القواعد النحويّة

السيد قاسم الحسيني الخراساني ومحمود الملكي الإصفهاني

القواعد النحويّة

المؤلف:

السيد قاسم الحسيني الخراساني ومحمود الملكي الإصفهاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مديرية العامة للحوزة العلمية في قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

٢ ـ التقديم والتأخير

إذا اجتمع ضميران منصوبان أحدهما أعرف من الآخر فإن كانا متّصلين وجب تقديم الأعرف ، نحو : «الدرهم أعطيتكه» بتقديم الكاف على الهاء. وإن كان أحدهما منفصلا فلك الخيار عند أمن اللّبس ، نحو : «الدرهم أعطيتك إيّاه وأعطيته إيّاك» فلا يجوز في «زيد أعطيتك إيّاه» تقديم الغائب ، للّبس. (١)

٣ ـ نون الوقاية قبل ياء المتكلّم

تقدّم أنّ ياء المتكلّم من الضمائر المشتركة بين محلّي النصب والجرّ. فإن نصبها فعل ، وجب قبلها نون تسمّى نون الوقاية ، (٢) نحو : «أكرمني زيد» ، وقوله تعالى : «وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي».(٣) أمّا قول الشاعر :

عددت قومي كعديد الطّيس

إذ ذهب القوم الكرام ليسى (٤)

فضرورة.

وفي لزوم إلحاق نون الوقاية باسم الفعل خلاف. فذهب ابن هشام في أوضح المسالك إلى اللزوم والمحقّق الرضى رحمه‌الله في شرح الكافية إلى الجواز. وهذا الخلاف وقع في أفعل للتعجّب أيضا ، فذهب البصريّون إلى اللزوم والكوفيّون إلى الجواز.

__________________

(١). قال ابن مالك :

وفي اختيار لا يجيء المنفصل

إذا تأتّى أن يجيء المتّصل

وصل أو افصل هاء سلنيه وما

أشبهه في كنته الخلف انتمى

كذاك خلتنيه واتّصالا

أختار غيري اختار الانفصالا

وقدّم الأخصّ في اتّصال

وقدّمن ما شئت في انفصال

وفي اتّحاد الرّتبة الزم فصلا

وقد يبيح الغيب فيه وصلا

(٢). مذهب الجمهور أنّها إنّما سمّيت نون الوقاية لأنّها تقي الفعل من الكسرة. وقال ابن مالك : لأنّها تقي الفعل من التباسه بالاسم المضاف إلى ياء المتكلّم ، إذ لو قيل في «ضربني» : «ضربي» لا لتبس بالضرب وهو العسل الأبيض الغليظ ومن التباس أمر مؤنّثه بأمر مذكّره ، إذ لو قلت : «أكرمي» بدل «أكرمني» قاصدا مذكّرا لم يفهم المراد.

(٣). الصفّ (٦١) : ٥.

(٤). «العديد» : العدد. «الطيس» : الرمل الكثير ، العدد الكثير وكلّ ما خلق كثير النسل ، كالسمك والنمل.

٤١

وإن نصبها حرف فإن كان «ليت» وجب إتيان نون الوقاية عند المشهور ، نحو : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) ، (١) أمّا قول الشاعر :

كمنية جابر إذ قال : «ليتي»

أصادفه وأفقد جلّ مالي (٢)

فضرورة.

وقيل : «يجوز حذف النون اختيارا لكنّه نادر».

وإن كان «لعلّ» فحذف النون ـ نحو : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ)(٣) ـ أكثر من الإثبات ، كقول الشاعر :

فقلت : أعيراني القدوم لعلّني

أخطّ بها قبرا لأبيض ماجد (٤)

وفي أخوات «ليت» و «لعلّ» جاز الوجهان على السواء ، كقوله تعالى : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ) ، (٥) و «إِنِّي أَنَا رَبُّكَ». (٦) وقيل : «إنّ الحذف فيها أجود من الإثبات».

وإن خفضها حرف ، فإن كان «من» أو «عن» وجبت النون ، كقوله تعالى : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ، (٧) وقوله : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) ، (٨) إلّا في الضرورة ، كقول الشاعر :

أيّها السائل عنهم وعني

لست من قيس ولا قيس مني

وإن كان غيرهما امتنعت ، نحو : «لي».

وإن خفضها مضاف ، فإن كان «لدن» ـ بمعنى «عند» ـ أو «قط» أو «قد» ـ بمعنى «حسب» أي : «كاف» ـ فالغالب إثبات النون ، كقوله تعالى : «قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً».(٩) والحذف قليل عند المشهور وضرورة عند سيبويه.

__________________

(١). النساء (٤) : ٧٣.

(٢). «المنية» : ما يتمنّي ، وجابر اسم رجل كان يتمنّى لقاء زيد فلمّا تلاقيا ، قهره زيد وغلبه.

(٣). غافر (٤٠) : ٣٦.

(٤). «أعيراني» : أمر من العارية ، وهي أن تعطي غيرك ما ينتفع به مع بقاء عينه ، ثمّ يردّه إليك. «القدوم» : آلة للنّحت والنّجر.

(٥). طه (٢٠) : ١٤.

(٦). طه (٢٠) : ١٢.

(٧). البقرة (٢) : ٣٨.

(٨). البقرة (٢) : ١٨٦.

(٩). الكهف (١٨) : ٧٦.

٤٢

وإن كان المضاف غيرها امتنعت ، نحو : «كتابي». (١)

__________________

(١). قال ابن مالك :

وقبل يا النفس مع الفعل التزم

نون وقاية وليسي قد نظم

وليتني فشا وليتي ندرا

ومع لعلّ اعكس وكن مخيّرا

في الباقيات واضطرارا خفّفا

منّي وعنّي بعض من قد سلفا

وفي لدنّي لدني قلّ وفي

قدني وقطني الحذف أيضا قد يفي

٤٣

(٢)

العلم

هو الاسم الذي يعيّن مسمّاه تعيينا مطلقا ، أي بغير قيد ف «الاسم» جنس يشمل المعارف والنكرات و «يعيّن مسمّاه» فصل يخرج النكرات و «مطلقا» فصل آخر مخرج لما عدا العلم من المعارف فإنّه يعيّن مسمّاه إمّا بقيد لفظي وهو المعرّف بالصّلة و «ال» والمضاف إليه أو معنوي كاسم الإشارة ـ وهو يعيّن مسمّاه ما دام حاضرا ـ والمضمر وهو يعيّن مسمّاه بقيد التكلّم أو الخطاب أو الغيبة. (١)

ذهب المشهور إلى أنّ العلم على قسمين : علم شخص ـ وعرّفوه بالتعريف المتقدّم ـ وعلم جنس. وقالوا : إنّ علم الشخص له حكمان : معنوي ، وهو أن يراد به واحد بعينه ك «زيد» ؛ ولفظي ، كصحّة مجيء الحال بعده ، نحو : «جاء زيد ضاحكا» ومنعه من الصرف مع سبب آخر من أسباب منع الصرف ، نحو : «هذا أحمد» ومنع دخول «أل» التعريف عليه ؛ فلا تقول : «جاء الزيد».

وعلم الجنس كعلم الشخص في حكمه اللفظي فيأتي بعده الحال ويمنع من الصرف مع سبب آخر ، نحو : «هذا اسامة مقبلا» ، ولا يدخل عليه «ال» التعريف ، فلا

__________________

(١). قال ابن مالك :

اسم يعيّن المسمّى مطلقا

علمه ، ك «جعفر» وخرتقا

وقرن وعدن ولا حق

وشذقم وهيلة وواشق

قوله «اسم» مبتدأ و «يعيّن المسمّى» صفة له و «مطلقا» حال من فاعل «يعيّن» وهو الضمير المستتر و «علمه» خبر ، ويجوز أن يكون مبتدأ مؤخّرا و «اسم يعيّن المسمّى» خبرا مقدّما والتقدير : علم المسمّى اسم يعيّن المسمّى مطلقا. و «جعفر» : علم رجل ، و «خرنق» : علم امرأة ، و «قرن» : علم قبيلة ، و «عدن» : علم بلد ، و «لا حق» : علم فرس ، و «شذقم» : علم جمل ، و «هيلة» : علم شاة ، و «واشق» : علم كلب.

٤٤

تقول : «هذا الاسامة».

وحكم علم الجنس في المعنى كحكم النكرة ، من جهة أنّه لا يخصّ واحدا بعينه ، فكلّ أسد يصدق عليه أسامة. (١)

المفرد والمركّب

ينقسم العلم باعتبار اللفظ إلى مفرد ، نحو : «زيد» ، ومركّب وهو على ثلاثة أنواع :

١ ـ المركّب الإضافي ، نحو : «عبد الله». وحكمه أن يعرب الجزء الأوّل بحسب العوامل الداخلة عليه ويجرّ الثاني بالإضافة.

٢ ـ المركّب الإسنادي ، وذلك إذا صارت الجملة علما ، (٢) نحو : «تأبّط شرّا». وحكمه الحكاية على ما كان عليه قبل التسمية به ، تقول : «جاء تأبّط شرّا» و «رأيت تأبّط شرّا» و «مررت بتأبّط شرّا».

٣ ـ المركّب المزجي ، وهو ما ليس بإضافي ولا إسنادي. (٣) وحكم الجزء الأوّل أن

__________________

(١). أشار ابن مالك إلى علم الجنس بقوله :

ووضعوا لبعض الأجناس علم

كعلم الأشخاص لفظا وهو عم

من ذاك «أمّ عريط» للعقرب

وهكذا «ثعالة» للثّعلب

ومثله «برّة» للمبرّه

كذا «فجار» علم للفجره

أي : إنّ علم الجنس يشبه علم الشخص من جهة الأحكام اللفظيّة ، ويشبه النكرة من جهة المعنى ، لأنّ مدلوله شايع كمدلول النكرة لا يخصّ واحدا بعينه. فكلّ عقرب يصدق عليه «امّ عريط» وكلّ ثعلب يصدق عليه «ثعالة». وعلم الجنس يكون للشخص كما تقدّم ويكون للمعنى نحو : «برّة» للمبرّة و «فجار» للفجرة.

وقد يقال : إنّ علم الجنس أيضا يعيّن مسّماه تعيينا مطلقا لأنّه وضع للحقيقة الذهنية كما اشير باللام في نحو : «اشتر اللحم» إلى الحقيقة الذهنية.

(٢). سواء كانت الجملة فعليّة أو اسمية ـ نحو : «زيد منطلق» ـ كما صرّح به جماعة.

قال الاشموني : «ولم يرد من العرب علم منقول من مبتدأ وخبر لكنّه بمقتضى القياس جائز».

(٣). وعرّف جماعة من النحويين المركّب المزجي ب «كلّ اسم حاصل من تركيب كلمتين ليس بينهما نسبة أصلا ، لا في الحال ولا قبل التركيب». ولا يخفى أنّه يخرج بهذا القيد مثل خمسة عشر ، لأنّ بين جزئيه قبل التركيب نسبة العطف. اللهمّ إلّا أن يقال بأنّ التعريف ليس ناظرا بنحو «خمسة عشر» إذ يبحث عنه

٤٥

يفتح آخره ، ك «بعلبكّ» ، إلّا إذا كان ياء فيسكن ، ك «معدي كرب» وحكم الجزء الثاني أن يعرب إعراب ما لا ينصرف على الأفصح (١) إلّا إذا كان كلمة «ويه» فيبنى على الكسر ، ك «سيبويه» ، على الأفصح. (٢)

هذا إذا لم يتضمّن الثاني حرفا وإلّا بنيا على الفتح ك «أحد عشر» إلى «تسعة عشر» إلّا اثنى عشر فإنّ الجزء الأوّل منه معرب كالمثنّى.

المرتجل والمنقول

ينقسم العلم ـ باعتبار أصالته في العلميّة وعدم أصالته ـ إلى مرتجل ومنقول.

المرتجل : هو ما وضع من أوّل الأمر علما ولم يستعمل قبل ذلك في غير العلميّة ، نحو : «سعاد» ، علم امرأة.

المنقول : هو ما وضع أوّلا لغير العلميّة ثمّ نقل إلى العلميّة. والنقل إمّا من مصدر ، ك «فضل» أو اسم عين ، ك «أسد» أو صفة ، ك «حارث» أو فعل ك «شمّر» لفرس أو من جملة ، ك «تأبّط شرّا». وذهب بعض النحويين ـ كالسيوطي ـ إلى أنّ من العلم ما ليس بمنقول ولا مرتجل وهو الذي علميّته بالغلبة.

واجيب بأنّه منقول بوضع تنزيلي ، لأنّ غلبة استعمال المستعملين بمنزلة الوضع منهم. (٣)

__________________

في باب العدد ، فافهم.

وعرّفه جماعة اخرى ب «كلّ اسمين جعلا اسما واحدا منزلا ثانيهما من الأوّل منزلة تاء التأنيث ممّا قبلها». قيل : «أي في فتح ما قبلها». واعترض بأنّه لا يشمل نحو : «معدي كرب».

واجيب بأنّه لو جعل وجه التنزيل لزوم ما قبلها حالة واحدة في أحوال الإعراب الثلاثة وجريان حركات الإعراب ولو محلا لم يتّجه هذا الاعتراض.

(١). وفي هذا القسم من المركّب لغات اخر :

أ : بناء الجزء الثاني على الفتح كالأوّل.

ب : إعراب الجزئين وإضافة الأوّل إلى الثاني ومنع صرف الثاني.

ج : إعراب الجزئين وإضافة الأوّل إلى الثاني وصرف الثاني.

(٢). وفيه لغتان اخريان : إعرابه إعراب ما لا ينصرف وبناؤه على الفتح.

(٣). قال ابن مالك :

ومنه منقول كفضل وأسد

وذو ارتجال ك «سعاد» و «ادد»

٤٦

الاسم والكنية واللقب

ينقسم العلم باعتبار أن يدلّ على المسمّى فقط أو يقصد به المدح أو الذمّ أيضا إلى اسم وكنية ولقب.

الكنية : وهي ما صدّر ب «أب» أو «أمّ». وزاد المحقّق الرضي رحمه‌الله : «أو ابن أو بنت». وزاد جماعة : «أو أخ أو أخت أو عمّ أو خال أو خالة».

اللقب : وهو ما أشعر بمدح أو ذمّ ، نحو : «فخر الدين» و «قفّة». (١)

الاسم : هو ما ليس كنية ولا لقبا.

وإذا اجتمع الاسم واللقب يؤخّر اللّقب. (٢) وعلّله ابن مالك بأنّ اللّقب منقول من اسم غير انسان في الغالب ك «بطّة» و «قفّة» ، فلو قدّم لأوهم السامع أنّ المراد مسمّاه الأصلي وذلك مأمون بتأخيره. (٣)

قال الصبّان : ويستفاد من هذا التعليل أنّه إذا انتفى ذلك الإيهام ـ كما إذا اشتهر المسمّى باللقب ـ جاز تقديمه. وهو كذلك ، نحو قوله تعالى : «الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ».(٤)

وإذا اجتمع اللقب والكنية ، فالّذي ذكروه جواز تقديمه عليها. وقد يقال : «إنّ مقتضى التعليل المذكور امتناع تقديمه عليها أيضا».

__________________

وجملة وما بمزج ركّبا

ذا إن بغير «ويه» تمّ اعربا

وشاع في الأعلام ذو الإضافة

ك «عبد شمس» و «أبي قحافه»

(١). قال المحقّق الرضي رحمه‌الله في شرح الكافية (٢ / ١٣٩): «والفرق بينه وبين الكنية معنى أنّ اللقب يمدح الملقّب به أو يذمّ بمعنى ذلك اللفظ بخلاف الكنية فإنّه لا يعظّم المكنّى بمعناها بل بعدم التصريح بالاسم فإنّ بعض النفوس تأنف أن تخاطب باسمها ، وقد تكنّى الشخص بالأولاد الّذين له ك «أبي الحسن» لأمير المؤمنين عليه‌السلام وقد يكنى في الصغر تفاؤلا لأن يعيش حتّى يصير له ولد اسمه ذاك». فتأمّل.

(٢). هذا إذا لم يكن اجتماعهما على سبيل إسناد أحدهما إلى الآخر وإلّا اخّر المحكوم به فإذا قيل : «من فخر الدين؟» فأجبت «فخر الدين زيد».

(٣). وعلّله المحقّق الرضي رحمه‌الله بأنّ اللقب أشهر ؛ لأنّ فيه العلميّة مع شيء آخر من معنى النعت فلو اتي به أوّلا لأغنى عن الاسم فلم يجتمعا.

(٤). «وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله». النساء (٤) : ١٥٧. راجع : حاشية الصبّان على شرح الاشموني : ١ / ١٢٨.

٤٧

نعم ، تقديم الكنية على الاسم وعكسه سواء.

ثمّ إن كان الاسم واللقب مفردين وجب عند البصريّين الإضافة ، نحو : «هذا سعيد كرز». وأجاز الكوفيّون الإتباع. ومعلوم على الأوّل أنّ وجوب الإضافة إذا لم يكن مانع منها وإلّا وجب الإتباع ، نحو : «جاء الحارث كرز».

وإن لم يكونا مفردين ـ بأن كانا مركّبين ، نحو : «هذا عبد الله فخر الدّين» أو مركبا ومفردا ، نحو : «هذا زيد فخر الدّين» و «هذا عبد الله كرز» ـ امتنعت الإضافة ويتبع الثاني للأوّل بدلا أو بيانا ، ويجوز القطع إلى الرفع بإضمار «هو» وإلى النصب بإضمار «أعني». (١)

__________________

(١). فتقول على الإتباع : «جائني عبد الله فخر الدين» و «رأيت عبد الله فخر الدين» و «مررت بعبد الله فخر الدين» ، وإن شئت قطعت من الرفع إلى النصب ومن النصب إلى الرفع ومن الجرّ إلى الرفع والنصب.

قال ابن مالك :

واسما أتى وكنية ولقبا

وأخّرن ذا إن سواه صحبا

قال السيوطي : «المراد ب «سواه» : «الاسم» كما وجد في بعض النسخ «إن سواها» وصرّح به في التسهيل». وأبقى جماعة من النحويين قول ابن مالك «سواه» على عمومه نظرا إلى مقتضى تعليله في منع تقديم اللقب على الاسم.

وإن يكونا مفردين فأضف

حتما وإلّا أتبع الذي ردف

٤٨

(٣)

اسم الإشارة

اسم الإشارة ما وضع ليدلّ على مسمّاه بإشارة إليه.

والمشار إليه إمّا واحد أو اثنان أو جماعة وكلّ واحد منها إمّا مذكّر وإمّا مؤنث.

فللمفرد المذكّر «ذا». وللمفرد المؤنث «ذي ، ذه ، ذه ، تي ، ته ، ته ، تا وذات». وللمثنّى المذكّر «ذان» ـ رفعا ـ و «ذين» ـ نصبا وجرّا ـ وللمثنّى المؤنّث «تان» ـ رفعا ـ و «تين» ـ نصبا وجرّا (١) ـ وللجمع المذكّر والمؤنث «اولاء» عند الحجازيّين و «اولى» عند بني تميم.

مراتب اسم الإشارة

ذهب الجمهور إلى أنّ المشار إليه إمّا قريب أو متوسّط أو بعيد.

فألفاظ الإشارة المتقدّمة ـ من غير زيادة الكاف واللام ـ تكون للقريب.

ومع زيادة الكاف (٢) تكون للمتوسّط ، تقول : ذاك ، ذانك أو ذينك ، أولئك ، تاك ، (٣) تانك أو تينك ، اولئك. قال تعالى : «فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ».(٤)

__________________

(١). يجوز في تثنية «ذا وتا» تشديد النون ـ عوضا من الياء المحذوفة ـ فتقول : «ذانّ وتانّ» ، وكذلك مع الياء ـ على رأي الكوفيّين ـ فتقول : «ذينّ وتينّ».

(٢). هي حرف خطاب وتتصرّف تصرّف الكاف الاسمية غالبا ليتبيّن بها أحوال المخاطب من الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، فتفتح للمخاطب وتكسر للمخاطبة وتتّصل بها علامة التثنية والجمع ، فتقول : «ذاك وذاك وذاكما وذاكم وذاكنّ». ومن غير الغالب أن تفتح في التذكير وتكسر في التأنيث ولا يلحقها علامة التثنية ولا جمع ودون هذا أن تفتح مطلقا.

(٣). هذه الكاف لا تلحق أسماء الإشارة المختصة بالمفردة المؤنثة إلّا ثلاثة منها وهي : «تي ، تا ، ذي».

(٤). القصص (٢٨) : ٣٢.

٤٩

ومع زيادة الكاف واللام ـ في غير المثنّى ـ والكاف وتشديد النون (١) ـ في المثنّى ـ تكون للبعيد ، تقول : ذلك ، ذانّك أو ذينّك ، أولالك ، (٢) تلك ، تانّك أو تينّك ، أولالك. (٣) قال تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) ، (٤) و «تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا». (٥)

وذهب جماعة ـ كابن مالك ـ إلى أنّ المشار إليه إمّا قريب أو بعيد ، (٦) وقالوا : «إنّ أسماء الإشارة المجرّدة من الكاف واللام للقريب والمقترنة بهما أو بالكاف وحدها للبعيد».

وتتّصل «ها» التنبيه بأسماء الإشارة المجرّدة من الكاف واللام كثيرا ، نحو : «هذا» وبالمقترنة بالكاف وحدها قليلا ، نحو : «هذاك» ، ولا تتّصل بالمقترنة باللام ، فلا يقال : «هذالك».

اعلم أنّ الألفاظ المتقدّمة تشار بها إلى المكان وغيره ، وفي كلام العرب ألفاظ تختصّ بالإشارة إلى المكان. فيشار ب «هنا» أو «هاهنا» إلى المكان القريب وب «هناك» أو «هاهناك» إلى المتوسط وب «هنالك» أو «هنّا» أو «هنّا» أو «هنّت» أو «هنّت» أو «ثمّ» أو «ثمّة» إلى البعيد. قال تعالى : (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) ، (٧) و «هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ». (٨)

__________________

(١). قال المبرّد : «تشديد النون في المثنّى بدل من اللّام». وقال غيره : «إنّ التشديد عوض من الألف المحذوفة في الواحد». وهذا أولى لأنّهم قالوا أيضا في تثنية الذي والّتي : «اللّذان واللّتان» مشدّدتي النون عوضا من الياء المحذوفة وأيضا لو كان التشديد عوضا من اللّام لم يقل : «هذانّ» بالتشديد مع «ها» ، كما لا يقال «هذا لك».

(٢). ولا يدخل اللام في الجمع في لغة الحجازيين ، فلا يقال : «اولاءلك» ، بل تقولون : «اولئك».

(٣). قال الخضري : «ويضعّف قول الجمهور أنّ اللّام تمتنع في المثنى واولاء فبما ذا يدلّ على البعد حينئذ؟ وتشديد النون والمدّ لا يصلحان له لوجودهما بدون الكاف أيضا ، مع أنّ لغة تميم ترك اللام مطلقا».

(٤). البقرة (٢) : ٢.

(٥). مريم (١٩) : ٦٣.

(٦). ولا فرق أن يكون البعد قليلا أو كثيرا.

(٧). الحاقّة (٦٩) : ٣٥.

(٨). آل عمران (٣) : ٣٨.

٥٠

والخلاف فى مراتب اسم الإشارة يأتي هنا أيضا. (١)

__________________

(١). قال ابن مالك :

بذا لمفرد مذكّر أشر

بذي وذه تي تا على الانثى اقتصر

وذان تان للمثنّى المرتفع

وفي سواه ذين تين اذكر تطع

وباولى أشر لجمع مطلقا

والمدّ أولى ولدى البعد انطقا

بالكاف حرفا دون لام أو معه

واللّام إن قدّمت ها ممتنعه

وبهنا أو هاهنا أشر إلى

داني المكان وبه الكاف صلا

في البعد أو ب «ثمّ» فه أو «هنّا»

أو ب «هنالك» انطقن أو «هنّا»

تنبيه :

قال جماعة ـ كالمحقّق الرضي رحمه‌الله وابن مالك ـ : قد يراد ب «هناك» و «هنالك» و «هنّا» الزمان ، نحو قوله تعالى : «هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ». (الكهف (١٨) : ٤٤). أي : حينئذ. وقول الشاعر :

وإذا الامور تشابهت وتعاظمت

فهناك يعترفون أين المفزع

أي : في وقت تشابه الامور. وقول الآخر :

«حنّت نوار ولات هنّا حنّت ...»

قالوا : إنّ «لات» مهملة ، لتقدّم الخبر وهو «هنّا» على المبتدأ ، و «حنّت» فعل ماض ، قبله «أن» مقدّرة ، والمصدر المؤوّل مبتدأ ، يعني : اشتاقت نوار ـ وهي اسم امرأة ـ ولات في هذا الوقت حنين ، أي اشتياق.

٥١

(٤)

الموصول (١)

هو اسم وضع ليدلّ على مسمّاه بسبب صلة تذكر بعده وهي جملة أو شبهها ، نحو : «جاءني الذي أكرمته» و «جاءني الذي في الدار».

الموصول المختصّ والمشترك

الموصول على قسمين : مختصّ ومشترك.

المختصّ : ما يختصّ بالمفرد أو المثنّى أو الجمع والمذكّر أو المؤنث. فللمفرد المذكر «الّذي» وللمفرد المؤنث «الّتي» ولتثنيتهما «اللّذان واللّتان» ـ رفعا ـ و «اللّذين واللّتين» ـ نصبا وجرّا ـ ولجمع المذكّر «الالى» و «الّذين» ولجمع المؤنث «اللّات و

__________________

(١). المقصود من الموصول هنا هو الموصول الاسمي الذي يكون من المعارف. وهناك قسم آخر من الموصول يسمّى بالموصول الحرفي وهو كلّ حرف اوّل مع صلته بمصدر وهو : أن ، أنّ ، لو ، ما ، كي.

ف «أن» توصل بالفعل المتصرّف ماضيا ، نحو : «عجبت من أن قام زيد» ومضارعا ، نحو : «عجبت من أن يقوم زيد» وأمرا ، نحو : «كتبت إليه بأن قم».

و «أنّ» توصل باسمها وخبرها ، نحو : «عجبت من أنّ زيدا قائم».

و «لو» توصل بالماضي ، نحو : «وددت لو قام زيد» والمضارع ، نحو : «وددت لو يقوم زيد» وأكثر وقوعها بعد ما يفيد التمنّي ك «ودّ».

و «ما» توصل بالماضي ، نحو : «عجبت ممّا ضربت زيدا» والمضارع ، نحو : «عجبت ممّا تضرب زيدا» وبجملة اسميّة ، نحو : «عجبت ممّا زيد قائم» ، وهو قليل.

وتكون مصدرية زمانية ، أي يقدّر الزمان قبلها ، نحو : «لا أصحبك ما دمت منطلقا» ، أي مدّة دوام انطلاقك ، وغير زمانية كما مثّل.

و «كي» توصل بالمضارع فقط ، نحو : «جئت لكي تكرم زيدا».

٥٢

اللّاتي واللّاء واللّائي واللّوائي». (١)

وهذه الألفاظ تستعمل للعاقل وغيره إلّا «الذين» فإنّه يختصّ بالعاقل. (٢)

وأمّا الموصول المشترك فهو ما يستعمل للواحد والمثنّى والجمع مذكّرا ومؤنّثا بلفظ واحد وألفاظه ستّة : من ، ما ، أيّ ، ال ، ذو ، ذا.

١ ـ «من» : وهي تكون للعاقل غالبا ، نحو قوله تعالى : «وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ».(٣) وقد تكون لغيره كما إذا نزّل منزلته ، نحو :

أسرب القطا هل من يعير جناحه

لعلّي إلى من قد هويت أطير (٤)

أو اجتمع مع العاقل ، نحو قوله تعالى : (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ)(٥) أو اقترن بالعاقل في

__________________

(١). تنبيهات :

الأوّل : قد يشدّد نون «اللّذان واللّتان» ـ عوضا من الياء المحذوفة ـ فيقال : «اللّدانّ واللّتانّ» ، وقد قرىء «واللذان يأتيانها منكم» ، النساء (٤) : ١٦. ويجوز التشديد أيضا مع الياء ـ وهو مذهب الكوفيّين ـ فيقال : «اللّذينّ واللّتينّ» ، وقد قرىء : «ربنا أرنا اللذين». فصّلت (٤١) : ٢٩.

الثاني : قد يحذف النون من اللّذين واللّتين ، كقول الشاعر :

أبني كليب إنّ عمّيّ اللّذا

قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا

وقول آخر :

هما اللّتا لو ولدت تميم

لقيل فخر لهم صميم

الثالث : بعض العرب يقول : «اللّذون» في الرفع ، ومنه قول الشاعر :

نحن اللّذون صبّحوا الصّباحا

يوم النّخيل غارة ملحاحا

(٢). قال ابن مالك :

موصول الأسماء الذي الانثى الّتي

واليا إذا ما ثنّيا لا تثبت

بل ما تليه أوله العلامة

والنون إن تشدد فلا ملامه

والنون من ذين وتين شدّدا

أيضا وتعويض بذاك قصدا

جمع الذي الألى الّذين مطلقا

وبعضهم بالواو رفعا نطقا

باللات واللّاء التي قد جمعا

واللّاء كالّذين نزرا وقعا

(٣). الرّعد (١٣) : ٤٣.

(٤). السّرب : الجماعة ، والقطا : طائر في حجم الحمام ، والهمزة في «أسرب» حرف نداء ، وهويت بمعنى أحببت.

(٥). الحجر (١٥) : ٢٠.

٥٣

عموم واريد التفصيل ، كقوله تعالى : «وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ».(١)

٢ ـ «ما» : وهي تكون لغير العاقل غالبا ، نحو قوله تعالى : «ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ».(٢) وقد تكون للعاقل كقوله تعالى : «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ».(٣)

٣ ـ «ال» : (٤) وهي تكون للعاقل وغيره ، نحو قوله تعالى : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ)(٥) وقوله تعالى : «وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ* وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ».(٦)

٤ ـ «ذو» : عند طيّىء ، نحو :

فإنّ الماء ماء أبي وجدّي

وبئري ذو حفرت وذو طويت

وتكون للعاقل وغيره.

والمشهور عندهم بناؤها وإفرادها للمذكّر والمؤنث مفردا ومثنّى ومجموعا ، تقول : «جاءني ذو قام وذو قاما ...». (٧)

٥ ـ «ذا» : وتكون للعاقل وغيره ، وشرطها أن تكون مسبوقة ب «ما» أو «من» الاستفهاميتين ، وألّا تكون ملغاة وذلك بأن تجعل مع «ما» أو «من» كلمة واحدة للاستفهام أو تقدّر زائدة ، وألّا تكون للإشارة. نحو :

ألا تسألان المرء ما ذا يحاول

أنحب فيقضى أم ضلال وباطل (٨)

__________________

(١). النّور (٢٤) : ٤٥.

(٢). النّحل (١٦) : ٩٦.

(٣). النساء (٤) : ٣.

(٤). اعلم أنّ عدّ «ال» من الموصولات الاسمّية مذهب الجمهور. وقال المازني : «إنّها موصول حرفي» ، وقال الأخفش : «حرف تعريف».

(٥). الحديد (٥٧) : ١٨.

(٦). الطّور (٥٢) : ٥ و ٦.

(٧). قال المحقّق الرضي رحمه‌الله : «في «ذو» الطائيّة أربع لغات : أشهرها عدم تصرّفها مع بنائها ، والثانية : «ذو» للمفرد المذكّر ومثنّاه ومجموعه ، و «ذات» للمفرد المؤنث ومثنّاه ومجموعه والثالثة : وهي كالثانية إلّا أنّه يقال لجمع المؤنث : «ذوات» والرابعة : تصريفها تصريف «ذو» بمعنى صاحب مع إعراب جميع متصرّفاتها حملا للموصولة على التي بمعنى صاحب. وكلّ هذه اللغات طائيّة». شرح الكافية : ٢ / ٤١ و ٤٢.

(٨). النّحب : النذر. ومعنى الشعر : ألا تسئلان المرء ما ذا يطلبه باجتهاده في امور الدّنيا؟ أنذر أوجبه على نفسه فهو يسعى في قضائه أم هو ضلال وباطل.

٥٤

بخلاف ما إذا الغيت ، نحو : «لماذا جئت؟» أو كانت للإشارة ، نحو : «ما ذا التواني؟».

ولم يشترط الكوفيّون تقدّم «ما» أو «من» مستدلّين بقول الشاعر :

عدس ما لعبّاد عليك إمارة

أمنت وهذا تحملين طليق (١)

واجيب بأنّ «هذا طليق» جملة اسميّة و «تحملين» حال ، أي : محمولا.

٦ ـ «أيّ» : وتكون للعاقل وغيره ، نحو : «يعجبني أيّهم هو قائم». ولها أربعة أحوال :

أحدها : أن تضاف ويذكر صدر صلتها ، نحو : «يعجبني أيّهم هو قائم».

الثاني : أن لا تضاف ولا يذكر صدر صلتها ، نحو : «يعجبني أيّ قائم».

الثالث : أن لا تضاف ويذكر صدر صلتها ، نحو : «يعجبني أيّ هو قائم».

وفي هذه الأحوال الثلاثة تكون معربة بالحركات.

الرابع : أن تضاف ويحذف صدر صلتها ، نحو : «يعجبني أيّهم قائم». وفي هذه الحالة تبنى على الضمّ ، وعليه قوله تعالى : «ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا».(٢)

وبعض النحويين ـ كالخليل ويونس ـ أعرب «أيّا» وإن أضيفت وحذف صدر صلتها وقد قرىء شاذّا في الآية السابقة بالنصب وأوّلت قراءة الضمّ على الحكاية ، أي : «الّذي يقال فيه أيّهم أشدّ».

الصّلة وأحكامها

تفتقر الموصولات إلى صلة متأخّرة عنها مشتملة على ضمير مطابق لها يسمّى العائد.

والصلة إمّا جملة وإمّا شبهها.

١ ـ الجملة ، وشرطها أن تكون خبريّة معهودة للمخاطب إلّا في مقام التهويل والتفخيم فيحسن إبهامها. فالمعهودة نحو : «جاء الذي قام أبوه» والمبهمة نحو قوله تعالى : (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ)(٣) و «فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى». (٤)

__________________

(١). عدس : هو في الأصل صوت يزجر به البغل وقد يسمّى البغل به. وتقديره : «يا عدس». والإمارة : الحكم ، والطليق : مطلق من الحبس.

(٢). مريم (١٩) : ٦٩.

(٣). طه (٢٠) : ٧٨.

(٤). النّجم (٥٣) : ١٠.

٥٥

٢ ـ شبه الجملة ، وهو الظرف والجارّ والمجرور التامّان ، (١) نحو : «جاء الذي عندك» و «جاء في الدّار» والصّفة الصريحة ، أي : خالصة للوصفيّة ، (٢) كاسمي الفاعل والمفعول. وتختصّ هذه بالألف واللام ، نحو : «جاء الضارب زيدا». (٣)

حذف العائد

يجوز حذف العائد المرفوع إذا كان مبتدأ مخبرا عنه بمفرد ، نحو قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) ، (٤) أي : هو معبود في السماء. فلا يحذف في نحو : «جاء اللذان قاما» ، لأنّه غير مبتدأ ولا في نحو : «جاء الذي هو يقوم» ، لأنّ الخبر غير مفرد فإذا حذف الضمير لم يدلّ دليل على حذفه ، إذ الباقي بعد الحذف صالح لأن يكون صلة كاملة. ويشترط لحذف العائد في صلة غير «أيّ» أن تطول الصّلة ، (٥) فإن لم تطل فالحذف قليل ، نحو قول الشاعر :

من يعن بالحمد لا ينطق بما سفه

ولا يحد عن سبيل المجد والكرم (٦)

أي : بما هو سفه. وأجازه الكوفيون قياسا.

ويجوز حذف العائد المنصوب إن كان متّصلا وناصبه فعل أو وصف غير صلة الألف واللام ، نحو : قوله تعالى : (وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ)(٧) وقول الشاعر :

__________________

(١). بخلاف الناقصتين وهما اللذان لا تتمّ بهما الفائدة ، فلا يقال : «جاء الذي اليوم» ولا «جاء الذي بك».

(٢). بخلاف غير الخالصة وهي التي غلبت عليها الاسميّة ك «أبطح».

(٣). قال ابن مالك :

وكلّها يلزم بعدها صله

على ضمير لائق مشتمله

وجملة أو شبهها الذي وصل

به ك «من عندي الذي ابنه كفل»

وصفة صريحة صلة ال

وكونها بمعرب الأفعال قلّ

(٤). الزخرف (٤٣) : ٨٤.

ولا يجوز تقدير «إله» مبتدأ مخبرا عنه بالظرف أو فاعلا بالظرف لخلوّ الصّلة من العائد.

(٥). حيث إنّ «أيّ» الموصولة ملازمة للإضافة لفظا أو تقديرا ، جعلوا ذلك بمنزلة طول الصلة.

(٦). يعن : يهتمّ ، و «يحد» : من «حاد عن الطريق» إذا مال وعدل عنه. وهو مجزوم عطفا على «لا ينطق».

(٧). التغابن (٦٤) : ٤.

٥٦

ما الله موليك فضل فاحمدنه به

فما لدى غيره نفع ولا ضرر

أي : الذي الله موليكه ومعطيكه فضل.

بخلاف «جاء الذي إيّاه أكرمت» و «جاء الذي إنّه فاضل» و «جاء الضّاربه زيد».

وحذف منصوب الفعل كثير ومنصوب الوصف قليل.

ويجوز حذف العائد المجرور بالإضافة إن كان المضاف وصفا بمعنى الحال أو الاستقبال ، نحو قوله تعالى : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) ، (١) أي : «قاضيه» ، بخلاف «جاء الذي أنا غلامه» و «جاء الذي أنا ضاربه أمس».

ويجوز حذف العائد المجرور بالحرف إذا تعيّن ذلك الحرف ، (٢) كما إذا جرّ الموصول أو موصوفه بحرف جرّ مثله في المعنى وتماثل المتعلّقان ، نحو : «مررت بالّذي مررت» و «مررت بزيد مررت» ، أي : به. (٣)

__________________

(١). طه (٢٠) : ٧٢.

(٢). اشترط التعيّن لأنّه لا بدّ بعد حذف المجرور من حذف الجارّ أيضا فينبغي أن يتعيّن حتّى لا يلتبس بعد الحذف بغيره.

(٣). راجع : شرح الكافية للمحقّق الرضي رحمه‌الله (٢) : ٤٢.

قال ابن مالك :

ومن وما أيضا تساوي ما ذكر

وهكذا ذو عند طيّىء شهر

وكالّتي أيضا لديهم ذات

وموضع اللّاتي أتى ذوات

ومثل ما «ذا» بعد ما استفهام

أو من إذا لم تلغ في الكلام

أيّ ك «ما» واعربت ما لم تضف

وصدر وصلها ضمير انحذف

وبعضهم أعرب مطلقا وفي

ذا الحذف أيّا غير أيّ يقتفي

إن يستطل وصل وإن لم يستطل

فالحذف نزر وأبوا أن يختزل

إن صلح الباقي لوصل مكمل

والحذف عندهم كثير منجلي

في عائد متّصل إن انتصب

بفعل أو وصف ك «من نرجو يهب»

كذاك حذف ما بوصف خفضا

ك «أنت قاض» بعد أمر من قضى

كذا الذي جرّ بما الموصول جر

ك «مرّ بالّذي مررت فهو بر»

٥٧

(٥)

المعرّف ب «ال» (١)

تنقسم «ال» المفيدة للتعريف إلى نوعين : عهديّة وجنسيّة.

فالعهديّة إمّا أن يكون مصحوبها معهودا ذكريّا ، نحو قوله تعالى : «كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً* فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ».(٢) أو معهودا ذهنيّا ، كقوله تعالى : (إِذْ هُما فِي الْغارِ) ، (٣) أو معهودا حضوريا ، نحو قوله تعالى : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ».(٤)

والجنسيّة إمّا لاستغراق الأفراد وهي التي تخلفها «كلّ» حقيقة ، نحو : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ، (٥) أو لاستغراق خصائص الأفراد وهي التي تخلفها «كلّ» مجازا ، نحو : «أنت الرّجل علما» ، أي : كلّ رجل من جهة العلم. أو لتعريف الماهية وهي التي لا تخلفها «كلّ» لا حقيقة ولا مجازا ، نحو قوله تعالى : «وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ». (٦)

__________________

(١). اعلم أنّ «ال» إمّا اسميّة أو حرفيّة. فالاسميّة هي الموصولة وتقدّمت. والحرفيّة إمّا مفيدة للتعريف ، نحو : «جاءني الرجل» أو زائدة ، نحو قول الشاعر :

رأيتك لمّا أن عرفت وجوهنا

صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو

وقد تدخل «ال» على العلم المنقول للمح أصله ، كالحارث ، وهذا سماعي ، فلا يجوز في نحو : «محمّد». وذهب جماعة من النحويين إلى أنّها زائدة لعدم إفادتها التعريف.

(٢). المزّمّل (٧٣) : ١٥ و ١٦.

(٣). التوبة (٩) : ٤٠.

(٤). المائدة (٥) : ٣.

(٥). العصر (١٠٣) : ٢ و ٣.

(٦). الأنبياء (٢١) : ٣٠.

قال ابن مالك :

ال حرف تعريف أو اللام فقط

فنمط عرّفت قل فيه : «النّمط»

اختلفوا في «ال التعريف» ؛ هل هي بجملتها حرف تعريف أو اللّام وحدها؟ فالخليل على الأوّل والجمهور على الثاني. وإذا أردت تعريف «نمط» ، فقل فيه : «النمط».

٥٨

(٦)

المضاف إلى معرفة

إذا اضيفت نكرة إلى معرفة ـ إضافة معنويّة ـ صارت معرفة ، نحو : «كتابي». وتفصيل البحث في باب الإضافة.

__________________

وقد تزاد لازما كاللّات

والآن والذين ثمّ اللّاتي

ولاضطرار كبنات الأوبر

كذا وطبت النفس يا قيس السّري

يريد : أنّ «ال» قد تكون زائدة وهي على نوعين : لازمة وغير لازمة.

فاللّازمة ك «اللّات» وهو اسم صنم كان بمكّة و «الآن» وهو اسم للزمان الحاضر وكالموصولات التي دخلت عليها «ال» نحو : «الّذين» و «اللّاتى».

وغير اللّازمة ، ك «بنات الأوبر» في قول الشاعر :

ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا

ولقد نهيتك عن بنات الأوبر

أراد به : «بنات أوبر» وهو علم لضرب من الكمأة.

ومثل : «وطبت النفس» في قول الشاعر :

رأيتك لمّا أن عرفت وجوهنا

صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو

أراد : «نفسا» ، ف «ال» زائدة في التمييز بناء على أنّه لا يكون إلّا نكرة.

ثمّ قال ابن مالك :

وبعض الأعلام عليه دخلا

للمح ما قد كان عنه نقلا

كالفضل والحارث والنّعمان

فذكر ذا وحذفه سيّان

يريد : أنّ بعض الأعلام المنقولة دخل عليه «ال» للمح أصله ، كالفضل و... فذكر «أل» وحذفه سيّان بالنسبة إلى التعريف.

وقد يصير علما بالغلبه

مضاف أو مصحوب ال كالعقبه

وحذف ال ذي إن تناد أو تضف

أوجب وفي غيرهما قد تنحذف

يريد : أنّ المضاف أو مصحوب ال قد يصير علما بالغلبة ، ك «ابن عبّاس» لعبد الله بن عبّاس و «العقبة» وهي في الأصل اسم لكلّ طريق صاعد في الجبل ثمّ اختصّ بعقبة منى التي تضاف إليها الجمرة فيقال : «جمرة العقبة».

ثمّ الذي صار علما بغلبة الإضافة ، فإنّ الإضافة لا تفارقه في نداء وغيره. أمّا «ال» هذه فإنّها زائدة لازمة إلّا في نداء أو إضافة فيجب حذفها ، نحو : «يا أعشى» و «هذه مدينة الرسول صلىّ الله عليه وآله». وقد تحذف في غيرهما بقلّة ، نحو : «هذا عيّوق طالعا».

٥٩

المبتدأ والخبر

المبتدأ : اسم مجرّد من العوامل اللفظيّة غير المزيدة مخبرا عنه أو وصفا رافعا لمكتفى به. (١)

فالاسم يعمّ الصريح ، نحو : «الله ربّنا» والمؤوّل ، نحو قوله تعالى : «وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ».(٢) ولفظ «مجرّد من العوامل اللفظيّة» يخرج نحو الفاعل واسم «كان». ولفظ «غير المزيدة» يدخل نحو : «بحسبك درهم» و (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) ، (٣) ولفظ «مخبرا عنه» يخرج أسماء الأفعال. وتقييد الوصف بكونه رافعا لمكتفى به يخرج نحو : «قائم» من «أقائم أبوه زيد».

وذهب البصريّون ـ إلّا الأخفش ـ إلى أنّ هذا الوصف لا يكون مبتدأ إلّا إذا اعتمد على نفي أو استفهام ، نحو : «أقائم الزيدان» و «ما قائم الزيدان».

وذهب الأخفش والكوفيّون إلى عدم اشتراط ذلك ، فأجازوا نحو : «قائم الزيدان». ف «قائم» مبتدأ و «الزيدان» فاعل سدّ مسدّ الخبر.

ثمّ إنّ الوصف مع ما بعده إمّا أن يتطابقا إفرادا وتثنية وجمعا أو لا يتطابقا.

فإن تطابقا إفرادا ، نحو : «أقائم زيد» جاز فيه وجهان. أحدهما : أن يكون الوصف مبتدأ وما بعده فاعلا سدّ مسدّ الخبر ، والثاني : أن يكون الوصف خبرا مقدما وما بعده مبتدأ مؤخّرا.

وإن تطابقا تثنية ، نحو : «أقائمان الزيدان» أو جمعا ، نحو : «أقائمون الزيدون» فالوصف خبر مقدّم وما بعده مبتدأ مؤخّر.

__________________

(١). سواء كان ظاهرا ، نحو : «أقائم الزيدان؟» أو ضميرا منفصلا ، نحو قول الشاعر :

خليليّ ما واف بعهدي أنتما

إذا لم تكونا لي على من اقاطع

(٢). البقرة (٢) : ١٨٤.

(٣). فاطر (٣٥) : ٣.

٦٠