تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٢

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٢

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٩٧

لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩))

٢٢١
٢٢٢

سورة يونس (١)

__________________

مقصود سورة يونس

إثبات النبوة ، وبيان فساد اعتقاد الكفار فى حق النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والقرآن ، وذكر جزائهم على ذلك فى الدار الآخرة ، وتقدير منازل الشمس والقمر لمصالح الخلق وذم القانعين بالدنيا الفانية عن النعيم الباقي ، ومدح أهل الإيمان فى طلب الجنان ، واستعجال الكفار بالعذاب ، وامتحان الحق ـ تعالى ـ خلقه باستخلافهم فى الأرض وذكر عدم تعقل الكفار كلام الله ، ونسبته إلى الافتراء والاختلاف والإشارة إلى بطلان الأصنام وعبادها ، وبيان المنة على العباد بالنجاة من الهلاك فى البر والبحر وتمثيل الدنيا بنزول المطر ، وظهور ألوان النبات والأزهار ودعوة الخلق إلى دار السلام ، وبيان ذل الكفار فى القيامة ومشاهدة الخلق فى العقبى ما قدموه من طاعة ومعصية وبيان أن الحق واحد ، وما سواه باطل وإثبات البعث والقيامة بالبرهان والحجة الواضحة ، وبيان فائدة نزول القرآن والأمر بإظهار السرور والفرح بالصلاة والقرآن ، وتمييز أهل الولاية من أهل الجناية ، وتسلية النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بذكر شيء من قصة موسى ، وواقعة بنى إسرائيل مع قوم فرعون ، وذكر طمس أموال القبطيين ، ونجاة الإسرائيليين من البحر ، وهلاك أعدائهم من الفرعونيين ، ونجاة قوم يونس بإخلاص الإيمان فى وقت اليأس ، وتأكيد نبوة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأمره بالصبر على جفاء المشركين وأذاهم فى قوله : (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ...). وكل آية على الميم قبل الميم ياء. ومجموع فواصلها (مين).

وسميت سورة يونس لما فى آخرها من ذكر كشف العذاب عن قوم يونس ببركة الإيمان عند اليأس فى قوله (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) الآية ٩٨ يونس.

٢٢٣

سورة يونس كلها مكية غير آيتين وهما (١) قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ ...) إلى قوله : (... فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢) ، فإنهما مدنيتان (٣) ، وجملتها مائة وتسع آيات فى عدد الكوفي (٤).

__________________

(١) فى أ : وهي ، ل : وهو.

(٢) يشير إلى الآيتين ٩٤ ، ٩٥ من سورة يونس وتمامهما :

(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ ، لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ ـ ٩٤ ـ) ، (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ ـ ٩٥ ـ).

(٣) وفى المصحف : سورة يونس مكية إلا الآيات ٤٠ ، ٩٤ ، ٩٥ ، ٩٦ فمدنية. وآياتها ١٠٩ ونزلت بعد الإسراء.

(٤) فى أ : وجملتها مائة وسبع آيات ، وهو تصحيف وفى ل : مائة وتسع آيات ، وهو موافق للمنقول.

وفى كتاب بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي : ٢٣٨ ، سورة يونس مكية بالاتفاق عدد آياتها مائة وعشر آيات عند الشاميين ، وتسع عند الباقين.

وعدد كلماتها (١٤٩٩) كلمة.

٢٢٤

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) ـ ١ ـ يعنى المحكم يقال الألف واللام والراء ، فهن آيات الكتاب يعنى علامات الكتاب يعنى القرآن الحكيم يعنى المحكم من الباطل ، ولا كذب فيه ، ولا اختلاف. (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً) يعنى بالناس كفار أهل مكة عجبا (أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) يعنى بالرجل محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يعرفونه ولا ينكرونه (أَنْ أَنْذِرِ) يعنى حذر (النَّاسَ) عقوبة الله ـ عزوجل ـ ونقمته إذا عصوه (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى صدقوا بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وبما فى القرآن من الثواب (أَنَّ لَهُمْ) بأعمالهم (١) التي قدموها بين أيديهم (قَدَمَ صِدْقٍ) يعنى سلف خير (عِنْدَ رَبِّهِمْ) يعنى ثواب صدق يقدمون عليه وهو الجنة (قالَ الْكافِرُونَ) من أهل مكة يعنى أبا جهل بن هشام ، والوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل السهمي ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأهل مكة (قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ) يعنى محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (مُبِينٌ) ـ ٢ ـ يعنى بين قوله : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ) يوم الأحد ، ويوم الإثنين (وَ) خلق (الْأَرْضَ) يوم الثلاثاء ، ويوم الأربعاء ، وما بينهما يوم الخميس ، ويوم الجمعة (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) فيها تقديم (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى

__________________

(١) فى أ : بأن أعمالهم.

تفسير مقاتل ـ ١٥

٢٢٥

الْعَرْشِ) (١) ثم خلق السموات والأرض. (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) يقضى القضاء وحده لا يدبره غيره (ما مِنْ شَفِيعٍ) من الملائكة لبنى آدم (إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) يعنى لا يشفع أحد إلا بإذنه (ولا يشفعون إلا لأهل التوحيد فذلك قوله : «إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ ...» (٢) فرضي الله للملائكة أن يشفعوا للموحدين ثم قال : (ذلِكُمُ اللهُ) يعنى هكذا (رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) يعنى فوحدوه ، ولا تشركوا به شيئا (أَفَلا) يعنى فهلا (تَذَكَّرُونَ) ـ ٣ ـ فى ربوبيته ، ووحدانيته ثم قال : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) بعد الموت (وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ولم يك شيئا كذلك يعيده من بعد الموت (لِيَجْزِيَ) يعنى لكي يثيب فى البعث (الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى صدقوا (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) يعنى وأقاموا الفرائض (بِالْقِسْطِ) يعنى بالحق وبالعدل (٣) وثوابهم الجنة (وَ) يجزى (الَّذِينَ كَفَرُوا) بتوحيد الله (لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) وذلك الشراب قد أوقد عليه (٤) منذ يوم خلقها الله ـ عزوجل ـ إلى يوم يدخلها أهلها فقد انتهى حرها (وَعَذابٌ أَلِيمٌ) يعنى وجيع نظيرها فى الواقعة (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) (٥) (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) ـ ٤ ـ بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) بالنهار لأهل الأرض يستضيئون بها (وَالْقَمَرَ نُوراً) بالليل [١٦٣ ب](وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) يزيد وينقص يعنى

__________________

(١) من : ل ، وليست فى : أ.

(٢) ما بين الأقواس (...) من : ل. وهو مضطرب فى : أ.

(٣) فى أ : (بالقسط) وبالحق يعنى بالعدل.

(٤) فى أعليها.

(٥) سورة الواقعة : ٩٣.

٢٢٦

الشمس سراجا والقمر نورا (لِتَعْلَمُوا) بالليل والنهار (عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) وقدره منازل لتعلموا بذلك عدد السنين ، والحساب ، ورمضان ، والحج ، والطلاق ، وما يريدون بين العباد (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ) يعنى الشمس والقمر (إِلَّا بِالْحَقِ) لم يخلقهما عبثا خلقهما لأمر هو كائن (يُفَصِّلُ) يبين (الْآياتِ) يعنى العلامات (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ـ ٥ ـ بتوحيد الله ـ عزوجل ـ أن الله واحد لما يرون من صنعه ثم قال : (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) عليكم (وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) ـ ٦ ـ عقوبة الله ـ عزوجل ـ ، قوله : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) يعنى لا يخشون لقاءنا يعنى البعث والحساب (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها) فعملوا لها (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا) يعنى ما أخبر فى أول هذه السورة (غافِلُونَ) ـ ٧ ـ يعنى ما ذكر من صنيعه فى هؤلاء الآيات لمعرضون فلا يؤمنون (١) ، ثم أخبر بما أعد لهم فى الآخرة فقال : (أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ) يعنى مصيرهم النار (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) ـ ٨ ـ من الكفر والتكذيب ثم أخبر بما أعد للمؤمنين فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى صدقوا بالله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وأقاموا فرائض الله (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) يعنى بتصديقهم وتوحيدهم كما صدقوا ووحدوا كذلك يهديهم ربهم إلى الفرائض ويثيبهم الجنة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) يعنى تحت قصورهم نور فى نور قصور الدر والياقوت ، وأنها تجرى من غرفهم (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) ـ ٩ ـ لا يكلفون فيها عملا أبدا ولا يصيبهم فيها مشقة أبدا (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَ) فهذا

__________________

(١) فى أ : فلا يموتون ، ل : فلا يؤمنون.

٢٢٧

علم بين أهل الجنة وبين الخدم إذا أرادوا الطعام والشراب دعواهم أن يقولوا فى الجنة (سُبْحانَكَ اللهُمَّ) فإذا الموائد قد جاءت فوضعت ميلا فى ميل قوائمها اللؤلؤ ودخل عليهم الخدم من أربعة آلاف باب معهم صحاف الذهب سبعون ألف صحفة فى كل صحفة لون من الطعام ليس فى صاحبتها مثله ، كلما شبع ألقى الله عليه ألف باب من الشهوة كلما شبع أتى بشربة تهضم ما قبلها بمقدار أربعين عاما ويؤتون بألوان الثمار وتجيء الطير أمثال البخت مناقيرها لون وأجنحتها لون وظهورها لون ، وبطونها لون ، وقوائمها لون ، تتلألأ نورا حتى تقف بين يديه فى بيت طوله فرسخ فى فرسخ فى غرفة فيها سرر موضونة ، والوضن مشبك (١) وسطه بقضبان الياقوت والزمرد الرطب ، ألين من الحرير قوائمها (٢) اللؤلؤ حافتاه (٣) ذهب وفضة عليه من الفرش مقدار سبعين غرفة فى دار الدنيا لو أن رجلا وقع من تلك (٤) الغرف لم يبلغ قرار الأرض [١٦٤ أ] سبعين عاما فيأكلون ويشربون وتقوم (٥) الطير وتصطف بين يديه وتقول يا ولى الله رعيت فى روضة كذا وكذا وشربت من عين كذا وكذا فأيتهن أعجبه وصفها وقعت على مائدته نصفها قديد (٦) سبعون ألف لون من الطير الواحد والنصف شواء فيأكل منها ما أحب ثم يطير فينطلق إلى الجنة لأنه ليس فى الجنة من يموت (٧) (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) وذلك

__________________

(١) فى أ : يشك ، ل : مشبك.

(٢) فى أ ، ل : قوائمها.

(٣) فى أ : حافاته ، ل : حافتاه.

(٤) فى أ : ذلك ، ل : تلك.

(٥) فى أ ، ل : وتقول.

(٦) فى أ : قدير.

(٧) هذا من الإسرائيليات التي نقلها مقاتل فى التفسير ، وما كان أغنى كتاب الله عن هذه الأقاويل.

٢٢٨

أن يأتيه ملك من عند رب العزة فلا يصل إليه حتّى يستأذن له حاجب فيقوم بين يديه فيقول : يا ولى الله ، ربك يقرأ عليك السلام. وذلك قوله تعالى : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) من عند الرب ـ تعالى ـ ، فإذا فرغوا من الطعام والشراب. قالوا : الحمد لله رب العالمين ، وذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ) يعنى قولهم حين فرغوا من الطعام والشراب (أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ ١٠ ـ (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) وذلك حين قال النضر بن الحارث : (١) (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٢) فيصيبنا ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) إذا أرادوه فأصابوه يقول الله : ولو استجيب لهم فى الشر «كما يحبون أن (٣)» يستجاب لهم فى الخير (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) فى الدنيا بالهلاك إذا.

(فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) (٤) فنذرهم لا يخرجون أبدا فذلك قوله : (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) ـ ١١ ـ يعنى فى ضلالتهم يترددون لا يخرجون منها إلا أن يخرجهم الله ـ عزوجل ـ ، وأيضا ولو يعجل الله للناس : يقول ابن آدم يدعو لنفسه بالخير ويحب أن يعجل الله ذلك ، ويدعو على نفسه بالشر ، يقول : اللهم إن كنت صادقا فافعل كذا وكذا. فلو يعجل الله ذلك لقضى (٥) إليهم أجلهم : يعنى العذاب (فَنَذَرُ) يعنى فنترك (الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) يعنى

__________________

(١) فى أ : الحرث.

(٢) سورة الأنفال : ٣٢.

(٣) فى أ : كما أن ، ل : كما يحبون أن.

(٤) ساقط من أ ، ل. ومكتوب بدل منها «فنذرهم» على أنها قرآن وليست الآية فنذرهم بل : (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا).

(٥) فى ل : لنعى.

٢٢٩

لا يخشون لقاءنا (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يعنى فى ضلالتهم يترددون لا يخرجون منها (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ) يعنى المرض (١) بلاء أو شدة (٢) نزلت فى أبى حذيفة اسمه هاشم بن المغيرة بن عبد الله المخزومي (دَعانا لِجَنْبِهِ) يعنى لمضجعه فى مرضه (أَوْ) دعانا (قاعِداً أَوْ قائِماً) كل ذلك لما كان (٣) (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ) وعوفي من مرضه (مَرَّ) يعنى استمر أى أعرض عن الدعاء (كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) ولا يزال يدعونا ما احتاج إلى ربه (٤) فإذا أعطى حاجته أمسك عن الدعاء قال الله ـ تعالى ـ عند ذلك استغنى عبدى (كَذلِكَ) يعنى هكذا (زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ) يعنى المشركين (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ١٢ ـ من أعمالهم السيئة يعنى الدعاء فى الشدة (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ) بالعذاب فى الدنيا (مِنْ قَبْلِكُمْ) يا أهل مكة (لَمَّا ظَلَمُوا) يعنى حين أشركوا يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لكي لا يكذبوا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) يقول أخبرتهم رسلهم بالعذاب أنه نازل بهم فى الدنيا ، ثم قال : (وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) يقول ما كان كفار مكة ليصدقوا بنزول العذاب بهم فى الدنيا (كَذلِكَ) يعنى هكذا (نَجْزِي) بالعذاب (الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) ـ ١٣ ـ يعنى مشركي الأمم الخالية ، ثم قال لهذه الأمة : (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ) يا أمة محمد (خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) ـ ١٤ ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) يعنى القرآن

__________________

(١) فى أ : الضر ، ل : المرض.

(٢) فى أ : بلاء وشدة ، ل : بلاء أو شدة.

(٣) فى أ : ما كان ، ل : لما كان.

(٤) فى أ : ربه ، وفى حاشية أ : حاجته : محمد ، وفى ل : ربه.

٢٣٠

(قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا) يعنى لا يحسبون (١) لقاءنا يعنى البعث (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا) ليس فيه قتال (أَوْ بَدِّلْهُ) فأنزل الله ـ عزوجل ـ (قُلْ) يا محمد : (ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ـ ١٥ ـ وذلك أن الوليد بن المغيرة وأصحابه أربعين رجلا أحدقوا بالنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليلة حتى أصبح فقالوا : يا محمد ، اعبد اللات والعزى ولا ترغب عن دين آبائك فإن كنت فقيرا جمعنا لك من أموالنا ، وإن كنت خشيت أن تلومك العرب ، فقل : إن الله أمرنى بذلك ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ : «قل» يا محمد (أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ ...) إلى قوله : (... بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ) يعنى فوحد (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٢) على الرسالة والنبوة ، وأنزل الله ـ عزوجل ـ (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) يعنى محمد فزعم أنى أمرته بعبادة اللات والعزى (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) يعنى بالحق (ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) (٣) وهو الحبل المعلق به القلب ، وأنزل الله ـ تعالى ـ (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (٤) ثم قال لكفار مكة : (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ) يعنى ما قرأت هذا القرآن (عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) يقول ولا أشعركم بهذا القرآن (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً) طويلا أربعين سنة (مِنْ قَبْلِهِ) من قبل هذا القرآن فهل سمعتموني أقرأ شيئا عليكم (أَفَلا) يعنى فهلا (تَعْقِلُونَ) ـ ١٦ ـ أنه ليس منقول منى ولكنه وحى من الله إلى (فَمَنْ أَظْلَمُ)

__________________

(١) أى لا يحسبون لقاءنا واقعا. أى لا يؤمنون بالبعث.

(٢) سورة الزمر : ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٦.

(٣) سورة الحاقة : ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٦.

(٤) سورة الأنعام : ١٥ ، سورة الزمر : ١٣.

٢٣١

يعنى فمن أشدّ ظلما لنفسه (مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فزعم أن مع الله آلهة أخرى (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) يعنى بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وبدينه (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) ـ ١٧ ـ يعنى إنه لا ينجّى (١) الكافرون من عذاب الله ـ عزوجل ـ (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ) إن تركوا عبادتهم (وَلا يَنْفَعُهُمْ) إن عبدوها ، وذلك أن أهل الطائف عبدوا اللات ، وعبد أهل مكة العزى ، ومناة ، وهبل ، وأساف ونائلة لقبائل قريش ، وود لكلب بدومة الجندل ، وسواع لهذيل ، ويغوث لبنى غطيف من مراد بالجرف من سبأ ، ويعوق لهمذان ببلخع (٢) ، ونسر لذي الكلاع من حمير. قالوا : نعبدها لتشفع لنا يوم القيامة [١٦٥ ا] فذلك قوله : (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) ـ ١٨ ـ (وَما كانَ النَّاسُ) فى زمان آدم ـ عليه‌السلام ـ (إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) يعنى ملة واحدة مؤمنين لا يعرفون الأصنام والأوثان ثم اتخذوها (٣) بعد ذلك فذلك قوله : (فَاخْتَلَفُوا) بعد الإيمان (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) قبل الغضب لأخذناهم عند كل ذنب ، فذلك قوله : (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ـ ١٩ ـ يعنى فى اختلافاتهم بعد الإيمان.

(وَيَقُولُونَ لَوْ لا) يعنى هلا (أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) مما سألوا يعنى فى بنى إسرائيل.

__________________

(١) فى أ : لا ينجو ، ل : لا ينجى.

(٢) فى أ : ببلخع ، ل : ببلخع ، م : ببلح.

(٣) فى أ : اتخذوا.

٢٣٢

(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) (١) يعنى لن نصدقك حتى تخرج لنا نهرا فقد أعيينا من ميح الدلاء من زمزم ومن رءوس الجبال ، وإن أبيت هذا فلتكن لك خاصة (جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ ...) إلى قوله (... كِسَفاً) حين قال إن (نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) (٢) يعنى قطعا (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ) عيانا فننظر إليه (وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً ، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) يعنى من الذهب (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ) يعنى أو تضع سلما فتصعد إلى السماء (وَلَنْ) (نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ). يقول ، ولسنا نصدقك حتى تأتى بأربعة أملاك يشهدون أن هذا الكتاب من رب العزة ، وهذا قول عبد الله بن أبى أمية بن المغيرة ، فأنزل الله فى قوله : (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ) عيانا فننظر إليه.

(أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) (٣) إذ قالوا (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) (٤) وأنزل الله فيها (٥) : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) (٦). لقوله : (كِتاباً نَقْرَؤُهُ) (٧). وأنزل الله :

__________________

(١) يشير إلى الآيات ٩٠ ، ٩١ ، ٩٢ ، ٩٣ من سورة الإسراء وتمامها :

(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً ، أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً ، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً.)

(٢) سورة سبأ : ٩.

(٣) سورة البقرة : ١٠٨.

(٤) سورة النساء : ١٠٣.

(٥) أى : فى مقالة عبد الله بن المغيرة : ـ أو تأتى بالله.

(٦) سورة المدثر : ٥٢.

(٧) أى لقول عبد الله بن المغيرة (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) الإسراء : ٩٣.

٢٣٣

(وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) (١) لأنى إذا أرسلت إلى قوم آية ثم كذبوا لم أناظرهم (٢) بالعذاب. وإن شئت يا محمد أعطيت قومك ما سألوا ثم لم أناظرهم بالعذاب قال : يا رب لا ، رقة لقومه ، لعلهم يتقون.

ثم قال : (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) وهو قوله : (إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ) (٣) (فَانْتَظِرُوا) بى الموت (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) ـ ٢٠ ـ بكم العذاب القتل ببدر. (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ) يعنى آتينا الناس يعنى كفار مكة (رَحْمَةً) يعنى المطر (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) يعنى القحط وذهاب الثمار (مَسَّتْهُمْ) يعنى المجاعة سبع سنين (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) يعنى تكذيبا يقول إذ لهم قول فى التكذيب بالقرآن واستهزاء (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) يعنى الله أشد إخزاء (إِنَّ رُسُلَنا) من الحفظة (يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) ـ ٢١ ـ يعنى ما تعلمون (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ) على ظهور الدواب والإبل ويهديكم لمسالك الطرق والسبل (هُوَ) يحملكم فى (الْبَحْرِ) فى السفن فى الماء ويدلكم فيه بالنجوم. (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) يعنى فى السفن (وَجَرَيْنَ بِهِمْ) [١٦٥ ب] يعنى بأهلها (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) يعنى غير عاصف ولا قاصف ولا بطيئة (وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها) يعنى السفينة (رِيحٌ عاصِفٌ) قاصف يعنى غير لين يعنى ريحا شديدة (وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) يعنى من بين أيديهم ومن خلفهم ومن فوقهم (وَظَنُّوا) يعنى وأيقنوا (أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) يعنى أنهم مهلكون يعنى مغرقون (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) وضلت عنهم آلهتهم التي

__________________

(١) سورة الإسراء : ٥٩.

(٢) أى : لا أنظر عذابي ولا أؤجله عنهم بل أعجله لهم.

(٣) سورة هود : ٣٣.

٢٣٤

يدعون من دون الله فذلك قوله (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) (١).

(لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ) المرة (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) ـ ٢٢ ـ لا ندعو معك غيرك (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ) يعنى يعبدون مع الله غيره (بِغَيْرِ الْحَقِ) إذ عبدوا مع الله غيره (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) ضرره (٢) فى الآخرة (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) تمتعون فيها قليلا إلى منتهى آجالكم (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ) فى الآخرة (فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ٢٣ ـ (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ) يقول مثل الدنيا كمثل النبت بينا هو أخضر إذا هو قد يبس فكذلك الدنيا إذا جاءت الآخرة.

يقول أنزل الماء من السماء فأنبت به ألوان الثمار لبنى آدم وألوان النبات للبهائم (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها) يعنى حسنها وزينتها (وَازَّيَّنَتْ) بالنبات وحسنت (وَظَنَّ أَهْلُها) يعنى وأيقن أهلها (أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) فى أنفسهم (أَتاها أَمْرُنا) يعنى عذابنا (لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً) يعنى ذاهبا (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) يعنى تنعم بالأمس (كَذلِكَ) يعنى هكذا تجيء الآخرة فتذهب الدنيا ونعيمها وتنقطع عن أهلها (نُفَصِّلُ الْآياتِ) يعنى نبين العلامات (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ـ ٢٤ ـ فى عجائب الله وربوبيته.

__________________

(١) سورة الإسراء : ٦٧.

(٢) فى أ : ضرورة ، وفى م : ضرورة ، وفى ل : ضرره.

٢٣٥

(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) يعنى دار نفسه وهي الجنة والله هو السلام (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) يعنى من أهل التوحيد (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ ٢٥ ـ يعنى دين الإسلام. (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) يعنى وحدوا الله (الْحُسْنى) يعنى الجنة (وَزِيادَةٌ) يعنى فضل على الجنة النظر إلى وجه الله الكريم (وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ) يعنى ولا يصيب وجوههم قتر يعنى سواد ويقال كسوف ويقال هو السواد (وَلا ذِلَّةٌ) يعنى ولا مذلة فى أبدانهم عند معاينة النار (أُولئِكَ) الذين هم بهذه المنزلة (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ـ ٢٦ ـ لا يموتون (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ) يعنى عملوا الشرك (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) يعنى جزاء الشرك جهنم (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) يعنى مذلة فى أبدانهم (ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) يعنى مانع يمنعهم من العذاب (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) يعنى سواد الليل (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ـ ٢٧ ـ لا يموتون ، قوله : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) [١٦٦ ا] يعنى الكفار وما عبدوا من دون الله (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) يعنى الالهة (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) يعنى فميزنا بين الجزاءين (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ) يعنى الالهة وهم الأصنام (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) ـ ٢٨ ـ (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا) يعنى لقد كنا (عَنْ عِبادَتِكُمْ) إيانا (لَغافِلِينَ) ـ ٢٩ ـ وقد عبدتمونا وما نشعر بكم ، ثم قال : (هُنالِكَ) يعنى عند ذلك (تَبْلُوا) يعنى تختبر (كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) يعنى ما قدمت (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) ـ ٣٠ ـ يعنى يعبدون فى الدنيا من الآلهة.

٢٣٦

(قُلْ) لكفار قريش (مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) يعنى المطر (وَ) من (الْأَرْضِ) يعنى النبات والثمار (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ) فيسمعها المواعظ (وَالْأَبْصارَ) فيريها العظمة (وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) يعنى النسمة الحية من النطفة (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) يعنى أمر الدنيا يعنى القضاء وحده (فَسَيَقُولُونَ) (١) فسيقول مشركو قريش (اللهُ) يفعل ذلك فإذا أقروا بذلك (فَقُلْ) يا محمد (أَفَلا) يعنى أفهلا (تَتَّقُونَ) ـ ٣١ ـ الشرك يعنى فهلا تحذرون العقوبة والنقمة.

(فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) فما ذا بعد عبادة الحق والإيمان إلا الباطل (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) ـ ٣٢ ـ (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ـ ٣٣ ـ فأخبر بعلمه السابق فيهم أنهم لا يؤمنون ، ثم قال : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) يعنى الآلهة التي عبدوا من دون الله (مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) يقول هل من خالق غير الله يخلق خلقا من النطفة على غير مثال ولا مشورة ، أمن يعيد خلقا من بعد الموت (سَيَقُولُونَ) فى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) : (لِلَّهِ) (٢).

(قُلْ) أنت يا محمد (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) ـ ٣٤ ـ يقول فمن أين تكذبون بتوحيد الله إذا زعمتم أن مع الله إلها آخر (قُلْ) للكفار يا محمد : (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) يعنى اللات ، والعزى ، ومناة ، آلهتهم التي يعبدون (مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) يقول هل منهم أحد إلى الحق يهدى يعنى

__________________

(١) فى أ : فسيقول ، وفى حاشية أ : التلاوة (فَسَيَقُولُونَ).

(٢) سورة المؤمنون : ٨٥.

٢٣٧

إلى دين الإسلام (قُلِ اللهُ) يا محمد (يَهْدِي لِلْحَقِ) وهو الإسلام (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي) وهي الأصنام والأوثان (إِلَّا أَنْ يُهْدى) وبيان ذلك فى النحل (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) (١) ، ثم عابهم فقال : (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ـ ٣٥ ـ يقول ما لكم كيف تقضون الجور ونظيرها فى (ن وَالْقَلَمِ) (٢) : حين زعمتم أن معى شريكا ، يقول : (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا) يعنى الالهة يقول إن هذه الآلهة تمنعهم من العذاب يقول الله (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي) عنهم (مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) يعنى من العذاب شيئا (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) ـ ٣٦ ـ (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ) وذلك لأن الوليد بن المغيرة وأصحابه قالوا : يا محمد هذا القرآن [١٦٦ ب] هو منك وليس هو من ربك فأنزل الله تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) يقول القرآن يصدق التوراة ، والزبور ، والإنجيل ، (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ) يعنى تفصيل الحلال والحرام لا شك فيه (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ ٣٧ ـ (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) يا محمد على الله (قُلْ) إن زعمتم أنى افتريته وتقولته (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) مثل هذا القرآن (وَادْعُوا) يقول استعينوا عليه (مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) يعنى الآلهة (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ـ ٣٨ ـ أن الآلهة تمنعهم من العذاب يقول الله : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) إذ زعموا أن لا جنة ، ولا نار ، ولا بعث ، (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) يعنى بيانه (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من

__________________

(١) سورة النحل الآية ٧٦ وتمامها : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)

(٢) يشير إلى الآية ٣٦ من سورة القلم وهي قوله تعالى : (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ).

٢٣٨

الأمم الخالية (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) ـ ٣٩ ـ يعنى المكذبين بالبعث (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ) يعنى لا يصدق بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ودينه ثم أخبر الله أنه قد علم من يؤمن به ومن لا يؤمن به من قبل أن يخلقهم ، فذلك قوله : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) ـ ٤٠ ـ (وَإِنْ كَذَّبُوكَ) بالقرآن وقالوا : إنه من تلقاء نفسك (فَقُلْ) للمستهزئين من قريش عبد الله بن أبى أمية وأصحابه (لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) يقول دين الله أنا عليه ، ولكم دينكم الذي أنتم عليه (أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) ـ ٤١ ـ يقول أنتم بريئون من ديني ، وأنا برىء من دينكم يعنى من كفركم مثلها فى هود (قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ، مِنْ دُونِهِ) (١).

(وَمِنْهُمْ) يعنى مشركي قريش (مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) يعنى يستمعون قولك (أَفَأَنْتَ) يا محمد (تُسْمِعُ الصُّمَ) يقول كما لا يسمع الصم لا يسمع المواعظ من قد سبقت له الشقاوة فى علم الله ـ تعالى ـ (وَلَوْ) يعنى إذ (كانُوا لا يَعْقِلُونَ) ـ ٤٢ ـ الإيمان (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) يا محمد (أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ) يعنى إذ (كانُوا لا يُبْصِرُونَ) ـ ٤٣ ـ الهدى (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ـ ٤٤ ـ يقول نصيبهم ينقصون بأعمالهم إذا حرموا أنفسهم ثواب المؤمنين (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) من قبورهم إلى القيامة (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) يعنى يوما

__________________

(١) سورة هود الآية ٥٤ ، ٥٥ وتمامها :

(إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ ، قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ، مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ).

٢٣٩

واحدا من أيام الدنيا (يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) يعنى يعرفون بعضهم بعضا وتبيان ذلك فى الفصل فى (سَأَلَ سائِلٌ) (١) (يُبَصَّرُونَهُمْ) (٢) يعنى يعرفونهم (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) يعنى البعث (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) ـ ٤٥ ـ (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) يوم بدر (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل يوم بدر (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) فى الآخرة فأنتقم منهم (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) ـ ٤٦ ـ من الكفر والتكذيب (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) يعنى بالحق [١٦٧ ا] وهو العدل (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ـ ٤٧ ـ وذلك أن الله بعث الرسل إلى أممهم يدعون إلى «عبادة (٣)» الله وترك عبادة الأصنام والأوثان فمن أجابهم إلى ذلك أثابه الله الجنة ، ومن أبى جعل ثوابه النار فذلك قوله : (قُضِيَ) (٤) (بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) وذلك عند وقت العذاب (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) يعنى وهم لا ينقصون من محاسنهم ولا يزادون على مساوئهم ما لم يعملوها (وَيَقُولُونَ) يعنى الكفار لنبيهم (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ـ ٤٨ ـ وذلك قوله : (ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٥).

__________________

(١) سورة المعارج وهي السورة رقم ٧٠ فى ترتيب المصحف ، وأولها (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ، لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ».)

(٢) يشير إلى الآية ١١ من سورة المعارج وتمامها : (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ).

(٣) زيادة ليست فى : أ ، وليست فى : ل.

(٤) فى أ ، ل : وقضى.

(٥) سورة العنكبوت : ٢٩.

٢٤٠