تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٢

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٢

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

[٩٧٧١] جبير بن مطعم بن عديّ بن نوفل

ابن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب

أبو محمد ـ ويقال أبو عدي القرشي المكي.

له صحبة ورواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

[روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

روى عنه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، وسعيد بن المسيب ، وسليمان بن صرد الصحابي ، وعبد الله بن باباه المخزومي ، وعبد الله بن أبي سليمان ، وعبد الرحمن بن أذينة ، وأبو سروعة عقبة بن الحارث ، وعلي بن رباح اللخمي ، وابنه محمد بن جبير بن مطعم ، ومحمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة ، وابنه نافع بن جبير بن مطعم ، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.

قال الزبير بن بكار :

فولد مطعم بن عدي : جبيرا ، أسلم وروى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان يؤخذ عنه النسب ، وهو أحد الذين دفنوا عثمان بن عفان ، وهو صلى عليه ، وسعيدا الأكبر ، وعروة ، والوليد ، وسعيدا الأصغر ، بني مطعم بن عدي ، وأمهم أم جميل بنت شعبة بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عارم بن لؤي ، وأمها أم حبيب بنت العاص بن أمية.

قال أحمد بن عبد الله بن البرقي : ولد جبير بن مطعم محمدا الأكبر ، درج ، ومحمد الأصغر ، وأم كلثوم كانت عند سليمان بن صرد الخزاعي فولدت له ، جاء عنه من الحديث نحو من عشرين ، وتوفي بالمدينة ، سنة تسع وخمسين](١).

__________________

[٩٧٧١] ترجمته : وهو من رجال مسند الإمام أحمد حديثه في المسند من ١٦٧٣١ ـ ١٦٧٨٦ وفي تهذيب الكمال ٣ / ٣٣٢ ـ ٨٨٨ وتهذيب التهذيب وتقريبه : ٢ / ٣١ ـ ٩٤٤ وفي الإصابة ١ / ٢٢٥ وأسد الغابة ١ / ٣٢٣ والاستيعاب ١ / ٢٣٠ هامش الإصابة ونسب قريش ص ٢٠١ وتهذيب الكمال ٣ / ٣٣٢ وتهذيب التهذيب ١ / ٣٦٢ والوافي بالوفيات ١١ / ٥٨ والجرح والتعديل ١ / ١ / ٥١٢ والتاريخ الكبير ١ / ٢ / ٢٢٣ والعبر ١ / ٥٩ وشذرات الذهب ١ / ٦٤ وسير أعلام النبلاء ٣ / ٩٥ والمعارف (الفهارس) وتهذيب الأسماء واللغات ١ / ١ / ١٤٦ والمحبر ص ٦٧ و٦٩ وطبقات خليفة ترجمة ٤٣.

(١) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن تهذيب الكمال ٣ / ٣٣٢ ـ ٣٣٤.

٤١

كان أبوه هو الذي قام في نقض صحيفة القطيعة ، وكان يحنو على أهل الشعب ، ويصلهم في السر ، وهو الذي أجار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين رجع من الطائف حتى طاف بعمرة](١).

[قال أبو عبد الله البخاري](٢) :

[جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي ، والد محمد ونافع ، قال لنا محمد بن كثير أخبرنا سليمان بن كثير عن حصين عن محمد بن طلحة بن ركانة عن جبير بن مطعم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : صلاة في مسجدي أفضل من ألف فيما سواه غير الكعبة](٣).

[قال أبو محمد بن أبي حاتم](٤) :

[جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي القرشي ، مدني ، له صحبة ، روى عنه ابناه محمد ونافع. سمعت أبي يقول ذلك. ـ وروى عنه سليمان بن صرد الخزاعي](٥).

حديث جبير بن مطعم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يدخل الجنة قاطع» [١٤٠٨٠].

وحدث جبير قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ في المغرب بالطور ، قال : فلما سمعته يقرأ : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) [سورة الطور ، الآيات : ٣٥]. إلى قوله : (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) [سورة الطور ، الآيات : ٣٨] ، كاد قلبي يطير (٦).

وعن جبير قال :

قدمت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة في فداء الأسرى ، فاضطجعت في المسجد بعد العصر وقد أصابني الكرى فنمت ، فأقيمت صلاة المغرب ، فقمت فزعا بقراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المغرب : (وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) [سورة الطور ، الآيتان : ١ و٢] ، فاستمعت قراءته حتى خرجت من المسجد ، فكان يومئذ أول ما دخل الإسلام قلبي.

__________________

(١) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن سير الأعلام ٣ / ٩٥.

(٢) زيادة للإيضاح.

(٣) ما بين معكوفتين زيادة عن التاريخ الكبير ١ / ٢ / ٢٢٣.

(٤) زيادة للإيضاح.

(٥) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن الجرح والتعديل ١ / ١ / ٥١٢.

(٦) الخبر في الاستيعاب ١ / ٢٣٠ (هامش الإصابة).

٤٢

قال جبير بن مطعم (١) :

لما بعث الله عزوجل نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وظهر أمره بمكة ، خرجت إلى الشام ، فلما كنت ببصرى (٢) أتتني جماعة من النصارى ، قالوا : أمن الحرم أنت؟ قلت : نعم. قالوا : فتعرف هذا الذي تنبأ فيكم؟ قلت : نعم. قال : فأخذوا بيدي ، فأدخلوني ديرا لهم فيه تماثيل وصور ، فقالوا لي : انظر ، هل ترى صورة هذا النبي الذي يبعث فيكم؟ فنظرت فلم أر صورته ، قلت : لا أرى صورته ، فأدخلوني ديرا أكبر من ذلك الدير ، وإذا فيه تماثيل وصور أكثر مما في ذلك الدير ، فقالوا لي : انظر ، هل ترى صورته؟ فنظرت فإذا أنا بصفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصورته ، وإذا أنا بصفة أبي بكر وصورته ، وهو آخذ بعقب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقالوا لي : هل ترى صفته؟ قلت : نعم ، فقلت : لا أخبرهم حتى أعرف ما يقولون ، قالوا : أهو هذا؟ قلت؟ وأشاروا إلى صفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت : اللهم [نعم](٣) أشهد أنه هو ، قالوا : أتعرف هذا الذي أخذ بعقبه؟ قلت : نعم ، قالوا : نشهد أن هذا صاحبكم ، وأن هذا الخليفة من بعده.

وحديث جبير أيضا قال (٤) :

كنت أكره أذى قريش لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. لما ظننت أنهم سيقتلونه خرجت حتى لحقت بدير من الديارات ، فذهب أهل الدير إلى رأسهم ، فأخبروه فقال : أقيموا له حقه الذي ينبغي له ثلاثا. فلما مرت ثلاث رأوه لم يذهب ، فانطلقوا إلى صاحبهم فأخبروه فقال : قولوا له : قد أقمنا لك حقك الذي ينبغي لك ، فإن كنت وصبا فقد ذهب وصبك (٥) ، وإن كنت واصلا فقد نأل (٦) لك أن تذهب إلى من تصل ، وإن كنت تاجرا فقد نأل لك أن تخرج إلى تجارتك ، قال : ما كنت واصلا ولا تاجرا وما أنا بنصب ، فذهبوا إليه فأخبروه فقال : إن له لشأنا فسلوه ما شأنه؟ قال : فأتوه فسألوه فقال : لا والله إلا أني في قرية إبراهيم ، وابن عم (٧) يزعم أنه نبي

__________________

(١) رواه البيهقي في دلائل النبوة ١ / ٣٨٤ ـ ٣٨٥ وأبو نعيم في دلائل النبوة ص ٤٩ رقم ١٢.

(٢) بصرى : موضع بالشام من أعمال دمشق ، وهي قصبة حوران مشهورة عند العرب قديما وحديثا. (معجم البلدان).

(٣) زيادة عن دلائل النبوة.

(٤) رواه الطبراني في المعجم الكبير ٢ / ١٤٤ ـ ١٤٥ رقم ١٦٠٩ من طريق المقدام بن داود المصري ثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار أنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عامر بن يحيى عن علي بن رباح حدثه عن جبير بن مطعم ، وذكره. وانظر مجمع الزوائد ٨ / ٢٣٣ وسير أعلام النبلاء ٣ / ٩٦ ـ ٩٧.

(٥) في المعجم الكبير : وصيا فقد ذهب وصيتك.

(٦) نأل أن يفعل : أي ينبغي ، وفي المعجم الكبير : نالك.

(٧) في المعجم الكبير : ابن عمي.

٤٣

فآذاه قومه (١) وتخوفت أن يقتلوه ، فخرجت لئلا أشهد ذلك. قال : فذهبوا إلى صاحبهم فأخبروه بقولي ، قال : هلموا ، فأتيته فقصصت عليه قصتي (٢) ، فقال : تخاف أن يقتلوه؟ قلت : نعم ، قال : وتعرف شبهه لو تراه مصوّرا؟ قلت : نعم عهدي به قريب ، فأراه صورا مغطاة ، فجعل يكشف صورة صورة ثم يقول أتعرف؟ فأقول : لا ، حتى كشفت صورة مغطاة ، فقلت : ما رأيت شيئا أشبه بشيء من هذه الصورة [به](٣) كأنه طوله وجسمه وبعد ما بين منكبيه ، قال : فتخاف أن يقتلوه؟ قال : أظنهم قد فرغوا منه. قال : والله لا يقتلوه ولنقتلن من يريد قتله ، وإنه لنبي ، وليظهرنه الله ، ولكن قد وجب حقك علينا ، فامكث ما بدا لك وادع بما شئت ، قال : فمكثت عندهم حينا ثم قلت : لو اطلعتم فقدمت مكة فوجدتهم قد أخرجوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة. فلما قدمت قامت إلي قريش فقالوا : قد تبين لنا أمرك وعرفنا شأنك ، فهلم أموال الصبية التي عندك استودعكها أبوك ، فقلت : ما كنت لأفعل حتى تفرقوا بين رأسي وجسدي ، ولكن دعوني أذهب فأدفعها إليهم ، فقالوا : إن عليك عهد الله وميثاقه ألا تأكل من طعامه. قال : فقدمت المدينة وقد بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخبر فدخلت عليه ، فقال لي فيما يقول : إني لأراك جائعا ، هلموا طعاما. قلت : لا آكل حتى أخبرك ، فإن رأيت أن آكل أكلت ، قال : فحدثته بما أخذوا علي ، قال : فأوف بعهدك (٤) ولا تأكل من طعامنا ولا تشرب من شرابنا.

قال عبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيره :

كان من إعطاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المؤلفة قلوبهم من أصحاب المئين من بني نوفل بن عبد مناف : جبير بن مطعم مائة من الإبل (٥).

وعن ابن عباس قال (٦) : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة قريب مكة في غزوة الفتح :

«إن بمكة أربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشرك وأرغب لهم في الإسلام» ، فقيل : وما

__________________

(١) بأصل مختصر ابن منظور والمعجم الكبير : فآذوه قومه.

(٢) في المعجم الكبير : قصصي.

(٣) زيادة لازمة عن المعجم الكبير.

(٤) في المعجم الكبير : بعهد الله.

(٥) انظر الاستيعاب ١ / ٢٣١.

(٦) رواه ابن الأثير في أسد الغابة ١ / ٣٢٤.

٤٤

هم يا رسول الله؟ قال : «عتّاب بن أسيد ، وجبير بن مطعم ، وحكيم بن حزام ، وسهيل بن عمرو» [١٤٠٨١].

وعن جبير بن مطعم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«أدخلوا علي ، ولا تدخلوا علي إلا بني عبد المطلب» فدخل جبير من تحت القبة فأخذوا برجله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أرسلوه فإن ابن أخت القوم منهم» [١٤٠٨٢].

وعن جبير بن مطعم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له :

يا جبير ، أتحب إذا خرجت سفرا أن تكون من أمثل أصحابك هيئة وأكثرهم زادا؟ فقلت : نعم بأبي أنت وأمي ، قال : فاقرأ هذه السورة : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) ، و (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) ، و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ، وافتح كلّ سورة ببسم الله الرحمن الرحيم ، واختم قراءتك ببسم الله الرحمن الرحيم».

قال جبير : وكنت غير كثير المال ، فكنت أخرج مع من شاء الله في السفر ، فكنت أبذهم هيئة وأقلهم زادا ، فما زلت منذ علمنيهن وقرأتهن أكون أحسنهم هيئة وأكثرهم زادا حتى في سفري ذلك وفي إقامتي ، وما كان من أصحابي أحد أقل دينا مني [١٤٠٨٣].

كان (١) جبير بن مطعم من أنسب قريش لقريش وللعرب قاطبة ، وكان يقول : إنما أخذت النسب من أبي بكر الصديق ، وكان أبو بكر الصديق رضي‌الله‌عنه من أنسب العرب.

ولما (٢) أتي عمر بن الخطاب بسيف النعمان بن المنذر ، دعا جبير بن مطعم فسلّحه إياه ثم قال : يا جبير ، ممن كان النعمان؟ قال : كان رجلا من أشلاء قنص بن معدّ. وكان جبير أنسب العرب للعرب.

كان (٣) مطعم بن عدي أبو جبير من أشراف قريش ، وكان كافا عن أذى سيدنا

__________________

(١) رواه المزي في تهذيب الكمال ٣ / ٣٣٣ من طريق محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن شيخ من الأنصار من بني زريق. وسير الأعلام ٣ / ٩٧.

(٢) رواه المزي في تهذيب الكمال ٣ / ٣٣٣ من طريق الزبير بن بكار حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي ، عن عثمان بن أبي سليمان. وسير الأعلام ٣ / ٩٧.

(٣) رواه المزي في تهذيب الكمال ٣ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣ نقلا عن ابن سعد قال : وذكره في الطبقة الثالثة.

٤٥

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أسارى بدر : «لو كان مطعم بن عدي حيا لوهبت له هؤلاء النتنى» (١) ، وذلك ليد كانت لمطعم عند سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كان أجاره حين رجع من الطائف ، وقام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم حين حصروا في الشّعب ، وكان مبقيا على نفسه ، لم يكن يشرف لعداوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولإيذائه ولا يؤذي أحدا من المسلمين كما كان يفعل غيره. ومدحه أبو طالب في قصيدة له.

وتوفي مطعم بن عدي بمكة بعد هجرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسنة واحدة ، ودفن بالحجون ، مقبرة أهل مكة ، وكان يوم توفي ابن بضع وتسعين سنة. وكان يكنى أبا وهب. ورثاه حسان ابن ثابت بقصيدته التي يقول فيها (٢) :

فلو كان مجد يخلد اليوم واحدا

من الناس أنجى (٣) مجده اليوم مطعما

أجرت رسول الله منهم فأصبحوا

عبيدك ما لبّى ملبّ وأحرما

تزوج جبير بن مطعم امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها ، فقرأ : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٣٧]. قال : أنا أحق بالعفو منها ، فسلّم لها المهر كاملا فأعطاها إياه (٤).

توفي جبير بن مطعم سنة ثمان وخمسين. وقيل سنة تسع وخمسين.

[قدم المدينة في فداء الأسارى من قومه ، وكان موصوفا بالحلم ونبل الرأي. وكان شريفا مطاعا.

وفد على معاوية في أيامه.

عد خليفة جبيرا في عمال عمر على الكوفة ، وأنه ولاه قبل المغيرة بن شعبة.

الزبير ، حدثنا المؤملي ، عن زكريا بن عيسى عن الزهري ، أن عمرو بن العاص قال لأبي موسى لما رأى كثرة مخالفته له : هل أنت مطيعي؟ فإن هذا الأمر لا يصلح أن ننفرد به حتى نحضره رهطا من قريش ، نستشيرهم فإنهم أعلم بقومهم ، قال : نعم ما رأيت ، فبعثنا إلى

__________________

(١) أخرجه البخاري في (٥٧) كتاب فرض الخمس (١٦) باب ، رقم ٣١٣٩.

(٢) البيتان في تهذيب الكمال ٣ / ٣٣٣ وديوان حسان بن ثابت ص ٢٣٩ ط. صادر بيروت.

(٣) في الديوان : أبقى.

(٤) رواه الذهبي في سير الأعلام من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة.

٤٦

خمسة : ابن عمرو ، وأبي جهم بن حذيفة ، وابن الزبير ، وجبير بن مطعم وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فقدموا عليهم](١).

[قال خليفة بن خياط](٢) :

[ومن بني نوفل بن عبد مناف بن قصي : جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، أمه أم جميل بنت سعيد بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود بن عامر بن لؤي. مات بالمدينة سنة خمس وخمسين](٣).

[يقال : إن أول من لبس طيلسانا بالمدينة جبير بن مطعم](٤).

[٩٧٧٢] جبير بن نفير بن مالك بن عامر

أبو عبد الرحمن ويقال أبو عبد الله الحضرمي

من أهل حمص. أدرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقدم دمشق وسمع بها.

[روى عن النبي مرسلا ، وعن بشر بن جحاش ، وثوبان ، وخالد بن الوليد ، وذي مخبر الحبشي ، وسبرة بن فاتك ، وسفيان بن أسيد ، وسلمة بن نفيل التراغمي ، وشداد بن أوس ، وشرحبيل بن السمط ، وعبادة بن السمط ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمرو ابن العاص ، وعبد الله بن معاوية الغاضري ، والعرباض بن سارية ، وعقبة بن عامر ، وعمر بن الخطاب ، وعمرو بن عنبسة ، وعوف بن مالك الأشجعي ، وكعب بن عياض ، ومالك بن يخامر ، ومحمد بن أبي عميرة ، والمستورد بن شداد ، والمقداد بن الأسود ، ونفير بن مالك ، أبيه ، والنواس بن سمعان ، وأبي أيوب الأنصاري ، وأبي بكر الصديق ، مرسلا ، وأبي ثعلبة الخشني ، وأبي الدرداء ، وأبي ذر ، وعائشة.

__________________

(١) ما بين معكوفتين استدرك عن سير الأعلام ٣ / ٩٥ ـ ٩٨.

(٢) زيادة للإيضاح.

(٣) ما بين معكوفتين استدرك عن طبقات خليفة بن خياط ص ٣٨ رقم ٤٣.

(٤) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن الاستيعاب ١ / ٢٣١ (هامش الإصابة).

[٩٧٧٢] ترجمته في تهذيب الكمال ٣ / ٣٣٤ وتهذيب ١ / ٣٦٢ والوافي بالوفيات ١١ / ٥٩ الجرح والتعديل ١ / ١ / ٥١٢ والتاريخ الكبير ١ / ٢ / ٢٢٣ حلية الأولياء ٥ / ١٣٨ تذكرة الحفاظ ١ / ٤٩ وسير أعلام النبلاء ٤ / ٧٦ وطبقات ابن سعد ٧ / ٤٤٠ والإصابة ١ / ٢٥٩ والاستيعاب ١ / ٢٣٢ (هامش الإصابة) ، وأسد الغابة ١ / ٣٢٤.

ونفير : بالتصغير ، بضم النون وفتح الفاء وسكون الياء ، الوافي بالوفيات ، وتقريب التهذيب ، والإصابة.

٤٧

روى عنه : ثابت بن سعد الطائي ، والحارث بن يزيد الحضرمي ، وحبيب بن عبيد ، وخالد بن معدان ، وربيعة بن يزيد ، وزيد بن أرطأة ، وزيد بن واقد ، وسليم بن عامر ، وشرحبيل بن مسلم ، وشريح بن عبيد ، وصفوان بن عمرو ، وعبد الرحمن بن جبير بن مطعم ، وعبد الرحمن بن ميسرة ، ولقمان بن عامر ، ومكحول الشامي ، ونصر بن علقمة ، والوليد بن عبد الرحمن الجرشي ، ويحيى بن جابر الطائي ، ويزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك ، وأبو إدريس السكوني ، وأبو الزاهرية الحمصي ، وأبو عثمان شيخ لمعاوية بن صالح الحضرمي](١).

[قال أبو عبد الله البخاري](٢) :

[جبير بن نفير الحضرمي ، أبو عبد الرحمن ، سمع أبا الدرداء ، وأبا ذر ، كناه شريح وأبو حيوة ، سكن الشام. قال لنا عبد الله بن صالح عن معاوية عن سليم بن عامر عن جبير بن نفير ، قال : لقد استقبلت الإسلام من أوله فلم أزل أرى في الناس صالحا وطالحا. وقال لنا علي : حدثنا زيد بن الحباب عن معاوية سمع أبا الزاهرية : عن جبير بن نفير بن مالك بن عامر الحضرمي ، وكان جاهليا إسلاميا](٣).

[قال أبو محمد بن أبي حاتم](٤) :

[جبير بن نفير الحضرمي أبو عبد الرحمن شامي ، روى عن أبي ذر ، وأبي الدرداء ، والنواس بن سمعان ، وسلمة بن نفيل التراغمي ، روى عنه ابنه عبد الرحمن ، وأبو الزاهرية ، سمعت أبي يقول ذلك.

سئل أبو زرعة عن جبير بن نفير ، فقال : حضرمي ، شامي ، ثقة. سئل أبي عن جبير بن نفير ، فقال : ثقة من كبار تابعي أهل الشام القدماء](٥).

[قال أبو زرعة الدمشقي : قلت لدحيم : أي الرجلين عندك أعلم. أبو إدريس الخولاني

__________________

(١) الزيادة بين معكوفتين استدركت عن تهذيب الكمال ٣ / ٣٣٤ ـ ٣٣٥.

(٢) زيادة للإيضاح.

(٣) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن التاريخ الكبير ١ / ٢ / ٢٢٣.

(٤) زيادة للإيضاح.

(٥) ما بين معكوفتين استدرك عن الجرح والتعديل ١ / ١ / ٥١٢ ـ ٥١٣.

٤٨

أو جبير بن نفير؟ قال : أبو إدريس عندي المقدم ، ورفع من شأن جبير بن نفير.

قال النسائي : ليس أحد من كبار التابعين ، أحسن رواية عن الصحابة من ثلاثة ، قيس ابن أبي حازم ، وأبي عثمان النهدي ، وجبير بن نفير](١).

حدث جبير بن نفير (٢) عن النواس بن سمعان الكلابي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«إن الله تبارك وتعالى ضرب مثلا صراطا مستقيما على كنفي الصراط ، سوران لهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور ، وداع يدعو على رأس الصراط وداع من فوقه ، والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، فالأبواب التي على كنفي الصراط حدود الله ، لا يقع أحد في حدود الله حتى يكشف ستر الله ، والذي يدعو من فوقه واعظ الله تبارك وتعالى» [١٤٠٨٤].

حدث جبير بن نفير عن المقداد بن الأسود قال :

جاءنا المقداد بن الأسود لحاجة له فقلنا : اجلس عافاك الله حتى نطلب لك حاجتك ، فجلس فقال : العجب من قوم مررت بهم آنفا يتمنّون الفتنة ، يزعمون ليبتليهم الله فيها بما ابتلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، وايم الله ، لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن السعيد لمن جنب الفتن ، يوردها ثلاث مرات ، وإن ابتلي وصبر» ، وايم الله ، لا أشهد لأحد أنه من أهل الجنة حتى أعلم ما يقول عليه ، بعد حديث سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لقلب ابن آدم أسرع انقلابا من القدر إذا استجمعت غليا» [١٤٠٨٥].

قال جبير بن نفير :

دخلت على أبي الدرداء بدمشق وبين يديه جفنة من لحم ، فقال لي : يا جبير ، اجلس فأصب من هذا اللحم ، فإن كنيسة في ناحيتنا أهدى لنا أهلها مما ذبحوا لها ، فجلست فأكلت معه (٣).

وقيل إن جبير بن نفير لم يلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكنه صحب الصحابة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن تهذيب الكمال ٣ / ٣٣٥.

(٢) أخرجه أحمد بن حنبل في المسند ٦ / ١٩٩ رقم ١٧٦٥٣ من طريق حيوة بن شريح حدثنا بقية قال حدثني بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن جبير عن النواس بن سمعان ، وذكره.

(٣) رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٤ / ٧٧.

٤٩

وقيل إنه أسلم في خلافة أبي بكر ، وكان ثقة فيما يروي من الحديث.

وحدث جبير بن نفير قال (١) :

أدركت الجاهلية وأتانا رسول [رسول](٢) الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم باليمن فأسلمنا. في حديث طويل.

وحدث جبير بن نفير قال :

قد استقبلت الإسلام من أوله ، فلم أزل أرى في الناس صالحا وطالحا (٣).

حدث جبير بن نفير (٤) :

أن يزيد بن معاوية كتب إلى معاوية فذكر أن جبير بن نفير قد نشر في أهل مصري حديثا ، فقد تركوا القرآن ، قال : فبعث إلى جبير ، فقرأ عليه كتاب يزيد ، فعرف بعضه ، وأنكر بعضه ، فقال معاوية : لأضربنك ضربا أدعك لمن بعدك نكالا ، قال جبير : يا معاوية لا تطغ فيّ ، يا معاوية ، إن الدنيا قد انكسرت عمادها ، وانخسفت أوتادها ، وأحبها أصحابها ، قال : فجاء أبو الدرداء فأخذ بيد جبير فقال : والذي نفس أبي الدرداء بيده لئن كان تكلم [به](٥) جبير لقد تكلم به أبو الدرداء ، ولو شاء جبير أن يخبر أنه إنما سمعه من أبي الدرداء لفعل ، ولو ضربتموه يا معاوية ، لضربكم الله بقارعة تحل بدياركم فتتركها منكم بلاقع (٦).

وعن جبير بن نفير قال :

خمس خصال قبيحة في أصناف من الناس : الحدّة في السلطان ، والحرص في القرّاء ، والفتوّة في الشيوخ ، والشح في الأغنياء ، وقلة الحياء في ذوي الأحساب.

توفي جبير بن نفير سنة خمس وسبعين. وقيل سنة ثمانين (٧).

__________________

(١) الخبر رواه ابن الأثير في أسد الغابة ١ / ٣٢٥ من طريق ابنه عبد الرحمن بن جبير.

(٢) زيادة للإيضاح عن أسد الغابة.

(٣) الخبر في طبقات ابن سعد ٣ / ١٤٥ و٧ / ٤٤٠ وسير الأعلام ٤ / ٧٦.

(٤) رواه الذهبي في سير الأعلام ٤ / ٧٧ من طريق بقية حدثنا علي بن زبيد الخولاني ، عن مرثد بن سمي ، عن جبير بن نفير ، وذكره.

(٥) زيادة للإيضاح عن سير الأعلام.

(٦) بلاقع جمع بلقع. والبلقع الأرض القفر التي لا شيء بها ، يقال : منزل بلقع ودار بلقع (تاج العروس : بلقع).

(٧) وقال معاوية بن صالح أنه أدرك إمارة الوليد بن عبد الملك.

قال ابن حجر في تهذيب التهذيب : فإن صح ذلك فيكون عاش إلى سنة بضع وثمانين ، لأن الوليد ولي سنة ٨٦ والله أعلم.

٥٠

[٩٧٧٣] جحّاف بن حكيم بن عاصم بن قيس

ابن سباع بن خزاعي بن محارب بن هلال بن فالج

ابن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور السّلمي

قال الجحّاف بن حكيم (١) :

دخلت على عبد الملك بن مروان وهو خليفة فقال لي : ما قلت في حرب قيس وتغلب؟ قال : قلت :

صبرت سليم للطعان وعامر

وإذا جزعنا لم نجد من يصبر

قال : كذبت من يصبر كثير. قال : ثم قلت :

نحن الذين إذا علوا لم يضجروا

يوم الطعان وإن علوا لم يفخروا (٢)

قال : صدقت ، كذلك حدثني أبي عن أبي سفيان قال : لما انهزم الناس ورجعوا أشرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على وادي حنين فبصر ببني سليم في أيديهم الحجف (٣) والرماح والسيوف ولم ينهزموا ، فلما نظر إليهم على تلك الحال قال : «أنا ابن العواتك من سليم ولا فخر» [١٤٠٨٦].

قال الجحاف :

وقد قال شاعرنا لبني هاشم :

اذكروا حرمة العواتك منا

يا بني هاشم بن عبد المناف

قد ولدناكم ثلاث ولادا

ت خلطنا الأشراف بالأشراف

قال الحسن بن علان :

الجحاف بن حكيم السلمي الذكواني الذي وقع ببني تغلب الوقعة المشهورة بالبشر (٤)

__________________

[٩٧٧٣] ترجمته في جمهرة ابن حزم ص ٢٦٣ ـ ٢٦٤ الوافي بالوفيات ١١ / ٦٠ وأسد الغابة ١ / ٣٢٦ والإصابة ١ / ٢٦٦ والأغاني ١٢ / ١٩٨. وفي الوافي بالوفيات ، محارب بن مرة بن فالج. وفيه أيضا : بهته بدل بهثة.

(١) الخبر والبيتان في الأغاني ١٢ / ٢٠٤ باختلاف الرواية.

(٢) في الأغاني :

 ..... لم يفخروا

يوم اللقا وإذا علوا لم يضجروا

(٣) الحجف جمع حجفة ، وهي الترس.

(٤) البشر بكسر أوله ثم السكون. جبل يمتد من عرض إلى الفرات من أرض الشام من جهة البادية. (معجم البلدان).

٥١

فبقر بطون النساء ، ثم خرج هاربا لعظم ما أتى إليهم ، فحمل الحجاج بن يوسف تلك الحمالة لبني تغلب عنه ، يقال إنه لم تكن حمالة قط أعظم منها.

وروي أن عبد الله بن عمر رأى الجحّاف وهو يطوف بالبيت ويقول : اللهم اغفر لي ، وما أراك تفعل ، فقال له : يا عبد الله ، لو كنت الجحّاف ما زدت على ما تقول ، قال : فأنا الجحّاف (١).

حدث عمر بن عبد العزيز بن مروان (٢) :

إنه حضر الجحاف بن حكيم السلمي والأخطل عند عبد الملك بن مروان والأخطل ينشد :

ألا سائل الجحّاف هل هو ثائر

بقتلى أصيبت من سليم وعامر؟ (٣)

قال : فقبّض وجهه في وجه الأخطل ثم قال :

نعم سوف نبكيهم بكلّ مهنّد

ونبكي عميرا بالرماح الخواطر (٤)

يعني عمير بن الحباب السّلمي.

ثم قال : لقد ظننت يا بن النصرانية أنك لم تكن تجترئ علي ، ولو رأيتني لك مأسورا ، وأوعده ، فما زال الأخطل من موضعه حتى حمّ ، فقال له عبد الملك : أنا جارك منه. قال : هذا أجرتني منه يقظان فمن يجيرني منه نائما؟ فضحك عبد الملك.

وفي رواية (٥) : أن الجحاف كان عند عبد الملك بن مروان فدخل عليه الأخطل فأنشده :

ألا أبلغ الجحّاف هل هو ثائر

بقتلى أصيبت من سليم وعامر؟

__________________

(١) الخبر في الأغاني ١٢ / ٢٠٤.

(٢) الخبر والشعر في الأغاني ١٢ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥ من طريق الدمشقي عن الزبير بن بكار. عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عمر بن عبد العزيز بن مروان.

(٣) البيت في الأغاني ١٢ / ٢٠٤ ومعجم البلدان (البشر) ، والوافي بالوفيات ١١ / ٦١ وديوان الأخطل ص ١٣٠ (ط. بيروت).

(٤) البيت في الأغاني ١٢ / ٢٠٥.

(٥) انظر الخبر والشعر باختلاف الرواية ، في الأغاني ١٢ / ٢٠٠ وما بعدها. وانظر معجم البلدان (البشر) ١ / ٤٢٧ والوافي بالوفيات ١١ / ٦١.

٥٢

قال : وهم يأكلون تمرا ، قال : فجعل الجحاف يأخذ التمرة ويجعلها في عينه من الغضب ، ثم نهض وقد سقط رداؤه من جانب ، وهو يجرّه ، فقال عبد الملك للأخطل : ويحك إني أخشى أن تكون قد سقت إلى قومك شرا ، فخرج الجحّاف حتى أتى قومه وقد أوسق بغالا ، فيها حصا في الأحمال يوهم أنها مال ، ثم نادى في قومه فاجتمعوا إليه على أخذ الجائزة ، فلما اجتمعوا كشف عما فيها فإذا هو الحصا ، وقال : إنما أردت أن أجمعكم لهذا ، ثم أنشدهم قول الأخطل. قال : فمن أراد أن يتبعني فليتبعني ، فاتبعه منهم عدة آلاف ، فسار. فلما أمسى قال : من كان منكم مضعفا فليرجع ، فرجع قوم ثم مضى فقال : من كان يكره الموت فليرجع ، فرجع عنه قوم ، فسار مسيرة أربع في يوم وليلة حتى صبّح حيّ الأخطل ، فأغار عليهم فقتل النساء والصبيان والماشية ، وذبح الدجاج والكلاب ، وأفلت الأخطل هاربا ، فقال الأخطل : (١).

لقد أوقع الجحّاف بالبشر وقعة

إلى الله منها المشتكى والمعوّل

وإلا تغيّرها (٢) قريش بملكها

يكن عن قريش مستماز (٣) ومزحل (٤)

قال : فقيل له : إلى أين؟ قال : إلى النار ، فقال له عبد الملك : يا بن اللخناء أيكون عن قريش مستماز ومزحل؟.

قال : ثم إن الجحاف خاف من عبد الملك ، فخرج إلى بلاد الروم فقبله صاحب الروم ، ثم إن عبد الملك وجه الصائفة فلقيهم الروم ولقيهم الجحّاف مع الروم ، فهزمت الصائفة. فلما رجعوا سأل عبد الملك عن الخبر فقالوا : أتينا من الجحّاف ، فبعث إليه عبد الملك يؤمّنه فرجع وعرض عليه صاحب الروم النصرانية والمقام عنده ويعطيه ما شاء فأبى وقال : لم أخرج رغبة عن الإسلام ، إنما خرجت حميّة ، فلما رجع تفكر فيما صنع وندم فدعا مولى له أو اثنين فركبا وركب معهما وقد لبس أكفافا حتى أتى إلى البشر إلى حيّ الأخطل ، فلم يرعهم حتى جاءهم ، فقالوا : قد أتى الجحّاف فقالوا : ما جاء بك؟ قال : أعطي القود من نفسي فإن شئتم

__________________

(١) البيتان في الأغاني ١٢ / ٢٠٣ ومعجم البلدان ١ / ٤٢٧ وديوان الأخطل ص ٢٣٠ و٢٣١.

(٢) الديوان : فإن لا تغيرها.

(٣) الأغاني : مستراد ، والمستماز : الذي تخلف عن أهله والتحق بغيرهم.

(٤) في الديوان ومعجم البلدان : ومرحل. والمزحل : المبعد ، الذي زحل عن مكانه وزال وتنحى.

٥٣

فاقتلوا ، فتسرّع بعضهم ، وقال مشايخهم ، تجبذون عنقه في الحبل وتقتلونه أسيرا؟! لا كان هذا أبدا ، فتركوه وعفوا عنه.

قالوا (١) : وقيل : إن الجحاف لما سار في جماعة من قومه إلى بني جشم بن بكر رهط الأخطل وأوقع بهم وقتل مقتلة عظيمة فيهم أبو الأخطل ، وقع الأخطل في أيديهم وعليه عباءة دنسة ، فسألوه فذكر أنه عبد (٢) فأطلقوه فقال :

لقد أوقع الجحّاف بالبشر وقعة ......................

[روى (٣) ابن عساكر بسند صحيح إلى محمد بن سلام الجمحي قال (٤) : قال لي أبان الأعرج : قد أدرك الجحاف الجاهلية ، فقلت له : لم تقول ذلك؟ قال لقوله :]

[شهدن مع النبي مسومات

حنينا وهي دامية الكلام

تعرض للطعان إذا التقينا

وجوها لا تعرض للّطام

فقلت له : إنما عنى خيل قومه بني سليم.

وذكرت ذلك لعبد القاهر بن السري ، فقال : جدي قيس بن الهيثم أعطى حكيم بن أمية جارية ولدت له الجحاف في غرفة في دارنا ، لا أحسبه إلا قال : رأيتها](٥).

[٩٧٧٤] جدار بن جدار العذري الصنعاني

صنعاء دمشق. كانت له بدمشق دار.

حدث بسنده عن أبي أمامة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«من هاله الليل أن يكابده ، وبخل بالمال أن ينفقه ، وجبن عن العدو أن يقاتله فليكثر أن يقول : سبحان الله وبحمده ، فإنها أحب إلى الله من جبل ذهب وفضة ينفقان في سبيل الله» [١٤٠٨٧].

__________________

(١) الخبر في الأغاني ١٢ / ٢٠١.

(٢) الأغاني : عبد من عبيدهم.

(٣) ما بين معكوفتين استدرك عن الإصابة ١ / ٢٦٦ نقلا عن ابن عساكر.

(٤) الخبر والشعر في طبقات الشعراء للجمحي ص ١٥٤.

(٥) ما بين معكوفتين استدرك عن طبقات الشعراء للجمحي ص ١٥٤.

[٩٧٧٤] ترجمته في تبصير المنتبه ١ / ٢٤٥ والإكمال ٢ / ٦٤. وجدار ضبطت بكسر الجيم عن الإكمال لابن ماكولا.

٥٤

وحدث جدار أيضا أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول سمعت أبا الدرداء يقول :

لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يعلم أن للقرآن وجوها.

[قال ابن ماكولا :](١)

[أما جدار : أوله جيم مكسورة فهو : جدار بن جدار العذري ، وهو جدّ ابن ثوبان لأمه. ذكره ابن سميع في الطبقة الثالثة من تابعي أهل الشام](٢).

[٩٧٧٥] جدّ بن قيس أحد العبّاد

كان يكون بجبل لبنان من أعمال دمشق.

قال جدّ بن قيس :

كان أول عبادتي أني قعدت على جبل لبنان ، فإذ أنا بثلاثة قبور على ارتفاع من الأرض فإذا على أحدها مكتوب :

وكيف يلذّ العيش من كان موقنا

بأنّ إله الخلق لا بدّ سائله؟

فيأخذ منه ظلمه لعباده

ويجزيه بالخير الذي هو فاعله

ورأيت على القبر الثاني مكتوبا :

وكيف يلذّ العيش من كان صائرا

إلى جدث تبلي الشباب منازله

ويذهب رسم الوجه من بعد حسنه

فأين منه جسمه ومفاصله (٣)

ورأيت على القبر الثالث مكتوبا :

وكيف يلذّ العيش من كان موقنا

بأنّ المنايا بغتة ستعاجله

وتسلبه ملكا عظيما ونخوة

وتسكنه البيت الذي هو آهله

__________________

(١) زيادة للإيضاح.

(٢) الزيادة بين معكوفتين زيادة عن الإكمال لابن ماكولا ٢ / ٦٤.

(٣) كذا ، والوزن غير مستقيم.

٥٥

[٩٧٧٦] جرّاح بن عبد الله بن جعادة بن أفلح

ابن الحارث بن درّة بن حدقة بن مظّة ، واسمه سفيان

ابن سليم بن الحكم بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد

ابن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ

أبو عقبة الحكمي

من قواد أهل الشام من دمشق. ولي البصرة في أيام الوليد بن عبد الملك للحجاج ، ثم ولي العراق في أيام سليمان خلافة ليزيد بن المهلب ، ثم ولي خراسان وسجستان لعمر بن عبد العزيز ، وولي عدة جهات وكان قارئا غازيا.

[روى عن ابن سيرين

روى عنه يحيى بن عطية ، وصفوان بن عمرو ، وربيعة بن فضالة.

كان بطلا شجاعا ، مهيبا طوالا ، عابدا قارئا ، كبير القدر](١).

[قال أبو عبد الله البخاري](٢) :

[جراح بن عبد الله الحكمي ، أبو عقبة ، شامي الأصل ، ولي خراسان ، ولاه يزيد بن المهلب ، وهو من سعد العشيرة من اليمن ، روى عنه ابن سيرين قوله](٣).

[قال أبو محمد بن أبي حاتم](٤) :

[الجراح بن عبد الله الحكمي ، وهو من سعد العشيرة ، أبو عقبة ، من اليمن شامي الأصل ، حمصي. كان واليا على خراسان والبصرة ولاه يزيد بن المهلب. روى عن ابن

__________________

[٩٧٧٦] ترجمته في جمهرة ابن حزم ص ٤٠٨ وفيه : جعادرة بدل جعادة ، ذوة بدل درة ، سلهم بدل سليم والاشتقاق ص ٢٤٢ وفيه دوة بدل درة وتاريخ خليفة بن خياط (الفهارس) ، وتاريخ الطبري (الفهارس) والكامل لابن الأثير (الفهارس) وطبقات خليفة ٢٦٥ ، والجرح والتعديل ١ / ١ / ٥٢٢ والتاريخ الكبير ١ / ٢ / ٢٢٦ وسير الأعلام ٥ / ١٨٩ وتاريخ الإسلام (١٠١ ـ ١٢٠) ص ٣٣٥ والعبر ١ / ١٣٧ وشذرات الذهب ١ / ١٤٤ والبداية والنهاية (الفهارس) والوافي بالوفيات ١١ / ٦٤.

(١) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن سير الأعلام ٥ / ١٨٩.

(٢) زيادة للإيضاح.

(٣) ما بين معكوفتين زيادة عن التاريخ الكبير ١ / ٢ / ٢٢٦.

(٤) زيادة للإيضاح.

٥٦

سيرين. روى عنه يحيى بن عطية وصفوان بن عمرو. سمعت أبي يقول ذلك](١).

[قال خليفة بن خياط](٢) :

[ومن بني الحكم بن سعد العشيرة : الجراح بن عبد الله بن جعادة بن أفلح من ولد سلهم بن الحكم بن سعد العشيرة](٣).

قال الجراح بن عبد الله :

تركت الذنوب حياء أربعين سنة ، ثم أدركني الورع (٤).

وفي رواية :

تركت الذنوب حياء من الناس أربعين سنة. فلما جاوزت الأربعين أدركني الورع ، فتركتها حياء من الله عزوجل.

قال الوليد بن مسلم (٥) :

كان الجراح بن عبد الله الحكمي إذا مشى في مسجد الجامع بدمشق يميل رأسه عن القناديل من طوله.

قال أبو عمرو :

بعث الحجاج إذا كان يقاتل مصعبا والحرورية بالعراق إلى صاحب أهل دمشق ، فلما أتاه قال له : اطلب لي من أصحابك رجلا جليدا بئيسا ذا رأي وعقل ، فقال : أصلح الله الأمير ، ما أحسبني إلا وقد أصبته ، إن في أصحابي رجلا من حكم بن سعد يقال له الجراح ، جلدا صحيح العقل يعد ذلك من نفسه ، يعني البأس ، قال : فابعث إليه ، فلما رآه الحجاج قال له : ادن يا طويل ، فلم يزل يقول له ذلك ويشير إليه بيده حتى لصق به أو كاد ، ثم قال : اقعد فقعد تحكّ ركبته وليس عنده غيره ، ثم قال له : قم الساعة إلى فرسك فاحسسه (٦)

__________________

(١) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن الجرح والتعديل ١ / ١ / ٥٢٢ ـ ٥٢٣.

(٢) زيادة للإيضاح.

(٣) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن طبقات خليفة ص ٢٦٥ رقم ١١٣٩.

(٤) رواه الذهبي في سير الأعلام ٥ / ١٩٠ من طريق أبي مسهر عن شيخ من حكم ، عن الجراح وذكره.

(٥) رواه الذهبي في سير الأعلام ٥ / ١٩٠ من طريق الوليد بن مسلم ، وتاريخ الإسلام حوادث سنة ١٠١ ـ ١٢٠ ص ٣٣٦.

(٦) حسّ الدابة : نفض عنها التراب.

٥٧

واعلفه وأصلح منه ، ثم خذ سرجه ولجامه وسلاحك فضعه عند وتد فرسك ، ثم ارقب أصحابك حتى إذا أخذوا مضاجعهم ونوّموا فاشدد على فرسك سرجه ولجامه ، واصبب عليك سلاحك وخذ رمحك ، ثم اخرج حتى تأتي عسكر أعداء الله فتعاينهم ، وتنظر إلى حالاتهم وما هم عليه ، ثم تصحبني غدا ، ولا تحدثن شيئا حتى تنصرف ، فإذا انصرفت إلى أصحابك الساعة فلا تخبرهم بما عهدته إليك ، فنهض الجراح. فلما أتى أصحابه وهم متشوّفون له سألوه عن أمره فقال : سألني الأمير عن أمر أهل دمشق واعتلّ لهم ، ثم فعل ما أمره الحجاج ، ثم خرج من العسكر يريد عسكر القوم ، فلما كان في المنصف من العسكرين لقي رجلا في مثل حاله ، فعلم الجراح أنه عين للعدو يريد مثل الذي خرج له ، فتواقفا وتساءلا ثم شد عليه الجراح فقتله وأوثق فرسه برجله ، ثم نفر إلى المعسكر الذي فيه القوم فعاينه وعرف من حاله وحال أهله ما أمر به ، ثم انصرف إلى القتيل فاحتزّ رأسه وأخذ سلاحه وجذب فرسه وعلق الرأس في عنق فرسه ، ثم أقبل. وصلى الحجاج صلاة الصبح وقعد في مجلسه وأمر بالأستار فرفعت ، وتشوّف منتظرا الجرّاح وجعل يومئ بطرفه إلى الناحية التي يظنّ أنه يقبل منها. فبينا هو كذلك إذ أقبل الجرّاح يجذب الفرس ، والرأس منوط في لبان (١) فرسه ، فأقبل الحجاج يقول ويقلب كفّيه : فعلت ما أمرتك به؟ قال : نعم ، وما لم تأمرني ، حتى وقف بين يديه ، فسلّم ثم نزل. وحدّث الحجاج بما صنع وما عاين من القوم ، فلما فرغ من حديثه زبره الحجاج وانتهره وقال له : انصرف ، فانصرف فبينا هو في رحله إذ أقبل فراشون يسألون عن الجراح معهم رواق وفرش وجارية وكسوة ، فدلّوا على رحله ، فلم يكلموه حتى ضربوا له الرواق وفرشوا له فرشا وأقعدوا فيه الجارية ، ثم أتوه فقالوا : انهض إلى صلة الأمير وكرامته. فلم يزل الجرّاح بعدها يعلو ويرتفع حتى ولي أرمينية واستشهد ، قتلته الخزر سنة خمس ومائة.

قال أبو حاتم :

الجراح مولى مسكان أبي هانئ أبي أبي نواس ، وذلك عنيّ أبو فراس بقوله (٢) :

يا شقيق النفس من حكم

نمت عن ليلي ولم أنم

__________________

(١) اللبان بالفتح ، الصدر أو وسطه أو ما بين الثديين ، ويكون للإنسان وغيره. أو صدر ذي الحافر خاصة (تاج العروس : لبن).

(٢) مطلع قصيدة ، قصة الأمم ، لأبي نواس ، في ديوانه ص ٤١.

٥٨

قال الصلت بن دينار :

رأيت في المنام كأن رجلا قطعت يداه ورجلاه وآخر صلب ، فغدوت على ابن سيرين فأخبرته بذلك فقال : إن صدقت رؤياك نزع هذا الأمير وقدم أمير آخر قال : فلم نمس من يومنا حتى نزع قطن بن مدرك (١) وقدم الجراح بن عبد الله.

كتب (٢) عمر بن عبد العزيز وهو خليفة إلى عامله على خراسان الجراح بن عبد الله الحكمي يأمره أن يدعو أهل الجزية إلى الإسلام ، فإن أسلموا قبل إسلامهم ووضع الجزية عنهم ، وكان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ، فقال له رجل من أشراف أهل خرسان : إنه والله ما يدعوهم إلى الإسلام إلا أن توضع عنهم الجزية ، فامتحنهم بالختان ، فقال : أنا أردهم عن الإسلام بالختان؟ هم لو قد أسلموا [فحسن إسلامهم](٣) كانوا إلى الطهرة أسرع ، فأسلم على يده نحو من أربعة آلاف.

قال السائب بن محمد :

كتب الجراح بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز (٤) : سلام عليك ، أما بعد. فإن أهل خراسان قوم قد ساءت رعيتهم ، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في تلك فعل.

قال : فكتب إليه عمر بن عبد العزيز : من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى الجراح بن عبد الله : سلام عليك ، أما بعد ؛ فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم ، وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط ، وتسألني أن آذن لك فقد كذبت ، بل يصلحهم العدل والحق ، فابسط ذلك فيهم والسلام (٥).

__________________

(١) قطن بن مدرك الكلابي كان واليا على البصرة للوليد بن عبد الملك بعد عزل مهاصر بن سحيم الكناني. (انظر تاريخ خليفة ص ٣١٠).

(٢) الخبر رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٥ / ٣٨٦ في ترجمة عمر بن عبد العزيز ، من طريق أحمد بن محمد بن الوليد قال : حدثنا عبد الرحمن بن حسن عن أبيه ، أن عمر بن عبد العزيز كتب ... وذكره.

(٣) زيادة اقتضاها السياق عن طبقات ابن سعد.

(٤) ذكر الطبري في تاريخه ٤ / ٦٥ كتاب الجراح بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز باختلاف ألفاظه.

(٥) نص كتاب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى الجراح يرد فيه على كتابه له : وفيه :

يا ابن أم الجراح ، أنت أحرص على الفتنة منهم ، لا تضربن مؤمنا ولا معاهدا سوطا إلا في حق ، واحذر القصاص فإنك صائر إلى من يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، وتقرأ كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

٥٩

وقتل الجراح لثمان بقين من رمضان سنة اثنتي عشرة ومائة (١) ، وغلبت الخزر (٢) على أذربيجان وساحت خيولهم حتى بلغوا قريبا من الموصل (٣).

وذكر الواقدي :

أن البلاء كان بمقتل الجراح على المسلمين عظيما ، فبكى عليه في كل جند من أجناد العرب ومصر من أمصار المسلمين (٤).

حدث إسماعيل بن عبيد الله مولى الحارث بن هشام ، قال :

قدمت علينا امرأة يمانية عليها ثياب اليمن فقالت : هل تعرفون أبا المقدام رجاء بن حيوة؟ قلنا : نعم. قالت : رأيت رجلا في النوم فقال : أنا أبو المقدام رجاء بن حيوة فقلت : ألم تمت؟ قال : بلى ، ولكن نودي في أهل الجنة أن يتلقوا روح الجراح بن عبد الله الحكمي ، وذلك قبل أن يأتيهم نعي الجراح ، فكتبوا الوقت ، فجاءهم أن الجراح قد قتل يومئذ بأرمينية ، جاشت عليه الخزر فقتلوه.

قال أبو مسهر :

قال الجراح يوم قتل لأصحابه : أيها القواد وأمراء الأجناد ، فيم اهتمامكم؟! غدوتم أمراء ، وتروحون شهداء ، اللهم إذ رفعت عنا النصر فلا تحرمنا الصبر والأجر ثم قال :

لم يبق إلّا حسبي وكفني

وصارم تلذّه يميني

وقاتل حتى قتل.

وأنشد أبو مسهر للفرزدق من أبيات (٥) :

لقد صبر الجرّاح (٦) حتى مشت به

إلى رحمة الله السّيوف الصوارم

__________________

(١) هو قول خليفة بن خياط في تاريخه ص ٣٤٢ (حوادث سنة ١١٢) وجاء في الوافي بالوفيات أنه مات في حدود سنة ١٢٠ ه‍.

(٢) الخزر : شعب قطن شمالي بحر قزوين ثم قسما من أرمينيا (انظر معجم البلدان ومروج الذهب).

(٣) تاريخ خليفة ص ٣٤٢ والخبر رواه الذهبي في كتابيه تاريخ الإسلام (حوادث سنة ١٠١ ـ ١٢٠) ص ٣٣٦ وسير الأعلام ٥ / ١٩٠ نقلا عن خليفة. وانظر تاريخ الطبري ٤ / ١٣٩.

(٤) تاريخ الإسلام ٣٣٦ ، وسير الأعلام ٥ / ١٩٠.

(٥) البيت في ديوان الفرزدق ٢ / ٢٥١.

(٦) في أصل مختصر ابن منظور : «الحجاج» والمثبت عن ديوان الفرزدق.

٦٠