تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٢

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٢

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

[٩٧٧٧] جرجة بن عبد الله الرومي

أسلم على يدي خالد بن الوليد يوم اليرموك وحسن إسلامه ، وقاتل الروم فاستشهد في يومه.

وكان قائدا من قواد الروم وخرج يوم اليرموك حتى كان بين الصفين ، ونادى : ليخرج إلي خالد ، فخرج إليه خالد وأقام أبا عبيدة مكانه ، فوافقه بين الصفين حتى اختلفت أعناق دابتيهما وقد أمن أحدهما صاحبه ، فقال جرجة : يا خالد ، اصدقني ولا تكذبني ، فإن الحر لا يكذب ، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله (١) ، هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاكه ، فلا تسلّه على جند أبدا إلا هزمتهم؟ فقال : لا. قال : فبم سمّيت سيف الله؟ فقال : إن الله عزوجل بعث فينا نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدعانا فنفرنا منه ونأينا عنه جميعا ، ثم إن بعضنا صدقه وتابعه ، وبعضنا كذبه وباعده ، فلما ناوأنا كنا على ذلك (٢) ، فكنت فيمن كذبه وباعده وقاتله ، ثم إن الله عزوجل أخذ بقلوبنا ونواصينا إليه ، فهدانا به فتابعناه (٣) فقال : أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين (٤). قال : صدقتني. ثم أعاد عليه جرجة : يا خالد ، أخبرني إلام تدعون؟ فقال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله. قال : فمن لم يجبكم؟ قال : فالجزية ونمنعكم (٥). قال : فمن لم يعط (٦) هذا؟ قال : نؤذنه بحرب ثم نقاتله. قال : فما منزلة الذي يدخل فيكم ويجيبكم إلى هذا الأمر اليوم؟ قال : منزلتنا واحدة فيما افترض الله عزوجل علينا ، شريفنا ووضيعنا ، أولنا وآخرنا. ثم أعاد عليه جرجة : يا خالد ، هل لمن دخل فيكم اليوم مثل مالكم من الأجر والذخر؟ قال : نعم ، وأفضل. قال : وكيف يساوي بكم (٧) وقد سبقتموه؟ فقال : إنا دخلنا في

__________________

[٩٧٧٧] انظر أخباره في تاريخ الطبري ١ / ٣٣٧ والكامل لابن الأثير (الفهارس) ، وفتوح الشام للواقدي (الفهارس) والبداية والنهاية ٧ / ١٦ وما بعدها. وجرجة ضبطت عن الإكمال لابن ماكولا بفتح الجيم والراء والجيم الثانية.

(١) انظر الخبر في تاريخ الطبري ١ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨ حوادث سنة ١٣ وانظر الكامل لابن الأثير ٢ / ٤١٢ والبداية والنهاية ٧ / ١٦.

(٢) قوله : «فلما ناوأنا كنا على ذلك ، ليس في المصادر السابقة.

(٣) في البداية والنهاية : وبايعناه.

(٤) زيد في تاريخ الطبري : ودعا لي بالنصر ، فسميت سيف الله بذلك ، فأنا من أشد المسلمين على المشركين.

(٥) في تاريخ الطبري والبداية والنهاية : نمنعهم.

(٦) في تاريخ الطبري : فإن لم يعطها؟

(٧) الطبري والبداية والنهاية : يساويكم.

٦١

هذا الأمر (١) ، وبايعنا نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو حي بين أظهرنا تأتينا (٢) أخبار السماء ، ويخبرنا بالكتب ، ويرينا الآيات ، وحق لمن رأى ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع ، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا ، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب [والحجج](٣) فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا منزلة. قال جرجة : بالله لقد صدقتني ولم تخادعني ولم تألّفني؟ فقال : بالله لقد صدقتك ومالي إليك ، ولا إلى أحد منكم وحشة ، وإن الله لولي ما سألت عنه. فقال : صدقتني ، وقلب الترس ومال مع خالد وقال : علمني الإسلام ، فمال به خالد إلى فسطاطه فشنّ (٤) عليه قربة [من ماء](٥) ثم صلى به ركعتين.

وحملت الروم مع انقلابه إلى خالد ، وهم يرون أنها حملة ، فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية ، عليهم عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام ، وركب خالد ومعه جرجة ، والروم خلال المسلمين فتنادى الناس وثابوا ، وتراجعت الروم إلى مواقفهم ، فزحف بهم خالد حتى تصافحوا بالسيوف ، فضرب فيهم خالد وجرجة من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب ، ثم أصيب جرجة ولم يصلّ صلاة سجد فيها إلا الركعتين اللتين أسلم عليهما.

[٩٧٧٨] جرول بن أوس بن جؤيّة ويقال : جرول بن مالك

ابن جؤيّة بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس

ابن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر

أبو مليكة العبسي ، المعروف بالحطيئة

والحطيئة يهمز ولا يهمز ، فمن همزه جعله تصغير الحطأة وهي الضربة باليد (٦) ، ومن

__________________

(١) البداية والنهاية : إنا قبلنا هذا الأمر عنوة.

(٢) في تاريخ الطبري والبداية والنهاية : تأتيه.

(٣) زيادة عن الطبري والبداية والنهاية.

(٤) البداية والنهاية : فسنّ.

(٥) زيادة عن الطبري والبداية والنهاية.

[٩٧٧٨] ترجمته وأخباره في الأغاني ٢ / ١٥٧ والشعر والشعراء ١ / ٣٢٢ وفوات الوفيات ١ / ٢٧٦ وخزانة الأدب ٢ / ٤٠٦ و٣ / ٢٨٧ والوافي بالوفيات ١١ / ٦٩ وطبقات الشعراء للجمحي (الفهارس) وديوانه (ط. بيروت صادر).

وفي البداية والنهاية : جرول بن أوس بن مالك بن جؤية.

(٦) حطأ فلان فلانا ضرب ظهره بيده مبسوطة منشورة ، أي الجسد أصابت ، وهي الحطأة. وجاء في تاج العروس :

٦٢

لم يهمزه جعله من الحطاة وهي القملة الصغيرة ، شبه بها لقصره وقربه من الأرض ، وكان جوالا في الآفاق يمتدح الأماثل ويستجديهم.

وقدم حوران ممتدحا لعلقمة بن علاثة فمات علقمة قبل أن يصل إليه.

ولما أطلق عمر بن الخطاب الحطيئة من حبسه قال له : يا أمير المؤمنين ، اكتب لي كتابا إلى علقمة بن علاقة لأقصده به ، فقد منعتني التكسب بشعري ، فقال : لا أفعل. فقيل له : يا أمير المؤمنين ، وما عليك من ذلك علقمة ليس بعاملك فتخشى أن تأثم ، وإنما هو رجل من المسلمين ، قال : فشفع له إليه ، فكتب له ما أراد. فمضى الحطيئة بالكتاب ، فصادف علقمة قد مات ، والناس منصرفون عن قبره ، فوقف عليه ثم أنشد قوله (١) :

لعمري لنعم المرء من آل جعفر

بحوران أمسى أعلقته الحبائل

فإن تحي لا أملك حياتي وإن تمت

فما في حياة بعد موتك طائل

وما كان بيني لو لقيتك سالما

وبين الغنى إلا ليال قلائل

فقال له ابنه : كم ظننت علقمة يعطيك؟ قال : مائة ناقة يتبعها مائة من أولادها. فأعطاه إياها.

وقيل : إنه بلغه أنه في الطريق يريده ، فأوصى له بمثل سهم من سهام ولده.

قال محمد بن سلام (٢) :

قال الحطيئة لكعب بن زهير : قد علمت انقطاعي إليكم أهل البيت وروايتي إليك ولك ، فشرفني بأبيات تقولها فيّ. فقال كعب بن زهير :

فمن للقوافي بعدنا من يقيمها (٣)

إذا ما ثوى كعب وفوّز (٤) جرول

__________________

ـ والحطيئة : الرجل الدميم أو القصير ، ومنه لقب جرول الشاعر العبسي ، لدمامته. قاله الجوهري ، وقيل : كان يلعب مع الصبيان فسمع منهم صوت فضحكوا ، فقال : ما لكم إنما كانت حطيئة ، فلزمته نبزا. وقيل غير ذلك (حطأ : ١ / ١٣٧).

(١) الديوان ص ٩٩.

(٢) الخبر والبيتان في الأغاني ٢ / ١٦٥.

(٣) في الأغاني :

فمن للقوافي في شأنها من يحوكها

(٤) فوّز : مات.

٦٣

يقول فلا يعيا بشيء يقوله

ومن قائليها من يسيء ويعمل (١)

جرول هو الحطيئة ، والجرول : الحجر وهو الجراول. ويقال أرض جرلة.

قال الأصمعي :

قيل للحطيئة : من أشعر الناس؟ فأخرج لسانه وقال : هذا إذا طمع.

قال الشعبي :

كان الحطيئة وكعب (٢) عند عمر رضي‌الله‌عنه فأنشد الحطيئة (٣) :

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه

لا يذهب العرف بين الله والناس (٤)

فقال كعب : هي والله في التوراة ، لا يذهب العرب بين الله وبين خلقه (٥).

أراد الحطيئة المضي إلى بعض ملوك اليمن لقصيدة كان امتدحه ، فأمر أهله فشدّوا رحله على ناقته ، ثم ركبها وأنشأ يقول :

عدّي السنين إذا خرجت لغنية

ودعي الشهور فإنهنّ قصار

فأجابته بنية له في الخدر فقالت :

اذكر تحنّنا إليك وضعفنا

وارحم بناتك إنّهنّ صغار (٦)

قال : فحطّ رحله وأمسك عن ذكر الأسفار.

نزل الحطيئة برجل من العرب ومعه ابنته مليكة ، فلما جنّه الليل سمع غناء فقال لصاحب المنزل : كفّ هذا عني ، قال له : وما تكره من ذلك؟ فقال : إن الغناء رائد من رائدة الفجور ، ولا أحب أن تسمعه هذه ـ يعني ابنته ـ فإن كففته ، وإلّا خرجت عنك.

قالت مليكة بنت الحطيئة لأبيها : ما أصارك إلى القصار في الشعر بعد الطوال؟ قال :

__________________

(١) الأغاني : ويجمل.

(٢) يعني كعب الحبر. وهو كعب بن ماتع الحميري أبو إسحاق ، انظر ترجمته في تهذيب الكمال ١٥ / ٣٩٩.

(٣) الخبر والبيت في الأغاني ٢ / ١٧٤ باختلاف الرواية.

(٤) البيت في ديوان الحطيئة ص ١٠٩ من قصيدة يمدح بغيضا ويهجو الزبرقان ، وقد شكاه الزبرقان بها إلى عمر بن الخطاب ، ومطلعها :

والله ما معشر لاموا امرأ جنبا

في آل لأي بن شماس بأكياس

(٥) قال إسحاق ، راوي الخبر في الأغاني : والذي صح عندنا في التوراة : لا يذهب العرف بين الله والعباد.

(٦) ليس البيتان في ديوانه (ط. صادر. بيروت).

٦٤

لأنها في الآذان أولج ، وفي المحافل أجول ، وعلى القلوب أسهل ، وبأفواه الرجال أعلق.

قال حماد الرواية :

أفضل بيت روي من أشعار العرب ببيت الحطيئة حيث يقول (١) :

يقولون تستغني وو الله ما الغنى

من المال إلا ما يعفّ وما يكفي

وأنشد أحمد بن عباد التميمي للحطيئة يعدد محاسن قوم ، قيل : إنه يعني آل منظور بن زبّان بن سيّار بن عمر الفزاريين (٢) :

أولئك قوم إن ينوا أحسنوا البنا (٣)

وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا (٤)

وإن كانت النعماء فيهم (٥) جزوا بها

وإن أنعموا لا كدّروها ولا كدّوا

يسوسون أحلاما بعيدا أناتها

وإن غضبوا جاء الحفيظة والحقد

أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم

من اللوم أو سدّوا المكان الذي سدّوا (٦)

لما (٧) نزل بعبد الله (٨) بن شداد الموت ، دعا ابنا له يقال له محمد فأوصاه ، وكان فيما أوصاه أن قال : يا بني أرى دواعي الموت لا تقلع ، ومن مضى لا يرجع ، ومن بقي فألية ينزع. وإني أوصيك بوصية فاحفظها : عليك بتقوى الله ، وليكن أولى الأمر بك الشكر لله وحسن الثناء عليه في السرّ والعلانية ، واعلم أن الشكور مزيد والتقوى خير زاد ، فكن يا بني كما قال الحطيئة العبسي (٩) :

ولست أرى السعادة جمع مال

ولكنّ التقي هو السعيد

وتقوى الله خير الزّاد ذخرا

وعند الله للأتقى مزيد

__________________

(١) البيت في ديوانه ص ١٣١.

(٢) الأبيات في ديوانه ص ٤١ من قصيدة يمدح بني سعد. والأول والثاني في الأغاني ٢ / ١٧٨.

(٣) البنى بضم الباء وكسرها. جمع بنية ، مثل : فعلة وفعل ، ورشوة رشى.

(٤) شدوا يعني احكموا العقد.

(٥) في الديوان : النعمى عليهم.

(٦) يقول : كفوا عنهم اللوم في أمري ، أو إن شئتم فافعلوا مثلما فعلوا.

(٧) الخبر والشعر في الأغاني ٢ / ١٧٥ والأمالي للقالي ٢ / ٢٠٢.

(٨) في الأغاني : عبيد الله بن شداد ، وفي آمالي القالي : عبد الله بن شداد بن الهاد.

(٩) الأبيات في ديوان الحطيئة ص ٢٥٢.

٦٥

وما لا بدّ أن يأتي قريب

ولكنّ الذي يمضي بعيد

كان (١) سبب هجائه للزبرقان أنه صادفه بالمدينة وكان قدمها على عمر ، فقال الحطيئة : وددت أنّي أصبت رجلا يحملني وأصفيه مديحي وأقتصر عليه. قال الزبرقان : قد أصبته ، تقدم على أهلي فإنّي على إثرك. فتقدم فنزل بحماه (٢) ، وأرسل الزبرقان إلى امرأته أن أكرمي مثواه. وكانت ابنته مليكة جميلة ، فكرهت امرأته مكانها فظهرت منها لهم جفوة ـ وبغيض بن عامر بن لأي بن شماس (٣) أحد بني قريع بن عوف ، ينازع يومئذ الزبرقان الشرف ، والزبرقان أحد بني بهدلة بن عوف [وبغيض](٤) أرسخ في الشرف من الزبرقان ، وقد ناوأه الزبرقان ببدنه (٥) حتى ساواه بل اعتلاه ـ فاغتنم بغيض (٦) وأخواه علقمة وهوذة ما فيه الحطيئة من الجفوة ، فدعوه إلى ما عندهم فأسرع ، فبنوا عليه قبة ونحروا له وأكرموه كل الإكرام وشدوا بكل طنب من أطناب خبائه جلّة (٧) من برنيّ (٨) هجر (٩). قال : والمخبّل شاعر مفلق وهو ابن عمهم يلقاهم إلى أنف الناقة ، وهو جعفر بن قريع. قال : وقدم الزبرقان أسيفا عاتبا على امرأته مدح [الحطيئة] بني قريع وذمّ الزبرقان ، فاستعدى عليه الزبرقان إلى عمر فأقدمه عمر وقال للزبرقان : ما قال لك؟ قال : قال لي (١٠) :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فإنّك أنت الطّاعم الكاسي

قال عمر لحسان : ما تقول؟ أهجاه؟ وعمر يعلم من ذلك ما يعلم حسان ، ولكنه أراد الحجة على الحطيئة ، فقال : ذرق (١١) عليه. فألقاه عمر في حفرة اتخذها محبسا فقال الحطيئة :

__________________

(١) الخبر رواه الجمحي في طبقات الشعراء ص ٥٠ ـ ٥١ وانظر الأغاني ٢ / ١٧٩ وما بعدها. والشعر والشعراء ١ / ٣٢٧ والإصابة ١ / ١٨٠ في ترجمة بغيض بن عامر بن لؤي.

(٢) في طبقات الشعراء : بحراه.

(٣) في الأغاني : بن شماس بن لأي.

(٤) زيادة لازمة للإيضاح عن طبقات الشعراء.

(٥) البدن : نسب الرجل وحسبه.

(٦) انظر ترجمة بغيض في الإصابة ١ / ١٨٠.

(٧) الجلة : وعاء يتخذ من الخوص يوضع فيه التمر. (اللسان) وفي طبقات الشعراء : حلة.

(٨) في طبقات الشعراء : بزّ.

(٩) هجر : بفتح الهاء والجيم ، مدينة كانت بالبحرين مشهورة بثيابها وبزها وفي الأغاني : جلة هجرية.

(١٠) البيت في طبقات الشعراء للجمحي ص ٥١ والأغاني ٢ / ١٨٥ والشعر والشعراء ١ / ٣٢٨ وديوان الحطيئة ص ١٠٨.

(١١) ذرق عليه : يقال ذرق الطائر هو ما يلقيه من بطنه ، وفي الأغاني سلح عليه.

٦٦

ما ذا تقول لأفراخ بذي أمج

 .....................

قال أسلم : أرسل عمر إلى الحطيئة الشاعر وأنا عنده ، وقد كلّمه عمرو بن العاص وغيره من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخرجه من السجن فقال (١) :

ما ذا تقول لأفراخ بذي أمج (٢)

زغب (٣) الحواصل لا ماء ولا شجر

ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة

فاغفر هداك مليك الناس يا عمر (٤)

أنت الإمام الذي من بعد صاحبه

ألقت إليك مقاليد النّهى البشر

لم يؤثروك بها إذ قدّموك لها

لكن لأنفسهم كانت بك الأثر (٥)

فامنن (٦) على صبية بالرمل مسكنهم

بين الأباطح يغشاهم بها القرر (٧)

أهلي فداؤك كم بيني وبينهم

من عرض داوية (٨) تعيا (٩) بها الخبر

قال : فبكى عمر حين قال له :

ما ذا تقول لأفراخ بذي أمج

 .................

فقال عمرو : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أعدل من رجل يبكي على تركه الحطيئة ، فقال عمر : عليّ بالكرسي [فأتي به](١٠) فوضع له فجلس عليه وقال : أشيروا عليّ في الشاعر فإنه يقول الهجر ويشبب بالحرم ويمدح الناس ويذمهم بما ليس فيهم ، ما أراني إلا قاطعا لسانه. ثم قال : عليّ بالطست فأتي به ، ثم قال : عليّ بالمخصف (١١) ، علي بالسكين ، [لا ، بل](١٢) علي بالموسى. فقالوا : لا يعود يا أمير المؤمنين ، وأشاروا عليه قل. لا أعود يا

__________________

(١) الأبيات في طبقات الشعراء ص ٥١ والأغاني ٢ / ١٨٦ والشعر والشعراء ص ١ / ٣٢٨ وديوان الحطيئة ص ١٦٤.

(٢) الديوان والأغاني وطبقات الشعراء : ذي مرخ. وأصبح من أعراض المدينة (معجم البلدان).

(٣) الديوان وطبقات الشعراء والشعر والشعراء : حمر الحواصل.

(٤) عجزه في الديوان :

فاغفر عليك سلام الله يا عمر

(٥) عجزه في الديوان :

لكن لأنفسهم كانت به الخير

(٦) البيتان التاليان ليسا في الديوان ، وهما في الأغاني ٢ / ١٨٨.

(٧) القرر جمع قرة ، وهي البرد.

(٨) الداوية والدويّة : الفلاة الواسعة.

(٩) في الأغاني : تعمى.

(١٠) زيادة للإيضاح عن الأغاني.

(١١) المخصف : مخرز الإسكافي ، وهو المثقب أو الإشفى. (١٢) زيادة عن الأغاني.

٦٧

أمير المؤمنين ، فقال : لا أعود يا أمير المؤمنين. قال له : النجاء. فلما أدبر قال : يا حطيئة ، كأني بك وأنت عند فتى من فتيان قريش ، قد بسط لك نمرقة (١) وكسر لك أخرى وأنت تغنيه بأعراض المسلمين! قال أسلم (٢) : فدخلت على عبيد الله بن عمر بعد أن توفي عمر وعنده الحطيئة ، وقد بسط له نمرقة وكسر له أخرى وهو يغنيه. فقلت : يا حطيئة ، أما تذكر ما قاله عمر؟ قال : فارتاع لها وقال : رحم الله ذلك المرء ، لو كان حيا ما فعلنا هذا. فقال عبيد الله : وما قال؟ قلت : قال : كذا وكذا. فكنت أنت ذلك الفتى.

ولما حضرت الحطيئة الوفاة قيل له : أوص يا أبا مليكة ، قال : نعم ، أخبروا الشّمّاخ أنه أشعر غطفان (٣). قالوا : فأوص في مالك ، قال : نعم ، ما لي للذكور دون الإناث (٤). قالوا : فإن الله عزوجل لا يقول ذلك. فقال : ما أدري ، أعوّاد أنتم أم خصماء؟ قالوا : فأوص للمساكين. قال : أوصيهم بإلحاف المسألة. قالوا : فأعتق غلامك يسارا. قال : اشهدوا أنه مملوك ما بقي. قالوا : فما توصينا بشيء؟ قال : بلى ، احملوني على حمار ، فإنه لم يمت عليه كريم قط ، فلعلي لا أموت (٥). قالوا : يا أبا مليكة ، أي العرب أشعر؟ قال : هذا الجحير إذا طمع في خير ، وأشار إلى فيه ولسانه ، ثم استعبر وبكى ، فقالوا : ما يبكيك؟! أفزعا من الموت؟ سوأة لك؟ قال : لا ، ولكني أبكي للشعر من راوية السوء. ثم لم يلبث أن مات ، فبلغ ذلك الشماخ فقال (٦) :

لبيك على الشعر الرّواة فقد مضى

وفارق إذ مات الحطيئة جرول

وأودى فما أبقى مقالا لشاعر

يقوم ليبلى من يشا (٧) أو يعدل

مضى ذا وهذا والسّلام عليهما

وكلّ عليه سوف يبكي ويعول

[٩٧٧٩] جرول بن جنفل

ويقال : ابن جنقل بالقاف ، والأول أصح ـ أبو توبة النميري الحراني المعلّم.

[٩٧٧٩] ترجمته في ميزان الاعتدال ١ / ٣٩١ وفيه : جيفل بدل جنفل ولسان الميزان ٢ / ١٠١.

__________________

(١) النمرقة : الوسادة.

(٢) في الأغاني : قال ابن أسلم.

(٣) إلى هنا الخبر في الشعر والشعراء ١ / ٣١٨ في ترجمة الشماخ.

(٤) كذا ، والذي في فوات الوفيات ١ / ٢٧٩ قالوا : فما تقول في مالك؟ قال : للأنثى مثل حظ الذكر.

(٥) الخبر إلى هنا في فوات الوفيات ١ / ٢٧٩ والأغاني ٢ / ١٩٧ باختلاف الرواية فيها.

(٦) ليس الأبيات في ديوانه.

(٧) خفف «بشا» لتقويم الوزن.

٦٨

قدم دمشق وحدّث بها.

روى عن سعيد بن سنان الحمصي عن عمرو بن عريب (١) عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) : في قوله تعالى : (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ) [سورة الأنفال ، الآية : ٦٠] قال : «هم الجن ، ولن تخبل الجن (٣) رجلا في داره فرس عتيق» [١٤٠٨٨].

وحدث عن خليد بن دعلج الموصلي عن قتادة بن دعامة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا ادّهن أحدكم فليبدأ بحاجبيه فإنه يذهب بالصداع ـ أو قال : ينفع من الصداع» [١٤٠٨٩].

قدم جرول بن جنفل حمص ، فأتى بقية بن الوليد فقال له : ما اسمك؟ قال : جرول.

قال : ابن من؟ قال : ابن جنفل. قال : أبو من؟ قال : أبو تيفل. فقال له بقية : تب إلى الله تعالى من هذه الأسماء. قال : قد تبت فكنّني ، قال : أنت أبو توبة فكان يكنى بها.

[روى عن خليد بن دعلج.

صدوق. وقال علي بن المديني : روى مناكير](٤).

[٩٧٨٠] جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك

ابن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عويف بن خزيمة بن حرب

ابن عليّ بن مالك بن سعيد بن مالك بن نذير بن قسر ،

وهو مالك بن عبقر بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث

ابن نبت بن مالك بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قطحان

أبو عمرو ، وقيل أبو عبد الله البجلي القسسري

صحب سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وروى عنه أحاديث صالحة. قدم دمشق رسولا من علي

__________________

(١) عريب بوزن عظيم. وبمهملة ، كما في الإصابة ، وهو عريب أبو عبد الله المليكي ، عداده في أهل الشام ، انظر ترجمته في الإصابة ٢ / ٤٧٩.

(٢) الحديث رواه السيوطي في الدر المنثور ٤ / ٩٧ نقلا عن ابن عساكر بسنده إلى يزيد بن عبد الله بن عريب عن أبيه عن جده مرفوعا.

(٣) في الدر المنثور : ولا يخبل الشيطان إنسانا.

(٤) زيادة استدركت عن ميزان الاعتدال ١ / ٣٩١.

[٩٧٨٠] ترجمته في جمهرة ابن حزم ص ٣٨٧ وفيه : بن مالك بن سعد بن نذير والإصابة ١ / ٢٣٢ وفيه :

٦٩

عليه‌السلام إلى معاوية (١) ، وقدم على معاوية مرة أخرى في خلافته.

[سكن جرير الكوفة ، ثم سكن قرقيسياء](٢).

[روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعن عمر بن الخطاب ، ومعاوية بن أبي سفيان.

روى عنه ابنه : إبراهيم بن جرير ، وأنس بن مالك ، وابنه أيوب بن جرير ، وأبو ظبيان حصين بن جندب الجنبي ، وزاذان الكندي ، وزياد بن علاقة ، وزيد بن وهب الجهني ، وشقيق ابن سلمة الأسدي ، وشهر بن حوشب ، والضحاك بن المنذر ، وعامر بن سعد البجلي ، وعامر ابن شراحيل الشعبي ، وعبد الرحمن بن هلال العبسي ، وابنه عبد الله بن جرير ، وقيس بن أبي حازم ، والمغيرة بن شبيل ، وابنه المنذر بن جرير ، ونافع بن جبير بن مطعم ، والنعمان بن مرة ، وهمام بن الحارث ، وأبو إسحاق السبيعي ، وابن ابنه أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، وأبو نخيلة البجلي](٣).

[قال أبو محمد بن أبي حاتم](٤) :

[جرير بن عبد الله البجلي ، أبو عمرو نزل الكوفة ، له صحبة ، روى عنه أنس بن مالك ، وقيس بن أبي حازم ، والشعبي ، وبنوه عبيد الله والمنذر وإبراهيم وهمام بن الحارث ، سمعت أبي يقول ذلك](٥).

[قال أبو عبد الله البخاري](٦) :

[جرير بن عبد الله أبو عمرو البجلي ، نزل الكوفة ، وقال لنا أبو نعيم : حدثنا يونس بن

__________________

نضرة بدل نصر وتهذيب الكمال ٣ / ٣٥١ وتهذيب التهذيب ١ / ٣٦٨ وأسد الغابة ١ / ٣٣٣ والاستيعاب ١ / ٢٣٢ (هامش الإصابة) وسير الأعلام ٢ / ٥٣٠ والوافي بالوفيات ١١ / ٧٥ وطبقات ابن سعد ٦ / ٢٢ وطبقات خليفة ١١٦ و١٣٨ و٣١٨ والتاريخ الكبير ١ / ٢ / ٢١١ والجرح والتعديل ١ / ١ / ٥٠٢ وتاريخ الإسلام (٤١ ـ ٦٠) ص ١٨٥ وتاريخ خليفة (الفهارس) والبداية والنهاية ٨ / ٥٥ وشذرات الذهب ١ / ٥٧. وفي تهذيب الكمال : سعد بدل سعيد وقيس بدل قسر.

(١) سير الأعلام ٢ / ٥٣٥ نقلا عن ابن عساكر.

(٢) زيادة عن سير أعلام النبلاء نقلا عن ابن عساكر ٢ / ٥٣٥.

(٣) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن تهذيب الكمال ٣ / ٣٥٢.

(٤) زيادة للإيضاح.

(٥) ما بين معكوفتين زيادة عن الجرح والتعديل ١ / ١ / ٥٠٢.

(٦) زيادة للإيضاح.

٧٠

أبي إسحاق عن المغيرة بن شبيل بن عوف عن جرير بن عبد الله قال : لما دنوت من المدينة أنخت راحلتي وحللت عيبتي ، فلبست حلتي ، فدخلت والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب ، وقال يزيد بن هارون : حدثنا هشام عن حماد عن إبراهيم عن جرير بن عبد الله وكان أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في العام الذي توفي فيه](١).

حدّث جرير بن عبد الله قال :

بايعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على النصح لكلّ مسلم (٢).

حدّث جرير بن عبد الله قال :

بعثني علي بن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان يأمره أن يبايع هو ومن قبله ، قال : فخرجت لا أرى أحدا سبقني إليه حتى قدمت على معاوية ، وإذا هو يخطب الناس وهم حوله يبكون حول قميص عثمان ، وهو معلق في رمح ، فدفعت إليه كتاب عليّ ، ومثل رجل إلى جنبي كان يسير بمسيري ، ويقوم بمقامي لا أشعر به فقال لمعاوية (٣) :

إنّ بني عمّك عبد المطلب

هم قتلوا شيخكم غير كذب

وأنت أولى الناس بالوثب فثب

واغضب معاوي للإله وارتقب (٤)

بادر بخيل الأمة الغار الأشب

بجمع أهل الشّام ترشد وتصب

وسر مسير المحزئلّ المتلئب (٥)

وهزهز الصّعدة للبأس الشّغب (٦)

قال : ثم دفع إليه كتابا من الوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأمه فإذا فيه (٧) :

معاوي إنّ الملك قد جبّ غاربه

وأنت بما في كفّك اليوم صاحبه

__________________

(١) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن التاريخ الكبير ١ / ٢ / ٢١١.

(٢) سير أعلام النبلاء ٢ / ٥٣١.

(٣) الرجز في وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ٧٧ ونسبه إلى الحجاج بن خزيمة بن الصمّة. قالها لمعاوية لما نعى إليه عثمان بن عفان.

(٤) في وقعة صفين : واحتسب.

(٥) في وقعة صفين : وسر بنا سير الجريء المتلئب.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ / ٢٥٣ المتلئب : المستقيم المطرد.

(٦) في وقعة صفين : ثم اهزز الصعدة للشأس الكلب.

(٧) الأبيات في وقعة صفين ص ٥٣.

٧١

أتاك كتاب من عليّ بخطّة (١)

هي الفصل فاختر سلمه أو تحاربه

فإن كنت تنوي أن تجيب كتابه

فقبّح ممليه وقبّح كاتبه

وإن كنت تنوي ترك رجع جوابه

فأنت بأمر لا محالة راكبه

فألق إلى الحيّ اليمانين كلمة

تنال بها الأمر الذي أنت طالبه

تقول : أمير المؤمنين أصابه

عدو ومالاهم (٢) عليه أقاربه

وكنت أميرا قبل بالشام فيكم

وحسبي من الحقّ الذي هو واجبه

فجيئوا ومن أرسى ثبيرا مكانه

ندافع بحرا (٣) لا تردّ غواربه

فأكثر وأقلل مالها الدهر (٤) صاحب

سواك فصرّج لست ممّن تواربه

قال : فقال : أقم ، فإن الناس قد نفروا عند قتل عثمان حتى يسكنوا. قال : فأقمت أربعة أشهر ، ثم جاءه كتاب من الوليد بن عقبة فيه :

ألا أبلغ معاوية بن حرب

فإنّك من أخي ثقة مليم

قطعت الدهر كالسّدم (٥) المعنّى

تهدّر في دمشق وما تريم

فإنّك والكتاب إلى عليّ

كرابعة وقد حلم الأديم

فلو كنت القتيل وكان حيّا

لشمّر لا ألف (٦) ولا سئوم

فلما جاء كتابه وصل ما بين طومارين (٧) ، ثم طواهما أبيضين (٨) ، وكتب عنوانهما : من معاوية بن أبي سفيان ، إلى علي بن أبي طالب ، ودفعهما (٩) إليّ ، وبعث معي رجلا من عبس ، لا أدري ما مع العبسي ، قال : فقدمنا الكوفة فاجتمع الناس إلى عليّ في المسجد ، ولا

__________________

(١) بأصل مختصر ابن منظور : خصلة ، والمثبت عن وقعة صفين.

(٢) الممالأة المعاونة والمساعدة.

(٣) بأصل مختصر ابن منظور : تدافع بحرّ ، والمثبت عن وقعة صفين.

(٤) في وقعة صفين : اليوم.

(٥) السّدم الذي يرغب عن فحلته ، فيحال بينه وبين ألّافه ، ويقيد إذا هاج (اللسان).

(٦) رجل ألف : ثقيل.

(٧) الطومار : الصحيفة.

(٨) في الفتوح لابن الأعثم الكوفي ٢ / ٣٥٦ فوصل أحدهما إلى الآخر.

(٩) في فتوح ابن الأعثم : فكتب في الطومارين : بسم الله الرحمن الرحيم ، لا أقل ولا أكثر ثم طواهما وختمهما وعنونهما ودفعهما إلى العبسي وأرسله إلى علي بن أبي طالب.

٧٢

يشكون أنها بيعة أهل الشام ، فلما فتح الكتاب لم يوجد شيء ، وقام العبسي فقال : من هاهنا من أفناء قيس ، إنّي أخصّ من قيس غطفان ، وأخص من غطفان عبسا ، وإنّي أحلف بالله لقد تركت تحت قميص عثمان أكثر من خمسين ألف شيخ ، خاضبي (١) لحاهم بدموع أعينهم متعاقدين متحالفين ليقتلنّ قتلته ، وإني أحلف بالله ليقتحمنّها عليكم ابن أبي سفيان بأكثر من أربعة آلاف من خصيان الخيل ، في ظنكم بعد بما فيها من الفحول! فقال له قيس بن سعد : يا أخا عبس لا نبالي بخصيان خيلك ولا ببكاء كهولك ، ولا يكون بكاؤهم بكاء يعقوب على يوسف. ثم دفع العبسي كتابا من معاوية فيه (٢) :

أتاني أمر فيه للناس (٣) غمّة

وفيه اجتذاع للأنوف أصيل (٤)

مصاب أمير المؤمنين وهذه (٥)

تكاد لها صمّ الجبال تزول

فلله عينا من رأى مثل هالك

أصيب بلا ذنب وذاك جليل

دعاهم فصمّوا عنه عند دعائه (٦)

وذاك على ما في النفوس دليل

ندمت على ما كان من تبع الهوى

وحسبي منه (٧) حسرة وعويل

سأبغي أبا عمرو بكلّ مهند (٨)

وبيض لها في الدارعين صليل

فأما التي فيها المودة بيننا

فليس إليها ما حييت سبيل

سألقحها حربا عوانا ملحّة

وإنّي بها من عامها (٩) لكفيل

__________________

(١) في الفتوح : خاضبين لحاهم.

(٢) الأبيات في وقعة صفين ص ٧٩ منسوبة إلى معاوية بن أبي سفيان قالها حين أتاه قتل عثمان .. وانظر الفتوح لابن الأعثم ٢ / ٢٦٦.

(٣) وقعة صفين : للنفس.

(٤) الذي في وقعت صفين :

أتاني أمر فيه للنفس غمة

وفيه بكاء للعيون طويل

وفيه فناء شامل وخزاية

وفيه اجتداع للأنوف أصيل

(٥) في وقعة صفين : وهدّة.

(٦) وقعة صفين : عند جوابه وذاكم.

(٧) وقعة صفين : وقصري فيه.

(٨) صدره في وقعة صفين : سأنعى أبا عمرو بكل مثقف.

وأبو عمرو كنية الخليفة عثمان بن عفان (رض).

(٩) وقعة صفين : عامنا.

٧٣

قال : فأمر عليّ قيس بن سعد أن يجيبه في كتابه ، فكتب إليه قيس :

معاوي لا تعجل علينا معاويا

فقد هجت بالرأي السّخيف الأفاعيا

وحرّكت منّا كلّ شيء كرهته

وأبقيت حزّات النفوس كما هيا

بعثت بقرطاسين صفرين ضلّة

إلى خير من يمشي بنعل وحافيا

مضى أو بقي بعد النّبي محمد

عليه سلام الله عودا وباديا

ألا ليت شعري والأمانيّ ضلة

على أي ما تنوي أردت الأمانيا

على أن فينا للموارث مطمعا

وأنّك متروك بشامك عاصيا

أبى الله إلّا أن ذا غير كائن

فدع عنك ما منّتك نفسك خاليا

وأكثر وأقلل إنّ شامك شحمة

يعجّلها طاه يبادر شاويا

من العام أو من قابل كل كائن

قريب وأبعد بالذي ليس جائيا

حدث قيس قال : قال جرير لعبد الله بن رباح : إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

«من لا يرحم الناس لا يرحمه‌الله» (١). فكتب معاوية : أن أرسل إلي جريرا على المربد (٢) فأتاه فقال : أنت سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : من لا يرحم الناس لا يرحمه‌الله؟ قال : نعم. قال : لا جرم لا أغزي جيشا وراء الدرب في شتاء أبدا. وبعث إليهم بطعام ولحف.

قيل إن جريرا تنقل من الكوفة إلى قرقيسياء (٣) وقال : لا أقيم ببلدة يشتم فيها عثمان (٤).

وتوفي في زمن معاوية بعد الخمسين ، يقال سنة إحدى وخمسين. وقيل : مات سنة أربع وخمسين (٥).

وكان (٦) سيّدا في قومه ، وبسط له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثوبا ليجلس عليه وقت مبايعته له ،

__________________

(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٢ / ٢٩٧ ـ ٢٩٨ من عدة طرق بسنده إلى قيس بن أبي حازم عن جرير.

(٢) المربد الموضع الذي تحبس فيه الإبل وغيرها.

(٣) قرقيسياء بلد على نهر الخابور ، عند مصب الخابور في الفرات (معجم البلدان).

(٤) رواه المزي في تهذيب الكمال ٣ / ٣٥٣ من طريق أحمد بن عبد الله بن البرقي ط دار الفكر. وانظر المعجم الكبير للطبراني ٢ / ٢٩٣.

(٥) انظر تهذيب الكمال ٣ / ٣٥٦ ط دار الفكر.

(٦) الخبر رواه المزي في تهذيب الكمال ٣ / ٣٥٣ من طريق أبي بكر الخطيب ط دار الفكر.

٧٤

وقال لأصحابه : «إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه» ، وجّهه إلى الخلصة (١) طاغية دوس فهدمها. ودعا له حين بعثه إليها ، وشهد جرير مع المسلمين يوم المدائن وله فيه أخبار مأثورة (٢).

وجرير هذا هو الذي يقول له الشاعر :

لو لا جرير هلكت بجيله

وتمامه :

نعم الفتى وبئست القبيله (٣)

قال جرير (٤) :

لما دنوت من مدينة سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنخت راحلتي وحللت عيبتي (٥) فلبست حلتي ، فدخلت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب ، فسلم علي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فرماني الناس بالحدق فقلت لجليسي : يا عبد الله ، هل ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أمري شيئا؟ قال : نعم ، ذكرك بأحسن الذكر ، بينا هو يخطب إذ عرض له في خطبته قال : «إنه سيدخل عليكم من هذا الباب ، أو من هذا الفجّ ، من خير ذي يمن ، وإن على وجهه لمسحة ملك» [١٤٠٩٠] قال : فحمدت الله على ما أبلاني (٦).

قال جرير (٧) :

ما رآني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا تبسم في وجهي. في حديث.

حدث عبد الله بن ضمرة.

__________________

(١) الخلصة بفتح أوله وثانيه ، ويروى بضم أوله وثانيه. بيت أصنام كان لدوس وخثعم وبجيلة ، ومن كان ببلادهم من العرب بن تبالة (معجم البلدان).

(٢) الخبر رواه الصفدي في الوافي بالوفيات ١١ / ٧٦ نقلا عن ابن عساكر.

(٣) الاستيعاب ١ / ٢٣٣ وتاريخ الإسلام (٤١ ـ ٦٠) ص ١٨٧ والوافي بالوفيات ١١ / ٧٦.

(٤) رواه الذهبي في تاريخ الإسلام (٤١ ـ ٦٠) ص ١٨٨ من طريق يونس بن أبي إسحاق عن المغيرة بن شبيل عن جرير ، وذكره وسير الأعلام ٢ / ٥٣١.

(٥) العيبة : ما يجعل فيه الثياب.

(٦) رواه أحمد بن حنبل في المسند من طريق أبي قطن حدثني يونس عن المغيرة بن شبل قال : وقال جرير ، وذكره.

٧ / ٦٠ رقم ١٩٢٠١ وأعاده من طريق آخر رقم ١٩٢٤٧.

(٧) رواه الطبراني في المعجم الكبير ٢ / ٢٩٣ رقم ٢٢٢٠ من طريق أبي خليفة ثنا إبراهيم بن بشار الرمادي ثنا سفيان ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم. وسير الأعلام ٢ / ٥٣١ وتاريخ الإسلام (٤١ ـ ٦٠) ص ١٨٨.

٧٥

أنه بينما هو ذات يوم عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في جماعة من أصحابه أكثرهم اليمن ، إذ قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سيطلع عليكم من هذه الثنية خير ذي يمن» فبقي القوم كلّ رجل منهم يرجو أن يكون من أهل بيته ، فإذا هم بجرير بن عبد الله قد طلع عليهم من الثنية ، فجاء حتى سلم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى أصحابه ، فردوا عليه بأجمعهم السلام ، ثم بسط له عرض ردائه وقال له : «على ذا يا جرير فاقعد». فقعد معهم ثم قام وانصرف. فقال جماعة أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد رأينا اليوم منك منظرا لجرير ما رأينا منك لأحد ، قال : «نعم ، هذا كريم قوم. إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» [١٤٠٩١].

وقال عدي بن حاتم :

لما دخل جرير على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ألقى له وسادة فجلس على الأرض ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أشهد أنك لا تبغي علوّا في الأرض ولا فسادا» ، فأسلم من حديث (١) [١٤٠٩٢].

وفي حديث : قال جرير :

فبسط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده فبايعني وقال : «على أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم شهر رمضان ، وتنصح المسلم ، وتطيع الوالي ، وإن كان عبدا حبشيا». فقال : نعم. قال : فبايعه [١٤٠٩٣].

حدث عبد الله بن مسعود قال :

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا صلى الفجر لم يرم مجلسه حتى تطلع الشمس ، فقال لنا ذات يوم حين طلعت الشمس : «يطلع عليكم من هذا الفجّ خير ذي يمن ، على وجهه مسحة ملك». فطلع جرير بن عبد الله البجلي ثم القسري على راحلته حتى نزل على باب المسجد ، ثم دخل فقال : يا معشر قريش ، أين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال : «هذا هو» ، يعني نفسه عليه‌السلام ، ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم : «أتاكم أهل اليمن ، وهم أرق أفئدة. الإيمان يمان والحكمة يمانية والغلظة والقسوة والكبرياء والفخر والجفاء عند أصحاب الوبر والصوف ، نحو هذا المشرق في ربيعة ومضر».

فلما جلس جرير بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له : ما اسمك؟ قال : أنا جرير بن

__________________

(١) رواه الذهبي في سير الأعلام ٢ / ٥٣٢ من طريق سوار بن مصعب عن مجالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم.

٧٦

عبد الله البجلي. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا جرير ، إنك لن تدرك شريعة الإسلام ، ولن تدرك حقيقة الإيمان حتى تترك عبادة الأوثان». قال جرير : يا رسول الله ، قد أسلمت ، فادع الله أن يشرح قلبي للإسلام. قال : «اللهم ، اشرح قلبه للإيمان ، ولا تجعله من أهل الرّدة ، ولا تكثر له فيطغى ، ولا تملي عليه فينسى». قال جرير : يا رسول الله ، حدثني عما جئت أسألك عنه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تسأل عن حق الوالد على ولده ، وحق الولد على والده. وإن من حق الوالد على ولده أن يخشع له عند الغضب ، ويؤثره عند الشكاية والوصب ، فإن المجافي ليس بالواصل ، ولكن الواصل إذا قطعت رحمه وصلها. ومن حقّ الولد على والده أن لا يجحد نسبه ، وأن يحسن أدبه». قال جرير : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، هذا ـ والله الذي بعثك نبيا ـ الذي جئت له ، وأنا أريد أن أسألك عنه ، آمنت بالله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أين منزلك يا جرير؟» قال : نحن بأكناف بيشة (١) بين سلم (٢) وأراك وسهل ودكداك (٣) وحمض (٤) وعلاك (٥) ، في نخلة وضالة (٦) ونجمة وأثلة (٧) ، ونجل (٨) وتالة (٩). ربيعنا مريع ، وشتاؤنا ربيع ، وماؤنا نبيع (١٠) ، لا يقام ماتحها (١١) ولا يحسر مائحها (١٢) ولا يعزب سارحها (١٣) ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خير الماء الشّبم (١٤) ،

__________________

(١) بيشة : قرية غناء في واد كثير الأهل من بلاد اليمن (معجم البلدان).

(٢) السلم : شجر ورقه القرظ الذي يدفع به.

(٣) الدكداك من الرمل : ما التبد بعضه على بعض بالأرض ، ولم يرتفع.

(٤) كذا ، وجاء في اللسان : وفي حديث جرير : من سلم وأراك وحموض هي جمع الحمض وهو كل تبت في طعمة حموضة.

(٥) العلاك : شجر ينبت بالحجاز.

(٦) الضالة بتخفيف اللام واحدة الضال ، وهي شجر السدر (اللسان).

(٧) الأثلة : شجر من نوع الطرفاء (اللسان : أثل).

(٨) النجل جمع نجيل ، وهو ضرب من دق الحمض ، وهو خير منه (اللسان : نجل).

(٩) التالة : واحدة التال ، وهي النخلة الصغيرة (اللسان : تول).

(١٠) في الفائق للزمخشري : وماؤنا يميع أو يريع. وفي شرحها : يميع : يسيل ويريع : يثوب (١ / ٤٣٢).

(١١) الماتح : نازع الدلو ، أراد أن ماءهم سائح ، فلا يحتاجون إلى إقامة ماتح (الفائق ١ / ٤٣٢).

(١٢) وفي اللسان : ولا يحسر صابحها ، وفي الفائق : يحسر صابحها.

وحسر : إذا أعيا. والميح : أن يدخل البئر فيملأ الدلو ، وذلك إذ قلا ماؤها.

(١٣) السارح : الإبل التي ترعى. أي لا يبعد ما يسرح منها إذا غدت للمرعى.

(١٤) الشبم : البارد ، وقيل : إنما هو السنم ، أي العالي على وجه الأرض.

٧٧

وأفضل الأموال الغنم ، وأجود المراعي الأراك والسّلم. إذا أخلف كان لجينا (١) ، وإذا سقط كان درينا (٢) ، وإذا أكل كان لبينا» (٣).

قال جرير : يا رسول الله ، أخبرني عن السماء الدنيا والأرض السفلى. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما السماء الدنيا فإن الله خلقها من دخان وماء ، ثم رفعها وجعل فيها سراجا مضيئا ، وقمرا منيرا ، وزينها بمصابيح النجوم ، وجعلها رجوما للشياطين ، وحفظها من كل شيطان رجيم. وأما الأرض السفلى ، فإن الله تعالى خلقها من الزبد الجفاء والماء الكباء (٤) ، حملها على ظهر حوت ، تحته ملك على صخرة ينفجر منها الماء ، لو انخرق منها خرق لأذهب من على ظهر الأرض سبحان خالق النور».

قال جرير : يا رسول الله ، ابسط يدك أبايعك على الإسلام فقال : «تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ، وتسمع وتطيع الوالي وإن كان حبشيا» ، قال جرير : نعم يا رسول الله. فبايعه ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا جرير ما فعل قومك؟» قال : يا رسول الله ، ليس ينتظرون أحدا غيري. قال : «فانطلق فادعهم إلى الإسلام». فخرج جرير حتى أتى بلاد قومه فسار فيهم حيا حيا ، ودعاهم إلى الإسلام ، وأمرهم بالهجرة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان أول من أجابه إلى ذلك قيس بن غزية (٥) الأحمسي ثم الذهني ، وهو أبو عروة (٦).

وروي عن جرير بن عبد الله أنه قال (٧) :

كنت لا أثبت على الخيل ، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا» ، فما قلعت عن فرسي بعد ذلك.

__________________

(١) اللجين : الخبط ، وذلك أن الورق يدق حتى يتلجن أي يتلزج ثم توجره الإبل (الفائق ، والنهاية).

(٢) الدرين : حطام المرعى إذا قدم.

(٣) اللبين بمعنى اللابن ، من لبنت القوم إذا سقيتهم اللبن ، كأنه يلبن القوم ، لأنه يدرّه ويكثره.

(٤) بأصل مختصر ابن منظور : «الكما» والمثبت عن منال الطالب ١ / ٨٢ والماء الكباء : العالي العظيم.

(٥) كذا بالأصل ، والذي في أسد الغابة ٤ / ١٣٩ قيس بن غربة ، وغربة : بالغين المعجمة وبالراء ، وبالباء الموحدة.

قاله الأمير. وجاء في الإصابة ٣ / ٢٥٦ قيس بن غربة بفتح المعجمة والراء بعدها موحدة ، ضبطه ابن الأثير وقيل بكسر الزاي بعدها مثناة تحتية ثقيلة.

(٦) كناه في أسد الغابة : أبا غربة ، وجاء في الإصابة أنه والد عروة بن قيس.

(٧) رواه الطبراني في المعجم الكبير ٢ / ٣٠٠ رقم ٢٢٥٤ وانظر تهذيب الكمال ٣ / ٣٥٤.

٧٨

وفي حديث آخر :

فقال لي بعد إسلامي : «يا جرير ، إن ربي قد أعلمني أنّ إبليس قد أيس أن تعبد الأصنام في أرض العرب ، فتهيأ حتى تسير إلى بيت قومك خثعم ذي الخلصة فتدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وعلى أن تكسر أصنامهم وتحرّق بيتهم» ، قال فقلت : يا رسول الله ؛ إني رجل قلع : لا أثبت في السّرج ، قال : «فادن إلي» ، قال : فدنوت إليه ، فضرب في صدري وقال : «اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا». قال : ثم ندب الناس معي فانتدب معي مائتان جلهم من أحمس ، وانطلقت [١٤٠٩٤].

حدث إبراهيم قال : (١) توضأ جرير ثم مسح على خفيه ، فقيل له : أتمسح على خفيك! قال : وما لي لا أمسح ، وقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمسح! قال : فكان حديث جرير أوثق حديث في المسح ، لأنه أسلم في العام الذي قبض فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد نزول المائدة (٢).

وعن جرير بن عبد الله قال (٣) :

ما حجبني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منذ أسلمت ، ولا رآني إلّا ضحك.

وعن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

«لا تسبوا جرير بن عبد الله ، إنّ جريرا منا أهل البيت» [١٤٠٩٥].

وعنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤) :

جرير بن عبد الله منا أهل البيت ظهر لبطن ظهر لبطن ظهر لبطن.

__________________

(١) رواه أحمد بن حنبل في المسند ٧ / ٥٧ رقم ١٩١٨٩ باختلاف من طريق أبي معاوية حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن همام قال : وذكره.

(٢) يعني بعد نزول آية الوضوء في سورة المائدة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ...) الآية : ٥.

(٣) رواه الطبراني في المعجم الكبير ٢ / ٣٠٩ رقم ٢٢٨٧ من طريق محمد بن النضر الأزدي ، ثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة ثنا بيان عن قيس بن أبي حازم عن جرير ، وذكره. ورواه المزي في تهذيب الكمال ٣ / ٣٥٥.

(٤) رواه الطبراني في المعجم الكبير ٢ / ٢٩١ رقم ٢٢١١ وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ٣٧٣ والذهبي في سير الأعلام ٢ / ٥٣٤.

٧٩

وعن جرير قال (١) :

بايعت (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما بايعت عليه النساء ، لمن مات منّا ولم يأت شيئا ضمن له الجنة ، ومن مات منا وأتى شيئا منهن فأقيم عليه الحدّ فهو كفارته ، ومن مات منا وأتى شيئا منهن فستر عليه فعلى الله عزوجل حسابه.

وروي عن جرير أنه كان إذا باع رجلا قال له : إن الذي آخذ منك أحب إلي من الذي أعطيك ، فقال له بنوه : إذا فعلت لم ترتفع إلى بيع سلعة ، فقال : إني بايعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الإسلام والنصح لكل مسلم.

وعن جرير قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) :

«إنك امرؤ قد حسّن الله خلقك فأحسن خلقك» [١٤٠٩٦].

وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال (٤) :

إن جريرا يوسف هذه الأمة ، يعني حسنه.

وعن عبد الملك بن عمير قال (٥) :

رأيت جرير بن عبد الله وكأن وجهه شقة قمر.

وقال عبد الله بن عمير :

رأيت جرير بن عبد الله يخضب لحيته بالزعفران.

وحدث ابن لجرير قال :

__________________

(١) رواه الطبراني في المعجم الكبير ٢ / ٣٠٢ رقم ٢٢٦٠ من طريق علي بن عبد العزيز ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ح وحدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا إسماعيل بن موسى السدي ح وحدثنا أحمد بن القاسم الجوهري ثنا سعيد بن سليمان قالوا : ثنا سيف بن هارون بن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم عن جرير ، وذكره. ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ٦ / ٣٧.

(٢) في المعجم الكبير : بايعنا.

(٣) سير أعلام النبلاء ٢ / ٥٣٤.

(٤) رواه المزي في تهذيب الكما ٣ / ٣٥٥ من طريق عبد الملك بن عمير حدثني إبراهيم بن جرير. وسير الأعلام ٢ / ٥٣٥.

(٥) رواه المزي في تهذيب الكمال ٣ / ٣٥٥.

٨٠