتت النخلة يدَ المتناولِ فهي جَبَّارة ، فإذا ارتفعَتْ عمن ذلك فهي الرَّقْلَة ، وجمعُها رَقْل ورِقال.

وقال كُثيِّرٌ :

حُزِيتْ لي بحَزْمِ فَيدَةَ تُحْدَى

كاليَهوديّ مِن نَطَاةَ الرِّقالِ

أراد كنخل اليهوديّ الرِّقال من نخيل نَطَاة ، وهيَ عينٌ بخَيْبر.

ق ر ن

قرن ، قنر ، رقن ، رنق ، نقر : مستعملة.

قرن : أبو داود عن ابن شُميل قال : أهل الحجاز يسمُّون القارورة القَرَّان ، الراء شديدة. وأهل اليمامة يسمُّونها الحُنْجورة.

الحَرّاني عن ابن السكّيت ، قال : القَرْن : الجُبيلِ الصغير. والقَرْن : قَرْن الشاة والبقر وغيرهما. والقَرْن من الناس.

قال الله جلّ وعزَّ : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) [الأنعام : ٦].

قال أبو إسحاق : قيل : القَرْن ثمانون سنة ، وقيل : سبعون. قال : والذي يقع عندي والله أعلم أنَ القَرْن أهلُ كلِّ مدّة كان فيها نَبِيٌّ أو كان فيها طبقةٌ مِن أهل العِلم قَلَّت السِّنُونَ أو كثرت. والدليل على هذا قولُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خيرُكم قَرْني ـ بمعنى أصحابي ـ ثم الذين يلونهم ـ يعني التابعين ـ ثم الذين يَلُونَهم» يعني الذين أخذوا عن التابعين. قال : وجائز أن يكون القَرْن لجملة الأمة ، وهؤلاء قُرونٌ فيها.

وإنما اشتقاق القَرْن مِن الاقتران ، فتأويله أنَ القَرْن : الذين كانوا مقتَرِنين في ذلك الوقت ، والذين يأتون مِن بَعدهم ذَوُو اقترانٍ آخر.

وقال ابن السكّيت : يقال هو على قَرْنه ، أي : على سِنِّه.

وقال الأصمعيّ : هو قَرْنُه في السِّنّ بالفتح ، وهو قِرْنه بكسرٍ ، إذا كان مثله في الشدّة والشجاعة.

وقال ابن السكيت : القَرْن كالعَفَلة.

وقال الأصمعي : هي في المرأة كالأدْرَة في الرجل. وقال : هي العَفَلة الصغيرة.

وقال ابن السكيت : القَرْنُ : الدُّفْعة مِن العَرَق ، يقال : عَصرْنا الفَرَسَ قَرْناً أو قرنين.

أبو عبيد عن ابن عمرٍو ، قال : القُرون : العَرَق. قلتُ : كأنه جمعُ قَرْن. قال : والقَرُون : الفَرس الذي يَعرَق سريعاً : إذا جَرَى.

وقال ابن السكيت : القَرْن : الخُصلة من الشعر ، وجمعه قُرون.

قال الأخطل يصف النساء :

٨٤

وإِذا نصَبنَ قُرونهنَ لغَدرةٍ

فكأنما حلّتْ لهن نُذورُ

وقال أبو الهيثم : القرون هاهنا : حبائل الصَّياد يجعل فيها قُرون يَصطاد بها ، وهي هذه الفخوخ التي يصطاد بها الصِّعاءُ والحمام. يقول : فهؤلاء النساء إذا صرنا في قرونهنَ فاصطدنَا فكأَنهنّ كانت عليهنّ نذور أن يقتلننا فحلّت.

وقال الأصمعيّ : القَرْن : جَمْعُك بين دابَّتين في حَبْل. والحَبْل الذي يُلَزّان به يُدعَى قَرَناً.

قال : وقَرْنا البئر ، هما ما بُنِي فعُرِّض ، فيُجعَل عليه خَشبٌ تُعَلَّق البكرة منه.

وقال الراجز :

تَبَيَّن القَرْنين فانظر ما هما

أمَدَراً أم حَجَراً تراهما

وقال أبو سفيان بن حرب للعباس بن عبد المطلب حين رأَى المسلمين وطاعتهم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واتِّباعَهم إيّاه حينَ صلَّى بهم : «ما رأيتُ كاليوم طاعةَ قَوْم ، ولا فارسَ الأكارِم ، ولا الرُّوم ذاتَ القُرون».

قيل في تفسيره : إنَّهم قيل لهم ذات القرون لتَوارثهم المُلْكَ قَرْناً بعد قَرْن ؛ وقيل : سُمُّوا بذلك لقُرون شعورهم وتوفيرِهم إيَّاها ، وأنَّهم لا يَجُزّونها.

وقال المرقَش :

لاتَ هَنَّا وليتَني طَرَفَ الزُّ

جِّ وأهلِي بالشامِ ذاتِ القُرون

أراد الرومَ ، وكانوا ينزلون الشام.

ومن أمثال العَرَب : «تَرَحك فلانٌ فلاناً على مثْل مَقَصِ قَرْن» ، و «مَقَطّ قَرْن».

قال الأصمعيّ : القَرْن : جبلٌ مُطِلّ على عَرفات. وأنشد :

وأصبَحَ عَهدُه كَمَقصِ قَرْنٍ

فلا عَيْنٌ تُحَسّ ولا أثَارُ

ويقال : القَرْن هاهنا الحَجَر الأملس النقيُّ الذي لا أثَرَ فيه. يُضرب هذا المَثل لمن يستأصل ويُصْطَلَم. والقَرْن : إذا قُصَّ أو قُطُّ بَقيَ ذلك الموضعُ أَملَسَ.

وفي الحديث : «الشمس تَطلُع بين قَرنَيْ شيطان ، فإذا طلَعَتْ قارنَها ، فإذا ارتفعَتْ فارقَها».

ونَهَى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الصلاة في هذا الوقت.

وقيل : قَرْنا الشيطان : ناحيتا رأسه ، وقيل : قَرْناه : جَمعاه اللذان يُغْريهما بالبَشَر ويفرِّقهما فيهم مُضِلِّين.

ويقال : إن الأشعّة التي تتقَضَّب عند طُلوع الشمس وتتراءى لمن استَقبَلها أنَّها تُشرق عليهما ، ومنه قوله :

فصبّحتْ والشمسُ لم تَقَضَّبِ

عَيْناً بَغَضْيانَ ثجوجِ العُنْبُبِ

ويقال : إنّ الشيطانَ وقرنيه مَدْحُورون ليلةَ القَدْر عن مَراتبهم ، مُزالون عَنْ مَقاماتهم ،

٨٥

مُراعِين طُلوعَ الشمس ، ولذلك تَطلعُ الشمسُ لا شُعاع لها مِن غَدِ تلك الليلة ، وهذا بيِّنٌ في حديث أُبيّ بن كعب وذكرِه الآية ليلة القدر.

وفي حديث آخر : أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعليّ : «إنَّ لك بيتاً في الجنة ، وإنَّك لذو قَرنَيها».

قال أبو عبيد : كان بعض أهل العِلم يتأوَّل هذا الحديث أنَّه ذو قَرْنَي الجنَّة ، أي : ذو طَرَفَيها.

قال أبو عبيد : ولا أحسِبه أراد هذا ، ولكنه أراد بقوله : ذو قَرنَيْها ، أي : ذو قَرْنَيْ هذه الأمّة ، فأَضمَرَ الأمّة ، وكنَى عن غيرِ مذكورٍ ، كما قال الله جلَّ وعزَّ : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) [ص : ٣٢] أراد الشمسَ ولا ذِكر لها.

وقال حاتم :

أماويَّ ما يُغْنِي الثَّراء عن الفتى

إذا حشرَجَتْ يوماً وضاقَ بها الصَّدْرُ

يعني : النفس ، ولم يذكرها.

قال : ومما يحقّق ما قلنا أنَّه عَنى الأُمّةَ حديثٌ

يُرْوَى عن علي رضي‌الله‌عنه ، أنَّه ذَكَر ذا القَرْنين ، فقال : «دعا قومَه إلى عبادة الله فضَرَبوه على قَرْنَيه ضربتين ، وفيكم مِثلُه» فنُرَى أنه إنَّما عَنى نفسه ، يعني أدعو إلى الحقِّ حتَّى أُضْرَب على رأسي ضربتين يكون فيهما قَتْلي.

وروَى أبو عُمَر عن أحمد بن يحيى أنه قال في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعليّ : «وإنَّك لَذو قَرْنَيْها» : يعني جَبَلَيها وهما الْحَسن والحسَين. وأنشد :

أثَوْرَ ما أَصِيدُكم أم ثوررَيْن

أم هذه الجَمّاءَ ذاتَ القرنينْ

قال : قَرناها هاهنا فزّاها ، وكانا قد شَدَنا فإِذا آذاها شيءٌ دَفَعا عنها.

قال : وقال المبرّد في قوله الجمّاء : ذات القرنين ؛ قال : كان قرناها صغيرين فشبَّهها بالجُمِّ.

ومعنى قوله : «إنك لذو قرنيها» ، أي : إنك ذو قرنَيْ أمّتي كما أنَّ ذا القرنين الذي ذكره الله تعالى في القرآن كانَ ذا قرنَيْ أمَّته التي كان فيهم.

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أدري ذو القرنين كان نبيّاً أم لا؟». وأمَّا القَرَن فإِنّ الحرانيّ رَوَى عن ابن السكيت أنه قال : القَرَن : السّيف والنَبْل ؛ يقال : رجل قارِنٌ : إذا كان معه سيف ونَبْل.

أبو عبيد عن الأصمعي قال : القَرَن : جعْبة من جلود تكون مشقوقةً ثم تُخرَزُ ، وإنما تُشَقّ كي تَصِل الرِيحُ إلى الريش فلا يَفْسُد.

وقال ابن شُميل : القَرَن من خَشَب وعليه أديمٌ قد غُرِّيَ به ، وفي أعلاه وعُرْض مقدَّمه فَرْجٌ فيه وشجٌ قد وُشِجَ بينه قِلاتٌ ،

٨٦

وهي خَشَبات معروضات على فَم الْجَفير جُعِلن قِواماً له أن يَرْتَطِم ، يُشرَج ويُفتَح.

وقال ابن السكيت : القَرَن : الجَعْبة ، وأنشد :

يا بنَ هِشامِ أهلَكَ الناسَ اللبَن

فكلّهم يَسعَى بقَوْسٍ وقَرَنْ

قال : والقَرَن : الحبْل يُقرَن فيه البعيران ؛ والأقران : الحبال. قال : والقَرَن أيضاً : الجَمَل المَقْرون بآخر.

وقال جريرُ بنُ الخَطَفَى :

ولو عندَ غَسّانَ السَّليطيّ عَرّسَتْ

رَغا قَرَنٌ منها وكاسَ عقيرُ

وقال أبو نصر : القَرْن : حَبْل يُفتل من لحاء الشَّجَر.

وقال ابن السكيت : القَرَن : مصدر كبشٍ أقرَن بيِّن القرَن. والقرَن : أن يلتقي طرفُ الحاجبين ، يقال : رجلٌ أقرنُ ومقرون الحاجبين.

الأصمعي : القَرون : الناقة التي تجمع بين مِحلبين. والقَرون : الناقة التي تُدانِي بين رُكْبتيها إذا بَرَكتْ. والقَرون : التي تضع خُفَّ رِجليها على خُفّ يَدِها.

أبو عبيد عن الأصمعي يقال : سامحَتْ قَرُونُه ، وهي النَّفس.

وقال غيره : سامحت قَرونُه وقَرونته وقَرينته ، كلُّه واحد ، وذلك إذا ذَلَّت نفسُه وتابَعْته ؛ وقال أوْس :

فلافَى امرأً مِنْ مَيْدعانَ وأسمحَتْ

قَرونَته باليأس منها فَعجَّلا

أي : طابت نفسُه بتركها.

ودُورٌ قَرائن : إذا كانت يَسْتقبِل بعضُها بعضاً.

والقَرون : الفَرَس الذي يَعْرق سريعاً.

أبو يزيد : أقرنَت السماءُ أياماً تُمطِر ولا تُقْلع ، وأغضَنَتْ وأَغينَتْ بمعنى واحد ، وكذلك بَجَّدَتْ ورَيَّمَتْ.

ثعلب عن ابن الأعرابي : أقرَنَ الرجل : إذا أطاقَ أمر ضَيْعَته ، وأقْرَن : إذا لم يُطِقْ أمرَ ضَيْعيه من الأضداد.

قال : وأَقْرَنَ : إذا ضَيَّقَ على غريمه.

وقال الله تعالى : (وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) [الزخرف : ١٣] ، أي : ما كنا له مُطيقين ، واشتقاقه من قولك : أنا لفلانٍ مُقْرِن ، أي : مُطيق ، أي : قد صِرْت له قِرْناً.

وقال ابن هانئ : المُقرِن : المطيق ، والمقرن : الضعيف ، وأنشد :

وداهيةٍ دَاهَى (١) بها القومَ مَفْلِقُ

بصيرٌ بعَوْرات الْخُصُوم لَزومُها

أَصَخْتُ لها حتّى إذا ما وَعيتُها

رُميتُ بأخرى يَستديمُ خَصِيمُها

__________________

(١) في المطبوع : «داهى» والمثبت من «اللسان» (قرن).

٨٧

تَرَى القَوم منها مُقرِنين كأنما

تَساقَوا عُقاراً لا يُبِلّ نَديمُها

فلم تلْغِني فَهًّا ولم تُلفِ حجتي (١)

ملجلَجةً أَبغِي لها مَنْ يُقيمها

وقال أبو الأحوص الرياحيّ :

ولو أدركته الخيلُ تدَّعى

بذي نَجَبٍ ما أقرنت وأجلّتِ

أي : ما ضَعفَتْ.

وقال الأصمعي : الإقران : رَفْع الرجُل رأس رُمْحِه يصيب مَن قُدَّامه ، يقال : أقرِن رُمْحَك. والإقران : قوة الرجل على الرجل ، يقال : أَقرَنَ له : إذا قَوِي عليه.

وقال غيره : المُقرِن : الذي قد غَلبتْه ضَيعتُه ، يكون له إبلٌ أو غَنَم ولا مُعينَ له عليها ولا مُذِيد لها يذودُها يومَ ورْدِها ، فهو رجل مُقْرِن.

الأصمعي : القران : النبل المستوية مِن عملِ رجلٍ واحد. ويقال للقوم : إذا تَناضَلُوا : اذكروا القِران ، أي : وَالُوا بِسَهْمين سهمين.

وقال ابن المظفّر : القِران : الحبْل الذي يُقرَن به البعيران ، وهو القَرَن أيضاً.

قلت : الحبل الذي يُقرَن به بعيران يقال له القَرَن ، وأما القِرن ، وأما القِران فهو حَبلٌ يُقلَّده البعيرُ ويقادُ به.

ورُوِي أن ابن قتادة صاحب الحمالة تحمّل بحمالة ، فطافَ في العرب يَسأل فيها ، فانتهى إلى أعرابي قد أورَدَ إبِله ، فسأله فيها ، فقال له : أمعَك قُرُنٌ. قال : نعم ، قال : ناولني قِراناً ، فقَرَن له بعيراً ، ثم قال له : ناولني قِراناً ؛ فقَرَن له بعيراً آخر ، حتّى قَرَن له سبعين بعيراً.

ثم قال : هات قِراناً ؛ قال : ليس معي ؛ قال : أولى لو كانت معك قُرُنٌ لقَرَنْتُ لك منها حتى لا يَبقَى منها بعير.

وهو إياس بن قتادة.

والقِران : أن يَجمَع الرجل بين الحجّ والعُمْرة. وجاء فلان قارِناً.

والقَرْناء من النساء : التي في فَرْجها مانع يمنع مِن سُلوك الذَكَر فيه ، إمّا غُدَّة غليظة ، أو لحمةٌ مُرْتَتِقة ، أو عَظْم ، يقال لذلك كله القرَن. وكان عمرُ يجعل للرجل إذا وجد امرأته قرناء ؛ الخيار في مفارقتها من غير أن يوجب عليه مهْراً.

وقال الأصمعي : القرنتان : شُعبتا الرَحِم كلُّ واحدة منها قَرْنة. والقرنة : حد السكين والرمح والسَّهم ؛ وجمعُ القرنة قُرَن.

وقال الليث : القَرْن : حدُّ رابيةٍ مشرفة على وهدة صغيرة. والقُرانى : تثنية فُرادى ، يقال : جاءوا قرانى وجاءوا فرادى.

__________________

(١) في المطبوع : «فلم يلغني منها ولم تلف حجر» والمثبت من المصدر السابق (قرن).

٨٨

وفي الحديث في أكل التمر : «لا قِرَانَ ولا تفتيش» ، أي : لا يقرن بين تمرتين بأكلهما معاً.

والقرون : الناقة التي إذا بَعَرتْ قارنَتْ بعرها. والقرين : صاحبك الذي يُقارنُك ، وقال ابن كلثوم :

مَتى نعقِد قَرينتنا بحبلٍ

نجذُّ الحبل أو نَقِصُ القرينا

قرنيته : نفسه هاهنا. يقول : إذا أقرَنَّا القِرن غلبناه.

وقال أبو عبيد وغيره : قرينة الرجل : امرأته.

وقال الليث : القرنانُ : نعتُ سَوءٍ في الرجل الذي لا غيرة له.

قلت : هذا من كلام حاضرة أهل العراق ولَم أَر البوادِيَ لفَظُوا به ولا عرفوه.

وقارون : كان رجلاً من قوم موسى فبغَى على قومه ، فخسف الله (بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ).

والقَيُّرَوان معرب ، وهو بالفارسية كاروان وقد تكلمت به العرب قديماً ، قال امرؤ القيس :

وغارةٍ ذاتِ قَيْرَوانٍ

كأنّ أسرابها الرعالُ

أبو عبيد عن الأصمعي : القَرنُوَة : نبت.

قلت : ورأيتُ العرب يدبغون بورقه الأُهُبَ ، يقال : إهابٌ مُقرنى بغير همز وقد هَمَزَه ابنُ الأعرابي.

وقال ابن السكيت : سقاء قرنَوِي : دبغ بالقَرْنُوَة.

ويقال : ما جعلتُ في عيني قَرْناً من كُحْل ، أي : ميلاً واحداً ، من قولهم : أتيتُه قَرناً أو قَرنين ، أي : مرةً أو مرّتين.

والمقَرَّنة : الجبال الصغار يَدْنو بعضُها من بعض ، سُمِّيَتْ بذلك لتَقارُنِها.

قال الهُذَلِيّ :

وَلَجِيءٍ إذا ما الليلُ جَنّ

على المقرَّنة الحَباحِبْ

وقال أبو سعيد : استَقرَن فلانٌ لفلانٍ : إذا عازَّه وصار عند نفسِه من أقرانه.

وقال أبو عبيد : أقرَنَ الدُّمَّل : إذا حانَ أن يتَفَقَّأ. وأَقرَنَ الدَّمُ واستقرَن ، أي : كثر.

وإِبلٌ قُرانَى ، أي : قَرائن.

وقال ذو الرمة :

وشِعْبٍ أبَى أن يَسلُكَ الغُفْرَ بينَه

سَلَكْتُ قَرانَى من قيَاسِرَةٍ سُمْرَا

قيل : أراد بالشِّعب شِعَب الجبَل.

وقيل : أراد بالشِّعب فُوقَ السَّهْم.

وبالقُرانَى وَتَراً فَتِل مِن جِلْد إبلٍ قَياسرة.

والقَرينة : اسم روضة بالصَّمّان.

ومنه قول الشاعر :

جَرَى الرِّمْثُ في ماءِ القَرينة والسّدْرُ

وقال أبو النجم يَذكر شَعْرَه حين صَلِع :

٨٩

أفناه قولُ الله للشمسِ اطلُعي

قرْناً أَشِيبيهِ وقرْناً فانزِعي

أي : أفنَى شَعرِي غروبُ الشمس وطلوعُها وهو مَرُّ الدهر.

قال : والقَرَن : تَباعُد ما بين رأسَيِ الثَّنِيَّتَيْنِ وإن تدانت أصولهما.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : القَرْن : الوقت من الزمان ، فقال قومٌ : هو أربعون سنة ، وقالوا : ثمانون سنة ، وقالوا : مائة سنة.

قال أبو العباس : وهو الاختيار ، لأنَّه جاء

في الخبر أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مَسَح رأْسَ غلام.

وقال : «عِشْ قَرْناً» فعاش مائة سنة.

عمرو عن أبيه : القَرين : الأسير.

والقَرين : العَيْن الكَحِيلُ.

شمر عن الأصمعي : القَرناء : الحيَّة ، لأنَّ لها قَرْناً.

وقال ذو الرمّة يصف الصائد وقُتْرَتَه :

يُبايتُه فيها أحَمُّ كأنه

إباضُ قَلوصٍ أسلمتْها حِبالُها

وقرْناءُ يدعو باسمها وهو مُظْلمٌ

له صوتُها إرْنانُها وزَمالُها

يقول : يُبيِّن لهذا الصائد صوتُها أنَّها أفْعَى ، ويُبيّن لها مَشْيُها ـ وهو زَمالُها ـ أنها أفْعَى ، وهو مُظلم ، يعني الصائد أنّه في ظُلمة القُتْرَة.

ابن شميل : قرَنْتُ بين البعيرين وقَرَنتهما : إذا جمعتَ بينهما في حَبْل قَرْناً. والحَبْل الذي يُقْرَن به بينهما قَرَن.

رقن : قال الليث : الترْقِين : ترقين الكتابة وهو تزيينها ، وكذلك تزيين الثوب بالزَّعفران أو الوَرْس.

وقال رؤبة :

دارٌ كرَقْم الكاتب الْمُرَقِّنِ

قال : والراقنة : الحَسنة اللون.

وأنشد :

صفراءُ راقنةٌ كأنَّ سَمُوطَها

يَجرِي بهنّ إذا سَلِسْن جَديلُ

أبو عبيدٍ عن الفراء قال : الرَّقُون والرِّقان كلُّه اسمٌ للحِنّاء. وقد رَقَّنَ رأسه وأَرْقَنَه : إذا خَضَبه بالحنّاء.

وأنشد ابن الأعرابيّ :

غِياثُ إن مُتُّ وعِشتَ بعدِي

وأشرفتْ أمُّك للتصدِّي

وارتقنتْ بالزَّعفران الوَرْدِ

فاضرب ، فِداكَ والِدي وجَدّي

بين الرِّعاثِ وقناطِ العِقْدِ

ضَرْبة لا وانٍ ولا ابنِ عبدِ

رنق : قال الليث : الرَّنَق : تراب في الماء مِن القَذَى ونحوِه ، ماءٌ رَنْق ورَنَق ، وقد أرنَقْتُه ورنَّقتُه إرْناقاً وترنيقاً.

وسئل الحَسَن : أينفُخ الإنسان في الماء؟

٩٠

فقال : إن كان مِن رَنَق فلا بأس.

ويقال : ما في عيشِه رَنق ، أي : كدَر.

قال زهير :

مِن ماءٍ لينةَ لا طَرْقاً ولا رَنَقاً

قال : والترنيق : كسْر جَناح الطائر برَميةٍ أو داءٍ يصيبه حتى يسقط وهو ميِّت مُرَنَّق الجناح.

وأنشد :

فيَهوِي صحيحاً أو يرنَّقُ طائرُه

قلت : ترنيق الطائر على وجهينِ : أحدهما : صَفُّ جناحيه في الهواء لا يحرِّكهما ، والآخر خَفْقُه بجناحيه.

ومنه قول ذي الرّمة :

إذا ضرَبتْنا الريحَ رَنَّقَ فَوْقنا

على حَدِّ قَوْسَيْنا كما خَفَقَ النَّسرُ

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : أَرْنَق الرجل : إذا حَرَّك لواءَه للحمْلَة.

قال : وأرنَقَ اللواءُ نفْسُه ورنَّق في الوجهين مِثله.

وأنشد :

نَضْربهمْ إذا اللِّواءُ رَنَّقَا

والترنيق : الانتظار للشيء. والعرب تقول :

رمّدت المِعْزَى فرَنِّق رَنِّق

رَمَّدَت الضَّانُ فربّق ربّق

وترميدُها : أن تَرِم ضُروعُها ويَظهر حَمْلُها.

والمِعْزَى إذا رمَّدَت تأَخَّرَ وِلادُها. والضَّأْنُ إذا رَمَّدَتْ أَسرَع وِلادُها على أثر ترميدِها.

والتربيق : إعداد الأرباق للسِّخال.

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : الترنيق يكون تكديراً ، ويكون تصفية. قال : وهو من الأضداد ، يقال : رَنق اللهُ قَذَاتَك ، أي : صَفَّاها.

وتَرنوق المسيل والنَّهر : ما يرسُب فيه من طينٍ وغيره. يقال : تَرنوقٌ وتُرنوق.

نقر : قال الليث : النَقْر : صَوتٌ للسان ، وهو إلْزَاق طرَفه بمَخرج النون ، ثم يصوِّت به فيَنْقُر بالدابةِ ليسيره.

وأنشد :

وخانِق ذي غُصّة جِرياضِ

راخَيْتُ يومَ النّقْرِ والإنقاضِ

وأنشده ابن الأعرابي :

وخانِقَيْ ذي غُصّة جَرَّاض

وقال : أراد بقوله : خانِقَيْ : هَمَّيْن خَنَقَا هذا الرجل : راخيت ، أي : فرّجْتُ.

والنَقْر : أن يَضع لسانَه فوقَ ثناياه مما يلي الحَنَك ثم يَنقُر.

وقال أبو إسحاق في قول الله جلَّ وعزّ : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨)) [المدثر : ٨].

قال أهل التفسير : الناقور : الصُّورُ الذي يُنفَخ فيه للحَشر.

ورَوَى أبو العباس عن ابن الأعرابي في قوله : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨)) قال : الناقُور : القَلْب.

٩١

وقال الفرّاء : يقال : إنَّها أول النَّفْختين.

وقال مجاهد وقَتادة : الناقور : الصُّور.

وأخبرني المنذريُّ عن الحرّاني عن ابن السكّيت في قول الله : (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) [النساء : ١٢٤] ، قال : النَقِير النُّكتَة التي في ظَهر النَّواة.

قال : وسمعتُ أبا الهيثم يقول : النَقير : نُقْرة في ظهر النَّواة منها تنبتُ النخلة ، قال : والنَّقير : الصوت. والنّقير : الأصل ، ويقال : أنْقَر الرجل بالدابة يُنقِر بها إنقاراً ونقراً.

وأنشد :

طِلْحٌ كأنَّ بطنَه جشيرُ

إذا مَشَى لكَعْبه نَقِيرُ

أي : صَوْت ، قال : والنَّقير : أصل النخلة يُنقَر فيُنبذ فيه.

ونهَى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الدُّبّاء والحَنْتَم والنَّقير.

قال أبو عبيد : أمَّا النَقير فإنّ أهل اليمامة كانوا يَنقُرون أصل النخلة ثم يَشْدَخون فيها الرُّطب والبُسْر ثم يَدَعُونه حتَّى يَهْدِر ، ثم يَمُوت.

وقال الليث : النّقْر : ضربُ الرحَى والحَجر وغيره بالمِنقار. والمِنقار : حديدةٌ كالفأس مسلَّكة مستديرة لها خلْفٌ واحد يُقطع به الحجارة والأرضُ الصُّلبَة.

والنَّقّار : الذي يَنقُر الرّكُب واللُّجُم ونحوها ، وكذلك الذي ينقر الرحى ، ورجُل نَقّار : منقِّر عن الأمور والأخبار.

وجاء في الحديث : «مَتَى ما يَكثر حَمَلة القرآن يُنقِّروا ومَتَى ما يُنَقَّروا يختلفوا».

والمُناقَرة : مُراجعة الكلام بين اثنين وبثُّهما أحاديثَهما وأمورهما.

والنُّقْرة : قطعةُ فضّة مُذابة. والنُقْرة : حُفْرة من الأرض ليست بكبيرة. ونُقْرة القفا معروفة.

والنُّقرة : ضَمُّك الإبهامَ إلى طَرف الوسْطَى ، ثم تَنقُر فيَسمع صاحبُك صوتَ ذلك وكذلك باللسان. والرجل يَنْقُر باسمِ رجلٍ من جماعةٍ ، يخصُّه ليدعوه ، يقال : نَقَر باسمِه : إذا سمَّاه من بينهم. وإذا ضَرَبَ الرجلُ رأسَ رجل قلت : نَقَر رأسه.

أبو عبيد : يقال : دعوتُهم النّقَرَى ، وهو أن يدعوَ بعضاً دون بعض ، يَنْقُر باسم الواحد بعد الواحد.

قال : وقال الأصمعيّ : فإذا دعا جماعتَهم ، قال : دعوتُهم الجَفَلى.

وقال طرَفَة :

نحنُ في المشْتاة ندعُو الجَفَلى

لا ترى الآدِب فينا يَنتَقِرْ

قال شمِر : المناقرة : المنازعة ، وقد ناقره ،

٩٢

أي : نازعَه.

وقال أبو عمرو : النواقر : المقرطِسَات.

وقال الشماخ يصف صائداً وسَيره :

يشفى نفسَه بالنواقرِ

والنواقر : الحُجج المصيباتُ كالنَّبل المصيبة.

وقال ابن شميل : إنه لَمُنقَّر العين ، أي : غائر العين.

وقال أبو سعيد : التنقُر : الدُّعاء على الأهل والمال : أراحَنِي الله منكم. ذهب الله بماله.

وقال ساعدة :

وفي قوائمه نَقْر من القسَم

كأنه الضَّرَبان.

وقال ابن بزرج : قالت أعرابيّةٌ لصاحبةٍ لها : مُرِّي على النّظَري ، ولا تَمُرّي بي على النَقَرَي ، أي : مُرِّي بي على من يَنظر إليّ ولا ينقِّر. ويقال : إنَّ الرجال بنو النَّظري ، وإنّ النساء بنو النَّقَرَي.

وقال ابن السكيت نحواً من ذلك ، قال : ويقال : مَقَره يَنْقُره : إذا عابه ووَقَع فيه ، ويقال : ما أَنقَرَ عنه حتّى قَتَله ، أي : ما أَقْلع عنه.

ورُوِي عن ابن عباس أنّه قال : ما كان الله ليُنقِرَ عن قاتل المؤمن ، أي : ما كان ليُقلع.

وأنشد أبو عبيد :

وما أنا عن أعداءِ قَومِي بمُنْقِرِ

وقال الليث : المِنْقَر : بئر كثيرة الماءِ بعيدةُ القَعْر. وأنشد :

أصدَرَها عن مِنْقَر السَّنابِرِ

نَقْدُ الدنانير وشرب الحازِرِ

واللَّقْمُ في الفاثُور بالظَّهائر

أبو عبيد عن الأصمعيّ : المُنْقُر وجمعُها مَناقِر ، وهي آبارٌ صغارٌ ضيَّقة الرؤوس تكون في نَجَفة صُلْبة لئلا تَهشَّم.

قلت : والقياس مِنْقَر كما قال الليث ، والأصمعي لا يَروِي عن العرب إلّا ما سمِعَه وأَتقنَه.

وبنو مِنْقَر : حَيٌّ مِن بني سعد بن زيد مَناة.

وقال الليث : انتقرتِ الخيلُ بحوافرها نقراً ، أي : احتَفَرتْ بها ، وإذا جَرَت السُيُول على الأرض انتَقَرَتْ نُقَراً يَحْتبِس فيها شيء من الماء.

وقال ابن السكّيت : النُّقْرةُ : داء يأخذ المِعْزَى في خَواصرها وفي أفخاذها فيُلتَمسُ في موضعه فيُرَى كأنَّه وَرَم فيُكوى ، يقال بها : نُقرة وعَنْز نَقرة.

وقال المرّار :

وحَشوتُ الغَيظَ في أضلاعِه

فهو يَمشِي حَظَلاناً كالنَّقِرْ

أبو عبيد عن الأمويّ : هو نَقِر عليك ،

٩٣

أي : غضبان.

المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : ما لفلانٍ بموضع كذا وكذا نَقِرٌ بالراء غير معجمة ولا مَلْك ولا مُلْك ومِلْك ومَلَك يريد بئراً أو ماء.

قال : وما أغْنى عَنّي زَبَلة ولا نَقْرة ولا فَتْلةً ولا زِبالاً.

أبو عبيد عن الأمويّ : هو نقِر عليك ، أي : غضبان.

وقال غيره : رَمَى الرامي الغَرَضَ فنَقَرهُ ، أي : أصابه ولم يُنْفِذْه ، وهي سِهامٌ نواقر.

ويقال لرجل إذا لم يستقرّ على الصواب : أَخطأَتْ نواقِرُه.

وقال ابن مقبل :

وأَهتَضَم (١) الخالَ العزيزَ وأَنتَحِي

عليه إذا ضَلَّ الطّريق نَواقره

وتقول : نعوذ بالله من العَقَر والنّقر.

فالعَقَر : الزَّمانة في الجسَد. والنَّقَر : ذَهاب المال.

والنّقيرة : رَكِية معروفة ماؤها رَوَاءٌ بين ثاج وكاظمة.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : كلُّ أرض مُتَصوِّبة في هَبْطة فهي النّقرة وبها سمِّيت نَقِرةُ طريقِ مكة التي يقال لها : مَعدِن النّقرة.

قنر : أبو عبيد : رجل قَنَوَّر ، شديد. قال : وكلُّ فظٍّ غليظٍ قَنَوّر ، وأنشد :

حَمّال أثقال بها قَنَوَّرُ

وأنشد ابن الأعرابي :

أرسلَ فيها سيطاً لم يقفرِ

قَنَورّاً زادَ على القَنَوّرِ

وقال أبو عمرو : قال أحمد بن يحيى في باب فعوّل : القِنَّوْر : الطويل. والقِنَّوْر : العبد. قاله ابن الأعرابيّ.

قال : وأنشدنا أبو المكارم :

أضحتْ حلائلُ قِنَّورٍ مجدّعةً

بمَصرَع العبد قِنّور بن (٢) قِنَّوْرِ

قلت : ورأيت في البادية ملاحةً تُدْعى قَنُّور بوزن سَفُّود ، وملحها من أجود الملح.

وفي «نوادر الأعراب» : رجل مُقَّنْوِر ومُقَنِّر ، ورجلٌ مُكَنْوِرٍ ومُكنِّر : إذا كان ضخماً سمِجاً ، أو مُعْتمّاً عِمةً جافية.

وقال الليث : القَنَوَّر : الشديد الرأس الضَّخْمُ من كل شيء.

ق ر ف

قرف ، قفر ، رقف ، رفق ، فرق ، فقر : مستعملات.

__________________

(١) كذا في ة «اللسان» والتاج» (نقر) ، وفي المطبوع «وأهقضم» تصحيف.

(٢) في المطبوع : «بني».

٩٤

قرف : الحرانيّ عن ابن السكيت قال : القَرْف : مصدَرُ قَرَفْت القَرْحة أقرِفها قَرْفاً ، إذا نَكَأْتَها.

أبو عبيد يقال للجُرح إذا تقشَّر قد تَقرَّف واسم الجلدة القِرْفة ، وأنشد :

عُلالَتُنا في كلِّ يومِ كريهةٍ

بأَسيافنا والقَرْحُ لم يتقرّفِ

وقال ابن السكيت : قَرَفتُ الرجلَ بالذنب قَرْفاً : إذا رميتَه به.

وقال الأصمعيّ : يقال : قَرَف عليه يَقْرف قَرْفاً : إذا بَغى عليه. وقَرَفَ فلانٌ فلاناً : إذا وقع فيه. وأصل القرف : القَشْر.

والقِرْف : القِشْر.

يقال : صَبَغَ ثوبه بقِرْف السِّدْر ، أي : بقِشره.

ابن السكيت : القَرْفُ : شيءٌ من جُلود يُعمَل فيه الخَلْع. والخَلْع : أن يؤخذ لحمُ جَزورٍ وَيُطبخ بشحمه ويُجعل فيه توابل ، ثم يفرَّغ في هذا الْجِلد.

قال معقِّر البارقيّ :

وذُبانِيَّةٍ وَصَّتْ بنيها

بأنْ كذَبَ القَراطِفُ وَالقُرُوف

قال : وَقِرْف كل شجرة قِشرها.

وقال أبو سعيدٍ في قوله :

بأنْ كَذبَ القراطف وَالقُرُوفُ

قال : القَرْف : الأديم الأحمر.

وَروى أبو ترابٍ عن أبي عمرو : القُرُوف : الأُدْم الحُمْر الواحد قَرْف.

قال : والقُرُوف والظروف بمعنى واحد.

وَقال اللِّحيانيّ : يقال : أحمرُ قَرف ، وَبعضهم يقول : أحمرُ كالقَرف. والقَرْف : الأديم الأحمر ، وأنشد :

أَحمرُ كالقَرْف وَأَحْوَى أَدعَجُ

الأصمعي يقال : تركتُهم على مِثل مَقْرِف الصَّمْغَة ، أي : مَقْشِر الصَّمغة. ويقال : اقتَرَف ، أي : اكتسَبَ ، وبعيرٌ مُقتَرفٌ ، وهو الذي اشتُرِيَ حديثاً.

ويقال : ما أَقْرَفَتْ يدي شيئاً مما تكره ، أي : ما دانت وما قارَبتْ. وَالمُقْرِف من الخيل الذي دانَى الهُجْنة من قِبَل أبيه.

ويقال : إنِّي لأخشَى عَلَى فلانٍ القَرَف ، أي : مداناة المَرَض.

ابن السكيت : يقال : قَرَفَ فلانٌ فلاناً ، إذا اتهمهُ بسرقة أو غيرها.

ويقال : هو قَرَفٌ من ثوبي أو بعيري ، وهو قِرْفتي : إذا اتهمَه.

الليث : القِرْفة دواء معروف. وفلان يُقْرَف بسوء ، أي : يُرقى به ، واقتَرَف ذَنْباً ، أي : أتاه وفَعَله.

وقالت عائشة : «كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يُصبح جُنباً مِن قرافٍ غير احتلام» ، أي : مِن جماع وخِلاط.

وقال أبو عمرو : القَرَف : الوباء ، يقال : احذَر القَرَفَ في غَنَمكَ ، وقد اقتَرَف فلانٌ

٩٥

من مَرَضَى آل فلان ، وقد أقرفوه إقرافاً ، وهو أن يأتيهم وهمْ مَرْضى فيصيبه ذلك.

أبو سعيد : إنَّه لقَرَفٌ أن يَفعل ذاك ، مِثل قَمَن وخَليق.

وقال ابن الزُّبير : «ما على أحدِكم إِذا أتى المسجدَ أن يُخرج قِرْفةَ أنفِه» ، أي : ينقي أنفه مما يَبِس فيه من المُخاط ولَزِق بداخله.

ويقال : معنى قولهم : إنّه لأحمرُ قَرْف : إذا كان شديد الحمرة ، كأنه قُرِف ، أي : قُشِر من شدة حُمرته.

فرق : قال الليث : الفَرْق : موضع المفْرِق من الرأس. والفَرْق : تفريق بين الشيئين حتَّى ينفرق.

الحراني عن ابن السكّيت قال : الفَرْق مصدر فَرَقتُ الشعر. والفِرْق : القَطيع مِن الغَنَم العظيم.

قال الراعي :

ولكنّما أَجْدَى وأَمْتَعَ جَدُّه

بِفِرْق يُخَشِّيهِ بِهَجْهَجَ ناعِقُهْ

وفي حديث ابن أبي هالة في صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن انفَرَقتْ عَقيصتُه فَرَقَ ، وإلَّا فلا يبلغُ شَعْرُه شحمة أذنه إذا هو وفَّره» ، ويُروَى : «عَقِيقته»

أراد أنَّه كان لا يَفرِقُ شعرَه إلَّا أن ينْفرِق هو ، وكان هذا في أوّل الإسلام ثم فرق بعدُ.

والفَريقة : القطعة من الغنم ، ويقال : هي الغَنَم الضَّالة. وأفرَقَ فلانٌ غَنَمه : إذا أضلَّها وأضاعها.

وقال كثير :

وذِفْرَى ككاهلِ ذِيخِ الخَلِيفِ

أصابَ فَريقةَ لَيْلٍ فعاثا

وقال ابن السكّيت : الفَريقة : التَّمْر والحُلْبَة تُجعَل للنُفَساء.

وقال أبو كبير :

ولقد وردتُ الماءَ لَونُ جِمامِه

لون الفريقة صُفِّيتْ للمدنَفِ

قال : والفَريقة : فريقة الغَنَم ، أن تَنْفرِق منها قِطعةٌ أو شاةٌ أو شاتان أو ثلاث شياه فتذهَب عن جماعة الغنم تحت الليل.

وقال الله جلّ وعزّ : (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) [البقرة : ٥٠] ، معنى (فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) جاء تفسيره في آية أخرى وهو قوله : (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣)) [الشعراء : ٦٣] ، أراد فانفَرَق البحر فصار كالجبال العظام وصاروا في قَراره.

وقوله : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ) [الإسراء : ١٠٦] ، وقرئ : (فَرَّقْناه) : أنزَل الله جلّ وعزّ القرآن جملةً إلى سَماء الدُّنيا ، ثم نَزَل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عشرين سنة. فرَّقه الله في التنزيل ليَفهمَه الناس.

وقال الليث في قوله : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) معناه

٩٦

أحكمناه ، كقوله : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤)) [الدخان : ٤].

وقال الفرّاء في قوله : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) قرأه أصحاب عبد الله مخفّفة ، والمعنى : أحكمناه وفصَّلناه ، كما قال الله فيها : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤)) ، أي : يفصَّل.

قال : وروي عن ابن عبّاس : (فَرّقناه) بالتثقيل ، يقول : لم ينزل في يوم ولا يومين ، نزل متفرّقاً.

قال : وحدّثنيه الحكم بن ظهير عن السّدّيّ عن أبي مالك عن ابن عباس : (فَرَقْناهُ) مخففة.

وقوله جلّ وعزّ : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣)) [البقرة : ٥٣] ، يجوز أن يكون الفرقان الكتابَ بعينه ، وهما معاً التوراة ، إلّا أنّه أعيد ذِكره باسمٍ غير الأوّل. وعنى به أنّه يفرّق بين الحقّ والباطل. وقد ذكر الله الفرقانَ لموسى في غير هذا الموضع فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً) [الأنبياء : ٤٨] ، أراد التوراة ، فسمَّى الله جلّ وعزّ الكتابَ المنزَل على محمدٍ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فُرقاناً ، وسَمَّى الكتابَ المنزَل على موسى فُرقاناً.

والمعنى : أنه جلّ وعزّ فَرّق بكلِّ واحدٍ منهما بين الحقّ والباطل.

وقال الفرّاء : المعنى : (آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ) أتينا محمداً الْفُرْقانَ ، والقول الذي ذكرناه قبله واحتججنا له من الكتاب بما احتججنا ، هو القول ، والله أعلم.

ثعلب عن ابن الأعرابي : الفِرق : الجَبَل.

والفِرق : الهضبة. رواه أبو عمرو.

والفِرْق : المَوْجَة. والفِرْق : الجَبل.

والفِرْق : الهَضْبة. قال ذلك ابن الأعرابي.

قال : ويقال : فرقتُ أفرُقُ بين الكلام.

وفرَّقتُ بين الأجسام.

قال : وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «البَيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا» ، بالأبدان لأنه يقال : فرّقتُ بينهما فتَفرَّقا.

أبو عبيدٍ عن الكسائيّ : الأفرق من الرجال : الذي ناصيتُه كأنَّها مفروقة.

ومنه قيل : دِيك أفرَق ، وهو الذي له عُرْفانِ. والأفرق من الخيل : الناقص إحدى الوَرِكَين.

ثعلب عن ابن الأعرابي : الأفرق من الخيل : الذي نَقَصَتْ إحدى فخذيه عن الأخرى.

وقال الليث : الأفرق شِبه الأفلج ، إلَّا أن الأفلج زعموا ما يُفلَّج. والأفرق : خِلْقة.

قال : والفَرْقاء من الشاء : البعيد ما بين الخُصْيَتَين.

قال : والأفرق مِن الدوابّ : الذي إحدى حَرْقَفَتيْه شاخصةٌ ، والأخرى مطمئنّة.

قال : ويقال للماشطة : تمشِّط كذا وكذا فَرْقاً ، أي : كذا وكذا ضَرْباً.

والفِرْق : طائفةٌ من الناس.

٩٧

قال : وقال أَعرابيٌّ لصبيان رآهم هؤلاءِ فِرْقُ سوء.

قال : والفَريق : الطائفة من الناس ، وَهم أَكثر من الفِرْق. وَالفُرقة : مصدر الافتراق.

قلت : الفُرْقة : اسم يوضع موضع المصدر الحقيقي من الافتراق.

وقال الله جلّ وعزّ : (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) [الأنفال : ٤١].

قال أَبو إسحاق : يوم الفُرقان هو يومُ بَدْر ، لأنَّ الله جلَّ وعَزّ أَظهرَ فيه مِن نَصْره ما كان فيه فُرقانٌ بين الحق وَالباطل.

وَنحو ذلك قاله الليث.

قال : وَسمَّى الله عُمر الفاروقَ لأنه ضرب بالحق على لسانه في حديث ذكره.

حدّثنا عثمان عن جرير عن منصور عن مجاهد في قوله : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) [الأنفال : ٢٩].

قال عثمان : وَحدثنا يحيى بن يمان عن سفيان عن أبيه عن منذر الثوري عن الربيع بن خيثم : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) ، قال : من كل أَمرٍ ضاقَ على الناس.

وَحدثنا الحسن عن عثمان عن ابن نمير عن وَرقاء عن ابن أَبي نجيح عن مجاهد : (يَوْمَ الْفُرْقانِ) ، قال : يوم بدر ، فرق فيه بين الحق وَالباطل.

أبو عبيد عن الأصمعي والكسائي قال : إذا أخذ الناقةَ المخاضُ فندَّت في الأرض فهي فارق ، وَجمعها فُرق ، وَقد فرقت تفرق فروقاً وَنحو ذلك قال الليث.

قال : وَكذلك السحابة المنفردة لا تخلِف ، وَربما كان قبلَها رَعْدٌ وَبَرَق.

وَقال ذو الرّمة :

أو مُزنةٌ فارقٌ يجلو غواربَها

تَبَوُّجُ البرق والظّلماءُ علجومُ

ثعلب عن ابن الأعرابي : أَفْرقْنا إبلَنا العامَ ، إذا حَلَّوها في المَرعَى والكَلأ لم ينتجوها ولم يُلقِحوها.

وقال الليث : والمطعون إذا برأ قيل : أفرَقَ يُفْرِق إفراقاً.

قلت : وكذلك كلُّ عليل أفاق من علّته فقد أفرَقَ.

وانفَرَقَ البحر وانفَلق واحدٌ.

قال : وهو الغَرَقَ والفَلَق للفجر.

وأَنشد :

حتَّى إذا انشقَّ عن إنسانه فَرَقٌ

هادِيه في أخريات الليل منتصبُ

وفي الحديث : أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتوضأ بالمُدّ ويَغْتسل بالصَّاع.

وقالت عائشة : «كنت أغتسل معه عليه‌السلام من إناءٍ يقال له : الفَرَق».

٩٨

قالت : والمحدِّثون يقولون الفَرْق. وكلام العرب الفَرَق. قال ذلك أحمد بن يحيى وخالد بن يزيد ، وهو إناءٌ يأخذ ستّةَ عشر مُدّاً ، وذلك ثلاثة آصُع.

والفَرَق أيضاً : الخَوف ؛ وقد فَرِق يَفرَق فَرَقاً.

وأخبرني الإياديُّ عن شمِر أنه قال : رجلٌ فَروقة وفَرُّوقة وفاروقة. وهو الفَزع الشديد الفَرَق.

قال : وبلَغني أن الفَرُوقة : الحرمة.

وأنشد :

ما زال عنه حُمقُه ومُوقُهُ

واللّؤم حتى انتُهِكتْ فَرُوقُه

أبو عبيد عن الأموي : الفَروقة : شَحْم الكليتين.

وأنشدنا :

فبِتْنا وباتت قِدْرُهم ذات هِزَّةٍ

تضيء لنا شَحْم الفروقة والكُلَى

وقال غيره : أرض فَرِقة : في نبتها فَرَق : إذا لم تكن واصيةً متّصلة النبات.

وأنكر شمر الفَروقة بمعنى شَحم الكليتين فيما أخبرني الإياديّ عنه.

ويقال : وقفتُ فلاناً على مَفارق الحديث ، أي : على وجوهه. وقد فارقْتُ فلاناً مِنْ حسابي على كذا وكذا : إذا قطعتَ الأمر بينك وبينَه على أمرٍ وَقَع عليه اتّفاقُكما.

وكذلك صادَرْتُه على كذا وكذا.

ويقال : فَرَق لي هذا الأمرُ يَفرُق فُروقاً : إذا تبيَّنَ ووضَح.

وفُرُوق : موضعٌ أو ماءٌ في ديار بني سعد.

وأنشدني رجلٌ منهم :

لا باركَ اللهُ على الفُروقِ

ولا سَقاها صائبُ البُروق

وقال أبو زيد : الفُرْقانُ والفرْق : إناء ، وأنشد :

وهيَ إذا أَدَرَّها العَبْدان

وسطَعتْ بمشرفٍ شَيْحانِ

ترفِد بعد الصَّفِّ في الفُرْقانِ

أراد بالصفّ قِدحين قد صُفَا.

وقال أبو مالك : الصفّ : أن تصفّ بين القدحين فتملأهما.

والفَرقانِ : قدحان مفترقان.

وقوله : «بمشرِف شيحان» ، أي : بعُنُق طويل.

قال أبو حاتم : قال الراجز :

يرفد بعد الصَّفّ في فُرقانِ

قال : الفُرْقان : جمع الفرْق ، والفرْق : أربعة أرباع. والصف : أن يصفّ بين مِحلبين أو ثلاثة من اللبن.

رفق : أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال : الرَّفاقة والرُّفْقة واحد.

وقال الليث : الرُّفْقة يسمَّون رُفْقة ما داموا منضمِّين في مجلس واحد ومسيرٍ واحد ،

٩٩

فإذا تفرَّقوا ذهبت عنهم اسمُ الرُّفْقة.

قلت : وجمعُ الرفْقة رُفَق ورِفَاق.

والرُّفقة : القوم ينهضون في سَفَرٍ يسيرون معاً ، وينزلون معاً ولا يفترقون ، وأكثر ما يسمَّون رُفقةً : إذا نهضوا مُيَّاراً.

وقال الليث : الرِّفق : لين الجانب ولَطافة الفِعل ، وصاحبُه رفيق ، وقد رفَقَ يَرْفُق.

وإذا أمرتَ قلتَ : رفقاً ، ومعناه : رُفق رِفقاً. ويقال : رَفُقَ يرفُق أيضاً.

أبو عبيد عن أبي زيد والأصمعي : رفقتُ به وأرفقْتُه.

شمِر عن ابن الأعرابي : رفَقَ : انتظَر ، ورَفُق : إذا كان رقيقاً بالعمل.

قال شمر : ويقال : رَفَق به ورَفُقَ به ، ورَفِيق به ، وهما رفيقانِ وهم رُفقاء.

وقال أبو زيد : رفَق الله بك ورَفَق عليك رِفقاً ومَرْفِقاً ، وأَرْفَقك الله إرفاقاً.

وقال الله جل وعز : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) [النساء : ٦٩].

قال أبو إسحاق : يعني النبيَّين عليهم‌السلام ، لأنه قال : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ) ـ يعني المطيعين ـ ، (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) يعني الأنبياء ومن معهم.

قال : ورَفِيقاً منصوب على التمييز ينوب عن رُفقاء.

وقال الفراء : لا يجوز أن ينوب الواحد عن الجميع إلا أن يكون من أسماء الفاعلين ، لا يجوز حسن أولئك رجلاً.

وأجازه الزجاج. وقال : وهو مذهب سيبويه.

ورُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه خُيِّر عند موته بين البقاء في الدنيا ونعيمها وبين ما عند الله مقبوضاً إليه ، فاختار ما عندَ الله.

وقال : «بل أختارُ أن أكون مع الرفيق الأعلى» أراد بالرفيق الأعْلى جمع النبيِّين ، وهو قوله عزوجل : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً). ولما كان الرفيق مشتقاً مِن فِعلٍ جاز أن ينوب عن الرفَقاء.

وقال الليث : يُجمع الرفيق : رُفقاء.

قال : ورفيقك : الذي يرافِقك في السفر ، يجمعُك وإياه رُفقةٌ واحدة ، وقد ترافَقوا وارتفَقوا ، والواحد منهم رَفيق ، والجميع أيضاً رفيق.

قال : ويقال : هذا الأمر بك رَفيق ورافق عليك.

وقال شمر في حديث عائشة : «فوجدتُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يَثقُل في حِجري».

قالت : «فذهبتُ أنظرُ في وجهه فإذا بَصَرُه قد شَخص وهو يقول : بل الرفيق الأعلى من الجَنَّة. وقُبض».

حدَّثنا السعدي قال : حدثنا ابن عفان عن ابن نمير عن الأعمش عن مسلم بن صُبيح

١٠٠