القواعد النحويّة

السيد قاسم الحسيني الخراساني ومحمود الملكي الإصفهاني

القواعد النحويّة

المؤلف:

السيد قاسم الحسيني الخراساني ومحمود الملكي الإصفهاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مديرية العامة للحوزة العلمية في قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

نحو قوله تعالى : (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(١) إلّا أن يقع فصل فيجوز تركه سواء كان الفصل قبل حرف العطف ، كقوله تعالى : (يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ)(٢) أو بعدها ، كقوله تعالى : «ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا».(٣)

وقد يعطف عليه بلا فصل ، وهو كثير في الشعر ، كقول الشاعر :

ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه

ما لم يكن وأب له لينالا

وقليل في النثر. حكى سيبويه : «مررت برجل سواء والعدم» برفع «العدم» بالعطف على الضمير المستتر في سواء.

وهذا الاستعمال ضعيف عند البصريّين وأجازه الكوفيّون بلا ضعف. (٤)

وأمّا الضمير المجرور فلا يعطف عليه إلّا بإعادة الجارّ له ، كقوله تعالى : «وقال لَها وَلِلْأَرْضِ» (٥) و «نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ». (٦) هذا مذهب الجمهور وأجاز ذلك الكوفيّون بلا شرط واختاره ابن مالك قائلا :

وعود خافض لدى عطف على

ضمير خفض لازما قد جعلا

وليس عندى لازما إذا قد أتى

في النثر والنظم الصحيح مثبتا

واستدلّ المجوّزون بقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) ، (٧) بجرّ «الأرحام» في قراءة حمزة عطفا على الهاء المجرورة بالباء.

وبقول الشاعر :

فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا

فاذهب فما بك والأيّام من عجب

بجرّ «الأيّام» عطفا على الكاف المجرورة بالباء.

وأجاب المحقّق الرضي رحمه‌الله عن الآية بأنّ الظاهر أنّ حمزة جوّز ذلك بناء على مذهب الكوفيّين لأنّه كوفيّ ولا نسلّم تواتر القراءات السبع. وأمّا الشعر فلا دليل فيه إذا

__________________

(١). الأنبياء (٢١) : ٥٤.

(٢). الرّعد (١٣) : ٢٣.

(٣). الأنعام (٦) : ١٤٨.

(٤). قال ابن مالك :

وإن على ضمير رفع متّصل

عطفت فافصل بالضّمير المنفصل

أو فاصل مّا وبلا فصل يرد

في النّظم فاشيا وضعفه اعتقد

(٥). فصّلت (٤١) : ١١.

(٦). البقرة (٢) : ١٣٣.

(٧). النساء (٤) : ١.

٢٢١

الضرورة حاملة عليه ولا خلاف معها.

فصل : قد تحذف الواو مع معطوفها لدليل ، كقوله تعالى : «و سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ» ، (١) أي : والبرد. قيل : «وكذا الفاء ، كقوله تعالى : (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ) ، (٢) أي : فضرب فانفجرت».

وتختصّ الواو ـ من بين حروف العطف ـ بجواز عطفها عاملا قد حذف وبقي معموله ، نحو : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) ، (٣) أي : وألفوا الإيمان.

وقد يحذف المعطوف عليه للدلالة عليه ، وجعل منه قوله تعالى : «أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً». (٤) قال ابن هشام : التقدير : «أنهملكم فنضرب». (٥)

فصل : يجوز أن يعطف الفعل على الاسم المشبه للفعل ـ كاسم الفاعل ونحوه ـ ، نحو : قوله تعالى : (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) ، (٦) ويجوز العكس ، وجعل منه قوله تعالى «يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ». (٧)

__________________

(١). النحل (١٦) : ٨١.

(٢). البقرة (٢) : ٦٠.

(٣). الحشر (٥٩) : ٩.

(٤). الزخرف (٤٣) : ٥.

(٥). قال ابن مالك :

والفاء قد تحذف مع ما عطفت

والواو إذ لا لبس وهي انفردت

بعطف عامل مزال قد بقي

معموله دفعا لوهم اتّقي

وحذف متبوع بدا هنا استبح

وعطفك الفعل على الفعل يصح

(٦). العاديات (١٠٠) : ٣ و ٤.

(٧). الأنعام (٦) : ٩٥.

قال ابن مالك :

واعطف على اسم شبه فعل فعلا

وعكسا استعمل تجده سهلا

٢٢٢

(٥)

البدل

عرّفه ابن مالك بأنّه «التابع المقصود بالحكم بلا واسطة». (١)

فخرج بالمقصود غيره وهو النعت والتوكيد وعطف البيان والعطف بالحرف غير «بل» و «لكن» في الإثبات. وبنفي الواسطة المقصود بواسطة وهو العطف ب «بل» و «لكن» في الإثبات. (٢)

أقسام البدل

البدل على أربعة أقسام :

الأوّل : بدل كلّ من كلّ ، وهو البدل المطابق للمبدل منه المساوي له في المعنى ، نحو : «مررت بأخيك زيد».

الثاني : بدل بعض من كلّ ، نحو : «أكلت الرّغيف نصفه». قال الله تعالى : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ

__________________

(١). قال ابن مالك :

التّابع المقصود بالحكم بلا

واسطة هو المسمّى بدلا

(٢). تحقيق :

يظهر من كلام ابن مالك أنّ المقصود بالحكم في البدل هو التابع دون المتبوع بخلاف عطف البيان وصرّح بذلك جماعة كثيرة من النحويين. ولكن قال المحقق الرضي رحمه‌الله : «وأنا إلى الآن لم يظهر لي فرق جليّ بين بدل الكلّ من الكلّ وبين عطف البيان بل لا نرى عطف البيان إلّا البدل كما هو ظاهر كلام سيبويه ... قالوا : الفرق بينهما أنّ البدل هو المقصود بالنسبة دون مثبوعه بخلاف عطف البيان فإنّه بيان والبيان فرع المبيّن فيكون المقصود هو الأوّل.

والجواب : أنّا لا نسلّم أنّ المقصود بالنسبة في بدل الكلّ هو الثاني فقط ولا في سائر الأبدال إلّا الغلط فإنّ كون الثاني فيه هو المقصود بها دون الأوّل ظاهر وإنّما قلنا ذلك لأنّ الأوّل في الأبدال الثلاثة منسوب إليه في الظاهر ولا بدّ أن يكون في ذكره فائدة لم تحصل لو لم يذكر ، كما يذكر في كلّ واحد من الثلاثة صوتا لكلام الفصحاء عن اللّغو ولا سيّما كلامه تعالى وكلام نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فادّعاء كونه غير مقصود بالنسبة مع كونه منسوبا إليه في الظاهر يصحّ أن ينسب إليها لأجلها دعوى خلاف الظاهر ...». شرح الكافية ١ : ٣٣٧.

٢٢٣

حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً». (١)

الثالث : بدل الاشتمال ، وهو الذّي اشتمل عليه المبدل منه بحيث يتشوّق السامع إلى ذكره ، نحو : «أعجبني زيد علمه». قال الله تعالى : «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ». (٢)

الرابع : البدل المباين للمبدل منه ، وهو على ثلاثة أقسام :

١ ـ بدل الغلط وهو ما لا يريد المتكلّم ذكر متبوعه بل سبق لسانه عليه من غير قصد ، كقولك : «جائني زيد بكر». أردت أن تقول : «جائني بكر» فسبق لسانك عليه وقلت : «جائني زيد».

٢ ـ بدل النسيان وهو ما قصد المتكلم المبدل منه أوّلا ثمّ تبيّن فساد قصده ، كقولك : «رأيت زيدا عمرا». قصدت «زيدا» أوّلا ثمّ تبيّن فساد قصدك وأنّ الّذى رأيته عمرو ، فقلت : «عمرا».

٣ ـ بدل الإضراب والبداء وهو ما قصد المتكلّم المبدل منه ثم أضرب عنه إلى البدل وجعل المبدل منه في حكم المسكوت عنه ، نحو : «أكلت تمرا زبيبا». (٣)

فصل : يبدل الظاهر من الظاهر كما تقدّم ولا يبدل المضمر من المضمر ، ونحو : «قمت أنت» و «مررت بك أنت» توكيد اتّفاقا ونحو «رأيتك إيّاك» توكيد عند الكوفيّين.

وذهب البصريّون إلى أنّه بدل. وردّه ابن مالك في شرح التسهيل بأنّ الضمير المرفوع المنفصل توكيد اتّفاقا والفرق بين المرفوع المنفصل والمنصوب المنفصل تحكّم.

أمّا إبدال الضمير من الظاهر فمنعه ابن مالك وقال في شرح التسهيل «لأنّه لم يسمع من العرب لا نثرا ولا نظما». وما أوهم ذلك جعل توكيدا.

ويجوز إبدال الظاهر من الضمير إن كان الضمير لغائب ، نحو قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(٤) في أحد الأوجه ؛ (٥) أو كان لحاضر بشرط أن يكون الظاهر بدل كلّ

__________________

(١). آل عمران (٣) : ٩٧.

(٢). البقرة (٢) : ٢١٧.

(٣). قال ابن مالك :

مطابقا أو بعضا او ما يشتمل

عليه يلفى أو كمعطوف ببل

وذا للإضراب اعز إن قصدا صحب

ودون قصد غلط به سلب

كزره خالدا وقبّله اليدا

واعرفه حقّه وخذ نبلا مدى

(٤). الأنبياء (٢١) : ٣.

(٥). وفيه وجهان آخران : الأوّل : كون «الذين ظلموا» مبتدأ مؤخّرا و «أسرّوا النجوى» خبرا مقدّما.

الثاني : أن يكون «الذين ظلموا» فاعل «اسرّوا» والواو حرف دالّ على الجمع لا ضمير كما تقدّم في باب الفاعل.

٢٢٤

من كلّ واقتضى الإحاطة والشمول كقوله تعالى : (تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا)(١) أو بدل بعض من كلّ ، نحو : «أعجبتني وجهك» وقول الشاعر :

أو عدني بالسّجن والأداهم

رجلي ، فرجلي شثنة المناسم (٢)

ف «رجلى» بدل بعض من الياء في «أوعدني».

أو بدل اشتمال ، نحو : «أعجبتني كلامك» وقول الشاعر :

ذريني إنّ أمرك لن يطاعا

وما ألفيتني حلمي مضاعا

ف «حلمي» بدل اشتمال من الياء في «ألفيتني».

وكما يبدل الاسم من الاسم ، يبدل الفعل من الفعل ، كقوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً* يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) ، (٣) ف «يضاعف» بدل من «يلق» فإعرابه بإعرابه وهو الجزم. والجملة من الجملة ، كقوله تعالى : «أَمَدَّكُمْ بِما تعملون* أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ».(٤)

وقد تبدل الجملة من المفرد ، كقول الشاعر :

إلى الله أشكو بالمدينة حاجة

وبالشام اخرى كيف يلتقيان

فأبدل «كيف يلتقيان» من «حاجة» و «اخرى». وإنّما صحّ ذلك لرجوع الجملة في التقدير إلى المفرد ، أي : إلى الله أشكو هاتين الحاجتين كيفيّة التقائهما.

تنبيه : إذا ابدل من اسم الاستفهام أو اسم الشرط وجب دخول همزة الاستفهام أو إن الشرطية على البدل ، نحو : «من ذا؟ أسعيد أم على؟» و «من يقم إن زيد وإن عمرو أقم معه». (٥)

__________________

(١). المائدة (٥) : ١١٤.

(٢). «الأداهم» : جمع الأدهم وهو القيد. و «شثنة» : غليظة. «المناسم» : جمع «منسم» وهو خفّ البعير ، استعير هنا لقدم الإنسان.

(٣). الفرقان (٢٥) : ٦٨ و ٦٩.

(٤). الشعراء (٢٦) : ١٣٢ و ١٣٣.

(٥). قال ابن مالك :

ومن ضمير الحاضر الظّاهر لا

تبدله إلّا ما إحاطة جلا

أو اقتضى بعضا أو اشتمالا

كإنّك ابتهاجك استمالا

وبدل المضمّن الهمز يلي

همزا كمن ذا أسعيد أم عليّ

ويبدل الفعل من الفعل كمن

يصل إلينا يستعن بنا يعن

٢٢٥

حروف النداء وأحكامها

أحرف النداء ثمانية : الهمزة ، آ ، آي ، يا ، أي ، أيا ، هيا ، وا.

فالهمزة للمنادى القريب. و «آ» و «آي» و «أي» و «أيا» و «هيا» للمنادى البعيد أو ما في حكمه ، كالنائم والساهي.

وذهب جماعة إلى أنّ مراتب النداء ثلاثة : القريب والمتوسط والبعيد ، وجعلوا «أي» لنداء المتوسّط.

وأمّا «يا» فهي تستعمل لجميع مراتب النداء. و «وا» للمنادى المندوب ، نحو : «وا زيداه». (١)

ويجوز حذف حرف النداء كقوله تعالى : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) ، (٢) أي : يا يوسف.

ويستثنى صور لا يجوز معها الحذف وهي اسم الله تعالى إذا لم تلحقه الميم ، نحو «يا الله» والمندوب ، نحو : «يا زيداه» والمستغاث ، نحو : يا لزيد والمتعجّب منه ، نحو : «يا للماء» ـ إذا تعجّبت من كثرته ـ والمنادى البعيد ، نحو : «يا زيد» والضمير ـ على أنّ نداءه شاذّ ـ واسم الجنس ، (٣) نحو : «يا رجل» و «يا رجلا» واسم الإشارة ، نحو : «يا هذا». عند البصريين. وذهب جماعة إلى جواز حذفه في الأخيرين. (٤)

__________________

(١). قال ابن مالك :

وللمنادى النّاء أو كالنّاء يا

وأى وآ كذا أيا ثمّ هيا

والهمز للدّانى ووا لمن ندب

أويا وغير وا لدى اللّبس اجتنب

(٢). يوسف (١٢) : ٢٩.

(٣). المراد بالجنس هو النكرة ، سواء كان مقصودة أو غير مقصودة. وسواء كان مفردا أو مضافا أو شبيها بالمضاف. شرح الكافية للمحقّق الرضي رحمه‌الله : ١ / ١٥٩.

(٤). قال ابن مالك :

وغير مندوب ومضمر وما

جا مستغاثا قد يعرّى فاعلما

وذاك فى اسم الجنس والمشار له

قلّ ومن يمنعه فانصر عاذله

٢٢٦

ولا يجوز الجمع بين حرف النداء و «ال» في غير اسم «الله» وما سمّي به من الجمل إلّا في ضرورة الشعر كقوله :

فيا الغلامان اللّذان فرّا

إيّا كما أن تعقبانا شرّا

وأمّا مع اسم «الله» ومحكّي الجمل فيجوز ، فتقول : «يا الله» بقطع الهمزة ووصلها.

وتقول فيمن اسمه «الرّجل منطق» : «يا الرّجل منطق».

والأكثر في نداء اسم الله «اللهمّ» بميم مشدّدة معوّضة من حرف النداء وشذّ الجمع بين الميم وحرف النداء في قوله :

إنّي إذا ما حدث ألمّا

أقول يا الّلهم يا الّلهما (١)

أقسام المنادى

المنادى على ثلاثة أقسام : مفرد (٢) ومضاف وشبيه بالمضاف.

المنادى المفرد إمّا أن يكون معرفة أو نكرة مقصودة أو نكرة غير مقصودة. فإن كان معرفة أو نكرة مقصودة يبني على ما يرفع به لو كان معربا ، فإن كان يرفع بالضمة بني عليها نحو : «يا زيد» و «يا رجل» (٣) وإن كان يرفع بالألف أو بالواو فكذلك ، نحو : «يا

__________________

(١). قال ابن مالك :

وباضطرار خصّ جمع يا وأل

إلّا مع الله ومحكيّ الجمل

والأكثر اللهمّ بالتّعويض

وشذّ يا اللهمّ في القريض

(٢). المراد بالمفرد هنا أن لا يكون مضافا ولا شبيها به ، كما في باب «لا» التى لنفي الجنس فيدخل في ذلك المركبّ المزجي والمثنّى والمجموع.

(٣). إذا اضطرّ شاعر إلى تنوين هذا المنادى كان له تنوينه وهو مضموم وكان له نصبه وقد ورد السماع بهما كقول الشاعر :

سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام

وقول آخر :

ضربت صدرها إلىّ وقالت

يا عديّا لقد وقتك الأواقي

«إلىّ» : منّي ، والمعنى : ضربت صدرها متعجّبة من نجاتي. «وقتك» : مشتقّ من الوقاية وهو الحفظ. و «الأواقي» : جمع واقية ، أصلها : «الوواقي».

وإلى هذا أشار ابن مالك بقوله :

واضمم أو انصب ما اضطرارا نوّنا

ممّا له استحقاق ضمّ بيّنا

٢٢٧

زيدان» و «يا رجلان» و «يا زيدون» و «يا رجيلون».

ويكون في محلّ نصب على المفعولية ، لأنّ المنادى مفعول به في المعنى وناصبه فعل مضمر ناب حرف النداء منابه فأصل «يا زيد» : أدعو وأطلب زيدا ، فحذف الفعل ونابت «يا» منابه.

وإذا كان المنادى مبنيّا قبل النّداء ـ ك «سيبويه» ـ قدّرت فيه الضمّة ، ويجري مجرى ما تجدّد بناؤه بالنداء ك «زيد» في أنّه يجوز في تابعه الرّفع مراعاة للضمّة المقدّر فيه والنّصب مراعاة للمحلّ فتقول : «يا سيبويه العاقل والعاقل» كما تقول : «يا زيد الظريف والظريف».

وإن كان نكرة غير مقصودة أو مضافا أو شبيها به (١) نصب ، فمثال الأوّل قول الأعمى : «يا رجلا خذ بيدي». ومثال الثاني : «يا غلام زيد». ومثال الثالث : «يا طالعا جبلا». (٢)

توابع المنادى

المنادى المبني إذا وصف بمضاف ـ إضافة معنويّة ـ مجرّد من «ال» وجب نصبه ، نحو : «يا زيد صاحب عمرو» وإلّا يجوز رفعه ـ حملا على اللفظ ـ ونصبه حملا على الموضع ، نحو : «يا زيد الظريف والظريف» و «يا رجل ضارب بكر وضارب بكر» و «يا زيد الكريم الأب والكريم الأب».

وحكم عطف البيان والتوكيد وعطف النسق المقرون ب «ال» حكم الصفة ، فتقول : «يا زيد أخونا وأخانا» و «يا تميم أجمعون وأجمعين» و «يا زيد والرّجل والرّجل».

وأمّا عطف النسق المجرّد من «ال» والبدل ففي حكم المنادى المستقلّ ، فيبنى إذا

__________________

(١). هو كلّ اسم له تعلّق بما بعده إمّا بعمل ، نحو : «يا طالعا جبلا» وإمّا بعطف ، نحو : «يا ثلاثة وثلاثين».

(٢). قال ابن مالك :

وابن المعرّف المنادى المفردا

على الّذي في رفعه قد عهدا

وانو انضمام ما بنوا قبل النّدا

وليجر مجرى ذي بناء جدّدا

والمفرد المنكور والمضافا

وشبهه انصب عادما خلافا

٢٢٨

كان مفردا ، نحو : «يا رجل وزيد» و «يا رجل زيد» وينصب إن كان مضافا ، نحو : «يا زيد وعبد الله» و «يا زيد عبد الله».

والمنادى المعرب إذا كان تابعه نعتا أو تاكيدا أو عطف البيان أو عطف نسق مقرونا ب «ال» وجب نصب التابع نحو : «يا عبد الله صاحب عمرو» و «يا عبد الله زيدا» «يا عبد الله والرّجل».

أمّا عطف النسق المجرّد من «ال» والبدل ففي حكم المنادى المستقلّ ، كما تقدّم. (١)

تنبيهات

الأوّل : قلنا : «إنّ المنادى المبني إذا وصف بمفرد يجوز فيه الرفع ـ حملا على اللفظ ـ والنصب ، حملا على الموضع». ويستثنى من ذلك تابع «أيّ» في نحو : «يا أيّها الرّجل» ، ف «أيّ» منادى مفرد مبنىّ على الضمّ و «ها» زائدة و «الرّجل» صفة لأيّ. وقيل : عطف بيان والجمهور يوجبون رفعه ، لأنّه المقصود بالنداء والمنادى المفرد لا ينصب.

ولا توصف «أيّ» إلّا باسم جنس محلّى ب «ال» كالرّجل أو باسم إشارة ، نحو : «يا أيّهذا» أو ، بموصول محلّى ب «ال» ، نحو قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ».(٢) وإن اريد مؤنّث يقال «أيّة» ، كقوله تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) ، (٣) وكتابع «أيّ» ـ في وجوب الرفع ـ تابع اسم الإشارة في نحو : «يا هذا الرّجل». (٤)

الثاني : إذا كرّر المنادى مضافا ، نحو : «يا سعد سعد الأوس» ، تعيّن نصب الثاني وجاز

__________________

(١). قال ابن مالك :

تابع ذى الضّمّ المضاف دون أل

ألزمه نصبا كأزيد ذا الحيل

وما سواه ارفع أو انصب واجعلا

كمستقلّ نسقا وبدلا

وإن يكن مصحوب أل ما نسقا

ففيه وجهان ورفع ينتقى

(٢). الحجر (١٥) : ٦.

(٣). الفجر (٨٩) : ٢٨.

(٤). قال ابن مالك :

وأيّها مصحوب أل بعد صفه

يلزم بالرّفع لدى ذى المعرفه

وأيّهذا أيّها الّذي ورد

ووصف أيّ بسوى هذا يردّ

وذو إشارة كإيّ فى الصّفه

إن كان تركها يفيت المعرفه

٢٢٩

في الأوّل الضم والفتح.

فإن ضمّ الأوّل ـ لأنّه منادى مفرد معرفة ـ كان الثاني منصوبا على البدلية أو عطف البيان أو على إضمار «يا» أو «أعني».

وإن فتح الأوّل ، فهو على مذهب سيبويه منادى مضاف إلى ما بعد الاسم الثاني وأنّ الثاني مقحم بين المضاف والمضاف إليه. وذهب المبرّد إلى أنّه مضاف إلى محذوف مماثل لما اضيف إليه الثاني. وقال الفرّاء : «الاسمان مضافان للمذكور». (١)

الثالث : إذا كان المنادى مفردا علما ووصف ب «ابن» مضافا إلى علم ولم يفصل بين المنادى وبين «ابن» ، يحذف ألف «ابن» خطّا وجاز في المنادى وجهان : البناء على الضمّ ، نحو : «يا زيد بن عمرو» والفتح ، (٢) نحو : «يا زيد بن عمرو».

ويتعيّن الضمّ في نحو «يا رجل ابن عمرو». لانتفاء علميّة المنادى وفي نحو «يا زيد ابن أخينا» لانتفاء علميّة المضاف إليه وفي نحو «يا زيد الفاضل ابن عمرو» لوجود الفصل.

والوصف ب «ابنة» كالوصف ب «ابن» ، نحو : «يا هند ـ ويا هند ـ ابنة عمرو». (٣)

المنادى المضاف إلى ياء المتكلّم

المنادى المضاف إلى ياء المتكلّم إمّا أن يكون صحيحا أو معتلا.

فإن كان معتلا وجب إثبات الياء مفتوحة ، نحو : «يا فتاي» و «يا قاضيّ».

وإن كان صحيحا جاز فيه خمسة أوجه :

__________________

(١). قال ابن مالك :

في نحو سعد سعد الأوس ينتصب

ثان وضمّ وافتح أوّلا تصب

(٢). إمّا على الإتباع لفتحة «ابن» أو على تركيب الصفة مع الموصوف وجعلهما شيئا واحدا ك «خمسة عشر» وإمّا على إقحام «ابن» وإضافة «زيد» إلى «عمرو» لأنّ ابن الشخص يجوز إضافته إليه.

(٣). قال ابن مالك :

ونحو زيد ضمّ وافتحنّ من

نحو أزيد بن سعيد لاتهن

والضّمّ إن لم يل الابن علما

أو يل الابن علم قد حتما

٢٣٠

أحدها : حذف الياء والاكتفاء بالكسرة ، كقوله تعالى : «يا عِبادِ فَاتَّقُونِ».(١) وهذا هو الأكثر.

الثاني : إثبات الياء ساكنة ، ففي الحديث : قال الله تعالى : «يا داود! قل لعبادي : يا عبادي! من لم يرض بقضائي ولم يشكر نعمائي ولم يصبر على بلائي فليطلب ربّا سوائي». (٢) وهو دون الأوّل في الكثرة.

الثالث : إثبات الياء مفتوحة ، كقوله تعالى : «يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ».(٣)

الرابع والخامس : قلب الكسرة فتحة والياء ألفا ، مع إثبات الألف وحذفها كقوله تعالى : «يا حَسْرَتى».(٤)

وقول الشاعر :

ولست براجع ما فات عنّي

بلهف ولا بليت ولا لو أنّي

ف «لهف» منادى حذف منه حرف النداء والأصل «يا لهفا» فحذفت الألف المنقلبة عن ياء المتكلّم. قال ابن مالك في شرح الكافية : «وذكروا أيضا وجها سادسا وهو الاكتفاء عن الإضافة بنيّتها وجعل الاسم مضموما كالمنادى المفرد. حكى يونس عن بعض العرب : «يا أمّ لا تفعلي».

ويجوز في «أب وأمّ» ـ مع الوجوه المتقدّمة ـ أن تعوّض تاء التأنيث من ياء المتكلم فيقال : «يا أبت ويا أمّت» ـ بفتح التاء وكسرها ـ ولا يجوز إثبات الياء.

أمّا قوله :

أيا أبتي لا زلت فينا فإنّما

لنا أمل في العيش ما دمت عائشا

ضرورة.

وإذا كان المنادى مضافا إلى مضاف إلى ياء المتكلم وجب إثبات الياء كقولك :

«يا أخي» ، إلّا في «ابن أمّ» و «ابن عمّ» فتحذف الياء منهما لكثرة الاستعمال وتكسر الميم أو تفتح ، فتقول : «يا ابن أمّ» و «يا ابن عمّ» بفتح الميم وكسرها. (٥)

__________________

(١). الزّمر (٣٩) : ١٦.

(٢). بحار الأنوار : ٦٤ / ٢٣٦.

(٣). الزمر (٣٩) : ٥٣.

(٤). الزمر (٣٩) : ٥٦.

(٥). قال ابن مالك :

٢٣١

في أسماء ملازمة للنداء

منها : «فل» و «فلة» وهما عند سيبويه كناية عن نكرة ف «فل» بمعنى «رجل» و «فلة» بمعنى «امرأة». وذهب جماعة إلى أنّهما كناية عن العلم من نحو زيد وهند. ومنها : «لؤمان» و «ملأمان» و «ملأم» بمعنى كثير اللّوم و «نومان» بمعنى كثير النوم.

ومنها : «فعال» من كلّ فعل ثلاثي ، لذمّ الانثى وسبّها ، نحو : «يا خباث» و «يا فساق».

ومنها : «فعل» لسبّ الذّكور ، نحو : «يا فسق» و «يا غدر». واختار ابن عصفور كونه قياسيّا وابن مالك كونه سماعيّا. (١)

الاستغاثة

وهي نداء شخص ليخلّص من شدّة أو يعين على دفع مشقّة ، والمطلوب منه الاستغاثة يسمّى «مستغاثا» (٢) والمطلوب له الاستغاثة يسمّى «مستغاثا له».

ولا يستعمل للاستغاث من أحرف النداء إلّا «يا» ولا يجوز حذفها ولا حذف المستغاث.

وللمستغاث ثلاثة أوجه :

الأوّل : أن يجرّ بلام مفتوحة ، وهو الغالب ، نحو : «يا لزيد للمظلوم».

الثاني : أن يختم بألف زائدة ، نحو : «يا زيدا للمظلوم».

__________________

واجعل منادى صحّ إن يضف ليا

كعبد عبدى عبد عبدا عبديا

والفتح والكسر وحذف اليا استمّر

في يابن امّ يابن عمّ لا مفرّ

وفى النّدا أبت أمّت عرض

واكسر أو افتح ومن اليا التّا عوض

(١). قال ابن مالك :

وفل بعض ما يخصّ بالنّدا

لؤمان نومان كذا واطّردا

في سبّ الأنثى وزن يا خباث

والامر هكذا من الثّلاثيّ

وشاع في سبّ الذّكور فعل

ولا تقس وجرّ في الشّعر فل

(٢). أصله «مستغاث به» فحذف «به».

٢٣٢

الثالث : أن يخلو من اللام والألف ، نحو : «يا زيد للمظلوم».

ومثل المستغاث المتعجّب منه بلا فرق ، كقولهم : «يا للعجب لزيد» و «يا عجبا لزيد» و «يا عجب لزيد» أي : يا عجب احضر فهذا وقتك.

وإذا عطف على المستغاث مستغاث مستغالث آخر فإمّا أن تتكرّر معه «يا» أولا.

فإن تكرّرت لزم فتح اللّام ، نحو : «يا لزيد ويا لعمرو لبكر».

وإن لم تتكرّر لزم الكسر ، نحو : «يا لزيد ولعمرو لبكر».

وأمّا المستغاث له فإن ذكر في الكلام وجب جرّه بلام مكسورة إذا كان اسما ظاهرا أو ياء المتكلّم نحو : «يا لزيد لعمرو» و «يا لزيد لي» وإلّا فتحت ، نحو : «يا لزيد له». (١)

المندوب

المندوب هو المتفّج عليه ب «وا» أو «يا» ، نحو : «وازيداه» أو المتوجّع منه ، نحو : «وا مصيبتاه» أو المتوجّع له ، نحو : «وا ظهراه».

ويشترط في المندوب أن يكون معرفة مشهورا (٢) فلا تندب النكرة ، فلا يقال : «وا رجلاه» ولا الضمير ولا المبهم كاسم الإشارة والموصول إلّا إذا كان خاليا من «ال» واشتهرت صلته شهرة ترفع عنه الإبهام كقولهم : «وا من قلع باب خيبراه» و «وا من حفر بئر زمزماه» فإنّه بمنزلة «وا عليّاه» و «وا عبد المطّلباه». (٣)

وللمندوب استعمالان :

أحدهما : أن يكون كالمنادى في بنائه على علامة الرفع إن كان مفردا ونصبه إن

__________________

(١). قال ابن مالك :

إذا استغيث اسم منادى خفضا

باللّام مفتوحا كيا للمرتضى

وافتح مع المعطوف إن كرّرت يا

وفي سوى ذلك بالكسر ائتيا

ولام ما استغيث عاقبت ألف

ومثله اسم ذو تعجّب الف

(٢). راجع : شرح الكافية للمحقّق الرضي رحمه‌الله : ١ / ١٥٩

(٣). قال ابن مالك :

ما للمنادى اجعل لمندوب وما

نكّر لم يندب ولا ما ابهما

ويندب الموصول بالّذى اشتهر

كبئر زمزم يلي وامن حفر

٢٣٣

كان مضافا أو شبيها به ، فيقال : «وا زيد» ، «وا عبد الله» ، «وا طالعا جبلا» إذا كان معروفا معيّنا. وكذا توابعه كتوابع المنادى على التفصيل المذكور وذلك لأنّه منادى في الأصل لحقه معنى الندبة.

الثاني : أن يلحق آخره ألف ، نحو : «وا زيدا». ويحذف لهذه الألف ما قبلها من الف ، نحو : «وا موساه» أو تنوين ، نحو : «وا من حفر بئر زمزماه» ، أو ضمّة نحو : «وا زيداه» أو كسرة ، نحو : «وا عبد الرّحيماه».

وإن أوقع حذف الكسرة أو الضمة في لبس ابقيا وجعلت الألف ياء بعد الكسرة ، نحو : «وا غلامكي» وواوا بعد الضمّة ، نحو : «وا غلامهو». واصلهما «وا غلامك» و «وا غلامه» ، فلو قلت : «وا غلامكاه» و «وا غلامهاه» لا لتبس المندوب المضاف إلى ضمير المخاطبة بالمندوب المضاف إلى ضمير المخاطب ، والتبس المندوب المضاف إلى ضمير الغائب بالمندوب المضاف إلى ضمير الغائبة.

وإذا وقف على المندوب لحقه بعد الألف هاء السكت نحو : «وا زيداه» أو وقف على الألف ، نحو : «وا زيدا».

وإذا ندب المضاف إلى ياء المتكلّم فعلى لغة من فتح الياء قيل فيه : «وا عبديا» أو «وا عبدا».

وعلى سائر اللغات يقال : «واعبدا». (١)

ترخيم المنادى

يجوز ترخيم المنادى (٢) وهو حذف آخره تخفيفا ، نحو : «يا سعا» في «يا سعاد».

__________________

(١). قال ابن مالك :

ومنتهى المندوب صله بالألف

متلوّها إن كان مثلها حذف

كذاك تنوين الّذي به كمل

من صلة أو غيرها نلت الأمل

والشّكل حتما أوله مجانسا

إن يكن الفتح بوهم لا بسا

وواقفا زد هاء سكت ان ترد

وإن تشأ فالمدّ والها لا تزد

وقائل وا عبديا وا عبدا

من فى النّدا اليا ذا سكون أبدا

(٢). في غير المندوب والمستغاث المجرور باللّام.

٢٣٤

ويجب أن يحذف مع الآخر ما قبله إن كان حرف علة ساكنا زائدا رابعا فصاعدا ، وقبله حركة من جنسه وذلك نحو : «عمران ومنصور ومسكين» فتقول : «يا عمر ويا منص ويا مسك». بخلاف «شمأل» فإنّ زائده ـ وهو الهمزة ـ غير علّة ، وبخلاف نحو «قنوّر» لتحرّك حرف العلّه. وبخلاف نحو «مختار» لعدم زيادة الألف ونحو «سعيد» لأنّ السابق على حرف العلّة اثنان وبخلاف نحو «فرعون» و «غرنيق» لعدم مجانسة الحركة.

والجرمي والفرّاء لا يشترطان المجانسة فيجيزان «يا فرع» ويا «غرن».

ولا خلاف في نحو «مصطفون» و «مصطفين» ـ لأنّ أصلهما «مصطفيون» و «مصطفيين» فالحركة مجانسة تقديرا.

ثمّ إن كان المنادى مختوما بتاء التأنيث ، جاز ترخيمه مطلقا ، أي : سواء كان علما ، ك «فاطمة» أو غير علم ك «جارية» ، زائدا على ثلاثة أحرف كما مثّل أو غير زائد ك «شاة» فتقول : «يا فاطم ويا جاري ويا شا».

وإن كان مجرّدا من التاء اشترطوا لجواز ترخيمه أن يكون علما ، زائدا على ثلاثة أحرف غير مركّب تركيب إضافة ولا إسناد ، فيقال في ترخيم «جعفر» : يا جعف».

فلا يرخّم ما كان على ثلاثة أحرف ك «زيد» وما كان زائدا على ثلاثة أحرف غير علم ، ك «قائم» وما ركّب تركيب إضافة ، ك «عبد شمس» وما ركّب تركيب إسناد ، نحو : «تأبّط شرّا».

وجوّز الفرّاء والأخفش ترخيم العلم الثلاثي المتحرّك الوسط ونقل ابن الخشّاب عن الكوفيّين جواز ترخيم العلم الثلاثي مطلقا.

وحكي عن الكوفيين ترخيم ذي الإضافة بحذف آخر المضاف إليه تمسّكا بقول الشاعر :

خذوا حظّكم يا آل عكرم واذكروا

أو اصرنا ، والرّحم بالغيب تذكر

وحكي عن سيبويه أنّ بعض العرب يرخّم المركّب الإسنادي بحذف آخره فيقول في «تأبّط شرا» : «يا تأبّط».

وأمّا ما ركّب تركيب مزج فيرخّم بحذف عجزه ، فتقول في «معدي كرب» : «يا

٢٣٥

معدي». (١)

ويجوز في المرخّم لغتان :

إحدهما : أن ينوى المحذوف فلا يغيّر ما بقي ، تقول في «جعفر وحارث ومنصور وثمود» : «يا جعف ويا حار ويا منص ويا ثمو».

الثانية : أن لا ينوى المحذوف فيجعل الباقي كأنّه آخر الاسم في أصل الوضع فتقول : «يا جعف» و «يا حار» و «يا منص» و «يا ثمي» ، أصله : «يا ثمو» فتقلب الواو ياء والضمة قبلها كسرة. قال ابن هشام : لأنّه ليس في العربيّة اسم معرب آخره واو لازمة مضموم ما قبلها».

وما فيه تاء التأنيث يرخّم على اللّغة الاولى ، تقول في «مسلمة» و «حارثة» و «حفصة» : «يا مسلم» و «يا حارث» و «يا حفص» لئلّا يلتبس بنداء مذكّر لا ترخيم فيه.

فإن لم يخف لبس جاز أن يرخّم على اللغتين ، فتقول في «مسلمة» : «يا مسلم» بفتح الميم وضمّها. (٢)

تنبيه : قد يحذف للضرورة آخر الكلمة فى غير النداء ، بشرطين :

__________________

(١). قال ابن مالك :

ترخيما احذف آخر المنادى

كيا سعا فيمن دعا سعادا

وجوّزنه مطلقا في كلّ ما

أنّث بالها والّذي قد رخّما

بحذفها وفّره بعد واحظلا

ترخيم ما من هذه الها قد خلا

إلّا الرّباعي فما فوق العلم

دون إضافة وإسناد متمّ

ومع الآخر احذف الّذي تلا

إن زيد لينا ساكنا مكمّلا

أربعة فصاعدا والخلف في

واو وياء بعده فتح قفي

(٢). قال ابن مالك :

والعجز احذف من مركّب وقلّ

ترخيم جملة وذا عمرو نقل

وإن نويت بعد حذف ما حذف

فالباقي استعمل بما فيه ألف

واجعله إن لم تنو محذوفا كما

لو كان بالآخر وضعا تمّما

فقل على الأوّل في ثمود يا

ثمو ويا ثمي على الثّاني بيا

والتزم الأوّل في كمسلمه

وجوّز الوجهين في كمسلمه

٢٣٦

الأوّل : أن تكون صالحة للنداء فلا يجوز في نحو «الغلام».

الثاني : أن تكون زائدة على الثلاثة أو بتاء التأنيث.

قال الشاعر :

لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره

طريف بن مال ليلة الجوع والخصر (١)

__________________

(١). «تعشو» : ترى ناره من بعيد فتقصدها. «الخصر» : شدّة البرد. مدح الشاعر طريف بن مالك بأنّه رجل كريم وأنّه يوقد النّيران ليلا ليراها السائرون فتقصدوا نحوها.

قال ابن مالك :

ولاضطرار رخّموا دون ندا

ما للنّدا يصلح نحو أحمدا

٢٣٧

الاختصاص

هو اسم معمول ل «أخصّ» واجب الحذف.

فإن كان هذا الاسم «أيّها» أو «أيّتها» استعملا كما يستعملان في النداء فيضمّان لفظا وينصبان محلّا ويوصفان بمعرّف ب «ال» مرفوع ، نحو : «أنا أفعل كذا أيّها الرجل» و «اللهمّ اغفر لنا أيّتها العصابة».

وإن كان غيرهما نصب ، نحو : «نحن العرب أسخى الناس».

والاختصاص يشابه النداء في أنّ كلّا منهما يوجد معه الاسم تارة مبنيّا على الضمّ وتارة منصوبا. ويفارقه في امور :

أحدها : أنّه لا يستعمل معه حرف نداء.

والثاني : أنّه لا يقع في أوّل الكلام ، بل لا بدّ أن يسبقه شيء.

والثالث : أنّه تصاحبه الألف واللّام.

والرابع : أنّه يشترط أن يكون المقدّم عليه اسما بمعناه والغالب كونه ضمير تكلّم وقد يكون ضمير خطاب كقول بعضهم : «بك الله نرجو الفضل».

والخامس : أنّه يقلّ كونه علما.

والسادس : أنّه ينصب مع كونه مفردا. (١)

التّحذير والإغراء

التحذير : هو تنبيه المخاطب على أمر يجب الاحتراز منه.

__________________

(١). قال ابن مالك :

الاختصاص كنداء دون يا

كأيّها الفتى باثر ارجونيا

وقد يرى ذا دون أيّ تلو أل

كمثل نحن العرب أسخى من بذل

٢٣٨

فإن كان ب «إيّاك» وأخواته فالعامل محذوف لزوما ، سواء وجد عطف أم لا ، تقول : «إيّاك والأسد» ، ف «إيّاك» منصوب بفعل مضمر وجوبا ، والأصل : «احذر تلاقي نفسك والأسد» ثمّ حذف الفعل وفاعله فصار : «تلاقي نفسك والأسد» ثمّ حذف المضاف الأوّل وهو «تلاقي» وناب عنه «نفسك» فانتصب وصار : «نفسك والأسد» ثمّ حذف المضاف الثاني وناب عنه الضمير فانتصب وانفصل وصار : «إيّاك والأسد».

وتقول : «إيّاك من الأسد» ، والأصل : «باعد نفسك من الأسد» ثمّ حذف الفعل وفاعله والمضاف ، فانفصل الضمير وصار «إيّاك من الأسد».

وقيل : التقدير «أحذّرك من الأسد» فحذف الفعل وفاعله وانفصل الضمير فصار «إيّاك من الأسد».

فنحو «إيّاك الأسد» ممتنع على التقدير الأوّل لأنّ «باعد» لا يتعدّى إلى المفعول الثاني بنفسه. فيلزم أن يحكم بحذف «من» ونصب المجرور وهو غير مطّرد إلّا مع «أنّ» و «أن» كما تقدّم في التعدّي واللزوم ؛ وجائز على الثاني لأنّ «احذّر» يتعدّى إلى المفعول الثاني بنفسه وب «من».

ولا خلاف في جواز «إيّاك أن تفعل» على التقديرين ، فجوازه على الأوّل لصلاحيّته لتقدير «من» ، لأنّ حرف الجرّ ـ كما قلنا ـ يحذف مع «أن» قياسا ، وجوازه على الثاني واضح لتعدّي الفعل إليه بنفسه.

وحقّ التحذير أن يكون للمخاطب وشذّ مجيئه للمتكلّم في قوله : «إيّاي وأن يحذف أحدكم الأرنب» وأشذّ منه مجيئه للغائب في قوله : «إذا بلغ الرّجل الستّين فإيّاه وإيّا الشوابّ».

وإن كان التحذير بغير «إيّاك» وأخواته فلا يجب إضمار الناصب إلّا مع العطف كقولك : «رأسك والسيف» أي : «ق رأسك واحذر السيف» أو تكرار المحذّر منه ، نحو : «الأسد الأسد» أي : احذر الأسد» أو تكرار المحذّر ، نحو : «نفسك نفسك» أي : احذر نفسك».

فإن لم يكن عطف ولا تكرار جاز إضمار الناصب وإظهاره ، نحو : «الأسد» أو «احذر

٢٣٩

الأسد». (١)

الإغراء : هو تنبيه المخاطب على أمر محمود ليفعله. وهو كالتحذير بغير «إيّا» في أنّه إن وجد عطف أو تكرار وجب إضمار ناصبه ، كقول الشاعر :

أخاك أخاك إنّ من لا أخا له

كساع إلى الهيجا بغير سلاح

ونحو : «الأهل والولد» ، أي : الزم.

وإن لم يوجد عطف ولا تكرار لا يجب الإضمار ، نحو : «أخاك» أو «الزم أخاك». (٢)

أسماء الأفعال

هي ألفاظ تقوم مقام الأفعال في الدّلالة على معناه وفي عملها (٣) ك «شتّان» بمعنى : افترق و «أوّه» بمعنى : أتوجّع و «صه» بمعنى : اسكت.

وما كان بمعنى الأمر كثير ، نحو : «آمين» بمعنى : استجب و «مه» بمعنى : إنكفف و «رويد» بمعنى : أمهل و «هيت» و «هيا» بمعنى «أسرع» و «إيه» بمعنى : إمض في حديثك و «حيّهل» بمعنى إئت أو عجّل أو أقبل و «ها» بمعنى خذ و «هلمّ» بمعنى أحضر أو أقبل و «نزال» ـ بمعنى انزل ـ وبابه وينقاس في كلّ فعل ثلاثي تامّ متصرّف.

__________________

(١). قال ابن مالك :

إيّاك والشّرّ ونحوه نصب

محذّر بما استتاره وجب

ودون عطف ذا لإيّا انسب وما

سواه ستر فعله لن يلزما

إلّا مع العطف أو التّكرار

كالضّيغم الضّيغم يا ذا السّاري

وشذّ إيّاى وإيّاه أشذّ

وعن سبيل القصد من قاس انتبذ

(٢). قال ابن مالك :

وكمحذّر بلا إيّا اجعلا

مغرى به في كلّ ما قد فصّلا

(٣). فإن كان ذلك الفعل يرفع فقط كان اسم الفعل كذلك ، ك «صه» بمعنى اسكت و «هيهات» بمعنى بعد وإن كان يرفع وينصب كان اسم الفعل كذلك ، ك «دراك» بمعنى أدركه.

لكن لا يجوز تقديم معمول اسم الفعل عليه خلافا للكسائي ، وأشار ابن مالك إلى ذلك بقوله :

وما لما تنوب عنه من عمل

لها ، وأخّر ما لذي فيه العمل

٢٤٠