موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٧

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٧

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٧٦

والمفتي والسيد أحمد كل واحد سبعة آلاف وخمسمائة قرش صاغ وللقاضي والمفتي لكل واحد منهم عشرة آلاف قرش صاغ فبلغت ٦٣ ألف قرش صاغ ، ومنهم من أهل الذمة واحد من اليهود ، وآخر من النصارى.

وهذه تلقاها الناس إسكاتا لا كرما منه. لأنه يريد أن يحرر مضبطة ويرسلها للدولة العليا ، فإذا طلب أن يختموها فلا يترددون. يحاول أن لا يخالفوا رأيه فيما يريد ..

والملحوظ أن مما ذكر من هدم القلاع وتسريح جيش المهايتة لا يبعد أن يكون قد قصد بها التخويف ، وإيقاع الرهبة ليقوم بأعماله ، ولكن لم يخف على الناس أمره ، فولدوا شغبا ... والحق أنه لم يكن للقلاع شأن إلا المحاصرة لمدة ، فالغاية غير حاصلة منها ، والإمداد لم يكن سريعا .. والحكومة فقدت هذه الفائدة أيضا ، ولا نزال إلى اليوم نشعر بفائدتها ما دامت الدولة تشعر بضعف.

٤ ـ الجيش النظامي :

كانت آمال هذا الوزير مصروفة إلى إيجاد جيش قوي لحراسة المملكة ، والاحتفاظ بكيانها من الأعداء المتربصين لها من كل صوب ، يلتمسون مواطن الضعف. وهذا الأمر قوبل بنفرة من تاريخ تأسيس الجيش النظامي وقانونه فلم يتمكن الولاة من تنفيذه في العراق بالرغم من الجهود المبذولة. وكان الإخفاق حليف هذا الوالي أيضا.

ويوضح نفسية الأهلين في أيامه ما جاء في التاريخ المجهول. قال :

«لا يدرك ـ الوالي ـ شيئا من سياسة الحكومة وخرب ما حول بغداد بعدم تدبيره وغروره ، لأنه أراد من جميع العرب القاطنين حول

١٤١

البلد (عساكر نظام). وهذه الإرادة منافية لطباع العرب الساكنين بنواحي بغداد ، ويفرون منها فرار الجبان من الأسد» اه.

آراء الأهلين كانت بهذه المثابة. ملّوا الظلم ، ولا يريدون أن يخدموا في دولة لا علاقة لها بالشعب ولا يرغبون في تقوية ظلمها عليهم.

وجاء في التاريخ المذكور :

«في يوم الأربعاء ١٣ شوال الساعة ١١ طلع الوزير من بغداد إلى أطراف الحلة ليمهدها ، ويرتب قوانينها وفق الإدارة اللائقة أو على حسب إرادته ، ولم نعرف ما يحدث من مرامه ، وأخذ معه الكهية ، والشيخ بندر شيخ المنتفق المعزول ، ومحمد أمين أفندي كاتب العربية (١) ، وصالح اليهودي ابن دانيل والخلاصة قد أمر على أهل الحلة خمسين نفرا بطريق البدلية ، فضجروا من ذلك ، وأخذوا بالفرار من بلدهم ، ثم استغاثوا به ، فلم يغثهم حتى أنهم قد حرروا عرضا ، وجاء به مقدار مائة رجل فأكثر ، وصاحوا صيحة واحدة فأهالوه ، وأنكر منهم ذلك ، ومع هذا فإن سكنة الحلة ليس عندهم داركة أو معرفة ولا نباهة كنباهة أهل بغداد ، فإنه لما قرأ الفرمان على أهل بغداد ، فرؤساؤهم ووجوه أهل بغداد قد أتوا بأولادهم منقادين طوعا منهم وأدخلوهم في السراي حتى إن المفتي أتى بولده وأدخله النظام ، وكان إذ ذاك المفتي بذاك العصر محمد أفندي الزهاوي.

ومن بعد ذلك لما عاين الوزير امتثال أهل البلد (بغداد) وانقيادهم له ، كل من أدخل منهم ولده. وأتى ببدل عنه رضي بذلك ، وأخرجوا أولادهم. ولما عاين الوزير ضجر أهل الحلة وعدم انقيادهم له وشاهد

__________________

(١) هو محمد أمين العمري المعروف بـ (الكهية).

١٤٢

منهم التكلف ، وهم ضاجون ، صاخبون أمامه في الطريق والأسواق ، أمر بمسك كل من جاء إليه بالعرض وهم كثيرون فمسك منهم مقدار مائة نفر ، وأخذ منهم أربعين نفرا وسرّح الباقي.

فالخلاصة برجاء والي بلدهم القائممقام جعل الذين يؤدون بالبدلية ثلاثة وأربعين نفسا ، والذين مسكهم مقدار أربعين نفسا منهم من بقي في النظام بلا بدل لضعفه ، ومنهم من أتى ببدل عوضا عنه وأطلق نفسه من النظامية.

وعلى أهل الحسين (كربلاء) جعل خمسين نفسا ، وأخذ منهم بالبدلية ثم تحركوا بحركات فاسدة وقتلوا اثنين من أهل البلد ، واحدا من كربلاء وآخر نظام ، وهربوا ، ورأى منهم الغيلة والخباثة ويظهر منهم إشارة خلع الطاعة ، فأمر النظام وأدخل عليهم عسكرا وافرا وأمر بمسك كل من يصادفونه فصادفوا مقدار ثلاثين نفرا فمسكوهم غصبا وأتوا بهم إلى بغداد مقيدين ، ذليلين ، وأدخلوهم إلى النظام.

وجعل على المشهد ثلاثين نفسا ، فلما عاين أهل النجف ما فعل بأهل الحلة وأهل كربلاء أبانوا وجه الطاعة وامسكوا ثلاثين نفسا بدلا عنهم ، وأتوا بهم إلى بغداد بالطاعة والانقياد وخلصوا مما حصل من الوزير على القريتين المذكورتين.

ثم أراد الوزير من الأعراب الذين هم بأطراف الهندية ونواحيها ، ومن الشامية والديوانية ، من أهل الهندية تسعين نفسا ، ومن الديوانية والشامية من الأعراب الذين هم حول الديوانية مائة وثمانون نفسا ، فجميع الأعراب الذين هم بأطراف الحلة خلعوا الطاعة ، وأبانوا المحاربة والقتال ، ونهبوا أموال المترددة لا سيما الخزاعل ، فإنهم قد خلعوا الطاعة ، وكان إذ ذاك الرئيس على أعراب الخزاعل

١٤٣

ومن والاهم مطلق (١) بن كريدي.

ولما أظهروا عدم الطاعة قد سيّر عليهم الوزير عسكرا من بغداد وكان الأمير على العساكر (شبلي باشا) ، ثم أتبعه بعسكر ثان وعليهم الرئيس إسكندر باشا (٢).

والخلاصة أمدهم بأربع دفعات من العساكر النظامية والسوارية (الخيالة) والهايتة ووقعت بينهم حروب دفعات ، وفي الأكثر تكون النصرة للأعراب على عسكر الوزير المذكور إلى أن آل الأمر إلى أن شبلي باشا أراد الصلح معهم وأخبر بذلك الوزير ، فقال له الوزير لا تتصالح معهم إلى أن آتيك» اه (٣).

وفي تاريخ الشاوي ما يكمل هذه الواقعة بتفصيل أكثر مما لا محل لذكره.

ومن هذا النص الحرفي المنقول على علّاته ظهرت الحالة. ولضعف الدولة ، وحاجتها إلى استخدام الجيش في مواطن أخرى سبب كبير في عدم الإصرار على أخذ الجندية. وقد جرت تطورات متوالية في ترتيب الجيش وتنسيقه حتى تكامل. عزمت الدولة على تطبيقه. وإن عمل الوالي لم يكن من تلقاء نفسه. وفي سنة ١٢٦٥ ه‍ طبع (بيان القرعة العسكرية) (٤).

__________________

(١) مر ذكر والده كريدي. والخزاعل ذكرتهم في عشائر العراق ج ٣ ص ٢٤٥.

(٢) إسكندر باشا بولوني جرح في طويريج. ذكره لي الأستاذ فيتولد ريكوفسكي المستشرق البولوني المذكور سابقا.

(٣) التاريخ المجهول.

(٤) طبع باللغة العربية. منه نسخة في خزانة الأوقاف رقم ٤٧٨٤.

١٤٤

حوادث سنة ١٢٧٥ ه‍ ـ ١٨٥٨ م

بقية الحوادث السابقة :

قال المؤرخ المذكور :

«ثم طلع الوزير في المحرم بنفسه ، ومعه جملة عسكر ، ونازلهم إلى أن تنحوا عنه ، ولحقهم إلى أطراف السماوة بلا قتال منه ولا منهم. ثم في آخر المحرم وقعت محاربة بين الأعراب وبين عساكر الوزير ونشبت الحرب فيما بينهم مقدار ست ساعات ، وانتصر الأعراب على العسكر وقتل منهم مقدار خمسمائة نفس ، وقتل القليل من الأعراب ، ثم في اليوم الثاني ارتحل العسكر عن مكانه بأمر الوزير ، ونزل الجربوعية وفي اليوم الثالث ارتحل ونزل هو وعساكره الحلة خائفين ، ولو لم يرحل وجنوده معه لبيتوه ليلا وهجموا عليه وعلى معسكره وأكثروا فيهم القتل حتى إنه لما كان في مقامه الأول وهو وعسكره أمامهم هاجوا عليه في الليل وهجموا على العسكر ، وقتلوا مقدار مائة نفر فأكثر.

ولما ظعن العسكر وهو معهم ودخل الحلة أعلم الناس أنه يريد سد الهندية التي هي مدار قوة العرب لأنه ما زالت الهندية مكسورة لم يقدر عليهم الوزير حيث إنهم يتحصنون بأهوارها وبطائحها ، ويعيشون في أطراف الأراضي البعيدة ولم يتمكن منهم الوزير ولا عسكره ، لأنه يكون ما حولهم من جميع الجهات ماء محيط بهم مقدار ست ساعات ، وبعض الأماكن أكثر. وأمر بإرسال عشرة آلاف جراب وخمسمائة مسحاة لأجل سد الهندية. والدفتردار قائممقام في بغداد قد أمسك بما أراد الوزير من الجربان ...» اه (١).

وهنا تنقطع الحوادث. وقد عرفت الأوضاع ، وأن الوزير علم أنه

__________________

(١) التاريخ المجهول.

١٤٥

لا يتمكن على الأعراب. وأكبر مانعة وجود الأهوار ، فهي عثرة في طريق الجيش.

ولم يكن قد حسب لها حسابها حتى شاهدها عيانا ، وكان يظن أن الجيش الموجود لديه يكفي للقضاء على غائلة العشائر في حين أن القوة وإن كان لا يستهان بها وكافية للتنكيل بهم إلا أن الموانع الأرضية والأوضاع الطبيعية لم تحقق آماله ، فقام بمهمة سد الهندية وأظهر ذلك تعميرا لمغلوبيته ، وفي كل أعماله هذه لم ينجح إلا أنه أبرز قدرة وأظهر شجاعة بالغة الحد ، وليس من الصواب توجيه اللائمة عليه. وإنما كان ذلك منهاج دولته كما تقدم فاختارته إلا أنه لم ينجح.

أخبار الشاه ـ الهماوند :

«في هذه الأثناء وردت الأنباء بأن ناصر الدين شاه وافى إيالة (سنة) بجيش يبلغ عشرين ألفا ، فاضطربت عشائر الحدود العراقية لهذا الحادث. وقلقت راحتهم ، وأن السردار نهض بما تيسر له من الجيش وسار نحو الحدود فورد السليمانية ، وهناك علم برجوع الشاه.

أما الوزير فقد اتخذ وجوده وسيلة للقضاء على غائلة (الهماوند) ، لما قاموا به من سلب راحة الأهلين ، وإيقاع الأضرار بهم من نهب وغصب .. فمضى إليهم الوزير ودمرهم ، كما أنه جنّد ما استطاع تجنيده من لواء شهرزور ، وأقام بمهمة تحكيم القلاع وإنشاء ما يقتضي من تحكيمات في الحدود ، ورتب الأحوال هناك بالوجه المطلوب ..» اه (١).

وهذه القبيلة ضربها السردار الضربة القوية ذلك ما دعا أن تتألم دولته للحادث فغضبت من فعلته. ولعلها كانت تريد أن تماشي هذه القبيلة حذر أن تستغل إيران وضعها ، وتجلبها لجانبها ففاجأه الباب

__________________

(١) مرآة الزوراء ص ١٣٨ ، وبغداد لنجيب شيحة.

١٤٦

العالي بالعزل ولم يوافق على ضربها (١). ولعل تشويش الحالة بسبب الجندية مما أدى إلى عزله فاتخذت قضية الهماوند وسيلة وإلا فإن الهماوند لم يدمروا بل لا يزالون على ما هم عليه. ذكرتهم في كتاب عشائر العراق الكردية (٢).

غزية :

«بعد أن أتم الوزير مهمته في لواء شهرزور علم أن قبيلة غزية عبرت الفرات ، وعاثت في أنحاء بغداد فأحدثت أضرارا كبيرة ، وكثيرة ، وألحقت بالناس خسائر .. وكان قائد الجيش في بغداد علي باشا وهو ابن السر عسكر حافظ باشا وكان أخرق ، عاريا من كل دراية ، غير متصف بصفة الإنسانية .. خاليا من كل لياقة .. وكان عارفا به ، فلم يعتمد عليه ، وفي خلال ثلاثة أيام سار الوزير كالبرق الخاطف بما لديه من الجيش فوصل إلى قرية دللّي عباس وصار يتحرى موطنا من دجلة للعبور على هذه القبيلة ، قال الأستاذ سليمان فائق وفي الأثناء كنت ـ أنا قائممقام خراسان ـ حاضرا هناك لاستقبال الوزير ، فأعلمته أن أولئك العربان مضوا إلى الشامية ، وعبروا الفرات فعادوا ..» اه (٣).

والملحوظ أن غزية متكونة من مجموعة عشائر منها (الحميد) حميرية ، والرفيع ، والبعيج .. وعشائر أخرى ملحقة بها. ذكرتها في المجلد الرابع من عشائر العراق ويعدون في عداد الأجواد. وكانت إمارتهم كبيرة ولها مكانة إلا أن أكثرها مال إلى الأرياف.

__________________

(١) مرآة الزوراء ص ١٣٨.

(٢) عشائر العراق الكردية ص ٧٧.

(٣) مرآة الزوراء ص ١٣٩.

١٤٧

حوادث أخرى :

١ ـ تعمير في مشهد الحسين رض :

قد وسّع الشيخ عبد الحسين الطهراني المرسل من قبل ناصر الدين شاه ابن محمد شاه القجري الضلع الغربي وجدد بناء الصحن الشريف الحسيني. وأنشد الشيخ جابر الكاظمي الشاعر تاريخا لهذا البناء بالفارسية في عدة أبيات ، وله تاريخ بالعربية أيضا (١).

٢ ـ الغلاء وأسعار الأطعمة :

في هذه السنة بل في حكومة السردار الأكرم صار غلاء في بغداد ، فكانت وزنة الحنطة بسعر (٤٥٠) قرشا رائجا ، والشعير بسعر ٣٠٠ قرش رائجا (٢).

وفاة الشيخ عبد الرحمن الطالباني :

من مشاهير شيوخ الطريقة القادرية. وهو ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ محمود. عاش في كركوك وتكيته فيها مشهورة في الطريقة ذكرا كبيرا. وأثنى عليه في سياحتنامه حدود. ومن مؤلفاته (مثنوي) و (ديوانه) و (ترجمة بهجة الأسرار). توفي في جمادى الأولى سنة ١٢٧٥ ه‍. وآل الطالباني معروفون. ذكرته في الأدب التركي والفارسي (٣).

حوادث سنة ١٢٧٦ ه‍ ـ ١٨٥٩ م

عزل الوالي :

انفصل السردار الأكرم عن بغداد ومشيرية العراق والحجاز يوم ٢٧

__________________

(١) التاريخ المجهول ومرآة الزوراء ص ١٣٩.

(٢) مجموعة الكليدار السيد عبد الحسين.

(٣) ترجمته في عثمانلي مؤلفلري وفي كتاب مشاهير الأكراد.

١٤٨

صفر سنة ١٢٧٦ ه‍ (٢٥ أيلول سنة ١٨٥٩ م) (١). على ما جاء في مرآة الزوراء : «إن الوزير في مدة يسيرة وقف على حالة العراق ، واطلع على نفسيات الأهلين ، فعرف خطأه فيما زاوله من الأعمال الجسيمة المختلفة بسرعة وعلى عجل ، فعاد إلى صوابه ، ورجع بحسن تدبير عن بعضها ، وشرع في بعض المهام حسب طبيعة الأمور ومجراها ، وأدرك حالات الموظفين رديئهم وجيّدهم ، وفرق بين الأهلين. ولكن حادث الهماوند كان قد قام به دون استئذان من الدولة ، فقتل بعض أهل الشقاوة منهم ، ذلك ما اتخذه أنداده في استنبول وسيلة للتشنيع عليه مما أدى إلى عزله ودعا إلى عرقلة سير الأعمال» اه (٢).

إن الدولة كانت لها سياسة خاصة مع الهماوند فلم تشأ إضاعتهم ، وأن يخرجوا من يدها فيلجأوا إلى إيران فتخسرهم ، ولها الأمل أن تستخدمهم عند الحاجة ، ولكن الوزير لم يستطلع رأي دولته في ضربهم. فلم يدرك نواياها وعجل بالأمر مما دعا أن تتدارك الحالة بعزله أو جاء هذا ضميمة إلى ما أوجب النفرة من أعمال أضرت بالأهلين.

والسبب الأصلي خذلانه في أمر التجنيد وفي معارك عشائر الديوانية وتلك الأنحاء.

كان خروجه من بغداد في ١٩ ربيع الآخر سنة ١٢٧٦ ه‍ ـ (١٥ تشرين الثاني سنة ١٨٥٩ م) (٣).

والملحوظ أن هذا الوزير كان في أيامه الدفتري مخلص باشا ، و (الكهية) الأستاذ عبد الباقي العمري ، فأخذ مخلص باشا بعض الأعمال المنوطة بالكهية تحكما منه ، فكتب العمري إلى الوزير بعض الأبيات

__________________

(١) مجموعة الآلوسي رقم ٢٥٩١.

(٢) مرآة الزوراء ص ١٣٩.

(٣) مجموعة ابن حموشي.

١٤٩

فاستجلب رضاه ، وأعاد لقلمه الأشغال التي أخذها الدفتري منه (١) ..

وله مقطوعات في مدحه أيضا.

الوالي مصطفى نوري باشا

كاتب السر

وجهت ولاية بغداد إلى عهدة هذا الوزير في غرة ربيع الأول من سنة ١٢٧٦ ه‍. ودخل بغداد في ١٢ شعبان سنة ١٢٧٦ ه‍ (٢).

قال في مرآة الزوراء : «كان السبب في شلّ حركة الحكومة. لا يستطيع أن يكتب اسمه ، ومع هذا يعرف بـ (كاتب السر) فأدى نصبه إلى سلب الأهلين ومالية الدولة. ورد بغداد. وكان لا يعرف إلا الأكل والبلع مادة ومعنى ، فهو شغله الشاغل ، وفي أيام حكمه نحو ١١ شهرا أضرّ بمالية الدولة نحو ثلاثين ألف كيس بلا مبالغة. وكان كتخداه محمد باشا الميرميران واسطة الرشوة. كان لا يتأخر عن الأخذ من مجيدي فضة واحدة إلى ألفي كيس ، وصار قدوة الموظفين في الارتكاب .. وأخبار هؤلاء كانت تلوكها الألسن في المجالس والمحافل ، وحكاياتها تنقل إلى مسامع العالم بواسطة الجرائد .. الأمر الذي دعا إلى أن ترسل الدولة سليمان بك أحد الأمراء العسكريين للتحقيق عن أحواله ، فجاء بغداد ، وفي مدة قليلة أتم مهمته وعاد إلى استانبول .. فكانت النتيجة أن عزل .. فأنقذت مالية الدولة من النهب ، ونجا الأهلون من الارتكاب والغارة ..» اه (٣).

وهنا لا ننس أن الأستاذ سليمان فائق كان عارفا بأحوال الولاة

__________________

(١) ديوان العمري ص ٤٣٠ و ٤٢٧ و ٤٢٨.

(٢) التاريخ المجهول ومجموعة الآلوسي رقم ٢٥٩١.

(٣) مرآة الزوراء ص ١٤٠.

١٥٠

والموظفين. ينطق بالكثير مما لم تتيسر معرفته لمن كان خارج الوظيفة ، أو لم يكن بوظيفة مهمة تستدعي الاطلاع. سرد أحواله .. وأشار إلى ما هنالك من إسرافات ، وبين أن من جملتها ما كان يعطى إلى الوالي من المصاريف السفرية. وهي نحو ألفي كيس ..

البو محمد ـ العمارة

في أيام هذا الوزير أظهر الشيخ فيصل رئيس عشائر البو محمد في لواء العمارة العصيان على الحكومة وكان ذلك اعتمادا على ما حصل بيده من المدافع بواسطة بعض الأمراء الإيرانيين. فعند ذلك أرسل الوالي للتنكيل بهم وتأديبهم أمير اللواء محمد باشا الديار بكري ومعه من الجنود النظامية والهايتة مع المهمات والمدافع وغيرها الشيء الكثير. فأتى إلى المحل الفاصل بين دجلة ونهر الچحلة (الكحلاء).

وكان البو محمد جمّا غفيرا ، فرماهم أمير اللواء محمد باشا بالبنادق والمدافع وفرق جموعهم ، وأنزل الجنود والعساكر في محلهم واتخذه مقرا للأردو أي الفيلق. وإلى الآن يدعو عشائر العمارة ذلك المحل بـ (الأوردي).

فرّ الشيخ فيصل وقومه إلى المحل المسمى بـ (الزير) الواقع على الچحلة وفي وسط أهوار العمارة. وله فيها حصن حصين (قلعة). وفي أطرافها قرية. فلما علم بذلك أمير اللواء ساق الجيوش خلفهم وحاصرهم في قلعتهم واستولى عليها وأخذ المدافع التي بأيديهم وغنائم كثيرة جاء بها إلى بغداد (١).

__________________

(١) تاريخ الشاوي ص ٤٢. وجاء ذكر البو محمد في كتاب عشائر العراق ج ٣ ص ٦١ وفيصل هذا هو ابن خليفة وكان لا يزال في قيد الحياة أيام مصطفى نوري باشا. وما جاء في (موجز تاريخ عشائر العمارة) من أنه توفي سنة ١٢٧٢ ه‍ فغير صواب (ص ١٨).

١٥١

١٥٢

وإن محل الأوردي (الفيلق) بقي محافظا على اسمه مدة. وفي أيام الوزير نامق باشا أعاد الأوردي إلى محله. وهناك تجمع كثيرون. ومن ثم تكونت البلدة باسم (العمارة) ويأتي الكلام عليها.

المنتفق :

إن هذا الوالي من حين وروده نقض ما كان أبرمه رشيد باشا فاستهان بالمنتفق (كذا قيل) ، وعد نفسه قادرا على إخضاعهم متى شاء ، فألغى أن يكون سوق الشيوخ مقرا للجيش .. واتخذ وخامة الهواء وعفونته سببا ، ولم يعرف ما حمله وإلا كان في الإمكان سد الأنهار بصورة محكمة ، والتسلط على المنتفق عند حدوث مخالفة من الشيوخ (١).

أبدى ذلك سليمان فائق بك وقال : والسياسة الصحيحة مكتومة طبعا. وكأنه لا يعرف ضعف الحكومة ، أو أراد أن يستر أمرها وبين أن الوالي دفع الجيوش المرابطة .. وأعاد للمنتفق سلطتهم .. وأرجع إليه ما أخذ ..

قال الأستاذ سليمان فائق : إن الوزير فعل ذلك تبعا لإرادة مخلص الدفتري ببغداد. وبذلك حاول ستر الوضع. فالدولة كلما شعرت بضعف تركت الحالة فلا تعرض نفسها للخطر ، فتقع في غائلة ، ومتى رأت من نفسها قدوة وسلطة تدخلت ..

وحينئذ عهدت بقائممقامية لواء المنتفق إلى منصور باشا السعدون (٢) والقائممقامية تعني المتصرفية إذ ذاك.

__________________

(١) رسالة المنتفق ومرآة الزوراء.

(٢) سليمان بك : رسالة المنتفق ، ومجلة لغة العرب ، والتاريخ المجهول.

١٥٣

حوادث سنة ١٢٧٧ ه‍ ـ ١٨٦٠ م

ولاية أحمد توفيق باشا

أخبر البرق من الموصل بعزل الوالي السابق مصطفى نوري باشا ، ونصب أحمد توفيق باشا. بدأ يعزل وينصب في القائممقامين والموظفين .. وفي ٢٢ شعبان سنة ١٢٧٧ ه‍ ورد الفرمان بالبريد وقرئ علنا في السراي يوم الاثنين بحضور أرباب الحكومة والوجوه حتى المختارين (١). وهذا الوالي كما جاء في مرآة الزوراء ألغى المصاريف السفرية وكانت تبلغ نحو ألفي كيس .. وأنقذ المالية من الإسراف. وللأستاذ عبد الباقي العمري أبيات في نصبه وأخرى في عزله.

وجاء في مرآة الزوراء :

«إن الولاة الذين كانت ترسلهم الدولة لا يعلمون عن العراق ، ولا يجدون من الزمن ما يبصرهم به. بل قد يكونون في حاجة إلى معرفة بعض أسماء الأهلين والموظفين فلم ترسخ في أذهانهم ، وإنما يستدعي ذلك وقتا طويلا فكيف يتمكنون أن يقفوا على أحوال العراق وعاداته ومصطلحاته ، وهو في كل أمر من أموره يباين الممالك الأخرى .. فلا يستطيع الوالي هذه المعرفة للاتصال بالأهلين خلال مدة ولايته ، وإذا كانت البلدان الأخرى متماثلة ، فالعراق ليس كذلك .. وإن الوالي أحمد توفيق باشا كان قائممقاما مدة ، ودام في رئاسة الجيش نحو سنة. فكان عارفا بالمهمة ، وله كفاءة وقدرة على العمل إذ كان يتطلع للمصلحة من طرف خفي ، ويعلم بالنافع والضار .. فجاء المنصب عن خبرة فاتصل به مباشرة اتصال عارف .. فمنع الإسراف في المالية وأزال الحيف الذي أجراه الوالي السابق في الالتزامات وتوقى المصاريف الزائدة فاقتصد

__________________

(١) التاريخ المجهول.

١٥٤

كثيرا. وفرّ نحو عشرين ألف كيس سنويا للخزينة في خلال شهرين ..

ووردت إليه الأوامر السلطانية مشعرة بلزوم التحقيق عما أخذه الوالي السابق ، وإظهار ما عمله ، ليعلم الناس أن غرض الدولة العدل ، والعمل لهدم كل باطل ، بلا تحاش ولا محاباة .. أما أعضاء المجلس فلا تؤمل منهم الفائدة ، وبينهم الجاهل أو الغافل أو المداري الذي يميل مع الأهواء .. أزال مثل هؤلاء فحلّ المجلس ، ونقّاه من المغرضين الذين لا يعرفون إلا مصالحهم الذاتية ، ولا يبالون بالمصالح العامة. والأهلون قد أدبتهم التجارب ، بل أفسدت أحوالهم لما رأوا من أراذل جاروا واعتسفوا ، فلم يكن لهم بدّ من المماشاة فأفسدوا أخلاقهم ، أو رضوا بالبداوة ووحشتها فصاروا لا يميلون إلى الحضارة .. والحوادث المنسية أكثر مما عرف ودوّن ، فكانت أضرار العراق كبيرة جدا ، لا تعوّض بوجه ..» اه (١).

وهل كان في استطاعة هذا الوالي أن يعمر ما دمرته العصور ، أو ينقذ القطر من الورطة التي أصابته؟ كنا نود أن نسمع مثل هذه اللفتات والتألمات المقرونة بذكر أعمال أولئك الولاة الطغاة لنعلم الحالة وإنما اعتاد أن يلتفت عند ذكر كل وال جديد إلى بيان أحوال الماضين وفي هذا ما يكفي للمعرفة.

الخط البرقي :

وكان يسمى بـ (الخط التلغرافي) ومحله (التلغرافخانه) أي إدارة البرق. وهذا الوالي أحمد توفيق باشا قد جرى في أيامه تأسيس (إدارة البرق) وكان ذلك في سنة ١٢٧٧ ه‍ ولم تتم المخابرة إلا سنة ١٢٨٢ ه‍.

__________________

(١) مرآة الزوراء ص ١٤٢.

١٥٥

المنتفق :

جرت في أيام توفيق باشا المزايدة بين الراغبين في المشيخة وهم الشيخ منصور ، والشيخ بندر الناصر الثامر السعدون ، فأسندت إلى الأخير منهما في ٢٠ شوال سنة ١٢٧٧ ه‍ ببدل سنوي قدره ٤٩٠٠ كيس ، والكيس يعتبر خمسمائة قرش (١).

الثلج أو الوفر :

في هذه السنة أمطرت السماء (الثلج) وهو المعروف عندنا بـ (الوفر). ولم يكن يعهد مثل هذا من زمان بعيد (٢).

التحقيق عن أسباب عزل مصطفى نوري باشا :

جاء التاريخ المجهول عن سبب عزله ما نصه :

«من جملة الأسباب الظاهرة عيانا (كهيته) الذي هو زوج كريمته ، فإن الكهية كان متجاهرا بأخذ الرشوات ظاهرا بلا مبالاة ، وقد اطلعوا على رشواته عيانا ، وقد تحررت مضبطة من جانب بغداد بتدبير توفيق باشا مشعرة بقبول هذا الكهية الرشاوى وأخذها جهرا ، وعرضت لدى حضرة السلطان عبد المجيد فقطع رأيه وأرباب مجلسه بعزله ، وجاء مصرحا في المضبطة أن نوري باشا يعلم بقبول الرشوات من الكهية ، يأخذها من الأهالي ومن ذوي المناصب والقائممقامية وغيرهم ، فلأجل هذا قد عزلوه .. وقد تصرح من أخذ الرشاوى عند توفيق باشا أن الكهية المعزول قد رتبوا دفترا بما أخذه من شيوخ العرب والقائممقامية ورؤوس العساكر الموظفة لا النظامية ستة عشر ألف كيس حساب إسلامبول.

__________________

(١) رسالة المنتفق.

(٢) مجموعة السيد عبد الله الآلوسي. و (الوفر) من (برف) الفارسية وهو لغة قسم كبير من الأكراد ينطقون به (وفر). والواو تنوب كثيرا عن الباء.

١٥٦

وفي شهر رمضان المبارك قدم من الدولة العليا عطا بك الملقب بالكاشف على المحاسبة مع الكهية المعزول وإثبات الرشاوى ، وصار القرار يخرجونه بعد العيد من الحبس لأنه محبوس في أودته (غرفته) التي كان يتعاطى بها الحكومة ، وعليه حرس اثنان نظام ، يخرجونه على إثبات الرشاوى وغيرها وبقي محبوسا ثمانية أشهر ، ثم أطلق» اه (١).

وفي سجل عثماني أنه أي مصطفى نوري باشا ابن حسن آغا المقيم في قنديللي .. مات أبواه وهو صغير ، فرعاه زوج جدته جعفر آغا ، وكان حارسا قصر كوكصو .. وفي سنة ١٢٢٨ ه‍ استخدم في البلاط الداخلي ، ثم دخل دائرة الخزينة السلطانية ، فنشأ هناك .. حتى أنه في ذي الحجة سنة ١٢٣٨ ه‍ صار كاتب السر ، ثم ولي ولايات عديدة ومناصب ، وفي أوائل سنة ١٢٧٦ ه‍ صار واليا ببغداد ، ومشيرا لفيلقها. وفي أوائل سنة ١٢٧٧ ه‍ عزل ، ودخل في الأعيان الكرام ، وتوفي في أوائل سنة ١٢٩٦ ه‍ ، وكان شيخ الوزراء ، ومستقيما (٢) ..

وفي تاريخ عطاء أنه بعد انفصاله من بغداد التزم التقاعد ، وقال إنه متق ، صادق ومستقيم ، وهو من الأخيار في دينه ، ومخلص لدولته (٣) ..

ومن هذا يفهم أن ما اتّهم به غير صحيح ، وأن ذلك كان من الوالي اللاحق. فبعثت الدولة بعض رجالها من حقق فكشف عن براءته.

__________________

(١) التاريخ المجهول.

(٢) سجل عثماني ج ٤ ص ٤٨٣.

(٣) تاريخ عطاء ص ٢ ـ ٤ ـ وأسهب في ترجمته.

١٥٧

حوادث سنة ١٢٧٨ ه‍ ـ ١٨٦١ م

عزل الوالي أحمد توفيق باشا :

يوم الثلاثاء ٢٥ ربيع الأول سنة ١٢٧٨ ه‍ جاء البرق مخبرا بعزله. وفي يوم الخميس ١٥ رجب سنة ١٢٧٨ ه‍ ضحوة توجه إلى استنبول ، وشيّعه الأعيان وجملة من الباشوات والقائممقام الحالي منيب باشا متصرف البصرة.

كان نشأ في الجيش ، فصار ميرالاي ، ومير لواء ، وفريقا. وفي سنة ١٢٧٦ ه‍ صار رئيس الفيلق السادس ببغداد ، وفي رجب هذه السنة حصل على منصب ولاية ببغداد ، ومشيرية الفيلق السادس برتبة الوزارة. ثم انفصل وتقلد مناصب أخرى عديدة. وتوفي في ١٣ ربيع الأول سنة ١٢٩٥ وقد سمع أنه سيّئ الحال (١).

محمد نامق باشا

(وزارته الثانية)

نال منصب بغداد للمرة الثانية ببرقية وردت. ويعرف عندنا بـ (نامق باشا الكبير) ، كان قد جاء قبل ذلك في قضية كربلاء لما أن فتحها نجيب باشا. فتكون ولايته هذه ثالث مرة من مرات مجيئه إلى بغداد.

وفي جمادى سار من استنبول في باخرة قاصدا بلدة حلب. وفي يوم الأحد ٢ شعبان من هذه السنة دخل بغداد (٢) ، وصلى في حضرة الإمام الأعظم وفي اليوم الثاني من قدومه عهد بمنصب (الكهية) لمحمد

__________________

(١) سجل عثماني ج ١ ص ٣٠٤.

(٢) مجموعة السيد محمود حموشي دخل بغداد يوم الأحد ٣ شعبان. وفي رسالة سليمان فائق أنه ورد بغداد في ٣ شوال.

١٥٨

أمين المفتي ببغداد. وفي اليوم الثالث عزل تفكجي باشي الحاج أحمد آغا (١) وجعل بدله الحاج علي آغا أحد أتباعه. كان قادما معه من استنبول.

وكان هذا الوالي يحمل رتبة (مشير) في الدولة العثمانية (٢).

وللسيد شهاب الدين الموصلي في وزارته قصيدة.

جاء في تاريخ جودت باشا أنه نال منصب المشيرية للمدفعية العامرة ، وتقلّب في مناصب أخرى عديدة منها أنه قلد منصب (سرعسكر) ومنه نقل إلى ولاية بغداد بانضمام مشيرية العراق والحجاز في ٢٤ من شهر ربيع الأول سنة ١٢٧٨ ه‍ وفي سنة ١٢٨١ ه‍ منح الوسام المرصع ، وألحقت ببغداد شهرزور والموصل والبصرة. تولى أمورها العسكرية والمالية بالاستقلال. وفي سنة ١٢٨٤ نال للمرة الثانية منصب (سر عسكر).

وهكذا تقلّد مناصب عديدة ، وعمّر طويلا. وفي كل مهماته ومناصبه راعى الاستقامة والعفة إلا أنه كان ممسكا ، مشتهرا بالبخل ، ومما جمعه من رواتبه وتراكم لديه تكونت ثروة طائلة ، ويعد من مثري العصر .. وهو من أهل الوقوف والعلم بالأمور لكنه يتصلّب في رأيه ، ولا يلين لآراء الآخرين. وكان في بداية أمره يعد من المتفرنجين إلا أنه مال مؤخرا إلى مشايخ الخلوتية. وسلك طريقتها ، فالتزم طريق الزهد والصلاح .. وواظب على الصلوات المفروضة (٣). والخلوتية لا تكتفي

__________________

(١) الحاج أحمد آغا. هذا هو المعروف بـ (الآغا) وهو الذي تنقل حكايات في ظلمه وعسفه. وكان مملوك (أحمد آغا) والد الحاج حسن بك الكوله مند (والد كامل وكمال ومدحت).

(٢) نجيب شيحة.

(٣) تاريخ جودت باشا ج ١٢ ص ١٩٤.

١٥٩

بالزهد وحده. وإنما لها دخائل الغلاة.

وهذا الوزير كان قد خطب بأهل بغداد بعد قراءة الفرمان ، فذكر أنه سوف يعمل بشدة في حق من يحاول الإخلال بالأمن ، أو يعيث بالراحة كما أنه لا يتقرب إليه إلا من كان يحسن عملا ..

حصر اهتمامه في مالية الولاية وكانت في حالة فوضى لا توصف ، وصنع للخزانة ثلاثة مفاتيح وضع أحدها لدى أمين الصندوق ، وآخر عند الدفتري ، وثالثا احتفظ هو به. وأوصى أن تقدم إليه لائحة يومية يفصل فيها الوارد والمصروف ، ومنع من الصرف بدون إذنه ، وأفرز من المبالغ الاحتياطية قسما لإصلاح حالة الجيش في بغداد ، ودفع بانتظام رواتب الأفراد وسائر موظفي الدولة ، ومن جراء اقتصاده حمّل قافلة من البغال في رأس كل شهر بمبالغ طائلة إلى استنبول. فسرّ السلطان بها ، وأمر أن يشيد بها قصره. وكأنه جاء بغداد للقيام بهذه المهمة.

ومما يحكى أنه كان يجمع المبالغ ، ويقرأ كل يوم دعاء عند الخزانة يطلب من الله تعالى دوامها وحراستها وزيادتها صباح مساء فتكون لديه مجموع عظيم فأرسله لبناء القصر المذكور.

ومن أعماله أنه شرع بإنشاء (الثكنة) وتعرف بـ (القشلة) ، وأن مدحت باشا أكملها ، وأتم إنشاءها.

وفي أيامه وصلت الباخرتان (بغداد) و (البصرة) إلى بغداد ، وأودعت إدارتها إلى رئيس أطباء الجيش.

وكان في سنة ١٨٥٩ م ـ ١٢٧٥ ه‍ حصل الإنكليز على امتياز في تشغيل البواخر في نهري دجلة والفرات فلم يحلّ عام ١٨٦١ م حتى كان للإنكليز مركب يقال له (لندن). والظاهر أن هذا كان بعد أن تم السماح لهم أيام علي رضا باشا اللاز بالوجه المذكور ..

١٦٠