بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

عن عمره فيما أفناه ، عن ماله أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن حبنا أهل البيت. قال : فقاموا وخرجوا ، فقال أبوجعفر عليه‌السلام لمولى : اتبعهم فانظر مايقولون ، قال : فتبعهم ثم رجع فقال : جعلت فداك قد سمعتهم يقولون لابن ذر : ما على هذا خرجنا معك فقال : ويلكم اسكتوا ما أقول إن رجلا يزعم أن الله يسألني عن ولايته ، وكيف أسأل رجلا يعلم حد الخوان وحد الكوز؟(١)

١٣ ـ فس : أبي ، عن ابن محبوب ، عن الثمالي ، عن أبي الربيع قال : حججت مع أبي جعفر عليه‌السلام في السنة التي حج فيها هشام بن عبدالملك ، وكان معه نافع بن الازرق مولى عمربن الخطاب فنظر نافع إلى أبي جعفر في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس ، فقال لهشام : يا أميرالمؤمنين من هذا الذي يتكافأ عليه الناس؟ فقال : هذا نبي أهل الكوفة! هذا محمدبن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين فقال نافع : لآتينه ولاسألنه(٢) عن مسائل لايجيبني فيها إلا نبي أو وصي نبي أوابن وصي نبي ، فقال هشام : فاذهب إليه فسله فلعلك أن تخجله فجاء نافع فاتكأ على الناس ثم أشرف على أبي جعفر عليه‌السلام فقال : يا محمدبن علي إني قد قرأت التوراة والانجيل والزبور والفرقان ، وقد عرفت حلالها وحرامها قد جئت أسألك عن مسائل لايجيبني فيها إلا نبي ، أو وصي نبي ، أوابن وصي نبي.

فرفع إليه أبوجعفر عليه‌السلام رأسه فقال : سل. فقال : أخبرني كم بين عيسى ومحمد من سنة؟ قال : اخبرك بقولي أم بقولك؟(٣) قال : أخبرني بالقولين جميعا ، قال : أما بقولي فخمسمائة سنة ، وأما بقولك فستمائة سنة. قال : فأخبرني عن قول الله تعالى : « واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون » من الذي(٤) سأل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة؟ قال : فتلا أبوجعفر عليه‌السلام هذه الآية :« سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد

__________________

(١) رجال الكشى : ١٤٣ و ١٤٤.

(٢) في نسخة : فلاسألنه.

(٣) في نسخة : اوبقولك.

(٤) في نسخة : من ذا الذى.

١٦١

الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا» فكان من الآيات التي أراها الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله حين أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر الله الاولين والآخرين من النبيين و المرسلين ، ثم أمر جبرئيل عليه‌السلام فأذن شفعا وأقام شفعا ثم قال في إقامته : حي على خير العمل ، ثم تقدم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فصلى بالقوم ، فأنزل الله تعالى عليه « واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون » فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : علام تشهدون؟ وما كنتم تعبدون؟ قالوا : نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنك رسول الله ، اخذت على ذلك مواثيقنا وعهودنا ، قال نافع : صدقت يا ابن رسول الله يا أبا جعفر ، أنتم والله أوصياء رسول الله وخلفاؤه في التوراة ، و أسماؤكم في الا نجيل وفي الزبور وفي القرآن ، وأنتم أحق بالامر من غيركم.(١)

١٤ ـ أقول : وروى السيدالمرتضى رحمه‌الله في كتاب الفصول عن الشيخ رحمه‌الله عن أحمدبن محمدبن الوليد ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة ، عن بكيربن أعين قال : جاء رجل إلى أبي جعفر عليه‌السلام فقال له : يا أباجعفر : ما تقول في امرأة تركت زوجها وإخوتها لامها واختهالابيها؟ فقال أبوجعفر عليه‌السلام للزوج النصف ثلاثة أسهم من ستة أسهم ، وللاخوة من الام الثلث سهمان من ستة ، و للاخت من الاب مابقي وهوالسدس سهم من ستة. فقال له الرجل : فإن فرائض زيد و فرائض العامة والقضاة على غير ذلك يا أباجعفر ، يقولون : للاخت من الاب ثلاثة أسهم من ستة إلى ثمانية ، فقال له أبوجعفر ، عليه‌السلام : ولم قالوا ذلك؟ قال : لان الله تعالى يقول : « إن امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ماترك » فقال أبوجعفر عليه‌السلام : فإن كان الاخت أخا؟ قال : ليس له إلا السدس ، فقال أبوجعفر عليه‌السلام : فمالكم نقصتم الاخ إن كنتم تحتجون للاخت بأن الله تعالى قدسمى لها النصف فإن الله تعالى قد سمى للاخ أيضا الكل ، والكل أكثر من النصف ، قال الله تعالى :

__________________

(١) تفسيرالقمى : ص ٦١٠. الزخرف.

(٢) وقد ذكر بعد ذلك في نسخة حديثا تقدم في باب مناظرات الامام السجاد عليه‌السلام تحت رقم ٣ ، والظاهر انه اشتباه من الناسخ.

١٦٢

فلها نصف ماترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) فلا تعطون الذي جعل الله له الجميع في فرائضكم شيئا ، وتعطونه السدس في موضع ، وتعطون الذي جعل الله تعالى له النصف تاما؟! فقال الرجل : وكيف نعطي الاخت أصلحك الله النصف ولا نعطي الاخ شيئا؟ فقال أبوجعفر عليه‌السلام : تقولون في ام وزوج وإخوة لام واخت لاب فتعطون الزوج النصف ثلاثة أسهم من ستة تعول إلى تسعة ، والام السدس ، والاخوة من الام الثلث والاخت من الاب النصف ثلاثة يرتفع من ستة إلى تسعة ، فقال : كذلك يقولون ، فقال : إن كانت الاخت أخا لاب؟ قال : ليس له شئ ، فقال الرجل لابي جعفر عليه‌السلام : فما تقول أنت رحمك الله؟ قال : فليس للاخوة من الاب والام ولاللاخوة من الام و لا للاخوة من الاب مع الام شئ.(١)

(باب ١٣)

* (احتجاجات الصادق صلوات الله عليه على الزنادقة) *

* (والمخالفين ومناظراته معهم) *

١ ـ مع : المظفر العلوي ، عن ابن العياشي ، عن أبيه ، عن أحمد بن أحمد ، عن سليمان بن الخصيب قال : حدثني الثقة قال : حدثنا أبوجمعة رحمة بن صدقة ، قال : أتى رجل من بني امية وكان زنديقا جعفربن محمد عليهما‌السلام فقال : قول الله عزوجل في كتابه « ألمص » أي شئ أراد بهذا؟ وأي شئ فيه من الحلال والحرام؟ وأي شئ فيه مما ينتفع به الناس؟ قال : فاغتاظ من ذلك جعفربن محمد عليها‌السلام فقال : أمسك ويحك ، الالف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والصاد تسعون ، كم معك؟ فقال الرجل : أحد وثلاثون ومائة ، فقال له جعفربن محمد عليهما‌السلام : إذا انقضت سنة إحدى وثلاثين ومائة انقضى ملك أصحابك ، قال : فنظرنا فلما انقضت سنة إحدى وثلاثين ومائة يوم عاشوراء دخل المسودة(٢) الكوفة وذهب ملكهم.(٣)

__________________

(١) الفصول المختارة : ص ١٢٢.

(٢) أى أصحاب الدعوة العباسية ، سمى بها لانهم كانوا يلبسون ثيابا سودا.

(٣) معانى الاخبار : ص ١٣.

١٦٣

بيان : هذا الخبر لايستقيم إذا حمل على مدة ملكهم لعنهم الله ، لانه كان ألف شهر ، ولا على تاريخ الهجرة مع بعد ابتنائه عليه لتأخر حدوث هذا التاريخ عن زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا على تاريخ عام الفيل لانه يزيد على أحد وستين ومائة ، مع أن أكثر نسخ الكتاب أحد وثلاثون ومائة ، وهو لايوافق عدد الحروف.

وقد اشكل علي حل هذا الخبر زمانا حتى عثرت على اختلاف ترتيب الاباجاد في كتاب عيون الحساب ، فوجدت فيه أن ترتيب ، أبجد عند المغاربة هكذا : أبجد ، هوز ، حطي ، كلمن ، صعفض ، قرست ، ثخذ ، ظغش ، فالصاد المهملة عندهم ستون ، و الضاد المعجمة تسعون ، والسين المهملة ثلاثمائة ، والظاء المعجمة ثمان مائة ، والغين المعجمة تسعمائة ، والشين المعجمة ألف ، فحينئذ يستقيم ما في أكثر النسخ من عدد المجموع ، ولعل الاشتباه في قوله : والصاد تسعون من النساخ لظنهم أنه مبني على المشهور ، وحينئذ يستقيم إذا بني على البعثة ، أو على نزول الآية كما لا يخفى على المتأمل ، والله يعلم.

٢ ـ ج : من سؤال الزنديق الذي سأل أبا عبدالله عليه‌السلام عن مسائل كثيرة : أن قال : كيف يعبدالله الخلق ولم يروه؟ قال عليه‌السلام : رأته القلوب بنور الا يمان ، وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان ، وأبصرته الابصار بمارأته من حسن التركيب وإحكام التأليف ، ثم الرسل وآياتها والكتب ومحكماتها ، واقتصرت العلماء على مارأت من عظمته دون رؤيته ، قال : أليس هو قادرا أن يظهر لهم حتى يروه ويعرفوه فيعبد على يقين؟ قال : ليس للمحال جواب ، قال : فمن أين أثبت أنبياء ورسلا؟(٢) قال عليه‌السلام : إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيمالم يجزأن يشاهده خلقه ولا أن يلامسوه ولا أن يباشرهم و

__________________

(١) في نسخة : للمحيل وفى اخرى : للمحل.

(٢) أى من اين أثبت وجوب إرسال الانبياء والرسل أخرجه الكلينى قدس‌سره في كتاب الكافى في باب الاضطرار إلى الحجة باسناده عن على بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن العباس بن عمر الفقيمى عن هشام بن الحكم ، عن أبى عبدالله عليه‌السلام من قوله : « فمن أين أثبت » إلى قوله : « وجوب عدالته ».

١٦٤

يباشروه ويحاجهم ويحاجوة ثبت أن له سفراء في خلقه وعباده يدلونهم على مصالحهم ومنافعهم ومابه بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه ، وثبت عند ذلك أن له معبرين وهم الانبياء وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدبين(١) بالحكمة ، مبعوثين عنه ، مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب ، مؤدين من عندالحكيم العليم بالحكمة(٢) والدلائل والبراهين والشواهد : من إحياء الموتى ، وإبراء الاكمه والابرص ، فلا تخلوالارض من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته.

ثم قال عليه‌السلام بعد ذلك : نحن نزعم أن الارض لاتخلومن حجة ، ولاتكون الحجة إلا من عقب الانبياء ، ما بعث الله نبيا قط من غيرنسل الانبياء ، وذلك أن الله تعالى شرع لبني آدم طريقا منيرا ، وأخرج من آدم نسلا طاهرا طيباء ، أخرج منه الانبياء والرسل ، هم صفوة الله ، وخلص الجوهر ، طهروا في الاصلاب ، وحفظوافي الارحام ، لم يصبهم سفاح الجاهلية ولاشاب أنسابهم ، (٣) لان الله عزوجل جعلهم في موضع لايكون أعلى درجة وشرفا منه فمن كان خازن علم الله وأمين غيبه ومستودع سره وحجته على خلقه وترجمانه ولسانه لايكون إلا بهذه الصفة ، فالحجة لايكون إلا من نسلهم يقوم مقام النبي في الخلق بالعلم الذي عنده وورثه عن الرسول ، إن جحده الناس سكت ، وكان بقاء ما عليه الناس قليلا مما في أيديهم من علم الرسول على اختلاف منهم فيه ، قدأقاموا بينهم الرأي والقياس ، إن هم أقروابه(٤) وأطاعوه وأخذوا عنه ظهر العدل ، وذهب الاختلاف والتشاجر ، واستوى الامر ، وأبان الدين ، وغلب على الشك اليقين ، ولايكاد أن يقر الناس به أو يحقواله(٥) بعد فقد الرسول ، وما مضى رسول و

__________________

(١) في نسخة : مؤديين بالحكمة

(٢) في المصدر : مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة

(٣) شاب : خلط وفى نسخة : وإلا شاب أنسابهم

(٤) في المصدر : وانهم أقروا به اه

(٥) في نسخة : أويخفوا له. وفي المصدر : ولا يكاد أن يقرالناس به ولا يطيعوا له ، أو يحفظوا « يخفوا » له.

١٦٥

لانبي قط لم يختلف امته من بعده ، وإنما كان علة اختلافهم خلافهم على الحجة وتركهم إياه قال : فما يصنع بالحجة إذا كان بهذه الصفة؟ قال : قد يقتدى به ويخرج عنه الشئ بعدالشئ مما فيه منفعة الخلق وصلاحهم ، فإن أحدثوافي دين الله شيئا أعلمهم ، وإن زادوا فيه أخبرهم ، وإن نقصوامنه شيئا أفادهم.

ثم قال الزنديق : من أي شئ خلق الاشياء؟(١) قال عليه‌السلام : لامن شئ ، (٢) فقال : فكيف يجئ من لالشئ شئ؟ قال عليه‌السلام : إن الاشياء لاتخلو أن تكون(٣) خلقت من شئ أومن غير شئ فإن كانت خلقت من شئ كان معه فإن ذلك الشئ قديم ، والقديم لا يكون حديثا ولا يفنى ولا يتغير ، ولا يخلو ذلك الشئ من أن يكون جوهرا واحدا ولونا واحدا ، فمن أين جاءت هذه الالوان المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتى؟ ومن أين جاء الموت إن كان الشئ الذي انشئت منه الاشياء حيا؟ اومن أين جاءت الحياة إن كان ذلك الشئ ميتا؟ ولا يجوز أن يكون من حي وميت قديمين لم يزالا ، لان الحي لايجئ منه ميت وهو لم يزل حيا ، ولايجوز أيضا أن يكون الميت قديما لم يزل بماهوبه من الموت ، لان الميت لاقدرة له ولا بقاء

قال : فمن أين قالوا أن الاشياء أزلية؟ قال : هذه مقالة قوم جحدوا مدبر الاشياء فكذبوا الرسل ومقالتهم والانبياء وما أنبؤوا عنه ، وسموا كتبهم أساطير الاولين ، ووضعوا لانفسهم دينا بآرائهم واستحسانهم ، إن الاشياء تدل على حدوثها من دوران الفلك بمافيه وهي سبعة أفلاك ، وتحرك الارض ومن عليها ، وانقلاب الازمنة واختلاف الوقت والحوادث التي تحدث في العالم من زيادة ونقصان وموت وبلى واضطرار النفس إلى الاقرار بأن لها صانعا ومدبرا ، أماترى الحلويصير حامضاوالعذب مرا ، و الجديد باليا ، وكل إلى تغير وفناء؟

قال : فلم يزل صانع العالم عالما بالاحداث التي أحدثها أن يحدثها؟ قال : لم يزل يعلم فخلق ماعلم.

__________________

(١) في المصدر : من أى شئ خلق الله الاشياء؟.

(٢) في نسخة : من لاشئ.

(٣) في المصدر : لاتخلو إما أن تكون اه.

١٦٦

قال : أمختلف هوأم مؤتلف؟ قال : لايليق به الاختلاف ولا الايتلاف ، إنما يختلف المتجزئ ، ويأتلف المتبعض ، فلايقال له : مؤتلف ولامختلف.

قال : فكيف هوالله الواحد؟ قال : واحد في ذاته ، فلاواحد كواحد ، لان ما سواه من الواحد متجزئ ، وهو تبارك وتعالى واحد لامتجزئ(١) ولا يقع عليه العد.

قال : فلاي علة خلق الحلق وهو غير محتاج إليهم ، ولا مضطر إلى خلقهم ، ولا يليق به العبث بنا؟(٢) قال : خلقهم لاظهار حكمته ، وإنفاذ علمه ، وإمضاء تدبيره.

قال : وكيف لا يقتصر على هذه الدار فيجعلها دارثوابه ومحتبس عقابه؟ قال : إن هذه الدار دارابتلاء ، ومتجر الثواب ، ومكتسب الرحمة ، ملئت آفات ، وطبقت شهوات ليختبر فيها عبيده بالطاعة ، فلايكون دارعمل دار جزاء.

قال : أفمن حكمته أن جعل لنفسه عدوا وقدكان ولاعدوله؟ فخلق كمازعمت إبليس فسلطه على عبيده يدعوهم إلى خلاف طاعته ، ويأمرهم بمعصيته ، وجعل له من القوة كما زعمت يصل بلطف الحيلة إلى قلوبهم(٣) فيوسوس إليهم فيشككهم في ربهم ويلبس عليهم دينهم ، فيزيلهم عن معرفته حتى أنكر قوم لما وسوس إليهم ربوبيته و عبدوا سواه ، فلم سلط عدوه على عبيده وجعل له السبيل إلى إغوائهم؟

قال : إن هذا العدو الذي ذكرت لايضره عداوته ، ولا ينفعه ولايته ، عداوته لاتنقص من ملكه شيئا ، وولايته لاتزيد فيه شيئا ، وإنما يتقى العدو إذا كان في قوة يضر وينفع ، إن هم بملك أخذه ، أوبسلطان قهره فأما إبليس فعبد خلقه ليعبده و يوحده ، وقد علم حين خلقه ماهو وإلى مايصير إليه ، فلم يزل يعبده مع ملائكته حتى امتحنه بسجود آدم فامتنع من ذلك حسدا وشقاوة غلبت عليه فلعنه عندذلك و أخرجه عن صفوف الملائكة ، وأنزله إلارض ملعونا مدحورا ، فصارعدو آدم وولده

__________________

(١) في المصدر : وهو تبارك وتعالى واحد لايتجزء.

(٢) في المصدر : ولايليق به التعبث بنا.

(٣) في المصدر : ما يصل بلطف الحيلة إلى قلوبهم.

١٦٧

بذلك السبب ، وماله من السلطنة على ولده إلا الوسوسة والدعاء إلى غير السبيل ، وقد أقرمع معصيته لربه بربوبيته.

قال : أفيصلح السجود لغيرالله؟ قال : لا قال : فكيف أمرالله الملائكة بالسجود لآدم؟ قال : إن من سجد بأمر الله فقد سجد لله ، فكان سجوده لله إذا كان عن أمر الله.

قال : فمن أين أصل الكهانة؟ ومن أين يخبر الناس بما يحدث؟ قال : إن الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل ، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الامور بينهم فيخبرهم بأشياء تحدث وذلك في وجوه شتى : من فراسة العين ، وذكاء القلب ، ووسوسة النفس ، وفطنة الروح مع قذف في قلبه ، لان مايحدث في الارض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان ويؤديه إلى الكاهن ويخبره بمايحدث في المنازل وألاطراف ، وأما أخبار السماء فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك وهي لاتحجب ولاترجم بالنجوم ، وإنما منعت من استراق السمع لئلايقع في الارض سبب يشاكل الوحي من خبر السماء ولبس على أهل الارض(١) ماجاءهم عن الله لاثبات الحجة ونفي الشبه ، وكان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من الله في خلقه فيختطفها ثم يهبط بها إلى الارض فيقذفها إلى الكاهن ، فإذا قدزاد من كلمات عنده فيختلط الحق بالباطل ، فما أصاب الكاهن من خبر مماكان يخبر به فهوما أداه إليه شيطانه مما سمعه ، وما أخطأفيه فهو من باطل ما زاد فيه ، فمذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة ، واليوم إنما تؤدي الشياطين إلى كهانها أخبار اللناس مما يتحدثون به وما يحدثونه ، والشياطين تؤدي إلى الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث من سارق سرق ، وقاتل قتل ، وغائب غاب ، وهم بمنزلة الناس أيضا صدوق وكذوب.

فقال : كيف صعدت الشياطين إلى السماء وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة ، وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود من البناء مايعجز عنه ولد آدم؟ قال غلظوا لسليمان

__________________

(١) في المصدر : لئلايقع في الارض سبب تشاكل الوحى من خبر السماء فيلبس على أهل الارض.

١٦٨

كما سخروا ، وهم خلق رقيق غذاؤهم التنسم ، والدليل على ذلك صعودهم(١) إلى السماء لاستراق السمع ، ولايقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها إلا بسلم أوسبب(٢)

قال : فأخبرني عن السحرما أصله؟ وكيف يقدر الساحر على مايوصف من عجائبه ومايفعل؟ قال إن السحر على وجوه شتى : وجه منها بمنزلة الطب كما أن الاطباء وضعوا لكل داء دواء فكذلك علم السحرا حتالوا لكل صحة آفة ، ولكل عافية عاهة ، ولكل معنى حيلة. ونوع منه آخرخطفة وسرعة ومخاريق وخفة.(٣) ونوع منه ما يأخذ أولياؤ الشياطين عنهم.

قال : فمن أين علم الشياطين السحر؟ قال : من حيث عرف الاطباء الطب ، بعضه تجربة ، وبعضه علاج.

قال : فما تقول في الملكين : هاروت وماروت وما يقول الناس بأنهما يعلمان الناس السحر؟ قال : إنهما موضع ابتلاء وموقف فتنة ، تسبيحهما : اليوم لوفعل الانسان كذا وكذا لكان كذا ، ولو يعالج بكذا وكذا لصاركذا ، أصناف سحر فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما فيقولان لهم : إنما نحن فتنة فلانأخذوا عنا مايضر كم ولا ينفعكم.

قال : أفيقدرالساحر أن يجعل الانسان بسحره في صورة الكلب والحمار أو غير ذلك؟ قال : هو أعجز من ذلك وأضعف من أن يغير خلق الله ، إن من أبطل ماركبه الله وصوره وغيره فهو شريك لله في خلقه ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، لوقدر الساحر على ماوصفت لدفع عن نفسه الهموم والآفة والامراض ، ولنفى البياض عن رأسه والفقرعن ساحته ، وإن من أكبر السحر النميمة ، يفرق بها بين المتحابين ، ويجلب العداوة على المتصافيين ، (٤) ويسفك بها الدماء ، ويهدم بها الدور ، ويكشف الستور ، والنمام أشر من وطئ على الارض بقدم ، فأقرب أقاويل السحر من الصواب أنه بمنزلة الطب ،

__________________

(١) في المصدر : غذاؤهم النسيم ، والدليل على كل ذلك اه.

(٢) فيه بيان إمكان الصعود إلى سائر الكرات بالاسباب ، كما أن ذلك يستفاد أيضا من قوله تعالى : « يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السموات والارض فانفذوا لاتنفذون الا بسلطان ».

(٣) الخطفة : الاختلاس والاستلاب بسرعة. والخفة : ضدالثقل في العمل وغيره.

(٤) تصافى القوم : اخلص الود بعضهم لبعض.

١٦٩

إن الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء ، فجاء الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج فابرئ.

قال : فما بال ولد آدم فيهم شريف ووضيع؟ قال : الشريف : المطيع ، والوضيع : العاصي ، قال : أليس فيهم فاضل ومفضول؟ قال : إنما يتفاضلون بالتقوى. قال : فتقول : إن ولد آدم كلهم سواء في الاصل لايتفاضلون إلا بالتقوى؟ قال : نعم إني وجدت أصل الخلق التراب ، والاب آدم ، والام حواء ، خلقهم إله واحد وهم عبيده ، إن الله عزوجل اختار من ولد آدم اناسا طهر ميلادهم ، وطيب أبدانهم ، وحفظهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، أخرج منهم الانبياء والرسل ، فهم أزكى فروع آدم فعل ذلك لا لامر استحقوه من الله عزوجل ، ولكن علم الله منهم حين ذرأهم أنهم يطيعونه ويعبدونه ولا يشركون به شيئا ، فهؤلاء بالطاعة نالوا من الله الكرامة والمنزلة الرفيعة عنده ، وهؤلاء الذين لهم الشرف والفضل والحسب ، وسائر الناس سواء ، ألامن اتقى الله أكرمه(١) ومن أطاعه أحبه ، ومن أحبه لم يعذبه بالنار.

قال : فأخبرني عن الله عزوجل كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين وكان على ذلك قادرا؟ قال عليه‌السلام : لوخلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب ، لان الطاعة إذا ما كانت فعلهم ، ولم تكن جنة ولانار ، ولكن خلق فأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته ، واحتج عليهم برسله وقطع عذرهم بكتبه ليكونوا هم الذين يطيعون و يعصون ويستوجبون بطاعتهم له الثواب وبمعصيتهم إياه العقاب.

قال : فالعمل الصالح من العبد هو فعله؟ والعمل الشر من العبد هو فعله؟ قال : العمل الصالح العبد يفعله والله به أمره ، والعمل الشر العبد يفعله والله عنه نهاه. قال : أليس فعله بالالة التي ركبها فيه؟ قال : نعم ولكن بالآلة التي عمل بها الخير قدر بها على الشر الذي نهاه عنه.

قال : فإلى العبد من الامرشئ؟ قال : مانهاه الله عن شئ إلا وقد علم أنه يطيق

__________________

(١) في نسخة : وسائر الناس سواء إلا من اتقى الله ، فان من اتقى الله أكرمه اه.

١٧٠

تركه ، ولا أمره بشئ إلا وقد علم أنه يستطيع فعله ، لانه ليس من صفته الجور والعبث والظلم وتكليف العباد مالا يطيقون.

قال : فمن خلقه الله كافرا يستطيع الايمان وله عليه بتركه الايمان حجة؟ قال عليه‌السلام : إن الله خلق خلقه جميعا مسلمين ، (١) أمرهم ونهاهم ، والكفراسم يلحق الفعل حين يفعله العبد ، ولم يخلق الله العبد حين خلقه كافرا ، إنه إنماكفر من بعدان بلغ وقتا لزمته الحجة من الله تعالى ، فعرض عليه الحق فجحده ، فبإنكار الحق صار كافرا.

قال : فيجوز أن يقدر على العبدالشر ويأمره بالخير وهو لايستطيع الخيرأن يعمله ويعذبه عليه؟ قال : إنه لايليق بعدل الله ورأفته أن يقدر على العبد الشر ويريده منه ، ثم يأمره بما يعلم أنه لايستطيع أخذه والانتزاع(٢) عما لايقدر على تركه ، ثم يعذبه على تركه أمره الذي علم أنه لايستطيع أخذه.

قال : فبماذا استحق الذين أغناهم وأوسع عليهم من رزقه الغنى والسعة؟ وبماذا استحق الفقراء التقتير والضيق؟ قال : اختبر الاغنياء بما أعطاهم لينظر كيف شكرهم ، والفقراء إنما منعهم لينظر كيف صبرهم ، (٣) ووجه آخرأنه عجل لقوم في حياتهم ، ولقوم آخرليوم حاجتهم إليه ، ووجه آخر أنه علم احتمال كل قوم فأعطاهم على قدر احتمالهم ، ولو كان الخلق كلهم أغنياء لخربت الدنيا وفسد التدبير وصارأهلها إلى الفناء ، ولكن جعل بعضهم لبعض عونا ، وجعل أسباب أرزاقهم في ضروب الاعمال وأنواع الصناعات ، وذلك أدوم في البقاء وأصح في التدبير ، ثم اختبر الاغنياء باستعطاف الفقراء(٤) كل ذلك لطف ورحمة من الحكيم الذي لايعاب تدبيره.

قال : فبما استحق الطفل الصغير مايصيبه من الاوجاع والامراض بلاذنب عمله

__________________

(١) أى كانوا في أصل خلقتهم وطبيعتهم الاولى منقادين لما يأمر وينهى ، حيث لم تكن نفوسهم متصفة لما يستدعى الخلاف والطغيان ، بل كانوا على فطرة الله التى فطر الناس عليها.

(٢) في نسخة ، والنزع. وفى اخرى : الانزاع.

(٣) في المصدر : والفقراء بما منعهم لينظركيف صبرهم.

(٤) في المصدر : ثم اختبر الاغنياء بالاستعطاف على الفقراء.

١٧١

ولاجرم سلف منه؟ قال : إن المرض على وجوه شتى : مرض بلوى ، ومرض العقوبة ، ومرض جعل عليه الفناء(١) وأنت تزعم أن ذلك من أغذية رديئة ، وأشربة وبيئة ، (٢) أومن علة كانت بامه ، وتزعم أن من أحسن السياسة لبدنه وأجمل النظر في أحوال نفسه وعرف الضار مما يأكل من النافع لم يمرض ، وتميل في قولك إلى من يزعم أنه لايكون المرض والموت إلا من المطعم والمشرب ، قدمات أرسطاطا ليس معلم الاطباء ، وأفلاطون رئيس الحكماء ، وجالينوس شاخ(٣) ودق بصره ، وما دفع الموت حين نزل بساحته ، ولم يألوا حفظ نفسهم والنظر لما يوافقها ، كم من مريض قد زاده المعالج سقما! وكم من طبيب عالم وبصير بالا دواء والادوية ماهر مات ، وعاش الجاهل بالطب بعده زمانا! فلا ذاك نفعه علمه بطبه عند انقطاع مدته وحضور أجله ، ولاهذا ضره الجهل بالطب مع بقاء المدة وتأخر الاجل.

ثم قال عليه‌السلام : إن أكثر الاطباء قالوا : إن علم الطب لم يعرفه الانبياء ، فما نصنع على قياس قولهم بعلم زعموا ليس تعرفه الانبياء الذين كانوا حجج الله على خلقه ، وامناءه في أرضه ، وخزان علمه وورثة حكمته ، والا دلاء عليه ، والدعاة إلى طاعته؟ ثم إني وجدت أكثرهم يتنكب في مذهبه سبل الانبياء(٤) ويكذب الكتب المنزلة عليهم من الله تبارك وتعالى ، فهذا الذي أزهدني في طلبه وحامليه.

قال فكيف تزهد في(٥) قوم وأنت مؤد بهم وكبيرهم؟ قال : إني لما رأيت الرجل منهم الماهر في طبه إذا سألته لم يقف على حدود نفسه ، وتأليف بدنه وتركيب أعضائه ، ومجرى الاغذية في جوارحه ومخرج نفسه ، وحركة لسانه ، ومستقر كلامه ، ونور

__________________

(١) في المصدر : ومرض جعل علة للفناء.

(٢) أى ماكثر فيه الوباء. والوباء : كل مرض عام. وفى الحديث دلالة أن جرثوم الوباء وميكروبه يكون في المياه ، كما أن ذلك يستفاد من الامام السجاد زين العابدين عليه‌السلام في الدعا ٢٧ من الصحيفة في دعائه على المخالفين حيث قال : وامزج مياههم بالوباء ، وأطعمتهم بالادواء.

(٣) شاخ : صار شيخا. والشيخ : من استبانت فيه السن وظهر عليه الشيب.

(٤) أى تجنبها وعدل عنها.

(٥) اى فكيف ترغب عنهم وتتركهم؟

١٧٢

بصره ، وانتشار ذكره ، واختلاف شهواته ، وانسكاب عبراته ، ومجمع سمعه ، وموضع عقله ، ومسكن روحه ، ومخرج عطسته ، وهيج غمومه ، وأسباب سروره ، وعلة ماحدث فيه من بكم وصمم وغيرذلك لم يكن عندهم في ذلك أكثرمن أقاويل استحسنوها وعلل فيما بينهم جوزوها.

قال : فأخبرني عن الله عزوجل أله شريك في ملكه ، أومضادله في تدبيره؟ قال : لا ، قال : فما هذا الفساد الموجود في هذا العالم من سباع ضارية ، وهوام مخوفة ، وخلق كثير مشوهة ، (١) ودود وبعوض وحيات وعقارب ، وزعمت أنه لايخلق شيئا إلا لعلة لانه لايعبث؟(٢)

قال : ألست تزعم أن العقارب تنفع من وجع المثانة والحصاة ، ولمن يبول في الفراش ، وأن أفضل الترياق ماعولج من لحوم الافاعي ، وأن لحومها إذا أكلها المجذوم لشبت نفعه ، (٣) وتزعم أن الدود الاحمر الذي بصاب تحت الارض نافع للاكلة؟ قال : نعم ، قال عليه‌السلام : فأما البعوض والبق فبعض سببه أنه جعل أرزاق الطير ، وأهان بها جبارا تمرد على الله وتجبر وأنكر ربوبيته ، فسلط الله عليه أضعف خلقه ليريه قدرته وعظمته وهي البعوض فدخلت في منخره حتي وصلت إلى دماغه فقتلته. واعلم أنا لووقفنا على كل شئ خلقه الله لم خلقه ولاي شئ أنشأه لكنا قدساويناه في علمه ، وعلمنا كل مايعلم واستغنينا عنه وكنا وهو في العلم سواء. قال : فأخبرني هل يعاب شئ من خلق الله وتدبيره؟ قال : لا ، قال : فإن الله خلق خلقه غرلا ، أذلك منه حكمة أم عبث؟(٤) قال : بل حكمة منه؟ قال : غيرتم

__________________

(١) شوه الوجه : قبح.

(٢) هذا من الابحاث العميقة التي كانت متداولة بين الحكماء الاقدمين من أن الشرور كيف تصدر عن الحكيم؟ فبعضهم أجابوا عنها بأجوبة ، وبعضهم كالثنوية ذهبوا إلى تعدد خالق الخيرات والشرور ، وما أجاب عنها الامام عليه‌السلام من الاجوبة المتينة التى تنحل به عقد الاشكال.

(٣) في نسخة : إذا أكلها المجذوم بشبت نفعه والشبت : نبات كالتمرة يقال له « رزالدجاج » وفى نسخة : بسبب ينفعه. وفى المصدر : بشب « نشيت خ ل » نفعه. والشب : ملح معدنى قابض ، لونه أببض ومنه أزرق وهو أشبه بالزاج شب الليل : نبات.

(٤) هذه المسألة أيضا من ملحقات المسألة السالفة ، وحاصله أنا نجد في العالم أشياء وجودها تزعم لغوا فايجادها ينافى الحكمة.

١٧٣

خلق الله وجعلتم فعلكم في قطع القلفة أصوب مما خلق الله لها وعبتم الاقلف ، (١) والله خلقه ، ومدحتم الختان وهو فعلكم ، أم تقولون : إن ذلك من الله كان خطأ غير حكمة؟! قال عليه‌السلام : ذلك من الله حكمة وصواب غير أنه سن ذلك وأوجبه على خلقه ، كما أن المولود إذا خرج من بطن امه وجدنا سرته متصلة بسرة امه كذلك خلقها الحكيم ، فأمرالعباد بقطعها وفي تركها فساد بين للمولود والام ، وكذلك أظفار الانسان أمر إذا طالت أن تقلم ، وكان قادرا يوم دبر خلقة الانسان أن يخلقها خلقة لاتطول ، وكذلك الشعر من الشارب والرأس يطول فيجز ، وكذلك الثيران(٢) خلقها فحولة وإخصاؤها أوفق ، ليس في ذلك عيب(٣) في تقدير الله تعالى.

قال : ألست تقول : يقول الله : « ادعوني أستجب لكم » وقدنرى المضطر يدعوه فلايستجاب له ، والمظلوم يستنصره على عدوه فلا ينصره.(٤) قال عليه‌السلام : ويحك ما يدعوه أحد إلا استجاب له ، أما الظالم فدعاؤه مردود إلى أن يتوب إليه ، وأما المحق فإنه إذادعاه استجاب له وصرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه ، وادخرله(٥) ثوابا جزيلا ليوم حاجته إليه ، وإن لم يكن الامر الذي سأل العبد خيرة له إن أعطاه أمسك عنه ، والمؤمن العارف بالله ربما عز عليه أن يدعوه فيما لايدري أصواب ذلك أم خطاء ، وقد يسأل العبدربه إهلاك من لم ينقطع مدته ، ويسأل المطروقتا ، ولعله أوان لايصلح فيه المطر لانه أعرف بتدبير ماخلق من خلقه ، وأشباه ذلك كثيرة ، فافهم هذا.

قال : فأخبرني أيها الحكيم ما بال السماء لاينزل منها إلى الارض أحد ، ولا يصعد من الارض إليها بشر ، ولاطريق إليها ولا مسلك؟ فلو نظر العباد في كل دهر مرة من يصعد إليها وينزل لكان ذلك أثبت في الربوبية ، وأنفى للشك ، وأقوى لليقين وأجدرأن يعلم العبادأن هناك مدبرا ، إليه يصعد الصاعد ، ومن عنده يهبط الهابط!

__________________

(١) في المصدر : « الاغلف » وهما بمعنى واحد ، وهو الذى لم يختتن. والقلفة : هى الجليدة التى يقطعها الخاتن.

(٢) جمع الثور : الذكر من البقر.

(٣) في نسخة : وليس في ذلك عبث.

(٤) في نسخة : والمطيع يستنصره على عدوه فلا ينصره.

(٥) في نسخة : أوادخر له اه.

١٧٤

قال عليه‌السلام : إن كل ماترى في الارض من التدبير إنما هو ينزل من السماء و منها مايظهر ، أما ترى الشمس منها تطلع ، وهي نور النهار ، وفيها قوام الدنيا ، ولو حبست حار من عليها وهلك؟ والقمر منها يطلع ، وهو نور الليل ، وبه يعلم عدد السنين والحساب والشهور والايام ، ولوحبس لحار من عليها وفسد التدبير؟ وفي السماء النجوم التي يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، ومن السماء ينزل الغيث الذي فيه حياة كل شئ من الزرع والنبات والانعام ، وكل الخلق لوحبس عنهم لما عاشوا ، والريح لوحبست أياما لفسدت الاشياء جميعا وتغيرت ، ثم الغيم والرعد والبرق و الصواعق كل ذلك إنما هو دليل على أن هناك مدبرا يدبركل شئ ومن عنده ينزل ، وقد كلم الله موسى عليه‌السلام وناجاه ، ورفع الله عيسى بن مريم ، والملائكة تنزل من عنده غير أنك لاتؤمن بمالم تره بعينك ، وفيما تراه بعينك كفاية أن تفهم وتعقل.

قال : فلوأن الله رد إلينا من الاموات في كل مائة عام(١) لنسأله عمن مضى منا إلى ماصاروا وكيف حالهم وماذا لقوا بعد الموت وأي شئ صنع بهم ليعمل الناس على اليقين اضمحل الشك وذهب الغل عن القلوب قال : إن هذه مقالة من أنكر الرسل وكذبهم ، ولم يصدق بمابه من عندالله إذا أخبروا(٢) وقالوا : إن الله أخبر في كتابه عزوجل على لسان الانبياء حال من مات منا ، أفيكون أحد أصدق من الله قولا ومن رسله؟ وقد رجع إلى الدنيا ممن مات خلق كثير ، منهم أصحاب الكهف(٣) أماتهم الله ثلاث مائة عام وتسعة ثم بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث ليقطع حجتهم وليريهم قدرته وليعلموا أن البعث حق ، وأمات الله ارميا(٤) النبي الذي نظر إلى

__________________

(١) في المصدر : في كل مائة عام واحدا.

(٢) في نسخ : ولم يصدق بما به من عندالله أخبروا. وفى نسخة : ولم يصدق بما جاء من عندالله إذا أخبروا. وفى المصدر : ولم يصدق بما جاؤوا به من عندالله إذا أخبروا.

(٣) يأتى أسماؤهم وقصتهم في كتاب قصص الانبياء.

(٤) قال الطبرسى قدس‌سره في البيان في تفسير قوله تعالى : « أو كالذى مرعلى قرية » : وهو عزير ، عن قتادة وعكرمة والسدى وهوالمروى عن أبى عبدالله عليه‌السلام ، وقيل : هو ارميا عن وهب ، وهوالمروى عن ابى جعفر عليه‌السلام ، وقيل : هوالخضر ، عن ابن اسحاق إه. و يأتى تحقيق دلك في كتاب قصص الانبياء.

١٧٥

خراب بيت المقدس وما حوله حين غزاهم بخت نصر فقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها ، فأماته الله مائة عام ثم أحياه ونظر إلى أعضائه كيف تلتئم وكيف تلبس اللحم وإلى مفاصله وعروقه كيف توصل ، فلما استوى قاعدا قال : أعلم أن الله على كل شئ قدير ، وأحيا الله قوما خرجوا عن أوطانهم هاربين من الطاعون لايحصى عددهم فأماتهم الله دهرا طويلا حتى بليت عظامهم وتقطعت أوصالهم وصاروا ترابا ، فبعث الله تعالى في وقت أحب أن يري خلقه قدرته نبيا يقال له : حزقيل(١) فدعاهم فاجتمعت أبدانهم ورجعت فيها أرواحهم ، وقاموا كهيئة يوم ما توا لا يفتقدون من أعدادهم رجلا فعاشوا بعد ذلك دهرا طويلا ، وأن الله أمات قوما خرجوا مع موسى حين توجه إلى الله فقالوا : أرنا الله جهرة ، فأماتهم الله ثم أحياهم.

قال : فأخبرني عمن قال بتناسخ الارواح من أي شئ قالوا ذلك؟ وبأي حجة قاموا على مذاهبهم؟ قال : إن أصحاب التناسخ قدخلفوا وراءهم منهاج الدين(٢) وزينوا لانفسهم الضلالات ، وأمر جوا أنفسهم في الشهوات ، وزعموا أن السماء خاوية(٣) مافيها شئ ممايوصف ، وأن مدبر هذا العالم في صورة المخلوقين بحجة من روى أن الله عزوجل خلق آدم على صورته ، (٤) وأنه لاجنة ولانار ولابعث ولانشور ، والقيامة عندهم خروج الروح من قالبه وولوجه في قالب آخر ، إن كان محسنا في القالب الاول اعيد في قالب أفضل منه حسنا في أغلى درجة الدنيا(٥) وإن كان مسيئا أوغيرعارف صار في بعض الدواب المتعبة في الدنيا أوهوام مشوهة الخلقة ، وليس عليهم صوم ولاصلاة ولا شئ من العبادة أكثر من معرفة من تجب عليه معرفته ، وكل شئ من شهوات الدنيا مباح لهم من فروج النساء وغير ذلك من نكاح الاخوات والبنات والخالات وذوات البعولة ، وكذلك الميتة والخمرو الدم ، فاستقبح مقالتهم كل الفرق ولعنهم كل الامم ،

__________________

(١) بكسر الحاء المهملة ثم الزاى المعجمة ، تأتى قصته في كتاب قصص الانبياء.

(٢) في نسخة : مناهج الدين.

(٣) خوى البيت : سقط وتهدم. فرغ وخلا.

(٤) تقدم بطلان هذه الحجة المزعومة وأن المتمسكين بها حذفواصدر الحديث ليوافق مزعمتهم. راجع المجلد الثالث : ص ١١ ـ ١٤.

(٥) في المصدر : في أعلى درجة من الدنيا.

١٧٦

فلما سألوا الحجة زاغوا وحادوا ، فكذب مقالتهم التوراة ، ولعنهم الفرقان ، وزعموا مع ذلك أن إلههم ينتقل من قالب إلى قالب ، وأن الارواح الازلية هي التي كانت في آدم ، ثم هلم جرا تجري إلى يومنا هذا(١) في واحد بعد آخر ، فإذا كان الخالق في صورة المخلوق فبما يستدل على أن أحدهما خالق صاحبه؟ وقالوا : إن الملائكة من ولد آدم ، (٢) كل من صار في أعلى درجة دينهم خرج من منزلة الامتحان و التصفية فهو ملك ، فطورا تخالهم(٣) نصارى في أشياء ، وطورا دهرية يقولون : إن الاشياء على غير الحقيقة ، قدكان يجب عليهم أن لا يأكلوا شيئا من اللحمان ، لان الدواب عندهم كلها من ولد آدم حولوا من صورهم ، فلايجوز أكل لحوم القرابات.(٤)

قال : ومن زعم أن الله لم يزل ومعه طينة موذية(٥) فلم يستطع التفصي منها إلا بامتزاجه بها ودخوله فيها ، فمن تلك الطينة خلق الاشياء قال : سبحان الله وتعالى ما أعجزإلها يوصف بالقدرة لايستطيع التفصي من الطينة؟ إن كانت الطينة حية أزلية فكانا إلهين قديمين فامتزجا ودبرا العالم من أنفسهما ، فإن كان ذلك كذلك فمن أين جاء الموت والفناء؟ وإن كانت الطينة ميتة فلابقاء للميت مع الازلي القديم ، والميت لايجئ منه حي ، هذه مقالة الديصانية أشد الزنادقة قولا وأهملهم(٦) مثلا ، نظروا في كتب قد صنفتها أوائلهم وحبروها لهم بألفاظ مزخرفة من غير أصل ثابت ولاحجة توجب إثبات ما ادعوا ، كل ذلك خلافا على الله وعلى رسله وتكذيبا بما جاؤوا به عن الله ، فأما من زعم أن الابدان ظلمة والارواح نور وأن النور لايعمل الشر والظلمة لاتعمل الخير فلاتجب عليهم أن يلوموا أحدا على معصية ، ولاركوب حرمة ولا إتيان

__________________

(١) في نسخ هكذا : ثم هلم جرا إلى يومنا هذا. وفى نسخة : ثم هى هلم جراتجرى اه.

(٢) في نسخة : إن الملائكة من صلب آدم.

(٣) في نسخة : تختالهم. وفى هامش المصدر حكى عن نسخة : اختالهم.

(٤) قد أخرج المصنف قوله : « عمن قال بتناسخ الارواح » إلى هنا في باب ابطال التناسح ، وله هناك بيان للحديث وابطال للتناسخ راجع ج ٤ ص ٣٢٠ ـ ٣٢٢.

(٥) في هامش المصدر : مؤدية خ ل.

(٦) في المصدر : وأمهنهم مثلا. أى أضعفهم وأحقرهم.

١٧٧

فاحشة ، وأن ذلك على الظلمة غير مستنكر ، (١) لان ذلك فعلها ، ولاله أن يدعو ربا ولا يتضرع إليه ، لان النور رب ، والرب لايتضرع إلى نفسه ولا يستعيذ بغيره ، ولا لاحد من أهل هذه المقالة أن يقول : أحسنت أو أسأت ، لان الاساءة من فعل الظلمة وذلك فعلها ، والاحسان من النور ولا يقول النور لنفسه : أحسنت يا محسن ، وليس هناك ثالث فكانت الظلمة على قياس قولهم أحكم فعلا وأتقن تدبيرا وأعز أركانا من النور ، لان الابدان محكمة ، فمن صور هذا الخلق صورة واحدة على نعوت مختلفة؟ وكل شئ يرى ظاهرا من الزهر والاشجار والثمار والطير والدوات يجب أن يكون إلها ، ثم حبست النور في حبسها والدولة لها.

وأما ما ادعوا بأن العاقبة سوف تكون للنور فدعوى ، وينبغي على قياس قولهم أن لايكون للنور فعل لانه أسير ، وليس له سلطان فلافعل له ولا تدبير ، وإن كان له مع الظلمة تدبير فماهو بأسير بل هو مطلق عزيز ، فإن لم يكن كذلك وكان أسير الظلمة فإنه يظهر في هذا العالم إحسان وخيز مع فساد وشر فهذا يدل على أن الظلمة تحسن الخير وتفعله كما تحسن الشر وتفعله ، فإن قالوا محال ذلك فلانور يثبت ولا ظلمة وبطلت دعواهم ورجع الامر إلى أن الله واحد وماسواه باطل ، فهذه مقالة ماني الزنديق وأصحابه ، وأما من قال : النور والظلمة بينهما حكم ، فلابد من أن يكون أكبر الثلاثة الحكم ، لانه لايحتاج إلى الحاكم إلا مغلوب أو جاهل أو مظلوم ، وهذه مقالة المدقونية ، (٢) والحكاية عنهم تطول.

__________________

(١) في المصدر : وان ذلك عن الظلمة غير مستنكر.

(٢) في نسخة : وهذه مقالة المرقوبية وفى هامش المصدر : المانوية خ ل المتقرنية والظاهر أن الجميع مصحف ، والصحيح : المرقيونية ، أصحاب مرقيون وهم قبل الديصانية ، وهم طائفة من النصارى أقرب من المنانية والديصانية ، زعمت المرقيونية أن الاصلين القديمين النور والظلمة ، وأن ههنا كونا ثالثا مزجهاو خالطها ، وقالت بتنزيه الله عزوجل عن الشرورو أن خلق جميع الاشياء كلهالا يخلو عن ضرر ، وهو مجل عن ذلك ، واختلفوافى الكون الثالث ، فقالت طائفة منم : هوالحياة وهوعيسى وزعمت طائفة ان عيسى رسول ذلك الكون الثالث وهوالصانع للاشياء بأمره وقدرته الا انهم أجمعوا على ان العالم محدث وأن الصنعة بينة فيه لايشكون في ذلك ، وزعمت ان من جانب الزهومات و المسكر وصلى لله دهره وصام ابدا افلت من حبائل الشيطان ، وللمرقونية كتاب يختصون به ، يكتبون*

١٧٨

قال : فماقصة ماني؟ قال : متفحص أخذ بعض المجوسية فشابها ببعض النصرانية ، (١) فأخطأ الملتين ولم يصب مذهبا واحدا منهما ، وزعم أن العالم دبر من إلهين : نور وظلمة ، وأن النور في حصار من الظلمة على ما حكينا منه ، فكذبته النصارى وقبلته المجوس.(٢)

قال : فأخبرني عن المجوس أبعث الله إليهم نبيا؟ فإني أجدلهم كتبا محكمة و مواعظ بليغة وأمثالا شافية يقرون بالثواب والعقاب ولهم شرائع يعملون بها. قال : مامن امة إلا خلافيها نذيروقد بعث إليهم نبي بكتاب من عندالله فأنكروه وجحدوا لكتابه. قال : ومن هوفإن الناس يزعمون أنه خالدبن سنان؟ قال عليه‌السلام : إن خالدا كان غريبا بدويا(٣) ماكان نبيا وإنما ذلك شئ يقوله الناس

قال : أفزردشت؟ قال : إن زردشت أتاهم بزمزمة(٤) وادعى النبوة فآمن منهم قوم وجحده قوم فأخرجوه فأكلته السباع في برية من الارض.

قال : فأخبرني عن المجوس كانوا أقرب إلى الصواب في دهرهم أم العرب؟ قال : العرب في الجاهلية كانت أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس وذلك أن المجوس

__________________

* به ديانتهم ، ولمرقيون كتاب انجيل سماه. قاله ابن النديم في الفهرست : ٤٧٤ ، وترجمهم الشهرستانى في ملله ٢ : ٩١ وقال : اثبتوا قديمين اصلين متضادين : احدهما النور ، والاخرالظلمة واثبتوا أصلا ثالثاهو المعدل الجامع وهو سبب المزاج ، فان المتنافرين المتضادين لايمتزجان الابجامع ، وقالوا : الجامع دون النور في الرتبة ، وفوق الظلمة ، وحصل من الاجتماع والامتزاج هذا العالم اه.

(١) اى خلطها بالنصرانية

(٢) أخرجه المصنف من قوله : « من زعم أن الله لم يزل معه طينة موذية » إلى هنافى كتاب التوحيد في باب التوحيد ونفى الشريك ، وذكر هناك توضيحا وتحقيقا ، فيه بيان لفرق الثنوية و مقالتهم وبطلانه. راجع ج ٣ ص ٢٠٩ ـ ٢١١.

(٣) هكذا في النسخ ، وفى هامش المطبوع : عربابدويا وفى المصدر : عربيا بدويا.

(٤) قال الفيروزآبادى : الزمزمة : تراطن المجوس عندا كلهم وهم صموت لايستعملون اللسان ولا الشفة في كلامهم لكنه صوت تديره في خياشيمها وحلوقها فيفهم بعضها عن بعض. وفى النهاية : في حديث قباب بن اشيم : والذى بعثك ماتحرك به لسانى ولا تزمزمت به شفتاى. الزمزمة : صوت خفى لايكاد يفهم ومنه حديث عمر : كتب إلى بعض عماله في أمر المجوس وانههم عن الزمزمة وهى كلام يقولونه عند اكلهم بصوت خفى.

١٧٩

كفرت بكل الانبياء وجحدت كتبها وأنكرت براهينهاولم تأخذ بشئ من سننها و آثارها ، (١) وأن كيخسرو ملك المجوس في الدهر الاول قتل ثلاثمائة نبي ، وكانت المجوس لاتغتسل من الجنابة والعرب كانت تغتسل والاغتسال من خالص شرائع الحنيفية وكانت المجوس لاتختتن وهومن سنن الانبياء ، وأن أول من فعل ذلك إبراهيم خليل الله وكانت المجوس لاتغتسل موتاهم ولا تكفنها وكانت العرب تفعل ذلك ، وكانت المجوس ترمي الموتى في الصحارى والنواويس(٢) والعرب تواريها في قبورها وتلحدلها وكذلك السنة على الرسل إن أول من حفرله قبر آدم أبوالبشر والحد له لحد ، وكانت المجوس تأتي الامهات وتنكح البنات والاخوات وحرمت ذلك العرب ، وأنكرت المجوس بيت الله الحرام وسمته بيت الشيطان والعرب كانت تحجه وتعظمه ويقول : بيت ربنا ، وتقر بالتوراة والانجيل وتسأل أهل الكتاب(٣) وتأخذ عنهم ، وكانت العرب في كل الاسباب أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس.

قال : فإنهم احتجوا بإتيان الاخوات أنها سنة من آدم قال : فما حجتهم في إتيان البنات والامهات وقد حرم ذلك آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وسائر الانبياء عليهم‌السلام وكل ماجاء عن الله عزوجل.

قال : فلم حرم الله تعالى الخمر ولالذة أفضل منها؟ قال : حرمها لانها ام الخبائث أوليس كل شئ(٤) يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه ولايعرف ربه ولايترك معصية إلا ركبها ولاحرمة إلا انتهكها ولارحما ماسة إلا قطعها ولا فاحشة إلا أتاها ، والسكران زمامه بيد الشيطان إن أمره أن يسجد للاوثان سجد وينقاد حيث ماقاده.

قال : فلم حرم الدم المسفوح؟ قال : لانه يورث القساوة ، ويسلب الفؤاد رحمته ، ويعفن البدن ، ويغير اللون ، وأكثر مايصيب الانسان الجذام يكون من أكل الدم.

قال : فأكل الغدد؟ قال : يورث الجذام. قال : فالميتة لم حرمها؟ قال : صلوات

__________________

(١) في المصدر : وجحدت كتبهم وأنكرت براهينهم ولم يأخذ بشئ من سننهم وآثارهم.

(٢) جمع الناووس والناؤوس : مقبرة النصارى. ويطلق على حجر منقور تجعل فيه جثة الميت.

(٣) في نسخة : أهل الكتب.

(٤) في المصدر : لانها ام الخبائث واس كل شر اه.

١٨٠