همع الهوامع - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥

٢٢ ـ تبيت بليل أم أرمد اعتاد أو لقا

 ...

أي : بليل الأرمد ، وهل هو باق حينئذ على منع صرفه ، وإنما جر لأمن دخول التنوين فيه أو مصروف ؛ لأنه دخله خاصة من خواص الاسم؟ خلاف ، بناه بعضهم على الخلاف السابق في تعريف الصرف ، والثاني هو المختار وعليه السيرافي والزجاج والزجاجي ، وفي رأي ثالث اختاره كثير من المتأخرين يفصل بين ما زالت منه إحدى العلتين كالعلم فإنه تزول منه العلمية بالإضافة ودخول اللام فيصرف ، وما لا كالوصف ونحوه فلا.

(ص) ويمنع صرف الاسم ألف التأنيث مطلقا.

(ش) الأصل في الاسم الصرف ، وإنما يمنع منه لشبهه بالفعل بكونه فرعا من جهتين من الجهات الآتية كما أن الفعل فرع عن الاسم من جهتين : إحداهما : أنه مشتق ، والأخرى : أنه يفتقر إليه.

قال أبو حيان : والجهة الأولى لا تتأتى على رأي الكوفيين المانعين اشتقاق الفعل من المصدر ، وعلل منع الصرف عدها الجمهور تسعا ، وبعضهم عشرا ، أحدها ألف التأنيث وهي مستقلة بمنع الصرف ؛ لأن مدخولها فرع من جهتين التأنيث ولزومه ، وقولي : «مطلقا» أي : سواء كانت مقصورة نحو : حبلى ، أو ممدودة نحو : حمراء ، وسواء كان ما هي فيه مفردا كما مثل ، أو جمعا كسكارى وأولياء ، صفة كما ذكر ، أم اسما كذكرى ودعوى ، نكرة كما مضى ، أم معرفة كسلمى وكلتا علما.

(ص) وزنة مفاعل أو مفاعيل هيئة ، ولو سمي به ، وشرط الجمهور حركة تلو الألف ولو تقديرا ، إلا إن عرضت كسرتها ، أو ياء نسب ، أو ألف عوض منها ، أو دخله التاء ، ولو حذفت مما هي فيه فبقي بوزنه منع ، والأصح منع سراويل نكرة ومعرفة ، وقيل : هو جمع سروالة.

(ش) الثانية : موازنة هذين الجمعين وكلاهما لا نظير له في الآحاد ، وهي مستقلة أيضا بمنع الصرف ؛ إذ الاسم بها فرع من جهة الجمعية وجهة عدم النظير ، بخلاف سائر الجموع فإنها قد يوجد لها نظير في الآحاد ، وقولنا : هيئة ؛ لأنه لا يشترط أن يكون في أوله ميم مزيدة ، بل أن يكون أوله حرفا مفتوحا ، أيّ حرف كان ، وأن يكون بعد ألف الجمع

__________________

٢٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لبعض الطائيين في المقاصد النحوية ١ / ٢٢٢ ، وشرح الأشموني ١ / ٤٢ ، وانظر المعجم المفصل ٢ / ٥٦٨.

٦١

حرف مكسور مطلقا لفظا أو تقديرا كدواب ، فإن أصله دوابب ، فإن كان الساكن بعد الألف لا حظ له في الحركة نحو : عبال جمع عبالة وحمار جمع حمارة فمصروف ، هذا مذهب سيبويه والجمهور.

وذهب الزجاج إلى أنه لا يشترط ذلك ولا يعتد في هذا الوزن بكسرة عارضة ك : توان وتغاز فإن الكسرة فيهما محولة عن ضمة ؛ لاعتلال الآخر ؛ إذ أصله تفاعل بضم العين مصدر تفاعل ، ولا ياء النسب ك : مدائني وحواري فإنهما مصروفان ، بخلاف نحو : كراسي وبخاتي فإنهما ممنوعان ؛ لوجود ياء النسب فيهما قبل الجمع ، ولا بألف معوضة من ياء النسب نحو : يمان وشآم فإنهما مصروفان ؛ لأن الألف عوض من ياء النسب ، والأصل يمني وشامي.

ولو دخلت التاء هذا الجمع صرف نحو : صياقلة وموازجة ؛ لأنه بدخولها أشبه المفردات ك : كراهية ، ولو حذفت التاء من كلمة فبقيت بوزن هذا الجمع منعت الصرف كأن يسمى رجل علاني من علانية ، ولو سميت بهذا الجمع كمساجد فلا خلاف في منع صرفه ، وقد منعت العرب شراحيل من الصرف وهو جمع سمي به الرجل ، أما سراويل فمذهب سيبويه أنه مفرد أعجمي لا يصرف معرفة ولا نكرة لمشاهدة هذا الجمع في الوزن ، وقال غيره : هو مفرد يصرف نكرة ، ويمنع معرفة ، وقال آخرون بالمنع في الحالتين وأنه جمع سروالة ، قال :

٢٣ ـ عليه من اللّؤم سروالة

فليس يرقّ لمستعطف

 (ص) وعدله صفة في أخر مقابل آخرين ، وعدله قال الجمهور : عن الأخر ، وابن مالك وأبو حيان : أخر ، وابن جني : آخر من ، وقوم : أخريات.

ووزن فعال ومفعل من عشرة وخمسة فما دونها سماعا ، وما بينهما قياسا عند الزجاج والكوفية ، وثالثها يقاس فعال فقط ، وقال أبو حيان : سمع الجميع ، وقيل : لا وصف فيها ، ومنعها للعدل لفظا ومعنى ، وقيل : له وللتعريف بنية أل ، وقيل : لشبه أحمر في منع التاء ، ولا تدخلها أل وتضاف بقلة ، والأصح منعها مذهوبا بها مذهب الأسماء.

__________________

٢٣ ـ البيت من المتقارب ، وهو بلا نسبة في الخزانة ١ / ٢٣٣ ، وشرح الأشموني ٢ / ٥٢٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٢١٢ ، وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ٢٧٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٨٠.

٦٢

(ش) الثالثة العدل وهو صرفك لفظا أولى بالمسمى إلى آخر ، وهو فرع عن غيره ؛ لأن أصل الاسم أن لا يكون مخرجا عما يستحقه بالوضع لفظا أو تقديرا ، ويمنع مع الوصفية والعلمية ، فالأول مقصور على شيئين : أحدهما : أخر جمع أخرى تأنيث آخر بالفتح المجموع على آخرين ، أما كونه صفة فلكونه من باب أفعل التفضيل تقول : مررت بزيد ورجل آخر ، أي : إنه أحق بالتأخير من زيد في الذكر ؛ لأن الأول قد اعتني به في التقدم في الذكر ، وأما عدله فقال أكثر النحويين : إنه معدول عن الألف واللام ؛ لأن الأصل في أفعل التفضيل أن لا يجمع إلا مقرونا بهما كالكبر والصغر فعدل عن أصله وأعطي من الجمعية مجردا ما لا يعطى غيره إلا مقرونا ، فهذا عدل عن الألف واللام لفظا ، ثم عدل عن معناهما ؛ لأن الموصوف به لا يكون إلا نكرة ، وكان حقه إذا عدل عن لفظهما أن ينوى معناهما مع زيادة كما نوي معنى اثنين في مثنى مع زيادة التضعيف ، فلما عدل أخر ولم يكن في عدله زيادة كغيره من المعدولات كان بذلك معدولا عدلا ثانيا.

وقال ابن مالك : التحقيق أنه معدول عن أخر مرادا به جمع المؤنث ؛ لأن الأصل في أفعل التفضيل أن يستغني فيه بأفعل عن فعل ؛ لتجرده عن الألف واللام والإضافة ، كما يستغنى بأكبر عن كبر في نحو : رأيتها مع نسوة أكبر منها ، فلا يثنى ولا يجمع ؛ لكونهم أوقعوا أفعل موقع فعل ، فكان ذلك عدلا من مثال إلى مثال ، وتابعه أبو حيان ، وقال : فأخر على هذا معدول عن اللفظ الذي كان المسمى به أحق به ، وهو آخر ؛ لاطراد الإفراد في كل أفعل يراد به المفاضلة في حال التنكير ، قال : وهذا العدل بهذا الاعتبار صحيح ؛ لأنه عدل عن نكرة إلى نكرة ، وقال ابن جني : هو معدول عن أفعل مع مصاحبة من ؛ لأنه إذا صحبته صلح لفظه للمذكر والمؤنث والتثنية والجمع ، كقولك : مررت بنسوة أخر من غيرهن ، فعدل عن هذا اللفظ إلى لفظ أخر ، وجرى وصفا بالنكرة ؛ لأن المعدول عنه نكرة ، وقال قوم : هو معدول عن أخريات نكرة ؛ ليصح وصف النكرة به ، قال في «البسيط» : وهذا ضعيف ؛ لأن أخريات مما يلزم استعماله إما بالألف واللام أو الإضافة.

واحترزت بقولي ك «التسهيل» : «مقابل آخرين» عن أخر جمع أخرى بمعنى آخرة تأنيث آخر بالكسر ، فإنه مصروف.

الثاني : ألفاظ العدد المعدولة عن وزن فعال ومفعل ، والمسموع من ذلك أحاد وموحد وثناء ومثنى وثلاث ومثلث ورباع ومربع وخماس ومخمس وعشار ومعشر ، قال تعالى : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [فاطر : ١] ، قال الشاعر :

٦٣

٢٤ ـ ولقد قتلتهم ثناء وموحدا

 ...

وقال :

٢٥ ـ منت لك أن تلاقيني المنايا

أحاد أحاد في الشّهر الحرام

وقال :

٢٦ ـ ترى النّعرات الزّرق تحت لبانه

أحاد ومثنى أضعفتها صواهله

وقال :

٢٧ ـ هنيئا لأرباب البيوت بيوتهم

وللآكلين التّمر مخمس مخمسا

وقال :

٢٨ ـ فلم يستريثوك حتى رمي

ت فوق الرجال خصالا عشارا

واختلف : هل يقاس عليها سداس ومسدس وسباع ومسبع وثمان ومثمن وتساع ومتسع؟ على ثلاثة مذاهب :

أحدها : لا ، وعليه البصريون ؛ لأن فيه إحداث لفظ لم تتكلم به العرب.

والثاني : نعم ، وعليه الكوفيون والزجاج لوضوح طريق القياس فيه.

والثالث : يقاس على ما سمع من فعال لكثرته ، دون مفعل لقلته.

وما ذكرته من أن المسموع اثنا عشر بناء هو المذكور في «التسهيل» ، وذكر في شرح «الكافية» أن خماس لم يسمع ، وذكر أبو حيان أن سداس وما بعده مسموع أيضا ، فقال في

__________________

٢٤ ـ البيت من الكامل ، وهو لصخر بن عمرو بن الشريد السلمي في الخزانة ٥ / ٤٤٨ ، ولسان العرب ٤ / ٢٧٠ ، مادة (دبر) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤١٧.

٢٥ ـ البيت من الوافر ، وهو لعمرو ذي الكلب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ٢ / ٥٧٠ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٢ ، ولسان العرب ١٢ / ١٥١ ، مادة (جمم) ، والمعاني الكبير ص ٨٤٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٥٢.

٢٦ ـ البيت لابن مقبل في ديوانه ص ٢٥٢ ، وإصلاح المنطق ص ٢٠٥ ، وتذكرة النحاة ١ / ٩٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٥٢٩ ، ولسان العرب ٥ / ٢٢١ ، مادة (نعر) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧١١.

٢٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي الغطريف الهدادي في شرح أبيات سيبويه ١ / ١٩٢ ، والكتاب ١ / ٣١٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٦٠.

٢٨ ـ البيت من المتقارب ، وهو للكميت في ديوانه ١ / ١٩١ ، وأدب الكاتب ص ٥٦٧ ، والخزانة ١ / ١٧٠ ، ولسان العرب ٤ / ٥٧٢ ، مادة (عشر) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٠٥.

٦٤

شرح «التسهيل» : الصحيح أن البناءين مسموعان من واحد إلى عشرة ، حكى أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني موحد إلى معشر ، وحكى أبو حاتم في كتاب «الإبل» ويعقوب بن السكيت أحاد إلى عشار ، قال : ولا التفات إلى قول أبي عبيدة في «المجاز» : لا نعلمهم قالوا فوق رباع ، فمن علم حجة عليه ، ومما ورد في سداس قول الشاعر :

٢٩ ـ ضربت خماس ضربة عبشميّ

أدار سداس أن لا يستقيما

قال : وأنشد خلف الأحمر أبياتا بنى فيها قائلها فعالا من أحاد إلى عشار ، وهي :

٣٠ ـ قل لعمرو : يا ابن هند

لو رأيت القوم شنّا

لرأت عيناك منهم

كلّ ما كنت تمنّى

إذ أتتنا فيلق شه

باء من هنّا وهنّا

وأتت دوسر والمل

حاء سيرا مطمئنا

ومضى القوم إلى القو

م أحادا وأثنّا

وثلاثا ورباعا

وخماسا فاطّعنّا

وسداسا وسباعا

وثمانا فاجتلدنا

وتساعا وعشارا

فأصبنا وأصبنا

لا ترى إلّا كميّا

قاتلا منهم ومنّا

وقال : وصرفه فعال في جميع ذلك ضرورة ، وكذا تحريفه ثناء إلى أثنا ، وقال غيره : هذه الأبيات مصنوعة ، والحجة في نقل من تقدم.

وما ذكر من أن منعها للعدل مع الوصفية هو مذهب سيبويه والجمهور ، وذهب الزجاج إلى أنه لا وصف فيها ، وأن منعها للعدل في اللفظ وفي المعنى ، أما في اللفظ فظاهر وأما في المعنى فلأن مفهوماتها تضعيف أصولها ، فأدنى المفهوم من أحاد اثنان ومن ثناء أربعة ، وكذا البواقي.

وذهب الفراء إلى أن منعها للعدل والتعريف بنية الألف واللام ، قال : لأن ثلاث

__________________

٢٩ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٦٨٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٤١.

٣٠ ـ الأبيات من مجزوء الرمل ، وهو بلا نسبة في الخزانة ١ / ١٧٠ ، ودرة الغواص ص ٢٠١ ، والمزهر ١ / ١٧٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٧٣.

٦٥

يكون للثالث والثلاثة ، ولا يضاف إلى ما يضافان إليه فلامتناعه من الإضافة كان فيه أل ، وامتنع من أل ؛ لأن فيه تأويل الإضافة وإن لم يضف ، ورد بجريانها صفة على النكرات ، وذهب الأعلم إلى أنها لم تنصرف للعدل ، ولأنها لا تدخلها التاء ، لا يقال ثلاثة ولا مثلثة فضارعت أحمر ولم تستعمل العرب هذه الألفاظ إلا نكرات خبرا نحو : «صلاة الليل مثنى مثنى» (١) ، أو صفة نحو : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى) [فاطر : ١] ، أو حالا نحو : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى) [النساء : ٣] ، وقد جاءت فاعلة ومجرورة وذلك قليل ، ولم يسمع تعريفها بأل ، وقل إضافتها في قوله :

٣١ ـ ثناء الرّجال ووحدانها

وقوله :

٣٢ ـ بمثنى الزّقاق المترعات وبالجزر

وأجاز الفراء صرفها مذهوبا بها مذهب الأسماء ، أي : منكرة بناء على رأيه أنها معرفة بنية الإضافة تقبل التنكير ، قال : تقول العرب : ادخلوا ثلاثا ثلاثا ، والجمهور على خلافه.

(ص) وعلما كفعل المعدول عن فاعل ، ويعرف بسماعه ممنوعا بلا علة ، والمختص بالنداء وكذا المؤكد به ، وقيل : تعريفه بنية الإضافة ، وعدله عن فعل أو فعالى أو فعلاوات أقوال ، ويصرف وما سمي به قبله نكرة ، قال الأخفش : ومعرفة ، ومنه سحر ملازم الظرفية ، وعدله عن أل ، وقيل : شبه العلم ، وقيل : لم ينون لنية أل ، وقيل : الإضافة ، وقال ابن الطراوة وصدر الأفاضل : مبني ، وعلى الثلاثة إنه ليس من الباب ، ويصرف مسمى به وفاقا ، ومنه عند تميم فعال لمؤنث كحذام ما لم ينكر ، فإن سمي به مذكر جاز الوجهان ، وقال المبرد : المنع للتأنيث وتبنيه الحجازيون كسرا ،

__________________

٣١ ـ البيت من مخلع البسيط ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٣٣١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٤٠ ، وشرح الأشموني ٢ / ٥٣٨ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٢٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٣٧.

٣٢ ـ البيت من المتقارب ، وهو بلا نسبة في شرح التصريح ٢ / ٢١٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٩٤.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب ما جاء في الوتر (٩٩١) ومسلم ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة واحدة من آخر (٧٤٩).

٦٦

وأكثر تميم ما آخره راء ، والكل فعال مصدرا أو حالا أو صفة مجرى العلم ، وكذا أمرا ، وأسد تفتحه ، وعدل كلها عن مؤنث ، فإن سمي بها مذكر لم يصرف ، وثالثها يبنى ، أو مؤنث فكحذام.

(ش) يمنع العدل مع العلمية في خمسة أشياء :

أحدها : ما جاء على فعل موضوعا علما وهو معدول عن صيغة فاعل ، وطريق العلم به سماعه غير مصروف ولا علة به مع العلمية والمسموع من ذلك عمر وزفر ومضر وثعل وهبل وزحل وعصم وقزح وجشم وقثم وجمح وجحا ودلف وبلع بطن من قضاعة ولم يسمع غير ذلك ، نعم ذكر الأخفش أن طوى من هذا النوع كذا رأيته في كتابه «الواحد والجمع في القرآن» ، ومنعه أبو حيان ، وقال : المانع مع العلمية التأنيث باعتبار البقعة بدليل تنوينه في اللغة الأخرى ، قال : وهذه الأسماء التي ذكرناها كلها أعلام عدلت تقديرا عن فاعل إلا ثعل فعن أفعل.

ولو كانت صفات كحطم ولبد دخلت عليها الألف واللام ، وإنما جعلناها معدولة لأمر نجهله ؛ لأن الأعلام يغلب عليها النقل وهي أن يكون لها أصل في النكرات ، فجعل عمر معدولا عن عامر العلم المنقول من الصفة ، فإن ورد فعل مصروفا وهو علم علمنا أنه غير معدول كأدد ، فإنه لا يحفظ له أصل في النكرات ، فإما أن يكون منقولا من أصل لا نحفظه ، أو مرتجلا ، قال : ومن أغرب ما وقع في فعل الممنوع قسم هو علم جنس لا علم شخص ، وذلك ما ذكره ابن خالويه في كتاب «الأسد» : جاء بعلق فلق بغير ألف ولام ولا يصرف انتهى.

واحترز بالمعدول عن فاعل عن المعدول عن غيره كأخر وجمع ، وعن غير المعدول كاسم الجنس كنغر وصرد ، والصفة كحطم ولبد ، والمصدر كهدى وتقى ، والجمع كغرف ، وقولنا : «بسماعه ممنوعا بلا علة» يخرج ما سمع من فعل ممنوعا وفيه مانع غير العدل كقتل اسم من أسماء الترك فيه مع العلمية العجمة ، وطوى فيه معها التأنيث ، ولو وجد فعل ولم يعلم أصرفوه أم لا؟ ففي «الإفصاح» : إن لم يعلم له اشتقاق ولا قام عليه دليل فمذهب سيبويه صرفه حتى يثبت أنه معدول ، ومذهب غيره المنع ؛ لأنه الأكثر في كلامهم ، وإن علم كونه مشتقا وجهل في النكرات صرف إلا أن يسمع ترك صرفه انتهى.

وهذه النكتة من قاعدة تعارض الأصل والغالب في العربية ، وهي لطيفة نادرة بينتها في كتاب «أصول النحو» ، وكتاب «الأشباه والنظائر» في النحو.

٦٧

الثاني : فعل المختص بالنداء كفسق وغدر وخبث ولكع ، فإنها معدولة عن فاسق وغادر وخبيث وألكع ، فإذا سمي بها امتنع صرفها للعلمية ، ومراعاة اللفظ المعدول ، فإن نكرت زال المنع ، وذهب الأخفش وطائفة إلى صرفها حال التسمية أيضا ، كما نقلته عنه أخيرا في قولي : «قال الأخفش : ومعرفة» ؛ لأن العدل إنما هو حالة النداء ، وقد زال بالتسمية.

الثالث : فعل المؤكد به وهو جمع وكتع وبصع وبتع : جمع جمعاء وكتعاء وبصعاء وبتعاء ، فإنها غير مصروفة للعدل والعلمية ، أما العدل فلأنها من حيث إن مذكرها أفعل ومؤنثها فعلاء قياسها أن تجمع على فعل بسكون العين كما يجمع أحمر وحمراء على حمر ، ومن حيث هي اسم لا صفة قياسها أن تجمع على فعالى كصحارى فيقال : جماعى وكتاعى إلى آخره ، ومن حيث إن مذكرها يجمع بالواو والنون قياسها أن تجمع على فعلاوات ؛ لأن قياس كل ما جمع مذكره بالواو النون أن يجمع مؤنثه بالألف والتاء ، وبهذه الاعتبارات اختلف النحاة ، فقال الأخفش والسيرافي : إنها معدولة عن فعل ، واختاره ابن عصفور ، قال : لأن العدل عن فعالى لم يثبت في موضع من المواضع ، والعدل عن فعل إلى فعل ثبت ، قالوا : ثلاث درع وهو جمع درعاء وكان القياس درعا ، وقال قوم : إنها معدولة عن فعالى ، وقال آخرون : إنها معدولة عن فعلاوات ، واختاره ابن مالك وضعف الأول بأن أفعل المجموع بالواو والنون لا يجمع مؤنثه على فعل بسكون العين ، والثاني بأن فعلاء لا يجمع على فعالى إلا إذا لم يكن مذكره على أفعل وكان اسما محضا ، وقال أبو حيان : الذي نختاره أنها معدولة عن الألف واللام ؛ لأن مذكرها جمع بالواو والنون ، فقالوا : أجمعون كما قالوا : الأخسرون ، فقياسه أنه إذا جمع كان معرفا بالألف واللام ، فعدلوا به عما كان يستحقه من تعريفه بالألف واللام.

قلت : وهذا يقتضي أن يكون جمع المذكر فيه أيضا ممنوع الصرف ؛ لوجود العدل المذكور فيه وتكون الياء فيه علامة الجر على أنها نائبة عن الفتحة وهو غريب ، وأما العلمية فذهب قوم إلى أن ألفاظ التوكيد أعلام بمعنى الإحاطة واستدل لذلك بجمعهم مذكرها بالواو والنون ولا يجمع من المعارف بهما إلا العلم ، واختاره ابن الحاجب ، وذكر آخرون إلى أن تعريفها بنية الإضافة وأن الأصل في رأيت النساء جمع جمعهن ، كما يقال : رأيت النساء كلهن ، فحذف الضمير للعلم به واستغنى بنية الإضافة وصارت لكونها معرفة بلا علامة ملفوظة بها كالأعلام وليست بأعلام ؛ لأن العلم إما شخصي وإما جنسي ، وليست هذه واحدا منهما ، وعلى هذا ابن عصفور ، وعلله بأن الجموع لا تكون أعلاما ، والسهيلي

٦٨

وابن مالك ، ونقله عن ظاهر كلام سيبويه ، فإن سمي به أعني بفعل المؤكد به فمذهب سيبويه بقاؤه على المنع وعن الأخفش صرفه ؛ لأن العدل إنما كان حال التأكيد وقد ذهب فإن نكر بعد التسمية صرف وفاقا ؛ لأنه ليس له حالة يلتحق بها ؛ إذ لم يستعمل نكرة بخلاف أخر كما تقدم.

الرابع : سحر الملازم الظرفية وهو المعين ، أي : المراد به وقت بعينه فإنه يلازم الظرفية فلا يتصرف ولا ينصرف أيضا للعدل والعلمية ، وأما العدل فعن مصاحبة الألف واللام ؛ إذ كان قياسه وهو نكرة أن يعرف بالطريق التي تعرف بها النكرات وهو أل ، فعدلوه عن ذلك إلى أن عرفوه بغير تلك الطريق وهو العلمية فإنه جعل علما لهذا الوقت ، وقيل : إنه امتنع للعدل والتعريف المشبه لتعريف العلمية من حيث كونه تعريفا بغير أداة تعريف ، بل بالغلبة على ذلك الوقت المعين وليس تعريفه بالعلمية ؛ لأنه في معنى السحر ، وتعريف العلمية ليس في مرتبة تعريف أل ، وقيل : إنه منصرف وإنما لا ينون لنية أل ، والأصل السحر ، وعليه السهيلي ، وقيل : لنية الإضافة ؛ إذ التقدير سحر ذلك اليوم ، وقيل : إنه مبني على الفتح ؛ لتضمنه معنى حرف التعريف كما أن أمس بني على الكسر لذلك ، وإلى هذا ذهب صدر الأفاضل ناصر المطرزي وابن الطراوة.

ونصره أبو حيان فقال : الفرق بين سحر وأمس عندي يعسر ، قال : وقد رد على صدر الأفاضل بأنه لو كان سحر مبنيا لكان الكسر أولى به ؛ لأن فتحة النصب توهم الإعراب فكان يجتنب كما اجتنب موهم الإعراب في قبل وبعد والمنادى المبني ، وهذا الرد ليس بشيء ؛ لأن سحر تدخله الحركات كلها ؛ إذ لم يكن معرفة فكانت الفتحة أولى به في البناء ؛ لأن الكسر إنما يكون ؛ لالتقاء الساكنين وقد انتفى هذا ففتح تخفيفا وتبعا لحركة ما قبله للمناسبة ، قال : وما ذكره الجمهور من أنه عدل عن الألف واللام مشكل ؛ لأنه يشعر بأنه تضمن تعريفها ؛ لأن معنى المعدول عنه يتضمنه المعدول له ، ألا ترى أن عمر تضمن معنى عامر ، وحذام تضمن معنى حاذمة ، ومثنى تضمن معنى اثنين اثنين ، وفسق تضمن معنى فاسق ، وهذا حقيقة العدل وإذا كان كذلك فكيف يكون سحر على معنى ما فيه الألف واللام ويكون علما ، وتعريف العلمية لا يجامع تعريف اللام؟ فكذلك لا يجامع تعريف ما عدل عنها انتهى.

وعلى الأول لو سمي به صرف وفاقا ، أما سحر غير المعين فإنه لا يلزم الظرفية وهو منصرف نكرة ومعرفا باللام والإضافة.

٦٩

الخامس : فعال علم المؤنث كحذام وقطام ورقاش وغلاب وسجاح أعلام لنسوة ، وسكاب لفرس ، وعرار لبقرة ، وظفار لبلدة عند بني تميم ، فإنهم يعربونه ممنوع الصرف للعلمية والعدل عن فاعلة ، هذا مذهب سيبويه ، وذهب المبرد إلى أن المانع له العلمية والتأنيث كزينب وأمثاله ، فلا يكون معدولا.

قال أبو حيان : والظاهر الأول ؛ لأن حذام ونحوها على رأي المبرد تكون مرتجلة لا أصل لها في النكرات ، والغالب على الأعلام أن تكون منقولة ، وهي التي لها أصل في النكرات عدلت عنه بعد أن صيرت أعلاما ، وعلى الأول لو نكر صرف ولو سمي به مذكر جاز فيه الوجهان المنع إبقاء على ما كان لبقاء لفظ العدل ، والصرف لزوال معناه وزوال التأنيث بزواله ؛ لأنه إنما كان مؤنثا لإرادة ما عدل عنه وهو راقشة.

أما الحجازيون فإن باب حذام عندهم مبني على الكسر إجراء له مجرى فعال الواقع موقع الأمر كنزال ؛ لشبهه به في الوزن والعدل والتعريف ، وقيل : لتضمنه معنى الحرف وهو علامة التأنيث في المعدول عنه ، وقال المبرد : لتوالي علل منع الصرف عليه وهي التعريف والتأنيث والعدل كما تقدم في البناء ، وأكثر بني تميم يوافقون الحجازيين فيما آخره راء كسفار اسم لماء ، وحضار اسم كوكب ، فيبنونه على الكسر للشبه السابق ، وإنما خصوه بما آخره راء ؛ لأن من مذهبهم الإمالة ، وإنما يتوصلون إليها بكسر الراء ولو رفعوا أو فتحوا لم يصلوا إليها ، وبعضهم يعربه أيضا على أصله في حذام ، قال الأعشى فجمع بين اللغتين :

٣٣ ـ ومرّ دهر على وبار

فهلكت جهرة وبار

فبنى وبار أولا على الكسر ثم أعربه آخرا ؛ لأن قوافي القصيدة مرفوعة ، وقيل : ويحتمل أن يكون الثاني فعلا ماضيا مسندا للجماعة.

واتفق الحجازيون والتميميون وسائر العرب على بناء فعال المعدول على الكسر إذا كان مصدرا ، ومأخذه السماع كفجار وحماد ويسار ، قال :

٣٤ ـ فقلت : امكثي حتى يسار لعلّنا

وقال :

__________________

٣٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١١٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٩٣.

٣٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لحميد بن ثور في ديوانه ص ١١٧ (الحاشية) ، والخزانة ٦ / ٣٣٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣١٧ ، وبلا نسبة في الخزانة ٦ / ٣٢٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٧٧.

٧٠

٣٥ ـ فحملت برّة واحتملت فجار

وقرئ : (لا مِساسَ) [طه : ٩٧] ، أو حالا نحو :

٣٦ ـ والخيل تعدو بالصعّيد بداد

أو صفة جارية مجرى الأعلام ، ومأخذها أيضا السماع نحو : حلاق للمنية ، وضرام للحرب ، وجناد للشمس ، وأزام للسنة الشديدة ، وضمام للداهية ، أو ملازمة للنداء نحو : يا فساق ويا خباث وفي قياس هذه خلاف يأتي ، أو أمرا نحو : نزال وتراك ودراك وحذار ، وفي قياسها أيضا خلاف يأتي.

وبنو أسد تبني هذا النوع وهو الأمر على الفتح تخفيفا ، وكل هذه الأنواع معدولة عن مؤنث ، وأما المصدر والحال فمعدول عن مصدر مؤنث معرفة وإن لم يستعمل في كلامهم ، وأما الصفة بقسميها فعن وصف مؤنث غلب فصار اسما كالنابغة ، وأما الأمر فقال المبرد : إنه معدول عن مصدر مؤنث معرفة كالأولين وهو الصحيح ، وظاهر الكلام سيبويه أنه معدول عن الفعل.

ولو سمي ببعض هذه الأنواع مؤنث جاز فيه الإعراب ممنوعا ، والبناء كباب حذام ، أو مذكر فأقوال :

أحدها : يصرف كصباح ونحوه من المذكر إذا سمي به.

والثاني : يمنع كعناق ونحوه من المؤنث إذا سمي به وهو المشهور.

والثالث : يبنى كحذام ، وعليه ابن بابشاذ.

(ص) وكونه صفة على فعلان ذا فعلى ، وقيل : فاقد فعلانة ، فعلى الأول يصرف رحمن ولحيان ، وعلة المنع شبه الزيادتين بألف التأنيث ، وقيل : كون النون مبدلة منها ، وعلى الثاني كونهما زائدتين لا تلحقهما الهاء ، فإن أبدلت النون من همز أصلي صرف غالبا.

__________________

٣٥ ـ البيت من الكامل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٥٥ ، وإصلاح المنطق ص ٣٣٦ ، والخزانة ٦ / ٣٢٧ ، ٣٣٠ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢١٦ ، وشرح التصريح ١ / ١٢٥ ، المعجم المفصل ١ / ٤٠١.

٣٦ ـ البيت من الكامل ، وهو للنابغة الجعدي في ملحق ديوانه ص ٢٤١ ، والكتاب ٣ / ٢٧٥ ، ولسان العرب ١٠ / ٦٤ ، مادة (حلق) ، ولعوف بن عطية بن الخرع في جمهرة اللغة ص ٩٩٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٣٤.

٧١

(ش) الرابعة كونه صفة في آخره ألف ونون زائدتان بشرط أن يكون مؤنثه على فعلى كسكران سكرى وريان ريّى ، وقيل : الشرط أن يكون مؤنثه على فعلانة سواء وجد له مؤنث على فعلى أم لا ، ويبنى على الخلاف مسألتان :

الأولى : لازم التذكير كرحمن ولحيان لكبير اللحية ، على الأول يصرف لفقد فعلى فيه ؛ إذ لا مؤنث له ، وعلى الثاني يمنع لفقد فعلانة منه لما ذكر ، قال أبو حيان : والصحيح فيه الصرف ؛ لأنا جهلنا النقل فيه عن العرب والأصل في الاسم الصرف فوجب العمل به ، ووجه مقابله أن الغالب فيما وجد فعلان للصفة المنع فكان الحمل عليه أولى.

الثانية : علة منع الألف والنون على الأول لشبهها بألف التأنيث في عدم قبول هاء التأنيث ، وقيل : إن النون التي بعد الألف مبدلة من الهمزة المبدلة من ألف التأنيث بدليل قول العرب في النسب إلى صنعاء وبهراء : صنعاني وبهراني ، وعلى الثاني كونهما زائدتين لا تلحقهما الهاء من غير ملاحظة الشبه بألف التأنيث ، ونقل عن الكوفيين ، فإن كانت النون مبدلة من همز أصلي صرف ، ولو كان لفعلان مؤنث على فعلانة صرف إجماعا كندمان وسيفان للرجل الطويل ، وحبلان للممتلئ غضبا ، ويوم دخنان فيه كدرة في سواد ، ويوم سخنان حار ، ويوم ضحيان لا غيم فيه ، وبعير صوحان يابس الظهر ، ورجل علان صغير حقير ، ورجل قشوان دقيق الساقين ، ورجل مصان لئيم ، ورجل موتان الفؤاد أي : غير حديده ، ورجل نصران أي : نصراني ، ورجل خمصان بالفتح لغة في خمصان ، وكبش أليان ، فهذه أربع عشرة كلمة لا غير مؤنثاتها بالتاء.

(ص) ووفاقه لوزن فعل خاص به أو أولى لازم لم يخرج إلى شبه الاسم لا مستو ، خلافا ليونس مطلقا ، ولعيسى في المنقول من فعل مع علمية أو وصفية غير عارضة ، وعدم قبول التاء خلافا للأخفش في أرمل ، وقدرت بقلة في أجدل وأخيل وأفعى ، وألغيت شذوذا في نحو أبطح ، والأصح أن منه أفعل التفضيل ، ومنع ألبب علما ، وصرف يعصر ، وأنه يؤثر عروض سكون تخفيف لا بدل همزة أفعل.

(ش) الخامسة موافقة وزن الفعل بشروط :

أحدها : أن يكون خاصا به بأن لا يوجد في الاسم دون ندور إلى في علم منقول منه كانطلق واستخرج إذا سمي بهما ، أو في أعجمي معرب ، أو غالبا فيه ، ويعبر عنه بالأولى به بأن يوجد في الاسم والفعل ، وأوله زيادة من الزيادات التي في أول المضارع ، وهو

٧٢

قسمان : قسم نقل من الفعل كيزيد ويشكر ، وقسم ليس بمنقول كأفكل ويرمع ، والتعبير بالأولى أحسن من التعبير بالغالب ؛ لأنه يبطل بأفعل ؛ إذ هو في الأسماء أكثر ؛ إذ ما من فعل ثلاثي إلا وله أفعل اسما إما للتفضيل أو لغيره ، وقد جاء أفعل في الأسماء من غير فعل كأجدل وأخيل وأرنب ، وأيضا فإن فاعل بالفتح لا يكاد يوجد في الأسماء إلا في نحو : خاتم وهو في الأفعال أكثر من أن يحصى كضارب وقاتل ، ولو سمي بخاتم صرف ، فظهر أن المعتبر كونه أولى به من الاسم ، ووجه الأولوية أن لتلك الزوائد في الفعل معاني ولا معنى لها في الاسم فكانت لذلك أصلا في الفعل ، أما الوزن الخاص بالاسم أو الغالب فيه فلا شبهة في عدم اعتباره ، وأما المشترك بينهما على السواء ففيه مذاهب :

أحدها : عدم تأثيره مطلقا سواء نقل من الفعل أم لا وعليه سيبويه والجمهور ؛ لإجماع العرب على صرف كعسب اسم رجل ، وهو منقول من كعسب فعلل ، وهو العدو الشديد مع تداني الخطى.

والثاني : تأثيره مطلقا وعليه يونس.

والثالث : يؤثر إن نقل من فعل ولا يؤثر غيره وعليه عيسى بن عمر واستدل بقوله :

٣٧ ـ أنا ابن جلا

فلم يصرفه ، وأجيب بأنه روعي فيه ضمير الفاعل فحكي.

الشرط الثاني : أن يكون لازما ليخرج نحو : امرؤ وابنم علمين فإنهما على لغة الإتباع في الرفع كاخرج ، وفي النصب كاعلم ، وفي الجر كاضرب ، ولا يمنعان من الصرف ؛ لأن الوزن فيهما ليس بلازم ؛ إذ لم تستقر حركة العين ، فلو سمي بهما على لغة من يلتزم الفتح منعا.

الشرط الثالث : أن لا يخرجه إلى شبه الاسم سكون تخفيف ليخرج نحو : رد ، وقيل : إذا سمي بهما فإنهما يصرفان ؛ لأن الإسكان أخرجهما إلى شبه الاسم فصارا نحو :

__________________

٣٧ ـ البيت من الوافر ، وهو لسحيم بن وثيل في الاشتقاق ص ٢٢٤ ، والأصمعيات ص ١٧ ، وجمهرة اللغة ص ٤٩٥ ، والخزانة ١ / ٢٢٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٥٩ ، وشرح المفصل ٣ / ٦٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٣٧.

٧٣

مد ، وقيل : هذا إذا كان السكون قبل التسمية فإن طرأ بعدها كأن تسمي رجلا بضرب ، ثم تسكن الراء تخفيفا ففيه قولان حكيتهما آخرا ، أصحهما الصرف أيضا ، وعليه سيبويه ؛ لأنه صار على وزن الاسم ، والأصل الصرف ، والثاني المنع لعروض التخفيف فلا يعتد به وعليه المبرد والمازني وابن السراج والسيرافي.

ويجري القولان في يعصر علما إذا ضم ياؤه إتباعا فالأصح صرفه وعليه سيبويه ؛ لورود السماع به فيما حكاه أبو زيد ، وخروج إلى شبه الاسم ، والثاني منعه وعليه الأخفش لعروض الضمة فلا اعتداد بها ، ويجريان أيضا في ألبب علما فعن الأخفش صرفه لمباينته الفعل بالفك ، والأصح وعليه سيبويه منعه ولا مبالاة بفكه ؛ لأنه رجوع إلى أصل متروك فهو كتصحيح مثل استحوذ وذلك لا يمنع اعتبار الوزن إجماعا فكذا الفك ، ولأن وقوع الفك في الأفعال معهود كأشدد في التعجب ، ولم يردد وألل السقاء فلم يباينه ، ويجريان أيضا في بدل همز أفعل كهراق أصله أراق علما ، والأصح فيه المنع ولا مبالاة بهذا البدل.

الشرط الرابع : أن يكون معه علمية كخضّم اسم العنبر بن عمرو بن تميم ، وبذر اسم بئر ، وعثر اسم واد بالعقيق ، وأحمد ويزيد ويشكر وأجمع وأخواته في التوكيد.

أو وصفية ولها شرطان :

أحدهما : أن تكون أصلية كأحمر ، بخلاف العارضة كمررت برجل أرنب ، أي : ذليل ، وبنسوة أربع ، فإنهما مصروفان ؛ لأن الوصفية بهما عارضة.

الثاني : ألا يقبل تاء التأنيث احترازا من نحو : مررت برجل أباتر وأدابر فإنهما مصروفان ، وإن كان فيهما الوزن والوصفية الأصلية لدخول التاء عليهما في امرأة أباترة وأدابرة ، وشملت العبارة ما مؤنثه على فعلاء كأحمر وحمراء ، وما لا مؤنث له من لفظه ، بل من معناه كرجل آلى وامرأة عجزاء ، ولا يقال : ألياء.

وما لا مؤنث له لفقد معناه في المؤنث كرجل أكمر وآدر وألحى ، أو لاشتراك المذكر والمؤنث فيه وذلك أفعل التفضيل مع من ، قال أبو حيان : وقد وقع الخلاف في قسم واحد من أفعل وهو ما تلحقه تاء التأنيث نحو : أرمل وأرملة فمذهب الجمهور صرفه ومنعه الأخفش كأحمر ، قال : ثم إنه لا توجد الوصفية مع الوزن المختص ، ولا مع كل الأوزان الغالبة مع أفعل خاصة.

٧٤

وهنا مسألتان :

إحداهما : أجدل للصقر وأخيل لطائر ذي خيلان وأفعى للحية أسماء لا أوصاف فأكثر العرب تصرفها ، وبعضهم يمنعها ملاحظة للوصفية ، فلحظ في أجدل معنى شديد ، وأخيل أفعل من الخيلان ، وأفعى معنى خبيث منكر ، وقيل : إنه مشتق من فوعة السم وهي حرارته وأصله أفوع ، ثم قلب فصار أفعى.

الثانية : ما أصله الوصفية واستعمل استعمال الأسماء كأبطح وهو المكان المنبطح من الوادي ، وأجرع وهو المكان المستوي ، وأبرق وهو المكان الذي فيه لونان الأكثر منعه اعتبارا بأصله ، ولا يعتد بالعارض وشذ صرفه إلغاء للأصل واعتدادا بالعارض.

(ص) ومع العلمية زيادتا فعلان فيه أو في غيره ، ومبنى حسان ونحوه على أصالة النون.

(ش) السادسة وهي وما بعدها إنما تمنع مع العلمية الألف والنون الزائدتان سواء كانتا في فعلان كحمدان أو غيره كعمران وعثمان وغطفان ، وعلامة زيادتهما. ن يكون قبلهما أكثر من حرفين فإن كان قبلهما حرفان ثانيهما مضعف فلك اعتباران إن قدرت أصالة التضعيف فهما زائدتان ، أو زيادته فالنون أصلية كحسان إن جعلته من الحس فوزنه فعلان فلا ينصرف ، أو من الحسن فوزنه فعال فينصرف ، وكذا حيان هل هو من الحياة أو الحين ، قيل : ويدل للأول ما روي في الحديث : «أن قوما قالوا : نحن بنو غيان ، فقال عليه الصلاة والسلام : بل أنتم بنو رشدان» (١) ، فقضى باشتقاقه من الغي مع احتمال أن يكون مشتقا من الغين.

(ص) أو ألف إلحاق مقصورة.

(ش) السابعة ألف الإلحاق المقصورة وتمنع مع العلمية بخلاف الممدودة ؛ لشبهها بألف التأنيث المقصورة من وجهين لا يوجدان في الممدودة :

أحدهما : أن كلا منهما زائدة ليست مبدلة من شيء ، والممدودة مبدلة من ياء.

الثاني : أنها تقع في مثال صالح لألف التأنيث كأرطى فهو على مثال سكرى ، وعزهى

__________________

(١) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ١ / ٣٣٣.

٧٥

فهو على مثال ذكرى ، والمثال الذي تقع فيه الممدودة كعلباء لا يصلح لألف التأنيث الممدودة.

تنبيهان :

الأول : الإلحاق أن تبني مثلا من ذوات الثلاثة كلمة على بناء يكون رباعي الأصول فتجعل كل حرف مقابل حرف فتفنى أصول الثلاثي ، فتأتي بحرف زائد مقابل للحرف الرابع من الرباعي الأصول ، فيسمى ذلك الحرف حرف الإلحاق.

الثاني : قال أبو حيان : ما فيه ألف التكثير أيضا إذا سمي به منع الصرف نحو:قبعثرى لشبه ألف التكثير بألف التأنيث المقصورة من حيث إنها زائدة في الآخر ، لم تنقلب ولا تدخل عليها تاء التأنيث كما أن ألف التأنيث كذلك.

(ص) أو تركيب مزج.

(ش) الثامنة تركيب المزج ويمنع مع العلمية ؛ لشبهه بهاء التأنيث في أن عجزه يحذف في الترخيم كما تحذف ، وأن صدره يصغر كما يصغر ما هي فيه ويفتح آخره كما يفتح ما قبلها ، وضابطه كل اسمين جعلا اسما واحدا لا بالإضافة ولا بالإسناد بتنزيل ثانيهما من الأول منزلة هاء التأنيث كبعلبك ومعدي كرب.

واحترز به عن غيره من المركبات كتركيب العدد كخمسة عشر ، والإسناد كبرق نحره ، والإضافة كامرئ القيس.

(ص) أو عجمة شخصية مع زيادة على ثلاثة بدون ياء التصغير ، وإلا صرف تحرك الوسط ، أو لا خلافا لمن جوز المنع إلا مع التأنيث ، ولا يشترط كونه علما في العجمية خلافا للدباج.

(ش) التاسعة العجمة وتمنع مع العلمية بشروط :

أحدها : أن تكون شخصية بأن ينقل في أول أحواله علما إلى لسان العرب كإبراهيم وإسرائيل ، فأول ما استعملتهما العرب استعملتهما علمين ، بخلاف الجنسية وهو ما نقل من لسان العجم إلى لسان العرب نكرة كديباج ولجام ونيروز فإنها لنقلها نكرات أشبهت ما هو من كلام العرب فصرفت ، وتصرف فيها بإدخال الألف واللام عليها ، والاشتقاق منها.

٧٦

وهل يشترط أن يكون علما في لسان العجم؟ قولان : المشهور : لا وعليه الجمهور فيما نقله أبو حيان ، والثاني : نعم وعليه أبو الحسن الدباج وابن الحاجب ونقل عن ظاهر مذهب سيبويه ، وينبني على ذلك صرف نحو : قالون وبندار ، فينصرف على الثاني ؛ لأنه لم يكن علما في لغة العجم دون الأول ؛ لأنه لم يكن في كلام العرب قبل أن يسمى به.

الشرط الثاني : أن يكون زائدا على ثلاثة أحرف كإبراهيم وإسحاق ، فإن كان ثلاثيا صرف سواء تحرك الوسط كشتر ولمك اسم رجل ، أو لا كنوح ولوط ، وقيل : يمنع متحرك الوسط إقامة للحركة مقام الحرف الرابع كما في المؤنث ، وفرق الأول بأن العجمة سبب ضعيف فلا يؤثر دون الزيادة على الثلاثة ؛ وذلك لأنها متوهمة والتأنيث ملفوظ به غالبا ، ولذلك لم تعتبر مع علمية متجددة ولا وصفية ولا وزن الفعل ولا تأنيث ولا زيادة ، وقيل : يجوز في الساكن الوسط الوجهان الصرف والمنع وهو فاسد ؛ إذ لم يحفظ نعم إن كان فيه تأنيث تعين المنع كما سيأتي ، ولو كان رباعيا وأحد حروفه ياء التصغير لم يمنع إلحاقا له بما قبل التصغير.

(ص) وتعرف العجمة بالنقل ، وخروجه عن وزن الأسماء ، وولاء الراء النون بدءا والزاي الدال ، واجتماع الصاد والقاف أو الكاف الجيم ، وكونه خماسيا أو رباعيا عاريا من الذلاقة.

(ش) المراد بالعجمي كل ما نقل إلى اللسان العربي من لسان غيرها ، سواء كان من لغة الفرس أم الروم أم الحبشة أم الهند أم البربر أم الإفرنج أم غير ذلك ، وتعرف عجمة الاسم بوجوه :

أحدها : أن تنقل ذلك الأئمة.

الثاني : خروجه عن أوزان الأسماء العربية نحو : إبريسم فإن مثل هذا الوزن مفقود في أبنية الأسماء في اللسان العربي.

الثالث : أن يكون في أوله نون بعدها راء نحو : نرجس ، أو آخره زاي بعد دال نحو :مهندز فإن ذلك لا يكون في كلمة عربية.

الرابع : أن يجتمع في الكلمة من الحروف ما لا يجتمع في كلام العرب كالجيم والصاد نحو : صولجان ، أو والقاف نحو : منجنيق ، أو والكاف نحو : أسكرجة.

الخامس : أن يكون عاريا من حروف الذلاقة وهو خماسي أو رباعي ، وحروف

٧٧

الذلاقة ستة يجمعها قولك : مر بنفل ، قال صاحب العين : لست واجدا في كلام العرب كلمة خماسية بناؤها من الحروف المصمتة خاصة ، ولا رباعية كذلك إلا كلمة واحدة وهي عسجد لخفة السين وهشاشتها.

(ص) وما وافق العربي لفظا فمنعه على قصد المسمى فإن جهل فعلى العادة في التسمية ولا ينزل جهالة الأصل ، أو كونه ليس من عاداتهم التسمية به كالعجمة على الأصح ، وما بني على قياس العرب وسمي به فثالثها الأصح إن كان على قياس مطرد لحق به ، فإن كان به مانع منع.

(ش) فيه مسألتان :

الأولى : ما كان من الأسماء الأعجمية موافقا في الوزن لما في اللسان العربي نحو:إسحاق فإنه مصدر لأسحق بمعنى أبعد ، أو بمعنى ارتفع تقول : أسحق الضرع ارتفع لبنه ، ونحو : يعقوب فإنه ذكر الحجل ، فإن كان شيء منه اسم رجل يتبع فيه قصد المسمى فإن قصد اسم النبي منع الصرف للعلمية والعجمة وإن عين مدلوله في اللسان العربي صرف وإن جهل قصد المسمى حمل على ما جرت به عادة الناس وهو القصد بكل واحد منهما موافقة اسم النبي ، فلو سمت العرب باسم مجهول أو باسم ليس من عادتهم التسمية به فقيل : يجرى مجرى الأعجمي لشبهه به من جهة أنه غير معهود في أسمائهم كما أن العجمي كذلك وعلى هذا الفراء ومثل الأول بسبأ والثاني بقولهم هذا أبو صعرور فلم يصرف ؛ لأنه ليس من عادتهم التسمية به ، والأصح وعليه البصريون خلاف ذلك.

الثانية : ما بني على قياس كلام العرب نحو أن تبني على وزن برثن من الضرب ، فتقول : ضربب ، وعلى مثال سفرجل فتقول : ضربب ، فهل يلحق بكلام العرب أو لا؟ فيه ثلاثة مذاهب :

أحدها : نعم فيحكم له بحكم العربي.

والثاني : لا ؛ لأنه ليس من كلام العرب فصار بمنزلة الأعجمي.

والثالث : وهو الصحيح إن بني على قياس ما اطرد في كلامهم لحق به ، كأن يبني من الضرب مثل قردد فتقول ضربب ؛ لأنه كثير الإلحاق بتكرار اللام ، أو على قياس ما لم يطرد في كلامهم لم يلحق به كأن يبنى منه مثل كوثر ، فتقول : ضورب ؛ لأن الإلحاق بالواو ثانية لم يكثر ، إذا عرف ذلك فلو سمي به فعلى الإلحاق بكلام العرب يحكم له بحكم العربي ،

٧٨

فلا يمنع إلا مع علة أخرى ، وعلى عدمه يمنع مطلقا للعجمة مع العلمية.

(ص) أو تأنيث لفظا أو معنى ، فإن كان ثنائيا أو ثلاثيا ساكن الوسط وضعا أو إعلالا فالأصح جواز الأمرين ، وثالثها إن لم يكن بلدة ، وأن المنع أجود ، وأنه يجب مع العجمة وكونه مذكر الأصل ، وتحرك ثانيه لفظا وهو لمؤنث دون مذكر ، وإن سمي مذكر بمؤنث مجرد منع بشرط زيادته على ثلاثة لفظا أو تقديرا ، خلافا للفراء مطلقا ، ولابن خروف في متحرك الوسط ، وأن لا يسبقه تذكير انفرد به أو غلب أو بوصفه كحائض صرف ، خلافا للكوفية ، أو بوصف في لغة اسم في لغة فعلى التقديرين.

(ش) العاشرة التأنيث ويمنع مع العلمية سواء كان لفظيا وهو التأنيث بالهاء لمؤنث أو مذكر كفاطمة وطلحة ، أم معنويا وهو علم المؤنث الخالي من الهاء كزينب وسعاد ، فإن كان المعنوي ثنائيا كيد علما لمؤنث ، أو ثلاثيا ساكن الوسط وضعا كهند وجمل ، أو إعلالا كدار علما أصلها دور بالفتح ، ففيه مذاهب :

أصحها : وعليه سيبويه والجمهور جواز الأمرين فيه الصرف وتركه ، وكلاهما مسموع ، أما المنع فلاجتماع التأنيث والعلمية ، وأما الصرف فلخفة السكون ، فقاوم أحد السببين كما دفع أثره في نوح ولوط.

والثاني : لا يجوز إلا المنع وعليه الزجاج ، قال : لأن السكون لا يغير حكما أوجبه اجتماع علتين مانعتين.

والثالث : وعليه الفراء أن ما كان اسم بلد كفيد لا يجوز صرفه ، وما لم يكن جاز ؛ لأنهم يرددون اسم المرأة على غيرها فيوقعون هندا ودعدا وجملا على جماعة من النساء ، ولا يرددون اسم البلدة على غيرها ، فلما لم تردد ولم تكثر في الكلام لزمها الثقل.

وعلى جواز الأمرين اختلف في الأجود منهما ، فالأصح أن الأجود المنع ، قال ابن جني وهو القياس ، والأكثر في كلامهم ، وقال أبو علي الفارسي : الصرف أفصح ، قال الخضراوي : ولا أعلم قال هذا القول أحد قبله ، وهو غلط جلي.

ويتحتم المنع على الأصح في صور :

أحدها : أن ينضم إلى ذلك عجمة كحمص وماه وجور ؛ لأن انضمام العجمة قوي العلة ، ولا يقال : إن المنع للعجمة والعلمية دون التأنيث ؛ لأن العجمة لا تمنع صرف الثلاثي ، وجوز بعضهم فيه الأمرين ، ولم يجعل للعجمة تأثيرا.

٧٩

الثانية : أن يكون مذكر الأصل كزيد اسم امرأة ؛ لأن النقل إلى المؤنث ثقل يعادل الخفة التي بها صرف من صرف هندا ، وجوز المبرد وغيره فيه الأمرين كما يجوزان في المنقول من مؤنث إلى مذكر ، وهو نقل من ثقل إلى ثقل.

الثالثة : أن يتحرك ثانيه لفظا كقدم اسم امرأة لتنزل الحركة منزلة الحرف الرابع ، وجوز ابن الأنباري وغيره فيه الأمرين ، ولم يجعلوا الحركة قائمة مقام الرابع ، ولا عبرة بتحريكه تقديرا كدار ونار علمين.

ولو سمي مذكر بمؤنث مجرد من التاء منع بشرطين :

أحدهما : زيادته على ثلاثة لفظا كزينب وعناق اسم رجل ، أو تقديرا كجيل مخفف جيأل اسم رجل ، فإن الحرف المقدر كالملفوظ به بخلاف الثلاثي فإنه يصرف على الأصح مطلقا سواء تحرك وسطه أم لا ككتف وشمس اسمي رجل ، وذهب الفراء إلى منعه مطلقا ؛ لأن فيه أمرين يوجبان له الثقل العلمية والتعليق على ما يشاكله ، ودفع بأن الثاني لم تجعله العرب من الأسباب المانعة للصرف ، وفصل ابن خروف فمنع المتحرك دون الساكن تنزيلا للحركة منزلة الحرف الرابع.

الشرط الثاني : أن لا يسبقه تذكير انفرد به كدلال ووصال اسمي رجل فإنه كثرت التسمية بهما في النساء وهما في الأصل مصدران مذكران ، أو غلب فيه كذراع فإنه في الأصل مؤنث ، ثم غلب استعماله قبل العلمية في المذكر كقولهم : هذا ثوب ذراع ، أي : قصير ، فصار لغلبة الاستعمال كالمذكر الأصل ، فإذا سمي به رجل صرف لغلبة تذكيره قبل العلمية.

ولو سمي مذكر بوصف المؤنث المجرد كحائض وطامث وظلوم وجريح فالبصريون يصرف رجوعا إلى تقدير أصالة التذكير ؛ لأن تلك أسماء مذكرة وصف بها المؤنث لأمن اللبس ، وحملا على المعنى ، فقولهم : مررت بامرأة حائض بمعنى شخص حائض ، ويدل لذلك أن العرب إذا صغرتها لم تدخل فيها التاء ، والكوفيون يمنع بناء على مذهبهم في أن نحو : حائض لم تدخله التاء ؛ لاختصاصه بالمؤنث ، والتاء إنما تدخل للفرق.

ولو سمي مذكر بما هو اسم في لغة وصف في لغة كجنوب ودبور وشمال وسموم وحرور فإنها عند بعض العرب أسماء للريح كالصعود والهبوط ، وعند بعضهم صفات جرت على الريح وهي مؤنثة ففيه الوجهان المنع كباب زينب والصرف كباب حائض.

٨٠