ميراث محدّث اُرمَوى

سيّد جعفر اشكورى

ميراث محدّث اُرمَوى

المؤلف:

سيّد جعفر اشكورى


المحقق: سيّد احمد اشكورى ـ سيّد صادق اشكورى ـ سيّد جعفر اشكورى
الموضوع : دليل المؤلفات
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ٠
ISBN: 964-493-212-9
الصفحات: ٣٨٤

لأخبرتكم بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة.

فإذا عرفت ذلك فاعلم : أن علامات ظهور حجة العصر ـ عجل الله تعالى فرجه ـ بعضها غير محتومة قابلة للبداء ، وبعضها محتومة ؛ ففي البحار (١) عن الكافي عن عمر بن حنظلة قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : قبل قيام القائم خمس علامات محتومات : اليماني ، والسفياني ، والصيحة ، وقتل النفس الزكية ، والخسف بالبيداء.

وفيه (٢) عنه أيضاً عن الثمالي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن أبا جعفر كان يقول : إن خروج السفياني من الأمر المحتوم. قال لي : نعم ، واختلاف ولد العباس من المحتوم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، وخروج القائم من المحتوم. فقلت له : فكيف يكون النداء؟ قال : ينادي مناد من السماء أول النهار : ألا إن الحق في علي وشيعته ، ثم ينادي ابليس ـ لعنه الله ـ في آخر النهار : ألا إن الحق في السفياني وشيعته ، فيرتاب عند ذلك المبطلون. انتهى.

فالمستفاد من هذه الأخبار أن بعض العلامات محتومة غير قابلة للبداء ، كما أن أصل خروج القائم عليه‌السلام أيضاً من المحتومات غير قابلة للبداء. ولكن التوقيت ربما كان قابلاً للبداء ؛ كما يُستفاد من جملة من الأخبار ، كما في البحار (٣) عن غيبة الطوسي «قده» (٤) عن الثمالي قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إن علياً كان يقول : إلى السبعين بلاء ، وكان يقول : بعد البلاء رخاء ، وقد مضت السبعون ولم نر رخاءً؟ فقال أبو جعفر عليه‌السلام : يا ثابت ، إن الله تعالى ان وقّت هذا الأمر في السبعين ، فلما قُتل الحسين اشتد غضب الله على أهل الأرض ، فأخّر إلى أربعين ومئة سنة ، فحدّثناكم فأذعتم الحديث وكشفتم قناع الستر فأخره الله ، ولم يجعل له بعد ذلك وقتاً عندنا ، (يَمْحُو اللَّـهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (٥). قال أبو حمزة : وقلتُ ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : قد كان ذلك. انتهى.

بل يظهر من بعض الأخبار تكذيب التوقيت والنهي عنه ، كما في البحار ٦ عن غيبة

__________________

١. بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٢٠٤ ، ح ٣٤ ؛ كمال الدين ، ص ٦٥٠ ، ح ٧.

٢. بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٢٠٦ ح ٤٠ ؛ كمال الدين ، ص ٦٥٢ ، ح ١٤ ؛ الغيبة للطوسي ، ص ٤٣٥ ، ح ٤٢٥.

٣. بحار الأنوار ، ج ٤ ، ص ١١٤ ، ح ٣٩.

٤. الغيبة للطوسي ، ص ٤٢٨ ، ح ٤١٧.

٥. سورة الرعد ، الآية ٣٩.

٦. بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١١٩ ، ح ٤٨.

١٤١

النعماني (١) عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : جُعلت فداك ، متى خروج القائم؟ فقال : يا أبا محمد ، إنا أهل البيت لا نوقّت وقد قال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كذب الوقّاتون» ، يا أبا محمد إن قدّام هذا الأمر خمس علامات : أولهن النداء في شهر رمضان ، وخروج السفياني ، وخروج الخراساني ، وقتل النفس الزكية ، وخسف بالبيداء ، ثم قال : يا أبا محمد ، إنه لابدّ أن يكون قدّام ذلك الطاعونان : الطاعون الأبيض ، والطاعون الأحمر. قلت : جُعلت فداك أي شيء الطاعون الأبيض؟ وأي شيء الطاعون الأحمر؟ قال : الطاعون الأبيض الموت الجارف ، والطاعون الأحمر السيف ، ولا يخرج القائم حتى ينادى باسمه من جوف السماء في ليلة ثلاث وعشرين ليلة جمعة. قلت : بم ينادى؟ قال : باسمه واسم أبيه : ألا إن فلان بن فلان قائم آل محمد ، فاسمعوا له وأطيعوه ، فلا يبقى شيء خَلَقَ الله فيه الروح إلا سمع الصيحة ، فتوقظ النائم ويخرج إلى صحن داره ، وتخرج العذراء من خدرها ، ويخرج القائم مما يسمع ، وهي صيحة جبرئيل. انتهى.

هذا كله ، ولكن ورد في بعض الأخبار ما يستفاد منه التوقيت :

منها : رواية أبي لبيد المروية في البحار (٢) عن تفسير العياشي (٣) عن الباقر عليه‌السلام ، ونحن أغمضنا عن ذكرها ؛ لإجمال واضطراب فيها.

ومنها : رواية بخط مولانا العسكري عليه‌السلام المروية في البحار (٤) عن كتاب المحتضر للحسن بن سليمان تلميذ الشهيد ، وحيث إنّ المنقول في البحار عن المحتضر مختصر (٥) ، وتمام الحديث منقول في أواخر كتاب بشارة الشيعة للفيض «قده» هكذا : قد صعدنا ذُرى الحقائق بأقدام النبوة والولاية ، ونوّرنا سبع طبقات أعلام الفتوى بالهداية ، فنحن ليوث الوغى وغيوث الندى وطعناء العدى ، وفينا السيف والقلم في العاجل ، ولواء الحمد في الآجل ، وأسباطنا حلفاء الدين وخلفاء النبيين ومصابيح الاُمم ومفاتيح الكرم ، فالكليم ألبس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء ، وروح القدس في جنان الصاغورة ذاق من حدائقنا الباكورة ، وشيعتنا الفئة الناجية والفرقة

__________________

١. الغيبة للنعماني ، ص ٢٨٩ ، باب ١٦ ، ح ٦ ؛ وانظر : معجم أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام ، ج ٣ ، ص ٤٧٢ ، ح ١٠٣٦.

٢. بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٠٦ ، ح ١٣.

٣. تفسير العياشي ، ج ٢ ، ص ٣ ، ح ٣ ؛ الصافي ، ج ١ ، ص ٩٠.

٤. بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٢١ ، ح ٥٠.

٥. إلّا أنه روى العلامة المجلسي تمام الحديث في البحار ، ج ٢٦ ، ص ٢٦٥ ، ح ٤٩.

١٤٢

الزاكية ، صاروا لنا رواءً وصوناً وعوناً ، وسينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النيران لتمام «الم وطه والطواسين».

وقد نقل هذه الرواية في علائم الظهور للفاضل الكرماني عن الفاضل المرندي في مجمع النورين (١) ، ولكن في آخره كذلك : لتمام الروضة والطواسين من السنين. وقد فهم من «الطواسين» مسميات تلك السور من دون عدّ واو العاطفة واللام في «الطواسين» ، والتاء في «الروضة» هاء هوز. إلى غير ذلك من التكلفات ، وقد وافق حسابه سنة ألف وثلاثمئة وتسع وعشرين (١٣٢٩) بهذا التقريب في المحاسبة :

رض

ل

اوهـ

ط ط ط

س س س

م م

جمع

١٠٠٠

٣٠

١٢

٢٧

١٨٠

٨٠

١٣٢٩

والفاضل الكرماني بعد حذف لام التعريف كليهما وكذا واو العطف قد استخرج الحساب من ملفوظي كل حرف على طبق سنة ثمان وثمانين وثلاثمئة وألف من الهجرة ، وحسابه هكذا :

(راء واو ضاد هاء طاء واو الف سين نون)

ولا يخفى أن الحساب لا يتم إلا بعدّ الحروف المسرورية ثلاثية كالملفوظية ، وإن كان هذا خلاف اصطلاح المشهور ؛ فإنّ علماء الحروف قد قسموها على ثلاثة أقسام ؛ لأنها إما ثنائية أو ثلاثية ، فمثّلوا للثنائية بمثل «با تا طا ـ الخ» وسموها مسرورية ، أما الثلاثية فإن كانت متجانسة بالصدر والذيل كالميم والنون والواو فتسمى المكتوبية ، وإلا فملفوظية كالدال والجيم.

وكذلك كان فالأوقات المضروبة في هذه الرواية ـ على ما فهمه الفاضلان المذكوران ـ مضافاً إلى أن الأول قد مضى ولم يظهر منه عليه‌السلام أثر ، والثاني بعيد لا نرضى به لما بعد وتأخر مبنية على كون النسخة «روضة» ، والذي نقلناه من نسخة البحار ونسخة الفيض «قده» خلافه ، وهو الأنسب للسياق ؛ حيث إن «الروضة» لا تناسب فواتح السور.

ومن المحتمل قريباً ـ بل هو الظاهر ـ الاشتباه في الخبر ؛ لكونه من قبيل المكاتبات ، واللفظان مشتبهان في الخط ؛ فإن «الروضة» تشبه «الم وطه» ، [لا] سيما إذا كتب الميم ريحانياً ولم يتبين رأسه المدور ، كما لم يتبين ألف الطاء المؤلفة.

والذي يناسب في تعيين الوقت وذكر معنى الخبر ما ذكره الفاضل الخبير الحاج نجم

__________________

١. مجمع النورين ، ص ٣٠٦.

١٤٣

الممالك زيد إقباله في صدر تقويم سنة ١٣٤٣ بعنوان «القابل لتوجه العموم» ، وقد نقلتُ عبارته بالعربية ، قال :

لعلماء فن النجوم قواعد في القرانات كما قاله بطلميوس في ثمرة الفلك ، وأوقع القرانات أثراً قران المشتري وزحل ، ولكنا نعتقد أن أوضاع العلويات آثار لا مؤثِّرات ؛ إذ لا مؤثِّر في الوجود إلا الله تعالى ، ويتفق أصغر القرانات في كل تسع عشرة سنة أو عشرين ، منها ما وقع في سنة ٨٨١ الناقصة الرومي وسنة ٧٥٠ الفرانسوي في برج العقرب ، وكان دالاً على ملة الإسلام ، فلم يلبث أن طلع نجم السعادة خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي سنة ١٣١٩ وقع قران أصغر في برج الجدي فلم يمض مدة حتى وقع الحرب بين الروس والژاپون (اليابان) ، ومنها القران الواقع في شهر محرم سنة ١٣٤٠ الهجرية في برج السنبلة.

وقد رقم الحقير نظرياتي من دلائل التسييرات والانتهارات في تقويم تلك السنة ، وأنه لا يخلو العالم من الانقلاب وسفك الدماء وهدم العمارات وسوق الجيوش وذلة بعض السلاطين وضعف في الإسلام وكثرة الجور إلى سبع سنين ، ففي سنة ١٣٤٧ يتسلط شخص عظيم مؤيَّد من عند الله وينقاد له الجبابرة طوعاً أو كرهاً ، ويصح حال العامة وتعمير البلاد.

وفي السنة الماضية في سفر الحج لقيتُ واحداً من أجلة العلماء المتشرعين ، فتذاكرنا في هذا الموضوع ، فقال العالم : قد رأيت في كتاب الدرة الباهرة في الأصداف الطاهرة للشهيد المكي رواية أن العسكري عليه‌السلام قال في مجلس تعزية أبيه الهادي عليه‌السلام لرجل من شيعة أبيه بعد إظهاره الحزن والكآبة من جور الحكام والسلاطين في مقام التسلية ، فقال بعض الكلمات إلى أن قال : وسينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النيران لتمام «الم وطه وطواسين» من السنين. انتهى.

فأخذنا العدد الكبير والوسيط والصغير والمجموع حسب رأي العالم فلم يطابق المستخرجة ، فتوسلتُ تلك الليلة فانتقلتُ إلى المطلب ، فأصبحت وقد أخذت الزبر والبينات فوجدتها موافقة للمستخرجة ، فأخبرت العالم ورفقائي فكتبوه ، وها أنا أرقمه في هذا ال تقويم لأحبتي وإخواني بحيث يلتفت إليه كل أحد ، فزبر الحروف (٢٥٢) وبيناتها (٨٤١) ومجموعها (١٠٩٣) ، وكان قد مضى يوم إخباره عليه‌السلام من الهجرة (٢٥٤) ، فمجموع الأعداد (١٣٤٧) ، فهو المطلوب. وليس واو العطف جزء الحروف في الحساب ، فيطابق

١٤٤

ذلك ما استخرجه الخواجة نصير الدين الطوسي «قده» على ما نقله المرحوم المحدث النوري ـ طاب ثراه ـ في النجم الثاقب :

(در دور زحل خروج) مهدى است

(جرم ودجل ودجاليان است)

(در آخر واو واول زاء)

چون نيك نظر كنى همان است)

انتهى ما في التقويم.

أقول : وقد خطر ببالي في الحساب وجهان ، كل منهما خلاف الظاهر من وجه :

فالأول : أن يحاسب الزبر أولاً كما أشار إليه وعيّن مقداره مئتين واثنين وخمسين (٢٥٢) ، والحساب هكذا : فإن «ا ل م ط هـ ا ل ط وا س ى ن» مجموع الآحاد اثنان وثلاثون ، ومجموع العشرات مئتان وعشرون ، ثم تؤخذ البينات لهذه الحروف مع الزبر أيضاً ، فيتم العدد المعطى (٨٤١) ؛ حيث إن ال زبر لكل حرف أو الملفوظ ، والبينات هي البواقي ، وهو الحروف ، بينات الحروف «ل ف ا م ى م ا ا ل ف ا م ا ا ول ف ى ن ا ون» السابقة آحادها تسعة ، عشر ، والعشرات خمسمئة وسبعون ، والمجموع (٥٨٩) ، وبعد زيادة الزبر فالمجموع ثمانمئة وواحد وأربعون هكذا : ، أما كونه خلاف الظاهر فإن ظاهر العبارة المحكية كون البينات (٨٤١) لا مع الزبر.

أما الوجه الثاني : فهو أبعد من الوجه الأول ، وهو أن يلاحظ الألفان في «طه» كل وححد ملفوظاً مستقلاً ، وكذا يحاسب الواوان للعطف ، مضافاً إلى أن بينات الطاء والهاء والياء اثنان لا واحد ؛ لأن ملفوظ الطاء في اللسان العربي بالألفين ، وكذا الياء والهاء ، فيتم الحساب حينئذ.

وبعبارة اُخرى : فإنا نحتاج في إتمام العدد إلى اثنين وخمسين ومئتين ، فالألفان الملحوظان في «طه» بالاستقلال مئتان واثنان وعشرون ، والواوان ستة وعشرون ، وبزيادة الأربعة لأجل همزات أواخر الطاء والياء والهاء يتم عدد مئتين واثنين وخمسين.

أما كونه خلاف الظاهر فمن وجهين :

أحدهما : أن الزبر بعد زيادة واوي العطف والهمزتين في ألف الطاء والهاء يصير المجموع مئتين وستة وستين وقد عدها (٢٥٢).

وثانيهما : أن واوي العطف قد أخرجهما عن الحساب ، وعلى ما ذكرنا فهما داخلان في

١٤٥

الحساب. إلا أن يُعتذر عن ذلك بإمكان التباس أداة الإثبات بأداة السلب في الفارسية ؛ فإن اللفظتين متشابهان في الخط «هست» و «نيست».

ثم لا يخفى : أن الذي كان يلزم حسب الوظيفة المناسبة لعلم النجوم أن يبين المقصود من الشعر المنسوب إلى الخواجة «قده» ، ولكنه كما قال الشاعر :

از بس كه منعكس شده اوضاع روزگار

كبك از محيط خيزد وماهى ز كوهسار

لم يحم حول بيانه. نعم قد تعرض الفاضل الكرماني في كتابه «علائم الظهور» بما حاصله :

إن زحل يتم الدورة في واحد وعشرين ونصف سنة إلا يوماً ، ولفظ «زحل» خمس وأربعون ـ قال ـ : إنه مضى من الهجرة في زمان تأليف الكتاب ـ وهو سنة الثلاثين وثلاثمئة وألف ـ الخمس وأربعون ، ودخلنا في السادسة والأربعين ، فبين الست والسبع ـ كما هو مفاد «در آخر واو اول زاء» ـ رجاء الراجين.

ولا يخفى أن هذا الحساب لا يوافق ما ذكره ، بل يكون المجموع تسعمئة واثناان وعشرون سنة ونصفاً ، وأين هذا مما رامه. مع أن مسير زحل ليس على ما ذكره ، بل في كل يوم وليلة دقيقتان ، وفي كل سنة اثنتا عشرة درجة تقريباً ، ففي كل ثلاثين سنة تتم الدورة تقريباً ، فيوافق الحساب سنة خمسين وثلاثمئة وألف. وهو قريب مما نقل عن المرحوم الميرزا محمد الأخباري : أن تاريخ ولادته «نور» ، وتاريخ غيبته «سر» ، وتاريخ ظهوره «ظهور الحق» ، وهو يوافق «ظ هـ ور ا ل ح ق ق» سنة خمسين وثلاثمئة وألف ، أو تسع وأربعين من جهة الألف المكتوبة غير الملفوظة.

ولا يخفى أن توجيه الفاضل الكرماني لبيت الخواجة في باب التوقيت ـ كما عرفت ـ لا يطابق ما رامه على شيء من موازين الحساب أو النجوم ، كما أن توجيهه للبيت الآخر منه في مقام التوقيت حيث قال :

در الف وثلاثين دو قران مى بينم

در مهدى ودجال نشان مى بينم

يا ملك شود خراب يا گردد دين

سرى است نهان ومن عيان مى بينم

أيضاً لا يناسب ولا يوافق أصلاً من الاُصول ولا يطابق شيئاً من الموازين ، وهذا عين

١٤٦

عبارته الفارسية : شديد معنى مصرع اول اين باشد : در الف وثلاثين دو حرف قاف وراء را الآن مى بينم كه هزار وسيصد وسى مى گردد. انتهى. ضرورة سماجة هذا المعنى عند المتأمل الفطن المتدرِّب بأساليب الكلام ؛ إذ لا يقال حينئذ «د وق ر ا ن» بل يك قران.

مع أن هذا لا يلائم النسخة الاُخرى ، على ما سيأتي حكايته منه في أواخر كتابه حيث قال ناقلاً عن جناب الميرزا جهانبخش المنجم باشي أن الصحيح «سه قران» وما في الكشكول «دو قرآن مى بينم» غلط ، والمقصود أن في سنة ألف وثلاثين شمسية المطابقة لسنة ألف وثلاثمئة وتسعة عشر هجرية قمرية «أرى ثلاثة قرانات» ، وقد وقع في تلك السنة : القران الأول قران العلويين في برج الجدي في نصف شعبان ١٣١٩ ، والثاني في شهر رمضان قران النحسين في برج الجدي أيضاً ، والثالث قران السعدين في شهر رمضان ١٣١٩ كما ذكرنا في تقويم تلك السنة.

وأما تعيين الخواجة «قده» سنة ألف وثلاثين المنطبق على سنة اثنتين وعشرين وثلاثمئة وألف ، وقد وقع القران في سنة تسعة عشر ؛ لأن الخواجة قد لاحظ الحركة الوسطية والقران بحسب الحركة التقويمية والحقيقية. انتهى.

وتوجيه الانطباق : أنّ في كل اثنين وثلاثين سنة شمسية تزيد سنة قمرية تقريباً ، فيكون ألف وثلاثون شمسية ألفاً واثنين وستين تقريباً ، ومع زيادة مئتين وستين إلى الغيبة الصغرى ، فيصير : ألف وثلاثمئة واثنان وعشرون.

هذا ، ولكن الإنصاف أن يكون المراد الخواجة من القران غير هذا المعنى وأن تكون العبارة كما هي في غالب النسخ «دو قران» ، وهما المذكوران في ذيل العبارة : الأول قران المهدي والدجال ، والثاني قران خراب الملك أو الدين على احتمال أو تعمير الدين على احتمال آخر ، وحيث إن سنة اثنتين وعشرين بعد ثلاثمئة وألف قد مضب ، ولم يكن من المأمول خير عدا ما اتفق في هذه السنين من محاربة الروس مع الژاپون (اليابان) التي قد غيّرت جل السياسات المتخذة وشروع مقدمات انقلاب الممالك [لا] سيما إيران ، حيث استعدت من تلك الأزمنة لإظهار الحسيات الحاضرة والتي تسمى باسم «المشروطة» وتغيير السلطنة.

ولكنا لا نرضى من التوقيت وضرب المدة في كلمات الأساطين بهذا المقدار ، فلعل

١٤٧

المراد ـ إن شاء الله ـ من الألف والثلاثين في قول الخواجة السنون القمرية من الغيبة الكبرى ، وبانضمام ثلاثمئة وثلاثين قبل الغيبة الكبرى يصير المجموع : ألف وثلاثمئة وستون ، ولكن مبدأ التاريخ من أول البعثة لا بدء ظهور الإسلام وطلوع نقطة التوحيد وبعد وضع ثلاثة عشر سنة قبل الهجرة ، فينطبق التاريخ على سنة ألف وثلاثمئة وسبع وأربعين على ما استخرجه الحاج نجم الممالك ، على ما أشرنا إليه وكنا في صدد بيانه.

ويقرب منه البيت الثاني من رباعي السلطان الغ بيك الكوركانى ـ على ما في كشكول الشيخ ـ قال :

بينى تو «بغا» ملك مكدر گشته

در وقت «غلت» زير وزبرتر گشته

در سال «غلب» اگر بمانى زنده

ملك وملل ومذهب ودين برگشته (١)

يمكن أن يكون المعنى : أنّ مقدمات الانقلاب في سنة ألف وواحد أو ألف ، بأن يكون الألف للإطلاق زائداً كما حكى ذلك الفاضل الكرماني في كتابه عن تقي الدين ابن أبي منصور فيما رواه من الخبر النبوي : إن صلحت اُمّتي فلها يوم ، فإن فسدت فلها نصف يوم. فقال : هذا اليوم من أيام الربوبية : (وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ) (٢) ، فيكون المعنى أن مقدمات الانقلاب من ختام ألف سنة ، فيكون في ألف ثلاثين انقلاب أزيد وأشد كما قال : «در سال غلت زير وزبرتر گردد» ، فإن التاء للخطاب حتى قال أخيراً «در سال غلب» بالباء ـ أي في سنة ألف وثلاثين ـ يزيد الانقلاب حتى يتغيّر الملك والمذهب والدين. ولا يخفى أن هذا أيضاً بعد الغيبة الكبرى كما بيناه سابقاً.

ومما يؤيد ما نحن بصدده من مزيد الرجاء في سنة سبع وأربعين وثلاثمئة وألف : أني حاسبت عدد الحروف في الآية الشريفة في سورة الصافات : (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (٣) فصال : ألف وثلاثمئة وستون ، وكان من المعلوم أن السورة مكية ، إلا أن الأسف كل الأسف أن المفسرين لا يزيدون على أن السورة الفلانية أو الآية الفلانية مكية أو مدنية من دون تعرض لسنة نزولها وتاريخ صدورها ، وقد فات بذلك جملة من الفوائد من حيث الناسخية والمنسوخية وغير ذلك ، إلا أني قد أخذت في ذلك ما في بعض الأخبار : أن

__________________

١. البيتان مع اختلاف في الألفاظ في مجمع النورين ، ص ٣٦٥.

٢. سورة الحج ، الآية ٤٧.

٣. سورة الصافّات ، الآية ١٧٣.

١٤٨

القرآن نزل مرة واحدة في أول البعثة على بيت المعمور أو على قلب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنه لم يكن مأذوناً في الإظهار إلا على التدريج. فعلى هذا فبعد وضع ثلاثة عشر سنة قبل الهجرة يبقى سبع وأربعون بعد ثلاثمئة وألف. رزقنا الله فيض لقائه وهدانا بطول بقائه.

ويؤيد ما ذكرنا أيضاً ما في ينابيع المودة (١) من ثلاثة أبيات عربية في التوقيت ، قال :

وفي يمن أمن يكون لأهلها

إلى أن ترى نور الهداية مقبلا

بميم مجيد من سلالة حيدر

ومن آل بيت طاهرين بمن علا

يسمى بالمهدي من الحق ظاهر

بسنّة خير الخلق يحكم أولا

فإنّ لفظ «المجيد» عدده سبع وخمسون إذا نقص تارة من جملة «سلالة حيدر» واُخرى من جملة «آل بيت طاهرين» يعني بعد وضع مئة وأربعة عشر من ألف وأربعمئة وواحد وخمسين يبقى ألف وثلاثمئة وسبع وأربعون.

وحيث إن السنة والسنتين في أمثال تلك القضايا والتأسيسات والتبدلات بالتقدم والتأخر لا تضر التوقيت ، فلا بأس أن نذكر ما استنبطه بعض فلاسفة العصر وأهالي أروبا .. على ما نقتله بعض جرائد الانكليز المسماة بـ «روشنا» من استخراجات الكونت تولستوي بأشهُر قبل موته وكان أربع سنين قبل القضية المستكشفة ، قال :

إني أرى اشتعالاً عظيماً في سنة ١٩١٣ م تقريباً ، وابتداؤه من الممالك الجنوبية الشرقية ، فتشتعل تلك النار ، وتزيد على التدريج حتى تحيط بتمام أروبا في سنة ١٩١٤ ، وكأني أرى في هذه السنة تمام عرصة أروبا قطعة نار ودم ، وأسمع الأنين من عرصة المحاربة من المقتولين والمجروحين ، ولكن في سنة ١٩١٥ يظهر رجل غريب من ناحية الشمال كأنه نابليون الثاني ، فيدخل عرصة المحاربة وليس هو بنظامي ماهر ولا كاتب قابل ، ولكن ستسخَّر له ممالك أروبا حتى يكون ختام هذه المحاربة الشديدة في سنة ١٩٢٥ ابتداء قرب جديد في سياسة الدنيا ، وترتفع الدول المختلفة من البين ، ويكون العالم على اختلاف مللها على حالة متحدة. انتهى.

وقد أصاب الفيلسوف فيما استخرجه مما بيده من الاُصول والقواعد أو من نقشات

__________________

١. ينابيع المودة ، ج ٣ ، ص ٣٣٧.

١٤٩

(مخططات) سياسة الدول أو غيرها ، من اشتعال النار مبتدئاً من الجنوب الشرقي لأروبا ، حيث صار منشأ النزاع من دولة الصرب في محاربة الدول المعظمة ، ثم اشتد الأمرن حتى قتل ملايين من النفوس لدواعي المتمدنين من دول كرة الأرض ، [لا] سيما الأروباويين المواظبين لتأسيس الأندية الخيرية والمريضخانجات الملية (المستشفيات الوطنية) لحفظ النفوس البشرية.

وكيف كان فقد اتفق أول المحاربة في سنة (١٩١٣) ميلادية المطابقة لسنة (١٣٣١) هجرية. ولعل ختام الأمر ـ إن شاء الله ـ على ما وعده الفيلسوف في الخامس والعشرين بعد الألف وتسعمئة المنطبقة على السنة الماضية ، فإن هذه السنة الحاضرة مطابقة لسنة (١٩٢٦) ميلادية ، وسنة (١٣٤٧) هجرية يتأخر عن الموعد بسنتين أو ثلاث سنين ، إلا أنه لا يُقدح في مثل تلك الاُمور ؛ ضرورة أن المقدمات تقع متدرجة قبل الأمر بسنين.

هذا كله مع أن الأمر أدق وأدل من التوقيت الحتمي ، بل قد عرفت أن أصل قيام الحجة ـ عجل الله تعالى فرجه ـ حتمي ، أما وقته فمما يقبل البداء ، وما ورد في الأخبار من التوقيت فلأجل التحفظ على الشيعة رجاءهم ؛ كي لا يتبدل باليأس والقنوط بعد تحقق الامتحان والتثبت. بيان ذلك : أنّ الرجل مع اليأس لا يدعو ولا يتمنى في موضوع ذلك الشيء الذي يئس منه ، وأما مع الرجاء فيلتمس وينتجي في موارد استجابة الدعاء لنيل مقصوده.

وحسبك في مطلوبية الدعاء في مثل ذلك الزمان : إما لبقاء الاعتقاد الراسخ وعدم التبدل بالكفر والارتداد به سبب التأخير وطول مدة الفرج ، وإما للتعجيل في ذلك الأمر من باب اللطف والتفضل : ما ورد في بعض الأخبار من الحث والترغيب على الدعاء :

منها : ما في البحار (١) عن الكافي (٢) عن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إن للقائم غيبة قبل أن يقوم. قلت : ولم؟ قال : يخاف ـ وأومى إلى بطنه ثم قال ـ يا زرارة وهو المنتظر ، وهو الذي يشك الناس في ولادته ؛ منهم من يقول : هو حمل ، ومنهم من يقول : هو غائب ، ومنهم من يقول : ما ولد ، ومنهم من يقول : قد ولد قبل وفاة أبيه بسنتين ، وهو المنتظر غير أن الله تعالى يحب أن يمتحن الشيعة ، فعند ذلك يرتاب المبطلون. قال زرارة : فقلت : جعلت فداك ، فإن أدركت ذلك الزمان فأيّ شيء أعمل؟ قال : يا زرارة ، إن أدركت ذلك الزمان فالزم هذا الدعاء :

__________________

١. بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٤٦ ، ح ٧٠.

٢. الكافي ، ج ١ ، ص ٣٤٠ ، ح ١٨ إلى قوله : «إلى بطنه» ، وما بعده مرويّ في كمال الدين ، ص ٣٤٢ ، ح ٢٤.

١٥٠

«اللهم عرّفني نفسك ؛ فإنك إن لم تعرّفني نفسك (حجتك خ ل) لم أعرف نبيك. اللهم عرّفني رسولك ؛ فإنك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجتك. اللهم عرّفني حجتك ؛ فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني».

وفيه (١) عن الكافي (٢) أيضاً عن عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : سيصيبكم شبهة فتبقون بلا عَلَم يُرى ولا إمام هدى ، لا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق. قلت : وكيف دعاء الغريق؟ قال : تقول : «يا الله يا رحمن يا رحيم ، يا مقلب ال قلوب ، ثبّت قلبي على دينك». فقلت : «يا مقلب القلوب والأبصار ، ثبت قلبي على دينك». فقال إن الله عزّ وجلّ مقلب القلوب والأبصار ، ولكن قل كما أقول : «يا مقلّب القلوب ، ثبّت قلبي على دينك». انتهى.

وظاهر هذين الخبرين أن الدعاء لأجل التحفظ في الاعتقاد وعدم وقوع الشك والارتداد ، ولذا قال عليه‌السلام في الخبر الثاني : «إن الله تعالى وإن كان مقلب القلوب والأبصار ، إلا أن الغرض في هذا المقام تثبيت القلب لا البصر».

وأما احتمال التعجيل في الفرج والمبادرة في الأمر المقرَّر به سبب صدق الالتجاء وصميمية الدعاء ، فقد يُستفاد من خبر البحار (٣) عن تفسير العياشي (٤) عن الفضل بن أبي قرة قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أوحى الله إلى إبراهيم أنه سيولد لك ، فقال لسارة ، فقالت : (أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ) (٥) ، فأوحى الله إليه : إنها ستلد ويُعذَّب أولادها أربعمئة سنة ـ يردد الكلام عليّ ، قال : ـ فلما طال على بني إسرائيل العذاب ضجّوا وبكوا إلى الله أربعين صباحاً ، فأوحى الله إلى موسى وهارون يخلصهم من فرعون ، فحطَّ عنهم سبعين ومئة سنة. قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : هكذا أنتم لو فعلتم لفرَّج الله عنكم» صريح فيما نحن بصدده من دخل الدعاء والالتماس والتضرع إلى حضرة الباري في تعجيل فرج مولانا صاحب الأمر ـ عجل الله فرجه ـ ، كما أن بني إسرائيل إذ تضرعوا إلى ذاته الأقدس فخفف الله عنهم وحطَّ عنهم مدّةً

__________________

١. بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٤٩ ، ح ٧٣.

٢. الصحيح : كمال الدين ؛ لاحظ : كمال الدين ، ص ٣٥٢ ، ح ٤٩ ؛ وعنه في غنائم الأيام ، ج ٢ ، ص ٤٢١ والصراط المستقيم ، ج ٢ ، ص ٢٢٨.

٣. بحار الأنوار ، ج ١٣ ، ص ١٤٠ ، ح ٥٧.

٤. تفسير العياشي ، ج ٢ ، ص ١٥٤ ، ح ٤٩.

٥. سورة هود ، الآية ٧٢.

١٥١

من أيام مصيبتهم.

وقد بيّن تضرع بني إسرائيل والتخفيف عنهم بطريق أوضح في رواية اُخرى مروية في الأنوار في ضمن بيان ما هو المروي عن الباقر عليه‌السلام : إن لصاحب هذا الأمر أربع سنين من أربعة أنبياء : سنّة من موسى ، وسنّى من عيسى ، وسنّى من يوسف ، وسنّة من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فأما من موسى فخائف يترقب ، وأما من يوسف فالسجن ، وأما من عيسى فيقال : «إنه مات» ولم يمت ، وأما من محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فالسيف (١). انتهى.

فكون موسى خائفاً يترقب وخروجه من مصر إلى مَدْيَن وغيبته مدة مديدة ، في كلها مشابهات ومناسبات مع حجة العصر ، وقد روى السيد الجزائري في هذا الموضوع رواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل ذلك الخبر في أنواره (٢) ، قال : وأما غيبة موسى عليه‌السلام فقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه : لما حضرت يوسف الوفاة جمع شيعته وأهل بيته ، فحمد الله واثنى عليه ، ثم حدثهم شدة تنالهم يقتل فيها الرجال ، وتشق فيها بطون الحبالى ، وتذبح الأطفال ، حتى يظهر الحق في القائم من ولد لاوي بن يعقوب ، وهو رجل أمسر طويل ـ ونعته لهم بنعته ـ فتمسكوا بذلك. ووقعت الغيبة والشدة على بني إسرائيل وهم منتظرون قيام القائم أربعمئة سنة ، حتى إذا بُشِّروا بولادته ، ورأوا علامات ظهوره ، اشتدت البلوى عليهم ، وحُمل عليهم بالحجارة والخشب ، وطُلب الفقيه الذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر ، فراسلهم وقالوا : «كنا مع الشدة نستريح إلى حديثك» ، فخرج بهم إلى بعض الصحاري وجلس يحدِّثه حديث القائم ونعته وقرب الأمر وكانت له فترة ، فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم موسى عليه‌السلام ، وكان في ذلك الوقت حديث السن ، وخرج من دار فرعون يظهر النزهة ، فعدل عن موكبه ، وأقبل إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خز ، فلما رآه الفقيه عرفه بالنعت ، فقام إليه وأكبّ على قدميه فقبَّلها ، ثم قال : «الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك». فلما رأى الشيعة ذلك علموا أنه صاحبهم ، فأكبُّوا على الأرض شكراً لله عزّ وجل ، فلم يزدهم على أن قال : «أرجو أن يعجل الله فرجكم». ثم غاب بعد ذلك وخرج إلى مدينة مدين ، فأقام عند شعيب ما أقام ، فكانت الغيبة الثانية أشد عليهم من الاُولى وكانت نيفاً وخمسين سنة ، واشتدت البلوى عليهم واستتر الفقيه ، فبعثوا إليه بأنه : «لا صبر لنا على استتارك» ، فخرج إلى

__________________

١. الإمامة والتبصرة ، ص ٩٤ ، كمال الدين ، ص ٢٨ ، دلائل الإمامة ، ص ٤٧٠ ؛ الغيبة للنعماني ، ص ١٦٤ ؛ الغيبة للطوسي ، ص ٦٠ ؛ بحار الأنوار ، ج ٥١ ، ص ٢١٧.

٢. ورواه الصدوق في كمال الدين ص ١٤٥ ، ح ١٢ ؛ والعلامة المجلسي في بحار الأنوار ، ج ١٣ ، ص ٣٦ ، ح ٧.

١٥٢

بعض الصحاري واستدعاهم وطيّب نفوسهم وأعلمهم أن الله عزّ وجلّ أوحى إليه أنه مفرَّج عنهم بعد أربعين سنة ، فقالوا بأجمعهم : الحمد لله عزّ وجلّ. فأوحى الله إليه : قل لهم قد جعلتها ثلاثين سن لقولهم : الحمد لله». فقالووا : «كل نعمة من الله». فأوحى الله إليه : «قل لهم : قد جعلتها عشرين سنة». فقالوا : «لا يأتي بالخير إلا الله». فأوحى الله إليه : «قد جلتها عشراً». فقالوا : «لا يرف السوء إلا الله». فأوحى الله إليهم : «قل : لا تبرحوا فقد أذنت في فرجهم». فبينما هم كذلك إذ طلع موسى عليه‌السلام راكباً حماراً ، فأراد الفقيه أن يعرّف الشيعة ما يستبصرون به فيه ، وجاء موسى حتى وقف عليهم فسلَّم ، فقال له الفقيه : «ما اسمك؟» فقال : «موسى». قال : «ابن من»؟ قال : «ابن عمران». قال : «ابن من»؟ قال : «ابن قاهت بن لاوي بن يعقوب». قال : «بماذا جئت؟» قال : بالرسالة من عند الله عزّ وجلّ. فقام إليه فقبّل يده ، ثم جلس بينهم وطيّب نفوسهم وأمرهم أمره ثم فرقهم ، وكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم بغرق فرعون أربعون سنة. انتهى.

أقول : وحيث إنّ له ـ عجل الله تعالى فرجه ـ مناسبات تامة ومشابهات كاملة بموسى بن عمران في : خفاء الولادة ، وعدم ظهور الحمل ، ومواظبة طواغيت العصر لإعدامه ، [لا] سيما في فرج الاُمّة به بعد الشدة وطول المحنة كما فُرّج عن بني إسرائيل بموسى عليه‌السلام ، فلذلك كله قد تلا الإمام وحجة العصر عند الولادة قبل كل شيء هذه الآية الشريفة في سورة القصص : (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (١).

فإذا عرفت من جميع ذلك أن للدعاء والالتجاء والتضرع مدخلاً عظيماً في رفع الغائلة وحصول الفرج والتصول إلى المقاصد ، فتكون إذاً من المصرّين على الدعاء والالتجاء في أوقات الاستجابة وأشرف الأماكن ، [لا] سيما إذا كان له اختصاص به ـ عجل الله فرجه ـ ، كما في المجمعات بين الأيام وفي السرداب الشريف بين الأمكنة ، كما نقل الفاضل القمي في هدية الزائرين استحباب قراءة دعاء الندبة السابق شرحه في السرداب على ما خرج في التوقيع من الناحية المقدسة إلى الحميري (٢). كما يستحب فيه تلاوة دعاء آخر مروي ومأثور (٣) عن الحجة فيه أيضاً لرجاء حصول المرام ونيل المقصود ، والدعاء هذا : «اللهم

__________________

١. بحار الأنوار ، ج ٥١ ، ص ١٨ ، باب ١ ، ح ٢٥.

٢. بحار الأنوار ، ج ٩٩ ، ص ٨١ ، باب ٧ ، ح ١.

٣. مزار ابن المشهدي ، ص ٥٩١ ؛ جمال الأسبوع ، ص ١٨١ ؛ بحار الأنوار ، ج ٥٣ ، ص ٢٧٥ الحكاية الأربعين ، وج ٨٨ ، ص ١٩١ وج ٩٩ ، ص ٢٠.

١٥٣

عظم البلاء ، وبرح الخفاء ، وانكشف الغطاء ، وضاقت الأرض ، ومنعت السماء ، وإليك يا رب المشتكى ، وعليك المعوَّل في الشدة والرخاء. اللهم صل على محمد وآله الذين فرضت علينا طاعتهم ، فعرَّفتنا بذلك منزلتهم ، فرِّج عنّا بحقهم فرجاً عاجلاً كلمح البصر أو هو أقرب من ذلك ، يا محمد يا علي يا علي ، يا محمد ، اُنصراني فإنكما ناصراي ، واكفياني فإنكما كافياي ، يا مولاي يا صاحب الزمان ، الغوث الغوث الغوث ، أدركني أدركني أدركني».

قوله : «برح الخفاء» البَرْح بالفتح فالسكون : الشدة.

قوله : «وانكشف الغطاء» إشارة إلى الافتضاح وارتفاع الحجب والحياء وعدم ملاحظة احترام الكبار ، أو ارتفاع قبح المعاصي في الأنظار لقلة النهي عن المنكر ، أو غير ذلك مما يناسب المقام.

قوله : «وضاقت الأرض» يحتمل أن يراد بضيق الأرض شدة المحنة على الشيعة بحيث صارت الأرض الواسعة ضيقة عليهم. ولكن من المحتمل قريباً ـ بقرينة السياق والمقابلة مع «منعت السماء» ـ أن يراد بضيق الأرض عدم الإنبات والنمو الكاشف عن زوال البركة وسلب الرحمة ؛ إذ مقتضى الرحمة الإلهية والألطاف الأزلية أن تجود السماء بالأمطار والأرض بالنباتات والأشجار ، وهو منع فتقهما في الآية الشريفة : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) (١) ؛ على ما ذكر في الخبر (٢) عن الباقر عليه‌السلام : إن فتق السماء بقطرات الأمطار ، وفتق الأرض بنمو النباتات. فالضيق تعبير عن ضيق المنافذ بحيث لا تطلع النباتات منها.

قوله : «وإليك يا ربّ المُشتكى» تقديم الخبر لإفادة الحصر. والمشتكى مصدر ميمي ، كما أن «المعوَّل» فيما بعد أيضاً مصدر ميمي بمعنى الاعتماد ، وتقديم خبره أيضاً للحصر.

قوله : «كلمح البصر» استعارة عن قصر المدة ؛ إذ لمح البصر في أقل من ثانية بكثير ، فغرض القائل إعطاء الفرج في وقت أقصر من ذلك.

فإن قلت : المستفاد من هذه الروايات محبوبية الدعاء وطلب الفرج ، ولكن مفاد بعض

__________________

١. سورة الأنبياء ، الآية ٣٠.

٢. روضة الواعظين ، ص ٢٠٣ ، شرح اُصول الكافي للمازندراني ، ج ١٢ ، ص ٩ ، طب الأئمة ، ص ٩٥ ؛ وعنه في مستدرك الوسائل ، ج ١٥ ، ص ٢٠٥ ، باب ٧٩ ، ح ١٨٠٢٥.

١٥٤

الروايات عدم الحسن في طلبه ، بل ربما كان الأساطين مانعين من الاستعجال والتمني قبل الوقت ؛ ففي البحار (١) عن الخصال الأربعمئة (٢) قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : انتظروا الفرج ، ولا تيأسوا من روح الله ؛ فإنّ أحب الأعمال إلى الله عزّ وجلّ انتظار الفرج.

وقال عليه‌السلام (٣) : مزاولة قلع الجبال أيسر من مزاولة مُلك مؤجَّل ، واستعينوا بالله واصبروا ، (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّـهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٤) ، لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا ، ولا يَطولنَّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم.

وقال عليه‌السلام (٥) : الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس ، والمنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله. انتهى.

فكيف التوفيق بين تلك الأخبار؟

قلت : لعل النظر في الأخبار المانعة إلى طلب الفرج من دون استعداد الوقت ومن دون تحصيل القابلية والصلاحية في نفس الطالب ، كأكثر المنتظرين في زماننا هذا ، تراهم ، يجتمعون في المجالس ويقرؤون دعاء الفرج وكلمات الاستغاثة بألحان وهيئة جامعة ، ويغمضون في أموال ناس بأنواع الدسائس. نعوذ بالله مما قال تعالى في كتابه : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ) (٦). ولعمري هذا هو الذي قال عليه‌السلام : لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا ... الخ (٧).

ويعجبني في هذا المقام ذكر ما سمعته عن الشيوخ مذاكرة : أن واحداً من الانتظاريين كان يتمنى ظهور إمام العصر ويتوقع قدومه منذ دهر وسنين ، إلى أن رأى في بعض الليالي في عالم الرؤيا أن الحجة ـ عجل الله فرجه ـ قد ظهر وأشرق العالم بنور قدومه ، فتشرف الرجل بكمال الوجد والسرور خدمته عليه‌السلام منتظراً للتشريفات وأنواع التكرمة منه ولو بنصبه

__________________

١. بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٢٣ ، ح ٧.

٢. الخصال ، ص ٦١٦ ؛ تحف العقول ، ص ١٠٦.

٣. الخصال ، ص ٦٢٢ ؛ بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٢٣ ، ح ٧.

٤. سورة الأعراف ، الآية ١٢٨.

٥. الخصال ، ص ٦٢٥ ؛ تحف العقول ، ص ١١٥ ؛ شرح الأخبار للقاضي النعمان ، ص ٥٦٠ ، ح ١٢٢٠ ؛ بحار الأنوار ، ج ١٠ ، ص ١٠٤ وج ٥٢ ، ص ١٢٣ ، ح ٧.

٦. سورة البقرة ، الآية ٤٤.

٧. الخصال ، ص ٦٢٢ ؛ بحار الأنوار ، ج ١٠ ، ص ١٠٠ وج ٥٢ ، ص ١٢٣ ، ح ٧ ؛ نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٤٢٩ ، ح ٧٣.

١٥٥

حاكماً لبلدة مثلاً وأمثال ذلك ، فقال عليه‌السلام : يا فلان ، أما دارك التي سكنت بها مغصوبة قد ابتعتها من فلان الغاصب فتردها إلى مالكها. فقال : «نعم يا بن رسول الله ، بأبي أنت واُمّي سمعاً وطاعةً» ، زاعماً أنه قد تخلص بهذا المقدار ، وله في باقي الأموال نفوذ واقتدار. ثم قال عليه‌السلام بعد ساعة : هذا الفرس الذي جئت فوقه أيضاً مغصوب. فقال متجرعاً غصصه : «سمعاً وطاعة». إلى أن آل الكلام إلى النسوان والأولاد الحاصلين منها ، فقال عليه‌السلام : امرأتك الحالية اُختك الرضاعية ، والأولاد الحاصلون منها أولاد شبهة. فلما سمع الرجل الانتظاري هذا الكلام ثقل عليه ولم يتكلم بكلمة إلا أن قال : «إني أرى إمامتك في هذه البلدة بهذا الطرز والعنوان صعباً ومستصعباً!» ، فعند ذلك استيقظ من منامه ، وتفطن لمقامه ، واستكشف سريرته من آخر كلامه. ونعوذ بالله في عواقب الأمر ، ونسأله حسن ختامه.

فقد تبين من ذلك أن الاستعداد للتشرف بخدمته من أصعب الاُمور ، ودرك فيض حضوره لأكثر أهل العصر معسور. أتراه إذا ظهر وقال : «ما هذه الأسواق المضيقة بإحداث الدكائك أمام الحوانيت المانعة عن العبور! وما هذه الشوارع المقصور عنها من الجوانب بإحداث الرواشن والأجنحة والقصور!» ، فأمر بهدم الزيادات وإزالة البدع والمحدثات ، فهل ترضى نفسك بهذه التصرفات من دون أن تتكلم ببعض المهملات ، كما في الخبر : يأتي بحكم جديد على العرب شديد (١). أقول : بل على العجم أيضاً شديد. فيقول جمع : «أنت لست ابن رسول الله ، وعليك أن تثبته ، وهذا ادعاء محض!» ، ويقول جمع عند ما يرونه يقتل كثيراً من أولاد بني اُميّة وذراري قتلة الحسين عليه‌السلام : «إنه ليس من ولد رسول الله ؛ فانه كان رحمة للعالمين ، وهذا قسيّ القلب ، ليس في قلبه رقة ، يقتل الجماعات ، ويهدم العمارات!» إلى غير ذلك من الخرافات.

والسر في جميع ذلك أنه ـ عجل الله تعالى فرجه ـ لا يراعي التقية ، ولا يحكم بالظواهر من اليمين والبينة ، بل يقضي عين الواقع ، ولذا لا يرضى به أكثرُ الرعية. كما أن داوود ـ على نبينا وآله وعليه‌السلام كان يحكم بالظاهر بمقتضى أن : البينة للمدعي ، واليمين على من أنكر ، وهو فصل الخطاب الذي قال تعالى في كتابه العزيز : (وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ) (٢) ، والتمس ذات يوم الحكم بمتن الواقع ، وأصرّ في التماسه واستدعائه ، فاُجيب في سؤله ،

__________________

١. مختصر بصائر الدرجات ، ص ٢١٣ ؛ الغيبة للنعماني ، ص ١٩٤ ؛ بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٣٥.

٢. سورة ص ، الآية ٢٠.

١٥٦

واتفق أن شيخاً تظلم إليه من فتى وجده في بستانه سارقاً ، فأخذه وجاء به إلى داوود يتظلم ، فحكم داوود بمتن الواقع وقال للفتى : اُقتل الشيخ ، وتملك الحديقة ؛ هذا هو الحكم. فنادى الشيخ بأعلى صوته : «يا معشر بني إسرائيل ، هلموا إلى حكم الجور ، إني تظلمت إلى داوود في سارق حديقتي!» وهذا حاكم القضية عوض قطع يد السارق قد أمره بقتلي وتملك حديقتي. فاجتمع بنو إسرائيل وحاصروا داره ، فاختفى داوود لا يخرج من داره إلى ثلاثة أيام وهو يتضرع إلى الله ، ويلتمس منه السر في هذا الحكم وحكمة القضية. فأوحى الله إليه : يا داوود ، السر فيه أن هذه الحديقة كانت ملكاً لأبي هذا الغلام قتله الشيخ في الحديقة وتملك الملك ، والشاهد فيه أنه وارى السكين تحت الشجرة الفلانية ، وكذا جسد المقتول في المحل الفلاني. فأخبر داوود بني إسرائيل بذلك ، ففحصوا الموضع فوجدوا كما أخبرهم وتفرقوا. فأوحى تعالى إليه : يا داوود ، اُحكم بين الناس على الظاهر : (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ) (١) ، فعاد داوود إلى وضعه الأول ، وما حكم بالواقع من حيث هو واقع ما لم يطابق أحد العناوين الشرعية الظاهرة.

كما أن نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً ما كان مأموراً بالحكم طبق الواقع ما لم يساعده شيء من العناوين ، وهكذا أمير المؤمنين عليه‌السلام. وما اشتهر من قضايا يا أمير المؤمنين وأحكامه حتى قيل «قضية ولا أبا حسن لها» (٢) فإنما هو لأجل إعماله الكياسة والفطانة الظاهرية لا لحكمه بعلم الإمامة. فالحكم بمتن الواقع وإلغاء العناوين الظاهرية مخصوص بحجة العصر ـ عجل الله فرجه ـ ، حتى أن حكامه وعماله في البلاد ينظرون في أكفهم في كل قضية ترد عليهم ويرون حكم المسألة منقوشة فيها ، فلا يحتاجون إلى البيّنة ولا إلى اليميمن. ولذا تنسد المحاكم الغير الشرعية ، ويتعطل باب الوكالة وشهادة الزور وغير ذلك من أسباب الدخل لأكثر الناس.

ولأجل ذلك ترى أكثر أعدائه من أهل العلم ، حتى أن محيي الدين الأعرابي قال في فتوحاته المكية : «وأكثر أعدائه مقلاة أهل الاجتهاد ، ولو لا أن السيف بيده لأفتى أكثر العلماء بقتله».

وفي بعض الروايات : أنه يضرب أعناق سبعين ألفاً من هؤلاء بظهر الكوفة.

__________________

١. سورة ص ، الآية ٢٦.

٢. الرسالة السعدية للعلامة الحلي ، ص ٢٥٧ ؛ الإيضاح ، ص ١٩٣.

١٥٧

معاملاته وعملياته ، ومن جملة أحكامه على ما رواه الجزائري في الأنوار (١) عن الصادق والكاظم عليهما‌السلام قالا : لو قد قام القائم لحكم بثلاث لم يحكم بهن أحد قبله : يقتل الشيخ الزاني ، ويقتل مانع الزكاة ، ويورّث الأخ في الأظلة. انتهى.

أقول : أمّا الأولان فواضح ، وأما الثالث فالمراد منه الأخ في عالم الأرواح ؛ لأنه كثيراً ما يعبِّر بالأظلة عن عالم المجردات ؛ لأن الظل موجود ليس بموجود كما أن المجرد كذلك. وفي المجمع في «ظلل» عن الصادق عليه‌السلام : إن الله آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأجساد بألفي عام ، فلو قام قائمنا أهل البيت ورّث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة ولم يورّث الأخ في الولادة (٢). انتهى.

ويحتمل أن يكون هذا من مختصات حكمه كقتل مانع الزكاة ؛ فإن مستحل منعها أو المانع مع التعزير مرتين أو ثلاثاً يُقتل مطلقاً أو في الرابعة أو الثالثة ، ولكن قتل مطلق مانع الزكاة من مختصاته عليه‌السلام ، فكذلك توريث الأخ في عالم الأرواح دون النسبي.

ويمكن بعيداً تطبيقه على القواعد الشرعية الأولية ؛ فإن المؤاخي للشخص في عالم الأرواح هو الأخ الإيماني أو الإسلامي ، فالمعنى أن مطلق الاُخوة في الولادة والنسب لا ينفع في التوارث ما لم ينظم إليه الاتحاد في الإسلام أو الإيمان ؛ فإن الكافر لا يرث المسلم ، فالمعنى : أنّ الأخ لا يرث أخاه بمجرد الاُخوة النسبية ما لم يتحقق معها الاتحاد في الإيمان. وأما إرث المسلم من الكافر فهو تفضُّل من الباري في حقه ؛ فإن الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه.

إلا أن هذا التوجيه خلاف سياق الخبر ؛ حيث إنّ سياق الخبر ـ بقرينة الأولين ـ ذكر خارق العادات ، وعلى التوجيه المذكور فلا يكون خارقاً ولا منافياً للقواعد الفقهية.

وكيف كان فقد تبين من جميع ذلك ما هو المقصود من الأخبار الناهية عن التعجيل في طلب الفرج واستدعاء ظهور حجة العصر عجل الله تعالى فرجه. وأما الأخبار الآمرة بالحث على الدعاء والاستغاثة والالتجاء ، فإنما الغرض منها طلب الاستعداد والقابلية والصلاحية ، وكما أن الأمر بالشيء أمر بلوازمه ومقدماته ، فكذلك طلب الشيء طلب له

__________________

١. الخصال ، ص ١٦٩ ، ح ٢٢٣ ؛ بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٣٠٩ ، ح ٢ ؛ مختصر بصائر الدرجات ، ص ١٧٠.

٢. الهداية للصدوق ، ٣٤٣ باب ١٧٩ ؛ كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج ٤ ، ص ٣٥٢ ، ح ٥٧٦١ ؛ مستدرك الوسائل ، ج ١٧ ، ص ١٨٦ ، باب ١٣ ، ح ١.

١٥٨

بلوازمه ومقدماته ، فدعاء الندبة ودعاء الفرج وأمثالهما كلها في مقام تمني الوصول إلى خدمته بعد حصول الاستعداد والقابلية.

وحيث إنا قد ذكرنا شرح دعاء الندبة وبعض الأدعية الاُخرى في زمان الغيبة ، أحببت إيراد دعاء آخر مروي في الأنوار عن مصباح السيد ابن طاووس «قده» (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : من دعا بهذا الدعاء أربعين صباحاً كان من أنصار القائم عليه‌السلام ، وإن مات قبل ظهوره أحياه الله تعالى حتى يجاهد معه ، ويُكتب له بعدد كل كلمة منه ألف حسنة ، ويُمحى عنه ألف سيئة ، وهو هذا (المسمى بدعاء العهد) : «بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم رب النور العظيم ، ورب الكرسي الرفيع ، ورب البحر المسجور ، ومنزل التوراة والإنجيل والزبور ، ورب الظل والحرور ، ومنزل القرآن العظيم ، ورب الملائكة المقرَّبين والأنبياء والمرسلين. اللهم إني أسألك بوجهك الكريم وبنور وجهك المنير وملكك القديم ، يا حي يا قيوم ، أسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات والأرضون ، وباسمك الذي يصلح به الأولون والآخرون ، يا حي قبل كل حي ، يا حي لا إله إلا أنت. اللهم بلِّغ مولانا الإمام الهادي المهدي القائم بأمرك ـ صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ـ عن جميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها وسهلها وجبلها وبرها وبحرها ، عني وعن والديّ ، من الصلوات زنة عرش الله ، ومداد كلماته ، وما أحصاه علمه ، وأحاط به كتابه. اللهم إني اُجدّد له في صبيحة يومي هذا وما عشت في أيام حياتي عهداً وعقداً وبيعة له في عنقي ، لا أحول عنها ولا أزول أبداً. اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والذابّين عنه ، والمسارعين إليه في قضاء حوائجه ، والممتثلين لأوامره ونواهيه ، والمحامين عنه ، والسابقين إلى إرادته ، والمستشهدين بين يديه. اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتماً مقضياً ، فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني شاهراً سيفي مجرِّداً قناتي ملبِّياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي. اللهم أرني الطلعة الرشيدة ، والغرة الحميدة ، واكحل ناظري بنظرة مني إليه ، وعجِّل فرجه ، وسهّل مخرجه ، وأوسع منهجه ، واسلك بي محجَّته ، وأنفذ أمره ، واشدد أزره ، وقوّ ظهره. واعمر اللهم به بلادك ، وأحي به عبادك ؛ فإنك قلت وقولك الحق : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٢) فأظهر اللهم

__________________

١. مصباح الزائر ، ص ١٦٩ ؛ مصباح الكفعمي ، ص ٥٥٠ ؛ البلد الأمين ، ص ٨٢ ؛ مزار ابن المشهدي ، ص ٦٦٣ ؛ بحار الأنوار ، ج ٥٣ ، ص ٩٥ ، ح ١١١.

٢. سورة الروم ، الآية ٤١.

١٥٩

لنا وليك ، وابنَ وليِّك ، وابن بنت نبيك ، حتى لا يظفر بشيء من الباطل إلا مزّقه ، ويحث الحق ويحققه. واجعله اللهم مفزعاً لمظلوم عبادك ، وناصراً لمن لا يجد له ناصراً غيرك ، ومجدداً لما عُطِّل من أحكام كتابك ، ومشيِّداً لما ورد من أعلام دينك وسنن نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واجعله ممن حصَّنته من بأس المعتدين. اللهم سُرَّ نبيك محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله برؤيته ، ومن تبعه على دعوته ، وارحم استكانتنا بعده ، اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الاُمّة بحضوره ، وعجّل لنا ظهوره ، (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا) (١) برحمتك يا أرحم الراحمين» انتهى.

قوله : «المسجور» المملو.

قوله : «زنة عرش الله ومداد كلماته» الزنة بمعنى الوزن. والمداد قال في مجمع البحرين (٢) : أي مثل عدد الكلمات. أقول : ويمكن أن يُراد بمعنى الامتداد ، أي الانتهاء ، فيكون كناية عن عدم التناهي ؛ لأن كلماته تعالى غير متناهية ، كما أن العرش لعظمه كأنه لا يوزن.

قوله : «أزره» الأزر كلاظهر لفظاً ومعنىً.

قوله : «واكحل ناظريّ» أي أجْلِ ؛ فإنّ الكحل كما يجلي البصر ، فكذلك وجود الحجة تقرُّ به العيون.

قوله : «مجدداً لما عُطِّل» الخ ، إشارة إلى ما سبق ذكره من أنه يزيل البدع ، ويجدد السنن المتروكة.

«الاستكانة» بمعنى الخضوع والتضرع.

ولا يخفى أن قوله : «اللهم اجعلني من أنصاره» إلى قوله : «والمستشهدين بين يديه» إشارة إلى ما ذكرنا من طلب الاستعداد والصلاحية بخدمته.

جعلنا الله من المستعدين لشرف لقائه ، بحق أجداده الطاهرين ، صلوات الله عليهم أجمعين.

و (خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) (٣) ، والحمد لله أولاً وآخراً.

تمت الرسالة بيد مؤلفها علي بن علي الرضا الخوئي ، في سيم شهر شعبان ١٣٤٥.

__________________

١. سورة المعارج ، الآية ٧.

٢. مجمع البحرين ، ج ٤ ، ص ١٨٠.

٣. سورة المطففين ، الآية ٢٦.

١٦٠