ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-105-2
الصفحات: ٤٨٣

وقال ابن حمزة : يستحب في المأذنة ، ويكره في الصومعة (١).

الرابعة عشرة : قال ابن البراج ـ رحمه‌الله ـ : يستحب لمن أذن أو أقام أن يقول في نفسه عند ( حي على خير العمل ) : آل محمد خير البرية ، مرتين. ويقول أيضا في نفسه إذا فرغ من قوله ( حي على الصلاة ) : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وكذلك يقول عند قوله : ( حي على الفلاح ). وإذا قال : ( قد قامت الصلاة ) ، قال : اللهم أقمها وأدمها ، واجعلني من خير صالحي أهلها عملا. وإذا فرغ من قوله : ( قد قامت الصلاة ) قال في نفسه : اللهم رب (٢) الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، أعط محمدا صلواتك عليه وآله سؤله يوم القيامة ، وبلغه الدرجة والوسيلة من الجنة ، وتقبل شفاعته في أمته (٣).

وروى السكوني عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليه‌السلام : « انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا دخل المسجد وبلال يقيم الصلاة جلس » (٤).

وروى عمران الحلبي انّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الأذان في الفجر ، قبل الركعتين أو بعدهما؟ فقال : « إذا كنت إماما تنتظر جماعة فالأذان قبلهما ، وان كنت وحدك فلا يضرك أقبلهما أذّنت أو بعدهما » (٥).

الخامسة عشرة : ذكر معظم الأصحاب الفصل بخطوة بين الأذان والإقامة (٦) ولم أجد به حديثا.

__________________

(١) الوسيلة : ٩٢.

(٢) في ط والمصدر زيادة : ( هذه ).

(٣) المهذب ١ : ٩٠.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨١ ح ١١١٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٨٥ ح ١١٤٢.

(٦) راجع : المبسوط ١ : ٩٦ ، المهذب ١ : ٩٠ ، المراسم : ٦٩ ، المعتبر ٢ : ١٤٢ ، نهاية الإحكام ١ : ٤١٦.

٢٤١

وذكروا تأكيد استحباب الأذان في الجهرية (١) ولم أجد سوى أخبار الغداة والمغرب. وعلّله بعضهم : بان الجهر فيها يؤذن بعناية الشرع بالتنبيه عليها ، وفي الأذان زيادة تنبيه (٢). وعلل الصادق عليه‌السلام الغداة والمغرب بعدم التقصير فيهما (٣).

والمفيد ـ رحمه‌الله ـ جعل العشاء الآخرة مع الظهرين في الاجتزاء بالإقامة للمنفرد (٤).

السادسة عشرة : قال الشيخ : ليس من السنّة ان يلتفت الامام بعد الفراغ من الإقامة يمينا وشمالا ، ولا ان يقول : استووا رحمكم الله ، لعدم الدليل عليه (٥).

قلت : قد ثبت استواء الصفوف ـ لما يأتي إن شاء الله ـ وقد استثنى الأصحاب من الكلام بعد الإقامة تسوية الصفوف والامام أحق الجماعة بذلك ، فإذا استشعر عدم استواء استحب له الأمر بالاستواء.

ولما تقضّت أبواب المقدمات فحري ان نشرع في الصلاة ، وينحصر النظر فيها في أربعة أركان :

__________________

(١) راجع : المبسوط ١ : ٩٥ ، المعتبر ٢ : ١٣٥ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٠٦ ، نهاية الإحكام ١ : ٤١٨.

(٢) المعتبر ٢ : ١٣٥ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٠٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٤٩ ح ١٦١ ، الاستبصار ١ : ٢٩٩ ح ١١٠٤.

(٤) المقنعة : ١٥.

(٥) الخلاف ١ : ٣١٧ المسألة : ٦٨ ، المبسوط ١ : ١٠٣.

٢٤٢

الركن الأول :

في أفعال الصلاة وتوابعها‌

وفصوله أربعة :

الأول : في الأفعال.

وهي إمّا واجبة أو مندوبة.

والواجبات ثمانية : النية ، والتكبير ، والقيام ، والقراءة ، والركوع ، والسجود ، والتشهد ، والتسليم. والمندوبة تذكر في تضاعيف هذه ان شاء الله تعالى.

الأول : النية.

وقد سبق بيان حقيقتها ووجوبها ، ولنذكر هنا مسائل :

الأولى : قيل : ان النيّة شرط لا جزء ، لأنّ الشرط ما يتوقف عليه تأثير المؤثر أو ما يقف عليه صحة الفعل والمعنيان موجودان في النيّة ، ولأنّ « أول الصلاة التكبير » والنيّة مقارنة أو سابقة فلا تكون جزء ، ولأنها لو كانت جزء لافتقرت إلى نيّة أخرى ويتسلسل ، ولأن النيّة تتعلق بالصلاة فلو كانت جزء منها لتعلق الشي‌ء بنفسه ، ولان قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الاعمال بالنيات » (١) يدل على مغايرة العمل للنية.

وتحقيق الحال فيه : انّ الجزء والشرط يشتركان في انّه لا بدّ منهما إذا كان الجزء ركنا ، ويفترقان بان الشرط ما يتقدم على الماهية ـ كالطهارة وستر العورة ـ والجزء ما تلتئم منه الماهية ـ كالركوع والسجود.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥١٩ ، مسند احمد ١ : ٢٥ ، صحيح البخاري ١ : ٤ ، صحيح مسلم ٣ : ١٥١٥ ح ١٩٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ ح ٢٢٠١ ، الجامع الصحيح ٤ : ١٠٧٩ ح ٢١٤٧ ، السنن الكبرى ٧ : ٣٤١.

٢٤٣

وقيل : الجزء ما تشتمل عليه الماهية.

ونقض بترك الكلام والفعل الكثير وسائر المفسدات ، فإنها مما تشتمل ماهية الصلاة على وجوب تركها ، مع انها لا تعدّ جزء وانما يعدّها بعضهم شروطا.

وأجيب : بأن المراد بـ ( ما تشتمل عليه الماهية ) من الأمور الوجودية المتلاحقة التي افتتاحها التكبير واختتامها التسليم ، وظاهر انّ التروك أمور عدمية ليس فيها تلاحق ، وهذا فيه تفسير آخر للأجزاء ، وحينئذ الشروط ما عداها.

وقيل : انّ الشرط ما يساوق جميع ما يعتبر في الصلاة ، والركن ما يكون معتبرا فيها لا بمساوقة ، فإن الطهارة والاستقبال تساوق الركوع والسجود وسائر أفعال الصلاة ، بخلاف الركوع فإنه لا يصاحب جميع الأفعال ، ولا ريب انّ حقيقة الصلاة انما تلتئم من هذه الأفعال المخصوصة ، فما لم يشرع فيها ليس بمصل وان وجد منه سائر المقدمات.

وظاهر ان النية مقارنة للتكبيرة الذي هو جزء وركن ، فلا يبعد انتظامها في الاجزاء ، وخصوصا عند من أوجب بسط النية على التكبير ، أو حضورها من أوله الى آخره (١) ولأنّ قوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (٢) مشعر باعتبار العبادة حال الإخلاص ، وهو المراد بالنية ، ولا نعني بالجزء الاّ ما كان منتظما مع الشي‌ء بحيث يشمل الكل حقيقة واحدة.

وحينئذ نجيب عن تمسك القائلين بالشرطية.

اما عن الأول : فلأنّ النية وان توقّف عليها تأثير المصلي في جعل الافعال متعبّدا بها ، أو توقّف عليها صحة الفعل بمعنى : استتباع غايته من الثواب فلا ينافي ذلك جزئيّتها ، لأن سائر الأجزاء التي هي كذلك تتوقّف‌

__________________

(١) راجع : المعتبر ٢ : ١٥٠ ، شرائع الإسلام ١ : ٧٨.

(٢) سورة البينة : ٥.

٢٤٤

عليها الصلاة في صحتها ، وفي جعل أفعالها متعبدا بها شرعا ـ توقّف معيّة ، فلم لا تكون النيّة كذلك؟

وعن الثاني : انه مصادرة على المطلوب.

وعن الثالث : منع الملازمة ، وسند المنع ان قولنا : الجزء من العبادة يفتقر إلى نيّة ليست القضية فيه كلية ، فإنه يخرج عنها النية والنظر الأول المعرف ، لوجوب النظر والمعرفة.

وعن الرابع : انه لما كانت النيّة لا تحتاج إلى نيّة كان متعلقها بقية أجزاء الصلاة فلا تتعلق بنفسها ، فقول المصلي أو قصده ( أصلي ) عبارة عن الإتيان بمعظم أفعال الصلاة ، تسمية للشي‌ء باسم أكثره.

وعن الخامس : ان المغايرة حاصلة بين جزء الماهية وكلّها ضرورة ، ولا يلزم منه الشرطية.

وهذه المسألة لا جدوى لها فيما يتعلق بالعمل الا فيما ندر ـ كالنذر لمن كان مصليا في وقت كذا ، أو ابتدأ الصلاة في وقت كذا ـ فان جعلناها جزء استحق وبرّ ، والاّ فلا. والاتفاق واقع على اعتبارها في الصلاة بحيث تبطل الصلاة بفواتها ولو نسيانا ، سواء جعلناها شرطا أو جزء ، وقد اختار في المعتبر انها شرط واحتج بالوجهين الأولين (١).

واما ما يتخيّل من أن القول بالشرطية يستلزم جواز إيقاعها قاعدا وغير مستقبل بل وغير متطهر ولا مستور العورة فليس بسديد ، إذ المقارنة المعتبرة للجزء تنفي هذه الاحتمالات ولو جعلناها شرطا.

الثانية : النيّة قصد ، ومتعلّقه المقصود ، فلا بد من كونه معلوما ، فيجب إحضار ذات الصلاة وصفاتها الواجبة من التعيين والأداء أو القضاء والوجوب للتقريب الى الله تعالى ، ثم يقصد الى هذا المعلوم.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٤٩.

٢٤٥

وتحقيقه : انه إذا أريد نيّة الظهر مثلا ، فالطريق إليها إحضار المنوي بمميزاته عن غيره في الذهن ، فإذا حضر قصد المكلّف إلى إيقاعه تقربا الى الله وليس فيه ترتيب بحسب التصور ، وان وقع ترتيب فإنما هو بحسب التعبير عنه بالألفاظ ، إذ من ضروراتها ذلك. فلو انّ مكلّفا أحضر في ذهنه الظهر الواجبة المؤداة ، ثم استحضر قصد فعلها تقربا وكبّر ، كان ناويا. ولو جعل القربة مميزا ، كأن يستحضر الظهر الواجبة المؤداة المتقرّب بها ويكبّر مع إرادة التقرّب منه ، صحّت النية. ولكنه يكفي إرادة التقرّب منه عن استحضاره أولا وعن جعله مشخصا رابعا ، ولا يكفي تشخيصه عن جعله غاية ، فمن ثم جعل إحضار الذات والصفات مشخصات ، ولم يجعل القربة مشخصا بل جعلت غاية ، فاتي بلام التعليل في قوله : ( للتقرب الى الله تعالى ).

فان قلت : بيّن لي انطباق هذه العبارة على النيّة المعهودة ، وهي : ( أصلي فرض الظهر ) الى آخره ، فان مفهوم هذه العبارة المذكورة في الكتاب يقتضي ان قوله : ( أصلي ) الى آخره بعد ذلك الإحضار ، فيلزم تكرر النيّة ، أو نيّة النيّة ، وهما محالان.

قلت : إذا عبّر المكلف بهذه الألفاظ ، فقوله : ( فرض الظهر ) إشارة إلى الفرض والتعيين ، و( أداء ) إلى الأداء ، و( لوجوبه ) الى ما يقوله المتكلمون من انه ينبغي فعل الواجب لوجوبه أو وجه وجوبه ، وقوله ( قربة الى الله ) هي غاية الفعل المتعبّد به. وفي هذا إحضار الذات والصفات كما ذكر ، فقوله : ( أصلي ) هو عبارة عن القصد المتعلق بها وهو وان كان متقدما لفظا فإنّه متأخر معنى. وفي قولنا ( للتقرب الى الله ) إشارة إلى فائدة ، هي : ان الغاية ليست متعدّدة بل هي متحدة ، أعني التقريب الى الله تعالى الذي هو غاية كل عبادة.

وعلى ترتيب النية المعهودة بتلك الألفاظ المخصوصة وانتصابها على المفعول له ، أو الإتيان فيها بلام التعليل ، يشكل إعرابه من حيث عدم تعدّد المفعول لأجله إذا كان المغيّا واحدا الاّ بالواو.

٢٤٦

واعتذر بعض النحاة من الأصحاب بأن الوجوب مثلا في هذه النيّة غاية لما قبله ، والتقرب غاية للوجوب ، فتعدد الغاية بحسب تعدد المغيّا ، فاستغني عن الواو. فإذا صورت النيّة على الوجه الذي ذكرناه لم يكن إلاّ غاية واحدة ويزول ذلك الإيراد من أصله ، مع انّه ليس له تعلق بالنيّة الشرعية ، بل متعلقه الألفاظ التي لا مدخل لها في المقصود. فإن أريد التعبير بنيّة تطابق ما ذكرنا ملفوظة فليقل أصلي فرض الظهر الواجب المؤدي أو المقضي قربة الى الله وهذه العبارة كافية في هذا المقام ونحوها من العبارات والغرض بها إيصال المعاني إلى فهم المكلفين لا التلفظ بها.

ومن الأصحاب من جعل إحضار ذات الصلاة وصفاتها هي المقصودة ، والأمور الأربعة مشخصات للمقصود ، أي : يقصد

الذات والصفات مع التعيين والوجوب والأداء والقربة ، وكانت نيته هكذا : ( أصلّي فرض الظهر ) بأن أوجد النية وتكبيرة الإحرام مقارنة لها ، ثم اقرأ ، ويعدّد أفعال الصلاة الى آخرها ، ثم يعيد ( أصلي فرض الظهر ) على هذه الصفات أداء الى آخره (١). وهذا وان كان مجزيا ، الاّ ان الاعراض عنه من أوجه ثلاثة.

أحدها : انه لم يعهد عن السلف فعله.

وثانيها : انه زيادة تكليف والأصل عدمه.

وثالثها : انه عند فراغه من التعدّد وشروعه في النيّة ، لا تبقي تلك الاعداد في التخيّل مفصّلة ، فإن كان الغرض التفصيل فقد فات ، وان اكتفى بالتصور الإجمالي فهو حاصل بـ ( صلاة الظهر ) إذ مسماها تلك الافعال.

على ان جميع ما عدّده انما يفيد التصوّر الإجمالي ، إذ واجب كل واحد من تلك الافعال لم يعرض له ، مع أنها أجزاء ، منها مادية أو صورية.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم انه يجب عند إحضار الذات والصفات والقصد‌

__________________

(١) راجع : شرائع الإسلام ١ : ٧٨.

٢٤٧

إليها ان يجعل قصده مقارنا لأول التكبير ، ويبقى على استحضاره الى انتهاء التكبير ، فلو عزبت قبل تمام التكبير ففي الاعتداد بها وجهان :

أحدهما : نعم ، لعسر هذه الاستدامة الفعلية ، ولان ما بعد أول التكبير في حكم الاستدامة ، والاستمرار الحكمي كاف فيها.

والثاني : عدم الاعتداد بها ، لان الغرض بها انعقاد الصلاة وهو لا يحصل الا بتمام التكبير. ومن ثم لو رأى المتيمم الماء في أثناء التكبير بطل تيممه.

والوجه وجوبه الاّ أن يؤدي الى الحرج.

ومن الأصحاب من جعل النية بأسرها بين الالف والراء (١) وهو مع العسر مقتض لحصول أول التكبير بغير نيّة.

ومن العامة من جوّز تقديم النيّة على التكبير بشي‌ء يسير كنيّة الصوم (٢) وهو غير مستقيم ، لأنه إن وقعت المقارنة بعده فهي المعتبرة والا لم تجز ، وانما جاز التقدّم في الصوم لعسر المقارنة.

الثالثة : يجب ان يقصد في النيّة جميع مشخصات الصلاة ، لأنّ جنس الفعل لا يستلزم وجوهه إلا بالنيّة ، وهي ما ذكرناه آنفا.

وهل يجب تعيين الفرضية؟ أوجبه في المعتبر ، ليتميز عن الظهر المعادة مثلا (٣). والظاهر ان الوجوب كاف عنه ، وبه تخرج المعادة إن أتى به في النيّة ، ولو جعله معللا كقوله ( لوجوبه ) فان فيه دلالة على انّ الفعل واجب في نفسه ، والمتكلمون لما أوجبوا إيقاع الواجب لوجوبه أو وجه وجوبه جمعوا بين الأمرين ، فينوي الظهر المفروض أو الواجب لكونه واجبا. وهذا يطرد في جميع نيّات العبادات ، وان كانت ندبا نوى الندب لندبه ، لكن معظم الأصحاب لم يتعرضوا‌

__________________

(١) يظهر من أبي الصلاح في الكافي في الفقه : ١٣٩ ، ولاحظ : الجامع للشرائع : ٧٥.

(٢) كأبي حنيفة ، راجع : المبسوط للسرخسي ١ : ١٠ ، المجموع ٣ : ٢٥٧.

(٣) المعتبر ٢ : ١٤٩.

٢٤٨

له في غير الصلاة.

ولو نوى فريضة الوقت أجزأ عن نيّة الظهر أو العصر مثلا ، لحصول التعيين به إذ لا مشارك لها. هذا إذا كان في الوقت المختص ، اما في المشترك فيحتمل المنع لاشتراك الوقت بين الفريضتين ، ووجه الاجزاء انّ قضية الترتيب يجعل هذا الوقت للأولى.

ولو صلّى الظهر ، ثم نوى بعدها فريضة الوقت ، أجزأ وان كان في المشترك. ويجزئ أن ينوي فرض الظهر ، لانّه قد صار علما على الصلاة ، وان كان في الأصل أسماء لوقت الظهيرة ، ولا يفتقر إلى نيّة فرض صلاة الظهر على الأقرب.

الرابعة : لا يشترط تعيين عدد الركعات ، ولا تفاصيل الافعال ، بل يكفي الإجمال في إحضار ذات الصلاة. ولو تعرّض للعدد ، لم يضر. ولو أخطأ في العدد ، فالأقرب البطلان ، الاّ ان يكون الخطأ في التلفظ فلا عبرة به.

ولو تخيّر المسافر بين المقام والقصر ـ كما في أحد الأماكن الأربعة ، وكما لو قصد أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه على قول (١) أو خرج من منزلة بعد وجوب الصلاة وصلاها مسافرا على قول (٢) ـ جزم كثير من الأصحاب بأنّه لا يشترط التعيين ، بل يكفي القصد الى مطلق الصلاة (٣) ولهذا يجوز عدول المسافر الى التمام لو نوى في أثناء الصلاة الإقامة. ويحتمل وجوبه ، لأنّ الفرضين مختلفان ، فلا يتخصّص أحدهما إلاّ بالنية.

وعلى الأول لو نوى أحدهما فله العدول الى الآخر. وعلى الثاني يحتمل ذلك ، لأصالة بقاء التخيير. ويحتمل جواز العدول من التمام الى القصر دون‌

__________________

(١) قاله سلار في المراسم : ٧٥ ، والمفيد كما في مختلف الشيعة : ١٦٢.

(٢) الخلاف ١ : ٥٧٧ المسألة : ٣٣٢ ، المعتبر ٢ : ١٥٠.

(٣) كالمحقق في المعتبر ٢ : ١٥٠ ، والعلامة في تذكرة الفقهاء ١ : ١١١.

٢٤٩

العكس ، كي لا يقع الزائد بغير نيّة.

ولا يشترط تعيين الاستقبال ، لحصوله وان لم ينوه ، كما لا يشترط أن ينوي : وانا طاهر.

ولا تعيين اليوم. فلو نوى ظهر الجمعة وكان الخميس ، فان كان متعمدا فالأقرب البطلان ، وان كان ظانا لم يضر ، لأنّ الوقت تعيّن شرعا. اما لو نوى القاضي ظهر يوم الخميس وكان عليه ظهر الجمعة لظنه الجمعة لم يجز ، لأنّ الوقت غير متعيّن له شرعا ـ اعني وقت الفعل ـ وانما يقضي ما وجب في ذمته ولم ينو ما وجب. ويحتمل الاجزاء ، لانّه قصد الى ما في ذمته ، وانما أخطأ في نسبته الى زمان لا يضر ترك نسبته اليه.

ولا تشترط نيّة القيام أو القعود. ولو نوى الفرض قاعدا وهو مخاطب بالقيام ، أو بالعكس ، فالأولى البطلان لتلاعبه.

تنبيه :

قال أبو الصلاح : من حق المصلي ان يكون طائعا بإيقاع الصلاة على الوجه المشروع ، متكاملة الاحكام والشروط والكيفيات ، عامدا في حال فعلها بكونه معترفا بنعمة سبحانه خاضعا له (١).

قال : ويستحب ان يرجو بفعلها مزيد الثواب ، والنجاة من العقاب ، وليقتدى به ويرغم الضالون (٢).

الخامسة : لا بدّ في النافلة من نيّة سببها ، كالاستسقاء ، والعيد المندوب. والرواتب الأقرب اعتبار إضافتها إلى الفرائض للتميز ، وفي الليلة يضيفها الى الليل. والفاضل اكتفى بنية الفعل في الرواتب ، وهو بعيد؟ لاشتراكه.

ولا بدّ من نيّة النفل أيضا. ولو نوى في النفل عددا ، وقلنا بجواز الزيادة على ركعتين ، فله الزيادة والنقص.

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٣٩.

(٢) الكافي في الفقه : ١٣٩.

٢٥٠

ولا يشترط في النافلة المطلقة سوى النفل والقربة.

السادسة : لو فرّق بين التكبير وبين التقرب بقوله ( تعالى ) أو ( ان شاء الله ) بطلت النية ، الا ان يكون مستحضرا لها بالفعل حال التلفظ.

ولا يستحب الجمع بين اللفظ والقلب في النية ، لأنّ النية من أفعال القلوب ، ولم يثبت استعمال اللسان فيها. ولو جمع لم يضر.

السابعة : يجب استدامة حكم النية إلى آخر الصلاة‌

إجماعا ، ولا يجب الاستحضار الفعلي ، لعسره ، ولا يستحب ، لتحقق انعقاد الصلاة.

ومعنى الحكم : أن لا ينوي المنافي في باقي الصلاة. فلو نوى الخروج في الحال ، أو تردّد فيه ، أو شك هل يخرج أم لا ، بطل. اما خواطر النفس بالوسوسة فعفو.

ولو نوى الخروج في الثانية ، أو علّقه على أمر ممكن ، أو نوى ببعض الأفعال غير الصلاة ، أو نوى بواجبها الندب ، أو بأدائها القضاء ، أو بأفعال الظهر العصر ، أو الرياء ولو كان بالذكر المندوب ، بطلت ، لعدم الاستمرار الواجب.

اما لو نوى بالزيادة على الواجب من الافعال الوجوب ، أو الرياء ، أو غير الصلاة ، فإنّه يلتحق بالفعل الخارج عن الصلاة فتبطل إن كثير ، والاّ فلا.

ولو نوى فعل المنافي ـ كالحدث ، والكلام ، والاستدبار ـ ففي الإبطال وجهان ، أقربهما : نعم ، للتنافي بين إرادتي الضدين.

ويجوز النقل من الفريضة إلى غيرها في الفوائت المترتبة ، ومن الحاضرة إلى الفائتة وبالعكس ، ومن الفرض الى النفل لطالب الجماعة ، وناسي قراءة الجمعة فيها.

ولا يجوز النقل من النفل الى الفرض ، لأنّ القوي لا يبني على الضعيف. وللشيخ قول بجوازه في الصبي يبلغ في أثناء الصلاة (١).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٧٣ ، وراجع مفتاح الكرامة ٢ : ٦٩.

٢٥١

الثامنة : لو نوى الفريضة ثم عزبت النيّة ، لم يضر. ولو نوى النفل حينئذ ببعض الافعال أو بجميع الصلاة خطأ ، فالأقرب الإجزاء ، لاستتباع نية الفريضة باقي الأفعال فلا يضر خطوة في النيّة ، ولما رواه عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام في رجل قام في صلاة فريضة فصلّى ركعة وهو يرى أنها نافلة ، فقال : « هي التي قمت فيها ولها » ، وقال : « إذا قمت في فريضة فدخلك الشك بعد فأنت في الفريضة ، وانما يحسب للعبد من صلاته التي ابتداء في أول صلاته » (١).

وروى يونس عن معاوية ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل قام في الصلاة المكتوبة فسها فظن أنها نافلة أو كان في النافلة فظن أنها مكتوبة ، قال : « هي على ما افتتح الصلاة عليه » (٢).

التاسعة : لو شك في النيّة بعد التكبير لم يلتفت ، لانتقاله عن محله.

ولو شك وهو لم يكبّر أعاد.

ولو شك في أثناء التكبير فالأقرب الإعادة ، وخصوصا إذا أوجبنا استحضارها الى آخر التكبير.

ولو شك هل نوى ظهرا أو عصرا ، أو نفلا أو فرضا ، بنى على ما قام إليه ، فان لم يعلمه بطلت صلاته ، لعدم الترجيح.

ولو شك بعد صلاة أربع هل صلى الظهر أو العصر ، فالأقرب البناء على الظهر ، لأنّ الظاهر انّه بدأ بالواجب أولا. ويحتمل أن يصلّي رباعية مرددة بين الظهر والعصر ، لحصول البراءة به إذا كانت الاولى صادفت الوقت المشترك.

العاشرة : قال في الخلاف : من دخل في صلاة بنيّة النفل ، ثم نذر في خلالها إتمامها ، فإنه يجب عليه إتمامها ، قال : لأنّ عندنا النذر ينعقد بالقلب

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٣ ح ١٤٢٠ ، ٣٨٢ ح ١٥٩٤ ، وفي سؤال الراوي : وهو ينوي أنها نافلة.

(٢) التهذيب ٢ : ١٩٧ ح ٧٧٦ ، ٣٤٣ ح ١٤١٩.

٢٥٢

كما ينعقد بالقول. نعم ، لو تلفظ بالنذر بطلت صلاته (١) ، وسيأتي ان شاء الله تحقيق ذلك.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٠٧ المسألة : ٥٤.

٢٥٣

الواجب الثاني : تكبيرة الإحرام.

وفيها مسائل :

الأولى : هي ركن في الصلاة ، بمعنى : بطلان الصلاة بتركها عمدا وسهوا إجماعا ـ وكذا باقي أركان الصلاة التي هي : النية ، والقيام ، والركوع ، والسجدتان معا ـ لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ، ثم يستقبل القبلة فيقول : الله أكبر » (١) ولانه كان يفتتح الصلاة بالتكبير دائما.

وسأل زرارة الباقر والصادق عليهما‌السلام في ناسي تكبيرة الإحرام ، فقال : « يعيد » (٢) ورواه علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام (٣).

وبإزاء هذه الروايات : ان الناسي لا يعيد ، كرواية الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (٤).

وروى ذريح عنه عليه‌السلام (٥) وزرارة عن الباقر عليه‌السلام : ان الناسي يكبّر قبل القراءة أو بعدها (٦).

وروى البزنطي عن الرضا عليه‌السلام في ناسي تكبيرة الافتتاح حتى كبّر للركوع : « يجزئه » (٧).

وروى أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام فيمن نسي أن يكبّر فبدأ‌

__________________

(١) فتح العزيز ٣ : ٢٦٧ ، الشرح الكبير ١ : ٥٤٠ ، وراجع تلخيص الحبير ٣ : ٢٦٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٧ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٤٢ ح ٥٥٦ ، ٥٥٧ ، الاستبصار ١ : ٣٥١ ح ١٣٢٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٣ ح ٥٦٠ ، الاستبصار ١ : ٣٥١ ح ١٣٢٩.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٦ ح ٩٩٩ ، التهذيب ٢ : ١٤٤ ح ٥٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣٥٢ ح ١٣٣٠.

(٥) التهذيب ٢ : ١٤٣ ح ٥٥٩ ، الاستبصار ١ : ٣٥١ ح ١٣٢٨.

(٦) الفقيه ١ : ٢٢٦ ح ١٠٠١ ، التهذيب ٢ : ١٤٥ ح ٥٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣٥٢ ح ١٣٣١.

(٧) الفقيه ١ : ٢٢٦ ح ١٠٠٠ ، التهذيب ٢ : ١٤٤ ح ٥٦٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥٣ ح ١٣٣٤.

٢٥٤

بالقراءة ، فقال : « ان ذكر وهو قائم كبر ، وان ركع فليمض في صلاته » (١).

وهذه الروايات تخالف إجماع الأصحاب ـ بل إجماع الأمة ، إلا الزهري والأوزاعي فإنهما لم يبطلا الصلاة بتركها سهوا (٢) ـ وحملها الشيخ على الشك. (٣).

الثانية : التكبير جزء من الصلاة‌ عندنا وعند الأكثر ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انما هي : التكبير ، والتسبيح ، وقراءة القرآن » (٤).

وقال شاذ من العامة : ليس التكبير من الصلاة ، بل الصلاة ما بعده ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تحريمها الكبير » والمضاف مغاير للمضاف اليه (٥).

قلنا : كل جزء يغاير كله ويصح إضافته إليه ، كما يقال : ركوع الصلاة ، وسجود الصلاة ، ووجه زيد.

واما رواية محمد بن قيس عن الباقر عليه‌السلام : « انّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : أول صلاة أحدكم الركوع » (٦) فالمراد انّ أول ما يعلم به كون الإنسان مصليا الركوع لان ما قبله محتمل للصلاة وغيرها ، أو انّ الركوع أفضل مما سبق فكأنّه أول بالنسبة إلى الفضل.

ويؤيده رواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام في فرائض الصلاة : « أنها : الوقت ، والطهور ، والركوع ، والسجود ، والقبلة ، والدعاء » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٥ ح ٥٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٥٢ ح ١٣٣٢.

(٢) المجموع ٣ : ٢٩١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٤ ، الإستبصار ١ : ٣٥٢.

(٤) سيأتي صدره في ٤٣٣ الهامش ٣.

(٥) المجموع ٣ : ٢٩٠.

والحديث النبوي في : مسند ترتيب الشافعي : ٧٠ ح ٢٠٦ ، الجامع الصحيح ١ : ٩ ح ٣ ، سنن أبي داود ١ : ١٦ ح ٦١.

(٦) التهذيب ٢ : ٩٧ ح ٣٦٢.

(٧) الكافي ٣ : ٢٧٢ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ١٣٩ ح ٥٤٣ ، وفيهما زيادة : « والتوجه ».

٢٥٥

الثالثة : يتعيّن فيها ( الله أكبر ) مرتبا. فلو عكس الترتيب ، أو عرّف أكبر أو نكّره ، أو قال : الله الأكبر ، بطلت ، لأن الذي وقع بيانا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) هو الصيغة المخصوصة فلا يجوز العدول عنها. وأبعد من الاجزاء قوله : الله العظيم أو الجليل.

وقال ابن الجنيد : ينعقد بقوله : الله الأكبر ، وان كان فعله مكروها (٢).

ولا تجزئ الترجمة للقادر ، تأسيا بما فعله صاحب الشرع. فلو لم يعلمه وجب عليه التعلم ، ولا يصلّي الاّ مع ضيق الوقت فيحرم بلغته ، لأنّ المعنى معتبر مع اللفظ ، فإذا تعذّر اللفظ وجب اعتبار المعنى.

اما الأخرس ، فيجب عليه النطق بما يمكن ، فان تعذّر حرك لسانه وأشار بإصبعه ، ويكون ذلك بدلا من اللفظ ، تحصيلا للمعنى مهما أمكن.

ولو أخلّ المصلي بحرف منها ، بطلت. وحينئذ لو وصل همزة ( الله ) فالأقرب البطلان ، لأنّ التكبير الوارد من صاحب الشرع انما كان بقطع الهمزة ، ولا يلزم من كونها همزة وصل ، سقوطها ، إذ سقوط همزة الوصل من خواص الدرج بكلام متصل ولا كلام قبل تكبيرة الإحرام ، فلو تكلفه فقد تكلف ما لا يحتاج اليه ، فلا يخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعا.

الرابعة : يشترط فيها جميع شروط الصلاة‌ من الاستقبال والقيام وغيرهما ، تحقيقا للجزئية. فلو كبّر وهو آخذ في القيام ، أو وهو هاو الى الركوع كما يتفق للمأموم ، فالأقرب البطلان ، لان الانحناء ليس قياما حقيقيا.

وهل تنعقد نافلة؟ الأقرب المنع ، لعدم نيّتها. ووجه الصحة حصول التقرب ، والقصد إلى الصلاة ، والتحريم بتكبيرة لا قيام فيها ، وهي في خصائص النافلة.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٢٦٤ ح ٨٠٣ ، المغني ١ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ١ : ٥٤٠.

(٢) المعتبر ٢ : ١٥٢ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١١٢.

٢٥٦

وجوّز الشيخ أن يأتي ببعض التكبير منحنيا (١) ولم نقف على مأخذه.

ويشترط فيها الموالاة. فلو فصل بين الجلالة وأكبر بكلمة ـ كقوله الله الجليل ، أو تعالى أكبر ـ أو سكت بينهما بما يعدّ فصلا ، أو جعلهما على هيئة التلفظ بأسماء العدد ، بطلت ، لأنّ كل ذلك تغيير للهيئة المتلقاة من صاحب الشرع.

الخامسة : يشترط القصد الى الافتتاح. فلو قصد به تكبير الركوع ، أو لم يقصد أحدهما ، بطل.

ولو قصدهما معا ـ كما في المأموم ـ فالإجزاء مذهب ابن الجنيد والشيخ في الخلاف ، محتجا بإجماعنا (٢) ورواه معاوية بن شريح عن الصادق عليه‌السلام : « إذا جاء الرجل مبادرا والامام راكع ، أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع » (٣). ويمكن حمل كلام الشيخ والرواية على انّ المراد سقوط تكبير الركوع هنا ويكون له ثوابه لإتيانه بصورة التكبير عند الركوع ، لا على انّ المصلّي قصدهما معا ، لان الفعل الواحد لا يكون له جهتا وجوب وندب.

ولو قلنا بوجوب تكبيرة الركوع ـ كما يجي‌ء ، وقد صرح به الشيخ هنا في الخلاف (٤) ـ لم تجز الواحدة ، لأن تداخل المسببات مع اختلاف الأسباب خلاف الأصل ، وكذا لو نذر تكبيرة الركوع لم تجز الواحدة. وحينئذ لو قصدهما معا ، فالأقرب عدم تحرّمه بالصلاة ، لعدم تمحض القصد إليها. ولا تنعقد صلاته نفلا أيضا ، لعدم نيته ، أو لأن المسبب الواحد لا يجزئ عن السببين ، فعلى هذا لو نوى المتنفل بالتكبيرة الواحدة تكبيرتي الإحرام والركوع لم يحصلا ولا أحدهما.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٤٠ المسألة : ٩٢.

(٢) الخلاف ١ : ٣١٤ المسألة : ٦٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٥ ح ١٢١٤ ، التهذيب ٣ : ٤٥ ح ١٥٧.

(٤) الخلاف ١ : ٣١٤ المسألة : ٦٣.

٢٥٧

وعندي في هذه المسألة نظر ، لأنّ الأسباب قد تتداخل وجوبا ـ كما في إجزاء الغسل الواحد للجنب وماس الميت ـ وندبا ـ كما في إجزاء الغسل المندوب عن أسباب كثيرة ـ والفعل الواحد قد يحصل به الواجب والندب كما في الجمع بين الصلاة على البالغ ستا والناقص عنها.

فرع :

لو كبّر للافتتاح ، ثم كبّر ثانيا له مصاحبا للنية ولم ينو بطلان الاولى بطلت الثانية ، لأنه زيادة ركن ، فلو كبر ثالثا صحت.

ولو نوى بطلان الاولى ، وقلنا : بأن النية كافية ، صحت الثانية.

ولو نوى بالثانية الافتتاح غير مصاحب نية الصلاة فالأقرب ، البطلان ، اما إذا لم ينو بالأول الافتتاح فظاهر ، لعدم المقارنة ، واما إذا نوى به فلزيادة الركن ، ان قلنا : بنيّة الافتتاح المجردة عن نيّة الصلاة تحصل ركنيّته ، والاّ فلا إبطال.

السادسة : يستحب فيه الإتيان بلفظة الجلالة من غير مدّ ، فلو بالغ في مدّ الألف المتخلل بين الهاء واللام كره ، ولو أسقطه بالكلية بطل ، ولا عبرة بالكتابة ولا باللغة الضعيفة فيه بالسقوط.

ولو مدّ همزة ( الله ) صار بصورة الاستفهام ، فان قصده بطلت الصلاة ، والاّ ففيه وجهان : البطلان ، لخروجه عن صيغة الاخبار. والصحة ، لأن ذلك كاشباع الحركة. والأول أولى.

ويأتي بلفظ أكبر على زنة افعل ، فلو أشبع فتحة الباء صار جمع كبر ـ بفتح الكاف والباء ـ وهو : الطبل له وجه واحد ، فان قصده بطلت والاّ فالوجهان. اما لو كان الإشباع يسيرا لا يتولد منه ألف لم يضر.

السابعة : يستحب رفع اليدين به وبسائر تكبير الصلاة.

وأوجبه المرتضى (١) لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام

__________________

(١) الانتصار : ٤٤.

٢٥٨

فعلوه (١) وللأمر به قوله تعالى ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) (٢) وروى ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام في النحر : « رفع اليدين حذاء الوجه » (٣).

قلنا : الفعل أعمّ من الواجب والندب ، وكذا الأمر.

وحدّ الرفع محاذاة الأذنين والوجه ، لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) والصادق عليه‌السلام (٥).

وقال الشيخ : يحاذي بهما شحمتي الاذن (٦).

وقال ابن أبي عقيل : يرفعهما حذو منكبيه ، أو حيال خدّيه ، لا يجاوز بهما أذنيه.

وقال ابن بابويه : يرفعهما الى النحر ، ولا يجاوز بهما الأذنين حيال الخدّين (٧).

وليكونا مبسوطتين ، ويستقبل بباطن كفيه القبلة. ولتكن الأصابع مضمومة ، وفي الإبهام قولان ، وفرقه أولى ، واختاره ابن إدريس (٨) تبعا للمفيد (٩)

__________________

وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة : في : المصنف لابن أبي شيبة ١ : ٢٣٤ ، صحيح البخاري ١ : ١٨٧ ، صحيح مسلم ١ : ٢٩٢ ح ٣٩٠.

(١) التهذيب ٢ : ٦٥ ح ٢٣٤ ، ٢٣٥ و ٦٦ ح ٢٣٦.

(٢) سورة الكوثر : ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٦ ح ٢٣٧.

(٤) المصنف لابن أبي شيبة ١ : ٢٣٣ ، سنن أبي داود ١ : ١٩٣ ح ٧٢٨ ، سنن النسائي ٢ : ١٢٢ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٩٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٥ ح ٢٣٣ ، ٢٣٥.

(٦) المبسوط ١ : ١٠٣ ، الخلاف ١ : ٣٢٠ المسألة : ٧٢.

(٧) الفقيه ١ : ١٩٨.

(٨) السرائر : ٤٤.

(٩) المقنعة : ١٦.

٢٥٩

وابن البراج (١) وكل ذلك منصوص (٢).

ولو كانت يداه تحت ثيابه ولم يخرجهما ، رفعهما تحت الثياب. ولو كان بهما عذر يمنع من كمال الرفع ، رفع المقدور. ولو كان بإحداهما عذر ، رفع الأخرى. ومقطوع اليدين يرفع الذراعين ، ولو قطع الذراعان رفع العضدان. ولو قدر على الرفع فوق المنكبين ، أو دون الأذنين ، ولم يقدر على محاذاة الأذنين ، اختار الأول ، لاشتماله على المستحب.

ويكره ان يتجاوز بهما رأسه وأذنيه اختيارا ، لما رواه العامة من نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) ورواه ابن أبي عقيل فقال : قد جاء عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مر برجل يصلّي وقد رفع يديه فوق رأسه ، فقال : ما لي أرى أقواما يرفعون أيديهم فوق رءوسهم كأنّها آذان خيل شمس؟! » (٤).

وعن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : « إذا افتتحت الصلاة فكبرت ، فلا تتجاوز أذنيك ، ولا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة تجاوز بهما رأسك » (٥).

__________________

(١) المهذب ١ : ٩٢.

(٢) قال العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٤٩ بعد حكايته لكلام الشهيد ما ملخصه : لم أقف على نص بالعموم ولا الخصوص ، لا في موضع الوفاق ولا في موضع الخلاف ، الا قول الباقر عليه‌السلام : « ولا تنشر أصابعك ، وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك ». واستدل بعضهم على ضم الأصابع بخبر حماد في وصف صلاة أبي عبد الله عليه‌السلام ، وهو لا يؤدي المطلوب الا ان يقال انه ذكر في صدر الرواية : ( فقام أبو عبد الله عليه‌السلام مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه على فخذيه قد ضم أصابعه وقضية الاستصحاب بقاء ذلك الى حال الرفع ، وكذا خبر البحار عن زيد النرسي عن أبي الحسن عليه‌السلام لا يصلح دليلا في المقام ، فالمدار على الإجماع والاستصحاب في الأصابع ويبقى الكلام في الإبهام.

وراجع : الحدائق الناضرة ٨ : ٥١ ، جواهر الكلام ٩ : ٢٣٧.

(٣) مسند احمد ٥ : ١٠١ ، ١٠٧ ، سنن أبي داود ١ : ٢٦٢ ح ١٠٠٠ ، سنن النسائي ٣ : ٤.

(٤) المعتبر ٢ : ١٥٧ ، منتهى المطلب ١ : ٢٦٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٥ ح ٢٣٣.

٢٦٠