موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٩

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٩

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-97-3
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٤٩٦

وأمّا عن سبب عمى ابن عباس ، فقد ذكرت في الجزء الرابع من الحلقة الأولى ما يغني عن إعادته.

وأمّا عن مشاورته عائشة وأم سلمة وأبا هريرة وجماعة من الصحابة فلم يرخصوا له في إجراء العملية ، وقالوا له : أرأيت إن متّ في هذه الأيام كيف تصنع بصلاتك؟

وبهذا أثبت الراوي جهل ابن عباس بوظيفته الشرعية ، فهو لا يعلم كيف يعمل فيستفتي عائشة وأبا هريرة وبعض الصحابة!!

فأين أثر دعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له بأن يفقهه في الدين ويعلّمه الحكمة؟!

وأين صارت شهادة عائشة في سنة ( ٣٥ هـ ) فسألت : من ولي أمارة الموسم؟ فقيل لها : ابن عباس ، قالت : أنّه أعلم الناس بالحج! فكيف صار الآن لا يعرف تكليفه الشرعي؟!

وهو الذي قال عنه طاووس : ( رأيت سبعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا تدارؤا صاروا إلى قول ابن عباس ).

وقد مرّت بنا هذه الأقوال وغيرها في الجزء الثاني من هذه الحلقة فراجعها تجدها مع مصادرها.

وقد قرأنا شواهد ومشاهد في أعقاب حرب الجمل فيها مواقف متشنجة بين ابن عباس وعائشة ، فكيف نستغفل عقولنا ونقبل ما رواه الرواة ممن طُبعوا على حبّ أم المؤمنين ، فصارا يبنون لها أهرامات من الفضائل تفوق أهرامات مصر الفرعونية!

٣٠١

( الحديث الرابع ) :

ما رواه الزركشي عن ابن عباس في بدعية صلاة ركعتين بعد العصر ، حيث روي : ( أنّ معاوية صلى صلاة العصر ثم قام ابن الزبير فصلى بعدها ، فقال معاوية : يا بن عباس ما هاتان الركعتان؟ فقال : بدعة وصاحبها صاحب بدعة ، ولمّا فرغ ابن الزبير سألهما عما قالاه فأخبراه ، قال : ما ابتدعت ، ولكن حدثتني خالتي عائشة. فأرسل معاوية إليها ، فقالت : صدق ، حدثتني أم سلمة ، فأرسل إلى أم سلمة : أنّ عائشة حدثتنا عنكِ بكذا ، فذكرت أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم صلى ذات يوم بعد العصر ( فقمت وراءه فصليت ) فلما أنفتل قال : ما شأنك؟ قلت : رأيتك يا نبيّ الله صليت وصليت معك ، فقال : إنّ عاملاً لي على الصدقات قدم عليَّ فجمعت عليه ).

ثم روى الزركشي عن الصحيحين ، عن كريب : أنّ ابن عباس وابن أزهر والمسور أرسلوا إلى عائشة لأنّهم أخبروا أنّها تصليها والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها ، فقالت : سلوا أم سلمة ... ثم ذكر نحو ما سبق.

فهذا الحديث يدلّ على مخالفة عائشة لنهي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الإتيان بهما ، وأنّ ابن عباس كان هو وعمر يضربان الناس عنها. فالأحرى أن يعدّ الزركشي هذا الحديث ممّا إستدركه ابن عباس على عائشة لا العكس! لكن الزركشي شغوف بلملمة أخبار عائشة مع الصحابة وإن إستلزم ذلك توهيناً لها من حيث يدري ولا يدري.

٣٠٢

( الحديث الخامس ) :

ما رواه الزركشي عن ابن عباس فهو لا يستبطن كذبه متناً فقط ، بل تكفي آفة سنده ، فقد أعلّه المنذري بيزيد بن أبي زياد ، وقال غير واحد من الأئمة أنّه لا يحتج بحديثه ، ومهما يكن حال السند ، فإنّ ما رواه ابن عباس كما في المتن هو أولى بالقبول لحضوره مع أهل البيت مراسيم الدفن.

ولكن هلّم الخطب فيما روته عائشة فهو محلّ الشك في صدقه ، إذ لم تكن حاضرة حين التكفين! أليس هي التي كانت مع النساء اللواتي يلتدمن كما تقول هي فيما رواه أحمد في مسنده عنها ، قالت : ( مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين سحري ونحري ، وفي دولتي لم أظلم فيه أحداً ، فمن سفهي وحداثة سني أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت التدم مع النساء وأضرب وجهي ) (١) ، وقد قالت أيضاً : ( ما علمنا بدفن رسول الله حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ( ليلة الأربعاء .. ) (٢).

فمتى حضرت التكفين ورأت ثياب الكفن؟!

فكلّ ما ورد عنها في هذا الشأن مشكوك في صحته ، لأنّها تريد إستبعاد عليّ عليه السلام وأهل البيت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

____________________

(١) مسند أحمد ٦ / ٢٧٤.

(٢) الإستيعاب ١ / ٤٧.

٣٠٣

وأنكى من ذلك إستبدالهم بآل أبي بكر! فهلمّ وأقرأ ما روته من خبر الحلّة التي أشتريت ليكفن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأدرجوه فيها ثم نزعت عنه.

فلنقرأ الخبر برواية ابن قدامة المقدسي الحنبلي في كتابه ( المغني ) وهو غير متهم عليها ، فقال في الخبر : ( وهو أصح حديث روي في كفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعائشة أقرب إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأعرف بأحواله ، ولهذا لما ذكر لها قول الناس أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كُفن في برد ، قالت : قد أتي بالبُرد ولكنهم لم يكفنوه فيه ، فحفظت ما أغفله غيرها. وقالت أيضاً : أدرج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في حلّة يمنية كانت لعبد الله بن أبي بكر ، ثم نزعت عنه ، فرفع عبد الله بن أبي بكر الحلّة وقال : أكفن فيها ، ثم قال : لم يكفن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتصدق بها ). قال ابن قدامة : رواه مسلم (١).

أقول : فهل تطلب أثراً بعد عين ، وتريد سخفاً بعد ميَن؟

فعائشة وعبد الله بن أبي بكر بطلا الحضور في الإحتضار والتكفين! وليذهب أهل البيت عليهم السلام جميعاً في غيابات الحقد الدفين ، كما تريد أم المؤمنين ، وليكتب الزركشي ما يزركش به أخبارها ولو على حساب الآخرين.

على أن ابن شهاب الزهري ـ وهو غير متهم على عائشة ـ قال : ولم يله إلاّ أقاربه (٢).

____________________

(١) المغني ٢ / ٣٢٩.

(٢) أنظر دلائل النبوة للبيهقي ٧ / ٢٣٤ ، عن هامش ، التمهيد لابن عبد البر ٩ / ٣٥٨ ط الإحياء للتراث العربي.

٣٠٤

( الحديث السادس ) :

ما رواه الزركشي عن عكرمة عن ابن عباس في حديث ( رأى ربّه مرتين ) ، وإنكار عائشة عليه الرؤية ، والخبر الذي رواه في سنده من قال فيه ابن المبارك : أرم به ، لكن الزركشي لم يرم به ، بل أطال في جميع ما يتعلق بالموضوع وحكى قول ابن خزيمة : أنّ الخطاب وقع لعائشة على قدر عقلها.

وحكى قول أحمد : ما زلت منكراً لهذا الحديث وما أدري ما وجهه.

ثم الحديث في متنه : ( قال ابن عباس : ( رأى محمد ربّه ) ، وابن عباس لم يكن يقول بالرؤية البصرية كما هو واضح من لفظ الحديث الذي ذكره الزركشي نقلا ًعن الترمذي في التفسير ، وهو مخالف لقول الله تعالى : ( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )(١).

وفي سنده من هو مخدوش ، ورواية مسلم له في الصحيح لا تضفي عليه شرعية أبداً ـ فكم في كتابي الصحيح من حديث غير صحيح ـ وسيأتي عن ابن عباس في جواب نجدة بن عامر ـ عويمر ـ الخارجي وقد سأله : ( كيف معرفتك بربّك؟ ... فأجابه ... أعرفه بما عرّف به نفسه تبارك وتعالى من غير رؤية ، وأصفه بما وصف به نفسه ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ... ) ، فهذا ينفي صحة نسبة القول بالرؤية البصرية إليه ، وسيأتي خبره مع نجدة فيما يأتي.

____________________

(١) الأنعام / ١٠٣.

٣٠٥

ومجرد رواية الترمذي عن عكرمة ذلك ، لا يضفي عليه الصحة.

ولم لا يكون الخبر من بعض أكاذيب عكرمة على مولاه ، وقد مرّت بعض الشواهد على ذلك ، كما سيأتي غيرها.

( الحديث السابع ) :

ما ذكره الزركشي في إحالة ابن عباس معرفة الوتر عليها ـ في حديث رواه مسلم في صحيحه ـ وأنّ سعد بن هشام سأل ابن عباس عن الوتر ، فقال : ( ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال : نعم ، قال عائشة ) (١).

أقول : إنّ هذا الحديث الذي ذكره لا يصح الإعتماد عليه! لإختلاف النقل عن عائشة ، فقيل : الإختلاف منها ، وقيل : هو من الرواة عنها ، كما ذكره الزركشي نفسه.

وكيف نصدّق نحن بالخبر ، وابن عباس الذي كان يبيت في بيت خالته ميمونة ليحفظ ما يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من صلاة وأذكار ـ وقد مرّت في الحلقة الأولى في الجزء الأوّل عدّة شواهد على هذا ـ فكيف صار لا يعلم عن صلاة الوتر شيئاً حتى أحال على أعلم أهل الأرض؟ يا لها من دعوى عريضة مريضة!!

لكن زوامل الأسفار يكتبون ما راق لهم ، أو يملى عليهم من السلطات الحاكمة من رفعهم عائشة إلى مقام لم تكن فيه عالمة ولا حالمة.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ / ٢٦٩ ط صبيح.

٣٠٦

( الحديث الثامن ) :

ما ذكره الزركشي من حديث عائشة وقد ردت على ابن عباس قراءته قوله تعالى : ( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) بالتخفيف ، فذكر الزركشي ما أخرجه البخاري في صحيحه في التفيسر عن ابن أبي مليكة قال ابن عباس : ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا )(١) الخ بالتخفيف ... إلى آخر الخبر ، بينما كانت عائشة تقرؤها ( كُذّبُوا ) مثقلة.

أقول : ما مرّ من إختلاف القراءة فيه نظر! فإنّ القراءة بالتخفيف هي قراءة أهل البيت عليهم السلام عليّ وزين العابدين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وزيد بن علي وابن عباس ، وهي أيضاً قراءة ابن مسعود وسعيد بن جبير وعكرمة والضحاك والأعمش وغيرهم ، وهي قراءة أهل الكوفة (٢).

وقد أطنب الطبري في تفسيره ، فساق ثماني عشرة رواية عن ابن عباس مؤداها متفق عليه بين الرواة عن ابن عباس ، وأوّلها بسند الطبري ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس ، في قوله : ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا )(٣) ، قال : ( لمّا أُيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم ، وظنّ قومهم أنّ الرسل قد كذبوهم جاءهم النصر على ذلك ، فننجي من نشاء ) (٤).

____________________

(١) يوسف / ١١٠.

(٢) مجمع البيان ٥ / ٤٦٥ ط الأعلمي.

(٣) يوسف / ١١٠.

(٤) تفسير الطبري ١٣ / ٨٢ ـ ٨٣.

٣٠٧

وما جاء في بعضها أنّ ابن عباس قال : إنّهم ـ أي الأنبياء ـ بشر ، أي أنّهم هم الذين ظنوا ، فهذا وهم في الفهم ، فابن عباس لم يقل ذلك.

وقد ورد في ( عيون أخبار الرضا عليه السلام ) للشيخ الصدوق ، بسنده : عن علي بن محمد بن الجهم : أنّ المأمون قال لأبي الحسن ـ الرضا عليه السلام ـ : فأخبرني عن قول الله تعالى : ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا )(١)؟ قال الرضا عليه السلام : يقول الله : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم فظن قومهم أنّ الرسل قد كذبوا ، جاء الرسل نصرُنا.

وهذا هو عين ما رواه ثلاثة من تلاميذ ابن عباس ، كما في ( الدر المنثور ) للسيوطي في تفسير الآية ، قال : ( أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابراهيم ، عن أبي حمزة الجزري ، قال : صنعت طعاماً فدعوت ناساً من أصحابنا منهم : سعيد بن جبير ، والضحاك بن مزاحم ، فسأل فتى من قريش سعيد بن جبير ، فقال : يا أبا عبد الله كيف تقرأ هذا الحرف ، فإنّي إذا أتيت عليه تمنيت أنّي لا أقرأ هذه السورة .. ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا )؟ قال : نعم ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدّقوهم وظنّ المرسَل إليهم أنّ الرسل قد كُذبوا .. فقال الضحاك : لو رحلت في هذه إلى اليمن لكان قليلاً ) (٢).

ومهما يكن فحسب القارئ من فقاهة السيدة عائشة أنّها لم تكن ترى

____________________

(١) يوسف / ١١٠.

(٢) الدر المنثور ٤ / ٤١.

٣٠٨

نفسها أم المؤمنين رجالاً ونساءً! بينما كانت أم المؤمنين أم سلمة ترى أنّها أم المؤمنين رجالاً ونساءاً. أخرج ابن سعد في ( الطبقات ) بسنده : ( عن مسروق ، عن عائشة في قوله : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ )(١). قال : فقالت لها أمرأة : يا أمه ، فقالت عائشة : أنا أم رجالكم ولست أم نسائكم ، قال : فذكرت هذا الحديث لعبد الله بن موسى المخزومي ، فقال : أخبرني مصعب بن عبد الله بن أبي أمية عن أم سلمة ، أنّها قالت : أنا أم الرجال منكم والنساء ) (٢).

أقول : وأحسب أنّ عائشة قالتها في ساعة غضب على النساء اللاتي كنّ يسألنها عن شرعية خروجها في حرب الجمل كأم جميع وأضرابها.

وإلى هنا فلنترك الأفغاني ونبعده قصياً ، بعد أن قرأناه نَسِيّاً وفَرِيّاً. ولنبصّر القارئ بأنّ الزركشي لم يكن دقيقاً في إختياره اسم كتابه ، إذ تبيّن أنّ ما ذكره تحت عنوان ( استدراكها على ابن عباس ) لم يكن خالياً من الإلباس ، وما ذكره لو يصح ولا يَصح ـ لا يعني أنّ بين عائشة وابن عباس من الوئام ما يصح معه زعم التواصل والتساؤل في الأحكام ، بل أنّ ابن عباس وعائشة عاشا بعد حرب الجمل متهاجرَيْن تقريباً ، وبقيا على حالهما كذلك حتى ماتت عائشة ، ولعلّه اشتدت المهاجرة والمخاصمة في عهد معاوية حين تناصرت هي وإياه على عداوة أهل البيت عليهم السلام. وكان ابن

____________________

(١) الأحزاب / ٦.

(٢) الطبقات الكبرى ٨ / ١٢٨.

٣٠٩

عباس رجل الساعة والساحة المناصر لأهل البيت عليهم السلام ، كما يظهر بوضوح من مواقفه مع الأمويين وشيعتهم ، كما كانت عائشة تدعمهم فيما ترويه لهم من أحاديث ، والشواهد على ذلك متوفرة.

فقد أخرج الحافظ الكنجي الشافعي في ( كفاية الطالب ) وعنه الأربلي في ( كشف الغمة ) قال : ( روى الكنجي بسنده المنتهى إلى أبي صالح قال : ذكر عليّ بن أبي طالب عليه السلام عند عائشة وابن عباس حاضر ، فقالت عائشة : كان من أكرم رجالنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فقال ابن عباس : وأيّ شيء يمنعه عن ذاك؟ اصطفاه الله لنصرة رسوله ، وارتضاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأخوّته ، واختاره لكريمته ، وجعله أبا ذريته ووصيّه من بعده ، فإن ابتغيتِ شرفاً فهو في أكرم منبت وأورق عود ، وإن أردتِ إسلاماً فأوفر بحظه وأجزل بنصيبه ، وإن أردتِ شجاعته فبَهمة حرب وقاضية حتم ، يصافح السيوف أنساً ، لا يجد لوقعها حسّاً ، ولا ينهنه نعنعة ، ولا تفله الجموع ، الله ينجده ، وجبرئيل يرفده ، ودعوة الرسول تعضده ، أحدّ الناس لساناً ، وأظهرهم بياناً ، وأصدعهم بالصواب في أسرع جواب ، عظته أقلّ من عمله ، وعمله يعجز عنه أهل دهره ، فعليه رضوان الله ، وعلى مبغضيه لعائن الله ) (١).

وإنّما قال ابن عباس رضي الله عنه هذا لأنّه كان يعلم من عائشة موقفها المتشنج إزاء أهل البيت عليهم السلام خصوصاً الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وحتى

____________________

(١) كشف الغمة ١ / ٣٦٣ ، كما في البحار ٤٠ / ٥١ ط الجديدة.

٣١٠

الحسن والحسين عليهما السلام ، فلم تكن تأذن لهما بالدخول عليها ، وإذا أذنت احتجبت منهما ، وكان ابن عباس يشجب موقفها هذا ، فقد أخرج ابن سعد في ( الطبقات الكبير ) بسنده عن عكرمة قال : ( سمعت ابن عباس يقول ـ وبلغه أنّ عائشة احتجبت من الحسن بن علي ـ فقال : إنّ رؤيته لها لحلّ ) (١).

وقد مرّت بنا في الجزء الخامس من الحلقة الأولى محاورة ابن عباس مع عائشة عند موت الحسن عليه السلام فليرجع القارئ إليها. فهي محاورة تكشف عن مبلغ التشنج عند الطرفين المتباعدين المتباغضين.

وقد إستدام حقد عائشة حتى عند موتها ، فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده بسنده عن ذكوان مولى عائشة : ( أنّه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت وعندها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن ، فقال : هذا ابن عباس يستأذن عليك وهو من خير بنيك.

فقالت : دعني من ابن عباس ومن تزكيته.

فقال لها عبد الله بن عبد الرحمن : إنّه قارئ لكتاب الله فقيه في دين الله ، فأئذني له فليسلّم عليك وليودّعك.

قالت : فأئذن له إن شئت.

قال : فإذن له ، فدخل ابن عباس ثم سلّم وجلس ، وقال : أبشري أم المؤمنين ..

____________________

(١) الطبقات الكبرى٨ / ١٢٨ط ليدن.

٣١١

فقالت : دعني يا بن عباس من هذا ، فو الله لوددت أنّي كنت نسياً منسيّاً (١) (٢). فقد جزعت حين احتضرت. فقيل لها ، فقالت : أعترض في حلقي يوم الجمل ) (٣).

وإلى هنا ننهي الحديث عن ابن عباس مع عائشة ، ونستقبل بقية محاوراته مع معاوية وأشياعه.

____________________

(١) مسند أحمد ١ / ٣٤٩ ط الأولى و ٥ / ٩٠ برقم ( ٣٢٦٢ ) ط شاكر.

(٢) قال شاكر : في هامش الحديث برقم ( ٢٤٩٦ ) إسناده صحيح وهو مطول ١٩٠٥ ، ورواه البخاري ٨ / ٣٧١ ـ ٣٧٢ مختصرا.

(٣) ربيع الأبرار للزمخشري ٣ / ٣٤٥.

٣١٢

محاورات ابن عباس مع معاوية

قميصّ عثمان أضحى مضربَ المثل

لكلّ ثائرة من أخبث الحيل

في كلّ واقعة كذباً مخادعةً

صار الشعار لعيّابين في الدوَل

لو ينشر اليوم عثمانٌ لطالبهم

مع القصاص له بالغُنم من نفَل

فليته لو وعى نصحاً لجنّبه

تلك المآسي ولكن شاب عن عَذَل

فكان ما كان من أمرٍ تخيّره

شيخٌ ضعيفٌ هوى في حمأة الزَلَل

فأورث الناس آلاماً بمقتله

زلّت به النعل فالتاثته بالوَحَل

فأوّل القوم من نادوا بمقتله

ثاروا له اليوم يا للقلب الحَوِل

هم ناقموا الأمس قد جاؤا بأمّهمُ

وسيرّوا عسكراً في وقعة الجَمَل

وعاهل الشام أدلى في قليبهم

فقد رأى فرصة وافت لمهتبل

فحرب صفين قد أورى شرارتها

في النهروان فأورت كُلِّ ذي شُعلِ

حتى الطفوف وقتل السبط من ذَحل

حرق الخيام بتلك النار لم يَزل

ما ثأر عثمان أحماهم وأغضبهم

لولا الخلافة عادت للإمام عليّ

تلكم قريشُ لتأبى أن ترى رجلا

بالأمس قاتلهم واليوم فيه يلي

٣١٣

فأعصبوا قتل عثمان بحيدرة

أبناءُ من سجدوا دهراً إلى هُبل

هذا عليّ وهذي بعضُ محنته

أن يعصبوه دماً من خاتم الرّسُل

قال الزمخشري : قميص عثمان الذي قتل فيه ، مَثَلٌ فيما يهيّج الحزن ويجدّد الحسرة والبكاء ، وعن عمرو بن العاص : أنّه لمّا أحسّ من العسكر فتوراً أشار على معاوية بأن يبرز لهم قميص عثمان ، فلمّا وقعت عيونهم عليه ، ارتفعت صيحتهم بالبكاء والنحيب ، وجدّوا في الحرب فعندها قال حرّك لها حوارها تحنّ (١).

مَن هم قتلة عثمان؟ هل هم بنو هاشم؟ أم هم بنو أمية؟

هذا سؤال قد يثير استغراباً لدى القارئ إذ لم يرد في التاريخ أنّ واحداً من هؤلاء قد شارك في قتل عثمان ، مباشرة ، فلماذا إذن السؤال؟

والجواب يُعرف من الأبيات المتقدمة ، وعلى هذا الوتر كانت أصابع معاوية تضرب وأبواقه تعزف بأنّ عليّاً قتل عثمان! وإذا حوقق قال : آوى قتلته!

ولم يكن ابن عباس بعيداً عن مرمى معاوية في حجارته لعداوته ، وسنقرأ في كثير من محارواته ما يدلّ على ذلك. وإذا بحثنا عن جذور تلك العداوات نجدها متأصلة في فرعي عبد مناف بني هاشم وبني أمية منذ عهد بعيد ، فلنقرأ بعض ما جاء في ذلك :

____________________

(١) ربيع الأبرار ٤ / ٣٢ ط أوقاف بغداد.

٣١٤

إنّ من راجع كتاب ( السفيانية ) للجاحظ ، و ( النزاع والتخاصم ) للمقريزي وأضرابهما ، يجد جذور العداوة بين بني أمية وبين بني هاشم وهم من قريش ، ضاربة في أصولها متنامية في فروعها ، ولم يخف ذلك على الباحثين من قدامى ومحدثين.

فإلى ما قاله واحد منهم وهو محمّد بن سليمان حاجب الحجاب ، وهذا الرجل لم يكن يتعصب لمذهب بعينه كما قال ابن أبي الحديد وقد رآه (١) ، فلنقرأ ما يقول وقد سأله جعفر بن مكي الحاجب عما عنده في أمر عليّ وعثمان ، فقال : ( هذه عداوة قديمة النسب بين عبد شمس وبين بني هاشم ، وقد كان حرب بن اُمية نافر عبد المطلب بن هاشم ، وكان أبو سفيان يحسد محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم وحاربه ، ولم تزل الثنتان متباغضتين وإن جمعتهما المنافية ، ثمّ إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوّج عليّاً بابنته ، وزوّج عثمان بابنته الاُخرى ، وكان إختصاص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة أكثر من إختصاصه للبنت الأخرى ، وللثانية التي تزوجها عثمان بعد وفاة الأولى. وإختصاصه أيضاً لعليّ وزيادة قربه منه وامتزاجه به وإستخلاصه إياه لنفسه ، أكثر وأعظم من إختصاصه لعثمان ، فَنَفَس عثمان ذلك عليه فتباعد ما بين قلبيهما ... ).

إلى أن قال : ( ثمّ أتفق أنّ عليّاً عليه السلام قتل جماعة كثيرة من بني عبد

____________________

(١) وصفه ابن أبي الحديد بأنه حاجب الحجاب وقال : وكان ظريفاً أديباً وقد أشتغل بالرياضيات من الفلسفة ولم يكن يتعصب لمذهب بعينه.

٣١٥

شمس في حروب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فتأكد الشنآن ، وإذا أستوحش الإنسان من صاحبه أستوحش صاحبه منه.

ثمّ مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فصبا إلى عليّ جماعة يسيرة لم يكن عثمان منهم ، ولا حضر في دار فاطمة مع مَن حضر من المتخلّفين عن البيعة ، وكانت في نفس عليّ عليه السلام أمور من الخلافة لم يمكنه إظهارها في أيام أبي بكر وعمر لقوّة عمر وشدّته ، وانبساط يده ولسانه.

فلمّا قتل عمر وجعل الأمر شورى بين الستة ، وعدل بها عبد الرحمن عن عليّ إلى عثمان ، لم يملك عليّ نفسه فأظهر ما كان كامناً ، وأبدى ما كان مستوراً ، ولم يزل الأمر يتزايد بينهما حتى شرف وتفاقم.

ومع ذلك فلم يكن عليّ عليه السلام لينكر من أمره إلاّ منكراً ، ولا ينهاه إلاّ عما تقتضي الشريعة نهيه عنه.

وكان عثمان مستضعفاً في نفسه ، رخواً ، قليل الحزم ، واهي العقدة ، وسلّم عنانه إلى مروان يصرّفه كيف شاء ، فالخلافة له في المعنى ولعثمان في الإسم ، فلمّا انتقض على عثمان أمره استصرخ عليّاً ولاذ به ، وألقى زمام أمره إليه ، فدافع عنه حيث لا ينفع الدفاع ، وذبّ عنه حين لا يغني الذبّ ، فقد كان الأمر فسد فساداً لا يرجى صلاحه ) (١).

ومع هذه العداوة المتأصلة في جذورها كيف يبرئ معاوية وبنو أُمية الإمام عليه السلام وبني هاشم ، مع أنّهم وأعوانهم كانوا يشهدون ببراءته وبراءتهم ،

____________________

(١) أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد ٢ / ٤٠١ ط مصر الأولى.

٣١٦

ولكنها الأحقاد الأموية.

فاقرأ ما قاله عبد الله بن عمر لمن سأله : هل شرك عليّ في دم عثمان؟

فقال : ( لا والله ما علمت ذلك في سر ولا علانية ، ولكنّه كان رأساً يفزع إليه فألحق به ما لم يكن ) (١).

واقرأ لابن عمر كلمته الأُخرى في حقّ ابن عباس وبراءته من دم عثمان.

قال : ( ما زال ابن عباس ينهى عن قتل عثمان ويعظّم شأنه حتى جعلت ألوم نفسي على أن لا أكون قلت مثل ما قال ) (٢).

وليس عروة بن الزبير بدون ابن عمر في نصبه ، ومع ذلك فقد كان يقول : ( كان عليّ أتقى لله من أن يعين في قتل عثمان ، وكان عثمان أتقى لله من أن يعين في قتله عليّ ) (٣).

وقال ابن سيرين : ( لقد قتل عثمان يوم قتل وما أحد يتهم عليّاً في قتله ) (٤).

ولكن معاوية قال لابن عباس في كتاب كتبه إليه بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام ، جاء فيه : ( لعمري لو قتلتك بعثمان رجوت أن يكون ذلك لله رضا ، وأن يكون رأياً صواباً ، فإنّك من الساعين عليه ، والخاذلين له ، والسافكين دمه ، وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك منّي ولا بيدك أمان ).

____________________

(١) أنساب الأشراف ١ ق ٤ / ٥٩٣.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٥٩٥.

(٣) ربيع الأبرار للزمخشري ٣ / ٣٥٥ ط اوقاف بغداد.

(٤) أنساب الأشراف ١ ق ٤ / ٥٩٤.

٣١٧

فأجابه بجواب طويل جاء فيه : ( وأمّا قولك أنّي من الساعين على عثمان والخاذلين والسافكين له وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك منّي ، فأقسم بالله لأنت المتربّص بقتله والمحبّ لهلاكه ، والحابس الناس قبلك عنه على بصيرة من أمره ، ولقد أتاك كتابه وصريخه يستغيث بك ويستصرخ ، فما حفلت به حتى بعثت إليه معذراً بأمر أنت تعلم أنّهم لن يتركوه حتى يقتل ، فقتل كما كنت أردت ، ثمّ علمت عند ذلك أنّ الناس لن يعدلوا بيننا وبينك فطفقت تنعى عثمان وتلزمنا دمه ، وتقول قتل مظلوماً ، فإن يك قتل مظلوماً فأنت أظلم الظالمين ، ثمّ لم تزل مصوّباً ومصعّداً وجاثماً ورابضاً تستغوي الجهّال ، وتنازعنا حقنا بالسفهاء حتى أدركت ما طلبت ، ( وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ )(١) (٢).

نعم ، إنّ بني هاشم كانوا من الكارهين لولاية عثمان هذا أوّلاً ، لأنّهم يرون أنّ الحقّ لهم ، وكانوا أيضاً من الساخطين على سيرته ثانياً حين أسخط المسلمين عمالُه ، ولم يكونوا وحدهم قد سخطوا سيرته ، بل جميع الصحابة في المدينة وخارجها كانوا كذلك.

فقد روى شعبة بن الحجاج عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، قال : ( قلت له : كيف لم يمنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن عثمان؟ فقال : إنّما قتله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) (٣).

____________________

(١) الأنبياء / ١١١.

(٢) شرح النهج لابن أبي الحديد ٤ / ٥٨.

(٣) نفس المصدر ١ / ٢٣١.

٣١٨

وروى عن أبي سعيد الخدري أنّه سئل عن مقتل عثمان هل شهده أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال : ( نعم شهده ثمانمائة ) (١).

فهذان القولان وإن لم يعيّنا بالاسم مَن هم أولئك الصحابة الذين قتلوا عثمان ، ومن هم الذين شهدوا مقتل عثمان ولم يمنعوا عنه ، لكن من تولى كبر قتله ، لم يكن عليّ ولا ابن عباس ولا بقية بني هاشم مع أولئك الصحابة القاتلين لعثمان ، وإذ لم يكونوا معهم ، فما بال بني أمية عصبوا قتله بهم؟ إنّهم لم يكونوا مع القاتلين ولا مع المحرّضين عليه ، بل كانوا من المدافعين عنه ، وقد ردّوا عنه كثيراً حتى أعجزهم هو حين لم يأخذ بنصائحهم ، وكان يتّهمهم لما في نفسه من جذور العداوة المتأصلة بين بيتي عبد مناف ـ بني هاشم وبني أمية ـ.

والآن إلى ما رواه البلاذري ، والطبري ، وابن الأثير ، وابن كثير ، والنويري ، نقلاً عن الواقدي من نصائح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لعثمان ، ننقلها بلفظ الطبري :

قال ـ بعد ذكر نقمة الناس وتداعي الأمصار بالنكير على سيرة عثمان ـ : ( فاجتمع الناس وكلّموا عليّ بن أبي طالب ، فدخل على عثمان ، فقال : الناس ورائي وقد كلّموني فيك ، والله ما أدري ما أقول لك ، وما أعرف شيئاً تجهله ، ولا أدلّك على أمر لا تعرفه ، إنّك لتعلم ما علمنا ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ، ولا خلونا بشيء فنبلّغكه ، وما خصصنا بأمر دونك ، وقد رأيتَ

____________________

(١) نفس المصدر.

٣١٩

وسمعتَ وصحبتَ رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ونلتَ صهره.

وما ابن أبي قحافة بأولى بعمل الحقّ منك ، ولا ابن الخطاب بأولى بشيء من الخير منك ، وإنّك أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم رَحِماً ، ولقد نلتَ من صهر رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ما لم ينالا. ولا سبقاك إلى شيء ، فالله الله في نفسك ، فإنّك والله ما تُبصّر من عَمى ، ولا تعلّم من جهل ، وإنّ الطريق لواضح بيّن ، وإنّ أعلام الدين لقائمة ، تعلم يا عثمان أنّ أفضل عباد الله عند الله إمام عادل ، هُدي وهَدىَ ، فأقام سنة معلومة ، وأمات بدعة متروكة ، فوالله إن كلاً لبيّن وإنّ السنن لقائمة لها أعلام ، وإنّ البدع لقائمة لها أعلام ، وإنّ شرّ الناس عند الله إمام جائر ضلَّ وضُلّ به ، فأمات سنّة معلومة ، وأحيا بدعة متروكة. وإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم يقول : ( يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر ، فيلقى في جهنم ، فيدور في جهنم كما تدور الرحا ، ثمّ يرتطم في غمرة جهنم ).

وإنّي أحذّرك الله ، وأحذّرك سطوته ونقماته ، فإنّ عذابه شديد أليم. وأحذّرك أن تكون إمام هذه الأمة المقتول ، فإنّه يقال : يقتل في هذه الأمة إمام ، فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة ، وتُلّبس أمورُها عليها ، ويتركهم شيعاً ، فلا يبصرون الحقّ لعلوّ الباطل ، يموجون فيها موجاً ، ويمرجون فيها مرجاً. فلا تكونن لمروان سيّقة يسوقك حيث شاء بعد جلال السنّ وتقضّي العمر.

٣٢٠