المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]

المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

المؤلف:

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٦

الدعاء فأجبه لنا وهو كقوله تعالى : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) (١). فهذا اختيار جعفر بن محمد الصادق (٢) رضي الله عنه.

ـ قال الشيخ الإمام الزاهد رضي الله عنه : ومما سبق إلى قلبي أن هذه الكلمة هي اسم للاستجابة ، ولكنها إنّما انفتحت على ضمير معنى ، إذا قال العبد : آمين كأنّه يقول : أسألك يا ربّ آمين. أي : الإجابة كقولك : (غُفْرانَكَ رَبَّنا) (٣). أي : نسألك غفرانك.

وفيه قراءتان : المدّ والقصر مخففان (٤).

__________________

ـ وقال صاحب الإكمال ـ وهو القاضي عياض ـ : حكى الداودي ، تشديد الميم مع المدّ ، وقال : وهي لغة شاذة ، ولم يعرفها غيره.

قال ابن هشام : قلت : أنكر ثعلب والجوهري والجمهور أن يكون ذلك لغة ، وقالوا : لا يعرف آمّين إلا جمعا بمعنى قاصدين كقوله تعالى : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) ا ه. راجع شذور الذهب ص ١٥٣.

(١) سورة المائدة : آية ٢.

(٢) هو جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهم أجمعين.

كان من أجلاء التابعين وسادات أهل البيت وكان على مذهب الإمامية وهو أحد الأئمة الاثني عشر وله في العلم منزلة رفيعة. توفي سنة ١٤٨ ه‍.

(٣) سورة البقرة : آية ٢٨٥.

(٤) آمين بالمد لغة الجمهور ، لكن فيها بعد عن القياس ، إذ ليس في اللغة العربية اسم على وزن فاعيل. وأمين بقصر الألف على وزن قدير ، وهذه اللغة أفصح في القياس ، وأقل في الاستعمال.

وحكى ثعلب القصر وأنكره غيره. وقيل : إنما جاء مقصورا في الشعر.

ـ وقد أشبع الكلام على «آمين» ابن هشام في شذور الذهب ، فراجعه فيه إن شئت المزيد.

١٠١

أما المقصور فقول الشاعر :

٥٦ ـ تباعد مني فطحل إذ دعوته

أمين فزاد الله ما بيننا بعدا

وقال آخر :

٥٧ ـ أمين ومن عطاك هوادة

رمى الله في أطرافه فاقفعلت

وقال آخر :

٥٨ ـ سقى الله حيّا بين صارة والحمى

حمى فيد صوب المدجنات المواطر

٥٩ ـ أمين فأدّى الله ركبا إليهم

بخير ووقّاهم حمام المقادر

وقال آخر :

٦٠ ـ جزائي عليك منكما إن أسأتما

أمين ومني إن أسأت جزاكما

وقال بعضهم :

٦١ ـ قد هجت لي يا راع الهوى

أصاب حمام الموت أهوننا وجدا

٦٢ ـ أمين وأضناه الهوى فوق ما به

وزاد من تباريحه جهدا

__________________

٥٦ ـ البيت لجبير بن الأضبط وكان قد سأل فطحلا الأسدي فأعرض عنه ، فدعا عليه ، وهو في المشوف المعلم ١ / ٧٩ ، وفي شذور الذهب ص ١٥٢ ، وقال محققه الشيخ عبد الغني الدقر : البيت مجهول القائل وكذا محقق الدر المصون ، ولسان العرب مادة فطحل ، وتفسير القرطبي ١ / ١٢٥. وفطحل : اسم رجل ، وضبطه صاحب اللسان بفتح الفاء والحاء وسكون الطاء. راجع شرح أبيات الكشاف ص ٢٥ ، والدر المصون ١ / ٧٧ ، وهو في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص ١٣ ، ولم ينسبه المحقق السيد أحمد صقر.

٥٧ ـ البيت ذكره ابن الأنباري في كتاب الزاهر ١ / ١٦٢ ولم ينسبه.

وقوله اقفعلت : أي تقبضت وتشنجت.

(٥٨ ـ ٥٩) ـ قال ياقوت : هما لأعرابي. وهما في الأمالي للقالي ١ / ١٨٣ ، ولسان العرب مادة أمن ١٣ / ٢٧ ، ومعجم البلدان ٢ / ٣٠٨.

وفي اللسان [وردّ الله] بدل [فأدى] ـ وقال ياقوت في موضع آخر : هما لبعض العرب وقد حنّ إلى وطنه واسمه محمد بن عبد الله الفقعسي. معجم البلدان ٣ / ٣٨٨.

٦٠ ـ البيت لم نجده ولم نعلم قائله.

(٦١ ـ ٦٢) ـ البيتان لم أجدهما بعد البحث والتنقيب.

١٠٢

وأما الممدود فقول يزيد بن الطثرية (١) :

٦٣ ـ قالت : رمى الله أعدانا لصاحبه

آمين آمين ربّ الناس آمينا

وقال آخر :

٦٤ ـ يا ربّ لا تسلبنّي حبّها أبدا

ويرحم الله عبدا قال آمينا

ولبعض موالي أهل المدينة يخاطب ابن الزّبير :

٦٥ ـ لو كان بطنك شبرا قد شبعت وقد

أفضلت فضلا كثيرا للمساكين

٦٦ ـ فإن تصبك من الأيام جائحة

لا نبك منك على دنيا ولا دين

٦٧ ـ ولا نقول إذا يوما نعيت لنا

إلا بآمين ربّ الناس آمين

فخفض النون فجعل آمين اسما مضافا إلى ما بعده ، وهو من باب الأسماء التي تعرب بوجوه الإعراب.

وقال ابن قتيبة (٢) : معنى آمين بعد فاتحة الكتاب يا آمين أجب دعانا ،

__________________

(١) من شعراء بني أمية ، كان شاعرا مطبوعا عاقلا ، كامل الأدب ، وافر المروءة ، سخيا شجاعا قتل في إحدى المعارك سنة ١٢٦ ه‍.

٦٣ ـ البيت لم نجده في الديوان ، ولعلّ الديوان لم يستوعب كل شعره.

٦٤ ـ البيت لمجنون ليلى. وقيل : لعمر بن أبي ربيعة.

وهو في ديوان مجنون ليلى ص ٢٨٣ ، شذور الذهب ص ١٥١ ، وتفسير القرطبي ١ / ١٢٨ ، واللسان مادة أمن ، والمشوف المعلم ١ / ٧٩.

٦٥ ـ ٦٦ ـ ٦٧ ـ الأبيات لأبي وجزة مولى لأهل المدينة يهجو ابن الزبير ، حيث كانت تكفيه أكلة لأيام ويقول : إنما بطني شبر في شبر ، فما عسى أن تكفيه أكلة ، فقال أبو وجزة الأبيات ورماه بالبخل وهي في الزاهر ١ / ١٦١ والعقد الفريد ٧ / ١٦٨.

(٢) هو أبو محمد عبد الله بن قتيبة الدينوري ، النحوي اللغوي ، سكن بغداد وحدّث عن ابن راهويه وأبي حاتم السجستاني ، وروى عنه ابن درستويه وتصانيفه كلها مفيدة ، منها غريب القرآن الكريم ، وغريب الحديث وتأويل مشكل القرآن ، توفي سنة ٢٧٦ ه‍ وقت السحر بعدما تشهّد.

١٠٣

فسقطت «يا» كما سقطت «يا» من قوله : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) (١) ، وتأويله : يا يوسف.

قال : ومن طوّل الألف فقال : آمين ، أدخل همزة النداء على آمين ، كما يقال : أزيد أقبل ، ومعناه : يا زيد.

فذهب ابن قتيبة إلى أنّه كقراءة من قرأ : أمن هو قانت آناء الليل (٢). يريد : يا من هو.

وكقول الشاعر :

٦٨ ـ أأحمر إمّا أهلكنّ فلا تكن

لمولاك مهوانا ولا للأقارب

أراد : يا أحمر.

ـ وقال بعضهم : هذا لو كان كما ذهب إليه ابن قتيبة لكان النون فيه مرفوعا ؛ لأنّ المنادى إذا كان مفردا كان مضموما ، كما تقول : يا لطيف يا عليم.

فلما أجمعت القرّاء والنحويون على فتح نونه علم أنّه ليس كذلك.

ـ فإن قيل : هل له في أصل اللغة أنّ «آمين» يكون بمعنى اسمع واستجب ، أو اسمع على ما سبق ذكره؟

قلنا : ليس كلّ ما يؤثر عن المفسرين يوجد له أصل في اللغة.

ـ روينا عن زر بن حبيش (٣) أنه قال :

__________________

(١) سورة يوسف : آية ٢٩.

(٢) سورة الزمر : آية ٩ ، وهي قراءة نافع وابن كثير وحمزة.

٦٨ ـ البيت ذكره ابن الأنباري في الزاهر ٢ / ٢٦٢ ولم ينسبه.

(٣) أحد الأعلام يكنى أبا مطرف ، أخذ القراءة عن عبد الله بن مسعود وعثمان بن عفان وعليّ بن أبي طالب وأخذ عنه عاصم والأعمش ، وكان عبد الله بن مسعود يسأله عن الغريب ، توفي في وقعة الجماجم سنة ٨٢ ه‍.

راجع غاية النهاية ١ / ٢٩٤.

١٠٤

قرأت على عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه ، فلما بلغت الحواميم قال لي : يا زرّ قد بلغت عرائس القرآن ، فلما بلغت رأس العشرين من حم عسق (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ...) الآية : بكى حتى ارتفع نحيبه ثم رأسه وقال : يا ربّ أمّن على دعائي (١) ، وذكر الحديث.

قال الشيخ الإمام رضي الله عنه : هذا من أغرب ما في آمين ، حيث دعا ربه أن يؤمن على دعائه.

إن صحّت هذه الرواية هكذا ولقوله «يا رب أمّن على دعائي» فقد غمض علمه عندنا فعلينا أن نقتدي بالأئمة ، ونجريه كما أجروه ، وإن لم نعرف حقيقته ، ولم نجد له في اللغة والنحو أصلا ، كما جاء عن الأئمة في تفسير بعض الآيات ، مما يشكل على أهل اللغة أصلها وبناؤها كقوله تعالى : (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ) (٢).

قال بعض المفسرين : معناه حاضت (٣). فأين محل حاضت من

__________________

(١) الحديث أخرجه ابن النجار في تاريخه عن رزين بن حصين قال : قرأت القرآن من أوله إلى آخره على عليّ بن أبي طالب ، فلما بلغت الحواميم قال لي : قد بلغت عرائس القرآن فلما بلغت اثنتين وعشرين آية من حم عسق بكى ، ثم قال : اللهم إني أسألك إخبات المخبتين ، وإخلاص الموقنين ، ومرافقة الأبرار ، واستحقاق حقائق الإيمان ، والغنيمة من كل برّ ، والسلامة من كل إثم ورجوت رحمتك ، والفوز بالجنة والنجاة من النار ، ثم قال : يا رزين إذا ختمت فادع بهذه فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمرني أن أدعو بهن عند ختم القرآن.

(٢) سورة هود : آية ٧١.

(٣) قال مجاهد وعكرمة : ضحكت : حاضت.

وأنشد اللغويون على ذلك :

إني لآتي العرس عند طهورها

وأهجرها يوما إذا تك ضاحكا

 ـ

١٠٥

ضحكت في اللغة ، إلا ما حكي من بعض أهل اللغة أنه قال : ضحّكت الأرنب إذا خرج من قبلها دم ، كان هذا استعارة من ذلك ، والله أعلم.

وكقوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) (١).

قيل في تأويله : حضن (٢). [رواه مجاهد عن أبيه].

قال الشيخ الإمام رضي الله عنه : فهذا لا يصح إلا بإضمار كلمة. تقديره : أكبرن له ، أو أكبرن به. ونظيره قول عنترة :

٦٩ ـ ولقد أبيت على الطوى وأظلّه

حتى أنال به كريم المطعم

يعني : أظلّ عنه. والطوى : الجوع.

ومنها قوله تعالى : (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) (٣).

قال الشيخ الإمام رضي الله عنه : عن عليّ بن أبي طالب في معناها : سل ربّك إليه سبيلا. فأول ما قرع سمعي هذه المقالة كنت أبدي عجبا ،

__________________

ـ وقال آخر :

وضحك الأرانب فوق الصفا

كمثل دم الجوف يوم اللقا

والعرب تقول : ضحكت الأرنب إذا حاضت. وروي عن ابن عباس وعكرمة.

أخذ من قولهم : ضحكت الكافورة ـ وهي قشرة الطلع ـ إذا انشقت.

(١) سورة يوسف : آية ٣١.

(٢) قاله قتادة ومقاتل والسدّي.

وقال الشاعر في ذلك :

نأتي النساء على أطهارهن ولا

نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا

وأنكر ذلك أبو عبيدة ، وقيل : البيت مصنوع مختلق.

٦٩ ـ البيت في ديوانه ص ٥٧ لكن الرواية [المأكل] بدل المطعم.

(٣) سورة الإنسان : آية ١٨.

١٠٦

وقلت : ليس هذا من قبل عليّ رضي الله عنه مع فصاحته وفضله ، وأين خبر تسمى (١)؟

وذكرت في كتابي «الموضح» هذا القول ، وقلت : ليس هذا من عليّ ، حتى وجدت في بعض كتب المتقدمين أنّ هذا من قبل عليّ رضي الله عنه ، فسلّمت ، وعددته من جملة ما ورد عن أهل التفسير ، مما لا أصل له في اللغة.

ـ ومنها قوله تعالى : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا) (٢). الوقف على (لا) (٣) ، ثم تجعل (تَقْتُلُوهُ) ابتداء. فهذا غير مفهوم عند النحويين.

__________________

(١) قال الجاحظ : وقال آخرون في قوله تعالى : (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) قالوا : أخطأ من وصل بعض هذه الكلمة ببعض. قالوا : وإنّما هي : سل سبيلا إليها يا محمد.

فإن كان كما قالوا فأين معنى تسمّى ، وعلى أيّ شيء وقع تسمى؟ فتسمّى ماذا؟ وما ذلك الشيء؟ ا ه.

راجع الحيوان ١ / ٣٤٤.

أقول : ـ وهذا من المنسوب إلى سيدنا عليّ زورا وبهتانا.

ومثل هذا ما ذكره الحافظ ابن حجر قال : ذكر لي الحافظ صلاح الدين الأقفهسي أنّه سمع محمدا الكلائي الملقب صلاح الدين أحد المذكّرين يقول في تفسير قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ) ـ : من ذلّ ذي : ذلّ نفسه ، وذي : إشارة إلى النفس ، يشف : يحصل له الشفاء ، ع : افهموا. قال : فذكرت ذلك للشيخ زين الدين الفارسكوري فمشى معي إلى الشيخ سراج الدين البلقيني ، وأرسل إليه وعزّره ومنعه من الكلام على الناس.

راجع إنباء الغمر ٢ / ٨٨.

(٢) سورة القصص : آية ١٨.

(٣) روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : الوقف لا ، لأن امرأة فرعون قالت : قرة عين لي ولك ، فقال لها فرعون : أمّا لك فنعم ، وأمّا لي فلا ، ليس هو قرة عين ، فكان كما قال.

قال الفراء وأبو حاتم وجماعة من أهل الكوفة : إنّ هذا لحن ولا وجه لهذا الوقف في العربية ؛ لأنه لو كان كذلك لقال : تقتلونه ، بنون الرفع ، إذ لا مقتضي لحذفها ؛ لأنّ ـ

١٠٧

وقوله تعالى : (وَلَوْ لا رَهْطُكَ) (١) قال بعضهم : شيبتك.

وقوله : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (٢). قيل : طريق مكة.

وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (٣).

لا يرضى عمل القبط.

وقوله تعالى : (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ) (٤) طاعة الله ، عن مجاهد.

وذكر الفراء : بقية الله : مراقبة الله (٥).

__________________

ـ حذفها إنما كان للنهي ، فإذا بطل أن يكون نهيا ، وجب ثبوت النون ، فلما جاء بغير نون علم أن العامل في الفعل «لا» فلا يفصل منه.

وهذا القول إقدام من قائله على مثل ابن عباس ، وهو الإمام المقدّم في الفصاحة والعربية وأشعار العرب ، وتأويل الكتاب والسنة.

قال السدي : قال ابن عباس : لو أنّ فرعون قال : هو قرة عين لي لكان ذلك إيمانا منه ، ولهداه الله لموسى ، كما هدى زوجته ، ولكنه أبى فحرم.

ولقول ابن عباس مذهب سائغ في العربية ، وهو أن يكون «تقتلوه» معه حرف جازم قد أضمر قبل الفعل ، لأن ما قبله يدل عليه فكأنه قال : قرة عين لي ولك لا ، ثم قال : لا تقتلوه عسى أن ينفعنا ، وتكون «لا» الأولى قد دلت على حذف الثانية ، وقد جاء إضمار «لا» في القرآن في قوله : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ،) أي : لئلا تضلوا ، وجاء في الشعر إضمار اللام كقول أبي طالب يخاطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

محمد تفد نفسك كلّ نفس

إذا ما خفت من أمر تبالا

راجع منار الهدى في الوقف والابتداء ص ٢٨٩.

(١) سورة هود : آية ٩١.

(٢) سورة الأعراف : آية ١٦.

(٣) سورة يونس : آية ٨١.

(٤) سورة هود : آية ٨٦.

(٥) انظر معاني القرآن ٢ / ٢٥.

١٠٨

وقوله تعالى : (فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) (١).

أي : تجعل كلّ واحدة منهما الأخرى ذكرا في قول الشهادة.

فهذا ما يروى عن أبي عمرو بن العلاء (٢) وسفيان بن عيينة (٣).

وقوله تعالى : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (٤) ، قيل : المشط.

والآية نزلت في كشف العورة ولبس الثياب عند الطواف ، ولها قصة (٥).

__________________

(١) سورة البقرة : آية ٢٨١.

خففّ الذال والكاف ابن كثير وأبو عمرو ، وعليه فيكون المعنى : أن تردها ذكرا في الشهادة لأن شهادة المرأة نصف شهادة ، فإذا شهدتا صار مجموعهما كشهادة ذكر.

قاله سفيان بن عيينة وأبو عمرو بن العلاء.

وفيه بعد ، إذ لا يحصل في مقابلة الضلال الذي معناه النسيان إلا الذّكر ، وهو معنى قراءة الجماعة «فتذكّر» بالتشديد. أي : تنبهها إذا غفلت ونسيت.

راجع تفسير القرطبي ٣ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨.

(٢) هو أحد القراء السبعة ، كان أعلم الناس بالقرآن والعربية والشعر.

قال الأصمعي : سألت أبا عمرو عن ألف مسألة فأجابني فيها بألف حجة ، وكانت كتبه تملأ بيته إلى السقف ثم تنسك فأخرجها كلها ، وكان إذا دخل رمضان لم ينشد بيت شعر حتى ينقضي ، توفي سنة ٦٨ ه‍.

(٣) يكنى أبا محمد ، كان إماما عالما ، ثبتا حجة ، ورعا ، مجمعا على صحة حديثه ، حج سبعين حجة ، وكان مقيما بمكة ، روى عن الزهري وأبي إسحاق السبيعي وعاصم ، وعنه الشافعي وشعبة بن الحجاج وغيرهما توفي بمكة سنة ١٩٨ ه‍.

(٤) سورة الأعراف : آية ٣١.

(٥) وقصته أخرجها مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال :

كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة ، وتقول : من يعيرني تطوافا؟ تجعله على فرجها وتقول :

اليوم يبدو بعضه أو كلّه

وما بدا منه فلا أحلّه

فنزلت هذه الآية : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ.)

وأذّن مؤذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألا لا يطوف بالبيت عريان.

١٠٩

ـ وقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) (١).

قال أهل التفسير : أخلص قلوبهم.

وقال الزّجاج : وهو يخرّج على تفسير حقيقة اللغة ، فمعناه : اختبر الله قلوبهم فوجدهم مخلصين.

وقوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) (٢).

قيل : إنها واد في جهنم (٣). وقيل : جبل في النار ، وقيل : جبّ في جهنم.

وفي اللغة : كلمة تستعمل في كل من وقع في ورطة أو هلكة.

وقوله تعالى : (قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا) (٤). أي : حقيرا.

وقوله تعالى : (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) (٥).

قال الزهري (٦) : حسن الصوت. وقال قتادة (٧) : الملاحة في العينين.

__________________

(١) سورة الحجرات : آية ٣.

(٢) سورة المطففين : آية ١.

(٣) جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره».

أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما. راجع الفتح الكبير ٣ / ٣٠٥.

(٤) سورة هود : آية ٦٢.

(٥) سورة فاطر : آية ١.

(٦) هو أبو بكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، أحد الفقهاء المحدثين ، والأعلام التابعين بالمدينة ، رأى عشرة من الصحابة منهم ابن عمر ، وأخذ عن الإمام مالك وابن عيينة والثوري. توفي سنة ١٢٤ ه‍.

(٧) هو قتادة بن دعامة ، أبو الخطاب الضرير ، كان قدوة المفسرين والمحدثين ، ومن أوعية العلم وسادات التابعين ، يضرب به المثل في قوة الحافظة ، وكان مع علمه بالحديث رأسا في الغريب والعربية والأنساب توفي سنة ١١٧ ه‍.

١١٠

وإنما نزلت هذه الآية في ذكر أجنحة الملائكة.

وقوله تعالى : (فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) (١).

قيل : السماع. فأي نسبة بين السماع والحبور؟

وقوله تعالى : (بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) (٢).

قيل : هي الحبة الخضراء.

(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) (٣).

قيل : هي الفقر ، عن الشعبي (٤).

وقوله تعالى : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (٥) ، قيل : السفيه الجاهل.

وقوله تعالى : (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) (٦) بباطل.

وقوله تعالى : (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) (٧).

وأطبقت المفسرون على أنه وسوسة الشيطان. وفي حقيقة اللغة الرجز : العذاب.

__________________

(١) سورة الروم : آية ١٥.

(٢) سورة يوسف : آية ٨٨.

مزجاة : أي تدفع ولا يقبلها كل أحد. وقيل : الحبة الخضراء والصنوبر حيث يؤكل ويعصر الزيت منه لعمل الصابون. قاله أبو صالح.

راجع تفسير القرطبي ٩ / ٥٣.

(٣) سورة البقرة : آية ١٩١.

(٤) هو عامر بن شرحبيل ، تابعي جليل من أهل الكوفة ، مرّ به ابن عمر وهو يحدّث بالمغازي ، فقال : شهدت القوم وإنه أعلم بها مني ، كان يجالس عبد الملك بن مروان ، توفي بالكوفة سنة ١٠٤ ه‍.

(٥) سورة هود : آية ٨٧.

(٦) سورة الرعد : آية ٣٣.

(٧) سورة الأنفال : آية ١١.

١١١

قال عليّ بن أبي طالب في قوله تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (١) ، أي : ضع يمينك على شمالك في الصلاة (٢).

وقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) (٣).

قال مقاتل (٤) : على شك. فأي نسبة بين الحرف والشك (٥)؟

وقوله تعالى : (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) (٦).

قيل في تفسيره : إن هذا شيء لا يتم ولا يكون ، فأيّ نسبة بين قوله «يراد» وبين لا يتم؟!

* * *

__________________

(١) سورة الكوثر : آية ٢.

(٢) قال عليّ بن أبي طالب ومحمد بن كعب : المعنى ضع اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة. وروي عن ابن عباس أيضا.

راجع تفسير القرطبي ٢٠ / ٢١٩.

(٣) سورة الحج : آية ١١.

(٤) هو مقاتل بن سليمان الخراساني ، كان مشهورا بتفسير كتاب الله تعالى ، وله التفسير المشهور ، أخذ عن مجاهد بن جبر وعطاء والضحاك ، قال الشافعي : الناس كلهم عيال على مقاتل في التفسير. وقد اختلف فيه العلماء ، فمنهم من وثقه ومنهم من لم يوثقه. توفي سنة ١٥٠ ه‍.

(٥) قال مجاهد وغيره : «على حرف» على شك ، والنسبة بين الحرف والشك أنهما كلاهما على غير ثبات. وحقيقته أنه على ضعف في العبادة كضعف القائم على حرف مضطرب فيه ، وحرف كل شيء : طرفه وشفيره وحدّه.

(٦) سورة ص : آية ٦.

١١٢

ومن سورة البقرة

باب

الحروف المقطعات

ـ إن سأل سائل عن قوله تعالى : (الم ،) و (المص ،) و (الر ،) و (المر) وسائر الحروف المقطعات فقال : إن كان هذا القرآن نزل على مجرى لغة العرب ، فهل سمعتم أحدا منهم يقول : زيم بمعنى زيد منطلق؟!

أو ألف باسط بمعنى ابسط يدك؟

وهل هذا في شيء من كلام العرب؟

الجواب عنه :

نقول ـ وبالله التوفيق ـ : إنّ أهل العلم قد تكلموا في هذا.

قال الضّحاك (١) : إن لله تعالى في كل كتاب مع كل نبيّ سرا ، وسر كتاب الله تعالى مع نبيه في القرآن حروف التهجي ، وهكذا روي عن الشعبي.

وذكر أبو عبيد الطوسي (٢) في إشاراته ما يقوي هذا فقال :

__________________

(١) هو الضحاك بن مزاحم ، تابعي جليل ، وردت عنه الرواية في حروف القرآن ، سمع سعيد بن جبير وأخذ عنه التفسير ، وهو من أهل خراسان. توفي سنة ١٠٥ ه‍.

(٢) اسمه سهل بن أحمد الطوسي ثم الأبيوردي.

قال عبد الغافر : فاضل فقيه من أفاضل فقهاء الشافعية ، سمع من المخالدي وطبقته ، وهو من بيت العلم والحديث والدين. مات في حد الكهولة.

راجع طبقات الشافعية الكبرى ٤ / ٣٩٢.

١١٣

ألا ترى أن الله تعالى يقول : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (١) وهكذا قوله : (فَغَشَّاها ما غَشَّى) (٢) ستر عن كل رقيب ما كان بينه وبين حبيبه.

قال الشيخ الإمام رضي الله عنه : قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» (٣) يدلّ هذا على أنّه كان بينه وبين ربّه أسرار (٤). والله أعلم.

ـ قيل : إنّ هذا شعار لسورة وعلامة لها ، ولله تعالى أن يعلّم الأشياء ويسمّيها كما يريد كما سمّى الفرس فرسا ، والخيل خيلا ، والأرض أرضا للعلامة.

كذلك جعل هذه الأحرف علامة للسور ، حتى إنّه لو قيل لرجل : أيّ سورة قرأت؟ فيقول : سورة «آلم» و «المص» وأشباه ذلك.

ـ وقيل : إنّ هذه الحروف جعلها الله علامة لانقضاء سورة كانت قبلها ، وابتداء أخرى وذلك موجود في كلام العرب ، بينما الرجل ينشد الشعر ، ثم يدخل في كلامه بلى أو بل أو نعم ، علامة لانقضاء كلام الأول وابتداء الآخر.

__________________

(١) سورة النجم : آية ١٠.

(٢) سورة النجم : آية ٥٤.

(٣) الحديث أخرجه الشيخان ، وزاد البخاري : «فغطى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجوههم لهم خنين» وهو في البخاري في كتاب التفسير في سورة المائدة ، وكتاب الرقائق ، وكتاب الاعتصام.

وراجع زاد المسلم للشنقيطي ٢ / ١٠٥ ، وفتح الباري ٨ / ٢٨٠.

(٤) ومما يدل على هذا المعنى ما ذكره البرسوي في تفسيره فقال :

لما كلّم الله موسى بالواد المقدس قال له : (فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي.) ولما عرج بنبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال الله تعالى : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) إلا أنه ما أفشاه ، وكان سرا ، لم يؤهل له أحد من الخلق.

راجع روح البيان ٥ / ٣٧٤.

١١٤

قال الشاعر :

٧٠ ـ بل وبلدة ما الإنس من آهالها

...

وكقول الآخر :

بل ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا

...

وكقول الآخر :

٧٢ ـ بلى فانهلّ دمعك غير نزر

كما عيّنت بالسّرب الطّبابا

و (بلى) ليست من هذا البيت ولا تعدّ في وزنه ، ولكن قطع بها كلاما واستأنف آخر.

وقال قوم : إنّها حروف إن وصل بعضها ببعض كانت هجاء لشيء يعرف معناه. وقد أولي علم ذلك بعض الناس.

ـ وقال بعضهم : هي أسماء الله تعالى متفرقة حروفها في القرآن ، مثل : «الر» و «حم» و «ن» يكون جملتها اسم الرحمن.

وقوله (كهيعص) الكاف : كاف ، والهاء هاد ، والعين عالم ، والياء أمين ، والصاد صادق.

__________________

٧٠ ـ الرجز لم يعلم قائله ، وهو في معاني القرآن للأخفش ١ / ٢١ ، وشرح ابن يعيش ٥ / ٧٣ ، ولسان العرب ـ مادة (بلل) ١١ / ٧٠ وبعده :

ترى بها العوهق من وئالها

كالنار جرّت طرفي حبالها

٧١ ـ البيت للعجاج وعجزه : [من طلل كالأتحمي أنهجا].

والأتحمي : برد يمني تشبّه به الأطلال من أجل الخطوط التي فيه ، وأنهج الثوب : أخذ في البلى.

ـ والبيت في الصاحبي ص ١٧٣ ، ومغني اللبيب رقم ٧٠١ ، واللسان ـ مادة (بلل) ١١ / ٧٠ ، وكتاب سيبويه ١ / ٢٩٩.

٧٢ ـ البيت لجرير وقد تقدم برقم ٤٧ ، وهو في أمالي القالي ٢ / ٢٠٣.

١١٥

ـ وقال بعضهم : هذه أقسام ، فإنه أقسم بآلائه ولطفه ومجده.

وقيل : ألف : الله ، ولام : جبريل ، وميم : محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

كأنه أقسم بالله الذي نزّل لقرآن ، وبجبريل الذي أتى بالقرآن ، وبمحمد الذي بلّغ القرآن. وقيل : إن المعنى : الله أنزل القرآن ، وجبريل أتى به إلى محمد عليه‌السلام.

ـ وقيل في قوله : (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) (١).

إنّ قاف جبل محدق بالدنيا (٢) ، كأنه أقسم بقدرته على خلقه.

وقيل : إنه بالقاف أشار إلى قدرته.

وقيل في قوله : (يس)، معناه : يا إنسان بلغة عك.

ـ وقيل في قوله : (طسم): طا : طوله ، وسين : سناؤه ، وميم : مجده.

وقوله : (طه ،) أي : يا رجل بلغة عك.

__________________

(١) سورة ق : آيتان ١ ـ ٢.

(٢) قال العلامة مفتي الشام أبو اليسر عابدين رحمه‌الله تعالى : وقد ذكر ابن كثير في أول سورة «ق» فقال : وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا : ق جبل محيط بجميع الأرض يقال له جبل قاف. وكأن هذا ـ والله أعلم ـ من خرافات بني إسرائيل ، التي أخذها عنهم بعض الناس ، لما رأى من جواز الرواية عنهم بما لا يصدّق ولا يكذب. ا. ه.

وعندي : أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم ، يلبسون به على الناس أمور دينهم ، وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله : «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» ، فيما قد يجوزه العقل ، وأما فيما تحيله العقول ، ويحكم فيه بالبطلان ، ويغلب على الظنون كذبه فليس من هذا القبيل. والله أعلم. ا. ه. كلامه بتصرف.

راجع أغاليط المؤرخين ص ٩.

قلت : ورحم الله القائل :

ونؤثر حكم العقل في كل شبهة

إذا أثر الأخبار جلّاس قصّاص

١١٦

ـ وفي قوله : (ص وَالْقُرْآنِ :) إنه من المصادة (١) ، أي : صاد بالقرآن عملك.

ـ وروي عن عليّ رضي الله عنه أنه قال : «ص» اسم بحر في السماء (٢).

ـ وقيل في قوله : (ن :) إنّه الحوت الذي عليه الأرض (٣).

ـ وقيل في قوله : (حم ،) أي : حمّ وقضي ما هو كائن.

وقيل أيضا : إن الحاء حلمه ، والميم ملكه.

وقال محمد بن كعب (٤) : قسم ، أقسم الله بحلمه وملكه أن لا يعذّب أحدا عاد إليه يقول : لا إله إلا الله من قلب صاف.

و (حم عسق :)

قال السّدي (٥) : أقسم الله تعالى بحلمه ومجده وعلمه وسنائه وقدرته ألا يعذب أحدا بناره ، قال : لا إله إلا الله مخلصا.

ـ وعن ابن عباس رضي الله عنه : في (حم) ثلاثة أقوال :

أحدها : أنّها اسم الله الأعظم.

__________________

(١) وهي المعارضة والمقابلة.

(٢) وهذا مما لا يصح عن عليّ ، بل هو من وضع الزنادقة ليشوهوا صفحة الدين.

(٣) وهذا من الخرافات التي لا تصح ولا تصدق.

(٤) هو محمد بن كعب القرظي ، تابعي جليل ، ولد في حياة النبي ، وقيل : رآه. روى عن فضالة بن عبيد وعائشة وأبي هريرة ، وعنه ابن المنكدر وغيره. قال ابن عون : ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من القرظي.

والقرظي نسبة إلى بني قريظة. توفي سنة ١١٧ ه‍.

(٥) هو إسماعيل بن عبد الرحمن الأعور ، قال بعضهم : كان أعلم بالقرآن من الشعبي.

ومرّ به إبراهيم النخعي وهو يفسر فقال : إنه يفسر تفسير القوم. توفي سنة ١٢٧ ه‍.

١١٧

والثاني : أنّه قسم أقسم الله به.

والثالث : أنّها حروف مقطّعة من أسماء الله تعالى.

وفي قوله : (الم :) أنا الله أعلم.

و (المص :) أنا الله أعلم وأفصل.

و (المر :) أنا الله أرى.

ـ فإن قيل : هل يجوز مثل هذا؟ وهل له نظائر في لغة العرب؟

الجواب عنه :

قلنا : لو لا جوازه ما اجتمع عليه المفسرون ، وقد وجدنا في أشعار العرب أنه يتقولون بحرف واحد ، ويريدون به جمل الكلام ؛ أما سمعت قول القائل :

٧٣ ـ قلت لها قفي قالت قاف

لا تحسبي أنّا نسينا الإيجاف

أي : وقفت ، فاكتفى بحرف واحد عن الجملة.

٧٤ ـ نادوهم ألا الجموا ألا تا

قالوا جميعا كلهم ألا فا

المعنى : نادوهم ألا تركبون ، قالوا : ألا فاركبوا ، فاكتفى بالتاء عن جملة الكلمة.

__________________

٧٣ ـ البيت للوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وهو يحدو ناقته.

وهو في الخصائص ١ / ٣٠ ، وتفسير القرطبي ١ / ١٥٥ ، وبصائر ذوي التمييز ٤ / ٢٥٥ ، ومعاني القرآن للفراء عند قوله تعالى : (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ،) وضرائر الشعر ص ١٨٦.

٧٤ ـ الرجز لذي الرمة. نسبه إليه ابن عصفور في كتاب ضرائر الشعر ص ١٨٥.

وهو في تفسير القرطبي ١ / ١٥٦ ، ولسان العرب في المقدمة ص ١١ وفيه :

ناديتهم أن ألجموا ألا تا

قالوا جميعا كلهم ألا فا

١١٨

وقال الآخر :

٧٥ ـ ما للظليم عاك كيف لا يا

ينقدّ عنه جلده إذا يا

يهبي التراب فوقه إهبايا

قيل : إنّ معناه كيف لا ينصرف وينقد عنه جلده إذ يهبي التراب إهباء.

وقال الآخر :

٧٦ ـ جارية قد وعدتني أن تا

تدهن رأسي وتفلّيني وا

قيل معناه : وعدتني أن تأتي ، فاقتصر على (تا) و (وا) وأفضله للقوافي.

وقال غيلان :

٧٧ ـ نادوهم أن ألجموا ألا يا

صوت امرىء للجلّيات عيّا

__________________

٧٥ ـ الرجز ذكره الطبري في تفسيره ١ / ٩١ ، وهو في اللسان ـ مادة (يا) ١٥ / ٤٩٣ ، لكن شطره الثالث [يذري التراب خلفه إذرايا].

والشطر الثالث في الخصائص ٢ / ٣٤٨ ، والأشباه والنظائر ١ / ٢٨٠.

يقال : فرس معكّ : يجري قليلا ثم يحتاج إلى الضرب ، وأهبا الفرس أثار الهباء وهو الغبار ، والنّقد : تقشر في الحافر وتأكّل في الأسنان.

٧٦ ـ الرجز لحكيم بن معاوية التميمي.

وهو في همع الهوامع للسيوطي ٦ / ٢١٩ ، والخصائص ١ / ٢٩١ ، ولسان العرب ـ مادة (فلا) ١٥ / ١٦٢ ، وضرائر الشعر ص ١٨٦.

والشطر الأول في المساعد شرح تسهيل الفوائد.

ويروى :

قد وعدتني أمّ عمرو أن تا

تمسح رأسي وتفلّيني وا

تمسّح القنفاء حتى تنتا

والقنفاء : الكمرة ، وتنتا أي تنتأ وتبدو ، فأبدل الهمزة إبدالا صحيحا ، وفلا رأسه :

بحث عن القمل.

٧٧ ـ الرجز لذي الرمة وهو في اللسان ـ مادة (وا) ١٥ / ٤٩٠ ، وفيه بعده :

ثم تنادوا بين تلك الضوضى

منهم بهاب وهلا ويا يا

 ـ

١١٩

معناه : ألا يسمعون صوت امرىء ينادي للجليات ، والجليات : ميدان ، وقوله : عيّا أي هيا.

وقال الآخر :

٧٨ ـ بالخير خيرات وإن شرا فا

ولا أريد الشرّ إلا أن تا

المعنى : أنا لا أريد إلا أن تريد أنت.

وقال الآخر :

٧٩ ـ يذكّرني حاميم والرمح شاجر

فهلا تلا حاميم قبل التقدم

__________________

ـ

نادى مناد منهم ألا تا

صوت امرىء للجليّات عيّا

قالوا جميعا كلهم بلا فا

أي : بلى فإنا نفعل.

٧٨ ـ البيت نسب لزهير بن أبي سلمى وليس في ديوانه ، وهو للقيم بن أوس.

وهو في تفسير القرطبي ١ / ١٥٥ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٩٤ ، وكتاب سيبويه ٢ / ٦٢ ، وضرائر الشعر ص ١٨٥ ، وما يجوز للشاعر في الضرورة ص ١٨٢.

ورواه ابن جني :

بالخير خيرات وإن شرا فأا

ولا أريد الشر إلا أن تأا

قال : والقول في ذلك عندي أنه يريد فأ وتأ ، ثم زاد على الألف ألفا أخرى توكيدا ، كما تشبع الفتحة فتصير ألفا ، فلما التقت ألفان حرّك الأولى فانقلبت همزة.

راجع سر الصناعة ١ / ٩٤.

٧٩ ـ البيت لشريح بن أوفى العبسي قاتل محمد بن طلحة يوم الجمل ، حيث كان محمد بن طلحة آخذا بخطام الجمل ويحمل على الناس ويقول : حم لا ينصرون ، فاجتمع عليه قوم فقتله شريح وفي ذلك يقول :

وأشعث قوّام بآيات ربه

قليل الأذى فيما ترى العين مسلم

هتكت له بالرمح جيب قميصه

فخرّ صريعا لليدين وللغم

يذكرني حاميم والرمح شاجر

فهلا تلا حاميم قبل التقدم

وانظر القصة بتمامها في الكامل لابن الأثير ٣ / ٢٥٠.

والبيت في تفسير القرطبي ١٥ / ٢٩٠ ، وتفسير الماوردي ٣ / ٤٧٨ ، والمقتضب ١ / ٣٧٣ ، والبحر المحيط ٧ / ٤٤٦.

١٢٠