تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٢

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٢

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٩٧

يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (٢٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (٢٧) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩) كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (٣٠) وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ

٣٦١

قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٣١) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٣٢) أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٣٤) * مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (٣٥) وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (٣٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨) يَمْحُوا اللهُ

٣٦٢

ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (٣٩) وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (٤٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤١) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (٤٣))

٣٦٣
٣٦٤

سورة الرعد (١)

مكية ويقال مدنية (٢) وهي ثلاث وأربعون آية. كوفية

__________________

«مقصود سورة الرعد»

المقصود الإجمالى لهذه السورة ما يأتى :

بيان حجة التوحيد فى خلق السموات ، والأرض ، واستخراج الأنهار ، والأشجار والثمار ، وتهديد الكفار ووعيدهم ، وذكر خلق الأولاد فى أرحام الأمهات ، على تباين الدرجات ومع النقصان والزيادات ، الأيام والساعات. واطلاع الحق ـ تعالى ـ على بواطن الأسرار ، وضمائر الأخيار والأشرار ، وذكر السحاب والرعد ، والبرق ، والصواعق. والرد على عبادة الأصنام. وقصة نزول القرآن من السماء ، والوفاء بالعهد ونقض الميثاق ، ودخول الملائكة بالتسليم على أهل الجنان. وأنس أهل الإيمان بذكر الرحمة وبيان تأثير القرآن فى الآثار والأعيان وكون عاقبة أهل الإيمان إلى الجنان.

ومرجع الكفار إلى النيران ، والمحو والإثبات فى اللوح بحسب مشيئة الديان ، وتقدير الحق فى أطراف الأرض بالزيادة والنقصان ، وتقرير نبوة المصطفى بنزول الكتاب وبيان القرآن فى قوله : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً ، قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ).

وفواصل آيات سورة الرعد (ن ق ر د ع ب ل) (نقر دعبل).

ومعظم الآيات التي على الباء تسبقها ألف ، نحو مآب مناب.

* * *

(٢) فى المصحف المتداول سورة الرعد مدنية وآياتها ٤٣ نزلت بعد سورة محمد.

وفى كتاب بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي : السورة مكية ، وتسمى سورة الرعد لقوله فيها :

(يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ، وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) الآية ١٣.

٣٦٥

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) لقول كفار مكة : إن محمدا تقول القرآن من تلقاء نفسه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) يعنى أكثر كفار (لا يُؤْمِنُونَ) ـ ١ ـ بالقرآن أنه من الله (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) فيها تقديم (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) قبل خلقهما (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) يعنى إلى يوم القيامة (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) يقضى القضاء (يُفَصِّلُ الْآياتِ) يعنى يبين صنعه الذي ذكره (١) فى هذه الآية (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) ـ ٢ ـ بالبعث إذا رأيتم صنعه فى الدنيا فتعتبروا فى البعث (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) يعنى بسط الأرض من تحت الكعبة فبسطها بعد الكعبة بقدر ألفى سنة [١٨٧ أ] فجعل طولها مسيرة (٢) خمسمائة عام وعرضها مسيرة خمسمائة عام (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) يعنى الجبال أثبت بهن الأرض لئلا تزول بمن عليها (وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها) من كل (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) يعنى ظلمة الليل وضوء النهار (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) يعنى فيما ذكر من صنعه عبرة (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ـ ٣ ـ فى صنع الله فيوحدونه (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ) يعنى بالقطع الأرض السبخة ، والأرض

__________________

(١) فى أ ، ل : ذكر.

(٢) مسيرة : ساقطة من : ا ، وهي من ل.

٣٦٦

العذبة (مُتَجاوِراتٌ) يعنى قريب بعضها (١) من بعض (وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ) يعنى الكرم (وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ) يعنى النخيل التي رءوسها متفرقة وأصلها فى الأرض واحد (وَغَيْرُ صِنْوانٍ) وهي (٢) النخلة أصلها وفرعها واحد (يُسْقى) هذا كله (بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) يعنى فى الحمل فبعضها أكبر حملا (٣) من بعض (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) يعنى ما ذكر من صنعه لعبرة (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ـ ٤ ـ فيوحدون ربهم (وَإِنْ تَعْجَبْ) يا محمد بما أوحينا إليك من القرآن كقوله فى الصافات : «بل عجبت ويسخرون» (٤) ثم قال : (فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) يعنى كفار مكة يقول لقولهم عجب فعجبه (٥) من قولهم يعنى ومن تكذيبهم بالبعث حين قالوا : (أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) تكذيبا بالبعث ثم نعتهم فقال : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ـ ٥ ـ لا يموتون (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ) وذلك أن النضر بن الحارث قال اللهم : «إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم» فقال الله ـ عزوجل : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ) يعنى النضر بن الحارث (بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) يعنى

__________________

(١) فى ل : بعضها ، أ : بعضهم.

(٢) فى ل : فهي ، ا : وهي.

(٣) حملا : ساقطة من أ ، وهي من ل.

(٤) سورة الصافات : ١٢.

(٥) من ل ، وفى أ : أفعجبت.

(٦) سورة الأنفال : ٣٢ وتمامها (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ).

٣٦٧

بالعذاب قبل العافية كقول صالح لقومه : (لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ) يعنى بالعذاب «قبل الحسنة» (١) يعنى العافية (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ) يعنى أهل مكة (الْمَثُلاتُ) يعنى العقوبات فى كفار الأمم الخالية فسينزل بهم ما نزل بأوائلهم ، ثم قال : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ) يعنى ذو تجاوز (لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) يعنى على شركهم (٢) بالله (٣) فى تأخير العذاب عنهم إلى وقت ، يعنى الكفار فإذا جاء الوقت عذبناهم بالنار ، فذلك قوله : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) ـ ٦ ـ إذا عذب وجاء الوقت ، نظيرها فى حم ـ السجدة (٤) (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بتوحيد الله (لَوْ لا) يعنى هلا (أُنْزِلَ عَلَيْهِ) : على محمد (٥) (آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) محمد يقول الله : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) يا محمد هذه الأمة وليست الآية (٦) بيدك (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) ـ ٧ ـ يعنى لكل قوم فيما خلا داع مثلك يدعو إلى دين الله يعنى الأنبياء. (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) من ذكر وأنثى كقوله فى لقمان : «يعلم ما في الأرحام» (٧) سويا أو غير سوى ذكرا أو أنثى ثم قال [١٨٧ ب] : (وَما تَغِيضُ) يعنى وما تنقص (الْأَرْحامُ) كقوله «وغيض الماء» (٨)

__________________

(١) سورة النمل : ٤٦.

(٢) فى أ : يعنى شركهم ، ل : يعنى على شركهم.

(٣) «بالله» : ساقطة من أ ، وهي من ل.

(٤) هي سورة فصلت ، ويشير إلى ما جاء فى الآيات : ٤٠ ، ٥٠ ، ٥٣ ، ٥٤.

(٥) فى أ ، ل «أنزل على» محمد.

(٦) من ل ، وفى أ : وليست هذه الأمة.

(٧) سورة لقمان : ٣٤.

(٨) سورة هود : ٤٤.

٣٦٨

يعنى ونقص الماء ، يعنى وما تنقص الأرحام من الأشهر التسعة (وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ) من تمام الولد والزيادة فى بطن أمه (عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) ـ ٨ ـ يعنى قدر خروج الولد من بطن أمه وقد مكنه فى بطنها إلى خروجه فإنه يعلم ذلك كله ثم قال : (عالِمُ الْغَيْبِ) يعنى غيب الولد فى بطن أمه «ويعلم غيب كل شيء (١)» (وَالشَّهادَةِ) يعنى شاهد الولد وغيره يقول الله إذا علمت هذا فأنا : (الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) ـ ٩ ـ يعنى العظيم لا أعظم منه الرفيع فوق خلقه (سَواءٌ مِنْكُمْ) عند الله (مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) يعنى بالقول (٢) (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) ـ ١٠ ـ يقول من هو مستخف بالمعصية فى ظلمة الليل ، ومنتشر بتلك المعصية بالنهار معلن بها (٣) فعلم ذلك كله عند الله ـ تعالى ـ سواء ، ثم قال لهذا الإنسان المستخفى (٤) بالليل ، السارب (٥) بالنهار مع علمي بعمله (لَهُ مُعَقِّباتٌ) من الملائكة (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) يعنى بأمر الله من الإنس والجن مما لم يقدر أن يصيبه حتى تسلمه المقادير فإذا أراد الله أن يغير ما به لم (٦) تغن عنه المعقبات شيئا. ثم قال : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) من النعمة (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) يعنى كفار مكة نظيرها من الأنفال (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ ...) إلى آخر الآية (٧). والنعمة أنه بعث فيهم رسولا

__________________

(١) فى أزيادة : «قال ويعلم ...».

(٢) فى أزيادة : «من أعلن بالسر وأسره منكم» وليست فى ل.

(٣) فى أ : فعلن بها ، ل : معلن بها.

(٤) فى أ : المستخف ، ل : المستخفى.

(٥) هكذا فى : أ ، ل. والأنسب : والسارب.

(٦) هكذا فى : أ ، ل.

(٧) سورة الأنفال : ٥٣. وتمامها (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

تفسير مقاتل ـ ٢٤

٣٦٩

من أنفسهم ، وأطعمهم من جوع ، وآمنهم من خوف ، فغيروا هذه النعمة فغير الله ما بهم ، فذلك قوله : (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً) يعنى بالسوء العذاب (فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) ـ ١١ ـ يعنى ولى يرد عنهم العذاب (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً) للمسافر من الصواعق (وَطَمَعاً) للمزارع (١) المقيم فى رحمته يعنى المطر (وَيُنْشِئُ) يعنى ويخلق مثل قوله : «وله الجوار المنشآت» (٢) يعنى المخلوقات (السَّحابَ الثِّقالَ) ـ ١٢ ـ من الماء (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) يقول ويذكر الرعد بأمره يحمده (٣) والرعد ملك من الملائكة اسمه الرعد وهو موكل بالسحاب صوته تسبيحة ، يزجر السحاب ويؤلف بعضه إلى بعض ويسوقه بتسبيحه إلى الأرض التي أمر الله ـ تعالى ـ أن تمطر فيها ، ثم قال : (وَ) تسبح (الْمَلائِكَةُ) بزجرته (مِنْ خِيفَتِهِ) يعنى من مخافة الله ـ تعالى ـ فميز بين الملائكة وبين الرعد وهما سواء كما ميز بين جبريل ، وميكائيل فى البقرة (٤) وكما ميز بين الفاكهة ، وبين النخل ، والرمان ، وهما سواء ثم قال : (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ) هذا أنزل (٥) فى أمر عامر ، والأربد بن قيس حين أراد (٦) قتل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وذلك أن عامر بن الطفيل العامري دخل على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : «أسلم على أن ذلك المدر ولي الوبر» فقال

__________________

(١) محذوفة من ل. هكذا (وطمعا) للمقيم.

(٢) سورة الرحمن الآية : ٢٤.

(٣) من ل ، والجملة ساقطة من أ : «يحمده ... إلى ... يجمده».

(٤) يشير إلى الآية : ٩٨ من سورة البقرة وتمامها : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ).

(٥) فى ل : هذا أنزل ، أ : هذا نزل.

(٦) فى ل : أراد ، أ : أرادوا.

٣٧٠

له النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إنما أنت امرؤ [١٨٨ أ] من المسلمين لك ما لهم وعليك ما عليهم». قال : «فلك الوبر ولى المدر» (١) فقال له النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : مثل ذلك. قال : «فلى الأمرين من بعدك» قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : مثل قوله الأول «لك ما لهم وعليك ما عليهم». فغضب عامر فقال : «لأملأنها عليك خيلا ، ورجالا ، ألف أشقر عليها ألف أمرد» ثم خرج مغضبا فلقى ابن عمه أربد بن قيس العامري ، فقال عامر لأربد : «ادخل بنا على محمد فألهيه فى الكلام وأنا أقتله ، وإن شئت ألهيته بالكلام وقتلته أنت» قال أربد : «ألهه أنت وأنا أقتله». فدخلا على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأقبل عامر على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يحدثه وهو ينظر (٢) إلى أربد متى يحمل عليه فيقتله ، ثم طال مجلسه فقام عامر وأربد فخرجا فقال عامر لأربد : «ما منعك من قتله؟» قال : «كلما أردت قتله وجدتك تحول بيني وبينه» وأتى جبريل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) ـ فأخبره بما أرادا فدعا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عليهما فقال : «اللهم اكفني عامرا وأربدا واهد بنى عامر (٤)» فأما أربد فأصابته صاعقة فمات ، فذلك قوله ـ تعالى ـ : «وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ» (فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ) يعنى أربد بن قيس (وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ) يعنى يخاصمون فى الله. وذلك أن عامرا قال للنبي ـ صلى الله

__________________

(١) من : ل ، وفى أ : والمدر.

(٢) من : ل ، وفى أ : وينظر.

(٣) فى ل : وأتى جبريل ـ عليه‌السلام ـ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وفى أ : وأتى جبريل النبي ـ عليهما‌السلام.

(٤) فى أ : عامر ، ل : عامرا.

٣٧١

عليه وسلم ـ : «أخبرنى عن ربك أهو من ذهب (١) ، أو من فضة ، أو من نحاس (٢) ، أو من حديد ، أو ما هو؟» فهذا القول خصومته فأنزل الله ـ تعالى ـ : «قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد» (٣) يقول ليس هو من نحاس ولا من غيره. وسلط الله عليه الطاعون فى بيت امرأة من بنى سلول فجعل يقول عامر قتيل بغير سلاح غدة كغدة البعير وموت فى بيت سلولية ابرز يا ملك الموت (٤) حتى أقاتلك ، فذلك قوله : (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) ـ ١٣ ـ يعنى الرب ـ تعالى ـ نفسه. يعنى شديد الأخذ إذا أخذ نزلت فى عامر بن الطفيل ، وأربد بن قيس (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) يعنى كلمة الإخلاص (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) يعنى والذين يعبدون من دون الله من الآلهة وهي الأصنام (لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ) يقول لا تجيب الآلهة من يعبدها ولا تنفعهم كما لا ينفع العطشان الماء «يبسط يده إلى الماء وهو على شفير بئر يدعوه أن يرتفع إلى فيه (٥)» (لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ) حتى يموت من العطش فكذلك لا تجيب (٦) الأصنام ، ثم قال : فادعوا يعنى فادعوا الأصنام (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ) يعنى وما عبادة الكافرين (إِلَّا فِي ضَلالٍ) ـ ١٤ ـ يعنى خسران وباطل (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ)

__________________

(١) فى أ : أمن ذهب ، ل : أهو من ذهب.

(٢) فى أ : أو من نحاس ، ل : أو نحاس.

(٣) سورة الإخلاص.

(٤) الموت : ساقطة من أ ، وهي من ل.

(٥) ما بين القوسين «...» زيادة من الجلالين والبيضاوي لتصحيح المعنى.

وفى أ ، ل : حين يرفع الماء بيده إلى فيه. ا ه وتلاحظ أنه تفسير غير المراد من الآية.

(٦) من ل. وفى أ : لا يجيبون.

٣٧٢

يعنى الملائكة (وَالْأَرْضِ طَوْعاً) يعنى المؤمنين ثم قال : (وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ) يعنى ظل الكافر كرها يسجد لله وهو (بِالْغُدُوِّ) حين تطلع الشمس (وَالْآصالِ) ـ ١٥ ـ يعنى بالعشي إذا زالت الشمس يسجد ظل الكفار لله وإن كرهوا (قُلْ) يا محمد لكفار مكة [١٨٨ ب](مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ) فى قراءة أبى بن كعب ، وابن مسعود «قالوا الله» : (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ) الله (١) (أَوْلِياءَ) تعبدونهم يعنى الأصنام (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ) يعنى الأصنام لا يقدرون لأنفسهم (نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى) عن الهدى (وَالْبَصِيرُ) بالهدى يعنى الكافر والمؤمن (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ) يعنى الشرك (وَالنُّورُ) يعنى الإيمان ولا يستوي من كان فى الظلمة كمن كان فى النور ثم قال يعنيهم : (أَمْ جَعَلُوا) يعنى وصفوا (لِلَّهِ شُرَكاءَ) من الآلهة (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) يقول خلقوا كما خلق الله (فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) يقول فتشابه ما خلقت الآلهة والأصنام وما خلق الله عليهم ، فإنهم لا يقدرون أن يخلقوا ، فكيف يعبدون ما لا يخلق شيئا ، ولا يملك ، ولا يفعل ، كفعل الله ـ عزوجل ـ (قُلْ) لهم يا محمد : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ) لا شريك له (الْقَهَّارُ) ـ ١٦ ـ والآلهة مقهورة وذليلة. ثم ضرب الله ـ تعالى ـ مثل الكفر والإيمان ، ومثل الحق والباطل فقال : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) وهذا مثل القرآن الذي علمه المؤمنون وتركه الكفار (٢) فسال الوادي الكبير على قدر كبره «منهم من حمل منهم كبيرا (٣)» والوادي الصغير على قدره

__________________

(١) فى أ ، ل : من دون الله.

(٢) فى أ ، ل : علمه المؤمنين وتركه الكفار.

(٣) هكذا فى أ ، ل. والأنسب حذف هذه الجملة أو يقال (منهم من حمل منه كبيرا)

٣٧٣

(فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ) يعنى سيل الماء (زَبَداً رابِياً) يعنى عاليا (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ) أيضا (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) يعنى الذهب ، والفضة ثم قال : (أَوْ مَتاعٍ) يعنى المشبه (١) ، والصفر ، والحديد ، والرصاص ، له أيضا (زَبَدٌ مِثْلُهُ) فالسيل زبد لا ينتفع به ، والحلي ، والمتاع له أيضا زبد ، إذا أدخل النار أخرج خبثه ، ولا ينتفع به ، والحلي ، والمتاع له أيضا زبد ، إذا أدخل النار أخرج خبثه ، ولا ينتفع به ، والذهب والفضة والمتاع ينتفع به ، ومثل الماء مثل القرآن وهو الحق ، ومثل الأودية مثل القلوب ، ومثل السيل مثل الأهواء. فمثل الماء ، والحلي ، والمتاع ، الذي ينتفع به مثل الحق الذي فى القرآن ، ومثل زبد الماء ، وحيث المتاع ، الذي لا ينتفع به مثل الباطل فكما ينتفع بالماء وما خلص من الحلي والمتاع الذي ينتفع به أهله فى الدنيا فكذلك الحق ينتفع به أهله فى الآخرة. وكما لا ينتفع بالزبد وخبث الحلي والمتاع أهله فى الدنيا فكذلك الباطل لا ينتفع أهله فى الآخرة (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً) يعنى يابسا لا ينتفع به الناس كما لا ينتفع بالسيل (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) فيستقون ويزرعون عليه وينتفعون به يقول : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) ـ ١٧ ـ يعنى الأشباه فهذه الثلاثة الأمثال ضربها (٢) الله فى مثل واحد (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) لهم فى الآخرة وهي الجنة (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ) [١٨٩ أ] بالإيمان وهم الكفار (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ) فقدروا على أن يفتدوا به أنفسهم من العذاب (لَافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ) يعنى شدة الحساب حين لا يتجاوز عن شيء من ذنوبهم (وَمَأْواهُمْ) يعنى مصيرهم

__________________

(١) هكذا فى : أ ، ل. ولعل المراد ما يشبه الحلية.

(٢) هكذا فى : أ ، ل. والأولى فهذه الأمثال الثلاثة أو ثلاثة الأمثال.

٣٧٤

(جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) ـ ١٨ ـ يعنى بئس ما مهدوا لأنفسهم ثم ضرب مثلا آخر فقال : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) يعنى القرآن نزل فى عمار ابن ياسر (كَمَنْ هُوَ أَعْمى) عن القرآن لا يؤمن بما أنزل من القرآن فهو أبو حذيفة بن المغيرة المخزومي لا يستويان هذان (١) وليسا بسواء ثم قال : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ) فى هذا الأمر (أُولُوا الْأَلْبابِ) ـ ١٩ ـ يعنى عمار بن ياسر ، يعنى أهل اللب والعقل نظيرها فى الزمر «هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون» (٢) نزلت فى عمار وأبى حذيفة (٣) بن المغيرة الاثنين جميعا ثم نعت الله أهل اللب فقال : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) فى التوحيد (وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) ـ ٢٠ ـ الذي أخذ الله عليهم على عهد آدم ـ عليه‌السلام ـ ويقال : هم مؤمنو أهل الكتاب (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ «أَنْ يُوصَلَ) (٤)» من إيمان بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والنبيين والكتب كلها (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) فى ترك الصلة (وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) ـ ٢١ ـ يعنى شدة الحساب حين لا يتجاوز عن شيء من ذنوبهم (وَالَّذِينَ صَبَرُوا) على ما أمر الله نزلت فى المهاجرين والأنصار (ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ) من الأموال (سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ) يعنى ويدفعون (بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) إذا أذاهم كفار مكة فيردون عليهم معروفا (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) ـ ٢٢ ـ

__________________

(١) فى أ : هذا مثلا ، ل : هذه وتشبه هذان.

(٢) سورة الزمر : أ.

(٣) فى ل : وحذيفة ، أ : وأبى حذيفة.

(٤) «أن يوصل» : ساقطة من أ ، وهي فى ل.

٣٧٥

يعنى عاقبة الدار فقال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ) يعنى ومن آمن (١) بالتوحيد بعد هؤلاء (مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) يدخلون عليهم أيضا معهم جنات عدن نظيرها فى «حم» المؤمن ثم (٢) قال : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ) ـ ٢٣ ـ على مقدار أيام الدنيا ثلاث عشرة مرة ، معهم التحف من الله ـ تعالى ـ ، من جنة عدن ما ليس فى جناتهم ، من كل باب ، فقالوا لهم : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) فى الدنيا على أمر الله (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) ـ ٢٤ ـ يثنى الله على الجنة عقبى الدار. عاقبة حسناهم دار الجنة ، ثم قال : (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) يعنى كفار أهل الكتاب (مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) يعنى من بعد إقرارهم بالتوحيد يوم آدم ـ عليه‌السلام ـ (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) من الإيمان بالنبيين وبالتوحيد وبالكتاب (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) هؤلاء ، يعنى يعملون فيها بالمعاص (٣) (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) ـ ٢٥ ـ يعنى شر الدار جهنم ، (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) يعنى يوسع الرزق على من يشاء (وَيَقْدِرُ) يعنى ويقتر على من يشاء [١٨٩ ب](وَفَرِحُوا) يعنى ورضوا (بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) ـ ٢٦ ـ يعنى إلا قليل (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة وهم القادة (لَوْ لا أُنْزِلَ) يعنى هلا أنزل (عَلَيْهِ) يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) عن

__________________

(١) فى أ : أمر ، ل : آمن.

(٢) يشير إلى الآية ٨ من سورة غافر وتمامها : (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(٣) هكذا فى أ ، ل ، والأنسب بالمعاصي.

٣٧٦

الهدى (وَيَهْدِي إِلَيْهِ) (١) إلى دينه (مَنْ أَنابَ) ـ ٢٧ ـ يعنى من راجع التوبة (٢) ثم نعتهم فقال : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) يقول وتسكن قلوبهم بالقرآن يعنى بما فى القرآن من الثواب والعقاب يقول الله تعالى : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) ـ ٢٨ ـ يقول ألا بالقرآن تسكن القلوب ثم أخبر بثوابهم فقال : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ) يعنى حسنى لهم وهي بلغة العرب (٣) ، (وَحُسْنُ مَآبٍ) ـ ٢٩ ـ يعنى وحسن مرجع وطوبى شجرة فى الجنة لو أن رجلا ركب فرسا أو نجيبة وطاف على ساقها لم يبلغ المكان الذي ركب منه حتى يقتله الهرم ، ولو أن طائرا طار من ساقها لم يبلغ فرعها حتى يقتله الهرم ، كل ورقة منها تظل أمة من الأمم على كل ورقة منها ملك يذكر الله ـ تعالى ـ ولو أن ورقة منها وضعت فى الأرض لأضاءت الأرض نورا كما تضيء الشمس تحمل هذه الشجرة لهم ما يشاءون من ألوان الحلي ، والثمار غير الشراب (٤) (كَذلِكَ) يعنى هكذا (أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ) يعنى قد مضت قبل أهل مكة ، يعنى الأمم الخالية (٥) ، (لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يعنى لتقرأ عليهم القرآن (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) نزلت يوم الحديبية حين صالح النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أهل مكة فكتبوا (٦) بينهم كتابا وولى

__________________

(١) فى أ : «ويهدى إلى دينه».

(٢) هكذا فى أ ، ل.

(٣) هكذا فى أ ، ل.

(٤) هذا الوصف من الإسرائيليات التي وضعها مقاتل فى تفسيره ، ولينه لم يفعل.

(٥) من ل. وفى أ : قيل كفار مكة ، أمة يعنى الأمم الخالية.

(٦) فى أ : وكتبوا ، وفى ل : فكتبوا.

٣٧٧

الكتاب على بن أبى طالب فكتب بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل بن عمرو القرشي : ما نعرف الرحمن (١) إلا مسيلمة ولكن اكتب باسمك اللهم. فأمره النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، أن (٢) يكتب باسمك اللهم. ثم قال له النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : اكتب هذا ما صالح (٣) عليه محمد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أهل مكة. فقالوا : ما نعرف أنك رسول الله ، لقد ظلمناك إذا إن كنت رسول الله ثم نمنعك عن دخول المسجد الحرام. ولكن اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله. فغضب أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : دعنا نقاتلهم. فقال : لا. ثم قال لعلى : اكتب الذي يريدون أما أن لك يوما مثله ، وقال (٤) النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أنا محمد بن عبد الله ، وأشهد أنى رسول الله فكتب هذا صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة على أن ينصرف محمد من عامه هذا ، فإذا كان القابل (٥) دخل مكة فقضى عمرته وخلى (٦) أهل مكة [١٩٠ أ] بينه وبين مكة ثلاث ليال. فأنزل الله ـ تعالى ـ فى قول (٧) سهيل وصاحبيه مكرز بن حفص بن الأحنف ، وحويطب بن عبد العزى ، كلهم من قريش حين قالوا : ما نعرف الرحمن ـ إلا مسيلمة فقال تعالى : «وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ» (قُلْ هُوَ رَبِّي) يا محمد قل : الرحمن ، الذي يكفرون به هو ربى

__________________

(١) فى ل : الرحمن الرحيم ، : الرحمن.

(٢) من ل ، وهي ساقطة من أ.

(٣) من ل ، وفى أ : هذا كتابا صالح عليه.

(٤) فى أ ، ل : فقال.

(٥) هكذا فى أ ، ل. والمراد : العام القابل.

(٦) فى ، ل : وخلا.

(٧) فى ل : فى ، أ : من.

٣٧٨

(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) يقول به أثق (وَإِلَيْهِ مَتابِ) ـ ٣٠ ـ يعنى التوبة نظيرها فى الفرقان (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً) (١) (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) وذلك أن أبا جهل بن هشام (٢) المخزومي قال لمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : سير لنا بقرآنك هذا الجبل عن مكة فإنها أرض ضيقة فنتسع فيها ونتخذ فيها المزارع والمصانع كما سخرت لداود ـ عليه‌السلام ـ إن كنت نبيا كما تزعم. قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : لا أطيق ذلك. قال أبو جهل : فلا عليك فسخر لنا هذه الريح فنركبها إلى الشام فنقضى ميرتنا ثم نرجع من يومنا فقد شق علينا طول السفر كما سخرت لسليمان كما زعمت ، فلست بأهون على الله من سليمان إن كنت نبيا كما تزعم وكان يركبها سليمان وقومه غدوة فيسير مسيرة شهر. قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : لا أطيق ذلك ، قال أبو جهل : فلا عليك ابعث لنا رجلين أو ثلاثة ممن مات من آبائنا منهم قصى بن كلاب فإنه كان شيخا صدوقا ، فنسأله عما أمامنا مما تخبرنا (٣) أنه كائن (٤) بعد الموت أحق ما تقول أم باطل. فقد كان (٥) عيسى يفعل ذلك بقومه ، كما زعمت ، فلست بأهون على الله من عيسى إن كنت نبيا كما تزعم. قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ليس إلى ذلك. قال أبو جهل : فإن كنت غير فاعل فلا ألفينك تذكر آلهتنا بسوء ، فأنزل الله ـ تعالى ـ : «وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ» (أَوْ قُطِّعَتْ

__________________

(١) سورة الفرقان : ٧١.

(٢) ابن هشام : ساقطة من أ ، وهي فى ل.

(٣) فى أ : عن أمامنا عما تخبرنا.

(٤) فى أ : كائن ، ل : كان.

(٥) فى أ : فكان ، حاشية أ : فقد كان ، ص. م : فكان.

٣٧٩

بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) يقول لو أن قرآنا فعل ذلك به قبل هذا القرآن لفعلناه بقرآن محمد ـ عليه‌السلام ـ ولكنه (١) شيء أعطيه رسلي فذلك قوله : (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) يقول بل جميع ذلك الأمر كان من الله ليس من قبل القرآن (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ) يقول تصيبهم بما كفروا بالله بائقة وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان لا يزال يبعث سراياه (٢) فيغيرون حول مكة فيصيبون من أنفسهم ، ومواشيهم ، وأنعامهم ، فيها تقديم ، ثم قال : (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) يقول أو تنزل يا محمد بحضرتهم يوم الحديبية قريبين (٣) (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) فى فتح (٤) مكة وكان الله ـ تعالى ـ وعد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يفتح عليه مكة فذلك قوله : (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) ـ ٣١ ـ [١٩٠ ب](وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) : من الرسل قبل محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أخبروا قومهم بنزول العذاب عليهم فى الدنيا فكذبوهم واستهزءوا منهم بأن العذاب ليس بنازل بهم (٥) فلما أخبر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كفار مكة استهزءوا منه فأنزل الله ـ تعالى ـ يعزى نبيه ـ عليه‌السلام ـ ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب «وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ» (فَأَمْلَيْتُ) يعنى فأمهلت

__________________

(١) مكررة فى أ.

(٢) فى أ ، ل : سرية.

(٣) فى أ : مرتين ، ل : قريبين.

(٤) فى أ : وفتح ، وفى حاشية أ : وهو فتح محمد. ، ل : فى فتح.

(٥) فى أ : لهم ، ل : بهم.

٣٨٠