القواعد النحويّة

السيد قاسم الحسيني الخراساني ومحمود الملكي الإصفهاني

القواعد النحويّة

المؤلف:

السيد قاسم الحسيني الخراساني ومحمود الملكي الإصفهاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مديرية العامة للحوزة العلمية في قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

واسم الفعل بمعنى الأمر من الرباعي ـ ك «قرقار» بمعنى قرقر ـ شاذّ.

وما كان بمعنى الماضي أو المضارع قليل ، نحو : «هيهات» بمعنى بعد و «وشكان» و «سرعان» بمعنى سرع و «بطآن» بمعنى بطؤ و «وي» و «وا» و «واها» بمعنى أعجب و «افّ» بمعنى أتضجّر.

واسم الفعل على قسمين :

أحدهما : مرتجل : وهو ما وضع من أوّل الأمر كذلك ، ك «شتّان».

الثاني : منقول : وهو ما وضع من أوّل الأمر لغير اسم الفعل ثمّ نقل إليه ، وهو نوعان :

١ ـ منقول من ظرف أو جارّ ومجرور ، نحو : «عليك» بمعنى الزم و «إليك» بمعنى : تنحّ ، و «دونك» بمعنى خذ ، و «أمامك» بمعنى : تقدّم و «مكانك» بمعنى : أثبت.

٢ ـ منقول من مصدر استعمل فعله أو اهمل.

فالأوّل نحو : «رويد زيدا». أصله : أرود زيدا إروادا بمعنى : أمهله إمهالا ثمّ صغّروا الإرواد تغصير الترخيم وأقاموه مقام فعله ، فبنوه على الفتح.

والثاني نحو «بله زيدا» ، أي : دعه. ف «بله» في الأصل مصدر فعل مهمل مرادف ل «دع» ، ثمّ سمّي به الفعل وبني.

وقد يستعمل «رويد» و «بله» مصدرين على الأصل فكانا معربين بالنصب وما بعد هما مجرور بالإضافة ، أو منصوب : نحو : «رويد زيد» ، أي : إمهال زيد و «بله عمرو» ، أي : ترك عمرو ، ونحو : «رويدا زيدا» أي : إمهالا زيدا و «بلها عمرا» أي : تركا عمرا. (١)

فصل : ما نوّن من هذه الأسماء فهو نكرة ، وما لم ينوّن فهو معرفة. تقول : «صه» بمعنى : اسكت عن الحديث المعهود و «صه» بمعنى : اسكت سكوتا مّا. (٢)

__________________

(١). قال ابن مالك :

ما ناب عن فعل كشتّان وصه

هو اسم فعل وكذا أوّه ومه

وما بمعنى افعل كآمين كثر

وغيره كوى وهيهات نزر

والفعل من أسمائه عليكا

وهكذا دونك مع إليكا

كذا رويد بله ناصبين

ويعملان الخفض مصدرين

(٢). قال ابن مالك :

واحكم بتنكير الّذي ينوّن

منها وتعريف سواه بيّن

٢٤١

أسماء الأصوات

وهي ما وضع لخطاب ما لا يعقل أو ما هو في حكم ما لا يعقل من صغار الآدميّين أو لحكاية الأصوات.

الأوّل نحو : «هلا» لزجر الخيل و «عدس» لزجر البغل.

والثاني نحو : «كخ» (١) لزجر الطفل عن تناول شيء.

والثالث نحو : «قب» لوقوع السيف و «غاق» لحكاية صوت الغراب و «تق» لصوت وقع الحجارة. (٢)

نونا التوكيد

لتوكيد الفعل نونان : ثقيلة وخفيفة. وقد اجتمعا في قوله تعالى : «لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ».(٣)

ويؤكّد بهما الأمر مطلقا ولا يؤكّد بهما الماضي مطلقا وأمّا المضارع فله حالات :

إحداها : أن يكون توكيده بهما واجبا وذلك إذا كان مثبتا مستقبلا جوابا لقسم غير مفصول من لامه بفاصل ، نحو : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ)(٤) ولا يجوز توكيده بهما إن كان منفيّا ، نحو : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ)(٥) إذ التقدير : لا تفتؤ ، أو كان حالا ، نحو : «والله ليقوم زيد الآن» أو كان مفصولا من اللام ، نحو : «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى».(٦)

الثانية : أن يكون توكيده بهما قريبا من الواجب ، وذلك إذا كان المضارع شرطا ل

__________________

(١). بكسر الكاف وتشديد الخاء ساكنة ومكسورة. وفي القاموس : جواز تخفيف الخاء وجواز تنوينها وجواز فتح الكاف.

(٢). قال ابن مالك :

وما به خوطب ما لا يعقل

من مشبه اسم الفعل صوتا يجعل

كذا الّذى أجدى حكاية كقب

والزم بنا النّوعين فهو قد وجب

(٣). يوسف (١٢) : ٣٢.

(٤). الأنبياء (٢١) : ٥٧.

(٥). يوسف (١٢) : ٨٥.

(٦). الضّحى (٩٣) : ٥.

٢٤٢

«إن» المؤكّدة ب «ما» الزائدة ، نحو : «وَإِمَّا تَخافَنَّ».(١) ومن ترك توكيده قوله :

يا صاح إمّا تجدني غير ذي جدة

فما التّخلّي عن الخلّان من شيمى (٢)

وهو قليل.

هذا مذهب سيبويه. وذهب المرّد والزّجّاج إلى أنّ التوكيد واجب وتركه محمول على الضرورة.

الثالثة : أن يكون التوكيد بهما كثيرا وذلك إذا وقع بعده أداة الطلب ، كقوله تعالى : «وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً».(٣)

ودون هذا إذا وقع بعد «لا» النافية كقوله تعالى : «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً».(٤) وذهب بعضهم إلى أنّ «لا» في الآية للنهي. أو بعد «ما» الزائدة الّتي لم تسبق ب «إن» كقول الشاعر :

قليلا به ما يحمدنّك وارث

إذا نال ممّا كنت تجمع مغنما

الرابعة : أن يكون التوكيد بهما قليلا وذلك بعد «لم» ، كقول الشاعر :

يحسبه الجاهل ما لم يعلما

شيخا على كرسيّه معمّما

وبعد غير «إمّا» من أدوات الشرط ، كقول الشاعر :

فمهما تشأ منه فزارة تعطكم

ومهما تشأ منه فزارة تمنعا (٥)

وبعد «ربّ» كقول الشاعر :

ربّما أوفيت في علم

ترفعن ثوبي شمالات

تتمّة : جاء توكيد المضارع خاليا ممّا ذكر وهو في غاية الشذوذ ومنه قوله :

ليت شعري وأشعرنّ إذا ما

قرّبوها منشورة ودعيت

__________________

(١). الأنفال (٨) : ٥٨.

(٢). «صاح» : منادى مرخّم على غير قياس ، أي : «يا صاحبي». «جدة» : سعة في المال. «الخلّان» : جمع خليل. «شيمى» : جمع «شيمة» ، وهي الخلق والطبيعة.

(٣). إبراهيم (١٤) : ٤٢.

(٤). الأنفال (٨) : ٢٥.

(٥). قوله «منه» ـ في المصراع الأوّل ـ متعلّق ب «تعطكم» وفزارة فاعل «تشأ». والشاهد في «تمنعا». أصله «تمنعن» مؤكّدا بالنون الخفيفة ، فابدلت النون ألفا للوقف.

٢٤٣

وأشدّ منه توكيد أفعل في التعجّب في قوله :

ومستبدل من بعد غضبي صريمة

فأحر به بطول فقر وأحريا

وأشذّ من هذا توكيد اسم الفاعل في قوله : «أقائلنّ أحضروا الشّهودا».

حكم آخر المؤكّد

يفتح آخر المؤكّد ، ك «إضربنّ» إلّا إذا اتّصل به ألف الضمير أو ياؤه أو واوه ، فيجب تحريك آخره بحركة مجانسة ، فيفتح قبل الألف ويكسر قبل الياء ويضمّ قبل الواو. (١)

ولا يحذف الضمير إن كان ألفا ، نحو : «هل تضربانّ». ويحذف إن كان واوا أو ياء ، نحو «يا زيدون هل تضربنّ» و «يا هند هل تضربنّ».

إلّا أن يكون آخر الفعل ألفا ك «يخشى» فإنّك تحذف آخر الفعل وتثبت الواو مضمومة والياء مكسورة فتقول : «يا قوم اخشونّ» و «يا هند اخشينّ». فإن اسند هذا الفعل إلى غير الواو والياء لم تحذف آخره بل تقلبه ياء ، فتقول : «ليخشينّ زيد» و «لتخشينّ يا زيد» و «لتخشينانّ يا زيدان» و «لتخشيانّ يا هندات». (٢)

فصل : تنفرد النون الخفيفة بأمور أربعة :

أحدها : أنّها لا تقع بعد الألف ، فلا تقول : «اضربان» لئلّا يلتقي ساكنان. هذا مذهب

__________________

(١). قال ابن مالك :

للفعل توكيد بنونين هما

كنوني اذهبنّ واقصدنهما

يؤكّدان افعل ويفعل آتيا

ذا طلب أو شرطا إمّا تاليا

أو مثبتا في قسم مستقبلا

وقلّ بعد ما ولم وبعد لا

وغير إمّا من طوالب الجزا

وآخر المؤكّد افتح كابرزا

واشكله قبل مضمر لين بما

جانس من تحرّك قد علما

(٢). قال ابن مالك :

والمضمر احذفنّه إلّا الألف

وإن يكن في آخر الفعل ألف

فاجعله رافعا غير اليا

والواو ياء كاسعينّ سعيا

واحذفه من رافع هاتين وفي

واو ويا شكل مجانس قفي

نحو اخشين يا هند بالكسر ويا

قوم اخشون واضمم وقس مسوّيا

٢٤٤

الجمهور. وذهب الكوفيّون ويونس إلى جوازه فتبقى النون ساكنة أو تحرّك بالكسر للساكنين. أمّا الثقبلة فتقع بعدها اتّفاقا ويجب كسرها ، نحو : قوله تعالى : «وَلا تَتَّبِعانِّ».(١)

الثاني : أنّها لا توكّد الفعل المسند إلى نون الإناث وذلك لأنّ الفعل المذكور يجب أن يؤتى بعد فاعله بألف فاصلة بين النونين قصدا للتخفيف ، فيقال : «اضربنان» ، وقد مضى أنّ الخفيفة لا تقع بعد الألف. ومن أجاز ذلك فيما تقدّم أجازه هنا.

الثالث : أنّها تحذف قبل الساكن كقول الشاعر :

لا تهين الفقير علّك أن

تركع يوما والدّهر قد رفعه

أصله : لا تهينن.

الرابع : أنّها تعطى في الوقف حكم التنوين ، فإن وقعت بعد فتحة قلبت ألفا ، كقوله تعالى (لَنَسْفَعاً)(٢) و (لَيَكُوناً) ، (٣) وإن وقعت بعد ضمّة أو كسرة حذفت ويردّ حينئذ ما حذف لأجل نون التوكيد. تقول في «إضربن يا زيدون» إذا وقفت على الفعل : «إضربوا» وفي «إضربن يا هند» : «إضربي». (٤)

__________________

(١). يونس (١٠) : ٨٩.

(٢). العلق (٩٦) : ١٥.

(٣). يوسف (١٢) : ٣٢.

(٤). قال ابن مالك :

ولم تقع خفيفة بعد الألف

لكن شديدة وكسرها الف

وألفا زد قبلها مؤكّدا

فعلا إلى نون الإناث اسندا

واحذف خفيفة لساكن ردف

وبعد غير فتحة إذا تقف

واردد إذا حذفتها فى الوقف ما

من أجلها فى الوصل كان عدما

وأبدلنها بعد فتح ألفا

وقفا كما تقول في قفن قفا

٢٤٥

ما لا ينصرف

الاسم المعرب على قسمين :

أحدهما : المنصرف وحكمه أن يدخله الحركات الثلاث وتنوين التمكّن.

الثانى : غير المنصرف وحكمه أن لا يدخل عليه تنوين التمكّن (١) وأن يجرّ بالفتحة إن لم يضف أو لم تدخل عليه «ال» نحو : «مررت بأحمد» وإلّا جرّ بالكسرة ، نحو : «مررت بأحمدكم وبالأحمد».

ثمّ إنّ الاسم الذي لا ينصرف ما يكون فيه علّتان من العلل التسع الآتية أو واحدة منها تقوم مقام العلتين.

وما يقوم مقام علّتين اثنان :

أحدهما : ألف التأنيث ، (٢) مقصورة كانت ، ك «حبلى» و «رضوى» ، (٣) أو ممدودة ، ك «حمراء» و «زكريّاء». (٤)

الثاني : الجمع ، بشرط أن يكون على صيغة منتهى الجموع وهو كلّ جمع بعد ألف تكسيره حرفان ، نحو : مساجد ودراهم وأكابر ، أو ثلاثة أوسطها ساكن ، نحو : مصابيح ودنانير وأقاويل. بخلاف نحو «ملائكة» و «صياقلة».

__________________

(١). فلا مانع من دخول التنوين الذي لغير التمكّن ، كتنوين العوض في نحو «جوار».

(٢). قال ابن مالك :

الصّرف تنوين أتى مبيّنا

معنى به يكون الاسم أمكنا

فألف التّأنيث مطلقا منع

صرف الّذي حواه كيفما وقع

(٣). اسم جبل في المدينة.

(٤). وكألف التأنيث ألف الإلحاق المقصورة ك «أرطى» لكنّها لا توجب المنع من الصرف بانفرادها بل لا بدّ من اجتماعه مع العلميّه. وإلى ذلك أشار ابن مالك بقوله :

وما يصير علما من ذي ألف

زيدت لإلحاق فليس ينصرف

٢٤٦

والحق بهذا الجمع الاسم المفرد الّذي يكون موازنا له ك «سراويل».

وما كان من هذا الجمع معتلا فله حالتان :

إحدهما : ـ وهو الغالب ـ أن يكون آخره ياء قبلها كسرة ، نحو «جواري وغواشي» ، وحكمه أن يجري فى رفعه وجرّه مجرى «قاض» فينوّن ويقدّر رفعه أو جرّه ويكون التنوين عوضا من الياء المحذوفة ، (١) كقوله تعالى : (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ)(٢) وقوله تعالى (وَالْفَجْرِ* وَلَيالٍ عَشْرٍ) ، (٣) وأمّا في النصب فيجرى مجرى «دراهم» في سلامة آخره وظهور فتحته من غير تنوين ، نحو : «سِيرُوا فِيها لَيالِيَ».(٤)

الثاني أن تقلب ياؤه ألفا ، نحو : «عذارى» ، وحكمه أن يقدّر إعرابه ولا ينوّن بحال. (٥)

__________________

(١). اختلف الأدباء في تنوين «جوار» ونحوه.

فذهب سيبويه إلى أنّه عوض من الياء المحذوفة.

وفسّره الأكثر على أنّ الإعلال مقدّم على منع الصرف لكون سببه ـ وهو الثقل ـ أمرا ظاهرا محسوسا بخلاف منع الصرف فإنّ سببه مشابهة الاسم الفعل وهي خفيّة ، فأصل «جوار» ـ على هذا ـ «جواري» بالتنوين ، استثقلت الضمّة على الياء فحذفت الضمّة فالتقى ساكنان فحذفت الياء ، ثمّ حذف التنوين لوجود صيغة منتهى الجموع تقديرا ، لأنّ المحذوف لعلّة كالثابت ، ثمّ خيف رجوع الياء فاتي بالتنوين عوضا منها.

وفسّره بعضهم على أنّ منع الصرف مقدّم فأصل «جوار» ـ على هذا ـ «جواري» بترك التنوين لصيغة منتهى الجمع ، فحذفت ضمّة الياء للثّقل ثمّ الياء تخفيفا ثمّ اتي بالتنوين عوضا منها.

فعلم أنّ سبب الحذف على الأوّل التقاء الساكنين وعلى الثاني الحذف.

وذهب المبرّد إلى أنّ التنوين عوض من حركة الياء ، ومنع الصرف مقدّم على الإعلال ، فأصل «جوار» ـ على هذا ـ «جواري» ، حذفت ضمّة الياء لثقلها واتي بالتنوين عوضا منها فالتقى ساكنان فحذفت الياء لالتقائهما.

راجع لتحقيق البحث : شرح الكافية للمحقّق الرضي رحمه‌الله : ٢ / ٥٨ ، وحاشية الصبّان على شرح الاشموني :

٣ / ٢٤٥.

(٢). الأعراف (٧) : ٤١.

(٣). الفجر (٨٩) : ١ و ٢.

(٤). سبأ (٣٤) : ١٨.

(٥). قال ابن مالك :

وكن لجمع مشبه مفاعلا

أو المفاعيل بمنع كافلا

وذا اعتلال منه كالجواري

رفعا وجرّا أجره كساري

ولسراويل بهذا الجمع

شبه اقتضى عموم المنع

٢٤٧

تنبيه : إذا سمّي بهذا الجمع أو بما الحق به ، فهو على حالة قبل التسمية به ، فتقول في من اسمه «مصابيح» : «جاء مصابيح ورأيت مصابيح ومررت بمصابيح». (١)

وأمّا السبعة الباقية فلا بدّ من اجتماع علّتين منها ليكون الاسم غير منصرفا. وهي : العلميّة والوصفيّة والتركيب والألف والنون الزائدتان والتأنيث بالتاء والعجمة والعدل.

فالعلميّة توجب عدم انصراف الاسم فيما يلي :

١ ـ أن يكون فيه الألف والنون الزائدتان ، ك «عمران» و «أصبهان».

وعلامة زيادة الألف والنون سقوطهما في بعض التصاريف كسقوطهما في ردّ «نسيان» إلى «نسي». فإن كانا فيما لا يتصرّف فعلامة الزيادة أن يكون قبلهما أكثر من حرفين اصولا. ولك اعتباران في نحو «حسّان». فإن جعلته مشتقّا من «الحسّ» فوزنه «فعلان» ويمنع من الصرف للعلميّة وزيادة الحرفين وإن جعلته مشتقّا من «الحسن» فوزنه فعّال ولا يمنع من الصرف ، لعدم زيادة النون. (٢)

٢ ـ أن يكون على وزن الفعل. قال ابن هشام : والمعتبر من وزن الفعل أنواع :

أحدها : الوزن الّذي يخصّ الفعل ك «خضّم» لمكان و «شمّر» لفرس و «دئل» لقبيلة وك «انطلق» و «استخرج» و «تقاتل» أعلاما.

الثاني : الوزن الّذي به الفعل أولى لكونه غالبا فيه ك «إثمد» و «إصبع» و «أبلم» أعلاما. فإنّ وجود موازنها في الفعل أكثر كالأمر من «ضرب» و «ذهب» و «كتب».

الثالث : الوزن الذّي به الفعل أولى لكونه مبدوءا بزيادة تدلّ في الفعل ولا تدلّ في الاسم ، نحو : «أفعل» و «أكلب» ، فإنّ الهمزة فيهما لا تدلّ وهي في موازنهما من الفعل ـ نحو «أذهب» و «أكتب» ـ دالّة على المتكلّم.

ثمّ لا بدّ من كون الوزن لازما باقيا غير مخالف لطريقة الفعل ، فخرج بالأوّل نحو «امرؤ» فإنّه في النصب نظير «اذهب» وفي الجرّ نظير «اضرب» فلم يبق على حالة

__________________

(١). قال ابن مالك :

وإن به سمّي أو بمالحق

به فالانصراف منعه يحقّ

(٢). قال ابن مالك :

كذاك حاوى زائدي فعلانا

كغطفان وكأصبهانا

٢٤٨

واحدة ، وبالثاني نحو «ردّ» و «قيل» و «بيع» فإنّ أصلها «فعل» ثمّ صارت بمنزلة «قفل» و «ديك» فوجب صرفها. ولو سمّيت ب «ضرب» مخفّفا من «ضرب» انصرف اتفاقا ولو سميّت ب «ضرب» ثمّ خفّفته انصرف أيضا عند سيبويه وخالفه المبرّد لأنّه تغيير عارض ، وبالثالث نحو «ألبب» ـ بالضمّ ـ جمع «لبّ» علما ، لأنّه قد باين الفعل بالفكّ. قاله أبو الحسن وخولف لوجود الموازنة. (١)

٣ ـ أن يكون معدولا واجتماع العلميّة والعدل يتحقّق في مواضع :

أحدها : ما كان على «فعل» من ألفاظ التوكيد المعنوى ، وهو «جمع ، كتع ، بصع وبتع» فإنّها ـ على ما قال ابن مالك في شرح الكافية ـ معارف بنيّة الإضافة ، إذ أصل «رأيت النساء جمع» : «جمعهنّ» فحذف الضمير للعلم به واستغني بنيّة الإضافة وصارت لكونها معرفة بلا علامة ملفوظ بها كالأعلام. وقيل : «إنّها أعلام للتوكيد». وكيف كان ، فإنّها معدولة عن «فعلاوات» لأنّ مفرداتها «جمعاء وكتعاء وبصعاء وبتعاء» وإنّما قياس «فعلاء» إذا كان اسما أن يجمع على فعلاوات ، كصحراء وصحراوات.

وذهب ابن الحاجب إلى أنّ العدل هنا اجتمع مع الوصفيّة الأصليّة.

قال المحقّق الرضي رحمه‌الله : «وهذا قريب».

الثاني : ما كان على «فعل» علما لمذكّر ، إذا سمع ممنوع الصرف وليس فيه علّة ظاهرة إلّا العلمية ، فقدّروا فيه العدل ، نحو : «عمر وزفر وزحل» والأصل «عامر وزافر وزاحل». (٢)

الثالث : لفظ «سحر» إذا اريد به سحر يوم معين واستعمل ظرفا مجرّدا من «أل» والإضافة ، نحو : «جئت يوم الجمعة سحر» ، فإنّه معدول عن «السحر». واحترز بالقيد الأوّل من المبهم ، نحو : (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ)(٣) وبالقيد الثاني من المعيّن المستعمل غير

__________________

(١). قال ابن مالك :

كذاك ذو وزن يخصّ الفعلا

أو غالب كأحمد ويعلى

(٢). قال ابن مالك :

والعلم امنع صرفه إن عدلا

كفعل التّوكيد أو كثعلا

(٣). القمر (٥٤) : ٣٤.

٢٤٩

ظرف فإنّه يجب تعريفه ب «ال» أو الإضافة ، نحو : «طاب السّحر سحر ليلتنا» وبالقيد الثالث من نحو : «جئتك يوم الجمعة السّحر أو سحره». (١)

الرابع : ما كان على «فعال» علما لمؤنث ، ك «حذام» و «قطام» في لغة تميم. فإنّهم يمنعون صرفه ، فقال سيبويه : «للعلميّة والعدل عن فاعلة». وقال المبرّد : «للعلميّة والتأنيث المعنوي ك «زينب».

هذا فيما ليس آخره راء فإن ختم بالرّاء ـ ك «وبار» اسما لقبيلة ـ بنوه على الكسر إلّا قليلا منهم. ومذهب أهل الحجاز البناء على الكسر مطلقا. (٢)

٤ ـ أن يكون مركّبا تركيب مزج ، نحو : «معديكرب» فتجعل إعرابه على الجزء الثاني وتمنعه من الصرف للعلميّة والتركيب.

وفي هذا النوع من العلم لغات اخر. تقدم البحث عنها في باب العلم. (٣)

٥ ـ ما كان مؤنثا.

فإن كان العلم مؤنثا بالتاء امتنع من الصرف مطلقا ، أي : سواء كان لمؤنث ك «فاطمة» أو لمذكّر ك «طلحة» زائدا على ثلاثة أحرف كما مثّل أو لم يكن كذلك ك «ثبّة» علما. وإن كان مؤنثا معنويّا فشرط تحتّم تأثيره أن يكون زائدا على ثلاثة أحرف ك «زينب» أو محرّك الأوسط ك «سقر» أو أعجميا ك «جور» اسم بلد ، أو منقولا من مذكّر إلى مؤنّث ك «زيد» ـ اسم امرأة ـ على خلاف في الأخير. فالخليل وسيبويه على تحتّم منع الصرف والجرمي على جواز الوجهين : الصرف وتركه.

أمّا ما كان ساكن الوسط وليس أعجميّا ولا منقولا من مذكّر ك «هند» ففيه

__________________

(١). قال ابن مالك :

والعدل والتّعريف مانعا سحر

إذا به التّعيين قصدا يعتبر

(٢). قال ابن مالك :

وابن على الكسر فعال علما

مؤنّثا وهو نظير جشما

عند تميم واصرفن ما نكّرا

من كلّ ما التّعريف فيه أثّرا

(٣). قال ابن مالك :

والعلم امنع صرفه مركّبا

تركيب مزج نحو معدي كربا

٢٥٠

الوجهان ، والمنع أولى. (١)

٦ ـ ما كان عجميّا بشرط أن يكون علما في العجميّة وزائدا على ثلاثة أحرف ، ك «إبراهيم». فإن لم يكن علما في لسان العجم بل في لسان العرب أو كان نكرة فيهما ، ك «لجام» ـ علما أو غير علم ـ صرفته ، وكذا ما كان علما عجميّا ولم يزد على ثلاثة أحرف ، سواء كان محرّك الوسط ك «شتر» أو ساكنة ك «نوح». وقيل : «متحرّك الوسط غير منصرف وساكن الوسط ذو وجهين». (٢)

والوصفيّة توجب عدم انصراف الاسم فيما يلى :

١ ـ أن يكون فيه الألف والنون الزائدتان بشرطين : أحدهما : أن يكون الوصفيّة أصليه ، ف «صفوان» في قولك «مررت برجل صفوان قبله» ـ أي : قاس ـ منصرف لعروض الوصفيّة ، فإنّ معناه الأصلي الحجر الصلد ، أي : اليابس.

والثاني : أن لا يقبل التاء ، إمّا لأنّ مؤنّثه فعلى ك «سكران» وهذا متّفق على منع صرفه.

أو لكونه لا مؤنّث له لاختصاصه بالذكور ك «لحيان» لكبير اللحية. وفيه خلاف والأكثر على منع صرفه. (٣) فإن كان مؤنّثه بالتاء انصرف ك «ندمان».

٢ ـ أن يكون على وزن الفعل بشرطين :

أحدهما : أن يكون الوصفيّة أصليّة ، ف «أربع» في نحو «مررت بنسوة أربع» منصرف لأنّه ليس صفة في الأصل بل اسم عدد طرأ له الوصفيّة ولا تعتّد بعروض الوصفيّة في منع الصرف.

كما لا تعتّد بعروض الاسميّة فيما كان صفة في الاصل ، ف «أسود» غير منصرف ـ و

__________________

(١). قال ابن مالك :

كذا مؤنّث بهاء مطلقا

وشرط منع العار كونه ارتقى

فوق الثّلاث أو كجور أو سقر

أو زيد اسم امراة لا اسم ذكر

وجهان فى العادم تذكيرا سبق

وعجمة كهند والمنع احقّ

(٢). قال ابن مالك :

والعجميّ الوضع والتّعريف مع

زيد على الثّلاث صرفه امتنع

(٣). لأنّهم اشترطوا لمنع صرف «فعلان» انتفاء «فعلانة». وهذا يشمل ما لا مؤنّث له. وأمّا من اشترط لمنع صرفه أن يكون له مونّث ولكن لا يكون على «فعلانة» صرفه.

٢٥١

إن كان اسما للحيّة ـ لأنّه وضع في الأصل لشيء فيه سواد.

وأمّا «أجدل» للصّقر و «أخيل» لطائر ذي خيلان وأفعى للحيّة فإنّها اسماء في الأصل والحال ، فلهذا انصرفت في لغة الأكثر وبعضهم يمنع صرفها للمح معنى الصفة فيها وهي القوّة والتلوّن والايذاء.

والثاني : أن لا يقبل التاء ، إمّا لإنّ مؤنّثه «فعلاء» ك «أحمر» أو «فعلى» ك «أفضل» أو لا مؤنث له ك «ألحى» لعظيم اللحيّة. فإن كان مؤنّثه بالتّاء انصرف ك «أرمل» بمعنى الفقير.

٣ ـ أن يكون معدولا. واجتماع الوصف والعدل يكون في موضعين :

أحدهما : أسماء العدد على وزن «فعال» أو «مفعل» ك «ثلاث» و «مثلث» المعدولتين عن ثلاثة ثلاثة. وقد جاء فعال ومفعل في باب العدد من واحد إلى أربع اتفاقا.

وحكي ابن مالك في شرح الكافية عن بعض العرب : مخمس وعشار ومعشر وفي التسهيل خماس أيضا.

واختلف فيما لم يسمع ، على ثلاثة مذاهب :

١ ـ أنّه يقاس على ما سمع ، فيقال : سداس ومسدس ، سباع ومسبع وثمان ومثمن وتساع ومتسع. وهو مذهب الكوفيين والزجاج.

٢ ـ أنّه لا يقاس بل يقتصر على السماع وهو مذهب جمهور البصريّين.

٣ ـ أنّه يقاس على فعال لكثرته لا على مفعل.

الثاني : اخر ، نحو : «مررت بنسوة اخر». وهو جمع اخرى مؤنّث آخر. و «آخر» اسم التفضيل لأنّ معناه في الأصل : «أشدّ تأخّرا» ثمّ نقل إلى معنى «غير». وقياس اسم التفضيل أن يستعمل باللام أو الإضافة أو كلمة «من». وحيث لم يستعمل بواحد منها علم أنّه معدول من أحدها. فقال بعضهم : «إنّه معدول عمّا ذكر معه كلمة «من» ، أي : عن «آخر من» وقيل معدول عمّا فيه اللام أي : «عن الاخر».

وتلخّص أنّ الصفة تجتمع مع الألف والنون الزائدتين ومع وزن الفعل ومع العدل. (١)

__________________

(١). قال ابن مالك :

وزائدا فعلان فى وصف سلم

من أن يرى بتاء تأنيث ختم

٢٥٢

فصل : قد ينصرف الممنوع من الصرف لأحد الامور الآتية :

١ ـ أن يكون أحد سببيه العلميّة ثمّ ينكّر ، تقول : «مررت بأحمد وأحمد آخر» ، إلّا ما كان صفة قبل العلميّة ، ك «أحمر».

٢ ـ التصغير المزيل لأحد السّببين ك «حميد» في «أحمد». وعكس ذلك نحو «تحلىء» فإنّه ينصرف مكبّرا ولا ينصرف مصغّرا لاستكمال العلّتين بالتصغير وهما العلميّة ووزن الفعل فإنّه يقال في تصغيره : «تحيلىء» ، فهو على زنة «تدحرج».

٣ ـ إرادة التناسب ، كقرائة نافع والكسائي «سلاسلا وأغلالا وسعيرا» ، فصرف «سلاسل» لمناسبة «أغلالا» و «سعيرا».

٤ ـ الضرورة ، كقول الشاعر :

تبصّر خليلي هل ترى من ظعائن

سوالك نقبا بين حزمي شعبعب (١)

وأجاز الكوفيّون والأخفش والفارسى للمضطرّ أن يمنع صرف المنصرف كقول الشاعر :

وممّن ولدوا عام

ر ذو الطّول وذو العرض

تنبيه : إذا اضطرّ إلى تنوين المجرور بالفتحة فهل ينوّن بالنّصب أو بالجرّ؟ صرّح المحقّق الرضي رحمه‌الله بالثاني. وقال السيوطي : «لو قيل بالوجهين كالمنادى لم يبعد». (٢)

__________________

ووصف أصليّ ووزن أفعلا

ممنوع تأنيث بتا كأشهلا

وألغينّ عارض الوصفيّه

كأربع وعارض الإسميّه

فالأدهم القيد لكونه وضع

فى الأصل وصفا انصرافه منع

وأجدل وأخيل وأفعى

مصروفة وقد ينلن المنعا

ومنع عدل مع وصف معتبر

في لفظ مثنى وثلاث واخر

ووزن مثنى وثلاث كهما

من واحد لأربع فليعلما

(١). تبصّر : أنظر. «خليلي» : منادى مضاف حذف حرف ندائه. «ظعائن» : جمع ظئينة بمعنى الهودج.

«سوالك» : جمع سالكة من السلوك وهي صفة ظعائن. و «النقب» : الطريق في الجبل وهو مفعول ل «سوالك». و «الحزم» ما غلظ من الأرض. «شعبعب» اسم موضع. وقيل : اسم ماء.

(٢). قال ابن مالك :

ولاضطرار أو تناسب صرف

ذو المنع والمصروف قد لا ينصرف

٢٥٣

إعراب الفعل

يجب رفع المضارع إذا تجرّد من الناصب والجازم.

عوامل النصب

ينصب المضارع بأربعة أحرف : أن ، (١) لن ، كي وإذن.

أن : وهو حرف مصدريّ يؤوّل مع ما بعده بمصدر ، كقوله تعالى : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) ، (٢) أي : وصومكم خير لكم. ولا تقع «أن» هذه ـ عند الجمهور ـ بعد لفظ دالّ على اليقين إلّا أن يؤوّل ، (٣) كأن يقال : «علمت أن يخرج زيد» ، أي : ظننت. وجوّز الفّراء والأنباري وقوعها بعد فعل اليقين مطلقا وذهب المبّرد إلى المنع مطلقا.

وعلى المنع فأن وقعت «أن» بعد ما يدلّ على اليقين ، وجب رفع الفعل بعدها وتكون حينئذ مخففّة من الثقيلة ، نحو : «علمت أن يقوم» ، والتقدير : أنّه يقوم فخفّفت «أن» وحذف اسمها وبقي خبرها.

وإن وقعت «أن» بعد ظنّ ونحوه ـ ممّا يدلّ على الرجحان ـ جاز في الفعل بعدها

__________________

(١). من العرب من لم يعمل «أن» المصدريّة حملا على «ما» المصدريّة.

(٢). البقرة (٢) : ١٨٤.

(٣). قال الدمامينى : «هو الصواب ، لأنّ [أن] الناصبة تدخل على ما ليس بمستقرّ ولا ثابت لأنّها تخلص المضارع للاستقبال فلا تقع بعد أفعال التحقيق بخلاف [أن] المخفّفة فإنّها تقتضى تأكيد الشيء وثبوته واستقراره». قال الصبّان : «وفيه عندي نظر ؛ لأنّه إن اريد بعدم استقرار مدخولها وثبوته عدم تيقّنه فممنوع ، وتعليله باستقبال مدخولها لا يفيده ، فقد يكون المستقبل متيقّنا وحينئذ لم يضّر تلو «أن» أفعال اليقين ؛ وإن اريد به عدم حصوله وقت التكلّم فمسلّم لكنّه لا يلزم من ذلك عدم تيقّن حصوله في المستقبل وإذا كان كذلك لم يضرّ تلو «أن» أفعال اليقين فكيف التصويب الذي ارتكبه». (حاشية الصبّان : ٣ / ٢٨٣).

٢٥٤

وجهان :

أحدهما : النصب ، على جعل «أن» من نواصب المضارع.

الثاني : الرفع ، على جعل «أن» مخفّفة من الثقلية.

لن : وهو حرف نفي واستقبال اتّفاقا.

قال ابن هشام : «ولا تفيد توكيد النفي ـ خلافا للزمخشري في كشّافه ـ ولا تأبيده ـ خلافا له في أنموذجه ـ وكلاهما دعوى بلا دليل».

كي : وهو حرف مصدرى ك «أن» ، نحو قوله تعالى : «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ».(١)

إذن : قال سيبويه : «معناها الجواب والجزاء» ؛ فقال الشلوبين : «في كلّ موضع» وقال أبو علي الفارسي : «في الأكثر ، وقد تتمحّض للجواب ، بدليل أنّه يقال لك : «أحبّك» ، فتقول : «إذن أظنّك صادقا» ، إذ لا مجازاة هنا ضرورة».

وشرط إعمالها ثلاثة امور :

الأوّل : أن تكون مصدّرة ، فلو لم تتصدّر يجب الرّفع ، كما إذا قيل لك : «آتيك» فتقول : «أنا إذن أكرمك».

وقال جماعة من النحويين : «إذا وقعت «إذن» بعد الفاء أو الواو جاز في الفعل وجهان : الرفع وهو الغالب ـ وبه قرأ السبعة في قوله تعالى : «وإذن (لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً )(٢) والنصب وبه قرئ الآية شاذّا.

الثاني : أن يكون الفعل مستقبلا ، فلو كان حالا يجب الرفع ، كما إذا قيل لك : «احبّك» ، فتقول : «إذن أظنّك صادقا».

الثالث : أن لا يفصل بينها وبين الفعل ، وإلّا يجب الرفع ، نحو : «إذن أنا اكرمك».

ويغتفر الفصل بالقسم ، نحو : «إذن والله أكرمك». وأجاز ابن هشام في المغني الفصل ب «لا» النافية وابن عصفور الفصل بالظّرف وابن بابشاذ الفصل بالدعاء والندا والكسائي والهشام الفصل بمعمول الفعل والأرجح حينئذ عند الكسائي النصب وعند هشام الرفع.

فصل : اختصّت «أن» من بين نواصب المضارع بأنّها تعمل مظهرة ومضمرة.

__________________

(١). الحديد (٥٧) : ٢٣.

(٢). الإسراء (١٧) : ٧٦.

٢٥٥

وإضمارها على نوعين : واجب وجائز.

فتضمر وجوبا في خمسة مواضع :

الأوّل : بعد لام الجحود وهي المسبوقة بكون ناقص ماض منفي ، نحو قوله تعالى :

(وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) ، (١) و «لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ». (٢)

الثانى : بعد «أو» إذا صلح في موضعها «حتّى» أو «إلّا» ، نحو :

لأستسهلنّ الصّعب أو ادرك المنى

فما انقادت الآمال إلّا لصابر

ونحو :

وكنت إذا غمزت قتاة قوم

كسرت كعوبها أو تسقيما (٣)

الثالث : بعد «حتّى» إذا كان الفعل مستقبلا بالنسبة إلى زمن التكلّم ، نحو «أسير حتّى أدخل البلد» ، فإن كان بالنسبة إلى ما قبلها خاصّة فيجوز الوجهان : النصب والرفع ، وبالوجهين قرئ قوله تعالى : «وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ». (٤)

وإن كان حالا بالنسبة إلى زمن التكلّم ، فالرفع واجب ، نحو : «سرت حتّى أدخل البلد» ، إذا قلت ذلك وأنت في حالة الدخول ، وكذلك إذا كانت حاليّته محكيّة كما لو كان الدخول قد وقع وقصدت به حكاية تلك الحال ، نحو : «كنت سرت حتّى أدخلها». وجاز نصبه إذا لم تقدّر الحكاية.

الرابع : بعد فاء السببيّة المسبوقة بنفي محض أو طلب (٥) محض.

فالنفي نحو : «ما تأتينا فتحدّثنا». ومعنى كون النفي محضا أن يكون خالصا من

__________________

(١). العنكبوت (٢٩) : ٤٠.

(٢). النساء (٤) : ١٣٧.

(٣). القناة : الرمح ، الكعوب : جمع «كعب» وهو ما بين كلّ عقدتين من عقد الرمح.

(٤). البقرة (٢) : ٢١٤.

(٥). الطلب يشمل الأمر ، نحو : «زرني فاكرمك» ، والنهي ، نحو : «لا تضرب زيدا فيضربك» ، والدّعاء ، نحو : «ربّ انصرني فلا اخذل» ، والاستفهام ، نحو : «هل تكرم زيدا فيكرمك» ، والعرض ، نحو : «ألا تنزل عندنا فتصيب خيرا» ، والتحضيض ، نحو : «لو لا تأتينا فتحدّثنا» ، والتمنّى ، نحو : «ليت لي مالا فأتصدّق منه». وألحق الكوفيّون الرّجا بالتمنّي ، ومنه قوله تعالى : «لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ». (المؤمن (٤٠) : ٣٦ و ٣٧).

٢٥٦

معنى الإثبات ، وإلّا وجب الرفع ، نحو : «ما أنت إلّا تأتينا فتحدّثنا».

والطلب نحو : «زرني فأكرمك». ومعنى أن يكون الطلب محضا أن لا يكون مدلولا عليه باسم فعل ولا بلفظ الخبر وإلّا وجب الرفع ، نحو : «صه فأحسن إليك» و «حسبك الحديث فينام النّاس».

هذا مذهب الجمهور. وذهب الكسائي إلى جواز النصب بعد الطلب مطلقا.

تنبيه : إذا سقطت الفاء بعد الطلب وقصد معنى الجزاء ، يجوز جزم الفعل ، نحو : «زرني أزرك» ، بخلاف ما إذا لم يقصد الجزاء ، نحو : «ليت لي مالا أنفق منه». ولا فرق في ذلك بين أن يكون الطلب محضا ـ كما تقدّم ـ أو غير محض ، نحو : «صه أحسن إليك».

واشترط ـ عند غير الكسائي ـ لجواز الجزم بعد النهي صحّة وقوع «إن» الشرطية على «لا» فتقول : «لا تدن من الأسد تسلم» ، إذ يصحّ «إن لا تدن من الأسد تسلم» ، ولا يجوز الجزم في نحو : «لا تدن من الأسد يأكلك». وأجاز الكسائي ذلك ، لعدم اشتراطه دخول «إن» على «لا» ، فالتقدير عنده : «لا تدن من الأسد ، إن تدن يأكلك».

الخامس : بعد واو المعيّة المسبوقة بنفي محض أو طلب محض ، كقوله تعالى : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) ، (١) وقوله تعالى «يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ». (٢)

فإن لم تكن الواو بمعنى «مع» لم يجز النصب ، ومن ثمّ جاز في ما بعد الواو في نحو : «لا تأكل السّمك وتشرب اللّبن» ثلاثة أوجه : الجزم على التشريك بين الفعلين ، والرفع على إضمار مبتدأ ، أي : وأنت تشرب اللّبن ، والنصب على إرادة المعيّة. وتضمر جوازا في موضعين :

الأوّل : بعد اللّام الجارّة إذا لم يسبقها كون ناقص ماض منفى ولم يقترن ب «لا» ، نحو : «تب ليغفر الله لك» أو «لأن يغفر الله لك».

فإن سبقها الكون المذكور وجب إضمار «أن» كما مرّ. وإن اقترن الفعل ب «لا» ـ نافية أو مؤكّدة ـ وجب إظهار «أن» ، نحو قوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) ، (٣) و «لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ». (٤)

__________________

(١). آل عمران (٣) : ١٤٢.

(٢). الأنعام (٦) : ٢٧.

(٣). البقرة (٢) : ١٥٠.

(٤). الحديد (٥٧) : ٢٩.

٢٥٧

الثانى : بعد الواو أو الفاء أو «أو» أو «ثمّ» ، إذا كان العطف على اسم ليس في تأويل الفعل ، نحو قوله تعالى : «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً». (١)

ونحو :

ولبس عباءة وتقرّ عيني

أحبّ إليّ من لبس الشّفوف (٢)

ونحو :

لو لا توقّع معترّ فارضيه

ما كنت اوثر إترابا على ترب (٣)

ونحو :

إنّي وقتلي سليكا ثمّ أعقله

كالثّور يضرب لمّا عافت البقر (٤)

فإن كان الاسم في تأويل الفعل لم يجز النصب ، نحو : «الطّائر فيغضب زيد الذّباب» ، ف «يغضب» واجبّ الرفع ، لأنّ «الطّائر» في تأويل الفعل ، أي : «الّذي يطير».

ولا تضمر «أن» في غير هذه المواضع إلّا شاذّا ، كقولهم : «خذ اللّصّ قبل يأخذك» ، أي : «قبل أن يأخذك». (٥)

__________________

(١). الشورى (٤٢) : ٥١.

(٢). الشفوف : جمع «شفّ» وهو ثوب رقيق يستشفّ ما وراءه.

(٣). المعترّ : الفقير الذي يتعرّض لك من غير أن يسألك بلسانه. اوثر : أرجح.

(٤). أعقله : أدفع ديته ، عافت : كرهت وامتنعت. أراد : أنّ البقر إذا امتنعت عن ورود الماء لم يضربها راعيها ، لأنّها ذات اللبن وإنّما يضرب الثور لتفزع البقر فتشرب.

(٥). قال ابن مالك :

ارفع مضارعا إذا يجرّد

من ناصب وجازم ك «تسعد»

وبلن انصبه وكي ، كذا بأن

لا بعد علم ، والّتي من بعد ظنّ

فانصب بها ، والرّفع صحّح واعتقد

تخفيفها من أنّ ، فهو مطّرد

وبعضهم أهمل «أن» حملا على

«ما» اختها حيث استحقّت عملا

ونصبوا بإذن المستقبلا

إن صدّرت ، والفعل بعد ، موصلا

أو قبله اليمين ، وانصب وارفعا

إذا «إذن» من بعد عطف وقعا

وبين «لا» ولام جرّ التزم

إظهار «أن» ناصبة ، وإن عدم

«لا» فأن اعمل ، مظهرا أو مضمرا

وبعد نفي كان حتما أضمرا

كذك بعد «أو» إذا يصلح في

موضعها «حتّى» أو «الّا» أن خفي

وبعد حتّى هكذا إضمار «أن»

حتم ، ك «جد حتّى تسرّ ذا حزن»

وتلو حتّى حالا أو مؤوّلا

به ارفعنّ ، وانصب المستقبلا

وبعد فا جواب نفي أو طلب

محضين «أن» ـ وسترها حتم ـ نصب

والواو كالفا ، إن تفد مفهوم مع

ك «لا تكن جلدا وتظهر الجزع»

وبعد غير النّفي جزما اعتمد

إن تسقط الفا والجزاء قد قصد

وشرط جزم بعد نهي أن تضع

«إن» قبل «لا» دون تخالف يقع

والأمر إن كان بغير افعل فلا

تنصب جوابه ، وجزمه اقبلا

والفعل بعد الفاء في الرّجا نصب

كنصب ما إلى التّمنّي ينتسب

وإن على اسم خالص فعل عطف

تنصبه «أن» ثابتا أو منحذف

وشذّ حذف «أن» ونصب في سوى

ما مرّ ، فاقبل منه ما عدل روى

٢٥٨

عوامل الجزم

الأدوات الجازمة للمضارع على قسمين :

أحدهما : ما يجزم فعلا واحدا وهو أربعة :

الأوّل : اللّام الطلبيّة ، أمرا كانت ، نحو قوله تعالى : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ) ، (١) أو دعاء ، نحو : «لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ». (٢)

الثاني : «لا» الطلبية ، نهيا كانت ، نحو قوله تعالى : (لا تُشْرِكْ بِاللهِ) ، (٣) أو دعاء ، نحو : «لا تُؤاخِذْنا». (٤)

الثالث والرابع : «لم» و «لمّا» ، ويشتركان في الحرفيّة والنفي والجزم والقلب إلى المضيّ ، نحو : «لم يقم زيد» و «لمّا يقم عمرو». وتنفرد «لم» بجواز مصاحبة الشرط ، نحو قوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) ، (٥) وبجواز انقطاع نفي منفيّها ، ومن ثمّ جاز «لم يكن ثمّ كان» وامتنع في لمّا.

وتنفرد لمّا بجواز حذف مجزومها ك «قاربت المدينة ولمّا» ، أي : لمّا أدخلها ، وبتوقّع ثبوت منفيّها ، كقوله تعالى : (لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) ، (٦) ومن ثمّ امتنع «لمّا يجتمع الضدّان».

__________________

(١). الطلاق (٦٥) : ٧.

(٢). الزخرف (٤٣) : ٧٧.

(٣). لقمان (٣١) : ١٣.

(٤). البقرة (٢) : ٢٨٦.

(٥). المائدة (٥) : ٦٧.

(٦). ص (٣٨) : ٨.

٢٥٩

والثاني : ما يجزم فعلين وهو : إن ، نحو قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) ، (١) و «من» ، نحو قوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) ، (٢) و «ما» ، نحو قوله تعالى : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) ، (٣) و «مهما» ، نحو قوله تعالى : (وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) ، (٤) و «أي» نحو قوله تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) ، (٥) و «أين» ، نحو : «أين تجلس أجلس» و «متى» كقوله :

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد (٦)

و «أيّان» كقوله :

أيّان نؤمنك تأمن غيرنا وإذا

لم تدرك الأمن منّا لم تزل حذرا

و «إذما» كقوله :

وإنّك إذ ما تأت ما أنت آمر

به تلف من إيّاه تأمر آتيا

و «حيثما» نحو قوله :

حيثما تستقم يقدّر لك اللّا

ه نجاحا في غابر الأزمان

و «أنّى» نحو قوله :

خليليّ أنّى تأتياني تأتيا

أخا غير ما يرضيكما لا يحاول

وهذه الألفاظ ـ التي تجزم فعلين ـ كلّها أسماء إلّا «إن» فهي حرف باتّفاق ، وإلّا «إذما» ، فهي حرف عند سيبويه بمنزلة «إن» الشرطية ، وظرف زمان عند المبرّد وابن السّراج والفارسي فإذا قلت : «إذ ما تقم أقم» فمعناه عندهم «متى تقم أقم». ويجوز اتّصال «ما» الزائدة ب «إن» و «أيّ» و «أيّان» و «أين» و «متى» ، قال الله تعالى : «أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ». (٧)

ثمّ إنّ هذه الكلمات على ستّة أقسام :

١ ـ ما وضع لمجرّد تعليق الجواب على الشرط وهو «إن» و «إذما» ، عند من يقول

__________________

(١). البقرة (٢) : ٢٨٤.

(٢). النساء (٤) : ١٢٣.

(٣). البقرة (٢) : ١٩٧.

(٤). الأعراف (٧) : ١٣٢.

(٥). الإسراء (١٧) : ١١٠.

(٦). تعشو : في موضع الحال ، أي : عاشيا ، من «عشا» ، إذا أتى نارا ليرجو عندها خيرا.

(٧). النساء (٤) : ٧٨.

٢٦٠