فرائد الأصول - ج ٢

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: سماء قلم
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8536-65-2
ISBN الدورة:
978-964-8536-63-8

الصفحات: ٦٥٤

خبر يرويه عدل إمامي يجب العمل به ، هذا هو الذي تبيّن لي من كلامه. ويدعي إجماع الأصحاب على العمل بهذه الأخبار ، حتّى لو رواها غير الإمامي وكان الخبر سليما عن المعارض واشتهر نقله في هذه الكتب الدائرة بين الأصحاب ، عمل به ، انتهى. قال بعد نقل هذا عن المحقّق : وما فهمه المحقّق من كلام الشيخ هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه ، لا ما نسبه العلّامة إليه (٤) ، انتهى كلام صاحب المعالم.

وأنت خبير بأنّ ما ذكره في وجه الجمع ـ من تيسّر القرائن وعدم اعتمادهم على الخبر المجرّد ـ قد صرّح الشيخ في عبارته المتقدّمة ببداهة بطلانه ؛ حيث قال : إنّ دعوى القرائن في جميع ذلك دعوى محالة ، وأنّ المدّعي لها معوّل على ما يعلم ضرورة خلافه ويعلم من نفسه ضدّه ونقيضه. والظاهر بل المعلوم أنّه قدس‌سره لم يكن عنده كتاب العدّة.

وقال المحدّث الأسترآبادي في محكيّ الفوائد المدنيّة : إنّ الشيخ قدس‌سره لا يجيز العمل إلّا بالخبر المقطوع بصدوره عنهم عليه‌السلام ، وذلك هو مراد المرتضى قدس‌سره ، فصارت المناقشة لفظيّة ، لا كما توهّمه العلّامة ومن تبعه (٥) ، انتهى كلامه.

وقال بعض من تأخّر عنه من الأخباريّين في رسالته ـ بعد ما استحسن ما ذكره صاحب المعالم ـ : ولقد أحسن النظر وفهم طريقة الشيخ والسيّد قدس‌سرهما من كلام المحقّق قدس‌سره كما هو حقّه. والذي يظهر منه أنّه لم ير عدّة الاصول للشيخ ، وإنّما فهم ذلك ممّا نقله المحقّق قدس‌سره ، ولو رآها لصدع بالحقّ أكثر من هذا. وكم له من تحقيق أبان به عن غفلات المتأخّرين كوالده وغيره. وفيما ذكره كفاية لمن طلب الحقّ وعرفه ؛ وقد تقدّم كلام الشيخ ، وهو صريح فيما فهمه المحقّق قدس‌سره ، وموافق لما يقوله السيّد قدس‌سره ، فليراجع.

والذي أوقع العلّامة في هذا الوهم ما ذكره الشيخ في العدّة من أنّه يجوز العمل بخبر العدل الإمامي ، ولم يتأمّل بقيّة الكلام كما تأمّله المحقّق ، ليعلم أنّه إنّما يجوّز العمل بهذه الأخبار التي روتها (*) الأصحاب واجتمعوا على جواز العمل بها ، وذلك ممّا يوجب العلم بصحّتها ، لا أنّ كلّ خبر يرويه عدل إمامي يجب العمل به ؛ وإلّا

__________________

(*) في بعض النسخ : بدل «روتها» ، دوّنها.

٢٠١

فكيف يظنّ بأكابر الفرقة الناجية وأصحاب الأئمّة صلوات الله عليهم ـ مع قدرتهم على أخذ اصول الدين وفروعه منهم عليهم‌السلام بطريق اليقين ـ أن يعوّلوا فيها على أخبار الآحاد المجرّدة ، مع أنّ مذهب العلّامة وغيره أنّه لا بدّ في اصول الدين من الدليل القطعي وأنّ المقلّد في ذلك خارج عن ربقة الإسلام؟ وللعلّامة وغيره كثير من هذه الغفلات ؛ لالفة أذهانهم باصول العامّة. ومن تتبّع كتب القدماء وعرف أحوالهم قطع بأنّ الأخباريّين من أصحابنا لم يكونوا يعوّلون في عقائدهم إلّا على الأخبار المتواترة أو الآحاد المحفوفة بالقرائن المفيدة للعلم ، وأمّا خبر الواحد فيوجب عندهم الاحتياط دون القضاء والافتاء ، والله الهادي (٦) ، انتهى كلامه.

أقول : أمّا دعوى دلالة كلام الشيخ في العدّة على عمله بالأخبار المحفوفة بالقرائن العلميّة دون المجرّدة عنها وأنّه ليس مخالفا للسيّد قدس‌سرهما ، فهو كمصادمة الضرورة ؛ فإنّ في العبارة المتقدّمة من العدّة وغيرها ممّا لم نذكرها مواضع تدلّ على مخالفة السيّد (٥٦٠).

نعم ، يوافقه في العمل بهذه الأخبار المدوّنة ، إلّا أنّ السيّد يدّعي تواترها له أو احتفافها بالقرينة المفيدة للعلم ؛ كما صرّح به في محكيّ كلامه في جواب المسائل التبّانيّات من : أنّ أكثر أخبارنا المرويّة في كتبنا معلومة مقطوع على صحّتها ، إمّا بالتواتر أو بأمارة وعلامة تدلّ على صحّتها وصدق رواتها ، فهي موجبة للعلم مفيدة

______________________________________________________

٥٦٠. لأنّ في كلامه مواضع تدلّ على أنّ مراده بما ادّعى الإجماع عليه هو الأخبار المجرّدة عن القرائن القطعيّة :

منها : اشتراطه في عنوان المسألة كون الراوي سديدا في دينه ، إذ لو كان مقصوده إثبات حجّية الأخبار المقطوع بصدورها كان اشتراط ذلك لغوا.

ومنها : تصريحه في أوّل المسألة باشتراط خلوّ الخبر الذي ادّعى على اعتباره الإجماع عن القرائن القطعيّة.

ومنها : دعواه الإجماع على المسألة ، إذ لو كان مقصوده بيان اعتبار الأخبار المقطوع بالصدور لم يحتج ذلك إلى دعوى الإجماع عليه.

٢٠٢

للقطع وإن وجدناها في الكتب مودعة بسند مخصوص من طريق الآحاد ، انتهى.

والشيخ يأبى عن احتفافها بها ، كما عرفت (*) كلامه السابق في جواب ما أورده على نفسه بقوله فإن قيل : ما أنكرتم أن يكون الذين أشرتم إليهم لم يعملوا بهذه الأخبار بمجرّدها ، بل إنّما عملوا بها لقرائن اقترنت بها دلّتهم على صحّتها إلى آخر ما ذكره.

ومجرّد عمل السيّد والشيخ بخبر خاصّ ـ لدعوى الأوّل تواتره والثاني كون خبر الواحد حجّة ـ لا يلزم منه توافقهما في مسألة حجّية خبر الواحد ؛ فإنّ الخلاف فيها يثمر في خبر يدّعي السيّد تواتره ولا يراه الشيخ جامعا لشرائط الخبر المعتبر ، وفي خبر يراه الشيخ جامعا ولم يحصل تواتره للسيّد ؛ إذ ليس جميع ما دوّن في الكتب متواترا عند السيّد ولا جامعا لشرائط الحجّية عند الشيخ.

ثمّ إنّ إجماع الأصحاب الذي ادّعاه الشيخ على العمل بهذه الأخبار لا يصير قرينة لصحّتها بحيث تفيد العلم ، حتّى يكون حصول الإجماع للشيخ قرينة عامّة لجميع هذه الأخبار ؛ كيف وقد عرفت إنكاره للقرائن حتّى لنفس المجمعين؟ ولو فرض كون الإجماع على العمل قرينة لكنّه غير حاصل في كلّ خبر بحيث يعلم أو يظنّ أنّ هذا الخبر بالخصوص وكذا ذاك وذاك ممّا اجتمع (**) على العمل به ، كما لا يخفى. بل المراد الإجماع على الرجوع إليها والعمل بها بعد حصول الوثوق من الراوي أو من

______________________________________________________

ومنها : ما أشار إليه بقوله : «ومن ادّعى في القرائن جميع ذلك ...».

ومنها : أنّه بعد أن ذكر في دليله الثاني على حجّية الأخبار مخالفة الشيوخ قال : «وذلك أشهر من أن يخفى ، حتّى إنّك لو تأمّلت في اختلافهم وجدته يزيد من اختلاف أبي حنيفة والشافعي ومالك ، ووجدتهم مع هذا الاختلاف العظيم لم يقطع أحد منهم موالاة صاحبه ، ولم ينته إلى تضليله وتفسيقه والبراءة من مخالفه ، فلو لا أنّ العمل بهذه كان جائزا لما كان ذلك ، وكان يكون من عمل بخبر عنده أنّه

__________________

(*) في بعض النسخ زيادة : من.

(**) في بعض النسخ : بدل «اجتمع» ، أجمع.

٢٠٣

القرائن ؛ ولذا استثنى القميّون كثيرا من رجال نوادر الحكمة (٥٦١) مع كونه من

______________________________________________________

صحيح يكون مخالفه ، مخطئا» إلى أن قال : «وإن تجاسر متجاسر إلى أن يقول : كلّ مسألة ممّا اختلفوا فيه عليه دليل قاطع ومخالفه مخطئ فاسق ، يلزمه أن يفسّق الطائفة كلّها ، وضلّل الشيوخ المتقدّمين والمتأخّرين كلّهم ، فإنّه لا يمكن أن يدّعى على أحد موافقته في جميع أحكام الشرع ، ومن بلغ هذا الحدّ لا يحسن مكالمته ، ويجب التغافل عنه بالسكوت».

ومنها : ما ذكره في دليله الثالث ، قال : «ممّا يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه أنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار ، فوثّقت الثقات وضعّفت الضعفاء ، وفرّقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ومن لا يعتمد على خبره ، مدحوا الممدوح وذمّوا المذموم ، وقالوا : فلان متّهم في حديثه ، وفلان كذّاب». ثمّ أورد شطرا من هذه الكلمات قال : «فلو لا العمل بما يسلم من الطعن ويرويه من هو موثوق به جائز لما كان بينه وبين غيره فرق ، وكان خبره مطروحا مثل خبر غيره ، فلا يكون فائدة في شروعهم فيما شرعوا فيه. التضعيف والتوثيق وترجيح بعضها على بعض ، وفي ثبوت ذلك دليل على صحّة ما اخترناه» انتهى.

وتقريب الدلالة : أنّ احتجاجه بتمييز الطائفة بين ثقات الطائفة وضعافهم يدلّ على كون تمييزهم بين ذلك لأجل كون عملهم بأخبار الآحاد ، إذ لو كان عملهم بالأخبار القطعيّة لما احتاجوا إلى ذلك أصلا ، وكان ما ارتكبوه لغوا محضا. هذا ، ولكن قد تقدّمت عند نقل الأقوال في المسألة دعوى الشهيد الثاني في شرح الدراية دعوى اختلاف كلمات الشيخ في العمل بأخبار الآحاد ، فراجع ، وهو الحقّ الذي لا محيص عنه.

٥٦١. هو لمحمّد بن أحمد بن يحيى ، وهو كتاب حسن يعرفه القمّيون بدبّة شبيب. وشبيب فامي كان بقم له دبّة ذات بيوت يعطي منها ما يطلب منه ، فشبّهوا هذا الكتاب بذاك. ذكره في منتهى المقال.

٢٠٤

الكتب المشهورة المجمع على الرجوع إليها ، واستثنى ابن الوليد من روايات العبيدي ما يرويها عن يونس مع كونها في الكتب المشهورة. والحاصل أنّ معنى الإجماع على العمل بها عدم ردّها من جهة كونها أخبار آحاد (٥٦٢) ، لا الإجماع على العمل بكلّ خبر خبر منها.

ثمّ إنّ ما ذكره ـ من تمكّن أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام من أخذ الاصول والفروع بطريق اليقين ـ دعوى ممنوعة واضحة المنع. وأقلّ ما يشهد عليها : ما علم بالعين والأثر من اختلاف أصحابهم صلوات الله عليهم في الاصول والفروع ؛ ولذا شكا غير واحد من أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام إليهم اختلاف أصحابهم ، فأجابوهم تارة : بأنّهم عليهم‌السلام قد ألقوا الاختلاف بينهم حقنا لدمائهم ، كما في رواية حريز (٥٦٣)

______________________________________________________

٥٦٢. إذ العمل بالخبر يحتاج إلى إثبات المقتضي للعمل ، وإلى إثبات عدم المانع ، وهو كونه خبر واحد. والثاني ثابت بالإجماع. والأوّل مختلف باختلاف المذاهب في شرائط العمل بأخبار الآحاد ، فمجرّد انعقاد الإجماع على عدم المانع لا يثبت المقتضي ، حتّى يدّعى تحقّق الإجماع على جواز العمل بكلّ واحد من أخبار الآحاد.

٥٦٣. في الكافي عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : «سألته عن مسألة فأجابني ، ثمّ جاء رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ، ثمّ جاء آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ، فلمّا خرج الرجلان قلت : يا بن رسول الله رجلان من أهل العراق من شيعتكم يسألان فأجبت كلّ واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه. فقال : يا زرارة إنّ هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم ، ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدّقكم الناس علينا ، ولكان أقل لبقائنا وبقائكم. ثمّ قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : شيعتكم لو حملتموهم على الأسنّة وعلى النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين. قال : فأجابني بمثل جواب أبيه» إلى غير ذلك من الأخبار في هذا المعنى.

٢٠٥

وزرارة وأبي أيّوب الخزّاز (٥٦٤) ، وأخرى أجابوهم بأنّ ذلك من جهة الكذّابين ، كما في رواية الفيض بن المختار ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلني الله فداك ، ما هذا الاختلاف الذي بين شيعتكم؟ قال : وأيّ الاختلاف يا فيض؟ فقلت له : إنّي أجلس في حلقهم بالكوفة وأكاد أشكّ في اختلافهم (٥٦٥) في حديثهم ، حتّى أرجع إلى المفضّل بن عمر فيوقفني من ذلك على ما تستريح به نفسي ، فقال عليه‌السلام : أجل ، هو كما ذكرت يا فيض ، إنّ الناس قد اولعوا بالكذب علينا ، كأن الله افترض عليهم ولا يريد منهم غيره ، إنّي أحدّث أحدهم بحديث ، فلا يخرج من عندي حتّى يتأوّله على غير تأويله ؛ وذلك لأنّهم لا يطلبون بحديثنا وبحبّنا ما عند الله تعالى ، وكلّ يحبّ أن يدعى رأسا» (٧). وقريب منها رواية داود بن سرحان. واستثناء القميّين كثيرا من رجال نوادر الحكمة معروف ، وقصّة ابن أبي العوجاء (٥٦٦) ـ أنّه قال عند قتله : قد دسست في كتبكم أربعة آلاف حديث ـ مذكورة في الرجال. وكذا ما ذكره يونس بن عبد الرحمن : من أنّه أخذ أحاديث كثيرة من أصحاب الصادقين عليهما‌السلام ، ثمّ عرضها على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، فأنكر منها أحاديث كثيرة ، إلى غير ذلك ممّا يشهد (٥٦٧) بخلاف ما ذكره.

وأمّا ما ذكره : من عدم عمل الأخباريّين في عقائدهم إلّا على الأخبار المتواترة والآحاد العلميّة ، ففيه : أنّ الأظهر في مذهب الأخباريّين ما ذكره العلّامة : من أنّ الأخباريّين لم يعوّلوا في اصول الدين وفروعه إلّا على أخبار الآحاد. ولعلّهم المعنيّون

______________________________________________________

٥٦٤. الخزّاز بالزاء قبل الألف وبعدها ، أو بالراء فالزاء أخيرا ، ذكره في منتهى المقال.

٥٦٥. أي : لأجله.

٥٦٦. قال الطريحي : «هو من تلامذة أبي الحسن البصري ، فانحرف عنه وعن التوحيد. وكان أبو الحسن تارة يقول بالقدر وتارة بالجبر» انتهى.

٥٦٧. قد تقدّم استيفاء الكلام في ذلك عند إبطال شبهة الأخباريّين في دعوى قطعيّة الأخبار.

٢٠٦

ممّا ذكره الشيخ في كلامه السابق في المقلّدة (*) : أنّهم إذا سألوا عن التوحيد وصفات الأئمّة والنبوّة ، قالوا : روينا كذا ، وأنّهم يروون في ذلك الأخبار.

وكيف كان : فدعوى دلالة كلام الشيخ في العدّة على موافقة السيّد في غاية الفساد ، لكنّها غير بعيدة ممّن يدّعي قطعيّة صدور أخبار الكتب الأربعة ؛ لأنّه إذا ادّعى القطع لنفسه بصدور الأخبار التي أودعها الشيخ في كتابيه ، فكيف يرضى للشيخ ومن تقدّم عليه من المحدّثين أن يعملوا بالأخبار المجرّدة عن القرينة؟ وأمّا صاحب المعالم قدس‌سره ، فعذره أنّه لم يحضره عدّة الشيخ حين كتابة هذا الموضع ، كما حكي عن بعض حواشيه (٥٦٨) واعترف به هذا الرجل. وأمّا المحقق قدس‌سره ، فليس في كلامه المتقدّم منع دلالة كلام الشيخ على حجّية خبر الواحد المجرّد مطلقا ، وإنّما منع من

______________________________________________________

٥٦٨. الحاكي هو الفاضل الصالح المازندراني في حواشيه على المعالم حيث قال : «وهذا الذي ذكره المصنّف رحمه‌الله في هذا المقام كان قبل وقوفه على كلام الشيخ في العدّة ، لأنّه قدس‌سره ذكر في الحاشية أنّ الشيخ صرّح بموافقته للمرتضى ، وبأنّ الإماميّة قاطبة يعملون بخبر الواحد وإن كان مجرّدا عن القرائن ، وأنّ مراده بخبر الواحد حيث نفوا العمل به هو خبر المخالفين حيث قال : اعلم أنّ الذي اتّضح لي من حال الشيخ في هذا المقام بعد أن تيسّر لي الوقوف على كتابه المسمّى بالعدّة ، أنّ أخبار الآحاد التي دوّنها الأصحاب في كتبهم وتناقلوا بينهم يعمل بها ، وغيرها من الأخبار التي دوّنها المخالفون في كتبهم ليس بحجّة ولا يعوّل عليه. وقد صرّح بالموافقة ـ على ما سبقت حكايته عن المرتضى وغيره من الإنكار ـ بعمل الإماميّة بخبر الواحد ، وأنّ ذلك شعارهم وطريقتهم التي لا سبيل إلى ادّعاء خلافها. ثمّ إنّه خصّ ذلك بما ذكرناه من روايات مخالفيهم دون رواياتهم ، واحتجّ لما صار إليه بإجماع الطائفة على الأخبار التي دوّنتها ، وبالغ في نفي احتمال كون عملهم بها إنّما حصل بسبب انضمام القرائن إليها» انتهى.

__________________

(*) في بعض السنخ زيادة : من.

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو صريح في العدول عمّا ذكره في المعالم ، إلّا أنّ حاصل ما ذكره هو الجمع بين كلامي السيّد والشيخ بوجه آخر ، وهو تخصيص معقد إجماع السيّد بأخبار المخالفين ، وتخصيص معقد إجماع الشيخ بأخبار الإماميّة. ويشهد بالأوّل قول السيّد فيما نقله عنه في المعالم : إنّما عمل بأخبار الآحاد المتأمّرون الذين يحتشم التصريح بخلافهم. وبالثاني ما أجاب به الشيخ عمّا أورده على نفسه بقوله : «قيل لهم : المعلوم من حالها الذي لا ينكر ولا يدفع» إلى آخر ما تقدّم في كلام المصنّف رحمه‌الله.

وأورد عليه أوّلا : أنّ الشيخ قد جعل البحث في هذه المسألة مع السيّد وموافقيه ، ومقصوده الردّ عليهم حيث زعم مخالفتهم ، كما يشهد به إطالة ذيل الكلام في إثبات جواز العمل بأخبار الآحاد المجرّدة عن القرائن ، إذ لا يحسن ذلك إلّا مع وجود مخالف صريح يعتنى بشأنه ، ومعه كيف يجعل مورد كلامهما مختلفا ، والنزاع بينهما لفظيّا؟ لارتفاع النزاع بينهما حينئذ حقيقة.

وثانيا : أنّه مخالف لما شاهدناه من طريقتهما في الفقه ، إذ الشيخ ربّما يعمل بخبر يختصّ طريقه بالمخالفين ، ويردّ السيّد أخبارا من طرق الإماميّة بكونها آحادا لا توجب علما ولا عملا.

والإنصاف أنّ ما نقله المصنّف رحمه‌الله من كلام الشيخ ظاهر فيما نقله الفاضل الصالح عن صاحب المعالم ، لأنّ قوله فيما أورده على نفسه : «حتّى إنّ منهم من يقول : لا يجوز ذلك عقلا ، ومنهم من يقول : لا يجوز ذلك شرعا ، لأنّ الشرع لم يرد به» إشارة إلى خلاف ابن قبة والسيّد ، حيث إنّ الأوّل منع ذلك عقلا ، والثاني شرعا. وقوله في الجواب : «قيل له : من أشرت إليهم ـ إلى قوله ـ إلّا في مسائل دلّ الدليل ...» ظاهر أو صريح فيما ذكره من دعوى موافقة السيّد له. وأمّا مخالفتهما في العمل بالأخبار في الفقه فهو لا يصدم فيما نحن فيه ، لأنّ مقصود صاحب المعالم هنا دعوى ظهور كلام الشيخ في العدّة في دعوى الإجماع على

٢٠٨

دلالته على الإيجاب الكلّي وهو أنّ كلّ خبر يرويه عدل إمامي يعمل به ، وخصّ مدلوله بهذه الأخبار التي دوّنها (٥٦٩) الأصحاب ، وجعله موافقا لما اختاره في المعتبر : من التفصيل في أخبار الآحاد المجرّدة بعد ذكر الأقوال فيها ، وهو أنّ ما قبله الأصحاب أو دلّت القرائن على صحّته عمل به ، وما أعرض الأصحاب عنه أو شذّ يجب اطّراحه (٨) ، انتهى.

والإنصاف أنّ ما فهمه العلّامة من إطلاق قول الشيخ بحجّية خبر العدل الإمامي أظهر ممّا فهمه المحقّق من التقييد ؛ لأنّ الظاهر أنّ الشيخ إنّما يتمسّك بالإجماع على العمل بالروايات المدونة في كتب الأصحاب على حجّية مطلق خبر العدل الإمامي ، بناء منه على أنّ الوجه في عملهم بها كونها أخبار عدول ، وكذا ما ادّعاه من الإجماع على العمل بروايات الطوائف الخاصّة من غير الإماميّة ؛ وإلّا فلم يأخذه في عنوان مختاره ، ولم يشترط كون الخبر ممّا رواه الأصحاب وعملوا به ، فراجع كلام الشيخ وتأمّله ، والله العالم وهو الهادي إلى الصواب.

ثمّ إنّه لا يبعد وقوع مثل (٥٧٠)

______________________________________________________

جواز العمل بالأخبار المجرّدة عن القرائن القطعيّة ، مع ظهور كلامه في الموافقة للسيّد في جواز العمل بها ، وهو كذلك كما عرفت.

٥٦٩. لعلّه نظر فيه إلى قول الشيخ : «والذي يدلّ على ذلك إجماع الفرقة المحقّة ، فإنّي وجدتها مجتمعة على العمل بهذه الأخبار التي رووها في تصانيفهم ودوّنوها في اصولهم ، لا يتناكرون ذلك» انتهى. وهو ضعيف كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله.

٥٧٠. أشار إلى منع استبعاد التدافع بين إجماعي السيّد والشيخ ، إذ ربما تستبعد دعواهما الإجماع على طرفي المسألة مع معاصرتهما ، وتلمّذهما عند المفيد قدس‌سره ، واطّلاعهما على الأقوال ، وتبحّرهما في العلم ، ولذا تصدّى جماعة للجمع بينهما بوجوه.

أحدها : ما تقدّم في كلام المصنّف رحمه‌الله عن صاحب المعالم من تخصيص معقد إجماع الشيخ بالأخبار المحفوفة بالقرائن القطعيّة ، وتخصيص معقد إجماع السيّد

٢٠٩

بالأخبار المجرّدة عنها. وقد تقدّم تضعيفه بدعوى صراحة كلام الشيخ في دعوى الإجماع على اعتبار الأخبار المجرّدة.

وثانيها : ما تقدّم عن صاحب المعالم أيضا في حاشية المعالم ، من تخصيص معقد إجماع الشيخ بالأخبار التي دوّنها أصحابنا في كتبهم ، وتخصيص معقد إجماع السيّد بالأخبار التي تختصّ طرقها بالمخالفين ، لعدم منافاته عمل السيّد حينئذ بالأخبار المدوّنة في كتب أصحابنا وإن تجرّدت عن القرائن.

وفيه : أنّه مناف لتصريح السيّد بحصر العمل في الأحكام المعلومة بالضرورة أو الإجماع أو الأخبار المتواترة ، كما نقله عنه في المعالم فيما يأتي من كلامه.

وثالثها : ما سيذكره المصنّف رحمه‌الله من حمل العلم في كلام السيّد على العلم العرفي ، أعني : الوثوق والاطمئنان ، كما يشهد به ما سيحكيه عن السيّد وبعض الأخباريّين ، بل قيل ربّما يستفاد ذلك من الحلّي أيضا. وحمل معقد إجماع الشيخ بما أفاد الوثوق ، نظرا إلى أنّ اشتراطه كون الراوي من أصحابنا غير مطعون في روايته سديدا في نقله إنّما هو لأجل كون ذلك من أسباب الوثوق ، لا لأجل خصوصيّة في هذه القيود.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من التعبير بالعلم العرفي أولى من تعبير بعضهم في المقام بالعلم العادّي ، لاتّحاده مع العلم الوجداني في اعتبار الجزم بالواقع في مفهومهما ، لأنّ اختلافهما إنّما هو بحسب اختلاف أسبابهما ، إذ العلم العادّي هو الجزم الحاصل من جريان العادة على شيء ، مثل أن علمنا بعدم صيرورة الأواني الموجودة في البيت علماء فضلاء ، إنّما هو لأجل علمنا بعدم جريان عادة الله سبحانه على ذلك ، وباعتباره يسمّى علما عاديا. والعلم الوجداني هو الجزم الحاصل من سائر الأسباب ، بخلاف العلم العرفي ، فإنّه مبنيّ على إطلاق اسم العلم على الوثوق مسامحة.

وكيف كان ، فيرد عليه أنّ تنزيل كلام السيّد على إرادة العلم العرفي ـ أعني : الوثوق ـ في غاية البعد ، لأنّه كما نقله عنه صاحب المعالم يدّعي كون أكثر الأحكام

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

معلومة بالضرورة والأخبار المتواترة والإجماع ، ومعه كيف يمكن تنزيل العلم في كلامه على المعنى المذكور؟ ومع التسليم فلا بدّ من حمل كلامه على إرادة أعلى مراتب الوثوق ، وحمل كلام الشيخ على أوّل مراتبه ، لأنّ السيّد قد طرح كثيرا من الأخبار التي عمل بها الشيخ معلّلا بأنّها من الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ، إذ الأخبار التي أودعها الشيخ في كتبه الأخباريّة والاستدلاليّة قد عمل بها ، لأنّه إن طرح جملة منها في كتاب قد عمل بها في آخر.

وبالجملة ، إنّ الشيخ قد عمل بكثير من الأخبار التي طرحها السيّد ، ويبعد في الغاية أن يكون ما طرحه السيّد وعمل به الشيخ على كثرته غير موثوق بالصدور عند السيّد وموثوقا به عند الشيخ ، سيّما مع ملاحظة اتّحاد عصرهما.

ورابعها : حمل معقد إجماع السيّد على صورة الانفتاح ، ومعقد إجماع الشيخ على صورة الانسداد. ويشهد بالأوّل أمران :

أحدهما : تصريح السيّد بجواز العمل بالظنّ في صورة الانسداد ، حيث قال في جملة كلام محكيّ عنه في المعالم في مبحث أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه : ويكون الظنّ في ذلك قائما مقام العلم ، وقد ثبت أنّ الظنّ يقوم مقام العلم إذا تعذّر العلم ، فأمّا مع حصوله فلا يقوم مقامه. وكلامه طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

وثانيهما : تصريحه بانفتاح باب العلم ، لأنّه فيما حكاه عنه في المعالم أورد على نفسه بقوله : فإن قيل : إذا سددتم طريق العمل بالأخبار فعلى أيّ شيء تعوّلون في الفقه كلّه؟ وأجاب عنه بما حاصله : أنّ معظم الفقه يعلم بالضرورة من مذهب أئمّتنا عليهم‌السلام فيه ، وبالأخبار المتواترة ، وما لم يتحقّق ذلك فيه ـ ولعلّه الأقلّ ـ يعوّل فيه على إجماع الإماميّة. وذكر كلاما طويلا في حكم ما وقع فيه الاختلاف بينهم. ومحصّله : أنّه إذا أمكن تحصيل القطع بأحد الأقوال من طرق ما ذكرناه تعيّن العمل به ، وإلّا كنّا مخيّرين في العمل بأحد الأقوال المختلفة.

ويشهد بالثاني أيضا أمران :

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما : أخذ دعوى السيّد للإجماع على عدم الحجّية في زمان الانفتاح قرينة على حمل كلام الشيخ على صورة الانسداد.

وثانيهما : تصريح الشيخ في آخر كلامه الذي نقله عنه المصنّف رحمه‌الله بأنّ الأخذ بالقرائن القطعيّة يوجب طرح أكثر الأخبار والأحكام.

ويرد عليه أوّلا : أنّ الشيخ يدّعي الإجماع حتّى في عصر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام ، ولا ريب في انفتاح باب العلم في عصرهم بالتمكّن من سؤالهم ، اللهمّ إلّا أن يلتزم بالانسداد في تلك الأعصار أيضا. بل ربما يدّعى مع ذلك انفتاحه في زمان السيّد والشيخ ، وذلك لعدم تمكّن أكثر الرعيّة من الوصول إلى خدمة الأئمّة عليهم‌السلام وأخذ الأحكام منهم غالبا ، ولم تكن الاصول أيضا مجتمعة عند كلّ واحد من الرواة في ذلك الزمان ، إذ كان عند كلّ واحد منهم أصل أو أصلان مثلا ، سيّما مع عدم تمكّن الأئمّة عليهم‌السلام في أغلب أوقاتهم من بيان الأحكام الواقعيّة ، بخلاف زمان السيّد والشيخ ، لانتشار الأخبار في ذلك الزمان ، واجتماع الاصول المعتمدة عند العلماء ، بحيث أمكن لهما تحصيل العلم بأغلب الأحكام لأجل ملاحظة الأخبار المتكرّرة المتكاثرة أو المتواترة في أغلب الأحكام ، ولذا ادّعى السيّد كون أكثر الأحكام معلومة بالضرورة والأخبار المتواترة ، فتأمّل.

وثانيا : أنّ الانسداد الذي حمل كلام الشيخ عليه إن اريد به الانسداد الأغلبي الذي مقتضاه اعتبار مطلق الظنّ في إثبات الأحكام الشرعيّة من دون خصوصيّة للأخبار ، كما هو المتعارف عند القائلين بالانسداد ، يرد عليه : أنّه لا يناسب مذهب الشيخ ، لأنّه إنّما يقول باعتبار الأخبار من حيث الخصوصيّة كالبيّنة ، ولذا تمسّك في إثبات اعتبارها بآية النبأ والإجماع ونحوهما. ويؤيّده ـ بل يدلّ عليه ـ عدم عمل الشيخ بالشهرة والأولويّة ونحوهما من الظنون التي لم يثبت اعتبارها بالخصوص.

وإن اريد به الانسداد في الجملة ولو في بعض المسائل ، يرد عليه : أنّ السيّد أيضا لا ينفي ذلك ، لأنّه إنّما يدّعي الانفتاح في الأغلب. اللهمّ إلّا أن يدفع باختيار

٢١٢

هذا التدافع بين دعوى السيّد ودعوى الشيخ ـ مع كونهما معاصرين خبيرين بمذهب الأصحاب ـ في العمل بخبر الواحد ؛ فكم من مسألة فرعيّة وقع الاختلاف بينهما في دعوى الإجماع فيها ، مع أنّ المسألة الفرعيّة أولى بعدم خفاء مذهب الأصحاب فيها عليهما ؛ لأنّ المسائل الفرعيّة معنونة في الكتب مفتى بها غالبا بالخصوص

______________________________________________________

الشقّ الأوّل ، بناء على القول بكون نتيجة دليل الانسداد مهملة كما سيجيء في محلّه ، لجواز الاستدلال به حينئذ على اعتبار أخبار الآحاد من باب الظنون الخاصّة كما صنعه في المعالم وغيره ، وإن كان المحقّق القمّي قد زعم التنافي بينهما. ولعلّه سيأتي توضيح المقام في مقام آخر. وكيف كان ، فالحقّ ما ادّعاه الشيخ ، كما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله ، وستقف على توضيحه.

ثمّ إنّ صاحب المعالم قال : «وبقي الكلام في التدافع الواقع بين ما عزاه ـ يعني : السيّد ـ إلى الأصحاب وبين ما حكيناه عن العلّامة في النهاية ، فإنّه عجيب. ويمكن أن يقال : إنّ اعتماد المرتضى فيما ذكره على ما عهده من كلام أوائل المتكلّمين منهم ، والعمل بخبر الواحد بعيد عن طريقتهم ، وقد مرّت حكاية المحقّق عن ابن قبة ـ وهو من أجلّتهم ـ القول بمنع التعبّد به عقلا. وتعويل العلّامة على ما ظهر له من كلام الشيخ وأمثاله من علمائنا المعتنين بالفقه والحديث ، حيث أوردوا الأخبار في كتبهم واستراحوا إليها في المسائل الفقهيّة ، ولم يظهر منهم ما يدّل على موافقة المرتضى» انتهى.

وأنت خبير بأنّ قوله : «وبقي الكلام في التدافع ...» ظاهر في بناء الكلام على بيان رفع التدافع المتراءى بين الإجماعين ، وما ذكره بعده تسليم للتدافع وتخطئة للسيّد في دعواه الإجماع. ولكنّ الظاهر أنّ قوله : «ويمكن أن يقال» ليس بيانا لما بقي من كلامه ، بل هو دفع لما استبعده بقوله : «فإنّه عجيب» ببيان منشأ الشبهة العارضة للسيّد. ثمّ أشار إلى بيان ما هو المقصود هنا من رفع التدافع المذكور بعد كلامه المذكور بقوله : «والإنصاف أنّه لم يتّضح» إلى آخر ما نقله عنه المصنّف رحمه‌الله. ولكنّ الإنصاف أنّ الأولى ممّا ذكره في رفع الاستبعاد ما ذكره

٢١٣

ـ نعم قد يتّفق دعوى الإجماع (٥٧١) بملاحظة قواعد الأصحاب ـ والمسائل الاصوليّة (٥٧٢) لم تكن معنونة في كتبهم ، إنّما المعلوم من حالهم أنّهم عملوا بأخبار وطرحوا أخبارا. فلعلّ وجه ـ عملهم بما عملوا كونه متواترا أو محفوفا عندهم ـ بخلاف ما طرحوا ـ على ما يدّعيه السيّد قدس‌سره على ما صرّح به في كلامه المتقدّم : من أنّ الأخبار المودعة في الكتب بطريق الآحاد متواترة أو محفوفة ـ ونصّ في مقام آخر على أنّ معظم الأحكام يعلم بالضرورة والأخبار المعلومة.

ويحتمل كون الفارق بين ما عملوا وما طرحوا ـ مع اشتراكهما في عدم التواتر والاحتفاف ـ فقد شرط العمل في أحدهما دون الآخر على ما يدّعيه الشيخ قدس‌سره على ما صرّح به في كلامه المتقدّم من الجواب عن احتمال كون عملهم بالأخبار لاقترانها بالقرائن. نعم ، لا يناسب ما ذكرنا (٥٧٣) من الوجه تصريح السيّد بأنّهم شدّدوا الإنكار على العامل بخبر الواحد. ولعلّ الوجه فيه : ما أشار إليه الشيخ في كلامه المتقدّم بقوله : إنّهم منعوا من الأخبار التي رواها المخالفون في المسائل التي روى أصحابنا خلافها.

واستبعد هذا صاحب المعالم ـ في حاشية منه على هامش المعالم بعد ما حكاه عن الشيخ ـ : بأنّ الاعتراف بإنكار عمل الإماميّة بأخبار الآحاد لا يعقل صرفه إلى روايات مخالفيهم ؛ لأن اشتراط العدالة عندهم وانتفائها في غيرهم كاف في الإضراب

______________________________________________________

المصنّف رحمه‌الله في رفعه ، فتدبّر.

٥٧١. يعني : في المسائل الفرعيّة غير المعنونة في كتبهم.

٥٧٢. هذا استئناف كلام بعد رفع الاستبعاد من تنافي الإجماعين ، بإبداء احتمال صحّة أحدهما توطئة للجمع بينهما بما سيشير إليه فعلى الاحتمال الأوّل يصير ما ادّعاه السيّد حقّا ، وعلى الاحتمال الثاني يكون ما ادّعاه الشيخ صوابا.

٥٧٣. من الاحتمال الثاني ، إذ تشديد الإنكار بقول مطلق إنّما يناسب الاحتمال الأوّل ، إذ على الثاني يكفي في ترك العمل انتفاء شرطه ، فلا يحتاج إلى تشديد الإنكار.

٢١٤

عنها ، فلا وجه للمبالغة في نفي العمل بخبر يروونه ، انتهى.

وفيه : أنّه يمكن أن يكون (٥٧٤) إظهار هذا المذهب والتجنّن به في مقام لا يمكنهم التصريح بفسق الراوي ، فاحتالوا في ذلك بأنّا لا نعمل إلّا بما حصل لنا القطع بصدقه بالتواتر أو بالقرائن ، ولا دليل عندنا على العمل بالخبر الظنّي وإن كان راويه غير مطعون ، وفي عبارة الشيخ المتقدّمة إشارة إلى ذلك ؛ حيث خصّ إنكار الشيوخ للعمل بالخبر المجرّد بصورة المناظرة مع خصومهم.

والحاصل أنّ الإجماع الذي ادّعاه السيّد قدس‌سره قولي ، وما ادّعاه الشيخ قدس‌سره إجماع عملي ، والجمع بينهما يمكن بحمل عملهم (٥٧٥) على ما احتفّ بالقرينة عندهم وبحمل قولهم (٥٧٦) على ما ذكرنا من الاحتمال في دفع الروايات الواردة فيما لا يرضونه من المطالب ، والحمل الثاني مخالف لظاهر القول (٥٧٧) ، والحمل الأوّل ليس مخالفا لظاهر العمل ؛ لأنّ العمل مجمل من أجل الجهة التي وقع عليها ، إلّا أنّ

______________________________________________________

٥٧٤. توضيحه : أنّ المخالفين لمّا اختلقوا أخبارا في مدح أئمّتهم أو في ذمّ أئمّتنا عليهم‌السلام أو في غير ذلك ، ورووها عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أئمّتنا عليهم‌السلام ودسّوها في أخبارنا ، وكان أصحابنا في ذلك الزمان مخالطين معهم ، ولم يمكن لهم التصريح بخلافهم ، احتالوا المنع من العمل بخبر الواحد في التخلّص عن مخالفتهم وطرح أخبارهم ، وتخلّصوا بذلك عن مناظرتهم بما اختلقوا من أخبارهم ، كما هو واضح لمن تتبّع السلف ، وسبر أحوالهم إجمالا. ولمّا اشتهر ذلك فيما بينهم هذا الاشتهار ظنّ السيّد وأمثاله كون المنع من العمل بخبر الواحد مطلقا شعارا ومذهبا لهم. ويؤيّد ما ذكرناه ما اشتهر من أنّ سمرة بن جندب اختلق رواية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر معاوية بإزاء أربعمائة ألف درهم ، بأنّ آية اشتملت على مذمّة عظيمة نزلت في شأن عليّ عليه‌السلام ، وآية اخرى مشتملة على مدح عظيم نزلت في مدح قاتله.

٥٧٥. فيكون ما ادّعاه السيّد من الإجماع حقّا.

٥٧٦. فيكون ما ادّعاه الشيخ صوابا.

٥٧٧. لظهوره في العموم.

٢١٥

الإنصاف : أنّ القرائن تشهد بفساد الحمل الأوّل كما سيأتي ، فلا بدّ من حمل قول من حكى عنهم السيّد المنع إمّا على ما ذكرنا من إرادة دفع أخبار المخالفين التي لا يمكنهم ردّها بفسق الراوي ، وإمّا على ما ذكره الشيخ من كونهم جماعة معلومي النسب لا يقدح مخالفتهم بالإجماع.

ويمكن الجمع بينهما بوجه آخر وهو أنّ مراد السيّد قدس‌سره من العلم الذي ادّعاه في صدق الأخبار هو مجرّد الاطمئنان ؛ فإنّ المحكيّ عنه قدس‌سره في تعريف العلم : أنّه ما اقتضى سكون النفس ، وهو الذي ادّعى بعض الأخباريّين : أنّ مرادنا بالعلم بصدور الأخبار هو هذا المعنى ، لا اليقين الذي لا يقبل الاحتمال رأسا. فمراد الشيخ من تجرّد هذه الأخبار عن القرائن : تجرّدها عن القرائن الأربع التي ذكرها أوّلا ، وهي موافقة الكتاب أو السنّة أو الإجماع أو دليل العقل ، ومراد السيّد من القرائن التي ادّعى في عبارته المتقدّمة احتفاف أكثر الأخبار بها هي الأمور (*) الموجبة للوثوق بالراوي أو بالرواية ، بمعنى سكون النفس بهما وركونها إليهما ، وحينئذ فيحمل إنكار الإماميّة للعمل بخبر الواحد على إنكارهم للعمل به تعبّدا ، أو لمجرّد حصول رجحان بصدقه على ما يقوله المخالفون. والإنصاف : أنّه لم يتّضح من كلام الشيخ دعوى الإجماع على أزيد من الخبر الموجب لسكون النفس ولو بمجرّد وثاقة الراوي وكونه سديدا في نقله لم يطعن في روايته.

ولعلّ هذا الوجه أحسن وجوه الجمع بين كلامي الشيخ والسيّد قدس‌سرهما خصوصا مع ملاحظة تصريح السيّد قدس‌سره في كلامه بأنّ أكثر الأخبار متواترة أو محفوفة (**) ، وتصريح الشيخ قدس‌سره في كلامه المتقدّم بإنكار ذلك.

وممّن نقل الإجماع على حجّية أخبار الآحاد : السيّد الجليل (٥٧٨) رضيّ

______________________________________________________

٥٧٨. في محكيّ كتاب فرج الهموم.

__________________

(*) في بعض النسخ زيادة : الخارجيّة.

(**) في بعض النسخ زيادة : بالقرائن.

٢١٦

الدين بن طاوس ، حيث قال في جملة كلام له يطعن فيه على السيّد قدس‌سره : ولا يكاد تعجّبي ينقضي كيف اشتبه (٥٧٩) عليه أنّ الشيعة تعمل (*) بأخبار الآحاد في الامور الشرعية؟ ومن اطّلع على التواريخ والأخبار وشاهد عمل ذوي الاعتبار ، وجد المسلمين وعلماء الشيعة الماضين عاملين بأخبار الآحاد بغير شبهة عند العارفين ، كما ذكر محمّد ابن الحسن الطوسي في كتاب العدّة وغيره من المشغولين بتصفّح أخبار الشيعة وغيرهم من المصنّفين ، انتهى.

وفيه دلالة على أنّ غير الشيخ من العلماء أيضا ادّعى الإجماع على عمل الشيعة بأخبار الآحاد.

وممّن نقل الإجماع أيضا العلّامة رحمه‌الله (٥٨٠) في النهاية حيث قال :

______________________________________________________

٥٧٩. أي : خفي عليه عملهم بها.

٥٨٠. ذكره في مواضع من محكيّ النهاية منها ما نقله عنه المصنّف رحمه‌الله.

ومنها : ما ذكره في مبحث تخصيص الكتاب بخبر الواحد حيث قال : أجمع الصحابة ومن بعدهم على تخصيص الكتاب بخبر الواحد في قوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) بخبر عبد الرحمن بن عوف في المجوس : «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب». وخصّوا قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا تنكح المرأة على عمّتها ولا خالتها». وخصّوا قوله تعالى : (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) بقوله عليه‌السلام : «لا قطع إلّا من ربع دينار».

ومنها : ما ذكره في مبحث الأخبار حيث قال : إذا أرسل الحديث وأسنده غيره قبل إجماعا ، لأنّ إسناد الثقة يقتضي القبول إذا لم يوجد مانع ، ولا يمنع منه إرسال المرسل ، لأنّه يجوز أن يكون أرسله مرّة وأسنده هو أيضا اخرى.

ومنها : ما ذكره في مبحث عدم إفادة خبر الواحد العلم حيث قال : «احتجّ المخالف بوجوه : الأوّل قال الله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) نهى عن

__________________

(*) في بعض النسخ بدل «تعمل» ، لا تعمل.

٢١٧

إنّ الأخباريّين منهم لم يعوّلوا في اصول الدين وفروعه إلّا على أخبار الآحاد ، والاصوليّين منهم ـ كأبي جعفر الطوسي وغيره ـ وافقوا على قبول خبر الواحد ، ولم ينكره سوى المرتضى وأتباعه ؛ لشبهة حصلت لهم ، انتهى. وممّن ادّعاه أيضا :

المحدّث المجلسيّ قدس‌سره (٥٨١) في بعض رسائله ، حيث ادّعى تواتر الأخبار وعمل الشيعة في جميع الأعصار على العمل بخبر الواحد.

ثمّ إنّ مراد العلّامة قدس‌سره من الأخباريّين ، يمكن أن يكون مثل الصدوق وشيخه قدس‌سرهما ؛ حيث أثبتا السهو للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام لبعض أخبار الآحاد ، وزعما أنّ نفيه

______________________________________________________

اتّباع غير العلم ، وقد أجمعنا على قبول خبر الواحد ، فلو لم يفد العلم لكان الإجماع منعقدا على مخالفة النصّ ، وهو باطل. ثمّ أجاب عنه بأنّ الإجماع دلّ على وجوب العمل بخبر الواحد ، فاتّباعه اتّباع علمي لا ظنّي ، أو يحمل على المنع من اتّباع الظنّ في اصول الدين ، كوجوب الصانع وصفاته» انتهى.

ومنها : ما ذكره في تضاعيف أدلّة أخبار الآحاد ، قال : «أجمع الصحابة على العمل بخبر الواحد ، لأنّ بعض الصحابة عمل به ، ولم ينكر أحد عليه ، فكان إجماعا». ثمّ ذكر الموارد التي عمل فيها الصحابة بأخبار الآحاد وقال : «الأخبار في ذلك كثيرة وإن لم يكن كل واحد منها متواترا ، ولكنّ القدر المشترك منها ـ وهو العمل بمقتضى الخبر ـ متواتر ، وإذا ثبت أنّهم عملوا على وفق هذه الأخبار ، وكان العمل مستندا إليها» انتهى.

٥٨١. وعنه في المجلّد الأوّل من البحار : أنّ عمل أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام على أخبار الآحاد متواتر بالمعنى ، لا يمكن إنكاره. وعن موضع آخر منه : أنّ ما قيل من أنّ مثل هذا التناقض والتنافي الذي يوجد في الإجماعات يكون في الروايات أيضا ، قلنا : حجّية الأخبار ووجوب العمل بها ممّا تواترت به الأخبار ، واستقرّ عليه عمل الشيعة ، بل جميع المسلمين في جميع الأعصار ، بخلاف الإجماع الذي لا نعلم حجّيته ولا تحقّقه ولا مأخذه.

٢١٨

عنهم عليهم‌السلام أوّل درجة في الغلوّ ، ويكون ما تقدّم (٥٨٢) في كلام الشيخ من المقلّدة الذين إذا سألوا عن التوحيد وصفات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام عليه‌السلام قالوا : روينا كذا ، ورووا في ذلك الأخبار. وقد نسب الشيخ قدس‌سره في هذا المقام من العدّة العمل بأخبار الآحاد في اصول الدين إلى بعض غفلة أصحاب الحديث.

ثمّ إنّه يمكن أن يكون الشبهة التي ادّعى العلّامة قدس‌سره حصولها للسيّد وأتباعه هو زعم الأخبار التي عمل بها الأصحاب ودوّنوها في كتبهم محفوفة عندهم بالقرائن أو أنّ من قال من شيوخهم بعدم حجّية أخبار الآحاد أراد بها مطلق الأخبار حتّى الأخبار الواردة من طرق أصحابنا مع وثاقة الراوي ، أو أنّ مخالفته لأصحابنا في هذه المسألة لأجل شبهة (٥٨٣) حصلت له ، فخالف المتّفق عليه بين الأصحاب.

ثمّ إنّ دعوى الإجماع على العمل بأخبار الآحاد ، وإن لم نطّلع عليها (٥٨٤)

______________________________________________________

٥٨٢. أي : يمكن أن يكون.

٥٨٣. يعني : أنّ السيّد وإن تفطّن لكون المسألة إجماعيّة ، إلّا أنّه خالف المتّفق عليه لأجل شبهة عرضت له ، مثل استحالة العمل بالظنّ ، كما زعمه ابن قبة على ما تقدّم في صدر هذا المقصد.

٥٨٤. يمكن أن يعدّ من الإجماعات الصريحة أو ما يقرب منها قول المحقّق في المعارج : «أجمعت الصحابة على العمل بخبر الواحد ، وإجماع الصحابة حجّة». ثمّ ذكر موارد رجوع الصحابة إلى أخبار الآحاد وقال : «وهذه الأخبار وإن كانت آحادا فإنّ معناها متواتر ، كما يعلم كرم حاتم وشجاعة عليّ عليه‌السلام ، وإن كانت مفردات أخبارهما آحادا» انتهى.

وكذا قول صاحب المعالم : «الثالث : ـ يعني : من أدلّة أخبار الآحاد ـ إطباق قدماء الأصحاب الذين عاصروا الأئمّة عليهم‌السلام وأخذوا عنهم أو قاربوا عصرهم على رواية أخبار الآحاد وتدوينها ، والاعتناء بحال الرواة ، والتفحّص عن المقبول والمردود ، والبحث عن الثقة والضعيف ، واشتهار ذلك بينهم في كلّ عصر من تلك الأعصار وفي زمن إمام ، بعد إمام ولم ينقل من أحد منهم إنكار لذلك

٢١٩

صريحة في كلام غير الشيخ وابن طاوس والعلّامة والمجلسي قدس‌سره إلّا أنّ هذه الدعوى منهم مقرونة بقرائن تدلّ على صحّتها وصدقها ، فخرج عن الإجماع المنقول بخبر الواحد المجرّد عن القرينة ويدخل في المحفوف بالقرينة ؛ وبهذا الاعتبار يتمسّك به على حجّية الأخبار.

بل السيّد قدس‌سره قد اعترف في بعض كلامه المحكيّ ـ كما يظهر منه (٥٨٥) ـ بعمل الطائفة (٥٨٦) بأخبار الآحاد ، إلّا أنّه يدّعي أنّه لمّا كان من المعلوم عدم عملهم بالأخبار المجرّدة كعدم عملهم بالقياس فلا بدّ من حمل موارد عملهم على الأخبار المحفوفة. قال في الموصليّات على ما حكي عنه في محكيّ السرائر : إن قيل : أليس شيوخ هذه الطائفة عوّلوا في كتبهم في الأحكام الشرعيّة على الأخبار التي رووها عن ثقاتهم وجعلوها العمدة والحجّة في الأحكام حتّى رووا عن أئمّتهم عليهم‌السلام فيما يجئ مختلفا من الأخبار عند عدم الترجيح : أن يؤخذ منه ما هو أبعد من قول

______________________________________________________

أو مصير إلى خلافه ، ولا روي عن الأئمّة عليهم‌السلام حديث يضادّه ، مع كثرة الروايات عنهم وفنون الأحكام» انتهى.

وكذلك قول الفاضل التوني : «إنّا نقطع بعمل أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام وغيرهم ممّن عاصرهم بأخبار الآحاد بحيث لم يبق للمتتبّع شكّ في ذلك ، ونقطع بعلم الأئمّة عليهم‌السلام بذلك ، والعادة قاضية بتواتر المنع عن الأئمّة عليهم‌السلام لو كان العمل بها في الشريعة ممنوعا ، مع أنّه لم ينقل عنهم خبر واحد ، بل ظاهر كثير من الأخبار جواز العمل بها ، كما ستقف عليه عن قريب» انتهى.

٥٨٥. أي : يظهر الاعتراف من بعض كلماته.

٥٨٦. لا يخفى أنّه ليس في كلام السيّد اعتراف بعمل الطائفة بأخبار الآحاد ، لأنّ المراد بقوله : «إلى ما هو مشتبه وملتبس مجمل» أنّ المعلوم من حال الطائفة أنّهم عملوا بطائفة من الأخبار وطرحوا اخرى ، فكما يحتمل أن يكون عملهم بما عملوا من أجل كونها أخبار آحاد مجرّدة عن القرائن ، كذلك يحتمل أن يكون لأجل احتفافها بالقرائن القطعيّة ، فلا يترك أمر معلوم من حال الطائفة بما هو مجمل مشتبه.

٢٢٠