خلاصة القوانين

الشيخ أحمد الأنصاري

خلاصة القوانين

المؤلف:

الشيخ أحمد الأنصاري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٤٠

ومن هذا الباب الصلاة فيما شك فى كونه مما يجوز فيه الصلاة.

وكذا الكلام فى صورة اشتباه القبلة فان وجوب الاستقبال لم يثبت من الادلة الا حال الامكان.

ومما ذكرنا يظهر ضعف القول بوجوب الجمع بين الظهر والجمعة لمن اشتبه عليه الامر وكذلك القصر والاتمام فى الاربعة فراسخ ونحو ذلك مما تعارض فيه الامارتان او اختلف الامة فيه على قولين لان مقتضى تعارض الامارتين والاحتمالين التخيير والاصل عدم وجوب التعيين لمن لم يثبت عليه والتكليف باحدهما المعين عند الشارع المجهول عند المكلف لم يثبت مع انه لا معنى للاحتياط هنا لحرمة كل منهما على فرض ثبوت الآخر فالمكلف المحتاط وان خرج عن تبعة ترك الواجب لاجل اتيان محتملاته لكنه بقى عليه تبعة ارتكاب المحرم الواقعى جزما ولا ريب ان ارتكاب ما لم يعلم فيه ارتكاب الحرام واحتمل فيه اتيان الواجب اسلم من ارتكاب ما علم فيه ارتكاب الحرام واتيان الواجب.

ان قلت فعلى هذا يلزم حرمة الجمع فيكون تشريعا فلا معنى لاستحبابه بل جوازه ـ ايضا ـ.

قلت : التشريع المحرم هو ادخال ما ليس من الدين ـ او شك انه منه ـ بقصد انه منه ـ لا الاتيان بما احتمل ان يكون منه رجاء ان يكون منه ـ فالاتيان بهما مجتمعا باعتقاد انه المأمور به تشريع محرم لكنه اذا فعل احدهما لاجل الامتثال ثم فعل الآخر لاحتمال ان يكون هو المراد فى نفس الامر ففعله احتياط حسن يشمله عموم مثل قوله ـ (ع) ـ : «دع ما يريبك الى ما لا يريبك».

ومن هذا القبيل ما يفعله الصلحاء من اعادة عباداتهم بعد زيادة معرفتهم بمسائل العبادات مع عدم قيام دليل على وجوبه بل ولا نص بالخصوص على فعله ـ كما صرح به الشهيد ـ رحمه‌الله ، فى قواعده ـ.

١٨١

مع ان ذلك ـ ايضا ـ لا يوجب التعيين ـ كما لا يخفى ـ هذا.

ولقائل ان يمنع التشريع على القول بالوجوب ايضا اذا جعل من باب المقدمة فالاولى منع الوجوب.

«تنبيه»

لا اشكال فى جواز اعمال اصل البراءة قبل الشرع.

واما بعد بعث النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وبسط الشريعة فلا الا بعد الفحص ولم يثبت له شرط غير ذلك لكن بعض المتأخرين ذكر هنا لجواز العمل بأصل البراءة واصالة النفى واصالة عدم تقدم الحادث شروطا ثلاثة.

الاول ـ ان لا يكون اعمال الاصل مثبتا لحكم شرعى من جهة اخرى.

الثانى ـ ان لا يتضرر بسبب التمسك به مسلم.

الثالث ـ ان لا يكون ذلك الامر جزء عبادة مركبة وفى الكل نظر.

اما الاول ـ فلان العقل يحكم بجواز التمسك باصل البراءة اذا لم يثبت دليل فاذا فرض كون الاستدلال به موجبا لشغل الذمة من جهة اخرى فلا وجه لمنعه لان ذلك دليل ـ ايضا ـ مثلا اذا شك فى اشتغال ذمته بدين وكان له مال يستطيع به الحج لولاه فالتمسك بأصالة البراءة عن ذلك الدين يوجب ايجاب الحج عليه وذلك غير مخالف لعقل ولا نقل بل هو موافق لهما.

واما الثانى ففيه ان نفى الضرر من الادلة الشرعية المجمع عليها وقد عرفت انه لا يجوز التمسك باصل البراءة مع الدليل ـ بل قبل الفحص عن الدليل.

فاذا انجر الكلام الى هنا فلا بأس ان نقول :

قد تداول العلماء الاستدلال بنفى الضرر فى الموارد الكثيرة غاية الكثرة سواء كان الضرر من جانب الله او من جانب العبد ـ والاخبار الدالة على نفى الضرر

١٨٢

ـ كقول ـ (ص) : «لا ضرر ولا ضرار فى الاسلام» عن طرق الخاصة كثيرة اكثرها فى حكاية سمرة بن جندب :

منها ما رواه الكافى والتهذيب فى الموثق لابن بكير عن زرارة عن الباقر (ع) ـ قال : «ان سمرة بن جندب كان له عذق فى حائط رجل من الانصار وكان منزل الانصارى بباب البستان وكان يمر به الى نخلته ولا يستأذن فكلمه الانصارى ان يستأذن اذا جاء فابى سمرة فلما ابى جاء الى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فشكى اليه فاخبر الخبر فارسل اليه رسول الله ـ (ص) ـ وخبره بقول الانصارى وما شكاه وقال اذا اردت الدخول فاستأذن فابى فلما ابى ساومه حتى بلغ به من الثمن له ما شاء الله فابى ان يبيعه فقال لك بها عذق بعذقك فى الجنة فابى ان يقبل فقال رسول الله ـ (ص) ـ للانصارى : اذهب فاقلعها وارم بها اليه فانه لا ضرر ولا ضرار». وليس فيها قيد فى الاسلام.

ثم ان نفى المذكور ـ بعنوان العموم ـ دليل من الادلة يخصص به سائر الادلة فقاعدة لزوم البيع تعارض قاعدة الضرر وبينهما عموم من وجه ويحكم بالخيار ترجيحا للثانى من جهة العقل والعمل ـ وغيرهما ـ ولو كانت من باب الاصل لما عارضت الدليل فضلا عن الترجيح.

بقى الكلام فى معنى الضرر والضرار. قال ابن اثير : «معنى قوله (ص) لا ضرر ولا ضرار اى لا يضر الرجل اخاه فينقصه شيئا من حقه والضرار فعال من الضر اى لا يجازيه على اضراره بادخال الضر عليه والضرر فعل الواحد والضرار فعل الاثنين والضرر ابتداء الفعل والضرار الجزاء عليه. وقيل : الضرر ما تضر به صاحبك وتنتفع انت به والضرار ان تضره من غير ان تنتفع به وقيل هما بمعنى واحد وتكرارهما للتأكيد» انتهى وقيل الضر هو الاسم والضرار المصدر فيكون منهيا عن الفعل الذى هو المصدر وعن ايصال الضرر الذى هو الاسم.

١٨٣

واما الثالث فقد ظهر ما فيه مما مر.

«المبحث الرابع في»

الاستصحاب

استصحاب الحال هو كون حكم او وصف يقينى الحصول فى الآن السابق مشكوك البقاء فى الآن اللاحق.

والمراد من المشكوك الاعم من المتساوى الطرفين ليشمل المظنون والاحتمال المرجوح.

وانما عممنا الشك لان الاستصحاب عندنا قد يستند فى حجيته الى الاخبار وهو لا يستلزم حصول الظن إلّا ان يدعى ان الاخبار ـ ايضا ـ مبتنية على الاعتماد على الظن الحاصل من الوجود السابق وهو مشكل.

والاستصحاب انما يجرى فيما حصل فيه الاحتمال فما علم استمراره او عدم استمراره فليس باستصحاب. ولا فرق فى ذلك بين الموقت وغير الموقت ولا بين الاحكام الطلبية والوضعية.

وما قيل بعدم جريانه فى الاحكام الطلبية من غرائب الكلام لامكان حصول الشك فيها والاحتياج الى التمسك بالاستصحاب.

ثم ان الاستصحاب ينقسم الى اقسام كثيرة.

فتارة من جهة الحال السابق انه الوجود او العدم وان ما ثبت ، من الشرع او العقل او الحس. وان ما ثبت من الشرع ، وضعى او غيره وهل ثبت بالاجماع او غيره من الادلة.

وتارة من جهة المزيل فقد يكون المزيل ثابتا فى نفس الامر وقع الشك فى حصوله او صدقه على الشىء الحاصل. وقد يشك فى ان الشىء الفلانى مزيل ام لا.

وتارة من جهة الحكم السابق فقد يثبت الحكم فى الجملة ، وقد يثبت مع الاستمرار فى الجملة وقد يثبت مع الاستمرار المقيد الى غاية معينة.

١٨٤

واختلف كلام القول فى حجيته وعدمها فى المقامات الثلاث :

والاظهر هو القول بالحجية مطلقا ـ كما هو ظاهر اكثر المتأخرين.

لنا وجوه :

الاول ان الوجدان السليم يحكم بان ما تحقق وجوده ـ او عدمه ـ فى حال او وقت ولم يحصل الظن بطر وعارض يرفعه فهو مظنون البقاء وعلى هذا الظن بناء العالم واساس عيش بنى آدم من الاشتغال بالتجارة وبناء الدور وارسال المكاتيب والمسافرة وغير ذلك مما يرتكبه العقلاء.

وهذا الظن ليس من محض الحصول فى الآن السابق لان ما ثبت جاز ان يدوم وان لا يدوم بل لانا اذا فتشنا الامور الخارجية من الاعدام والمؤثرات وجدناها باقية مستمرة بوجودها الاول ـ غالبا ـ على حسب استعداداتها ، فنحكم فيما لا نعلم بحاله بما وجدناه فى الغالب الحاقا بالاعم الاغلب.

الثانى الاخبار المستفيضة عن ائمتنا ـ عليهم‌السلام ـ الدالة على حجيته عموما مثل صحيحة زرارة عن الباقر ـ (ع) ـ قال : قلت له : «الرجل ينام وهو على وضوء أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء. فقال : يا زرارة قد تنام العين ولا تنام القلب والاذن فاذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء. قلت : فان حرك الى جنبه شىء وهو لا يعلم به. قال : لا ، حتى يستيقن انه قد نام حتى يجىء من ذلك امر بين وإلّا فانه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك ابدا ولكنه ينقضه بيقين آخر».

واليقين والشك فى الحديث محمولان على العموم.

اما على ما اخترناه من كون المفرد المحلى باللام حقيقة فى تعريف الجنس وجواز تعليق الاحكام بالطبائع فواضح لعدم انفكاك الطبيعة عن الافراد.

واما على القول بالاشتراك او عدم تعلق الاحكام بالطبائع فعدم القرينة على الفرد الخاص المعين واستلزام ارادة فرد ما الاغراء بالجهل يعين الحمل

١٨٥

على الاستغراق. ولا يرد عليه انه من باب رفع الايجاب الكلى لوقوعه فى حيز النفى. لانه بعيد عن اللفظ وينفيه التأكيد بقوله. «ابدا» مع ان كون لا تنقض فى قوة الكبرى الكلية لاثبات المطلوب ، يعين ذلك ـ ايضا ـ وجعل الكبرى منزلة على ارادة يقين الوضوء بعيد ، لاشعار قوله ـ (ع) ـ : «فانه على يقين ...» على ذلك فيكون الكبرى بمنزلة التكرار.

ومن ذلك يظهر ان القول بأن سبق حكاية يقين الوضوء يمكن ان يصير قرينة للعهد. فيحمل عليه ، بعيد.

ولما كان من البديهيات الاولية عدم اجتماع اليقين والشك فى شىء واحد بل ولا الظن والشك ، يحمل اللفظ على معنى عدم جواز نقض حكم اليقين. فحكم الوضوء فى حال تيقنه ـ وهو جواز الدخول فى الصلاة مثلا ـ لا يجوز نقضه بالشك فى الوضوء.

وصحيحته الاخرى وهى مذكورة فى زيادات كتاب الطهارة من يب. وهى طويلة وفيها مواضع من الدلالة.

وصحيحته الاخرى ـ ايضا ـ فى الكافى عن احدهما ـ (ع) ـ قال : «واذا لم يدر فى ثلاث هو او فى اربع وقد احرز الثلاث قام فاضاف اليها الاخرى ولا شىء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك فى اليقين ولا يختلط احدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبنى عليه ولا يعتد بالشك فى حال من الحالات»

وما رواه الشيخ عن الصفار عن على بن محمد القاسانى قال : كتبت اليه ـ (ع) ـ وانا بالمدينة عن اليوم الذى يشك فيه من رمضان هل يصام ام لا. فكتب ـ (ع) ـ : «اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية وافطر للرؤية».

وما رواه العلامة المجلسى فى البحار ـ فى باب من نسى او شك فى شىء من افعال الوضوء ـ عن الخصال عن ابى عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : قال امير المؤمنين ـ (ع) ـ : «من كان على يقين فشك فليمض على يقينه فان الشك لا ينقض اليقين». وفى اواخر الخصال ـ فى حديث الاربعمائة ـ عن الباقر ـ (ع) ـ عن

١٨٦

امير المؤمنين ـ (ع) ـ قال : «من كان على يقين فشك فليمض على يقينه فان الشك لا ينقض اليقين». وعن البحار ـ ايضا ـ عن امير المؤمنين ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال : من كان على يقين فاصابه الشك فليمض على يقينه فان اليقين لا يدفع بالشك

الثالث ـ الروايات الكثيرة الدالة عليها باجتماعها فانها وان كانت واردة فى موارد خاصة لكن استقرائها والتأمل فيها يورث الظن القوى بأن العلة فى تلك الاحكام هو الاعتماد على اليقين السابق.

والفرق بينه وبين الدليل الاول ان المعتمد فى الاول الظن الحاصل بسبب وجود الحكم فى الآن السابق وفيما نحن فيه الظن الحاصل من تلك الاخبار بان العمل على مقتضى اليقين السابق لازم ـ وان لم يكن مظنونا فى نفسه ـ.

فمن تلك الروايات قول الصادق ـ (ع) ـ فى موثقة عمار : «كل شىء نظيف حتى تعلم انه قذر» وقوله (ع) «كل ماء طاهر حتى تعلم انه قذر». ويمكن حمل الروايتين على الشبهة فى الموضوع والشبهة فى الحكم وهو ابعد المعانى.

توضيح المقام ان قوله ـ (ع) ـ : «كل شىء نظيف ...». يحتمل معانى ثلاثة :

الاول كل جزئى علم طهارته سابقا محكوم بطهارته حتى تعلم انه صار قذرا بملاقاة ما ينجسه.

الثانى كل جزئى لم يعلم انه من الاشياء التى اتصفت بالنجاسة ام من الاشياء الطاهرة يحكم بكونه على الطهارة حتى يعلم انه من الاشياء التى اتصفت بالنجاسة

الثالث ـ كل مجهول الحكم بكليته المحتمل لان يكون حكمه حكم الاعيان النجسة بالذات ـ كالكلب ـ او حكم الاعيان الطاهرة بالذات ـ كالغنم ـ فهو طاهر حتى تعلم انه نجس.

والفرق بين المعنى الثالث والمعنيين الاولين لزوم اعتبار المفهوم الكلى فى ذلك بخلاف الاولين. وكذا يعتبر هنا العلم بالنجاسة من الدليل الشرعى على الوجه الكلى بخلاف السابقين فان العلم يحصل من الامور الخارجية ـ كالبينة ـ.

١٨٧

اذا عرفت هذا ظهر لك ان المعانى متغايرة متباينة لا يجوز ارادتها ـ جميعا ـ فى اطلاق واحد ـ كما حققناه ـ فلا بد ان يحمل اللفظ على ما هو الظاهر فيه فنقول :

ظاهر العموم هو العموم الافرادى وارادة الاشخاص ـ لا الانواع ـ فليس بظاهر فى ارادة الكلى فيرجع الى المعنيين الاولين والثانى اظهرهما.

ومما يقرب المعنى الثانى ان الظاهر ان لفظ قذر صفة مشبهة دالة على الثبوت مناسبة لارادة ما ثبت قذارته بالذات او بحسب الملاقاة ـ لا فعل ماض مفيد لتجدد حصول القذارة فيفيدان الشك فى ان الشى هو الطاهر او القذر لا فى ان الشىء حصل له قذارة ام لا.

وحاصل المقام ان انطباق الرواية. بالمعنى الاول ـ على الاستصحاب ظاهر وكذا على المعنيين الاخيرين لكنهما يرجعان الى استصحاب حال العقل وهو البراءة الاصلية.

ومنها صحيحة عبد الله ابن سنان الدالة على طهارة الثوب الذى اعاره الذمى وعدم وجوب غسله لانه اعاره طاهرا ولم يستيقن نجاسته ـ الى غير ذلك من الروايات ـ.

الرابع انه ثبت الاجماع على اعتباره فى بعض المسائل كتيقن الطهارة والشك فى الحدث وعكسه وتيقن طهارة الثوب والجسد والشك فى نجاستهما وبناء الشاهد على ما شهد به ما لم يعلم رافعها والحكم ببقاء علاقة الزوجية فى المفقود ـ وغير ذلك مما لا يحصى ـ فيكون حجة لان علة عملهم فيها هو اليقين السابق فيجب العمل فيما تحققت علته.

وينبغى التنبيه على امور :

الاول ـ ان الاستصحاب يتبع الموضوع وحكمه فى مقدار قابلية الامتداد وملاحظة الغلبة فيه فلا بد من التأمل فى انه كلى او جزئى.

فقد يكون الموضوع الثابت حكمه اولا مفهوما كليا مرددا بين امور.

وقد يكون جزئيا معينا ، وبذلك يتفاوت الحال اذ قد يختلف افراد الكلى

١٨٨

فى قابلية الامتداد ومقداره فالاستصحاب حينئذ ينصرف الى اقلها استعدادا للامتداد.

ولنأت بمثال لتوضيح المقام وهو : انا اذا علمنا ان فى هذه القرية حيوانا ولكن لا نعلم اى نوع من الطيور او البهائم او الحشار او الديدان ثم غبنا عنها مدة فلا يمكن لنا الحكم ببقائه فى مدة يعيش فيها اطول الحيوانات ، فاذا احتمل عندنا كون الحيوان الذى فى بيت خاص اما عصفور او فأرة او دود قز فكيف يحكم ـ بسبب العلم بحصول القدر المشترك باستصحابه الى ظن بقاء اطولها عمرا.

الثانى قد عرفت ان الاستصحاب لا يتحقق إلّا مع الشك فى رفع الحكم السابق ، فاعلم ان الشك انما يحصل بسبب حصول تغير ما فى الموضوع اما فى وصف من اوصافه او فى سببه او فى حال من احواله.

واما مع تغير حقيقته فظاهرهم انه لا مجال للاستصحاب وذلك مناط قولهم : ان الاستحالة من المطهرات.

وربما يستدل على ذلك بان النجس والحرام هو الكلب والعذرة ـ مثلا ـ لا الملح الدود. وفيه ان المناط فى الحكم ان كان هو التسمية فاذا تحول الحنطة النجسة طحينا او خبزا واللبن سمنا ، يلزم طهارتها. وهو باطل ، وان كان المناط تبدل الحقيقة والماهية فما الدليل عليه ثم ما ذا معياره فقد تريهم يحكمون بطهارة الرماد ـ دون الفحم ـ وطهارة الخمر بانقلابه خلا فما الفرق بين الامرين بل تبدل العذرة بالفحم ليس باخفى من تبدل الخمر بالخل.

ويمكن ان يقال المعيار هو تبادل الحقائق عرفا ـ لا محض تغير الاسماء ـ وهذا يتم فيما كان مقتضى الحكم نفس الحقيقة كالعذرة والكلب فان علة الحرمة والنجاسة فى امثالهما من النجاسات والمحرمات هو ذاتها فكأنه قال الشارع : الكلب نجس او حرام ما دام كلبا ، والعذرة نجس ما دامت عذرة ، فاذا استحال ماهيته ينتفى الحكم.

والحق بعض الفقهاء المتنجس ـ كالخشب المتنجس ـ بالنجس بالاولوية وفيه

١٨٩

نظر فان من الظاهر ان نجاسة الخشب ليس لانه خشب لاقى نجسا بل لانه جسم لاقى نجاسة وهذا المعنى لم يزل.

والحاصل ان ما ثبت تبدل حقيقة عرفا ينتفى فيه حكم الاستصحاب لثبوت ما دل على حكم حقيقة المستحال اليه وسنبين ان الاستصحاب لا يعارض الدليل فما حصل الجزم بالاستحالة العرفية يحكم بانقطاع الاستصحاب فيه وما حصل الجزم بعدمه (بعدمها ـ ظ) يجزم بجريانه فيه وما حصل الشك فيه يرجع الى سائر الادلة

الثالث ـ ذكر بعض المتأخرين للعمل بالاستصحاب بعض الشروط.

مثل ان لا يكون هناك دليل شرعى يوجب انتفاء الحكم الثابت ـ اولا ـ فى الوقت الثانى وإلّا تعين العمل بذلك الدليل اجماعا.

ومثل ان لا يعارضه استصحاب آخر.

اقول : ان اراد من الدليل ما ثبت رجحانه على معارضه فلا اختصاص لهذا الشرط بالاستصحاب بل كل دليل عارضه دليل اقوى منه مترجح عليه فلا حجية فيه ويعمل على الدليل الراجح.

وان اراد ان الاستصحاب من حيث هو ـ لا يعارض الدليل من حيث هو ـ فله وجه.

ثم ان اخذنا كون الحكم مظنون البقاء فى تعريف الاستصحاب فلا معنى لجعل عدم الدليل المعارض شرطا ، لفقد الظن مع الدليل على خلافه فلا استصحاب.

وان لم نأخذ الظن فى ماهيته فان جعلنا وجه حجية الاستصحاب الظن الحاصل من الوجود الاول ، فاذا تحقق دليل يدل الظن بالوهم ، فيبطل الاستدلال به ويصح ان يقال عدم الدليل شرط لجواز العمل به حينئذ لكن يرد عليه انه لا اختصاص له بالاستصحاب ، وان جعلناه عدم جواز نقض اليقين إلّا باليقين ـ كما هو مدلول الاخبار فاذا ثبت دليل على رفع الحكم فان كان يقينا فهو يقين يرفع اليقين ـ وهو مقتضى مدلول تلك الاخبار ـ وكذا ان كان ظنيا واجب العمل ولا ريب ان عدم اليقين بالخلاف (حينئذ) شرط فى العمل باليقين السابق ـ وهذا ايضا ـ يرجع الى اشتراط العمل باحد الدليلين

١٩٠

بعدم ما يوجب بطلانه ولا اختصاص له بالاستصحاب.

ومنه يظهر حال اشتراط عدم معارضة الاستصحاب الآخر.

ثم ان تعارض الاستصحابين قد يكون فى موضوع واحد كما فى الجلد المطروح ويقرر بان الموت حتف الانف والموت بالتذكية ـ كلاهما ـ حادثان فى مرتبة واجدة واصالة عدم المذبوحية الى زمان الموت تقتضى النجاسة واصالة عدم تحقق الموت حتف الانف الى زمان الموت تقتضى الطهارة فان ثبت مرجح لاحدهما فهو وإلّا يتساقطان فى محل التنافى فيبقى كل منهما على مقتضاه فى غيره فيقال لا ينجس ملاقيه مع الرطوبة ولا يجوز الصلاة معه.

وقد يكون فى موضوعين ـ مثل الموضع الطاهر الذى نشر عليه الثوب المغسول من المنى ثم شك فى ازالة النجاسة (عنه) فيحكم بطهارة الموضع لاستصحاب طهارته السابقة ووجوب غسل الثوب ثانيا.

ومن هذا الباب الصيد الواقع فى الماء بعد رميه بما يمكن موته به واشتبه استناد الموت الى الماء والى الجرح فيتعارض استصحاب طهارة الماء واستصحاب عدم حصول التذكية المستلزم لنجاسته والاقرب هنا العمل بهما فى غير مادة التنافى لاستحالة الحكم بطهارة الماء ونجاسته.

«المبحث الخامس في»

«الاستقراء»

الاستقراء هو الحكم على الكلى بما وجد فى الجزئيات وهو تام وناقص.

الاول ـ هو ما وجد الحكم فى جميع جزئياته. وهو يفيد اليقين ولا ريب فى حجيته لكنه مما لا يكاد يوجد فى الاحكام الشرعية.

والثانى هو ما ثبت الحكم فى اغلب (ها). وهو مما يفيد الظن ويتفاوت بتفاوت مراتب الكثرة. والظاهر انه حجة لافادته الظن بالحكم الشرعى وظن المجتهد حجة.

١٩١

«المبحث السادس في»

«القياس»

القياس ـ فى الاصطلاح ـ اجراء حكم الاصل فى الفرع لجامع هو علة لثبوت الحكم فى الاصل ، وهى اما مستنبطة او منصوصة اما الاخير فسيجيء.

واما الاول فذهب الاصحاب ـ كافة ـ عدى ابن جنيد فى اول امره الى حرمة العمل به للاخبار المتواترة ـ على ما ادعاه جماعة ـ وان حرمته ضرورى المذهب بحيث لا يتخالجه شك وريبة فانا نرى علمائنا فى جميع الاعصار والامصار ينادون فى كتبهم بحرمته مستندين اياها الى ائمتهم (ع).

وبالجملة قطعية بطلانه عندنا من جهة مذهب ائمتنا ـ (ع) ـ يغنينا عن اطالة الكلام فى هذا المرام وذكر شرائط القياس واقسامه واحكامه فلنكتف بذكر مسألتين :

الاولى فى حجية منصوص العلة. فمنعه المرتضى واثبته الآخرون قال العلامة ـ رحمه‌الله ـ : «ان العلة اذا كانت منصوصة وعلم وجودها فى الفرع كان حجة.

بيان ذلك ان قول الشارع : حرمت الخمر لانه (لانها ـ ظ) مسكر معناه المتبادر لانه من افراد المسكر. ومصاديقه ـ لا لانه هذا الفرد الخاص من المسكر ـ وذلك انا اذا لاحظنا كون الخمر من افراد كليات متعددة ـ كالمائع والمسكر والعنب ـ فاذا اضفنا احد الكليات اليها فقد يزيد ـ بالاضافة ـ مقصورية حكم عليها من جهة كونها من افراد ذلك الكلى ـ دون غيره ـ فيقال حرمة الخمر لاجل اسكاره ـ لا ميعانه ولا كونه من ماء العنب ـ وقد يزيد مقصورية الحكم عليها من جهة تحقق ذلك الكلى فى ضمن هذا الفرد ـ لا الفرد الآخر ـ فيقال حرمة الخمر لاجل الاسكار المختص بها ـ لا مطلق الاسكار ـ فلا بد ان يلاحظ ان المتبادر من اللفظ اى المعنيين.

والانصاف ان المتبادر هو المعنى الاول والثانى محض احتمال لا يلتفت اليه.

ومن ذلك ظهر بطلان حجة المانع.

١٩٢

ثم ان العلة قد تكون فاعلية وقد تكون غائية وقد تكون غيرهما وكلها داخل فى المبحث ، فقول الشارع : اذا وجدت طعم النوم فتوضأ. يدل على ان العلة فى وجوب الوضوء هو النوم ـ وكذا غيره من الموجبات ـ.

وكذلك «اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ...» يدل على ان الصلاة علة غائية وكذلك يحرم الخمر لانه (لانها ـ ظ) مسكر و «ماء البئر واسع لا يفسده شىء ... لان له مادة» تدل على ان العلة مادية تقتضى عدم التنجيس وبأدنى تأمل يظهر لك وجه التعدى وطريقته فى كل موضع ، فالتعدى فى الاولين من المخاطب بالوضوء والصلاة الى غيره اذا حصل فيه العلة وفى الثالث من الخمر الى كل مسكر وفى الرابع من البئر الى ماء الحمام ـ ونحوه ـ.

ثم ان العلة قد تكون علة لنفس الحكم ـ من حيث هو ـ فلا يتخلف عنها اينما وجدت ولا يثبت بدونها ـ ابدا ـ.

وقد تكون علة (١) لتشريع عبادة وتأسيس اساس ، وذلك لا يستلزم تلازم العلة مع جميع افراد تلك العبادة والاساس. ومن هذا القبيل تعليل غسل يوم الجمعة برفع ارياح الآباط. وتسنين العدة لاجل عدم اختلاط المياه

«تنبيه»

لمعرفة العلة طرق مقررة مضبوطة فى مظانها وحاصل الكلام :

ان العلة اما ان تستفاد من الشارع من اجماع ـ بسيط او مركب ـ او كتاب او سنة ، او من غيره.

__________________

(١) وهى المسماة بالحكمة.

١٩٣

اما الاول فالمستفاد من الاجماع كثير مثل التعدى من قوله ـ (ع) ـ «اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه». الى وجوب غسل البدن والازالة عن المسجد والمأكول والمشروب لاجل استفادة ان علة وجوب الغسل عن الثوب هى النجاسة ودليله الاجماع فيجب الاحتراز عنه فى كل ما يشترط فيه الطهارة.

واما الكتاب والسنة فاما يستفاد العلة منهما بصريح اللفظ الدال عليها بالوضع.

او بسبب التنبيه والايماء.

اما الاول فكقوله : لعلة كذا او لاجل كذا او لانه كذا او كى يكون كذا ـ ونحو ذلك ـ. ودونها فى الظهور اللام والباء.

واما الثانى ـ دلالة التنبيه والايماء ـ فقد مر الاشارة اليه فى المفاهيم.

قيل وهذا القسم قد يصير قطعيا فانه اذا علم عدم مدخلية بعض الاوصاف فحذف وعلل بالباقى سمى بتنقيح المناط القطعى وهذا هو مراد المحقق (ره) فى المعتبر حيث حكم بحجية تنقيح المناط القطعى كما اذا قيل له : صليت مع النجاسة ، فيقول : اعد صلاتك ، فانه يعلم منه ان علة الاعادة هى نجاسة البدن او الثوب ولا مدخلية لخصوص المصلى او الصلاة.

لكن التحقيق ان دلالة التنبيه مبتنية على الاستفادة من اللفظ من باب الالتزام وليس من جهة تنقيح المناط اعنى القاء الفارق واثبات الجامع.

ومن امثلة التنبيه انه ـ (ع) ـ سئل عن جواز بيع الرطب بالتمر. فقال ـ (ع) ـ «أينقص الرطب اذا جف». فقالوا : «نعم». فقال : «فلا اذن». فاقتران الحكم ـ اعنى قوله : «فلا ..» بالنقصان ينبه على ان علة منع البيع هو النقصان.

ومن امثلته ان يفرق بين حكمين بوصفين مثل : «للراجل سهم وللفارس سهمان».

وكذا ذكر الوصف المناسب وهو فى الاصطلاح ـ وصف ظاهر منضبط يحصل ـ من ترتب الحكم عليه ـ ما يصلح ان يكون مقصودا للعقلاء مثل : «لا يقضى القاضى وهو غضبان» ومثل : اكرم العلماء. واهن الجهال.

١٩٤

واما مثال النظير فهو ما رواه الجمهور من حكاية سؤال الخثعمية فانها قالت له ـ (ص) ـ ان ابى ادركته الوفاة وعليه فريضة الحج فان حججت عنه أينفعه ذلك» فقال النبى ـ (ص) ـ : أرأيت لو كان على ابيك دين فقضيته أكان ينفعه ذلك» فقالت : «نعم» قال ـ (ص) ـ. «فدين الله احق ان يقضى». فانها سالته عن دين الله فذكر نظيره وهو دين الناس فنبه على التعليل ـ اى كونه علة للنفع ـ وإلّا لزم العبث.

واما الثانى ـ ما يستفاد من غير الشرع ـ

فمنها : الدوران وهو الاستلزام فى الوجود والعدم. وسمى الاول بالطرد والثانى بالعكس واختلفوا فيه.

والاكثر على المنع لان بعض الدورانات لا يفيد العلية كدوران الحد والمحدود والعلة والمعلول المتساوى والمعلولين المتساويين لعلة واحدة والحركة والزمان ـ ونحو ذلك ـ.

ومنها السبر والتقسيم وهو عبارة عن عد اوصاف ادعى الانحصار فيها وسلب العلية عن كل واحد منها الا المدعى. وهو قد يفيد الظن بالعلية فى الشرعيات ولكن لا حجة فى العمل بهذا الظن بل قام الدليل والضرورة على بطلانه.

ومنها تخريج المناط وحاصله تعيين العلة فى الاصل بمجرد ابداء المناسبة بينها وبين الحكم من دون نص او غيره.

المسألة الثانية القياس بطريق الاولى ما كان اقتضاء الجامع فيه للحكم بالفرع اقوى واوكد منه فى الاصل.

ويظهر من بعضهم انه هو القياس الجلى. والظاهر انه اعم منه من وجه كما يظهر من تعريف الاكثر للقياس الجلى بأنه : ما كان الفارق بين أصله وفرعه مقطوعا بنفيه لان هذا التعريف يشمل ما لو كان العلة فى الفرع اضعف او مساويا (١).

__________________

(١) مادة الاجتماع صورة القطع بعدم تأثير الفارق مع اولوية العلة فى الفرع ومادة

١٩٥

وانت تعلم انه انما يجوز العمل به اذا كان فى النص تنبيه على العلة وانتقال من الاصل الى الفرع مثل قوله ـ تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) وإلّا فهو مشكل لظهور كونه قياسا واندراجه تحت ما دل على حرمته من الاخبار سيما مع ورود الاخبار فى خصوص ما كان الفرع اقوى مثل ما رواه الصدوق ـ فى باب الديات ـ عن ابان قال قلت لابى عبد الله ـ (ع) ـ : «ما تقول فى رجل قطع اصبعا من اصابع المرأة كم فيها» قال : «عشرة من الابل» قلت : «قطع اثنين». قال : «عشرون» قلت : «قطع ثلاثا» قال : «ثلاثون» قلت : «قطع اربعا» قال : «عشرون» قلت : سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون ويقطع اربعا فيكون عليه عشرون. ان هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنتبرأ ممن قال ونقول : ان الذى قاله شيطان» فقال ـ (ع) ـ : «مهلا يا ابان هذا حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ان المرأة تعاقل الرجل الى ثلث الدية فاذا بلغت الثلث رجعت المرأة الى النصف يا ابان انك اخذتنى بالقياس والسنة اذا قيست محق الدين».

فظهر ان القياس بطريق الاولى الذى يقول به الشيعة لا بد ان يكون قياسا نص على علته او نبه عليها ودفع احتمال مدخلية خصوصية الاصل فيها من جهة كون العلة فى الفرع اقوى. فكل من ينكر العمل بالمنصوص العلة مثل السيد تمسكا باحتمال مدخلية الخصوصية لا بد ان يخصص كلامه بما لو كان الفرع اولى بالحكم لان ذلك الاحتمال مندفع فيه حينئذ.

__________________

افتراق القياس الجلى الصورة مع اضعفية العلة فى الفرع ومادة افتراق القياس بطريق الاولى صورة عدم القطع بعدم تأثير الفارق

١٩٦

(المبحث السابع في)

«الاستحسان والمصالح المرسلة»

مما يستدل به العامة الاستحسان والمصالح المرسلة.

اما الاستحسان فقال به الحنفية والحنابلة : واختلفوا فى تعريفه الاظهر انه دليل ينقدح فى نفس المجتهد ويعسر عليه التعبير عنه. او انه العدول من حكم الدليل الى العادة لمصلحة الناس. والمناسب لطريقهم ان يوجه بأنه ما يستحسنه المجتهد بطبعه او بعادته او نحو ذلك من دون امارة شرعية.

وهو باطل لعدم الدليل عليه ولاجماع الامامية واخبارهم.

واما المصالح المرسلة فالمراد من المصلحة دفع ضرر او جلب منفعة للدين او الدنيا : ومن المرسلة (ما) لم يعتبرها الشارع ولا الغاها وكانت راجحة وخالية عن المفسدة وهذا هو الذى نفاها (نفاه ـ ظ) اصحابنا واكثر العامة لعدم الدليل على حجيته.

ومن امثلتها : ضرب المتهم بالسرقة محافظة على المال.

ومنها : ان اهل الحرب اذا تترسوا باسارى المسلمين يجوز رميهم وان ادى الى تلف الاسارى اذا علم انهم اذا لم يرموا ظفروا على الاسلام.

وانما افتى بجوازه اصحابنا لدليل خارجى ، ولذا لا يجوز قتل من يعلم من حاله انه لو لم يقتل لا وجب تلف جماعة.

١٩٧

«المقصد الخامس»

«فى النسخ»

وهو ـ لغة ـ الازالة واصطلاحا :

رفع الحكم الشرعى بدليل شرعى متأخر على وجه لولاه لكان ثابتا.

فحقيقته التخصيص فى ازمان الحكم.

والحق جوازه ووقوعه فى الشرع والمخالف فى الثانى ابو مسلم بن بحر الاصفهانى.

لنا على الجواز : عدم الدليل على استحالته.

وعلى وقوعه آية العدة وآية القبلة وآية الصدقة قبل النجوى مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ولعل أبا مسلم يقول فيما ثبت بالبديهة نسخه كاكثر ما ورد فى الشرائع السابقة : ـ انها كانت محدودة : فلا ينافى انكاره اسلامه.

لا ريب فى جواز النسخ بعد حضور وقت العمل.

واختلفوا فى جوازه قبل حضور وقت العمل ، فاكثر اصحابنا على العدم والمنقول عن المفيد الجواز.

والاول اقوى لقبح الامر بالقبيح والنهى عن الحسن فان مقتضى النهى عن شىء قبحه فاذا جاء الامر الناسخ فيعطى حسنه اذ المفروض اتحاد متعلقهما ـ وكذا النهى عن الحسن ـ فيلزم اجتماع الحسن والقبح فى شىء واحد من جهة واحدة وهو محال.

وما يقال : ان الامر الاول تعلق باعتقاد وجوب الفعل والناسخ بنفسه ـ وكذا النهى والناسخ له ـ خروج عن المتنازع اذ ـ بعد تسليم جواز ارادة الاعتقاد والتوطين

١٩٨

لا نفس المأمور به والمنهى عنه به لم يتوارد الناسخ والمنسوخ على شىء واحد ولم ننكر ذلك : فان اريد من جواز النسخ قبل حضور وقت العمل مثل ذلك فنحن نجوزه ، وان اريد ارادتى نفس الفعل ثم نسخه قبل التمكن منه فنستحيله نظير ما حققنا فى مبحث الامر مع العلم بانتفاء الشرط.

احتج المجوز بوجوه ضعيفة اقواها ثلاثة.

الاول : قوله ـ تعالى ـ (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ)

وفيه انه ان اريد به ما يعم محو الامر الابتلائى فقد عرفت الكلام فيه.

وان اريد محض الايجاد والاعدام ـ مثل احياء زيد وإماتة عمرو فهو ايضا ـ خارج عن ما نحن فيه.

وان اريد محو الامر بالمأمور به المطلوب بذاته فى نفس الامر فهو مستلزم للبداء الحقيقى المحال على الله ـ تعالى ـ الموجب لاجتماع الحسن والقبح وتحسين القبيح وتقبيح الحسن فلا بد من تخصيص الآية بغيره لقيام البرهان على استحالته ، او حملها على البداء الاصطلاحى الذى هو من خواص مذهب الشيعة.

الثانى ـ انه ـ تعالى ـ امر ابراهيم بذبح ولده اسماعيل ثم نسخ ذلك قبل وقت الذبح. وفيه ان هذا الامر ابتلائى ـ كما مر.

وقد يجاب بما روى انه قد ذبح لكن كلما قطع التحم. وعليه فلم يبق مورد للنسخ.

الثالث ما روى ان النبى ـ (ص) ـ امر ليلة المعراج بخمسين ثم راجع الى ان عادت الى خمس.

ويمكن ان يقال : ان ذلك كان اخبارا عن الايجاب فيما بعد معلقا فى

١٩٩

علمه ـ تعالى ـ بعدم شفاعة النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فيندرج تحت البداء المصطلح.

يعرف الناسخ بتنصيص الشارع كان يقول هذا ناسخ لذلك او بما يؤدى ذلك ـ كما فى قوله ـ (ص) ـ كنت قد نهيتكم عن زيارة المقابر ألا فزوروها وكنت نهيتكم عن ادخار لحوم الاضاحى الا فادخروها. او بالاجماع عليه. واما بالعلم بالمتأخر لضبط التاريخ.

واذا حصل التضاد ولم يعلم الناسخ بأحد الوجوه المذكورة يجب التوقف

٢٠٠