القواعد النحويّة

السيد قاسم الحسيني الخراساني ومحمود الملكي الإصفهاني

القواعد النحويّة

المؤلف:

السيد قاسم الحسيني الخراساني ومحمود الملكي الإصفهاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مديرية العامة للحوزة العلمية في قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

مجموعا جمع سلامة لمذكّر ، فيقال في «غلام» : غلاميّ. ويجوز حينئذ في الياء الفتح والسكون. (١)

أمّا المنقوص فادغمت ياؤه في ياء المتكلّم وفتحت ياء المتكلّم فتقول : «قاضيّ» رفعا ونصبا وجرا. وكذلك تفعل بالمثنّى وجمع المذكّر السّالم في حالة الجرّ والنصب فتقول : «رأيت غلاميّ وزيديّ» و «مررت بغلاميّ وزيديّ».

وأمّا جمع المذكّر السالم ـ في حالة الرفع ـ فتقلب واو ياء ، لأنّ الواو والياء إذا اجتمعتا والأولى منهما ساكنة قبلت الواو ياء ، ثمّ ادغمت في الياء ، فإن كان قبلها ضمّة قبلت كسرة للمناسبة ، نحو «زيديّ» ، وإن كان فتحة بقيت على حالها ، نحو : «مصطفيّ».

وأمّا المثنّى ـ في حالة الرفع ـ فتفتح ياء المتكلّم بعد الألف ، فتقول : «زيداي».

وأمّا المقصور فالمشهور في لغة العرب جعله كالمثنّى المرفوع فتقول : «عصاي».

وهذيل تقلب ألفه ياء وتدغمها في ياء المتكلّم وتفتح ياء المتكلّم ، فتقول : «عصيّ» ومنه قوله :

سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم

فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع (٢) و (٣)

__________________

(١). ويجوز في الإضافة المعنوية ـ مضافا إلى الوجهين ـ حذف الياء ، اكتفاء بالكسرة قبلها ، ك «غلام» ، وقلبها ألفا ـ بعد فتح ما قبلها ـ ك «غلاما» وقد تحذف الألف اكتفاء بالفتحة. أمّا الإضافة اللفظيّة ك «مكرمي» فقال الخضري في حاشيته على شرح ابن عقيل (ج ٢ ، ص ٢١): «لا حذف ولا قلب لأنّها في نيّة الانفصال فلم تكن الياء كجزء الكلمة».

(٢). الضمير في «سبقوا» يرجع إلى خمسة بنين للشاعر هلكوا جميعا في طاعون. و «أعنقوا لهواهم» : تبع بعضهم بعضا في الموت «تخرّموا» : خرمتهم المنيّة واحدا بعد واحد. والمراد بالهوي الموت. «مصرع» : اسم مكان من الصّرع وهو الطرح على الأرض.

(٣). قال ابن مالك :

آخر ما اضيف لليا اكسر إذا

لم يك معتلّا كرام وقذى

أو يك كابنين وزيدين فذي

جميعها اليا بعد فتحها احتذي

وتدغم اليا فيه والواو وإن

ما قبل واو ضمّ فاكسره يهن

وألفا سلّم وفى المقصور عن

هذيل انقلابها ياء حسن

١٨١

إعمال المصدر

يعمل المصدر عمل فعله سواء كان مضافا ، كقوله تعالى (لَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ)(١) أو محلّى ب «ال» كقول الشاعر :

ضعيف النّكاية أعداءه

يخال الفرار يراخي الأجل (٢)

أو مجردا من الإضافة و «أل» ، كقوله تعالى : «أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً».(٣) والأوّل أكثر والثاني أندر والثالث أقيس.

وذكروا لإعمال المصدر شروطا :

أحدها : أن يحلّ محلّه فعل مع «أن» أو «ما» ، فيقّدر ب «أن» إذا اريد المضيّ أو الاستقبال ، نحو : «عجبت من ضربك زيدا أمس أو غدا». والتّقدير : «من أن ضربت زيدا أمس أو من أن تضرب زيدا غدا». وب «ما» إذا اريد به الحال ، نحو : «عجبت من ضربك زيدا الان» والتقدير : «ممّا تضرب زيدا الآن».

ثانيها : أن يكون مظهرا فلو اضمر لم يعمل ، فلا يقال : «ضربك المسيء حسن وهو المحسن قبيح» خلافا للكوفيّين.

ثالثها : أن يكون مكبّرا : فلو صغّر لم يعمل ، فلا يجوز : «أعجبني ضريبك زيدا». وقيل : «يعمل مصغّرا».

رابعها : ألّا يكون محدودا ، فلا يجوز : «أعجبني ضربتك زيدا». وشذّ قوله :

يحايي به الجلد الّذي هو حازم

بضربة كفّيه الملا نفس راكب (٤)

__________________

(١). البقرة (٢) : ٢٥١.

(٢). النكاية : مصدر «نكى العدوّ وفي العدوّ» بمعنى قهره بالقتل والجرح.

(٣). البلد (٩٠) : ١٤ و ١٥.

(٤). قوله «يحايي» أي : يحيي ، «به» : أي بسبب الماء ، و «الجلد» : القويّ وهو فاعل «يحايي» و «الحازم» : الضابط و «الملا» : التراب. والشاهد في نصبه ب «ضربة». و «نفس راكب» مفعول «يحايي». يصف الشاعر مسافرا معه ماء فتيمّم وأحيى بالماء نفس راكب كاد يموت عطشا.

١٨٢

خامسها : ألّا يكون موصوفا قبل العمل ، فلا يقال : «أعجبني ضربك الشديد زيدا».

سادسها : ألّا يكون مثنّى ولا مجموعا فيجب أن يكون مفردا ، فلا يقال : «عجبت من ضربيك زيدا» و «عجبت من ضروبك زيدا». وأجاز بعض النحاة إعمال الجمع.

ثمّ إنّ للمصدر المضاف خمسة أحوال :

الأوّل : أن يضاف إلى فاعله ثمّ يأتي مفعوله ، نحو : «عجبت من شرب زيد العسل».

الثاني : أن يضاف إلى مفعوله ثمّ يأتي فاعله ، نحو : «عجبت من شرب العسل زيد». وهو قليل.

الثالث : أن يضاف إلى الفاعل ثمّ لا يذكر المفعول نحو : «اللهمّ تقبّل دعائي» ، (١) أي : «دعائي إيّاك».

الرّابع : أن يضاف إلى المفعول ثمّ لا يذكر الفاعل نحو قوله تعالى : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) ، (٢) أي : «من دعائه الخير».

الخامس : أن يضاف إلى الظرف ثمّ يرفع الفاعل وبنصب المفعول ، نحو : «حبّ يوم عاقل لهوا صبا».

وتابع المجرور يجرّ على اللفظ أو يحمل على المحلّ فيرفع أو ينصب ، كقول بعض العرب : «عجبت من تساقط البيوت بعضها على بعض» ، برفع «بعضها» أو كسرها.

وقوله :

قد كنت داينت بها حسّانا

مخافة الإفلاس واللّيّانا. (٣)

ف «اللّيانا» معطوف على محلّ «الإفلاس».

تتمّة : يجوز في تابع المفعول المجرور إذا حذف الفاعل ـ مع ما ذكر ـ الرّفع على تقدير المصدر بحرف مصدريّ موصول بفعل لم يسمّ فاعله.

__________________

(١). مستدرك الوسائل : ٣ / ٣٩١.

(٢). فصّلت (٤١) : ٤٩.

(٣). داينت بها : أخذتها بدلا من دين لى عنده. وضمير «ها» راجع إلى أمة. و «اللّيّان : المطل والتسويف في قضاء الدّين. والمعنى قد كنت أخذت هذه الامة من حسّان بدلا عن دين لي عنده لمخافتي أن يفلس أو يمطلني فلا يؤدّيني حقّي.

١٨٣

إعمال اسم المصدر

يلحق بالمصدر في الإعمال اسم المصدر وعرّفه ابن مالك في التسهيل بأنّه : «هو ما ساوى المصدر في الدلالة على معناه وخالفه بخلوّه ـ لفظا وتقديرا ـ من بعض ما في فعله دون تعويض». وذلك مثل «عطاء» فإنّه مساو ل «إعطاء» معنى ومخالف له بخلوّه من الهمزة الموجودة في فعله لفظا وتقديرا ولم يعوّض منها شيء. بخلاف نحو «قتال» فإنّه خلا من الف «قاتل» لفظا لا تقديرا ولذلك نطق بها في بعض المواضع ، نحو : «قاتل قيتالا» لكنّها انقلبت ياء لا نكسار ما قبلها. وبخلاف نحو «عدة» فإنّه خلا من واو «وعد» لفظا وتقديرا ولكن عوّض منها التاء. فهما مصدران لا اسما مصدر. أمّا نحو «وضوء» من قولك : «توضّأ وضوء» فإنّه اسم مصدر لا مصدر لخلوّه لفظا وتقديرا من بعض ما في فعله ، من دون تعويض. وحقّ المصدر أن يتضمّن حروف فعله نحو «توضّأ توضّوء».

ثمّ إنّ اسم المصدر إن كان علما ـ ك «فجار» للفجرة ـ لم يعمل اتّفاقا ، وإن كان ميميّا فكالمصدر اتّفاقا ، كقوله :

أظلوم إنّ مصابكم رجلا

أهدى السّلام تحيّة ظلم

وإن كان غيرهما لم يعمل عند البصريّين ويعمل عند الكوفيين والبغداديّين وعليه قوله :

أكفرا بعد ردّ الموت عنيّ

وبعد عطائك المائة الرّتاعا (١)

أبنية المصادر

اعلم أنّ للفعل الثلاثي ثلاثة أوزان :

__________________

(١). الرّتاع : الرّاتعة من الإبل.

قال ابن مالك :

بفعله المصدر ألحق فى العمل

مضافا أو مجرّدا أو مع أل

إن كان فعل مع أن أو ما يحل

محلّه ولاسم مصدر عمل

وبعد جرّه الّذى اضيف له

كمّل بنصب أو برفع عمله

وجرّ ما يتبع ما جرّ ومن

راعى فى الإتباع المحلّ فحسن

١٨٤

الأوّل : فعل وهو قد يكون متعدّيا ك «ضرب» وقد يكون لازما ، ك «قعد».

الثاني : فعل وهو أيضا يكون متعدّيا ك «علم» ولازما ك «سلم».

الثالث : فعل ولا يكون إلّا لازما ، ك «ظرف».

أمّا فعل وفعل المتعدّيان فمصدرهما الفعل ، كالأكل والفهم.

وأمّا فعل اللازم فمصدره الفعل ، كالفرح ، إلّا إذا دلّ على لون فيجيء على الفعلة ك «سمر سمرة».

وأمّا فعل اللازم فمصدره الفعول كالقعود ، إلّا إذا دلّ على امتناع فمصدره الفعال ك «الإباء» ، أو على تقلّب فمصدره الفعلان كالجولان أو على داء فمصدره الفعال ك «السّعال» أو على سير فمصدره الفعيل ، كالرّحيل أو على صوت فمصدره الفعال أو الفعيل كالصّراخ والصّهيل أو على حرفة أو ولاية فمصدره الفعالة ك «تجر تجارة» و «سفر بينهم سفارة» إذا أصلح.

أمّا فعل فمصدره الفعولة أو الفعالة ، ك «الصّعوبة» و «الفصاحة».

وما ذكرنا هو الغالب في مصدر الفعل الثلاثي وقد يجيء على خلاف ذلك ، نحو : «سخط سخطا» و «علم علما» و «ذهب ذهابا» و «شكر شكرا» و «عظم عظمة». (١)

أمّا مصادر غير الثلاثي فهي قياسيّة.

ف «أفعل» إذا كان صحيح العين يجيء مصدره على الإفعال ، كالإكرام ، ومعتلّها كذلك ولكن تنقل حركتها إلى الفاء فتقلب ألفا وتحذف وتعوّض منها التاء ، ك «أقام

__________________

(١). قال ابن مالك :

فعل قياس مصدر المعدّى

من ذى ثلاثة كردّ ردّا

وفعل اللّازم بابه فعل

كفرح وكجوى وكشلل

وفعل اللّازم مثل قعدا

له فعول باطّراد كغدا

ما لم يكن مستوجبا فعالا

أو فعلانا فادر أو فعالا

فأوّل لذى امتناع كأبى

والثّان للّذي اقتضى تقلّبا

للدّا فعال أو لصوت وشمل

سيرا وصوتا الفعيل كصهل

فعولة فعالة لفعلا

كسهل الأمر وزيد جزلا

وما أتى مخالفا لما مضى

فبابه النّقل كسخط ورضى

١٨٥

إقامة» وقد تحذف التاء ، نحو قوله تعالى : «وَإِقامَ الصَّلاةِ».(١)

و «فعّل» إذا كان صحيح اللام يجيء مصدره على التّفعيل ، كالتسليم. ومعتلّها كذلك ولكن تحذف ياء التفعيل وتعوّض منها التاء فيصير وزنه التفعلة كالتّزكية.

ويستغنون غالبا عن التفعيل ب «التفعلة» فيما لامه همزة ك «خطّأ تخطئة وتخطيئا».

و «تفعّل» يجيء مصدره على تفعّل ، نحو : تعلّم تعلّما.

و «فاعل» يجيء مصدره على الفعال والمفاعلة ، نحو : قاتل قتالا ومقاتلة ويمتنع الفعال فيما فاؤه ياء ، نحو : ياسر مياسرة. و «تفاعل» يجيء مصدره على تفاعل ، نحو : تضارب تضاربا.

وما أوّله همزة وصل يكسر ثالثه وتزاد قبل آخره ألف فينقلب مصدرا ، نحو : اقتدر اقتدارا واصطفى اصطفاء وانطلق انطلاقا واستخرج استخراجا.

فإن كان استفعل معتلّ العين نقلت حركة عينه إلى الفاء وحذفت وعوّض منها تاء التأنيث لزوما ك «أفعل» المعتل العين ـ نحو : استقام استقامة. وقد جاء بالتصحيح تنبيها على الأصل ، نحو : استحوذ استحواذا. ويستثنى من المبدوّ بهمزة الوصل ما كان أصله تفاعل أو تفعّل ، نحو : اطّاير واطّيّر ـ أصلهما تطاير وتطير ـ فإنّ مصدرهما لا يكسر ثالثه بل يضمّ مايليه الآخر نظرا إلى الأصل ولا يزاد قبل آخره ألف ، فيقال : اطّاير واطّيّر.

ويأتي مصدر «فعلل» على فعلال وفعللة ، ك «دحرج دحراجا ودحرجة». و «مصدر تفعلل» على تفعلل ، نحو : «تدحرج تدحرجا».

وما خرج عمّا ذكرناه فشاذّ ، نحو : كذّب كذّابا ، تحمّل تحمّالا. (٢)

__________________

(١). الأنبياء (٢١) : ٧٣.

(٢). قال ابن مالك :

وغير ذى ثلاثة مقيس

مصدره كقدّس التّقديس

وزكّه تزكية وأجملا

أجمال من تجمّلا تجمّلا

واستعذ استعاذة ثمّ أقم

إقامة وغالبا ذا التّا لزم

١٨٦

مصدر المرّة والهيئة

إذا اريد بيان المرّة من مصدر الفعل الثلاثي يقال : «فعلة» ، نحو : «ضربته ضربة. إلّا إذا كان بناء المصدر المطلق على «فعلة» فيدلّ على المرّة منه بالوصف ، نحو : «رحم رحمة واحدة».

وإذا اريد بيان الهيئة منه يقال : «فعلة» ، نحو : «جلس جلسة» إلّا إذا كان بناء المصدر المطلق على «فعلة» فيدّل على الهيئة بالصّفة وشبهها ، نحو : «نشد الضّالة نشدة عظيمة» أو «نشدة الملهوف».

وتبنى المرّة من غير الثلاثي بزيادة التاء على مصدره المطلق كانطلاقة واستخراجة. فإن كان بناء المصدر المطلق على التاء يدلّ على المرّة منه بالوصف ، كإقامة واحدة.

ولا يبنى من غير الثلاثي مصدر للهيئة إلّا شذّ من قولهم : «اختمرت خمرة وتعمّم عمّة». (١)

إعمال اسم الفاعل

لا يخلو اسم الفاعل من أن يكون صلة ل «ال» أو مجرّدا.

فإن كان مجرّدا عمل عمل فعله من الرفع والنصب بشرط كونه بمعنى الحال أو الاستقبال ، نحو : «هذا ضارب زيدا الآن أو غدا». أمّا إذا كان بمعنى الماضي فلم يعمل بل

__________________

وما يلى الآخر مدّ وافتحا

مع كسر تلو الثّان ممّا افتتحا

بهمز وصل كاصطفى وضمّ ما

يربع فى أمثال قد تلملما

فعلال أو فعللة لفعللا

وأجعل مقيسا ثانيا لا أوّلا

لفاعل الفعال والمفاعله

وغير ما مرّ السّماع عادله

(١). قال ابن مالك :

وفعلة لمرّة كجلسه

وفعلة لهيئة كجلسه

فى غير ذى الثّلاث بالتّا المرّه

وشذّ فيه هيئة كالخمره

١٨٧

يجب إضافته ، تقول : «هذا ضارب زيد أمس». وأجاز الكسائي إعماله وجعل منه قوله تعالى : «وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ».(١) وقال ابن هشام : «إنّه على حكاية حال ماضية». (٢)

ثمّ إنّ هذا الخلاف في عمل الماضي دون ال بالنسبة إلى عمل النصب لا لمطلق العمل ، لصّحة قولك : «زيد قائم أبوه أمس».

ويشترط أيضا اعتماده على استفهام أو نفى أو مخبر عنه أو موصوف ، نحو : «أضارب زيد عمرا» و «ما ضارب زيد عمرا» و «زيد ضارب أبوه عمرا» و «مررت برجل ضارب أبوه عمرا».

والاعتماد على الموصوف المقدّر كالمذكور ومنه : «يا طالعا جبلا» ، أي : «يا رجلا طالعا جبلا».

واشترط جماعة لإعمال اسم الفاعل أيضا عدم كونه مصغّرا ولا موصوفا خلافا للكسائي فيهما.

وإن كان اسم الفاعل صلة ل «ال» عمل مطلقا ، فتقول : «هذا الضارب زيدا الآن أو غدا أو أمس». هذا هو المشهور. وزعم جماعة ـ منهم الرّماني ـ أنّه إذا وقع صلة ل «أل» لا يعمل إلّا ماضيا. وزعم بعضهم أنّه لا يعمل مطلقا وأنّ المنصوب بعده بإضمار فعل. (٣)

وكاسم الفاعل ـ في العمل والشروط ـ أمثلة المبالغه ، كقول بعضهم : «أمّا العسل فأنا

__________________

(١). الكهف (١٨) : ١٨.

(٢). في حكاية الحال الماضية طريقتان :

الاولى : أن يقدّر الفعل الماضي واقعا في زمن المتكلّم.

الثانية : أن يقدر المتكلّم نفسه موجودا في زمن وقوع الفعل.

(٣). قال ابن مالك :

كفعله اسم فاعل فى العمل

إن كان عن مضيّه بمعزل

وولي استفهاما أو حرف ندا

أو نفيا أو جا صفة أو مسندا

وقد يكون نعت محذوف عرف

فيستحقّ العمل الّذي وصف

وإن يكن صلة أل ففي المضي

وغيره إعماله قد ارتضي

١٨٨

شرّاب». (١)

وتثنية اسم الفاعل وجمعه وكذا تثنية أمثلة المبالغة وجمعها كالمفرد في العمل وفي الشروط ، كقوله تعالى : (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) ، (٢) وقول الشاعر :

ثمّ زادوا أنّهم في قومهم

غفر ذنبهم غير فخر (٣)

فصل : يجوز في اسم الفاعل الواجد لشروط العمل إضافته إلى ما يليه من مفعول ونصبه له ، فتقول ، «هذا ضارب زيد وضارب زيدا» فإن كان له مفعولان واضيف إلى أحدهما وجب نصب الآخر ، فتقول : «هذا معطى زيد درهما ومعطي درهم زيدا». وإذا اتبع المجرور ، يجوز في التابع الجرّ مراعاة للفظ ، نحو : «هذا ضارب زيد وعمرو» والنصب مراعاة للمحلّ عند المشهور وعلى أضمار فعل عند سيبويه. (٤)

إعمال اسم المفعول

يعمل اسم المفعول عمل الفعل المبنيّ للمفعول بالشروط المذكورة في اسم الفاعل ، فيرفع المفعول كما رفعه فعله ، تقول : «أمضروب الزيدان؟» كما تقول : «يضرب الزيدان».

وإن كان له مفعولان رفع أحدهما ونصب الآخر ، نحو : «زيد معطى أبوه درهما الآن أو غدا». (٥)

__________________

(١). قال ابن مالك :

فعال أو مفعال أو فعول

في كثرة عن فاعل بديل

فيستحقّ ما له من عمل

وفي فعيل قلّ ذا وفعل

(٢). الأحزاب (٣٣) : ٣٥.

(٣). غفر : جمع غفور وهو من أمثلة المبالغة.

قال ابن مالك :

وما سوى المفرد مثله جعل

في الحكم والشّروط حيثما عمل

(٤). قال ابن مالك :

وانصب بذى الإعمال تلوا واخفض

وهو لنصب ما سواه مقتض

واجرر أو انصب تابع الّذى انخفض

كمبتغي جاه ومالا من نهض

(٥). قال ابن مالك :

وكلّ ما قرّر لاسم فاعل

يعطى اسم مفعول بلا تفاضل

١٨٩

أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبّهات بها

يأتي اسم الفاعل من الفعل الثلاثي المجرّد على وزن «فاعل» بكثرة في «فعل» متعدّيا كان ك «ضرب» أو لازما ك «ذهب» ويأتي قليلا على غير «فاعل» ك «شيخ» ، وفي «فعل» متعدّيا ك «شرب». أمّا «فعل» اللازم و «فعل» فهو قليل فيهما.

ويصاغ الوصف من «فعل» اللازم ، على «فعل» في الأعراض ك «فرح» و «أفعل» في الألوان والخلق ، ك «أخضر» و «أعور» و «فعلان» فيما دلّ على الامتلاء وحرارة الباطن ك «شبعان» و «عطشان ويصاغ الوصف من «فعل» على «فعيل» ك «ظريف» و «فعل» ك «ضخم» ودونها «أفعل» ك «أخطب» و «فعل» ك «بطل» و «فعال» ك «جبان» و «فعال» ك «شجاع» و «فعل» ك «جنب» و «فعل» ك «عفر». وجميع هذه الصفات صفات مشبّهة إلّا فاعلا. نعم ، إذا دلّ على الثبوت فهو أيضا صفة مشبّهة ، ك «طاهر القلب». (١)

__________________

فهو كفعل صيغ للمفعول في

معناه كالمعطى كفافا يكتفي

ثمّ قال :

وقد يضاف ذا إلى اسم مرتفع

معنى ك «محمود المقاصد الورع».

يريد أنّه يجوز في اسم المفعول أن يضاف إلى ما هو مرفوع به في المعنى. وذلك بعد تحويل الإسناد عنه إلى ضمير راجع للموصوف ونصب الاسم على التشبيه. تقول : «الورع محمودة مقاصده» ثمّ تقول : «الورع محمود المقاصد» بالنصب ثمّ تقول : «الورع محمود المقاصد» بالجرّ.

وظاهر كلامه أنّ اسم الفاعل لا يجوز إضافة إلى مرفوعه كما أشار إليه بقوله «وقد يضاف ذا».

لكن يستفاد من كلام جماعة أنّ اسم الفاعل إذا كان لازما وقصد ثبوت معناه فهو كاسم المفعول في جواز إضافته إلى مرفوعه اتفاقا ، وإن كان متعدّيا لأكثر من واحد فلا يجوز إضافته إلى مرفوعه اتّفاقا وإن كان متعدّيا لواحد ففيه خلاف.

وصرّح الأزهري بأنّ إضافة اسم المفعول إلى مرفوعه أيضا فيما كان فيه معنى الثبوت. فتدبّر.

(١). قال ابن مالك :

كفاعل صغ اسم فاعل إذا

من ذي ثلاثة يكون كغذا

وهو قليل فى فعلت وفعل

غير معدّى بل قياسه فعل

وأفعل فعلان نحو أشر

ونحو صديان ونحو الأجهر

وفعل أولى وفعيل بفعل

كالضّخم والجميل والفعل جمل

وأفعل فيه قليل وفعل

وبسوى الفاعل قد يغنى فعل

١٩٠

واسم الفاعل من غير الثلاثي يأتي بلفظ مضارعه بإتيان ميم مضمومة مكان حرف المضارعة وكسر ما قبل الآخر ، ك «مستخرج» و «متعلّم» و «مدحرج».

ويأتى اسم المفعول من الثلاثي المجرّد على وزن «مفعول» ك «مضروب» ومن غيره كاسم الفاعل لكن يفتح ما قبل الآخر ، نحو «مستخرج» و «مدحرج».

وقد ينوب «فعيل» عن «مفعول» نحو : «مررت برجل جريح» أي : مجروح. (١)

إعمال الصفة المشبّهة

عرّفها جماعة من النحويّين بأنّها «ما دلّ على حدث وفاعله على معنى الثبوت». أي الاستمرار واللّزوم. (٢)

__________________

(١). قال ابن مالك :

وزنة المضارع اسم فاعل

من غير ذى الثّلاث كالمواصل

مع كسر متلوّ الأخير مطلقا

وضمّ ميم زائد قد سبقا

وإن فتحت منه ما كان انكسر

صار اسم مفعول كمثل المنتظر

وفى اسم مفعول الثّلاثيّ اطّرد

زنة مفعول كآت من قصد

وناب نقلا عنه ذو فعيل

نحو فتاة أو فتى كحيل

(٢). قال المحقّق الرضي رحمه‌الله : الّذي أراه أنّ الصّفة المشّهة كما أنّها ليست موضوعة للحدوث في زمان ، ليست أيضا موضوعة للاستمرار في جميع الأزمنة ، لأنّ الحدوث والاستمرار قيدان في الصّفة ، ولا دليل فيها عليها ، فليس معنى «حسن» في الوضع إلّا ذو حسن ، سواء كان في بعض الأزمنة أو جميع الأزمنة ، ولا دليل في اللفظ على أحد القيدين فهو حقيقة في القدر المشترك بينهما ، وهو الاتّصاف بالحسن لكن لمّا أطلق ذلك ولم يكن بعض الأزمنة أولى من بعض ولم يجز نفيه في جميع الأزمنة ـ لأنّك حكمت بثبوته فلا بدّ من وقوعه في زمان ـ كان الظاهر ثبوته في جميع الأزمنة إلى أن تقوم قرينة على تخصّصه ببعضها كما تقول : «كان هذا حسنا فقبح أو سيصير حسنا أو هو الآن حسن فقط» فظهوره في الاستمرار ليس وضعيّا. شرح الكافية ٢ : ٢٠٥

وقال ابن مالك :

صفة استحسن جرّ فاعل

معنى بها المشبهة اسم فاعل

فخرج نحو «زيد ضارب أبوه» ، فإنّ إضافة الوصف فيه إلى الفاعل ممتنعة لئلّا توهم الاضافة إلى المفعول ، ونحو «زيد كاتب أبوه» فإنّ إضافة الوصف فيه وإن كانت لا تمتنع لعدم اللّبس لكنّها لا تحسن ، لأنّ الصفة لا تضاف لمرفوعها حتّى يقدّر تحويل إسنادها عن مرفوعها إلى ضمير موصوفها. فتأمّل.

١٩١

وتفترق عن اسم الفاعل بامور :

منها : أنّها تصاغ من اللازم دون المتعدّي ، ك «حسن» (١) وهو يصاغ منهما ك «قائم» و «ضارب».

ومنها : أنّها تكون مجارية للمضارع في تحرّكه وسكونه ك «طاهر القلب» وغير مجارية له ، ك «حسن» ولا يكون اسم الفاعل إلّا مجاريا له.

ومنها : أنّ منصوبها لا يتقدّم عليها بخلاف منصوبه. فلا يقال : «زيد وجهه حسن» بخلاف «زيد عمرا ضارب».

ومنها أنّ معمولها لا يكون إلّا سببيّا ، أي : متصلا بضمير موصوفها ، إمّا لفظا نحو : «زيد حسن وجهه» وإمّا معنى نحو : «زيد حسن الوجه» أي : منه. وقيل : إنّ أل خلف عن المضاف إليه. بخلاف اسم الفاعل ، فإنّ معموله يكون سببيّا وأجنبيّا ، نحو : «زيد ضارب غلامه وعمرا». (٢)

ثمّ إنّ الصفة المشبّهة إمّا أن تكون بالألف واللّام أو مجرّدة منها ، وعلى كلّ من التقديرين لا يخلو المعمول من أحوال ستّة :

الأوّل : أن يكون المعمول بأل ، نحو : «الحسن الوجه وحسن الوجه».

الثاني : أن يكون مضافا لما فيه أل ، نحو : «الحسن وجه الأب وحسن وجه الأب».

الثالث : أن يكون مضافا إلى ضمير الموصوف ، نحو : مررت بالرجل الحسن وجهه وبرجل حسن وجهه».

الرابع : أن يكون مضافا إلى مضاف إلى ضمير الموصوف ، نحو : «مررت بالرّجل

__________________

(١). قال الشمني : فإن قيل : قد صيغت الصفة المشبّهة من المتعدّي ، نحو : «رحمن ورحيم» فإنّهما مصوغان من «رحم» وهو متعدّ.

اجيب : بأنّ الصفة إنّما تصاغ من غير القاصر بعد تنزيله منزلة القاصر. فصحّ أنّ الصفة المشبهة لا تضاغ إلّا من القاصر. المنصف ٢ : ١٦١.

(٢). قال ابن مالك :

صفة استحسن جرّ فاعل

معنى بها المشبهة اسم الفاعل

وصوغها من لازم لحاضر

كطاهر القلب جميل الظّاهر

وعمل اسم الفاعل المعدّى

لها على الحدّ الّذى قد حدّا

وسبق ما تعمل فيه مجتنب

وكونه ذا سببيّة وجب

١٩٢

الحسن وجه غلامه وبرجل حسن وجه غلامه».

الخامس : أن يكون مجرّدا من أل دون الإضافة ، نحو : «الحسن وجه أب وحسن وجه أب».

السادس : أن يكون المعمول مجرّدا من أل والإضافة ، نحو : «الحسن وجها وحسن وجها».

فهذه اثنتا عشرة مسألة ولمعمولها في كل واحدة من هذه المسائل المذكورة ثلاث حالات : الرفع بالفاعليّة والنصب على التشبيه بالمفعول إن كان معرفة والتمييز إن كان نكرة والجرّ بالإضافة. فالصور ستّ وثلاثون.

وحكموا بالامتناع في أربع مسائل ممّا كانت الصفة فيه بأل :

الاولى : جرّ المعمول المضاف إلى ضمير الموصوف ، نحو : «الحسن وجهه». (١)

الثانية : جرّ المعمول المضاف إلى ما اضيف إلى ضمير الموصوف ، نحو : «الحسن وجه غلامه».

الثالثة : جرّ المعمول المضاف إلى المجرّد من أل دون الاضافة ، نحو : «الحسن وجه أب».

الرابعة : جرّ المعمول المجرّد من أل والإضافة ، نحو : «الحسن وجه».

واختلف في جواز إضافة الصفة المجرّدة من أل إلى معمولها المضاف إلى ضمير الموصوف ك «مررت برجل حسن وجهه». فسيبويه والبصريّون على جوازه ـ على قبح ـ في ضرورة الشعر فقط والمبرّد على منعه مطلقا في الشعر وغيره والكوفيّون على جوازه مطلقا.

والباقي من الصور جائز. (٢)

__________________

(١). قال الخضري في حاشيته على شرح ابن عقيل (٢ : ٣٨) : ينبغي أنّ محلّ منعها إذا كان الموصوف بغير «أل» ك «زيد» وإلّا جاز الجرّ ك «مررت بالرّجل الحسن وجهه» لأنّ معمول الصفة حينئذ مضاف لضمير ما فيه «أل».

(٢). قسّم المحقّق الرضي رحمه‌الله الصور الجائزة على ثلاثة أقسام : الأحسن والحسن والقبيح.

قال : ما كان فيه ضمير واحد أحسن (نحو : زيد حسن وجها) وما كان فيه ضميران حسن (نحو : زيد حسن وجهه) وما لا ضمير فيه قبيح (نحو : زيد حسن الوجه).

قال ابن مالك :

فارفع بها وانصب وجرّ مع أل

ودون أل مصحوب أل وما اتّصل

بها مضافا أو مجرّدا ولا

تجرر بها مع أل سما من أل خلا

ومن إضافة لتاليها وما

لم يخل فهو بالجواز وسما

١٩٣

التعجّب

وله عبارات كثيرة ، نحو : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) ، (١) و «لله درّه فارسا».

والمبوّب له في كتب العربيّة صيغتان.

الاولى : ما أفعله ، نحو : «ما أحسن زيدا». و «ما» فيها مبتدأ وهي نكرة تامّة بمعنى «شيء» عند سيبويه. و «أحسن» فعل ماض فاعله ضمير مستتر عائد على «ما» و «زيدا» مفعول به. والجملة خبر عن «ما».

وقال الأخفش : هي معرفة ناقصة بمعنى «الذي» وما بعدها صلة فلا موضع له ، أو نكرة وما بعدها صفة فمحلّه رفع وعليهما فالخبر محذوف وجوبا ، أي : شيء عظيم. وذهب بعضهم إلى أنّها استفهاميّة والجملة الّتي بعدها خبر عنها والتقدير : «أيّ شيء أحسن زيدا؟».

الثانية : أفعل به ، نحو : «أحسن بزيد». وهو ـ عند البصريّين ـ فعل امر معناه الخبر وهو في الأصل فعل ماض على صيغة أفعل بمعنى صار ذا كذا ك «أغدّ البعير» أي : صار ذاغدّة ، ثمّ غيّرت الصيغة عند نقلها إلى إنشاء التعجّب ـ ليوافق اللفظ في التغيير تغيير المعنى من الإخبار إلى الإنشاء ـ فقبح إسناد صيغة الأمر إلى الاسم الظّاهر ، فزيدت الباء في الفاعل ليصير على صورة المفعول به ك «أمرر بزيد».

وقال جماعة : لفظه ومعناه الأمر وفيه ضمير والباء للتعدية. ثمّ اختلفوا في مرجع الضمير فقال ابن كيسان : «الضمير راجع إلى مصدر الفعل ، كأنّه قيل : «أحسن يا حسن بزيد» أي : ألزمه وقال غيره : «الضمير للمخاطب ، كأنّه قيل للمخاطب : صف زيدا بالحسن وإنّما التزم إفراده لأنّه كلام جرى مجرى المثل.

__________________

(١). البقرة (٢) : ٢٨.

١٩٤

ويجوز حذف المتعجّب منه ـ وهو المنصوب بعد «أفعل» والمجرور بالباء بعد «أفعل» ـ إذا دلّ عليه دليل ، فمثال الأوّل قوله :

جزى الله عنّي والجزاء بفضله

ربيعة خيرا ما أعفّ وأكرما

ومثال الثاني قوله تعالى : «أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا».(١)

ولا يتصرّف فعلا التعجّب ، بل يلزم كلّ منهما طريقة واحدة. ولذلك امتنع أن يتقدّم عليهما معمولهما فلا تقول : «زيدا ما أحسن» ولا «ما زيدا أحسن» و «لا بزيد أحسن». ويجب وصله بعامله فلا يفصل بينهما بأجنبيّ ، فلا تقول في «ما أحسن معطيك الدّرهم» : «ما أحسن الدّرهم معطيك». ولا فرق في ذلك بين المجرور وغيره فلا تقول : «ما أحسن بزيد مارّا» تريد : «ما أحسن مارّا بزيد».

وإن كان الظرف أو المجرور معمولا لفعل التعجّب ففي جواز الفصل بكلّ منهما بين فعل التعجّب ومعموله خلاف. ذهب المشهور إلى الجواز والأخفش والمبرّد إلى المنع. (٢)

ويصاغ فعلا التعجب ممّا اجتمعت فيه ثمانية شروط :

الأوّل أن يكون فعلا فلا يبنيان من الاسم.

الثانى : أن يكون ثلاثيا فلا يبنيان من «دحرج» واستخرج» ونحوهما ، إلّا «أفعل» فإنّه يبنى منه فعلا التعجّب قياسا عند سيبويه وسماعا عند غيره ، نحو : «ما أعطاه للدّارهم». وجوّز الأخفش والمبرّد بناءهما من جميع الثلاثي المزيد فيه.

الثالث : أن يكون متصرّفا فلا يبنيان من نحو : «نعم» و «بئس».

الرّابع : أن يكون معناه قابلا للتّفاضل ، فلا يبنيان من نحو : «مات».

__________________

(١). مريم (١٩) : ٣٨.

(٢). قال ابن مالك :

بأفعل انطق بعد ما تعجّبا

أوجىء بأفعل قبل مجرور ببا

وتلو أفعل انصبنّه كما

أوفى خليلينا وأصدق بهما

وحذف ما منه تعجّبت استبح

إن كان عند الحذف معناه يضح

وفى كلا الفعلين قدما لزما

منع تصرّف بحكم حتما

١٩٥

الخامس : أن يكون تامّا ، فلا يبنيان من الأفعال الناقصة ، نحو : «كان» وأخواتها ، فلا تقول : «ما أكون زيدا قائما» وأجازه الكوفيّون.

السادس : أن يكون مثبتا ، فلا يبنيان من المنفي سواء كان ملازما للنفي ، نحو : «ما عاج زيد بالدواء» أي : «ما انتفع به ، أم غير ملازم ك «ما قام زيد».

السابع : أن لا يكون الوصف منه على «أفعل فعلاء» فلا يبنيان من الأفعال الدالة على الألوان ك «سود» فهو أسود ، والعيوب ك «عور» فهو أعور ، فلا تقول : «ما أسوده» ولا «ما أعوره».

الثامن : ألّا يكون مبنيّا للمفعول ، نحو : «ضرب زيد» فلا تقول : «ما أضرب زيدا» تريد التعجّب من ضرب أوقع عليه ، لئلّا يلتبس بالتعجب من ضرب أوقعه. (١)

ويتوصّل إلى التعجب من الزّائد على ثلاثة وممّا وصفه على أفعل فعلاء ب «ما أشدّ» وينصب مصدرهما بعده أو ب «أشدد» ونحوه ويجرّ مصدرهما بعده بالباء ، فتقول : «ما أشدّ ـ أو أعظم ـ دحرجته أو انطلاقه أو حمرته» و «أشدد أو أعظم بهما». وكذا المنفي والمبني للمفعول ، إلّا أن مصدرهما يكون مؤوّلا لا صريحا ، نحو : «ما أكثر أن لا يقوم» و «ما أعظم ما ضرب».

وأمّا الفعل الناقص فإن قلنا له مصدر فمن النوع الأوّل وإلّا فمن الثاني ، تقول : «ما أشدّ كونه جميلا» أو «ما أكثر ما كان محسنا» و «أشدد ـ أو أكثر ـ بذلك». وأمّا الجامد والّذي لم يقبل التفاضل فلا يتعجّب منهما البتّة. (٢)

__________________

(١). قال ابن مالك :

وصغهما من ذي ثلاث صرّفا

قابل فضل تمّ غير ذى انتفا

وغير ذي وصف يضاهي أشهلا

وغير سالك سبيل فعلا

(٢). قال ابن مالك :

وأشدد او أشدّ أو شبههما

يخلف ما بعض الشّروط عدما

وبالنّدور احكم لغير ما ذكر

ولا تقس على الّذى منه اثر

ومصدر العادم بعد ينتصب

وبعد أفعل جرّه بالبا يجب

وفعل هذا الباب لن يقدّما

معموله ووصله به الزما

وفصله بظرف أو بحرف جر

مستعمل والخلف فى ذاك استقر

١٩٦

نعم وبئس

هما فعلان عند البصريّين والكسائي من الكوفيّين بدليل اتّصال تاء التأنيث الساكنة بهما في جميع اللغات ، كقول الإمام الصادق عليه‌السلام : «نعمت العطيّة الكلمة الصّالحة» ، (١) وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «بئست الدّار الدّنيا». (٢)

وذهب الكوفيّون ـ إلّا الكسائي ـ إلى أنّهما اسمان لدخول حرف الجرّ عليهما في قول بعضهم : «نعم السّير على بئس العير» وقول الآخر : «ما هي بنعم الولد».

وأجيب بأنّ الأصل : «نعم السير على عير مقول فيه : بئس العير» و «ما هي بولد مقول فيه : نعم الولد» فحذف الموصوف وصفته وأقيم معمول الصفة مقامهما ، مع بقاء «نعم وبئس» على فعليّتهما.

وهذان الفعلان لا يتصرّفان ، فلا يستعمل منهما غير الماضي ، ولا بدّ لهما من فاعل وهو على ثلاثة أقسام :

الأوّل : أن يكون محلّى بالألف واللّام ، نحو : «نعم الرّجل زيد» واختلف في هذه اللّام من أنّها جنسيّة أو عهديّة. ثم اختلف القائلون بالجنسيّة على قولين :

أحدهما : أنّها للجنس حقيقة ، فمدحت الجنس كلّه من أجل زيد ثمّ خصصت زيدا بالذكر فتكون قد مدحته مرّتين.

ثانيهما : أنّها للجنس مجازا ، لأنّك لم تقصد إلّا مدح زيد ولكنّك جعلته جميع الجنس مبالغة.

واختلف القائلون بالعهد على قولين أيضا :

أحدهما : أنّها للعهد الذهني فهي مشاربها إلى ما في الأذهان من حقيقة رجل كما تقول : «اشتر اللّحم» وأراد بذلك أن يقع إبهام ثمّ يأتي بالتفصيل بعده تفخيما للأمر.

__________________

(١). بحار الأنوار : ٧٥ / ١٩٥.

(٢). غرر الحكم : ١٤٣.

١٩٧

ثانيهما : أنّها للعهد الخارجي والمعهود هو شخص الممدوح. وكأنّك قلت : «نعم زيد هو».

الثاني : أن يكون مضافا إلى ما فيه «أل» كقوله تعالى : «وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ».(١) أو إلى مضاف لما فيه «ال» ، نحو :

نعم ابن اخت القوم غير مكذّب

زهير حساما مفردا من حمائل

الثالث : أن يكون ضميرا مستترا مفسّرا بتمييز ، نحو : «بئس رجلا زيد». هذا مذهب الجمهور. وزعم جماعة أنّ الاسم المرفوع بعد النكرة المنصوبة فاعل ، وأمّا النكرة المنصوبة فقال بعض هولاء : «إنّه حال» وذهب بعضهم إلى أنّه تمييز.

واختلف النحويّون في جواز الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر فأجازه المبرّد والسّراج والفارسي ، واستدلّوا بنحو :

تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزّاد زاد أبيك زادا

ومنعه سيبويه والسّيرا في مطلقا. وتأوّلا «زادا» بأنّه حال مؤكّدة أو مفعول مطلق ل «تزوّد» في أوّل البيت.

وفصّل بعضهم فقال : إن أفاد التمييز معنى زائدا على الفاعل جاز الجمع بينهما ، نحو : «نعم الرّجل فارسا زيد» وإلّا فلا ، نحو : «نعم الرّجل رجلا زيد».

وتقع «ما» بعد «نعم وبئس» فتقول : «نعم ما» أو «نعمّا» و «بئسما» واختلف في كلمة «ما» هذه ، فقال سيبويه وابن خروف : «هي فاعل ، ثمّ إن وقع بعدها جملة فعليّة فهي معرفة ناقصة أي : موصولة والفعل بعدها صلتها والمخصوص محذوف ، نحو : «نعّما يعظكم به» أي : نعم الّذى يعظكم به ، وإن وقع بعدها مفرد فهي معرفة تامّة كما في ، نحو : «فنعّما هي» ، أي. فنعم الشيء هي ، فكلمة «هي» المخصوص ، وقيل : «ما» تمييز فيهما فهي نكرة موصوفة بالجملة الفعليّة في المثال الأوّل ونكرة تامّة في المثال الثاني. (٢)

__________________

(١). النّحل (١٦) : ٣٠.

(٢). قال ابن مالك :

وجمع تمييز وفاعل ظهر

فيه خلاف عنهم قد اشتهر

وما مميّز وقيل فاعل

في نحو نعم ما يقول الفاضل

١٩٨

المخصوص بالمدح أو الذمّ

يذكر المخصوص بالمدح أو الذمّ بعد فاعل نعم وبئس الظاهر أو بعد التمييز ، نحو : «نعم الرّجل زيد» و «بئس رجلا بكر». وهو إمّا مبتدأ والجملة قبلة خبر عنه أو خبر مبتدأ محذوف وجوبا.

وإذا تقدّم المخصوص أو ما يدلّ عليه ، أغنى عن ذكره آخرا ، نحو : «زيد نعم الرّجل» وقوله تعالى : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ، (١) أي : نعم العبد أيّوب. (٢)

ملحقات نعم وبئس

تستعمل «ساء» في الذّم استعمال «بئس» ، نحو : «ساء الرّجل زيد» و «حبّذا» استعمال «نعم» ، نحو : «حبّذا زيد» وتقول في الذمّ : «لا حبّذا زيد».

واختلف في «حبّذا». فذهب جماعة إلى أنّ «حبّ» فعل ماض و «ذا» فاعله.

وجماعة اخرى إلى أنّ «حبّذا» اسم ، مبتدأ و «زيد» خبره ، او خبر مقدّم و «زيد» مبتدأ مؤخّر.

وذهب قوم إلى أنّ «حبّذا» فعل ماض و «زيد» فاعله.

ولا يتغيّر «ذا» عن الإفراد والتذكير بل يقال : «حبّذا الزيدان والهندان والزيدون والهندات». (٣)

وإذا وقع بعد «حبّ» غير «ذا» جاز فيه وجهان : الرّفع ب «حبّ» نحو : «حبّ زيد» و

__________________

(١). ص (٣٨) : ٤٤.

(٢). قال ابن مالك :

ويذكر المخصوص بعد مبتدا

أو خبر اسم ليس يبدو أبدا

وإن يقدّم مشعر به كفى

كالعلم نعم المقتنى والمقتفى

(٣). قال جماعة : ذلك لأنّها أشبهت المثل ، والمثل لا يغيّر ، كما تقول : «الصّيف ضيّعت اللّبن» للمذكّر والمؤنث والمفرد والمثنّى والجمع بهذا اللفظ من غير تغيير. ولذا لا يتقدّم ما بعد حبّذا عليها. وقال ابن كيسان : لأنّ المشار إليه مضاف محذوف فالتقدير في «حبّذا هند» : حبّذا حسن هند.

وقال المحقّق الرضي رحمه‌الله في شرح الكافية (٢ / ٣١٨): «إنّ «ذا» مبهم كالضمير في نعم وبئس فألزم الإفراد مثله وخلع منه الإشارة لغرض الإبهام».

١٩٩

الجرّ بباء زائدة نحو : «حبّ بزيد» ، وأصل «حبّ» : حبب ثمّ ادغمت الباء في الباء فصار حبّ.

ثمّ إن وقع بعد حبّ «ذا» وجب فتح الحاء فتقول : «حبّ ذا» وإن وقع بعدها غير «ذا» جاز ضمّ الحاء وفتحها ، فتقول : «حبّ زيد» و «حبّ زيد».

وكلّ فعل ثلاثي صالح للتعجّب منه ، يجوز استعماله على «فعل» لقصد المدح أو الذمّ ويعامل معاملة «نعم وبئس» في جميع ما تقدّم لهما من الأحكام ، تقول : «شرف الرّجل زيد ولؤم الرّجل بكر» و... وذكر ابن عصفور أنّه لا يجوز تحويل «علم وجهل وسمع» إلى فعل ، لأنّ العرب استعملتها استعمال نعم وبئس من غير تحويل ، تقول : «علم الرّجل زيد». (١)

__________________

(١). قال ابن مالك :

واجعل كبئس ساء واجعل فعلا

من ذي ثلاثة كنعم مسجلا

ومثل نعم حبّذا الفاعل ذا

وإن ترد ذمّا فقل لا حبّذا

وأول ذا المخصوص أيّا كان لا

تعدل بذا فهو يضاهى المثلا

وما سوى ذا ارفع بحبّ أو فجرّ

بالبا ودون ذا انضمام الحا كثر

٢٠٠