تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٢

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٢

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

أمير المؤمنين ، ما في بصري سوء ، ولكنني نزهتك من عذاب الله ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحب أن يتمثل له الرجال قياما ، فليتبوأ مقعده من النار» [١٤١٥٧] فجاء المتوكل فجلس إلى جنبه.

قال يزيد المهلبي (١) :

قال لي المتوكل يوما : يا مهلبي ، إن الخلفاء كانت تتصعب (٢) على الرعية لتطيعها (٣) ، وأنا أليّن لهم ليحبّوني فيطيعوني.

قال عبد الأعلى بن حماد الزينبي (٤)(٥) :

قدمت على المتوكل بسرّ من رأى ، فدخلت عليه يوما فقال : يا أبا يحيى [ما أبطأك عنا ، منذ ثلاث لم نرك ،](٦) قد كنا هممنا لك بأمر فتدافعت الأيام به ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، سمعت مسلم بن خالد المكي يقول : سمعت جعفر بن محمد يقول : من لم يشكر الهمة لم يشكر النعمة وأنشدته :

لأشكرنّك معروفا هممت به

إن اهتمامك بالمعروف معروف

ولا أذمّك (٧) إن لم يمضه قدر

فالشّيء (٨) بالقدر المحتوم مصروف

فجذب الدواة فكتبها. ثم قال : ننجز لأبي يحيى ما كنا هممنا له به ، وهو كذا ونضعف لخبره هذا (٩).

دخل (١٠) علي بن الجهم على جعفر المتوكل وبيده درتان يقلبهما ، فأنشده قصيدته التي يقول فيها :

__________________

(١) الخبر رواه السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٤١٣ نقلا عن ابن عساكر. وسير الأعلام ١٢ / ٣٢ وفوات الوفيات ١ / ٢٩١.

(٢) في تاريخ الخلفاء : تتعصب.

(٣) في فوات الوفيات : كانت تغضب على الرعية لتطيعها.

(٤) كذا في مختصر ابن منظور ، وفي تاريخ الخلفاء : النرسي.

(٥) الخبر والشعر في تاريخ الخلفاء ص ٤١٣ نقلا عن ابن عساكر.

(٦) الزيادة بين معكوفتين عن تاريخ الخلفاء.

(٧) تاريخ الخلفاء : ألومك.

(٨) تاريخ الخلفاء : فالرزق.

(٩) في تاريخ الخلفاء : فأمر لي بألف دينار.

(١٠) الخبر والشعر في تاريخ بغداد ٧ / ١٦٧ من طريق محمد بن علي بن الشاه التميمي حدثنا أحمد بن عبد الله

١٦١

وإذا مررت ببئر عر

وة فاسقني من مائها

قال : فدحا بالدرة التي في يمينه فقبلتها (١) ، فقال لي : تستنقص بها! وهي والله خير من مائة ألف. قلت : لا والله ، ما استنقصت ، ولكن فكرت في أبيات أعملها آخذ التي في يسارك. فقال لي : قل ، فأنشأت أقول :

بسرّ من را إمام (٢) عدل (٣)

تغرف من بحره البحار

يرجى ويخشى لكلّ خطب

كأنّه جنّة ونار

الملك فيه وفي بنيه (٤)

ما اختلف الليل والنّهار

يداه في الجود ضرّتان (٥)

عليه كلتاهما تغار

لم تأت منه اليمين شيئا

إلا أتت مثله اليسار

قال : فدحا بالتي في يساره وقال : خذها لا بارك الله لك فيها. وقد رويت هذه الأبيات للبحتري في المتوكل.

قال الفتح بن خاقان (٦) :

دخلت يوما على المتوكل فرأيته مطرقا يتفكر (٧) فقلت : ما هذا الفكر يا أمير المؤمنين! فو الله ما على ظهر الأرض أطيب منك عيشا ولا أنعم منك بالا. فقال : يا فتح ، أطيب عيشا مني رجل له دار واسعة ، وزوجة صالحة ، ومعيشة حاضرة ، لا يعرفنا فنؤذيه ، ولا يحتاج إلينا فنزدريه.

قال (٨) المتوكل لعلي بن الجهم وكان يأنس به ولا يكتمه شيئا من أمره : يا علي ، إني

__________________

العبسي الناقد ـ بمصر ـ حدثني أبو بكر محمد بن إسحاق قال : حدثني الأعثم. وذكره (الصواب : الأعسم). ورواه ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٣٦٦ من طريق أبي بكر الخطيب والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٤٠٩ ـ ٤١٠ وسير الأعلام ١٢ / ٣٢.

(١) كذا في مختصر ابن منظور ، وفي تاريخ بغداد : فقلبتها.

(٢) تاريخ بغداد : أمير.

(٣) سقطت اللفظة من البداية والنهاية.

(٤) تاريخ بغداد : أبيه.

(٥) تاريخ بغداد : درتان.

(٦) الخبر رواه السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٤١٣ نقلا عن ابن عساكر. ورواه ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٣٦٧.

(٧) في تاريخ الخلفاء : متفكرا ، وفي البداية والنهاية : مطرق مفكر.

(٨) الخبر والشعر باختلاف الرواية في الأغاني ٢٢ / ٢٠٠ ـ ٢٠١.

١٦٢

دخلت على قبيحة (١) الساعة فوجدتها قد كتبت على خدها بغالية (٢) «جعفر» ، فو الله ما رأيت شيئا أحسن من سواد تلك الغالية على بياض ذلك الخدّ ، فقل في هذا شيئا. قال : وكانت محبوبة (٣) جالسة من وراء الستارة تسمع الكلام ، قال : إذ دعي لعلي بالدواة والدرج ، وأخذ يفكر ، قالت على البديهية (٤) :

وكاتبة بالمسك في الخدّ جعفرا

بنفسي محطّ المسك من حيث أثّرا

لئن كتبت (٥) في الخدّ سطرا بكفّها

لقد أودعت قلبي من الحبّ (٦) أسطرا

فيا من لمملوك لملك يمينه

مطيع له فيما أسرّ وأظهرا

ويا من مناها في السّريرة جعفر

سقى الله من سقيا ثناياك جعفرا

وبقي علي بن الجهم واجما لا ينطق بحرف ، وأمر المتوكل عريبا فغنت في هذا الشعر.

وفي رواية أخرى :

أن المتوكل لما رآها أنشد هو هذه الأبيات (٧) :

قال علي بن الجهم (٨) :

لما أفضت الخلافة إلى المتوكل على الله أهدى إليه عبد الله بن طاهر من خراسان جواري (٩) ، فكانت فيهن جارية يقال لها محبوبة ، وكانت قد نشأت في الطائف ، وكان لها

__________________

(١) اسم زوجته ، وأم ولده المعتز ، وكان المتوكل مشغوفا بها ولا يصبر عنها.

(٢) الغالية : أخلاط من الطيب.

(٣) محبوبة شاعرة ، مولدة من مولدات البصرة ، وكانت أجمل من فضل وأعف ، انظر أخبارها في الأغاني ٢٢ / ٢٠٠.

(٤) الأبيات نسبها هنا أبو الفرج إلى محبوبة ٢٢ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ونسبها إلى فضل الشاعرة في ١٩ / ٣١٠ ـ ٣١١ وكانت فضل مولدة من مولدات البصرة ، وأمها من مولدات اليمامة ، ونشأت في دار رجل من عبد القيس وكانت أديبة فصيحة سريعة البديهة مطبوعة في قول الشعر ، ولم يكن في نساء زمانها أشعر منها الأغاني ١٩ / ٣٠١.

(٥) الأغاني ١٩ / ٣١١ أثرت.

(٦) الأغاني ١٩ / ٣١١ الحزن.

(٧) انظر البداية والنهاية ٧ / ٣٦٦ وتاريخ الخلفاء ص ٤١٠.

(٨) الخبر والشعر في الأغاني ٢٢ / ٢٠٢ من طريق جعفر بن قدامة قال : حدثني ملاوي الهيثمي قال : قال لي علي بن الجهم ، فذكره. ورواه مختصرا السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٤١٤ نقلا عن ابن عساكر.

(٩) كذا.

١٦٣

مولى مغرى بالأدب ، وكانت قد أخذت عنه وروت الأشعار ، وكان المتوكل بها معجبا ، فغضب عليها ومنع جواري القصر من كلامها ، فكانت في حجرتها لا يكلمها أحد أياما ، فرأته في المنام كأنه قد صالحها. قال علي : فلما أصبح دخلت عليه فقال : يا علي ، أشعرت أنّي رأيت محبوبة في منامي كأني قد صالحتها وصالحتني! فقلت : خيرا يا أمير المؤمنين ، إذا يقرّ الله عينك ، ويسرّك ، فو الله إنا لفيما نحن فيه من حديثها ، إذ جاءت وصيفة لأمير المؤمنين فقالت : يا سيدي ، سمعت صوت عود من حجرة محبوبة ، فقال أمير المؤمنين : قم بنا يا علي ننظر ما هذا الأمر! فنهضنا حتى أتينا حجرتها ، فإذا هي تضرب بالعود وتقول :

أدور في القصر لا أرى أحدا

أشكو إليه ولا يكلّمني

حتى كأنّي أتيت (١) معصية

ليست لها توبة تخلّصني

فهل شفيع لنا (٢) إلى ملك

قد رآني (٣) في الكرى فصالحني

حتّى إذا ما الصّباح لاح لنا

عاد إلى هجره فصارمني

قال : فصاح أمير المؤمنين وصحت معه ، فسمعت فتلقت أمير المؤمنين ، وأكبّت على رجليه تقبلهما فقالت : يا سيدي ، رأيتك في ليلتي هذه كأنك قد صالحتني. فقال : وأنا والله قد رأيتك ، فردّها إلى مرتبتها كأحسن ما كانت.

فلما كان من أمر المتوكل ما كان (٤) ، تفرقن وصرن إلى القوّاد ، ونسين أمير المؤمنين ، فصارت محبوبة إلى وصيف الكبير ، فما كان لباسها إلا البياض ، وكانت تنتحب وتشهق ، إلى أن جلس وصيف يوما للشرب ، وجلس جواري المتوكل يغنينه ، فما بقيت منهن واحدة إلّا تغنت غيرها. فقالت : إن رأى الأمير أن يعفيني فأبى. فقال لها الجواري : لو كان في الحزن فرج لحزنا معك. وجيء بالعود فوضع في حجرها فأنشأت تقول :

أيّ عيش يطيب (٥) لي

لا أرى فيه جعفرا

__________________

(١) الأغاني : ركبت.

(٢) الأغاني : فهل لنا شافع.

(٣) الأغاني وتاريخ الخلفاء : زارني.

(٤) يعني لما قتل ، والخبر والشعر في الأغاني ٢٢ / ٢٠١ ـ ٢٠٢ وتاريخ الخلفاء ص ٤١١ وسير الأعلام ١٢ / ٤٠ ـ ٤١.

(٥) تاريخ الخلفاء وسير الأعلام : يلذ.

١٦٤

ملك قد رأته عي

ني جريحا (١) معفّرا (٢)

كلّ من كان ذا هيا

م وسقم فقد برا

غير محبوبة التي

لو ترى الموت يشترى

لاشترته بما حوت

ه جميعا (٣) لتقبرا

فاشتد ذلك على وصيف.

وفي رواية :

فهمّ بقتلها ، فاستوهبها منه بغا وكان حاضرا.

وفي هذه الرواية :

فأمر بإخراجها فصارت إلى قبيحة ، ولبست الصوف ، وأخذت ترثيه وتبكيه حتى ماتت.

قال (٤) عمرو بن شيبان الحلبي (٥) :

رأيت في الليلة التي قتل فيها المتوكل فيما يرى النائم حين أخذت مضجعي كأن آتيا أتاني فقال :

يا نائم العين في أوطار جثمان

أفض دموعك يا عمرو بن شيبان

أما ترى الفتية الأرجاس ما فعلوا

بالهاشميّ وبالفتح بن خاقان

وافى إلى الله مظلوما فضجّ له

أهل السّماوات من مثنى ووحدان

وسوف تأتيكم أخرى مسوّمة

توقّعوها لها شأن من الشّأن

فابكوا على جعفر وارثوا خليفتكم

فقد بكاه جميع الإنس والجان

__________________

(١) الأغاني : قتيلا ، وفي سير الأعلام وتاريخ الخلفاء : في نجيح.

(٢) معفرا : ممرغا في التراب ، أو مضروبا به الأرض.

(٣) تاريخ الخلفاء وسير الأعلام : يداها ، وروايته في الأغاني :

لاشترته بملكها

كل هذا لتقبرا

(٤) الخبر والشعر في تاريخ بغداد ٧ / ١٧١ من طريق محمد بن أحمد بن رزق حدثنا محمد بن يوسف بن حمدان الهمذاني حدثنا أبو علي الحسن بن يزيد الدقاق حدثنا عبد العزيز بن محمد الحارثي حدثنا عمر بن عبد الله الأسدي قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن الجلاء قال قال لي عمرو بن شيبان الحلبي ، وذكره. وتاريخ الخلفاء ص ٤١٥ والبداية والنهاية ٧ / ٣٦٧.

(٥) في تاريخ الخلفاء : الجهني.

١٦٥

قال : فأصبحت فإذا الناس يخبرون أن جعفرا المتوكل قد قتل في هذه الليلة.

قال أبو عبد الله :

ثم رأيت المتوكل بعد هذا بأشهر كأنه بين يدي الله تعالى ، فقلت : ما فعل بك ربك؟ قال : غفر لي. قلت : بما ذا؟ قال : بالقليل من السّنّة تمسكت بها. قلت : فما تصنع هاهنا؟ قال : أنتظر محمدا ابني (١) ، أخاصمه إلى الله الحليم العظيم الكريم.

حدث إسماعيل بن داود :

أن المتوكل وصف له سيف بمصر ، فأنفذ رسولا قاصدا في طلبه ، وكتب له إلى عامل مصر ، فلما وصل إليه سأله عن السيف فأخبر أن السيف بدمشق ، فركب الرسول إلى دمشق وسأل عن السيف ، فأخبر أنه صار إلى الحجاز ، فعاد الرسول إلى المتوكل فأخبره بذلك ، فأنفذ رسولا إلى الحجاز بكتابه إلى عامله بها ، فبحث عن السيف فأخرج إليه ، فأخذه ، ومضى به إلى المتوكل وهو بسر من رأى. فلما رآه المتوكل لم يعجب به ورآه وحشا واستزراه وتصفح وجوه الغلمان الذين حوله فرأى غلاما تركيا يقال له ياغر وكان سمجا ، فقال له : أنت وحش وهذا السيف وحش فخذه ، فلما صار عنده ومضت مدة دخل ياغر في ليلة من الليالي بالسيف فقتل به المتوكل ، وكان من أمره ما كان به.

بويع جعفر المتوكل في ذي الحجة (٢) سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، وقتل ليلة الأربعاء لأربع (٣) خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين ، فكانت خلافته أربع عشرة سنة وتسعة أشهر ويوما واحدا (٤) ، وأمه أم ولد تركية يقال لها شجاع ، وكنيته أبو الفضل ، وصلى عليه المنتصر ، وكان عمره أربعين (٥) سنة ، ومولده سنة سبع ومائتين.

قال أبو أيوب جعفر بن أبي عثمان الطيالسي : أخبرني بعض الزمازمة الذين يحفظون زمزم قال (٦) :

__________________

(١) يعني محمدا المنتصر ، حيث إنه تمالأ وجماعة من الأمراء على قتل أبيه ، فقتلوه ، وبويع له بالخلافة في الليلة التي قتل فيها ، وفي صباح اليوم التالي أخذت له البيعة من العامة.

(٢) في وفيات الأعيان : لست بقين من ذي الحجة.

(٣) تاريخ بغداد ٧ / ١٧٢ ، وفي وفيات الأعيان ١ / ٣٥٠ لثلاث.

(٤) في وفيات الأعيان : وتسعة أيام ، وفي تاريخ بغداد : وعشرة أشهر وثلاثة أيام.

(٥) في وفيات الأعيان : إحدى وأربعون سنة.

(٦) الخبر في تاريخ بغداد ٧ / ١٧٢.

١٦٦

غارت زمزم ليلة من الليالي ، فأرخناها فجاءنا الخبر أنها كانت الليلة التي قتل فيها جعفر المتوكل.

كان يزيد بن محمد المهلبي من ندماء المتوكل ، فلما قتل قال يزيد :

لما اعتقدتم أناسا لا حفاظ لهم

ضعتم وضيّعتم ما كان يعتقد

ولو جعلتم على الأحرار نعمتكم

حمتكم الذّادة المنسوبة الحسد

قوم هم الجذم والأرحام تجمعكم

والمجد والدين والإسلام والبلد

إنّ العبيد إذا ذلّلتهم صلحوا

على الهوان وإن أكرمتهم فسدوا

ما عند عبد لمن يرجوه محتمل

ولا على العبد عند الخوف معتمد

فاجعل عبيدك أوتادا تشحجها

لا يثبت البيت حتى يثبت الوتد

[في سنة أربع وثلاثين [ومائتين] استقدم [المتوكل] المحدثين إلى سامرا وأجزل عطاياهم وأكرمهم ، وأمرهم أن يحدثوا بأحاديث الصفات والرؤية .. وتوفر دعاء الخلق للمتوكل وبالغوا في الثناء عليه والتعظيم له.

وفي سنة خمس وثلاثين [ومائتين] ألزم المتوكل النصارى بلبس الغل (١).

وفي سنة ست وثلاثين أمر بهدم قبر الحسين ، وهدم ما حوله من الدور وأن يعمل مزارع ، ومنع الناس من زيارته ، وخرّب ، وبقي صحراء. وكان المتوكل معروفا بالتعصب ، فتألم المسلمون من ذلك. وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد ، وهجاء الشعراء.

وفي سنة سبع وثلاثين بعث إلى نائب مصر أن يحلق لحية قاضي القضاة أبي بكر محمد ابن الليث وأن يضربه ، ويطوف به على حمار ، ففعل.

قال بعضهم : سلم على المتوكل بالخلافة ثمانية كل واحد منهم أبوه خليفة : منصور بن المهدي ، والعباس بن الهادي ، وأبو أحمد بن الرشيد ، وعبد الله بن الأمين ، وموسى بن المأمون ، وأحمد بن المعتصم ، ومحمد بن الواثق ، وابنه المنتصر](٢).

__________________

(١) كذا في تاريخ الخلفاء ، وفي سير الأعلام : العسلي ، وفي الكامل لابن الأثير : بلبس الطيالسة العسلية. وشد الزنانير ، وركوب السروج بالركب الخشب وعمل كرتين في مؤخر السروج. (الكامل لابن الأثير ٧ / ٥٢ وانظر البداية والنهاية ٧ / ٣٢٥).

(٢) ما بين معكوفتين زيادة من تاريخ الخلفاء ص ٤٠٦ وما بعدها.

١٦٧

[قال السيوطي : ومن أخبار المتوكل : أخرج ابن عساكر :](١).

[عن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي قال : دخلت على المتوكل لما توفيت أمه ، فقال : يا جعفر ، ربما قلت البيت الواحد ، فإذا جاوزته خلطت ، وقد قلت :

تذكرت لما فرق الدهر بيننا

فعذبت نفسي بالنبي محمد

فأجازه بعض من حضر المجلس بقوله :

وقلت لها : إن المنايا سبيلنا

فمن لم يمت في يومه مات في غد

وأخرج عن أبي العيناء قال : أهديت إلى المتوكل جارية شاعرة اسمها فضل. فقال لها : أشاعرة أنت؟ قالت : هكذا زعم من باعني واشتراني ، فقال : أنشدينا شيئا من شعرك ، فأنشدته :

استقبل الملك إمام الهدى

عام ثلاث وثلاثينا

خلافة أفضت إلى جعفر

وهو ابن سبع بعد عشرينا

إنا لنرجو يا إمام الهدى

أن تملك الملك ثمانينا

لا قدس الله امرأ لم يقل

عند دعائي لك : آمينا

وأخرج عن علي [بن الجهم] أن البحتري قال يمدح المتوكل فيما رفع من المحنة ، ويهجو ابن أبي دؤاد بقوله :

أمير المؤمنين لقد شكرنا

إلى آبائك الغرّ الحسان

رددت الدين فذا بعد أن قد

أراه فرقتين تخاصمان

قصمت الظالمين بكل أرض

فأضحى الظلم مجهول المكان

وفي سنة رمت متجبريهم

على قدر بداهية عيان

فما أبقت من ابن أبي دؤاد

سوى جسد يخاطب بالمعاني

تحير فيه سابور بن سهل

فطاوله ومناه الأماني

إذا أصحابه اصطحبوا بليل

أطالوا الخوض في خلق القرآن

وأخرج عن أحمد بن حنبل قال : سهرت ليلة ثم نمت ، فرأيت في نومي كأن رجلا يعرج بي إلى السماء وقائلا يقول :

__________________

(١) زيادة للإيضاح.

١٦٨

ملك يقاد إلى مليك عادل

متفضل في العفو ليس بجائر

ثم أصبحنا فجاء نعي المتوكل من سر من رأى إلى بغداد.

وقال ابن عساكر : أخبرنا نصر بن أحمد بن مقاتل السوسي ، حدثني جدي أبو محمد ، حدثنا أبو علي الحسين بن علي الأهوازي ، حدثنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد الأزدي ، حدثنا أبو الطيب محمد بن جعفر بن دران غندر ، حدثنا هارون بن عبد العزيز بن أحمد العباسي ، حدثنا أحمد بن الحسن المقرئ البزار ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن عيسى الكسائي وأحمد بن زهير وإسحاق بن إبراهيم بن إسحاق ، فقالوا : حدثنا علي بن الجهم ، قال : كنت عند المتوكل فتذاكروا عنده الجمال ، فقال : إن حسن الشعر لمن الجمال ، ثم قال : حدثني المعتصم حدثني المأمون ، حدثنا الرشيد ، حدثنا المهدي ، حدثنا المنصور ، عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال : كانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جمة إلى شحمة أذنيه كأنها نظام اللؤلؤ ، وكان من أجمل الناس ، وكان أسمر رقيق اللون ، لا بالطويل ولا بالقصير ، وكان لعبد المطلب جمة إلى شحمة أذنيه ، وكان لهاشم جمة إلى شحمة أذنيه.

قال علي بن الجهم : وكان للمتوكل جمة إلى شحمة أذنيه ، وقال لنا المتوكل : كان للمعتصم جمة ، وكذلك للمأمون ، والرشيد ، والمهدي ، والمنصور ، ولأبيه محمد ، ولجده علي ، ولأبيه عبد الله بن عباس](١).

[قال ابن كثير](٢) :

[وقال الحافظ ابن عساكر في تاريخه : وحدث عن أبيه المعتصم ، ويحيى بن أكثم القاضي. روى عنه علي بن الجهم الشاعر ، وهشام بن عمار الدمشقي](٣).

[وفي سنة ست [وثلاثين] أحضر القضاة من البلدان ليعقد بولاية العهد لبنيه المنتصر محمد ، ثم للمعتز ، ثم للمؤيد إبراهيم.

وكان المتوكل جوادا ممدحا لعابا ، وأراد أن يعزل من العهد المنتصر ، وأن يقدم عليه المعتز لحبه أمه قبيحة ، فأبى المنتصر ، فغضب أبوه وتهدده ، وأغرى به ، وانحرفت الأتراك

__________________

(١) ما بين معكوفتين زيادة استدركت عن تاريخ الخلفاء ص ٤١٢ وما بعدها نقلا عن ابن عساكر.

(٢) زيادة للإيضاح.

(٣) ما بين معكوفتين زيادة استدركت من البداية النهاية ٧ / ٣٦٦ نقلا عن ابن عساكر.

١٦٩

عن المتوكل لمصادرته بغا ومصيفا حتى اغتالوه. حكى المسعودي أن بغا الصغير دعا بباغر التركي فكلمه ، وقال : قد صح عندي أن المنتصر عامل على قتلي ، فاقتله. قال : كيف نقتله والمتوكل باق؟ إذا يقيدكم به. قال : فما الرأي؟ قال : نبدأ به. قال : ويحك وتفعل؟! قال : نعم. قال : فادخل على أثري ، فإن قتلته ، وإلا فاقتلني وقل : أراد قتل مولاه ، فتم التدبير ، وقتل المتوكل.

قال المسعودي : ونقل في مقتله غير ذلك](١).

[٩٨٢٨] جعفر بن محمد بن هشام

ابن ملاس بن قاسم النميري

حدث عن سلم بن ميمون الخواص بسنده عن أبي ثعلبة الخشني قال :

نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتل النساء والولدان [١٤١٥٨].

[٩٨٢٩] جعفر بن محمد بن يزدين

أبو الفضل ابن السوسي

سكن مكة ، وسمع بدمشق.

روى عن كثير بن عبيد بسنده عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«ما عال مقتصد قط» [١٤١٥٩].

وحدث عن إسحاق الفروي بسنده عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«إن الله احتجز التوبة عن كل صاحب بدعة» [١٤١٦٠].

[٩٨٣٠] جعفر بن محمد

أبو عبد الله المعرّي المغربي

حدث بدمشق. ومن شعره مما أنشده بدمشق :

إذا أراد الله أمرا بامرئ

وكان ذا علم ورأي وبصر

وحيلة يعملها في كلّ ما

يأتي به مكروه أشتات القدر

__________________

(١) ما بين معكوفين زيادة استدركت عن سير الأعلام ١٢ / ٣٤ وما بعدها.

١٧٠

أغراه بالجهل وأعمى قلبه

وسلّه من رأيه سلّ الشعر

حتى إذا أنفذ فيه حكمه

ردّ عليه عقله ليعتبر

[٩٨٣١] جعفر بن محمود الكاتب

[أبو الفضل الإسكافي]

قدم دمشق صحبة المتوكل ، واستوزره المستعين سنة ثمان وأربعين ومائتين ، ثم استوزره المعتز بالله. ولما عزل من الوزارة واستوزر بعده عيسى (١) بن فرخان شاه أنشد محمد بن غياث لنفسه :

في غير حفظ الله يا جعفر

زلت فزال الجور والمنكر

بلغت أمرا لست من أهله

باعك عمّا دونه يقصر

كنت كثوب زانه طيّه

حينا فأبدى عيبه المنشر

ما ينفع المنظر من جاهل

بأمره ليس له مخبر

بل مثل عيسى لا انقضى عمره

يخصّ بالعرب ويستوزر

حلم وعلم ثاقب زنده

بمثله من مثله يفخر

تذكره الأشعار إن أنشدت

وأنت منسيّ فما تذكر

توفي جعفر بن محمود في سنة ثمان وستين ومائتين.

[ولي الوزارة للمعتز حين خرج المستعين إلى بغداد ، ولم يكن للوزير أدب وكان ثقيلا على قلب المعتز وكان يصبر عليه لميل الأتراك إليه ، وكان وزيره أيام الفتنة وبعد أن صحت الخلافة له عزله في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وخمسين ومائتين ونفاه إلى تكريت ، وكان جعفر من كبار الشيعة](٢).

[كان يستميل القلوب بالمواهب والعطايا ، وكان المعتز يكرهه ، وكانوا ينسبونه إلى التشيع.

__________________

[٩٨٣١] ترجمته في تاريخ الطبري ٩ / ٣٨٧ و٣٨٨ والكامل لابن الأثير ٧ / ٢١٦ والوافي بالوفيات ١١ / ١٥٢ والفخري ص ٢٤٥ و٢٤٧ ومروج الذهب ٤ / ١٩٣ وسماه جعفر بن محمد. وما في الحاصرتين زيادة للإيضاح عن الوافي بالوفيات ١١ / ١٥٣.

(١) انظر أخباره في الفخري ص ٢٤٤.

(٢) ما بين معكوفتين زيادة عن الوافي بالوفيات ١١ / ١٥٣.

١٧١

ولما بويع [المهتدي بالله] بالخلافة أقر جعفر بن محمود الإسكافي على وزارته ثم عزله واستوزر سليمان بن وهب](١).

[٩٨٣٢] جعفر بن موسى

حدث بدمشق عن عبد الرحمن بن خالد بن نجيح المصري بسنده عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«من أراد هوان قريش أهانه الله».

[٩٨٣٣] جعفر بن ميسّر بن يغنم ، أبو محمد

أنشد أبو محمد جعفر بن ميسّر بن يغنم بصيدا لمحمد بن عمر الأنباري يرثي نصير الدولة أبا طاهر بن بقية (٢) وزير عز الدولة بختيار (٣) ، حين صلبه عضد الدولة (٤) ببغداد سنة تسع وأربع مائة (٥) :

علو في الحياة وفي الممات

بحق أنت إحدى المعجزات

كأنّ الناس حولك حين قاموا

وفود نداك أيام الصّلات

كأنّك قائم فيهم خطيبا

وكلّهم قيام للصّلاة

مددت يديك نحوهم اقتفاء (٦)

كمدّهما إليهم بالهبات

ولمّا ضاق بطن الأرض عن أن

تضمّ علاك من بعد الممات

أصاروا الجوّ قبرك واستنابوا

عن الأكفان ثوب السّافيات

لعظمك في النّفوس تبيت ترعى

بحفّاظ وحرّاس ثقات

وتشعل حولك (٧) النّيران ليلا

كذلك كنت أيام الحياة

__________________

(١) ما بين معكوفتين زيادة عن الفخري ص ٢٤٤ و٢٤٧.

(٢) هو أبو طاهر محمد بن محمد بن بقية نصير الدولة ، الوزير ، وزير عز الدولة بختيار بن معز الدولة بن بويه.

انظر أخباره في الكامل لابن الأثير (ج ٨) الفهارس ، وتجارب الأمم (٢) الفهارس ، وشذرات الذهب ٣ / ٦٣.

(٣) أبو منصور بختيار الملقب عز الدولة بن معز الدولة بن بويه الديلمي انظر أخباره في وفيات الأعيان ١ / ٢٦٧.

(٤) هو فنا خسرو بن حسن بن بويه ، أبو شجاع عضد الدولة ، ترجمته في سير الأعلام ١٦ / ٢٤٩.

(٥) الأبيات في وفيات الأعيان ٥ / ١٢٠ ـ ١٢١ رثاه بها أبو الحسن محمد بن عمر بن يعقوب الأنباري أحد العدول ببغداد ، وبعضها في الكامل لابن الأثير ٥ / ٤٢٧ والبداية والنهاية ٨ / ٤٤ (حوادث سنة ٣٦٧).

(٦) وفيات الأعيان : احتفاء.

(٧) وفيات الأعيان : عندك.

١٧٢

ولم أر قبل جذعك قطّ جذعا

تمكنّ من عناق المكرمات

أسأت إلى النوائب فاستثارت

فأنت قتيل ثأر النّائبات

وكنت تجير من صرف اللّيالي

فعاد مطالبا لك بالتّرات

وصيّر دهرك الإحسان فيه

إلينا من عظيم السّيّئات

ركبت مطية من قبل زيد (١)

علاها في السنين الذاهبات

وتلك فضيلة فيها تأسّ

تباعد عنك أسباب الدنات (٢)

وكنت لمعشر سعدا فلما

مضيت تمزّقوا بالمنحسات

غليلي (٣) باطن لك في فؤادي

يخفّف بالدّموع الجاريات

ولو أنّي قدرت على قيامي

بفرضك (٤) والحقوق الواجبات

ملأت الأرض من نظم المراثي (٥)

ونحت بها خلاف النائحات

ولكني أصبّر عنك نفسي

مخافة أن أعدّ من الجناة

ومالك تربة فأقول تسقى

لأنّك نصب هطل الهاطلات

عليك تحيّة الرحمن تترى

برحمات روائح غاديات (٦)

ولما أمر عضد الدولة بقتل الوزير محمد بن بقية وصلبه بمدينة السلام في سنة سبع [وستين](٧) وثلاث مائة كان له صديق يعرف بأبي الحسن (٨) الأنباري ، فرثاه بهذه الأبيات ، فكتبها ورمى بها في شوارع بغداد ، فتداولها الأدباء إلى أن اتصل الخبر بعضد الدولة ، فلما أنشدت بين يديه تمنى أن يكون هو المصلوب دونه ، فقال : عليّ بهذا الرجل فطلب سنة كاملة ، واتصل الخبر بالصاحب إسماعيل بن عباد بالري فكتب له الأمان. فلما سمع بذكر

__________________

(١) يعني زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رض) ، لما قتل وصلب أيام هشام بن عبد الملك (انظر الكامل لابن الأثير ٥ / ٤٢٧).

(٢) وفيات الأعيان : تباعد عنك تعيير العداة.

(٣) وفيات الأعيان : غليل.

(٤) وفيات الأعيان : قيام لفرضك.

(٥) وفيات الأعيان : القوافي.

(٦) وفيات الأعيان : برحمات غواد رائحات.

(٧) سقطت من مختصر ابن منظور.

(٨) وكذا في وفيات الأعيان ، والذي في الكامل لابن الأثير والبداية والنهاية : أبي الحسين الأنباري.

١٧٣

الأمان قصد حضرته فقال له : أنت القائل هذه الأبيات؟ قال : نعم. قال : أنشدنيها. فلما أنشده :

ولم أر قبل جذعك قطّ جذعا

تمكّن من عناق المكرمات

قام الصاحب فعانقه وقبل فاه ، وأنفذه إلى حضرة عضد الدولة. فلما مثل بين يديه قال له : ما الذي حملك على مرثية عدوّي؟ فقال : حقوق سلفت وأياد مضت ، فجاش الحزن في قلبي فرثيت ، فقال : هل يحضرك شيء في الشموع؟ ـ والشموع تزهر بين يديه ـ فأنشأ يقول (١) :

كأنّ الشموع وقد أظهرت

من النّار في كلّ رأس سنانا

أصابع أعدائك الخائفين

تضرّع تطلب منك الأمانا

فلما أنشده هذين البيتين خلع عليه ، وحمله على فرس وأعطاه بدرة (٢).

وكان جعفر هذا أديبا فاضلا ، وصدرا كاملا ، رثاه القاصّ أبو الحسن بن هندي بقصيدة غراء عدّتها ثلاثة وتسعون بيتا منها :

يا من كأنّ الدهر يعشق ذكره

فلسانه من وصفه لا يفتر

بأبي ثراك وما تضمنه الثّرى

كلّ يموت وليس كلّ يذكر

[٩٨٣٤] جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك

أبو الفضل البرمكي

وزير الرشيد هارون ، ولاه هارون دمشق وقدمها سنة ثمانين ومائة.

حدث عن أبيه يحيى بسنده إلى زيد بن ثابت كاتب الوحي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«إذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبين السّين فيه» [١٤١٦١].

__________________

(١) البيتان في وفيات الأعيان ٥ / ١٢٢ نقلا عن ابن عساكر.

(٢) البدرة كيس فيه ألف أو عشرة آلاف (انظر اللسان وتاج العروس : بدر).

[٩٨٣٤] انظر ترجمته وأخباره في تاريخ الطبري (الفهارس العامة) والعقد الفريد ٥ / ٥٣ وتاريخ بغداد ٧ / ١٥٢ والكامل لابن الأثير (الفهارس) والبداية والنهاية (الفهارس) وفيات الأعيان ١ / ٣٢٨ الوزراء والكتاب للجهشياري ٢٠٤ والوافي بالوفيات ١١ / ١٥٦ والفخري ص ٢٠٥ ـ ٢١٠ ومروج الذهب (الفهارس) المحبر ص ٤٨٧ وتاريخ خليفة (الفهارس) والنجوم الزاهرة ٢ / ١٢٣ والعبر ١ / ٢٩٨ وسير الأعلام ٩ / ٥٩ وشذرات الذهب ١ / ٣١١.

١٧٤

وقال جعفر بن يحيى البرمكي لهارون الرشيد : يا أمير المؤمنين ، قال لي أبي يحيى (١) :

إذا أقبلت الدنيا عليك فأعط ، فإنها لا تفنى (٢) ، وإذا أدبرت عنك فأعط ، فإنها لا تبقى.

قال جعفر : وأنشدنا أبي (٣) :

لا تبخلنّ بدنيا وهي مقبلة

فليس ينقصها التبذير والسرف

فإن تولّت فأحرى أن تجود بها

فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف

ولما (٤) ثارت العصبية بالشام في سنة ثمانين ومائة وتفاقم أمرها اغتم الرشيد فعقد لجعفر ابن يحيى على الشام ، وقال له : إما أن تخرج أو أخرج أنا ، فقال له جعفر : بل أقبل (٥) بنفسي ، فشخص في جلّة القواد والكراع والسلاح ، فأتاهم فأصلح بينهم ، وقتل زواقيلهم (٦) والمتلصصة منهم ، ولم يدع بها رمحا ولا قوسا (٧) ، فعادوا إلى الأمن والطمأنينة ، وأطفأ النّائرة (٨).

[فقال (٩) منصور النمري لما شخص جعفر :

لقد أوقدت بالشام نيران فتنة

فهذا أوان الشام تخمد نارها

إذا جاش موج البحر من آل برمك

عليها ، خبت شهبانها وشرارها

رماها أمير المؤمنين لجعفر

وفيه تلاقى صدعها وانجبارها

__________________

(١) الخبر في البداية والنهاية ٧ / ١٨٨.

(٢) في البداية والنهاية : لا تغني.

(٣) البيتان في البداية والنهاية ٧ / ١٨٨.

(٤) الخبر رواه ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ١٨٧ نقلا عن ابن عساكر ، والخبر رواه ابن عساكر نقلا عن تاريخ الطبري ٤ / ٦٤٢ حوادث سنة ١٨٠.

(٥) في تاريخ الطبري : بل أقيك بنفسي.

(٦) الزواقيل : اللصوص (القاموس المحيط : زقل).

(٧) في تاريخ الطبري : فرسا.

(٨) النائرة : الحقد والعداوة. (اللسان).

(٩) الذي في البداية والنهاية ٧ / ١٨٧ وقيلت في ذلك أشعار حسان ، قد ذكرها ابن عساكر في ترجمة جعفر من تاريخه ، وذكر ابن كثير منها أربعة أبيات ، ثم قال : وهي قصيدة طويلة اقتصرنا منها على هذا القدر.

ونحن نستدرك القصيدة عن تاريخ الطبري ٤ / ٦٤٢ ـ ٦٤٣ تأكيدا لكلام ابن كثير أن ابن عساكر أوردها في ترجمة يحيى.

١٧٥

رماها بميمون النقيبة ماجد

تراضى به قحطانها ونزارها

تدلت عليهم صخرة برمكية

دموغ لهام الناكئين انحدارها

غدوت تزجى غابة في رءوسها

نجوم الثريا والمنايا ثمارها

إذا خفقت راياتها وتجرست

بها الريح هال السامعين انبهارها

فقولوا لأهل الشام : لا يسلبنكم

حجاكم طويلات المنى وقصارها

فإن أمير المؤمنين بنفسه

أتاكم وإلا نفسه فخيارها

هو الملك المأمول للبر والتقى

وصولاته لا يستطاع خطارها

وزير أمير المؤمنين وسيفه

وصعدته والحرب تدمى شفارها

ومن تطو أسرار الخليفة دونه

فعندك مأواها وأنت قرارها

وفيت فلم تغدر لقوم بذمة

ولم تدن من حال ينالك عارها

طبيب بإحياء الأمور إذا التوت

من الدهر أعناق فأنت جبارها

إذا ما ابن يحيى جعفر قصدت له

ملمات خطب لم ترعه كبارها

لقد نشأت بالشام منك غمامة

يؤمل جدواها ويخشى دمارها

فطوبى لأهل الشام يا ويل أمها

أتاها حياها أو أتاه بوارها

فإن سالموا كانت غمامة نائل

وغيث ، وإلا فالدماء قطارها

أبوك أبو الأملاك يحيى بن خالد

أخو الجود والنعمى الكبار صغارها

كأين ترى في البرمكيين من ندى

ومن سابقات ما يشق غبارها

غدا بنجوم السعد من حل رحله

إليك وعزت عصبة أنت جارها

عذيري من الأقدار هل عزماتها

مخلفتي عن جعفر واقتسارها

فعين الأسى مطروفة لفراقه

ونفسي إليه ما ينام ادّكارها]

[قال أبو بكر الخطيب](١) :

وكان (٢) جعفر بن يحيى من علوّ القدر ، ونفاذ الأمر ، وعظم المحلّ ، وجلالة المنزلة عند هارون بحالة انفرد بها ولم يشارك فيها ، وكان سمح الأخلاق طلق الوجه ، ظاهر البشر.

__________________

(١) زيادة للإيضاح.

(٢) الخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٧ / ١٥٢.

١٧٦

وأما جوده وسخاؤه وبذله وعطاؤه فكان أشهر من أن يذكر [وأبين من أن يظهر](١) وكان أيضا من ذوي الفصاحة واللّسن والبلاغة.

يقال : إنه وقع ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع ، ونظر في جميعها فلم يخرج بشيء منها عن موجب الفقه. وكان أبوه يحيى بن خالد قد ضمّه إلى أبي يوسف القاضي (٢) حتى علّمه وفقّهه. وغضب الرشيد عليه في آخر عمره فقتله (٣) ، ونكب البرامكة لأجله.

كان (٤) أبو علقمة الدمشقي (٥) ـ صاحب الغريب ـ عند جعفر بن يحيى في بعض لياليه التي يسمر فيها ، فأقبلت خنفساءة إلى أبي علقمة فقال : أليس يقال إن الخنفساء إذا أقبلت إلى الرجل أصاب خيرا! قالوا : بلى ، قال جعفر بن يحيى : يا غلام ، أعطه ألف دينار ، قال : فنحوها عنه فعادت إليه ، فقال : يا غلام ، أعطه ألف دينار ، فأعطاه ألفي دينار.

خرج (٦) عبد الملك بن صالح مشيّعا لجعفر بن يحيى البرمكي ، فعرض عليه حاجاته فقال له : قصارى كل مشيّع الرجوع ، وأريد أعز الله الأمير أن تكون لي كما قال بطحاء العذري :

وكوني على الواشين لدّاء شغبة

فإنّي على الواشي ألدّ شغوب

فقال جعفر : بل أكون لك كما قال جميل :

وإذا الواشي وشى يوما بها

نفع الواشي بما جاء يضرّ (٧)

كان (٨) أحمد بن الجنيد الإسكافي أخصّ الناس بجعفر بن يحيى ، فكان الناس

__________________

(١) الزيادة عن تاريخ بغداد.

(٢) هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري ، انظر ترجمته في سير الأعلام ٨ / ٥٣٥.

(٣) وكان ذلك في سنة ١٨٧.

(٤) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٧ / ١٥٣ من طريق سلامة بن الحسين المقرئ حدثنا علي بن عمر الحافظ القاضي ، حدثنا الحسين بن إسماعيل حدثنا عبد الله بن أبي سعد ، حدثني محمد بن عبد الله بن طهمان ، حدثني أبي قال : فذكره ، والبداية والنهاية ٧ / ١٨٨.

(٥) في تاريخ بغداد : الثقفي.

(٦) الخبر في تاريخ بغداد ٧ / ١٥٣ من طريق محمد بن عمران بن موسى الكاتب حدثنا علي بن سليمان الأخفش حدثني بعض أصحابنا ، فذكره.

(٧) لم أجده في ديوانه الذي بين يدي (ط. بيروت صادر).

(٨) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٧ / ١٥٣ من طريق الحسن بن علي الجوهري حدثنا محمد بن عمران

١٧٧

يقصدونه في حوائجهم إلى جعفر ، فكثرت رقاع الناس في خف أحمد بن الجنيد ، ولم يزل كذلك طلى أن تهيأ له الخلوة بجعفر فقال له : قد كثرت رقاع الناس معي وأشغالك كثيرة ، وأنت اليوم خال ، فإن رأيت أن تنظر فيها. فقال له جعفر : على أن تقيم عندي اليوم ، فقال له أحمد : نعم ، فصرف دوابه ، فلما تغدّوا جاءه بالرقاع ، فقال له جعفر : هذا وقت ذا؟! دعنا اليوم ، فأمسك عنه أحمد ، وانصرف في ذلك اليوم ولم ينظر في الرقاع. فلما كان بعد أيام خلا به فأذكره (١) الرقاع فقال : نعم ، على أن تقيم عندي اليوم ، فأقام عنده ففعل به مثل الفعل الأول ، حتى فعل به ثلاثا ، فلما كان في آخر يوم أذكره فقال : دعني الساعة وناما ، فانتبه جعفر قبل أحمد فقال لخادم له : اذهب إلى خف أحمد بن الجنيد فجئني بكل رقعة فيه ، وانظر لا تعلم أحمد ، فذهب الخادم وجاء بالرقاع ، فوقّع جعفر فيها عن آخرها بخطه بما أحب أصحابها ووكّد ذلك ، ثم أمر الخادم أن يردّها في الخفّ فردّها ، وانتبه أحمد وأخذوا في شأنهم ولم يقل له فيها شيئا ، وانصرف أحمد ، فركب يعلل أصحاب الرقاع بها أياما ، ثم قال لكاتب له : ويلك ، هذه الرقاع قد أخلقت في خفي ، وهذا ـ يعني جعفرا ـ ليس ينظر ، فخذها تصفّحها وجدّد ما خلق منها ، فأخذها الكاتب فنظر فيها فوجد الرقاع موقعا فيها بمال سأل أهلها وأكثر ، فتعجب من كرمه ونبل أخلاقه ، وأنه قضى حاجته ولم يعلمه بها ، لئلا يظن أنه اعتدّ بها عليه.

حدث مهذب حاجب العباس بن محمد ، صاحب قطيعة العباس والعباسة (٢) قال :

نالت العباس إضاقة ، وكثر غرماؤه والمطالبون له ، فأخرج سفطا فيه جوهر ، شراؤه ألف ألف درهم ، أعده ذخرا لبناته ، فحمله إلى جعفر بن يحيى ، فتلقاه جعفر وسط الصحن وجلس بين يديه ، فقال له العباس : نالني ما ينال الأحرار من الإضاقة ، وهذا سفط شراؤه علي ألف ألف درهم ، فأمر بعض تجارك أن يقبضه ويقرضني عليه خمس مائة ألف درهم ، فإذا وردت الغلة رددتها إليه ، وأخذت السفط ، قال : أفعل. وختم السفط ودفعه إلى غلام بين يديه ، وأوعز إليه بسرار ثم قال : الحاجة توافيك العشية وتتفضل بالغداء عندي ففعل ، فقال

__________________

المرزباني حدثنا أبو الحسين عبد الواحد بن محمد الخصيبي قال : سمعت علي بن الحسين بن عبد الأعلى الإسكافي يحدث ، فذكره ..

(١) كذا ، وفي تاريخ بغداد : فذاكره.

(٢) الخبر رواه ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ١٨٨ نقلا عن ابن عساكر ومختصرا في سير الأعلام ٩ / ٦٢.

١٧٨

له : ثيابي لا تصلح على الأمير ، وهذه عشرة تخوت (١) ، ومهري لين الركوب ، ينصرف الأمير عليه ، فانصرف وذلك بين يديه ، فوجد السفط في بيته ومعه ألف ألف درهم قد وصله بها جعفر.

قال مهذب : فما بات وعليه درهم واحد ، فقال لي : نبكّر غدا على الرجل شاكرين له ، فبكّرنا فقيل لنا : هو عند أخيه الفضل ، فجئنا إلى دار الفضل فقالوا : هما في دار أمير المؤمنين ، فصرنا إلى دار أمير المؤمنين ، فدخل مولاي فوجدهما في الصحن لم يؤذن لهما ، فقال له جعفر : حدثت أخي بقصتك فأمر أن يحمل لك خازنك ألف ألف درهم ، وما أشك أنها في دارك ، ونحن نكلم أمير المؤمنين أعز الله نصره الساعة في أمرك ، فدخلا إلى الخليفة فأمر له بثلاث مائة ألف دينار ، فلم يكن في بيت المال منها حاضر إلا مائتي ألف دينار فدفعت إليه ، وقيل له اختر أين نسيب لك بهذا المال؟ قال : إلى مصر ، فما كانت إلا أيام حتى أنت السفائح (٢) من مصر.

قال إبراهيم الموصلي (٣) :

حج الرشيد ومعه جعفر بن يحيى البرمكي وكنت معهم ، فلما صرنا إلى مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لي جعفر : انظر لي جارية ولا تتق (٤) غاية في حذاقتها بالغناء والضرب ، والكمال في الظرف والأدب ، وجنبني قولهم صفراء. قال : فأرشدت إلى جارية لرجل فدخلت عليه ، فرأيت رسوم النعمة ، وأخرجها إلي فلم أر أجمل منها ولا أصبح ولا آدب. قال : ثم تغنت لي أصواتا فأجادتها. قال : فقلت لصاحبها : قل ما شئت. قال : أقول لك قولا لا أنقص منه درهما. قلت : قل. قال : أربعين ألف دينار. قلت : قد أخذتها وأشترط عليك نظرة. قال : ذلك لك. قال : فأتيت جعفر بن يحيى فقلت : قد أصبت حاجتك ، على غاية الكمال ، والظرف ، والأدب ، والجمال ، ونقاء اللون ، وجودة الضرب ، والغناء ، وقد

__________________

(١) تخوت واحدها تخت ، وهو وعاء تصان فيه الثياب.

(٢) السفائح جمع سفيح ، وهو الكساء الغليظ (اللسان).

(٣) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٧ / ١٥٤ من طريق أبي القاسم الأزهري حدثنا محمد بن العباس الخزاز حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان حدثنا أبو يعقوب النخعي ، حدثنا علي بن زيد ـ كاتب العباس بن المأمون ـ حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي حدثني أبي ، فذكره. وانظر البداية ٧ / ١٨٨ وسير الأعلام ٩ / ٦٢.

(٤) تاريخ بغداد : تبقى.

١٧٩

اشترطت نظرة ، فاحمل المال ومر بنا ، فحملنا المال على حمالين ، وجاء جعفر مستخفيا ، فدخلنا على الرجل وأخرجها. فلما رآها جعفر أعجب بها ، وعرف أن قد صدقته. ثم غنّته فازداد بها عجبا ، فقال لي : اقطع أمرها ، فقلت لمولاها : هذا المال قد نقدناه ووزناه ، فإن قنعت وإلّا فوجّه إلى من شئت لينتقده (١) ، قال : لا بل أقنع بما قلتم ، قال : فقالت الجارية : يا مولاي في أي شيء أنت! فقال : قد عرفت ما كنا فيه من النعمة ، وما كنت فيه من انبساط اليد ، وقد انقبضت عن ذلك لتغير الزمان علينا ، فقدرت أن تصيري إلى هذا الملك فتنبسطي في شهواتك ولذاذتك (٢) ، فقالت الجارية : والله يا مولاي لو ملكت منك ما ملكت مني ما بعتك بالدنيا وما فيها. وبعد ، فاذكر العهد ـ وقد كان حلف لها أن لا يأكل لها ثمنا ـ قال فتغرغرت عين المولى وقال : اشهدوا أنها حرة لوجه الله ، وأني قد تزوجتها وأمهرتها داري ، فقال جعفر : انهض بنا ، قال : فدعوت الحمالين ليحملوا المال ، فقال جعفر : لا والله لا يصحبنا منه درهم ، ثم أقبل على مولاها وقال : هو لك مبارك لك فيه أنفقه عليك وعليها. قال : وقمنا فخرجنا.

قال الأصمعي :

كنت عند جعفر بن يحيى ودخل عليه رجل فقال : أعذني أيها الأمير. قال : هو ذاك ، صاحب شرطتي على الباب. فقال : أعذني أيها الأمير. قال : ويحك ، ما أعذتك! قال : على الفقر. قال : نعم ، يا غلام ، أعطه ألف دينار.

ولما (٣) غضب على البرامكة وجد في خزانة لجعفر بن يحيى في جرة ألف دينار ، في كل دينار مائة دينار ، على جانبيها مكتوب :

وأصفر من ضرب دار الملوك

يلوح على وجهه جعفر

يزيد على مائة واحدا

متى تعطه معسرا يوسر

__________________

(١) تاريخ بغداد : لينقد.

(٢) تاريخ بغداد : وإرادتك.

(٣) الخبر والبيتان في تاريخ بغداد ٧ / ١٥٥ ـ ١٥٦ من طريق سلامة بن الحسين المقرئ أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا إبراهيم بن حماد حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال : حدثني محمد بن أحمد بن المبارك العبدي حدثني عبد الله بن علي ـ أبو محمد ـ قال ، وذكره. والبداية والنهاية ٧ / ١٨٩ وسير الأعلام ٩ / ٦٣.

١٨٠