القواعد النحويّة

السيد قاسم الحسيني الخراساني ومحمود الملكي الإصفهاني

القواعد النحويّة

المؤلف:

السيد قاسم الحسيني الخراساني ومحمود الملكي الإصفهاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مديرية العامة للحوزة العلمية في قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

وإن لم يتطابقا ـ نحو : «أقائم الزيدان» و «أقائم الزيدون» ـ فالوصف مبتدأ وما بعده فاعل سدّ مسدّ الخبر. أمّا نحو : «أقائمان زيد» و «أقائمون زيد» فممتنع. (١)

والخبر : هو الجزء الذي حصلت به الفائدة مع مبتدأ غير الوصف ، نحو : «زيد قائم». فخرج فاعل الفعل ـ فإنّه ليس مع المبتدأ ـ وفاعل الوصف.

رافع المبتدأ والخبر

ذهب الكوفيّون إلى أنّ المبتدأ والخبر يترافعان ، أي : كلّ منهما يرفع الآخر.

وذهب البصريّون إلى أنّ المبتدأ يرتفع بالابتداء ، وهو كون الاسم مجرّدا عن العوامل اللفظية غير المزيدة. وأمّا الخبر فاختلفوا فيه :

فقيل : «إنّه يرتفع بالابتداء أيضا».

وقيل : «إنّه يرتفع بالابتداء والمبتدأ معا».

وقيل : «إنّه يرتفع بالمبتدأ». (٢)

أقسام الخبر

ينقسم الخبر إلى مفرد (٣) وجملة.

__________________

(١). قال ابن مالك :

مبتدأ زيد وعاذر خبر

إن قلت : «زيد عاذر من اعتذر»

وأوّل مبتدأ والثاني

فاعل أغنى في «أسار ذان»

وقس وكاستفهام النفي وقد

يجوز نحو «فائز اولو الرّشد»

والثاني مبتدأ وذا الوصف خبر

إن في سوى الإفراد طبقا استقر

(٢). قال ابن مالك :

ورفعوا مبتدأ بالابتدا

كذاك رفع خبر بالمبتدا

والخبر الجزء المتمّ الفائده

ك «الله برّ والأيادي شاهده»

(٣). المراد بالمفرد ما للعوامل تسلّط على لفظه ، فيشمل ما لا معمول له ، ك «هذا زيد» ، وما عمل الجرّ ، ك «زيد غلام عمرو» ، أو الرفع ، ك «زيد قائم أبوه» أو النصب ك «هذا ضارب أبوه عمرا».

٦١

والمفرد إمّا جامد أو مشتق. (١)

فإن كان جامدا فمذهب البصريّين أنّه لا يتحمّل ضمير المبتدأ ، نحو : «هذا أخوك» ، إلّا إذا أوّل بمشتقّ ، نحو : «هذا أسد» ، أي : شجاع. وذهب الكوفيّون إلى أنّه يتحمّله وإن لم يؤوّل بالمشتقّ.

وإن كان مشتقّا يتحمّل ضمير المبتدأ عند الجميع ، نحو : «زيد قائم» ، إلّا إذا رفع الظاهر ، نحو : «زيد قائم أبواه».

ثمّ إنّ الوصف إذا جرى على غير من هو له وجب إبراز الضمير عند البصريّين سواء أمن اللبس ، نحو : «زيد هند ضاربها هو» أو لم يؤمن ، نحو : «زيد بكر ضاربه هو». وأجاز الكوفيّون الاستتار إذا امن اللبس.

أمّا الجملة الواقعة خبرا فإن كانت نفس المبتدأ في المعنى فلا تحتاج إلى رابط ، كما في ضمير الشأن ، نحو قوله تعالى : «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ».(٢) وإن لم تكن كذلك فلا بدّ من رابط يربطها بالمبتدأ. والروابط الّتي ذكروها كثيرة ، منها ما يلي :

١ ـ الضمير الراجع إلى المبتدأ ، سواء كان مذكورا ، نحو : «زيد ضربته» أو محذوفا ، نحو : «السّمن منوان بدرهم» ، أي : منه.

٢ ـ الإشارة إلى المبتدأ ، كقوله تعالى : «وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ».(٣)

٣ ـ إعادة المبتدأ ، كقوله تعالى : «الْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ».(٤)

٤ ـ «ال» النائبة عن الضمير ، وهو قول الكوفيّين وطائفة من البصريين ، نحو قوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) ، (٥) و

__________________

(١). قال الخضري : «المشتقّ ما يصاغ من المصدر للدلالة على متّصف به ، كما هو اصطلاح النحويين. أمّا عند الصرفيّين فهو ما دلّ على حدث وذات وإن لم تتّصف به ، فيشمل أسماء الزمان والمكان والآلة وليست مرادة هنا».

(٢). الإخلاص (١١٢) : ١.

ومثّل ابن مالك لهذا القسم ب «نطقي الله حسبي». والتحقيق أنّ مثل هذا ليس من الإخبار بالجملة بل بالمفرد على إرادة اللفظ كما في عكسه ، نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا حول ولا قوّة إلّا بالله ، كنز من كنوز الجنّة».

(بحار الأنوار : ٩٠ / ٢٧٤).

(٣). الأعراف (٧) : ٢٦.

(٤). الحاقّة (٦٩) : ١ و ٢.

(٥). النازعات (٧٩) : ٤٠ و ٤١.

٦٢

الأصل : «مأواه». وقال المانعون : «إنّ التقدير : هي المأوى له». (١)

ثمّ إنّ الخبر قد يكون ظرفا ، كقوله تعالى : (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)(٢) أو جارّا ومجرورا ، نحو : «الْحَمْدُ لِلَّهِ».(٣) وجمهور النحويين على أنّه يتعلّق بمحذوف وجوبا ، تقديره «كائن» أو «استقرّ» ، (٤) على خلاف في ذلك. (٥)

قال السيوطي : وشذّ التصريح بهذا المتعلّق في قول الشاعر :

لك العزّ إن مولاك عزّ وإن يهن

فأنت لدى بحبوحة الهون كائن (٦)

اعلم أنّ ظرف المكان يقع خبرا عن الذات ، نحو : «زيد عندك» وعن المعنى ، نحو : «القتال عندك». أمّا ظرف الزمان فيقع خبرا عن المعنى ، منصوبا أو مجرورا ب «في» ، نحو : «القتال يوم الجمعة» أو «في يوم الجمعة» ؛ ولا يقع ـ على المشهور ـ خبرا عن الذات ، وما ورد من ذلك فمؤوّل على حذف مضاف ، نحو : «اليوم خمر» أي : شرب خمر. وأجازه بعض المتأخّرين ـ كابن مالك ـ بشرط الفائدة ، كما لو كان المبتدأ عامّا والزمان خاصّا ، نحو : «نحن في شهر كذا». (٧)

__________________

(١). قال ابن مالك :

ومفردا يأتي ويأتي جمله

حاوية معنى الذي سيقت له

وإن تكن إيّاه معنى اكتفى

بها ك «نطقي الله حسبي وكفى»

والمفرد الجامد فارغ وإن

يشتقّ فهو ذو ضمير مستكن

وأبرزنه مطلقا حيث تلا

ما ليس معناه له محصّلا

(٢). الأنفال (٨) : ٤٢.

(٣). الفاتحة (١) : ٢.

(٤). وكذا ما شابههما في المعنى ، ك «ثابت» و «وجد».

(٥). قال ابن مالك :

وأخبروا بظرف أو بحرف جر

ناوين معنى كائن أو استقر

قال الأخفش والفارسي والزمخشري : تقديره : «كان أو استقرّ» ، وحجّتهم أنّ المحذوف عامل النصب في لفظ الظرف ومحلّ المجرور ، والأصل في العامل أن يكون فعلا. وذهب جمهور البصريّين إلى أنّ تقديره «كائن» أو «مستقرّ» ، وحجّتهم أنّ المحذوف هو الخبر في الحقيقة ، والأصل في الخبر أن يكون اسما مفردا. فتأمّل.

(٦). البحبوحة : الوسط. الهون : الذّلّ.

(٧). قال ابن مالك :

ولا يكون اسم زمان خبرا

عن جثّة وإن يفد فأخبرا

٦٣

الابتداء بالنكرة

الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة ولا يكون نكرة إلّا إذا أفادت. وتحصل الفائدة بأمور نذكر أهمّها : (١)

١ ـ أن يكون الخبر ظرفا أو جارّا ومجرورا ، نحو قوله تعالى : (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) ، (٢) و «لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ». (٣)

وألحق بهما ابن مالك في شرح التسهيل الجملة ، نحو : «قصدك غلامه رجل».

وشرط الخبر في الثلاثة الاختصاص بأن يكون كلّ من المجرور وما اضيف إليه الظرف والمسند إليه في الجملة صالحا للابتداء ، فلا يجوز : «في دار رجل» لعدم الفائدة.

قالوا : «ويشترط التقديم أيضا ، فلا يجوز «رجل في الدار».

قال ابن هشام : «الصواب أن يقال : إنّما وجب التقديم هنا لدفع توهّم الصفة ، واشتراطه هنا يوهم أنّ له مدخلا في التخصيص».

٢ ـ أن تدلّ النكرة بنفسها على العموم ، نحو : «كلّ يموت».

٣ ـ أن تكون النكرة مسبوقة بنفي أو استفهام ، نحو : «ما أحد أغير من الله» وقوله تعالى «أَإِلهٌ مَعَ اللهِ». (٤)

٤ ـ أن توصف النكرة ، إمّا لفظا ، نحو قوله تعالى : (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ) ، (٥) أو تقديرا ، نحو قوله تعالى : (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) ، (٦) أي : «وطائفة من غيركم» بدليل ما قبله ، أو معنى ، نحو : «رجيل جاء» ، أي : «رجل صغير جاء».

٥ ـ أن تكون النكرة عاملة ، إمّا رفعا ، نحو : «قائم الزيدان» عند من أجازه ، أو نصبا ، نحو : «أمر بمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة» ، أو جرّا ، (٧) نحو : «عمل برّ يزين».

٦ ـ العطف بشرط أن يكون أحد المتعاطفين يجوز الابتداء به ، نحو : «رجل وامرأة

__________________

(١). لم يعوّل المتقدّمون في ضابط جواز الابتداء بالنكرة إلّا على حصول الفائدة. ورأى المتأخّرون أنّه ليس كلّ أحد يهتدى إلى موارد الفائدة فلذلك تتبّعوا تلك الموارد.

(٢). ق (٥٠) : ٣٥.

(٣). الرّعد (١٣) : ٣٨.

(٤). النّمل (٢٧) : ٦٠.

(٥). البقرة (٢) : ٢٢١.

(٦). آل عمران (٣) : ١٥٤.

(٧). إذا قلنا بأنّ المضاف عامل في المضاف إليه ، وإلّا فنقول : «ومن المسوّغات أن تكون النكرة مضافة».

٦٤

عالمة جاءا» وقوله تعالى : «قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً».(١)

٧ ـ أن تكون النكرة دعاء ، كقوله تعالى : (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) ، (٢) و (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) ، (٣) أو فيها معنى التعجّب ، نحو : «عجب لزيد».

٨ ـ أن تقع في أوّل الجملة الحاليّة ، نحو : «قطعت الصحراء ودليل يهدينى» أو بعد إذا الفجائية ، نحو : «خرجت فإذا أسد بالباب».

٩ ـ أن تكون محصورة ، نحو : «إنّما قائم رجل».

١٠ ـ أن يكون ثبوت ذلك الخبر للنكرة من خوارق العادة ، نحو : «بقرة تكلّمت». (٤)

حالات الخبر

للخبر ثلاث حالات :

الحالة الأولى : التأخير ، وهو الأصل ؛ لأنّه وصف في المعنى للمبتدأ فحقّه التأخير. ويجب في مواضع ، أهمّها :

١ ـ أن يكون كلّ من المبتدأ والخبر معرفة أو نكرة صالحة لجعلها مبتدأ ولا قرينة تبيّن المبتدأ من الخبر ، نحو : «زيد أخوك» و «أفضل من زيد أفضل من بكر». فإن وجد قرينة جاز تقديم الخبر ، نحو : قول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهنّ أبناء الرّجال الأباعد

فقوله «بنونا» خبر مقدّم و «بنو أبنائنا» مبتدأ مؤخّر ، لأنّ المراد الحكم على بني أبنائهم بأنّهم كبنيهم وليس المراد الحكم على بنيهم بأنّهم كبني أبنائهم.

٢ ـ أن يكون الخبر فعلا رافعا لضمير المبتدأ مستترا ، نحو : «زيد قام». ولا يجوز التقديم لالتباس المبتدأ بالفاعل. فإن كان الفعل رافعا لظاهر ، نحو : «زيد قام أبوه» أو

__________________

(١). البقرة (٢) : ٢٦٣.

(٢). الصافّات (٣٧) : ١٠٩.

(٣). المطفّفين (٨٣) : ١.

(٤). قال ابن مالك :

ولا يجوز الابتدا بالنكرة

ما لم تفد ك «عند زيد نمره»

وهل فتى فيكم؟ فما خلّ لنا

ورجل من الكرام عندنا

ورغبة في الخير خير وعمل

برّ يزين وليقس ما لم يقل

٦٥

ضمير مستتر ، نحو : «أخواك قاما» ، جاز التقديم.

٣ ـ أن يكون الخبر محصورا ، نحو : «إنّما زيد شاعر» و «ما زيد شاعر». ولا يجوز التقديم لئلّا يتوهّم عكس المقصود.

٤ ـ أن يكون المبتدأ مستحقّا للتصدير ، إمّا بنفسه ، نحو : «من في الدار؟» أو بغيره ، إمّا متقدّما عليه ، نحو : «لزيد قائم» أو متأخّرا عنه ، نحو : «غلام من في الدار». (١)

الحالة الثانية : التقديم ، ويجب في مواضع ، أهمّها :

١ ـ أن يكون التأخير موجبا للبس ، نحو : «في الدار رجل» و «عندك مال» و «قصدك غلامه رجل» إذ لو تأخّر الخبر فيها لتوهّم أنّه صفة. (٢)

٢ ـ أن يكون المبتدأ محصورا ، نحو : «ما لنا إلّا اتّباع أحمد» و «إنّما عندك زيد». ولا يجوز التأخير لئلّا يتوهّم عكس المقصود.

٣ ـ أن يكون الخبر مستحقّا للتصدير ، إمّا بنفسه ، نحو : «أين زيد؟» أو بغيره ، نحو : «صبيحة أيّ يوم سفرك؟».

٤ ـ أن يشتمل المبتدأ على ضمير يعود على بعض الخبر ، نحو : «في الدار صاحبها». (٣)

__________________

(١). قال ابن مالك :

والأصل في الأخبار أن تؤخّرا

وجوّزوا التّقديم إذ لا ضررا

فامنعه حين يستوي الجزءان

عرفا ونكرا عادمي بيان

كذا إذا ما الفعل كان الخبرا

أو قصد استعماله منحصرا

أو كان مسندا لذي لام ابتدا

أو لازم الصّدر ك «من لي منجدا؟»

(٢). لأنّه نكرة محضة وحاجة النكرة إلى التخصيص ـ ليفيد الإخبار عنها فائدة يعتد بمثلها ـ آكد من حاجتها إلى الخبر ، ولهذا لو كانت النكرة مختصّة جاز تقديمها ، نحو قوله تعالى : «وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ». الأنعام (٦) : ٢.

(٣). قال ابن مالك :

ونحو «عندي درهم» و «لي وطر»

ملتزم فيه تقدّم الخبر

كذا إذا عاد عليه مضمر

ممّا به عنه مبينا يخبر

كذا إذا يستوجب التّصديرا

ك «أين من علمته نصيرا»

وخبر المحصور قدّم أبدا

ك «ما لنا إلّا اتّباع أحمدا

٦٦

الحالة الثالثة : جواز التقديم والتأخير ، وذلك فيما فقد فيه موجبهما ، كقولك : «زيد قائم» ، فيترجّح تأخيره على الأصل ويجوز تقديمه لعدم المانع.

حذف المبتدأ والخبر

يحذف كلّ من المبتدأ والخبر إذا دلّ عليه دليل ، جوازا أو وجوبا.

فمثال حذف المبتدأ جوازا أن يقال : «كيف زيد؟» ، فتقول : «صحيح» ، أي : «هو صحيح».

ومثال حذف الخبر جوازا أن يقال : «من عندك؟» ، فتقول : «زيد» ، أي : «زيد عندي».

وقد يحذف الجزءان ، نحو : «نعم» ، في جواب : «أزيد قائم» ، إذ التقدير : «نعم ، زيد قائم». سئل عن الصادق عليه‌السلام : «المؤمنون من طينة الأنبياء؟» ، قال : نعم. (١)

ويحذف المبتدأ وجوبا في مواضع :

١ ـ إذا اخبر عنه بنعت مقطوع ، ك «مررت بزيد الكريم» ، والتقدير : «هو الكريم».

٢ ـ إذا اخبر عنه بمخصوص «نعم» أو «بئس» ، نحو : «نعم الرّجل زيد» ، والتقدير : «هو زيد».

٣ ـ إذا اخبر عنه بمصدر جيء به بدلا من فعله ، نحو قوله تعالى : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) ، (٢) والتقدير : «فصبري صبر جميل».

٤ ـ إذا اخبر عنه بصريح القسم ، نحو : «في ذمّتي لأفعلنّ».

ويحذف الخبر وجوبا في مواضع :

١ ـ أن يكون الخبر كونا مطلقا والمبتدأ بعد لو لا الامتناعيّة ، نحو : «لو لا عليّ لهلك عمر» ، (٣) أي : «لو لا عليّ موجود ...».

__________________

(١). الكافي (٢) : ٥.

قال ابن مالك :

وحذف ما يعلم جائز كما

تقول : «زيد» ، بعد «من عندكما؟»

وفي جواب «كيف زيد؟» قل : دنف

فزيد استغني عنه إذ عرف

(٢). يوسف (١٢) : ١٨.

(٣). قالها عمر بن الخطّاب في مواضع متعدّدة. راجع : مسند زيد بن علي : ٣٣٥ ، شرح الأزهار ، لأحمد

٦٧

فلو كان كونا مقيّدا وجب ذكره إن فقد دليله ، كقولك : «لو لا زيد محسن إليّ ما أتيت» وجاز الوجهان إن وجد الدليل كما لو يقال : «هل زيد محسن إليك؟» فتقول : «لو لا زيد لهلكت» ، أي : «لو لا زيد محسن إليّ لهلكت».

٢ ـ أن يكون المبتدأ صريحا في القسم ، نحو : «لعمرك لأفعلنّ» والتقدير : «لعمرك قسمي ...». فإن لم يكن صريحا في القسم جاز إثبات الخبر وحذفه فيقال : «عهد الله لأفعلنّ» و «عهد الله عليّ لأفعلنّ».

٣ ـ أن يكون المبتدأ معطوفا عليه اسم بواو تكون بمعنى «مع» ، نحو : «كلّ رجل وضيعته» ، ف «كلّ» مبتدأ و «ضيعته» ـ أي حرفته ـ معطوف على «كلّ» والخبر محذوف والتقدير : «كلّ رجل وضيعته مقترنان». (١)

٤ ـ أن يكون المبتدأ مصدرا أو مضافا إلى مصدر وبعده حال لا تصلح أن تكون خبرا ؛ فالمصدر نحو : «ضربي زيدا قائما» ، ف «قائما» حال سدّت مسدّ الخبر المحذوف وجوبا والأصل : «ضربي زيدا حاصل إذا ـ أو إذ ـ كان قائما». فحذف «حاصل» ثمّ الظرف.

والمضاف إلى المصدر نحو : «أكثر شربي السّويق ملتوتا» ، ف «ملتوتا» حال سدّت مسدّ الخبر ، وتقديره كما تقدّم.

وخرج بتقييد الحال بعدم صلاحيّتها للخبريّة ما يصلح لها فالرفع فيه واجب نحو : «ضربي زيدا شديد». (٢)

__________________

المرتضى : ٤ / ٣٤٦ ، المناقب للخوارزمي : ٤٨ ، الاستيعاب : ٣ / ٣٩ ، تفسير النيسابوري في سورة الأحقاف ، شرح الجامع الصغير ، للشيخ محمّد الحنفي : ٤١٧ ، هامش السراج المنير. تذكرة السبط : ٨٧ ، مطالب السئول : ١٣ ، فيض القدير : ٤ / ٣٥٧.

(١). عبّر جماعة من النحويّين «بواو هي نصّ في المعيّة». قال الخضري : «والمراد أنّها ظاهرة فيها ، لأنّ الواو في «كلّ رجل وضيعته» تحتمل مجرّد العطف أيضا ، كأن يقال : «كلّ رجل وضيعته مخلوقان» ، لكنّها ظاهرة في المعيّة بسبب أنّ الصنعة تلازم الصانع ، فالمعيّة ليست من مجرّد الواو بل مع المعطوف». حاشية الخضري : ١ / ٢٠٥.

(٢). قال ابن مالك :

وبعد لو لا غالبا حذف الخبر

حتم وفي نصّ يمين ذا استقر

وبعد واو عيّنت مفهوم مع

كمثل «كلّ صانع وما صنع»

٦٨

تعدّد الخبر

اختلف النحويون في جواز تعدّد الخبر ، نحو : «زيد قائم ضاحك» ؛ فذهب قوم ـ كابن مالك ـ إلى الجواز سواء كان الخبران في معنى خبر واحد ، نحو : «هذا حلو حامض» أي : «مزّ» ، أم لم يكونا كذلك ، كالمثال الأوّل. (١) وذهب بعضهم إلى أنّه لا يتعدّد الخبر إلّا إذا كان الخبران في معنى خبر واحد فإن لم يكونا كذلك تعيّن العطف فإن جاء من لسان العرب شيء بغير عطف قدّر له مبتدأ آخر كقوله تعالى : «وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ* ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ».(٢)

وزعم بعضهم أنّه لا يتعدّد الخبر إلّا إذا كانا مفردين أو جملتين نحو : «زيد قائم ضاحك» و «زيد قام ضحك».

اقتران الخبر بالفاء

تدخل الفاء في الخبر جوازا في موضعين :

١ ـ إذا كان المبتدأ موصولا عامّا وقعت صلته جملة فعليّة مستقبلة المعنى أو ظرفا أو جارّا مع مجروره نحو : «الّذي يأتيني ـ أو في الدار أو عندك ـ فله درهم». وأجاز بعضهم دخول الفاء في الخبر مع الماضي أيضا نحو : «الّذي زارنا أمس فله كذا». واستدلّ بقوله تعالى : «وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ».(٣) واوّل على معنى «وما يتبيّن إصابته إيّاكم ...».

٢ ـ إذا كان المبتدأ نكرة عامّة موصوفة بأحد الثلاثة ، نحو : «رجل سيأتي ـ أو في الدار أو عندك ـ فله درهم».

__________________

وقبل حال لا يكون خبرا

عن الذي خبره قد اضمرا

ك «ضربي العبد مسيئا» و «أتمّ

تبييني الحقّ منوطا بالحكم»

(١). قال ابن مالك :

وأخبروا باثنين أو بأكثرا

عن واحد ك «هم سراة شعرا»

(٢). البروج (٨٥) : ١٤ و ١٥.

(٣). آل عمران (٣) : ١٦٦.

٦٩
٧٠

نواسخ الابتداء

تدخل على المبتدأ والخبر أفعال وحروف تسمّى النواسخ. وهي :

١ ـ الأفعال الناقصة

٢ ـ الحروف المشبّهة ب «ليس»

٣ ـ أفعال المقاربة

٤ ـ الحروف المشبّهة بالفعل

٥ ـ لا التي لفي الجنس

٦ ـ ظنّ وأخواتها.

٧١
٧٢

(١)

الأفعال الناقصة

وهي : كان ، أمسى ، أصبح ، أضحى ، ظلّ ، بات ، صار ، ليس ، زال ، برح ، فتىء ، انفكّ ودام.

فترفع المبتدأ ويسمّى اسما لها وتنصب الخبر ويسمّى خبرا لها.

وهذه الأفعال ثلاثة أقسام :

الأوّل : ما يعمل هذا العمل بلا شرط وهو كان وليس وما بينهما ، نحو قوله تعالى : «وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً».(١)

الثاني : ما يعمل بشرط أن يتقدمّه نفي أو نهي أو دعاء ، وهو أربعة : زال ، برح ، فتىء ، انفكّ ، نحو قوله تعالى : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) ، (٢) وقول الشاعر :

صاح شمّر ولا تزل ذاكر المو

ت فنسيانه ضلال مبين (٣)

وقولك : «لا يزال الله محسنا إليك».

ويشترط في «زال» شرط آخر وهو أن يكون مضارعها «يزال» لا التي مضارعها «يزول» أو «يزيل» ، لأنّ الأوّل فعل تامّ قاصر بمعنى الذهاب والانتقال ، والثاني فعل تامّ متعدّ بمعنى «ماز».

الثالث : ما يعمل بشرط أن يسبقه «ما» المصدرية الظرفية ، (٤) وهو «دام» ، نحو قوله تعالى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) ، (٥) أي : مدّة دوامي حيّا. (٦)

__________________

(١). الفرقان (٢٥) : ٥٤.

(٢). هود (١١) : ١١٨.

(٣). صاح : منادى حذف منه حرف النداء ، وهو مرخّم ترخيما غير قياسيّ ، أي : يا صاحبي. شمّر : اجتهد.

(٤). سمّيت مصدريّة لأنّها تقدّر مع ما بعدها بالمصدر وسمّيت ظرفيّة لنيابتها عن الظرف وهو المدّة.

(٥). مريم (١٩) : ٣١.

(٦). قال ابن مالك ـ بعد بيان عمل «كان» من رفع الاسم ونصب الخبر ـ :

٧٣

معنى هذه الأفعال

معنى «كان» اتّصاف المخبر عنه بالخبر في زمان صيغتها. ومعنى «ظلّ» اتصاف المخبر عنه بالخبر نهارا. ومعنى «بات» اتّصافه به ليلا. ومعنى «أصبح ، أضحى ، أمسى» اتّصافه به في الصباح والضّحى والمساء. ومعنى «ليس» النفي ، وهي عند الإطلاق لنفى الحال وعند التقييد بزمن على حسبه. ومعنى «ما زال» وأخواتها ملازمة الخبر المخبر عنه على حسب ما يقتضيه الحال. و «ما دام» لتعيين أمر بمدّة اتّصاف المخبر عنه بالخبر.

كلّ هذه الأفعال يجوز أن تستعمل تامّة ، أي : مستغنية بمرفوعها ، إلّا «فتىء» و «زال» ـ التي مضارعها «يزال» ـ و «ليس».

ومثال ذلك قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) ، (١) أي : «وإن وجد ذو عسرة ...» ، وقوله تعالى : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) ، (٢) أي : «حين تدخلون في المساء وحين تدخلون في الصّباح» ، وقوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) ، (٣) أي : «ما بقيت ...». و «بات زيد» ، أي : «أقام ليلا». و «بات بالقوم» ، أي : «نزل بهم ليلا». و «ظل اليوم» ، أي : «دام ظلّه». و «أضحينا» ، أي : «دخلنا في الضّحى». و «صار الأمر إليك» ، أي : «انتقل اليك». و «برح» بمعنى «ذهب» ومنه : «البارحة» للّيلة الماضية. و «انفكّ حلقات السلسلة» ، أي : «انفصلت».

وقد يستعمل بعض هذه الأفعال بمعنى بعضها ، فيستعمل كان وظلّ وأضحى وأصبح وأمسى بمعنى «صار» ، نحو قوله تعالى : (وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً) ، (٤) و «وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا». (٥)

تتمّة : الحق ب «صار» أفعال بمعناها ، وهي : آض ، رجع ، عاد ، استحال ، قعد ، حار ، جاء ، ارتدّ ، تحوّل ، غدا ، راح.

__________________

ك «كان» ، ظلّ ، بات أضحى أصبحا

أمسى وصار ليس زال برحا

فتىء وانفكّ وهذي الأربعة

لشبه نفي أو لنفي متبعه

ومثل «كان» دام مسبوقا ب «ما»

كأعط ما دمت مصيبا درهما

(١). البقرة (٢) : ٢٨٠.

(٢). الرّوم (٣٠) : ١٧.

(٣). هود (١١) : ١٠٧.

(٤). النبأ (٧٨) : ١٩.

(٥). النحل (١٦) : ٥٨.

٧٤

حكم هذه الأفعال من جهة التصرّف

هذه الأفعال ثلاثة أنواع :

الأوّل : ما لا يتصرّف ولا يوجد منه غير الماضي ، وهو «دام» و «ليس».

الثاني : ما يتصرّف تصرّفا ناقصا وهو «زال» وأخواتها ، فإنّها لا يستعمل منها أمر ولا مصدر.

الثالث : ما يتصرّف تصرّفا تامّا ، فيأتي منه المضارع والأمر والمصدر والوصف. وهو «كان» إلى «صار». وكلّ ما تصرّف من هذه الأفعال يعمل عمل الماضي ، (١) سواء كان فعلا ، نحو قوله تعالى : (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) ، (٢) و (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) ، (٣) أو اسم فاعل ، كقول الشاعر :

وما كلّ ما يبدي البشاشة كائنا

أخاك إذا لم تلفه لك منجدا

أو مصدرا ، كقول الشاعر :

ببذل وحلم ساد في قومه الفتى

وكونك إيّاه عليك يسير (٤)

توسّط الخبر بين الفعل والاسم

يجوز توسط الخبر بين الفعل والاسم ، كقوله تعالى : «وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ».(٥)

وقد يمنع من التوسّط كما إذا خيف اللبس ، نحو : «كان صاحبي عدوّي» أو اقترن الخبر ب «إلّا» ، نحو قوله تعالى : «وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً».(٦)

تقديم الخبر على الفعل

يجوز تقديم الخبر على الفعل اتّفاقا إلّا «دام» و «ليس» والمنفي ب «ما». أمّا «دام»

__________________

(١). غير أنّ مصدرها يضاف إلى اسمها فيكون الاسم مجرورا لفظا مرفوعا محلا.

(٢). البقرة (٢) : ١٤٣.

(٣). النساء (٤) : ١٣٥.

(٤). ساد : من السيادة وهي الرفعة وعظم الشأن.

قال ابن مالك :

وغير ماض مثله قد عملا

إن كان غير الماض منه استعملا

(٥). الروم (٣٠) : ٤٧.

(٦). الأنفال (٨) : ٣٥.

٧٥

فحكي الاتّفاق على عدم الجواز واستدلّ بأنها مشروطة بدخول «ما» المصدرية الظرفية والحرف المصدري لا يعمل ما بعده في ما قبله.

ويظهر من هذا جواز تقديم الخبر على «دام» وحدها ، نحو : «لا أصحبك ما قائما دام زيد». كما أجازه ابن عقيل.

أمّا «ليس» ففيها خلاف. فذهب الجمهور على عدم جواز تقدّم الخبر عليها ، وأجازه جماعة.

واختلف أيضا في جواز تقدّم الخبر على «ما» النافية ، ويدخل تحت هذا قسمان :

أحدهما : ما كان النفي شرطا في عمل الفعل ، نحو : «ما زال» وأخواتها.

والثاني : ما لم يكن النفي شرطا في عمله ، نحو : «ما كان».

فذهب البصريّون والفرّاء إلى المنع وبقيّة الكوفيّين إلى الجواز. وخصّ ابن كيسان المنع بغير «زال» وأخواتها ؛ لأنّ نفيها إيجاب.

تنبيه : يستفاد من كلامهم أمران :

١ ـ جواز التقديم إذا كان النفي بغير «ما» ، فتقول : «قائما لم يزل زيد». ومنعه الفرّاء.

٢ ـ جواز توسّط الخبر بين «ما» والفعل ، نحو : «ما قائما كان زيد». ومنعه بعضهم.

توسّط معمول الخبر بين الفعل واسمه

يجوز باتّفاق أن يلي هذه الأفعال معمول خبرها إن كان ظرفا أو جارّا ومجرورا ، نحو : «كان عندك ـ أو في المسجد ـ زيد معتكفا».

فإن لم يكن أحدهما فجمهور البصريّين يمنعون مطلقا ، والكوفيّون يجيزون مطلقا ؛ وفصّل ابن سرّاج والفارسي وابن عصفور فأجازوه إن تقدّم الخبر معه ، نحو : «كان طعامك آكلا زيد» ومنعوه إن تقدّم وحده ، نحو : «كان طعامك زيد آكلا».

واحتجّ الكوفيّون بنحو قوله :

قنافذ هدّاجون حول بيوتهم

بما كان إيّاهم عطيّة عوّدا (١)

__________________

(١). قنافذ : جمع قنفذ ، وهو حيوان يضرب به المثل في السرى. هدّاجون : جمع «هدّاج» وهو مشية الشيخ.

وعطيّة : اسم رجل.

٧٦

وخرّج على إضمار الاسم في «كان» مرادا به الشأن و «عطيّة» مبتدأ خبره «عوّد» و «إيّاهم» مفعول والجملة خبر «كان».

تنبيه : يستفاد من كلامهم جواز تقدّم الخبر على الاسم وعلى معموله ، نحو : «كان آكلا طعامك زيد» ، لأنّ معمول الخبر لم يل العامل وبه صرّح ابن شقير مدّعيا فيه الاتّفاق وصرّح أيضا بجواز تقديم المعمول على نفس العامل ، ويدلّ عليه قوله تعالى : «وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ».(١)

خصائص «كان»

تختصّ «كان» بأمور :

الاوّل : جواز زيادتها بشرطين :

أحدهما : كونها بلفظ الماضي وشذّ زيادتها بلفظ المضارع ، نحو :

أنت تكون ماجد نبيل

إذا تهبّ شمأل بليل (٢)

ثانيهما : كونها بين شيئين متلازمين (٣) ليسا جارّا ومجرورا ، نحو : «ما كان أحسن زيدا» وشذّ قوله :

__________________

(١). الأعراف (٧) : ١٧٧.

قال ابن مالك :

وفي جميعها توسّط الخبر

أجز وكلّ سبقه دام حظر

كذاك سبق خبر ما النّافيه

فجىء بها متلوّة لا تاليه

ومنع سبق خبر ليس اصطفي

وذو تمام ما برفع يكتفي

وما سواه ناقص والنّقص في

فتىء ليس زال دائما قفي

ولا يلي العامل معمول الخبر

إلّا إذا ظرفا أتى أو حرف جر

ومضمر الشأن اسما انو إن وقع

موهم ما استبان أنّه امتنع

(٢). ماجد : كريم. نبيل : فاضل. تهبّ : مضارع «هبّت الريح» إذا هاجت. شمأل : ريح تهبّ من ناحية القطب الشمالي. بليل : ريح باردة.

(٣). كالمبتدأ وخبره والفعل ومرفوعه والصلة والموصول والصفة والموصوف ، واطّرد زيادتها بين «ما وفعل التعجّب».

٧٧

سراة بني أبي بكر تسامى

على كان المسوّمة العراب (١)

الثاني : جواز حذفها ويقع ذلك على وجوه :

أحدها : أن تحذف مع اسمها ويبقى الخبر ، وكثر ذلك بعد «إن» و «لو» الشرطيّتين. مثال «إن» قولهم : «الناس مجزيّون بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ» ؛ أي : «إن كان عملهم خيرا فجزاؤهم خير ...» ويجوز «إن خير فخيرا» بتقدير «إن كان في عملهم خير فيجزون خيرا» ويجوز نصبهما ورفعهما والأوّل أرجحها والثاني أضعفها والأخيران متوسّطان.

ومثال «لو» : قول الشاعر :

لا يأمن الدّهر ذو بغي ولو ملكا

جنوده ضاق عنها السّهل والجبل (٢)

أي : «ولو كان الباغي ملكا».

وقلّ الحذف المذكور بدون «إن» و «لو» ، نحو قولهم : «من لد شولا فإلى إتلائها» ، بتقدير : «من لد أن كانت شولا».

ثانيها : أن تحذف مع خبرها ويبقى الاسم ، وهو ضعيف. وعليه : «إن خير فخير» ، أي : إن كان في عمله خير.

ثالثها : أن تحذف وحدها ، وكثر ذلك بعد «أن» المصدرية ، نحو : «أمّا أنت برّا فاقترب» أصله : «أن كنت برّا فاقترب» ، فحذفت «كان» فانفصل الضمير المتصّل بها ، فصار «أن أنت برّا فاقترب» ثمّ اتي ب «ما» للتعويض ، ثمّ وقع الإدغام للتقارب.

رابعها : أن تحذف مع معموليها ويعوّض منها «ما» ، وذلك بعد «إن» الشرطية في

__________________

(١). سراة : جمع «سريّ» وهو الجيّد من كلّ شيء ، ويروى : «جياد» ، جمع «جواد» وهو الفرس النفيس.

تسامى : أصله «تتسامى» من السموّ وهو العلوّ. والمسوّمة : اسم مفعول من «السّمة» وهي العلامة. والعراب : الخيل العربيّة التي جعلت عليها علامة وتركت في المرعى.

قال ابن مالك :

وقد تزاد «كان» في حشو ك «ما

كان أصحّ علم من تقدّما»

(٢). البغي : الظلم.

٧٨

نحو : «افعل هذا إمّا لا» ، أي : «إن كنت لا تفعل غيره». (١)

الثالث : جواز حذف نون مضارعها المجزوم بالسكون : بشرط عدم اتّصاله بضمير نصب ولا ساكن نحو : (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) ، (٢) ومن ثمّ لم يجز في نحو : «لم يكنه» وقوله تعالى : «لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ». (٣)

__________________

(١). قال ابن مالك :

ويحذفونها ويبقون الخبر

وبعد إن ولو كثيرا ذا اشتهر

وبعد أن تعويض ما عنها ارتكب

كمثل «أمّا أنت برّا فاقترب»

(٢). مريم (١٩) : ٢٠.

(٣). النساء (٤) : ١٣٧.

قال ابن مالك :

ومن مضارع ل «كان» منجزم

تحذف نون وهو حذف ما التزم

٧٩

(٢)

الحروف المشبّهة ب «ليس»

وهي : ما ولا ولات وإن.

أمّا «ما» فأعملها الحجازيّون (١) وبلغتهم جاء التنزيل ، قال الله تعالى : (ما هذا بَشَراً) ، (٢) ولإعمالها عندهم أربعة شروط :

الأوّل : أن لا يقترن اسمها ب «إن» الزائدة ، ولهذا اهملت في قول الشاعر :

بني غدانة ما إن أنتم ذهب

ولا صريف ولكن أنتم الخزف (٣)

أمّا رواية بعضهم «ذهبا» و «صريفا» فأجيب بأنّ «إن» نافية مؤكّدة ل «ما».

الثاني : أن لا ينتقض نفي خبرها (٤) ب «إلّا» ، فلذلك وجب الرفع في قوله تعالى (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)(٥) وفي «ما زيد قائما بل قاعد» أو «لكن قاعد». وأمّا قول الشاعر :

وما الدّهر إلّا منجنونا بأهله

وما صاحب الحاجات إلّا معذّبا (٦)

فمن باب «ما زيد إلّا سيرا» ، أي : «إلّا يسير سيرا» ، والتقدير : «إلّا يدور دوران منجنون» و «إلّا يعذّب معذّبا ، أي : تعذيبا».

الثالث : أن لا يتقدّم خبرها على اسمها ، ولذلك وجب الرفع ، في قول الشاعر :

وما خذّل قومي فأخضع للعدى

ولكن إذا أدعوهم فهم هم (٧)

__________________

(١). ولغة بنى تميم أنّها لا تعمل شيئا ، تقول : «ما زيد قائم» ، و «زيد» مبتدأ و «قائم» خبره.

(٢). يوسف (١٢) : ٣١.

(٣). بني غدانة : منادى حذف منه حرف النداء ، أي : يا بني غدانة ، والصريف : الفضّة ، والخزف : ما عمل من الطين وشوي بالنار فصار فخّارا.

(٤). ولا يضرّ نفي معمول خبرها ، نحو : «ما زيد ضاربا إلّا عمرا».

(٥). آل عمران (٣) : ١٤٤.

(٦). المنجنون : اسم للدولاب الذي يسقى عليه الماء.

(٧). «خذّل» : جمع خاذل ، مثل ركّع ، في جمع راكع. وخاذل : اسم فاعل من خذله يخذله ، إذا ترك نصرته

٨٠